(الصفحة121) (الصفحة122) قد وردت النصوص الكثيرة على ندبها والحثّ عليها ، خصوصاً في أوقات مخصوصة; كالجمعة ، وعرفة ، وشهر رمضان ، وعلى طوائف مخصوصة ، كالجيران ، والأرحام ، حتّى ورد في الخبر : «لا صدقة وذو رحم محتاج»(1) وعن رسول الله (1) الفقيه : 2 / 38 ح 13 و ج 4 / 267 قطعة من ح 824 ، و ص 273 قطعة من ح 828 ، وعنه الوسائل : 9 / 380 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ب 7 ح 2 و ص 384 ب 8 ح 4 و ص 412 ب 20 ح 4 . (2) الكافي: 4/5 ح2، الفقيه: 2/38 ح160، وعنهما الوسائل: 9/386 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، ب 8 ح 1. (3) اُنظر الوسائل : 9 / 392 ـ 394 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ب 12 . (4) الكافي : 4 / 8 ح 3 ، ثواب الأعمال : 173 ح 2 ، التهذيب : 4 / 105 ح 300 ، وعنها الوسائل : 9 / 393 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، ب 12 ح 2 . (الصفحة123) أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، وهي تقع في يد الربّ ـ تبارك وتعالى ـ قبل أن تقع في يد العبد»(1) . وعن عليّ بن الحسين (عليهما السلام) : «كان يقبّل يده عند الصدقة ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل»(2) ونحوه عن غيره (عليه السلام)(3) . وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «كلّ معروف صدقة إلى غنيّ أو فقير ، فتصدّقوا ولو بشقّ التمرة ، واتّقوا النار ولو بشقّ التمرة ، فإنّ الله يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فلوه أو فصيله حتّى يوفّيه إيّاها يوم القيامة ، وحتّى يكون أعظم من الجبل العظيم»(4) إلى غير ذلك1 . 1 ـ المراد بالصدقة هنا الصدقة بالمعنى الخاصّ في مقابل الوقف الذي عرفت التعبير عنه بالصدقة الجارية في جملة من الروايات ، وفي مقابل الزكاة التي عبّر عنها بالصدقات في قوله تعالى : {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ . . .}(5) وسائر الأصناف الثمانية المستحقّين للزكاة المذكورين في الآية الشريفة ، وقد وردت النصوص الكثيرة على ندبها والحثّ والترغيب بها ، خصوصاً في أوقات مخصوصة ، وعلى طوائف مخصوصة ، والظاهر بلوغها حدّ التواتر المعنويّ ، ولا أقلّ (1) الكافي : 4 / 3 ح 5 ، الفقيه : 2 / 37 ح 156 ، التهذيب : 4 / 112 ح 331 ، وعنها الوسائل : 9 / 406 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، ب 18 ح 1 . (2) عدّة الداعي : 68 ، وعنه الوسائل 9 : 432 : كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، ب 29 ، ح 2 . (3) الكافي : 4 / 9 قطعة من ح3 ، التهذيب : 4 / 105 ، قطعة من ح 300 ، تفسير العيّاشي : 2 / 107 ح 114 ، تفسير الصافي : 1 / 726 ، تفسير الآية 104 من سورة التوبة ، البرهان في تفسير القرآن : 2 / 156 ح 7 ، وعنها الوسائل : 9 / 407 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، ب 18 ، ح 2 و ص 434 ، ح 5 ، وتفسير كنز الدقائق : 4 / 271 . (4) أمالي الطوسي : 458 ح 1023 ، وعنه الوسائل : 9 / 381 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ب 7 ح 