(الصفحة321)
وفي دلالة الثانية على المقصود إشكال ، والظاهر من الرواية كون العلّة التامّة للاصطياد هو إرساله كذلك ، فلو استرسل بنفسه ـ وإن أغراه صاحبه بعده ـ لم يؤثّر ذلك في حلّية مقتوله ، أمّا في صورة عدم تأثير الإغراء فيه فواضح ، وأمّا في صورة التأثير ـ بأن زاد في عدوه بسبب الإغراء ـ فقد احتاط فيه في المتن ، ومنشؤه أنّ أصل الاسترسال كان مستنداً إلى نفسه ، لا إلى الإرسال ، وعطف على ذلك فيه ما لو أرسله لا للاصطياد بل لأمر آخر من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك ، فصادف غزالاً فقتله .
نعم ، لا يعتبر قصد شخص الصيد المقتول ، خصوصاً مع بُعد الفاصلة نوعاً ، واحتمال كون الغزال متعدّداً فقتل واحداً من الجمع .
ومن هنا يظهر أنّه لو أرسله إلى صيد غزال فصادف الكلب غزالاً آخر فقتله يكفي في حلّه ، وكذا لو أرسله إلى صيد واحد فصاد أزيد منه يحلّ الجميع ; لصدق قتل الكلب المعلّم المسترسل بإرساله ، كما لا يخفى .
الثاني : أن يكون المرسل مسلماً أو صبيّاً مميّزاً ملحقاً به ، فلو كان المرسل كافراً أو بحكمه كالنواصب المنتحلين للإسلام لم يحلّ الأكل ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى اعتبار الإسلام في الذابح وكون الإرسال للاصطياد بمنزلته ، فاللازم أن يكون المرسل مسلماً أو محكوماً به ـ السؤال في جملة من الروايات عن استعارة كلب غير المسلم ثمّ إرسال المسلم إيّاه ، الدالّ على أنّ اعتبار كون المرسل مسلماً أمراً مفروغاً عنه ، ففي رواية عبد الرحمن بن سيابة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أستعير كلب المجوسي فأصيد به؟ قال : لا تأكل من صيده إلاّ أن يكون علّمه مسلم فتعلّم(1) .
(1) الكافي : 6 / 209 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 30 ح119 ، الاستبصار : 4 / 70 ح255 ، وعنها الوسائل : 23/360 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب15 ح2 .
(الصفحة322)
الثالث: أن يسمّي ; بأن يذكر اسم الله عند إرساله ، فلو تركه عمداً لم يحلّ مقتوله ، ولا يضرّ لو كان نسياناً ، والأحوط أن تكون التسمية عند الإرسال ، فلا يكتفى بها قبل الإصابة1 .
وظاهرها اعتبار كون المعلّم مسلماً ، وحكي عن الشيخ أنّه عمل به في كتابي الأخبار(1) ، لكنّ الظاهر كما في حاشية الوسائل أنّه من سهو الرواة(2) ، والمراد أن يكون المرسل مسلماً .
ويؤيّده رواية سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم فيسمّي حين يرسله ، أيأكل ممّا أمسك عليه؟ قال : نعم ; لأنّه مكلّب وذكر اسم الله عليه . رواها المشايخ الثلاثة بأسانيدهم إلى هشام بن سالم ، عن عبد الرحمن بن سيابة(3) .
1 ـ الأصل في اعتبار هذا الأمر الآية الشريفة(4) الدالّة على لزوم ذكر اسم الله عليه ، ويدلّ عليه روايات كثيرة قد تقدّمت بعضها ، وفي رواية القاسم ابن سليمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : إذا صاد الكلب وقد سمّى فليأكل ، وإذا صاد ولم يسمّ فلا يأكل ، وهذا «ممّا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ»(5) .
(1) تهذيب الأحكام : 9 / 30 ، الاستبصار : 4 / 70 ، وكذا في المبسوط : 6 / 262 .
(2) وسائل الشيعة : 16 / 273 ، طبع المكتبة الإسلاميّة بطهران، مع تعليقات للشيخ أبو الحسن الشعراني (رحمه الله) .
(3) الكافي : 6 / 208 ح1 ، الفقيه : 3 / 202 ح913 ، تهذيب الأحكام : 9 / 30 ح118 ، الاستبصار : 4 / 70 ح254 ، وعنها الوسائل : 23/360 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب15 ح1 .
(4) سورة المائدة : 5/4 .
(5) الكافي : 6 / 205 ح16 ، تهذيب الأحكام : 9 / 25 ح100 ، الفقيه : 3 / 202 ح914 ، وعنها الوسائل : 23/357 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب12 ح1 .
(الصفحة323)
الرابع: أن يكون موت الحيوان مستنداً إلى جرحه وعقره ، فلو كان بسبب آخر ـ كصدمه ، أو خنقه ، أو إتعابه ، أو ذهاب مرارته من الخوف أو إلقائه من شاهق أو غير ذلك ـ لم يحلّ1 .
الخامس: عدم إدراك صاحب الكلب الصيد حيّاً مع تمكّنه من تذكيته ; بأن أدركه ميّتاً ، أو أدركه حيّاً لكن لم يسع الزمان لذبحه . وبالجملة : إذا أرسل كلبه إلى الصيد ، فإن لحق به بعد ما أخذه وعقره وصار غير ممتنع ، فوجده ميّتاً كان ذكياً وحلّ أكله ، وكذا إن وجده حيّاً ولم يتّسع الزمان لذبحه ، فتركه حتّى
وكذلك ورد في مورد النسيان رواية زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا أرسل الرجل كلبه ونسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح ونسي أن يسمّي ، وكذلك إذا رمى بالسهم ونسي أن يسمّي(1) .
