(الصفحة401)
كونها قرشيّة حتّى تكون صالحة لرؤية الحيض إلى الستّين ، أم لا تكون كذلك لتصلح لرؤيته إلى الخمسين فقط ، فإنّه لا مجال لاستصحاب عدم القرشيّة لأجل ما ذكرنا ، وإن كان يظهر من المحقّق الخراساني (قدس سره) في كتابه في الاُصول في مباحث العامّ والخاصّ الجريان(1) ، لكنّ التحقيق العدم كما ذكرناه مراراً .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ هذا القسم على نوعين :
الأوّل : الحيوانات الكذائيّة التي ليست لها نفس سائلة ، فقد ذكر في المتن أنّ التذكية لا أثر لها ، لا في الحلّية ولا في الطهارة ، أمّا الحلّية ، فلأنّ المفروض كونها محرّمة الأكل بالذات ، وأمّا الطهارة فلحصولها مع عدم التذكية ; لأنّها ليست لها نفس سائلة حتّى تصير طاهرة بإجراء دمها بالتذكية المناسبة لها .
الثاني : الحيوانات الكذائيّة التي لها نفس سائلة ، وهي على قسمين : فتارةً تكون نجس العين ، كالكلب والخنزير ، واُخرى لا تكون كذلك .
أمّا الأوّل : فلا يكون قابلاً للتذكية ; لأنّ أثر التذكية إمّا الطهارة ، وإمّا مع حلّية اللحم ، وكلاهما منتفيان بالإضافة إلى نجس العين ; لأنّه لا تصير طاهرة بالتذكية بعد كونها نجسة في حال الحياة ، والتذكية لا توجب تغيّر حاله إلى الطهارة ، وأمّا عدم الحلّية فلأنّه المفروض ، بل لا مجال لاجتماع النجاسة الذاتيّة مع الحلّية ، مضافاً إلى أنّه ضروري أو كالضروري من المذهب أو الإسلام .
ويلحق بهذا القسم المسوخ غير السباع ، والمشهور(2) على ما قيل : أنّه لا تقع عليها الذكاة ، خصوصاً مع ملاحظة القائل بنجاستها ، وفي الجواهر عن المسالك أنّ
(1) كفاية الاُصول : 223 .
(2) جواهر الكلام : 36 / 196 .
(الصفحة402)
أجمع الروايات خبر محمّد بن الحسن الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)قال : الفيل مسخ كان ملكاً زنّاءً ، والذئب مسخ كان أعرابيّاً ديّوثاً ، والأرنب مسخ كان امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها ، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس ، والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت ، والجرّيث والضبّ فرقة من بني إسرائيل ، لم يؤمنوا حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليه السلام ، فتاهوا ، فوقعت فرقة في البحر ، وفرقة في البرّ ، والفأرة وهي الفويسقة ، والعقرب كان نمّاماً ، والدبّ والوزغ والزنبور كان لحّاماً يسرق في الميزان(1) . قال : وهذه المسوخ كلّها هلكت ، وهذه الحيوانات على صورها(2) .
ثمّ إنّ المشهور كما قيل : عدم قابليّة المسوخ للتذكية(3) ، لكن عن المرتضى(4)والشهيد(5) وقوع الذكاة عليها ، بل في محكيّ غاية المراد نسبته إلى ظاهر الأكثر(6) ، بل عن كشف اللثام إلى المشهور(7) .
والتحقيق أنّه ليس في شيء من النصوص ما يدلّ على القابلية ، ولا ما يدلّ على
(1) الكافي : 6 / 246 ح14 ، علل الشرائع : 485 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 39 ح166 ، وعنها الوسائل : 24 / 106 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ب2 ح7 .
(2) مسالك الأفهام : 11 / 517 ، جواهر الكلام : 36 / 197 .
(3) جواهر الكلام : 36 / 196 .
(4) يراجع مسائل الناصريّات: 99، حكى عنه في الشرائع: 3 / 210 وإيضاح الفوائد: 4 /130 والمسالك: 516.
(5) الدروس الشرعيّة : 2 / 410 .
(6) غاية المراد : 3 / 507 ، وفيها : ظاهر كلام الأصحاب .
(7) كشف اللثام : 2 / 257 .
(الصفحة403)
عدمها . نعم ، بعض أفراد المسوخ كالكلب والخنزير لا تقبل التذكية بعنوان كونه نجس العين كما عرفت ، لا بعنوان كونه من مصاديق المسوخ ، وقد عرفت أنّه لا مجال للتمسّك باستصحاب عدم القابليّة بعد كونها من عوارض الوجود ، كما أنّه لا مجال للتمسّك باستصحاب الطهارة الثابتة في حال الحياة ، أو قاعدة الطهارة بعد التذكية ; لعدم إثباتهما لوقوع التذكية عليها .