5 . (5) سورة التوبة : 9 / 60 . (الصفحة124) مسألة : يعتبر في الصدقة قصد القربة ، ولا يعتبر فيها العقد المشتمل على الإيجاب والقبول على الأقوى ، بل يكفي المعاطاة ، فتتحقّق بكلّ لفظ أو فعل ـ من إعطاء أو تسليط ـ قصد به التمليك مجّاناً مع نيّة القربة ، ويشترط فيها الإقباض والقبض1 . من التواتر الإجمالي الناشئ عن العلم بصدور بعضها ، ولا حدّ فيها قلّةً وكثرةً ، ولها آثار وضعيّة كثيرة من دفع الشرّ والبلاء والمرض حتّى الجنون ، وفي المتن رواية «أنّ صدقة الليل تطفئ غضب الربّ ، وتمحو الذنب العظيم ، وتهوّن الحساب ، وصدقة النهار تثمر المال ، وتزيد في العمر» ، وكذا رواية «أنّها تقع في يد الربّ تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد» ، والتعابير المختلفة الواقعة في الروايات التي ربما يتعجّب منها الإنسان ، ويستفاد من مجموعها أنّ تكثيرها ولو بشيء يسير أولى من تقليلها ولو بشيء عظيم ، فتدبّر جيّداً . 1 ـ أمّا اعتبار قصد القربة في الصدقة ، فلأنّه الفصل المميّز بينها وبين سائر أنواع الهبات ، وحتّى الوقف وأخواته على ما عرفت من عدم اعتبار قصد القربة فيها(1) . نعم ، الفرق بينها وبين الزكاة مع اشتراكهما في اعتبار قصد القربة ـ مضافاً إلى لزوم قصد عنوان الزكاة ـ إنّما هو في الوجوب والاستحباب ، ولأجله يشكل الفرق بينها وبين الزكاة في الاُمور التي يستحبّ فيها الزكاة ، كمال التجارة ومثله ، اللّهمّ إلاّ في العنوان ، حيث إنّه يعتبر فيها قصد عنوان الزكاة ، بخلاف الصدقة ، فإنّها تحصل بمجرّد التمليك المجّاني مع قصد القربة . وأمّا عدم اعتبار العقد المشتمل على الإيجاب والقبول وإن كان هو المشهور ، بل (1) في ص 16. (الصفحة125) مسألة : لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض وإن كانت على أجنبيّ على الأصحّ1 . قد ادّعي الإجماع عليه (1) ، فلأنّه لا دليل على اعتبار اللفظ فيها ، فضلاً عن لفظ خاصّ ، وذكر السيّد في الملحقات أنّه ما أدري من أين اشترطوا فيها الإيجاب والقبول (2) ، وحينئذ فالظاهر أنّه كما أنّ المعاطاة كافية في مثل البيع الذي هو من جملة رؤوس العقود ، كذلك تكفي المعاطاة في مثل المقام . نعم ، قد عرفت ثبوت الإجماع على عدم جريانها في النكاح (3) . وأمّا اشتراط الإقباض والقبض الظاهر في الاشتراط في الصحّة لا الاعتبار في اللزوم ، فالدليل عليه ـ مضافاً إلى الإجماع(4) ـ ما عرفت من استصحاب عدم ترتّب الأثر قبل القبض(5) ، لكن المشهور اعتبار كونه بإذن المتصدّق(6) ، ولكن لا دليل عليه ، وثبوت الحرمة في صورة عدم الإذن لا يدلّ على فساده بعد عدم كونه بنفسه عبادةً منهيّاً عنها . 1 ـ قد خالف في ذلك الشيخ في محكيّ المبسوط(7) ، والظاهر عدم جواز الرجوع (1) المبسوط : 3 / 314 ، شرائع الإسلام : 2 / 222 ، كفاية الأحكام : 142 ، مفاتيح الشرائع : 1 / 231 ، الحدائق الناضرة : 22 / 261 ، مفتاح الكرامة : 9 / 148 ، رياض المسائل : 9 / 370 ، جواهر الكلام : 28 / 126 . (2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 274 . (3) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب النكاح : 60 . (4) السرائر : 3 / 177 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 417 . (5) في ص 19 . (6) شرائع الإسلام : 2 / 222 ، الجامع للشرائع : 367 ، جامع المقاصد : 9 / 129 ، الروضة البهيّة : 3 / 191 ، وغيرها كما في مفتاح الكرامة : 9 / 150 ، الحدائق الناضرة : 22 / 261 ، ملحقات العروة الوثقى : 2 / 274 ، الفصل الثامن . (7) المبسوط : 3 / 314 . (الصفحة126) مسألة : تحلّ صدقة الهاشمي لمثله ولغيره مطلقاً ، حتّى الزكاة المفروضة والفطرة . وأمّا صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحلّ في المندوبة ، وتحرم في الزكاة المفروضة والفطرة ، وأمّا غيرهما من المفروضات كالمظالم والكفّارات ونحوهما فالظاهر أنّها كالمندوبة ، وإن كان الأحوط عدم إعطائهم لها وتنزّههم عنها1 . فيها ، لما دلّ على أنّه لا يرجع فيما كان لله ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الاستصحاب أيضاً ذلك ، ولا فرق في ذلك بين الصدقة على ذي رحم ، أو الصدقة على الأجنبيّ ، وإن كان عدم جواز الرجوع في الهبة الخالية عن قصد القربة إنّما هو في الصورة الاُولى، وإن كان هنا بعض الاُمور الاُخرى دخيلاً في اللزوم وموجباً لثبوته ، كالهبة المعوّضة على ما عرفت في كتاب الهبة (1) . 1 ـ لا إشكال في أنّها تحلّ صدقة الهاشمي ـ مندوبةً كانت أو مفروضة ، زكاةً كانت أو فطرةً أو مظلمةً أو كفّارةً ـ لمثله من الهاشمي ولغيره ، فإنّه لا محدودية من هذه الجهة إذا كان المتصدّق هاشميّاً . كما أنّه لا إشكال في أنّه لا تحلّ صدقة غير الهاشمي للهاشمي في الزكاة المفروضة والفطرة ، على ما تقدّم في البابين ، وأمّا غيرهما من المفروضات كالمظالم والكفّارات فقد استظهر في المتن أنّها كالمندوبة وإن احتاط بعدم إعطائهم لها وتنزّههم عنها ، والوجه في الجواز عدم الدليل على عدمه في غير الزكاة والفطرة ، وفي الاحتياط شباهتهما بهما ، خصوصاً مع ملاحظة ما ورد في الخمس من تخصيص الله تعالى (1) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الهبة مسألة 8 ، الفرع الرابع . (الصفحة127) مسألة : يعتبر في المتصدِّق البلوغ ، والعقل ، وعدم الحجر لفلس أو سفه ، فلا تصحّ صدقة الصبيّ حتّى من بلغ عشراً1 . مسألة : لا يعتبر في المتصدَّق عليه في الصدقة المندوبة الفقر ولا الإيمان ولا الإسلام ، فتجوز على الغنيّ وعلى الذمّي ، والمخالف وإن كانا أجنبيّين . نعم ، لا تجوز على الناصب ولا على الحربي وإن كانا قريبين2 . سهم السادات بهم تجليلاً لهم وتكريماً لشأنهم(1) ، كما لا يخفى . 1 ـ يعتبر في المتصدّق البلوغ والعقل ، كما في سائر العقود المرتبطة ، وكذا الاختيار في مقابل الإكراه ، ولم يعلم الوجه في ترك التعرّض له ، فإنّه لا إشكال في البطلان في صورة الإكراه وعدم الاختيار ، وكذا يعتبر عدم الحجر لفلس أو سفه ، لما تقدّم في كتاب الحجر من أنّه لا يجوز لهما التصرّفات الماليّة مطلقاً (2) ، وأمّا الصبيّ البالغ عشراً فالظاهر أنّه لا تصحّ صدقته مطلقاً وإن قلنا بصحّة وصيّته في هذه الصورة ; لعدم الملازمة وبطلان القياس . 