وقد احتاط وجوباً أن تكون التسمية عند الإرسال لا متأخّرة عنه ولو قبل الإصابة ، لاقتضاء الأصل ذلك ، مضافاً إلى إشعار الروايات به(2) .
1 ـ يعتبر أن يكون موت الصيد مستنداً إلى جرح الكلب المعلّم وعضّه وعقره ، فلو كان بسبب آخر كصدمه ، أو خنقه ، أو تعبه ، أو ذهاب مرارته ـ ويعبّر عنها بالفارسية بـ «زهره» ـ من الخوف ، أو إلقائه من شاهق أو نحو ذلك ، لا يحلّ مقتوله; للتعبير بالقتل بالإضافة إلى الكلب ، وقتله لا يتحقّق بالاُمور المذكورة ، فلا يترتّب عليها الحلّية .
(1) الكافي : 6 / 206 ح18 ، تهذيب الأحكام : 9 / 25 ح102 ، الفقيه : 3 / 202 ح915 ، وعنها الوسائل : 23/357 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب12 ح1 .
(2) وسائل الشيعة : 23 / 357 ـ 358 ب12 .
(الصفحة324)
مات . وأمّا إن اتّسع لذبحه لا يحلّ إلاّ بالذبح ، فلو تركه حتّى مات كان ميتة . وأدنى ما يدرك ذكاته أن يجده تطرف عينيه ، أو تركض رجله ، أو يحرّك ذنبه أو يده ، فإن وجده كذلك واتّسع الزمان لذبحه لم يحلّ أكله إلاّ بالذبح . وكذلك الحال لو وجده بعد عقر الكلب عليه ممتنعاً ، فجعل يعدو خلفه فوقف ، فإن بقي من حياته زماناً يتّسع لذبحه لم يحلّ إلاّ به ، وإن لم يتّسع حلّ بدونه ، ويلحق بعدم اتّساعة ما إذا وسع ولكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه ; كما إذا اشتغل بأخذ الآلة وسلّ السكّين مع المسارعة العرفيّة ، وكون الآلات على النحو المتعارف ، فلو كان السكّين في غمد ضيّق غير متعارف فلم يدرك الذكاة لأجل سلّه منه لم يحلّ . وكذا لو كان لأجل لصوقه به بدم ونحوه . ومن عدم التقصير ما إذا امتنع الصيد من التمكين بما فيه من بقيّة قوّة ونحو ذلك ، فمات قبل أن يمكنه الذبح .
نعم ، لا يلحق به فقد الآلة على الأحوط لو لم يكن أقوى ، فلو وجده حيّاً واتّسع الزمان لذبحه إلاّ أنّه لم يكن عنده السكّين ، فلم يذبحه لذلك حتّى مات لم يحلّ أكله1 .
1 ـ قد وردت في هذا المجال وبعض خصوصيّاته روايات :
منها : صحيحة جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكّين فيذكّيه بها ، أفيدعه حتّى يقتله ويأكل منه؟ قال : لابأس ، قال الله عزّوجلّ : {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}(1)الحديث(2) ، ورواه في الوسائل في الباب الواحد مرّتين ظاهره التعدّد ، ولكن ذكرنا
(1) سورة المائدة: 5 / 4.
(2) الكافي : 6 / 204 ح8 ، التهذيب : 9 / 23 ح93 ، وعنهما الوسائل : 23 / 347 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب8 ح1 .
(الصفحة325)
مراراً الاتّحاد وعدم التعدّد مع كون الراوي عن الإمام (عليه السلام) واحداً .
ومنها : مرسلة الصدوق المعتبرة قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إن أرسلت كلبك على صيد فأدركته ولم يكن معك حديدة تذبحه بها ، فدع الكلب يقتله ، ثمّ كُلْ منه(1) .
ومنها : رواية ليث المرادي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصقورة والبزاة وعن صيدهما؟ فقال : كل ما لم يقتل إذا أدركت ذكاته ، وآخر الذكاة إذا كانت العين تطرف ، والرجل تركض ، والذنب يتحرّك ، وقال : ليست الصقورة والبزاة في القرآن(2) .
والمستفاد من جميع الروايات المرتبطة بهذه المسألة اُمور :
الأوّل : أنّه إذا أدرك الصائد الصيد قبل أن يقتله الكلب وأمكن له تذكيته من جهة وجود آلتها وعدم امتناع الصيد والزمان الكافي لها يجب عليه التذكية ، وكان ذلك أمراً مفروغاً عنه بين الرواة ، ولذا لم يسألوا عن أصله ، بل عن جهات اُخرى .
الثاني : أنّه إذا لم يكن معه آلة التذكية بوجه ، أو كانت موجودة معه ، ولكنّ الزمان لا يتّسع لاخذ الآلة وسلّ السكّين مثلاً مع وجود المسارعة العرفيّة يجوز له أن يرفع اليد عنه حتّى يقتله الكلب ، ثمّ يأكل منه ، ويلحق بذلك ما إذا لم يمكن التذكية لامتناع الحيوان منها .
الثالث : أنّ الملاك في إدراكه حيّاً ـ الذي عبّر عنه في الرواية بآخر الذكاة ـ تطرف العين ، وتركض الرجل ، وتحرّك الذنب ، وأمّا ما في المتن من أنّه لو لم تقع التذكية لفقد الآلة فإنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى الحرمة ، فهو خلاف مرسلة
(1) الفقيه : 3 / 205 ح934 ، وعنه الوسائل : 23 / 348 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب8 ح3 .