ومثل المسوخ ، الحشرات ; وهي التي تسكن باطن الأرض ، كالفأرة ، وابن عرس ، والضبّ ونحوها ، فقد قال المحقّق في الشرائع : في وقوع الذكاة عليها تردّد أشبهه أنّه لا يقع(1) ، وأضاف إليه في الجواهر قوله : وفاقاً للأكثر ، بل المشهور(2) ، وقد استدلّ عليها بأصالة عدم التذكية التي قد عرفت عدم جريانها على المختار .
ويؤيّده بعض الروايات الواردة في لباس المصلّي ، مثل صحيحة عليّ بن يقطين ، قال: سألت أباالحسن (عليه السلام) عن لباس الفراء والسّموروالفنكوالثعالبوجميع الجلود؟ قال : لا بأس بذلك(3) ، مع أنّه لو لم تقبل التذكية تكون ميتة ، ولا يجوز لبسها .
ودعوى انصراف لفظ الجلود الدالّ على العموم عن مثل المقام ممنوعة ، ولعلّه لما ذكرنا نفى خلوّ الطهارة عن الوجه في المتن بالإضافة إلى المسوخ والحشرات وإن نهى عن ترك الاحتياط فيهما ، ولعلّه لأجل وقوع الشهرة كما مرّ .
وأمّا السباع ; وهي التي تفترس الحيوان وتأكل اللحم ، وقد تكون من الوحوش ، وقد تكون من الطيور ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، فقد قال المحقّق في
(1) شرائع الإسلام : 3 / 210 .
(2) جواهر الكلام : 36 / 199 .
(3) تهذيب الأحكام : 2 / 211 ح826 ، الاستبصار : 1 / 385 ح1560 ، وعنه الوسائل : 4 / 352 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ب5 ح1 .
(الصفحة404)
مسألة : الظاهر أنّ جميع أنواع الحيوان المحرّم الأكل ممّا كانت له نفس سائلة غير ما ذكر آنفاً تقع عليه التذكية ، فتطهر بها لحومها وجلودها1 .
الشرائع : في وقوع التذكية عليها تردّد ، والوقوع أشبه(1) . وتبعه الماتن وفاقاً للمشهور(2) ، ويدلّ عليه موثّقة سماعة ، قال : سألته عن جلود السباع أينتفع بها؟ فقال : إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا(3) . وما ورد من النصوص في جواز استعمال جلد السّمور والثعالب .
ورواية أبي مخلّد السرّاج قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) إذ دخل عليه معتّب ، فقال : بالباب رجلان ، فقال : أدخلهما فدخلا فقال أحدهما : إنّي رجل سرّاج أبيع جلود النمر ، فقال : مدبوغة هي؟ قال : نعم ، قال : ليس به بأس(4) ، وكذا تدلّ عليه السيرة المستمرّة بين المتشرّعة في جميع الأزمنة والأمكنة .
وليعلم أنّ وقوع التذكية على السباع لا يلازم جواز الصلاة في جلودها بعد كونها غير مأكول اللحم ، ولا تجوز الصلاة في أجزائه أصلاً ، بل أثرها الطهارة ، فيجوز الانتفاع بها في مثل الموارد المذكورة في المتن .
وأمّا الدباغ الذي سأل عنه الإمام (عليه السلام) في الرواية الأخيرة ، فالظاهر أنّه لا دليل عليه ; لقصورها سنداً ودلالةً وإن كان مقتضى الاحتياط رعايته .
1 ـ مقتضى العموم الشمول للآدمي أيضاً ، مع أنّ الإجماع بل الضرورة على
(1) شرائع الإسلام : 3 / 210 .
(2) مسالك الأفهام : 11 / 518 .
(3) تهذيب الأحكام : 9 / 79 ح339 ، وعنه الوسائل : 24 / 185 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ب34 ح4 .
(4) الكافي : 5 / 227 ح9 ، وعنه الوسائل : 17 / 172 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ب38 ح1 .
(الصفحة405)
مسألة : تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرّم الأكل إنّما تكون بالذبح مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلّل ، وكذا بالاصطياد بالآلة الجماديّة في خصوص الممتنع منها ، كالمحلّل ، وفي تذكيتها بالاصطياد بالكلب المعلّم تردّد وإشكال1 .