2 ـ لا يعتبر في المتصدَّق عليه في الصدقة المندوبة الفقر ، ولا الإيمان ولا الإسلام ، فتجوز على الغنيّ وعلى الذمّي والمخالف . نعم ، قد عرفت في باب الزكاة أنّه إذا استبصر من أعطى زكاته الواجبة للمخالف يجب عليه الأداء ثانياً ، معلّلاً بأنّه وضعها في غير موضعها ، ولا فرق في الصدقة المندوبة من هذه الجهة بين ما إذا كان المتصدّق عليه رحماً أو أجنبيّاً . (1) وسائل الشيعة : 9 / 509 ـ 518 ، كتاب الخمس ، أبواب قسمة الخمس ب 1 . (2) أي في كتاب الحجر ، القول في السفه . والقول في الفلس مسألة 3 . (الصفحة128) مسألة : الصدقة سرّاً أفضل ، فقد ورد : «أنّ صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ ، وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وتدفع سبعين باباً من البلاء»(1) . نعم ، لو اتّهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن نفسه ، أو قصد اقتداء غيره به لا بأس بالإجهار بها ، ولم يتأكّد إخفاؤها ، هذا في المندوبة ، وأمّا الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقاً1 . مسألة : تستحبّ المساعدة والتوسّط في إيصال الصدقة ، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في خطبة له : «ومن تصدّق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره ، ولو تداولها أربعون ألف إنسان ثمّ وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل ، وما عند الله خيرٌ وأبقى للذين اتّقوا وأحسنوا لو كنتم تعلمون»(2)2 . مسألة : يكره كراهة شديدة أن يتملّك من الفقير ما تصدّق به بشراء أو والظاهر عدم الجواز على الناصب ، كما يظهر من بعض الأخبار (3) ، وظاهر المحكيّ عن الوسائل الفتوى(4) به ، كما أنّ الظاهر عدم الجواز على الكافر الحربي الذي يكون همّه المحاربة مع الإسلام ، ولأجله يجوز أخذ ماله والتصرّف فيه . نعم ، تجوز الصدقة على مجهول الحال بلا إشكال . 1 ، 2 ـ الوجه في هاتين المسألتين واضح لا يحتاج إلى البيان والتكرار . (1) مجمع البيان : 2 / 198 ، وعنه الوسائل : 9 / 396 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ب13 ح10 . (2) عقاب الأعمال : 342 ، وعنه الوسائل : 9 / 426 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ب26 ح3 . (3) الكافي : 4 / 13 ح 1 ، التهذيب : 4 / 53 ح 141 و ص 107 ح 306 ، المقنعة : 263 و عنها الوسائل : 9 / 414 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، ب 21 ، ح 2 و 3 . (4) وسائل الشيعة : 9 / 413 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، ب 21 . (الصفحة129) اتّهاب أو بسبب آخر ، بل قيل بحرمته . نعم ، لا بأس بأن يرجع إليه بالميراث1 . مسألة : يكره ردّ السائل ولو ظنّ غناه ، بل يعطى ولو شيئاً يسيراً2 . مسألة : يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج ، بل مع الحاجة أيضاً ، بل قيل بحرمة الأوّل ، ولا ينبغي ترك الاحتياط ، وقد ورد فيه الإزعاج الأكيد ، ففي الخبر : «من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيّام لقى الله يوم القيامة وليس على وجهه لحم»(1)3 . 