(2) الكافي : 6 / 208 ح10 ، تهذيب الأحكام : 9 / 33 ح131 ، الاستبصار 4 : 73 ح267 ، وعنها الوسائل : 23 / 350 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب9 ح4 .
(الصفحة326)
مسألة : هل يجب على من أرسل الكلب المسارعة والمبادرة إلى الصيد من حين الإرسال ، أو من حين ما رآه قد أصاب الصيد وإن كان بعد امتناعه ، أو من حين ما أوقفه وصار غير ممتنع ، أو لا تجب أصلاً؟ الظاهر وجوبها من حين الإيقاف ، فإذا أشعر به يجب عليه المسارعة العرفيّة حتّى أنّه لو أدركه حيّاً ذبحه ، فلو لم يتسارع ثمّ وجده ميّتاً لم يحلّ أكله . وأمّا قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه . هذا إذا احتمل ترتّب أثر على المسارعة واللحوق بالصيد; بأن احتمل أنّه يدركه حيّاً ويقدر على ذبحه من جهة اتّساع الزمان ووجود الآلة ، وأمّا مع عدم احتماله ولو من جهة عدم ما يذبح به فلا إشكال في عدم وجوبها ، فلو خلاّه حينئذ على حاله إلى أن قتله الكلب وأزهق روحه بعقره حلّ أكله .
نعم ، لو توقّف إحراز كون موته بسبب جرح الكلب لا بسبب آخر على التسارع إليه وتعرّف حاله لزم لأجل ذلك1 .
الصدوق المعتبرة الدالّة على أنّه إذا لم يكن معك حديدة تذبح بها فدع الكلب يقتله ، ثمّ كُلْ منه ، اللّهمَّ إلاّ أن يقال بثبوت الشهرة على خلافها ، وهو غير معلوم .
1 ـ هل يجب على من أرسل الكلب للصيد المسارعة والمبادرة العرفيّة إلى الصيد بمجرّد الإرسال ، أو من حين ما رأى الكلب قد أصاب الصيد وإن كان بعد امتناعه وكونه في مقام الفرار والتخلّص ، أو من حين ما أوقفه وصار غير ممتنع ، أو لا تجب أصلاً؟ فيه وجوه واحتمالات ، واستظهر في المتن الوجوب من حين الإيقاف ، فإذا أشعر به تجب عليه المسارعة العرفيّة حتّى أنّه لو أدركه حيّاً ذبحه ، فلو لم يتسارع ثمّ وجده ميّتاً لم يحلّ أكله ، وأمّا قبل ذلك فالظاهر عدم جوبها وإن
(الصفحة327)
مسألة : لا يعتبر في حلّية الصيد وحدة المرسل ولا وحدة الكلب ، فلو أرسل جماعة كلباً واحداً أو أرسل واحد أو جماعة كلاباً متعدّدة فقتلت صيداً حلّ أكله . نعم ، يعتبر في المتعدّد صائداً وآلة أن يكون الجميع واجداً للاُمور المعتبرة شرعاً ، فلو كان المرسل اثنين أحدهما كافر ، أو لم يسمّ
كان الاحتياط لا ينبغي تركه .
ولعلّ الوجه في عدم الوجوب قبل الإيقاف احتمال عدم رؤية الكلب الصيد ، أو عدم إيقافه بعد الوصول إليه ، خصوصاً مع كونهما مطابقين للأصل ، ويساعده الاعتبار ، فإنّ الإنسان لا يتمكّن عادةً من سرعة حركة الحيوان ، خصوصاً مع كونها إلى جهات مختلفة ، كما هو مقتضى طبع الإيصال إلى الصيد الممتنع بالأصالة .
وأمّا منشأ الوجوب من حين الإيقاف في صورة احتمال ترتّب أثر على المسارعة واللحوق بالصيد ، وإدراكه حيّاً والقدرة على ذبحه واتّساع الزمان ، فلأنّه يصدق عليه أنّه أدركه حيّاً ، وقد مرّ أنّ الواجب في هذه الصورة هي التذكية والذبح بالمعنى الأعمّ .
وأمّا في صورة عدم ترتّب أثر على المسارعة والاُمور المذكورة ، ففي المتن أنّه لا إشكال في عدم وجوبها حينئذ ، فلو خلاّه على حاله إلى أن قتله الكلب فقتله يحلّ له أكله . نعم ، لابدّ من إحراز كون زهاق روحه بسبب عقر الكلب وعضّه ، لا بسبب شيء من الأسباب المذكورة آنفاً ، كالسقوط من شاهق ونحوه ، وعليه فاللازم التسارع لإحراز ذلك ، وإلاّ فمقتضى القاعدة العدم ، ولعلّ هذا ينافي ما تقدّم منه في المسألة السابقة من أنّ مقتضى الاحتياط ، بل الأقوى أنّه لو كان المنشأ لعدم التذكية فقد الآلة فلا يحلّ الصيد ، فتدبّر جيّداً . لكنّا ذكرنا أنّ مقتضى الرواية المعتبرة الحلّية في هذه الصورة أيضاً ، فراجع .
(الصفحة328)
أحدهما ، أو اُرسل كلبان أحدهما معلَّم والآخر غير معلّم ، فقتلاه لم يحلّ1 .
مسألة : لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجماديّة إلاّ ما قتله السيف أو السكّين ، أو الخنجر ، ونحوها من الأسلحة التي تقطع بحدّها ، أو الرمح
1 ـ لا دليل على اعتبار الوحدة ، لا في الصائد ولا في الآلة الحيوانية ، بل المعتبر هو الواجديّة للشرائط في صورة التعدّد كصورة الوحدة ، ويدلّ على المطلوب نفياً وإثباتاً صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث صيد الكلب قال : وإن وجدت معه كلباً غير معلَّم فلا تأكل منه(1) .
ومرسلة الصدوق المعتبرة قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا أرسلت كلبك على صيد ، وشاركه كلب آخر فلا تأكل منه ، إلاّ أن تدرك ذكاته(2) .
ومرسلة أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلّمة كلّها ، وقد سمّوا عليها ، فلمّا أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحباً ، فاشتركن جميعاً في الصيد؟ فقال : لا يؤكل منه ; لأنّك لا تدري أخذه معلّم أم لا(3) .
ويؤيّده رواية عيسى بن عبدالله قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : كُلْ من صيد الكلب ما لم يغب عنك، فإذا تغيّب عنك فدعه(4). مضافاً إلى أنّ الحكم المذكورمقتضى القاعدة .
(1) الكافي : 6 / 203 ح4 ، تهذيب الأحكام : 9 / 26 ح106 ، وعنهما الوسائل : 23 / 342 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب5 ح1 .
(2) الفقيه : 3 / 205 ح934 ، وعنه الوسائل : 23 / 343 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب5 ح3 .
(3) الكافي : 6 / 206 ح19 ، تهذيب الأحكام : 9 / 26 ح105 ، وعنهما الوسائل : 23 / 343 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب5 ح2 .
(4) تهذيب الأحكام: 9/29 ح117، وعنه الوسائل: 23/359 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب14 ح1.
(الصفحة329)
والسهم والنشّاب ممّا يُشاك بحدّه ، حتّى العصا التي في طرفها حديدة محدّدة ; من غير فرق بين ما كان فيه نصل ، كالسهم الذي يركب عليه الريش ، أو صنع قاطعاً أو شائكاً بنفسه ، بل لا يبعد عدم اعتبار كونه من الحديد ، فيكفي بعد كونه سلاحاً قاطعاً أو شائكاً كونه من أيّ فلز كان ، حتّى الصفر والذهب والفضّة ، والأحوط اعتباره . ويعتبر كونه مستعملاً سلاحاً في العادة على الأحوط ، فلا يشمل المخْيط والشوك والسفود ونحوها ، والظاهر أنّه لا يعتبر الخرق والجرح في الآلة المذكورة; أعني ذات الحديدة المحدّدة ، فلو رمى الصيد بسهم ، أو طعنه برمح فقتله بالرمح والطعن ـ من دون أن يكون فيه أثر السهم والرمح ـ حلّ أكله .
ويلحق بالآلة الحديديّة المعراض الذي هو ـ كما قيل ـ خشبة لا نصل فيها ، إلاّ أنّها محدّدة الطرفين ثقيلة الوسط ، أو السهم الحادّ الرأس الذي لا نصل فيه ، أو سهم بلا ريش غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه . وكيف كان ، إنّما يحلّ مقتول هذه الآلة لو قتلت الصيد بخرقها إيّاه وشوكها فيه ولو يسيراً ، فلو قتله بثقلها من دون خرق لم يحلّ ، والأحوط عدم التجاوز عن المعراض إلى غيره من المحدّدة غير الحديد1 .
1 ـ قد عرفت أنّ الآلة الموجبة لقتل الصيد قد تكون حيوانيّة ، وقد تكون جماديّة ، فاعلم أنّ الآلة الجماديّة إن كانت من الحديد فلا إشكال في حلّية الصيد المقتول بها ، كالسيف ، أو السّكين ، أو الخنجر ، ونحوها من الأسلحة التي تقطع بحدّها ، أو الرمح ، أو السهم ، أو النشّاب ممّا يشاك بحدّه ويوجد الشوك فيه فيقتله ، حتّى العصا التي في طرفها حديدة محدّدة ; من دون فرق بين ما كان فيه نصل كالسهم الذي يركب عليه الريش ، أو صنع قاطعاً أو شائكاً بنفسه .
(الصفحة330)
وقد نفى البُعد في المتن عن عدم اعتبار كونه من الحديد ، وأنّ اعتباره يكون مقتضى الاحتياط ، والمنشأ أنّه لا دليل على اعتبار كونه من الحديد ، وسيأتي الجواز بالمعراض ، وعليه فيشمل سائر الفلزّات بعد كونها سلاحاً قاطعاً أو شائكاً من أيّ فلز كان ، حتّى الصفر والذهب والفضّة ، فلو كان له سيف مصنوع من الذهب أو الفضّة ـ كما هو الموجود عند بعض السلاطين ـ لا مجال للحكم بعدم الاكتفاء به بعد كون السيف آلة قاطعة; من حديد كان أو من غيره من الفلزّات ، والحكم في التذكية باختصاص الآلة بالحديد على فرضه لا يلازم التخصيص بالحديد هنا .
وفي رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من جرح صيداً بسلاح وذكر اسم الله عليه ، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع ، وقد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء ، الحديث(1) .
وفي رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كُلْ من الصيد ما قتل السيف ، والرمح ، والسهم ، الحديث(2) .