1 ـ 3 ـ الوجه في هذه المسائل واضح لا يحتاج إلى البيان والتكرار . (1) عقاب الأعمال : 325 ح1 ، وعنه الوسائل : 9 / 437 ، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة ب31 ح5 ، وفيهما : يوم يلقاه، بدل يوم القيامة . (الصفحة130) (الصفحة131) (الصفحة132) (الصفحة133) وهي : إمّا تمليكيّة; كأن يوصي بشيء من تركته لزيد ، ويلحق بها الإيصاء بالتسليط على حقّ ، وإمّا عهديّة; كأن يوصي بما يتعلّق بتجهيزه أو باستئجار الحجّ أو الصلاة أو نحوهما له ، وإمّا فكّية تتعلّق بفكّ ملك; كالإيصاء بالتحرير1 . 1 ـ قد استعملت هذه اللفظة بعنوانها في الآيات والروايات الكثيرة ، سيّما في الآيات الواردة في الإرث المذيّلة بقوله تعالى : {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْن}(1) وقد ذكرنا في التعليقة على العروة الظاهرة في احتمال كونها مصدراً ما يرجع إلى أنّه لم يذكر الوصية مصدراً للثلاثي ، بل المصدر له هو الوَصْي ـ بفتح الواو وسكون الصاد ـ فيتعيّن أن يكون اسم مصدر من الرباعي ، ويبقى حينئذ اختلاف الثلاثي والرباعي في المعنى ، حيث إنّ الأوّل بمعنى الوصل ، والثاني بمعنى العهد . ودعوى أنّهما مادّتان متبائنتان ليس بينهما أيّ نوع من الاشتقاق كما في بعض الشروح(2) ، مندفعة بما ذكره الزمخشري في أساس البلاغة من قوله : واصَى البلدُ ، (1) سورة النساء : 4 / 11، وفي الآية 12: يوصَى . (2) مستمسك العروة : 14 / 534 . (الصفحة134) البلدَ : واصله(1) ، فإنّها ظاهرة في مجيء الرباعي أيضاً بمعنى الوصل ، فلا محيص من أن يقال : إنّ العهد أيضاً نوع من الوصل ; لتقوّمه بالطرفين وتحقّق اتّصال في البين(2) . وهي على ثلاثة أقسام : الأوّل : الوصيّة التمليكيّة ، كأن يوصي بشيء من تركته لشخص خاصّ كزيد أو عمرو مثلاً ، ومعنى كونها تمليكيّة صيرورة الشخص الموصى له مالكاً لذلك الشيء بنفس هذه الوصيّة ، غاية الأمر بعد موت الموصي ، لا أنّه يوصي بتمليكه وجعله بعد الموت ملكاً له ، كما لا يخفى . وفي المتن : «ويلحق بها الإيصاء بالتسليط على حقّ» بالمعنى الذي ذكرنا في الوصيّة التمليكيّة ، لا الوصيّة بالتسليط التي يجري فيها احتمال المخالفة ، وتوقّف ثبوت الحقّ على تسليط الورثة ، مع أنّ الظاهر تحقّقه بمجرّد موت الموصي . الثاني : الوصيّة العهديّة ، التي مرجعها إلى أن يعهد الموصي أمراً ممّا يتعلّق بتجهيزه أو الدفن في مكان خاصّ ، أو باستئجار الحجّ ، أو الصلاة والصوم ونحوها له ، ولعلّ هذا القسم هو الغالب من أقسام الوصيّة . نعم ، قد ذكرنا هناك(3) أنّه إن كان المراد بالعهد هو العهد المتعلّق بخصوص العمل ـ سواء كان راجعاً إلى الغير أو إلى نفسه ـ فجعل الوصية الراجعة إلى التسليط على الحقّ ، أو فكّ الملك من أقسام الوصيّة العهديّة ـ كما في العروة ـ غير ظاهر ، وإن كان المراد به هو العهد بالمعنى الأعمّ ممّايتعلّق بالعمل; وهوالذي يعبّرعنه في الفارسيّة بـ «سفارش» فجعل التمليكيّة (1) أساس البلاغة : 501 . (2) الحواشي على العروة الوثقى : 2 / 761 كتاب الوصيّة، فصل (3) أي في الحاشية على العروة الوثقى . (الصفحة135) قسيماً للعهدية غير واضح ، إذ حينئذ تصير التمليكيّة من أقسام العهديّة الخ(1) . الثالث : الوصيّة الفكّية ، التي مرجعها إلى فكّ الملك ، كالإيصاء بالتحرير ، والظاهر أيضاً ما ذكرنا من حصول الحرّية بمجرّد موت الموصي ، كما في التدبير الذي معناه حصولها عقيب حياته ودبرها ، لا تحرير الورثة إيّاه الذي لازمه ما ذكر ، وكذا في الوصيّة بالإبراء . 