وغيرهما من الروايات الدالّة على أنّ القتل بمطلق مثل السيف من أيّ فلزّ كان موجب للحلّية وجواز الأكل من الصيد ، كما أنّ مقتضى الإطلاق بعد تحقّق القتل بأحد هذه الاُمور أنّه لا يعتبر الجرح والخرق بالآلة المذكورة .
ويلحق بالآلة الحديديّة ، المعراض بأحد التفاسير الثلاثة المنقولة في المتن ، فيدلّ
(1) الكافي : 6 / 210 ح2 ، الفقيه : 3 / 204 ح930 ، تهذيب الأحكام : 9 / 34 ح138 ، وعنهما الوسائل : 23 / 362 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب16 ح1 .
(2) الكافي : 6 / 209 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 34 ح137 ، وعنهما الوسائل : 23 / 362 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب16 ح2 .
(الصفحة331)
مسألة : كلّ آلة جمادية لم تكن ذات حديدة محدّدة ، ولا محدّدة غير الحديديّة قتلت بخرقها من المثقلات ، كالحجارة والمقمعة والعمود والبندقة لا يحلّ مقتولها، كالمقتول بالحبائلوالشبكة والشرك ونحوها. نعم، لابأس بالاصطياد بها ، وكذا بالحيوان غير الكلب; كالفهد والنمر والبازي وغيرها ، بمعنى جعل الحيوان الممتنع غير ممتنع بها ، ولكنّه لا يحلّ ما يصطاد بها إلاّ إذا أدركه وذكّاه1 .
عليه طائفة من الروايات :
منها : رواية أبي عبيدة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا رميت بالمعراض فخرق فكل ، وإن لم يخرق واعترض فلا تأكل(1) .
ومنها : مرسلة الصدوق ، عن زرارة أنّه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول فيما قتل المعراض : لا بأس به إذا كان ، إنّما يصنع لذلك(2) .
ومنها : غير ذلك من الروايات ، والمستفاد من ملاحظتها مدخليّة المعراض في القتل بالجرح أو الشوك فيه ، وأمّا غير المعراض فلا دليل فيه على اللحوق بعد عدم كونه حديداً محدّداً .
1 ـ الأصل في ذلك الروايات الواردة في هذا المجال :
منها : رواية سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عمّا قتل الحجر والبندق أيؤكل؟ قال : لا(3) .
(1) الكافي : 6 / 212 ح3 ، تهذيب الأحكام : 9 / 35 ح134 ، وعنهما الوسائل : 23 / 370 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب22 ح1 .
(2) الفقيه : 3 / 203 ح922 ، وعنه الوسائل : 23 / 372 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب22 ح6 .
(3) الكافي : 6 / 213 ح3 ، تهذيب الأحكام : 9 / 36 ح151 ، وعنهما الوسائل : 23 / 373 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب23 ح1 .
(الصفحة332)
مسألة : لا يبعد حلّية ما قتل بالآلة المعروفة ـ المسمّاة بالبُندقيّة ـ مع اجتماع الشرائط ، بشرط أن تكون البندقة محدّدة نافذة بحدّته على الأحوط ، فيجتنب ممّا قتل بالبندق الذي ليس كذلك وإن جرح وخرق بقوّته ، والبندقة التي قلنا في المسألة السابقة بحرمة مقتولها غير هذه النافذة الخارقة بحدّتها1 .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عن قتل الحجر والبندق أيؤكل منه؟ فقال : لا(1) .
ومنها : صحيحة حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عمّا قتل البندق والحجر أيؤكل منه؟ قال : لا(2) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على عدم حلّية أكل الصيد المقتول بآلة جماديّة غير الحديديّة ، وقد استدرك صورة الاصطياد بهذه الاُمور ، بل بالحيوان غير الكلب ، كالفهد والنمر والبازي وغيرها ; بمعنى جعل هذه الآلات مانعة عن امتناع الصيد وفراره ثمّ إيقاع التذكية الشرعيّة عليه لتتحقّق الحلّية ، ففي الحقيقة يكون القتل مستنداً إلى التذكية ، لا إلى تلك الآلات .
1 ـ قد مرّ في المسألة السابقة حرمة الصيد إذا قتل بالبندق ، وقد عرفت الروايات المتعدّدة الدالّة عليها ، فاعلم أنّ هذه المسألة بمنزلة المستثنى منها ، ومحصّلها يرجع إلى نفي البُعد عن حلّية ما قتل بالآلة المعروفة المسمّـاة بالبندقيّة ،
(1) الكافي : 6 / 213 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 37 ح152 ، وعنهما الوسائل : 23 / 374 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب23 ح3 .
(2) الكافي : 6 / 213 ح4 ، تهذيب الأحكام : 9 / 36 ح149 ، وعنهما الوسائل : 23 / 374 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب23 ح4 .
(الصفحة333)
مسألة : لا يعتبر في حلّية الصيد بالآلة الجماديّة وحدة الصائد ، ولا وحدة الآلة ، فلو رمى شخص بالسهم وطعن آخر بالرمح وسمّيا معاً فقتلا صيداً حلّ إذا اجتمع الشرائط فيهما ، بل إذا أرسل أحد كلبه إلى صيد ، ورماه آخر بسهم فقتل بهما حلّ1 .
بشرط أن تكون البندقة محدّدة نافذة ، ومرجعه إلى أنّ البندق على قسمين :
الأوّل : ما كان معمولاً في السابق وفي زمن صدور الروايات الناهية ، وهو ما لم تكن محدّدة نافذة بسبب حدّتها ، ولعلّه هو الذي يعبّر عنه في الفارسية به (تفنگ ساچمه اى) وكان أثره الخرق لا النفوذ .
الثاني : ما هو المتعارف في هذه الأزمنة ممّا تكون محدّدة نافذة ; وهو الذي يعبّر عنه في الفارسية به (فشنگ) والظاهر أنّ الروايات لا تكون ناظرة إلى هذا القسم ; لعدم كونه متعارفاً في زمن صدورها ، بل عدم وجودها فيه ، والشاهد عليه عطفه على الحجر ، أو عطف الحجر عليه ، حيث يدلاّن على أنّ المراد بالبندق ما يكون مثل الحجر في تأثير ثقالته ، لا في النفوذ بالحدّة ، كما هو غير خفي ، وكيف كان ، لا دليل على عدم تأثيره في حلّية الصيد المقتول به .
1 ـ كما أنّك عرفت في الآلة الحيوانية عدم اعتبار وحدة الصائد ولا وحدة الآلة والكلب(1) ، كذلك لا يعتبر الأمران هنا أيضاً ، من دون فرق بين ما إذا كانت الآلة الجمادية من نوع واحد أو من نوعين ، كما إذا رمى شخص بالسهم ، وطعن آخر بالرمح ، بل إذا كان القتل مسبّباً عن الآلة الجماديّة والحيوانية معاً ; كما إذا أرسل أحد كلبه إلى صيد ورماه آخر بسهم ، فقتل بسبب الأمرين معاً يكون حلالاً ، لعدم
(1) في ص328 .
(الصفحة334)
مسألة : يشترط في الصيد بالآلة الجماديّة جميع ما اشترط في الصيد بالآلة الحيوانيّة ، فيشترط كون الصائد مسلماً ، والتسمية عند استعمال الآلة ، وأن يكون استعمالها للاصطياد ، فلو رمى إلى هدف ، أو إلى عدوّ ، أو إلى خنزير ، فأصاب غزالاً فقتله لم يحلّ وإن سمّى عند الرمي لغرض من الأغراض . وكذا لو أفلت من يده فأصابه فقتله . وأن لا يدركه حيّاً زماناً اتّسع للذح ، فلو أدركه كذلك لم يحلّ إلاّ بالذبح ، والكلام في وجوب المسارعة وعدمه كما مرّ . وأن يستقلّ الآلة المحلّلة في قتل الصيد ، فلو شاركها فيه غيرها لم يحلّ ، فلو سقط بعد إصابة السهم من الجبل ، أو وقع في الماء واستند موته إليهما ـ بل وإن لم يعلم استقلال السهم في إماتته ـ لم يحلّ . وكذا لو رماه شخصان فقتلاه وفقدت الشرائط في أحدهما1 .
الدليل على اعتبار كون القتل مسبّباً عن إحدى الآلتين منحصرة .
ويدلّ على بعض المطلوب رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)قال : سألته عن ضبي أو حمار وحش أو طير صرعه رجل ، ثمّ رماه غيره بعدما صرعه؟ فقال : كل(1) ما لم يتغيّب إذا سمّى ورماه(2) .
1 ـ يشترط في الصيد بالآلة الجماديّة جميع ما اشترط في الصيد بالآلة الحيوانيّة; من كون الصائد مسلماً ، والتسمية عند استعمال الآلة ; لما عرفت(3) من كون ذلك
(1) في القرب والمسائل والبحار والوسائل 25 : كله .
(2) قرب الإسناد : 278 ح1105 ، وعنه الوسائل : 23 / 380 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب27 ح2 وبحار الأنوار : 65 / 273 ح2 ، وفي الوسائل : 25 / 51 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ب19 ح5 عن مسائل عليّ بن جعفر باختلاف .
(3) في ص321 .
(الصفحة335)
بمنزلة الذبح الذي يشترط جميع ذلك في الذابح .
ومن جملة الشرائط أن يكون استعمال الآلة بقصد الاصطياد ، فلو رمى إلى هدف ، أو إلى عدوّ ، أو إلى خنزير فأصاب غزالاً فقتله لم يحلّ وإن فرضت التسمية عند الرمي لغرض من الأغراض ، مثل الاستعانة بالله لإذهاب عدوّه مثلاً ، وكذا لو لم يقصد الرمي ، بل أفلت من يده فأصابه فقتله .
وأن لا يدركه حيّاً زماناً قابلاً لوقوع الذبح الشرعي فيه ، وإلاّ فالواجب الذبح ، وقد مرّ الملاك في الإدراك حيّاً وعدمه(1) .
وكذا من جملة الشرائط استقلال الآلة المحلّلة في قتل الصيد ، كاستقلال الكلب المعلّم فيه ولو لم يكن واحداً ، فلو شارك الآلة المحلّلة غيرها في القتل لم تتحقّق الحلّية ، ومن ذلك ما لو سقط بعد إصابة السهم إليه من الجبل ، أو وقع في الماء وكان موته مستنداً إليهما ، وفي المتن : بل وإن لم يعلم استقلال السهم في إماتته لم يحلّ ، والوجه فيه لزوم إحراز الاستناد وجريان أصالة عدم التذكية مع الشكّ ، وكذا لو رماه شخصان فقتلاه وفقدت الشرائط في أحدهما ، مثل الإسلام وترك التسمية عمداً .
ويدلّ على بعض المقصود صحيحة حريز قال : سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الرمية يجدها صاحبها من الغد أيأكل منه؟ قال : إن علم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل ، وذلك إذا كان قد سمّى(2) .