1 ـ إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت وآثاره بحيث يكون فيه احتماله مورداً لاعتناء العقلاء وإن لم يتحقّق الاطمئنان ، فالواجب عليه: (1) الحواشي على العروة الوثقى : 2 / 761 ـ 762 ، كتاب الوصيّة، فصل (الصفحة136) مسألة : إن كان عنده أموال الناس أو كان عليه حقوق وواجبات ، لكن يعلم أو يطمئنّ بأنّ أخلافه يوصلون الأموال ويؤدّون الحقوق والواجبات ، أوّلاً : أن يوصل ما عنده من أموال الناس من الودائع والبضائع ونحوها إلى أصحابها ، وإن لم تكن يده ضمانيّة كالوديعة مع عدم التعدّي والتفريط ، نظراً إلى حكم العقل بلزوم تفريغ الذمّة يقيناً بعد اشتغالها كذلك ، وكذا يجب عليه أداء ما عليه خالقيّاً ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، أو خلقيّاً إلاّ الديون المؤجّلة التي لم يأت أجلها حتّى تشتغل الذمّة به فعلاً . وثانياً : أنّه مع عدم التمكّن من الإيصال والإتيان بنفسه بالمباشرة أو التوكيل يجب عليه الوصيّة بإيصال ما عنده من أموال الناس إليهم ، وفي المتن لزوم الإشهاد عليها ، خصوصاً إذا خفيت على الورثة ، والوجه في صورة الخفاء واضح ، وأمّا صورة عدم الخفاء ، فلأنّه لا يكفي في وصول أموال الناس إلى أربابها مجرّد اطّلاع الورثة ، فاللازم الإشهاد . وكذا يجب الإيصاء بأداء ما عليه من الحقوق الماليّة خلقيّاً كانت أو خالقيّاً ، كالأمثلة المذكورة في المتن أيضاً ، بل يجب عليه الوصيّة بأن يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنيّة التي تجري فيها الاستنابة والاستئجار ، كقضاء الصلاة والصوم إن كان عليه ولم يكن له وليّ يقضيها عنه ، للزوم القضاء على الولي ، كما مرّ في كتاب الصلاة(1) ، وفي المتن الترقّي بما لو كان له وليّ لا يصحّ منه العمل ، أو كان ممّن لا يوثق بإتيانه أو الاستئجار عليه ، أو يرى عدم صحّة عمله وإن كان الوليّ معتقداً بالصحّة ، لكنّ الاعتقاد المذكور لا يوجب الاتّصاف بالصحّة . (1) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الصلاة ، القول في صلاة القضاء مسألة 16 . (الصفحة137) لم يجب عليه الإيصال والإيصاء وإن كان أحوط وأولى1 . مسألة : يكفي في الوصيّة كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ من أيّ لغة كان ، ولا يعتبر فيها لفظ خاصّ ، ففي التمليكيّة يقول : «أوصيت لفلان بكذا» أو «اُعطوا فلاناً» أو «ادفعوا إليه بعد موتي» أو «لفلان بعد موتي كذا» ونحوها بأيّ نحو يفيد ذلك . وفي العهدية : «افعلوا بعد موتي كذا وكذا». والظاهر الاكتفاء بالكتابة حتّى مع القدرة على النطق ، خصوصاً في الوصيّة العهديّة إذا علم أنّه كان في مقام الوصيّة ، وكانت العبارة ظاهرة الدلالة على المعنى المقصود ، فيكفي وجود مكتوب من الموصي بخطّه وإمضائه أو خاتمه إذا علم من قرائن الأحوال كونه بعنوان الوصيّة ، فيجب تنفيذها ، بل الاكتفاء بالإشارة المفهمة ـ حتّى مع القدرة على النطق أو الكتابة ـ لا يخلو من قوّة ، وإن كان الأحوط عدم الإيصاء بها اختياراً2 . 