ومضمرة سماعة قال : سألته عن رجل رمى حمار وحش أوظبياً فأصابه ، ثمّ
(1) في ص324 ـ 325 .
(2) الكافي : 6 / 210 ح3 ، الفقيه : 3 / 202 ح917 ، تهذيب الأحكام : 9 / 34 ح135 ، وعنهما الوسائل : 23 / 365 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب18 ح2 .
(الصفحة336)
مسألة : لا يشترط في إباحة الصيد إباحة الآلة ، فيحلّ الصيد بالكلب أو السهم المغصوبين وإن فعل حراماً وعليه الاُجرة ، ويملكه الصائد دون صاحب الآلة1 .
مسألة : الحيوان الذي يحلّ مقتوله بالكلب والآلة مع اجتماع الشرائط كلّ حيوان ممتنع مستوحش من طير أو غيره ; سواء كان كذلك بالأصل ،
كان في طلبه فوجده من الغد وسهمه فيه؟ فقال : إن علم أنّه أصابه وأنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل منه ، وإلاّ فلا يأكل منه(1) .
ورواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من جرح صيداً بسلاح وذكر اسم الله عليه ، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع ، وقد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء ، الحديث(2) ، وروايات كثيرة اُخرى دالّة على هذا المضمون .
1 ـ لا يشترط في حلّية الصيد المقتول بالآلة الحيوانيّة أو الآلة الجماديّة إباحة الآلة أصلاً ، كما في باب الذبح ، فيحلّ الصيد بالكلب أو السهم المغصوبين وإن ارتكب حراماً ، لكنّه لا يرتبط بحلّية الصيد ، فالواجب عليه الاُجرة إن كان له اُجرة عند العقلاء ، ويملكه الصائد دون صاحب الآلة ، كما في قوله : الزرع للزارع ولو كان غاصباً ، بناءً على أن يكون المراد هو غصب الأرض للزراعة ، مع أنّ حلّية الآلة وعدمها لا دخل لها في الصيد المقتول بالآلة ، ولا ربط لها به أيّ ارتباط فرض .
(1) الكافي : 6 / 210 ح4 ، تهذيب الأحكام : 9 / 34 ح136 ، وعنهما الوسائل : 23 / 366 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب18 ح3 .
(2) تقدّمت في ص330 .
(الصفحة337)
كالحمام والظبي والبقر الوحشي ، أو كان إنسيّاً فتوحّش ، أو استعصى ، كالبقر المستعصي والبعير كذلك ، وكذلك الصائل من البهائم ، كالجاموس الصائل ونحوه . وبالجملة : كلّ ما لا يجيء تحت اليد ولا يُقدر عليه غالباً إلاّ بالعلاج ، فلا تقع التذكية الصيديّة على الحيوان الأهليّ المستأنس ; سواء كان استئناسه أصليّاً ، كالدجاج والشاة والبعير والبقر ، أو عارضيّاً كالظبي والطير المستأنسين ، وكذا ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو ، وفرخ الطير قبل نهوضه للطيران ، فلو رمى طائراً وفرخه الذي لم ينهض فقتلهما حلّ الطائر دون الفرخ1 .
1 ـ هنا ضابطتان لحلّية الصيد المقتول بالكلب والآلة وعدمها مضافاً إلى الشرائط المتقدّمة ، إحداهما في جانب الإثبات ، والاُخرى في جانب النفي .
أمّا الاُولى : فاللازم أن يكون الحيوان ممتنعاً مستوحشاً ; من دون فرق بين ما إذا كان كذلك بالأصل كالظبي الوحشي والبقر كذلك ، أو كان غير وحشيّ بالأصل فتوحّش أو استعصى ، كالبقر والبعير المستعصيين ، وكذلك الصائل من البهائم كالجاموس الصائل(1) .
وبالجملة : كلّ ما لا يجيء تحت اليد ولو بإعمال القوّة ، ولا يقدر عليه غالباً إلاّ بالعلاج والتوطئة .
وأمّا الثانية : ما إذا كان الحيوان مستأنساً ; سواء كان كذلك بالأصل ، كالحيوانات المذبوحة عادةً ، أو عارضياً ، كما إذا صار الطير أو الظبي مستأنسين ،
(1) في مجمع البحرين : يقال : صال عليه; إذا استطال ، وصال عليه صولة . وعليه فالمراد : الجاموس المستطيل ونحوه .
(الصفحة338)
مسألة : الظاهر أنّه كما تقع التذكية الصيديّة على الحيوان المأكول اللحم ، فيحلّ بها أكله ويطهر جلده ، تقع على غير مأكول اللحم القابل للتذكية أيضاً ، فيطهر بها جلده ويجوز الانتفاع به ، هذا إذا كانت بالآلة الجماديّة ، وأمّا الحيوانيّة ففيها تأمّل وإشكال1 .
وفي المتن عطف عليهما ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو والامتناع والفرار ، وكذا فرخ الطير قبل النهوض للطيران مستقلاًّ ، وفرّع عليه أنّه لو رمى طائراً وفرخه الذي لم ينهض فقتلهما معاً حلّ الطائر القادر على الطيران دون الفرخ وإن كان عدم طيرانه لأجل فرخه .