1 ـ حيث إنّ المقصود في باب أموال الناس التي تكون عند الموصي أو على عهدته الإيصال إليهم ، وفي باب التكاليف والواجبات الإتيان بها والخروج عن عهدتها ، فإن علم أو اطمئنّ بأنّ أخلافه يتصدّون لهذه الاُمور ولا يبقى منه شيء لا يجب عليه الإيصال بنفسه ، أو الإيصاء بالإيصال ، أو أداء الواجبات ; لأنّ الوجوب إنّما هو لأجل الخروج عن العهدة بعد ثبوت الاشتغال ، ومع العلم أو الاطمئنان بما ذكر لا يبقى مجال للوجوب وإن كان مع ذلك أحوط وأولى . 2 ـ يكفي في الوصيّة كلّ لفظ يدلّ عليها من أيّ لغة كان ، ولا يعتبر فيها لفظ خاصّ ، والدليل عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا دليل على اعتبار لفظ خاصّ ـ اختلاف المسلمين من جهة الألسن واللغات من ناحية ، وعدم ثبوت وقت خاصّ لها ، ومن (الصفحة138) الممكن إيقاعها قبل الفوت بلحظات من ناحية اُخرى . فيكفي في الوصيّة التمليكيّة والعهدية مثل ما اُفيد في المتن ، واستظهر فيه الاكتفاء بالكتابة حتّى مع القدرة على النطق ، كما هو المتعارف في الوصايا إذا علم أنّه كان في مقام الوصيّة ، وكانت العبارة ظاهرة الدلالة على المعنى المقصود . والظاهر اعتبار الأوّل في لزوم العمل بالوصيّة ، وأمّا الثاني فلا يجوز ترك الأخذ بالوصيّة المكتوبة مع الإجمال وعدم ظهور الدلالة ، بل لابدّ من التوسّل بالقرعة ، أو التصالح ، أو مثل ذلك ، بل نفى الخلوّ عن القوّة في الاكتفاء بالإشارة المفهمة حتّى مع القدرة على النطق أو الكتابة ، والوجه أنّه لا دليل على كون الوصيّة بأمر خاصّ . نعم ، الاكتفاء على صورة الضرورة يكون أحوط . وربما يستدلّ على اعتبار الكتابة بقوله (عليه السلام) : ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلاّ ووصيّته تحت رأسه(1) ، بل وبمكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) : رجل كتب كتاباً بخطّه ولم يقل لورثته : هذه وصيّتي ، ولم يقل : إنّي قد أوصيت ، إلاّ أنّه كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطّه ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب (عليه السلام) : إن كان له ولد ينفذون كلّ شيء يجدون في كتاب أبيهم في وجوه البرّ وغيره(2) . ولكن أورد على الاستدلال بالاُولى ـ مضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال ـ بعدم الدلالة فيه على كفاية ما يوجد بخطّه وكونه حجّة على الورثة ، بل مفادها الترغيب في الاستعداد للموت . (1) المقنعة : 666 ، وعنه الوسائل 19 / 258 ، كتاب الوصايا ب1 ح7 . (2) الفقيه : 4 / 146 ح507 ، التهذيب : 9 / 242 ح936 ، وعنهما الوسائل : 19 / 372 ، كتاب الوصايا ب48 ح2 . (الصفحة139) مسألة : للوصيّة التملكيّة أركان ثلاثة : الموصي ، والموصى به ، والموصى له ، وقوام العهديّة بأمرين : الموصي ، والموصى به . نعم ، إذا عيّن الموصي شخصاً لتنفيذها تقوم حينئذ باُمور ثلاثة : هما ، والموصى إليه ; وهو الذي يطلق عليه الوصيّ1 . مسألة : لا إشكال في أنّ الوصيّة العهدية لا تحتاج إلى قبول . نعم ، لو عيّن وصيّاً لتنفيذها لابدّ من قبوله ، لكن في وصايته لا في أصل الوصية . وأمّا الوصيّة التمليكيّة ، فإن كانت تمليكاً للنوع كالوصية للفقراء والسادة ، فهي كالعهديّة لا يعتبر فيها القبول ، وإن كانت تمليكاً للشخص فالمشهور على أنّه يعتبر فيها القبول من الموصى له ، والظاهر أنّ تحقّق الوصيّة وترتّب أحكامها من حرمة التبديل ونحوها لا يتوقّف على القبول ، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه ، فلا يتملّك قهراً ، فالوصية من الإيقاعات ، لكنّها جزء سبب للملكيّة في الفرض2 . وعلى الاستدلال بالثانية ـ مضافاً إلى ضعف سندها بكلا طريقيها ـ بأنّ مفادها الحجّية على الأولاد بعد أن كان السؤال عن الحجّية لمطلق الوارث ، ومفهوم الجواب عدم الحجّية لغير الولد . 1 ـ قوام الوصيّة التملكيّة باُمور ثلاثة : الموصي ، والموصى به ، والموصى له ، ولكن الوصيّة العهديّة تتقوّم بأمرين : الموصي ، والموصى به . نعم ، لو عيّن الموصي شخصاً خاصّاً لتفيذها وارثاً كان أو غيرها يضاف إليهما أمر ثالث ; وهو الموصى إليه الذي يطلق عليه الوصيّ . 2 ـ قد نفى الإشكال عن أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى قبول ; لأنّ مرجعها إلى (الصفحة140) الإيصاء بإتيان عمل بعد موته . نعم ، لو عيّن وصيّاً لتنفيذها لابدّ من قبوله ، لكن القبول معتبر في اتّصافه بكونه وصيّاً وصيرورته كذلك ، لا في أصل صحّة الوصيّة . وأمّا الوصيّة التمليكيّة فقد فصّل فيها في المتن بين ما إذا كانت تمليكاً للنوع ، كالفقراء فلا يعتبر فيها القبول . وإن كانت تمليكاً للشخص، فالمشهور(1) على أنّه يعتبر فيها القبول من الموصى له ، واستظهر فيه أنّ تحقّق الوصيّة فيها أيضاً لا يتوقّف على القبول ، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه ، ولكنّا ذكرنا في التعليقة على العروة أنّ حصول الملكيّة للموصى له يتوقّف على عدم الردّ ، بحيث يكون الردّ مانعاً; لظهور الإجماع(2) ، ولولاه لم يتوقّف عليه أيضاً . وما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) دليلاً على اعتبار القبول; من أنّ أدلّة الوصيّة غايتها الدلالة على نفوذ عهد الإنسان عند موته فيما كان قبله تحت سلطانه ، وأنّ سلطنته عليه باقية إذا عهد فيه بأمر ، وأمّا كون سلطانه عند موته على ما لم يكن سلطاناً عليه قبل ذلك كما هو قضيّة الملك القهري ، فلا تدلّ عليه(3) ، يمكن المناقشة فيه بمنع كون أدلّة الوصيّة غايتها الدلالة على مجرّد ذلك . كيف؟ والمحذور لا يندفع بمجرّد اعتبار القبول بعد مغايرتها مع سائر العقود في حصول الموت بين الإيجاب والقبول . وتحقّق الفصل الطويل وغيرهما ، وكون الملك القهري خلاف الارتكاز العرفي غير ثابت ، فالظاهر أنّه مع عدم قيام الإجماع لم يكن يتوقّف حصول الملكيّة على شيء ولم يمنع عنها شيء كما عرفت(4) ، ومقتضى (1) العروة الوثقى: 2 / 762 كتاب الوصيّة مسألة 3899. (2) غنية النزوع : 306 ، رياض المسائل : 9 / 429 . (3) الحواشي على العروة الوثقى للسيّد البروجردي : 187 . (4) الحواشي على العروة الوثقى : 2 / 762، حاشية مسألة 3899 . |