1 ـ الظاهر أنّه كما تقع التذكية الصيديّة على الحيوان المأكول اللحم القابل للتذكية كلاًّ ، فيتحقّق بها حلّية أكل لحمه وطهارة جلده كالتذكية بمثل الذبح ، كذلك تقع على الحيوان غير مأكول اللحم إذا كان قابلاً للتذكية ، وأثرها حينئذ طهارة جلده وجواز الانتفاع به بعد حصول الطهارة بالتذكية ، لكن القدر المسلّم من ذلك ما إذا كانت بالآلة الجماديّة; مثل الذبح المتحقّق بالحديد .
وأمّا الآلة الحيوانيّة فقد تأمّل فيها في المتن واستشكل ، ولعلّ منشأ الإشكال أنّ أكثر الروايات الواردة في التذكية الصيديّة سواء كانت بالكلب أو بالسلاح ناظرة إلى حصول الحلّية للّحم ، ومن الواضح اختصاص ذلك بالحيوان المأكول اللحم ، وأمّا غيره فلم يدلّ عليه دليل معتبر ، ومقتضى القاعدة عدم حصول التذكية له بغير الآلة الجماديّة وإن كان قابلاً للتذكية ، فتدبّر جيّداً .
مضافاً إلى أنّ تعلّق الغرض بخصوص الجلد وجواز الانتفاع به في غاية الندرة ; لأنّ الغرض يتعلّق نوعاً بأكل اللحم .
(الصفحة339)
مسألة : لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان ، فإن كانت الآلة غير محلّلة ـ كالشبكة والحبالة مثلاً ـ يحرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية ، وكذلك الجزء الآخر إذا زالت عنه الحياة المستقرّة على الأحوط ; بأن تكون حركته حركة المذبوح ، وإن بقيت حياته المستقرّة يحلّ بالتذكية . وإن كانت الآلة محلّلة كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط ، فإن زالت الحياة المستقرّة عن الجزءين بهذا القطع حلاّ معاً ، وإن بقيت الحياة المستقرّة حرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية ، ويكون ميتة ; سواء اتّسع الزمان للتذكية أم لا ، وأمّا الجزء الآخر فحلال مع عدم اتّساع الزمان للتذكية ، ولو اتّسع لها لا يحلّ إلاّ بالذبح1 .
1 ـ لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان صغيرة أو كبيرة ففيه صورتان :
الصورة الاُولى : ما إذا كانت الآلة غير محلّلة ، كالشبكة والحبالة ومثلهما ممّا لا يجوز أن يصطاد به ، فإن كان المقطوع بها هو الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية يحرم بلا إشكال ; لأنّ المفروض كون الآلة غير محلّلة ، وعدم إمكان إيقاع التذكية على الجزء المقطوع ; لأنّه ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية ، وأمّا لو فرض كون الجزء المقطوع كذلك; أي مشتملاً على الرأس ومحالّ التذكية ، فإن كان فيها حياة مستقرّة ولم تكن حركته حركة المذبوح ، فبعد وقوع التذكية بها تحلّ بها ، وإذا لم تكن فيها حياة مستقرّة وكانت حركته حركة المذبوح ـ كما سيأتي الكلام إن شاء الله تعالى في معنى الحياة المستقرّة(1) ـ فقد احتاط في المتن بالحرمة ، ولعلّ منشأ الاحتياط أنّ زوال حياته المستقرّة كان مستنداً إلى الآلة غير المحلّلة ، والمفروض
(1) في ص373 .
(الصفحة340)
مسألة : يملك الحيوان الوحشي ـ سواء كان من الطيور أو غيره ـ بأحد اُمور ثلاثة :
أحدها : أخذه حقيقة; بأن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه ، أو شدّه بحبل ونحوه ، بشرط أن يكون بقصد الاصطياد والتملّك ، وأمّا مع عدم القصد ففيه إشكال ، كما أنّه مع قصد الخلاف لا يملك .
ثانيها : وقوعه في آلة معتادة للاصطياد بها ، كالحبالة والشرك والشبكة ونحوها إذا نصبها لذلك .
ثالثها : أن يصيّره غير ممتنع بآلة ، كما لو رماه فجرحه جراحة منعته عن العدْو ، أو كسر جناحه فمنعه عن الطيران ; سواء كانت الآلة من الآلات المحلّلة للصيد كالسهم والكلب المعلّم ، أو من غيرها كالحجارة والخشب والفهد والباز والشاهين وغيرها ، ويعتبر في هذا أيضاً أن يكون إعمال الآلة بقصد الاصطياد والتملّك ، فلو رماه عبثاً أو هدفاً أو لغرض آخر لم يملكه ، فلو أخذه شخص .
عدم إمكان وقوع التذكية ; لأنّها غير محالّها .
الصورة الثانية :ما إذا كانت الآلة محلّلة ، كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط ، وقد فصّل فيه في المتن بأنّ زوال الحياة المستقرّة عن الجزءين إن كان مستنداً إلى هذا القطع يحلّ كلا الجزءين ، وإن بقيت الحياة المستقرّة ، فإن كان الجزء المقطوع غير الرأس ومحالّ التذكية فهو حرام لأنّه ميتة ; من دون فرق بين اتّساع الزمان للتذكية بالإضافة إلى الجزء الآخر الذي يشتمل على محالّ التذكية ، وبين غيره ، وإن كان مشتملاً على الرأس ومحالّ التذكية فحلّيته متوقّفة عليها مع اتّساع الزمان لها ، وبدون الاتّساع يحلّ ; لأنّ مبنى جميع ذلك كون الآلة محلّلة ، وزوال الحياة كان مستنداً إليها ، والتوقّف على التذكية في غير هذه الصورة ، فافهم .
|