مسألة : ما كان بيد المسلم من اللحوم والشحوم والجلود إذا لم يعلم كونها من غير المذكّى يؤخذ منه ويعامل معه معاملة المذكّى ، بشرط تصرّف ذي اليد فيه تصرّفاً مشروطاً بالتذكية على الأحوط ، فحينئذ يجوز بيعه وشراؤه
عدم قابليّته للتذكية ولو كان كافراً جائز القتل ، إلاّ أن يقال بالانصراف عنه .
وكيف كان ، فالدليل على الظهور ما دلّ من النصوص بالعموم أو الخصوص ، مثل صحيحة عليّ بن يقطين المتقدّمة على جواز الانتفاع بجلود الحيوانات المحلّلة الأكل مع ملاحظة أنّه لو لم تقع التذكية عليها تكون ميتة نجسة لا يجوز الانتفاع بها .
1 ـ الحيوان المحرّم الأكل القابل للتذكية إنّما تكون تذكيته في باب الذبح من حيث الكيفيّة والشرائط هي التذكية في باب الحيوان المحلّل ، فيعتبر فيه جميع ما يعتبر فيه من دون فرق ، وحرمة الأكل وحلّيته لا مدخليّة لهما في التذكية الذبحيّة أصلاً ، أمّا التذكية بالاصطياد في الحيوان الممتنع أي الوحشي على ما تقدّم ، فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان بالآلة الجماديّة ، فتكون كالمحلّل ، وبين ما إذا كانت بالكلب المعلّم فقد تردّد فيه واستشكل .
والوجه في الأوّل واضح ، وفي الثاني قصور أدلّة الاصطياد بالكلب المعلّم عن الشمول للحيوان المحرّم ، فيحتمل الاختصاص بالحيوان المحلّل ، سيّما مع كونه مخالفاً للقاعدة ظاهراً .
(الصفحة406)
وأكله واستصحابه في الصلاة وسائر الاستعمالات المتوقّفة على التذكية ، ولا يجب عليه الفحص والسؤال ، بل ولا يستحبّ ، بل نهي عنه ، وكذلك ما يباع منها في سوق المسلمين ; سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال ، بل وكذا ما كان مطروحاً في أرضهم إذا كان فيه أثر الاستعمال ، كما إذا كان اللحم مطبوخاً والجلد مخيطاً أو مدبوغاً ، وكذا إذا اُخذ من الكافر وعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم على الأقوى ، بشرط مراعاة الاحتياط المتقدّم .
وأمّا ما يؤخذ من يد الكافر ولو في بلاد المسلمين ولم يعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم ، وما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفّار أو كان مطروحاً في أرضهم ، ولم يعلم أنّه مسبوق بيد المسلم واستعماله ، يعامل معه معاملة غير المذكّى ، وهو بحكم الميتة ، والمدار في كون البلد أو الأرض منسوباً إلى المسلمين غلبة السكّان القاطنين ، بحيث ينسب عرفاً إليهم ولو كانوا تحت سلطة الكفّار ، كما أنّ هذا هو المدار في بلد الكفّار ، ولو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفّار1 .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : المأخوذ من يد المسلم لحماً كان أو شحماً أو جلداً مع عدم العلم بكونه من غير المذكّى يعامل معه معاملة المذكّى ، وقد اشترط فيه في المتن على سبيل الاحتياط الوجوبي أن يتصرّف فيه ذو اليد تصرّفاً مشروطاً بالطهارة ، أو بها والحلّية ، ويكفي مجرّد ذلك من دون لزوم الفحص والسؤال ، بل عدم استحبابه ، بل النهي عنه ، ويدلّ عليه صحيحة الفضلاء الثلاثة أنّهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصّابون؟ فقال : كُلْ إذا كان ذلك في سوق
(الصفحة407)
المسلمين ولا تسأل عنه(1) . ومورد الرواية وإن كان هو سوق المسلمين ، إلاّ أنّها تدلّ على حكم هذا الفرع لعلّه بطريق أولى .
إن قلت : ما الفرق بين المقام ، وبين اليد التي هي أمارة على الملكيّة كما هو المحقّق في محلّه ، حيث لم يشترط هناك تصرّف ذي اليد فيما بيده تصرّفاً دالاًّ على الملكيّة ، وهنا قد اشترط ولو على سبيل الاحتياط التصرّف المتوقّف على التذكية؟
قلت : لعلّ الفرق أنّ الدليل الدالّ على أماريّة اليد على الملكيّة مطلق دالّ على ثبوتها كذلك وإن كان مقتضى الاستصحاب في جلّ الموارد لولا الكلّ العدم ، وقد وقع التعليل في بعض الروايات بأنّه لولا ذلك لما قام للمسلمين سوق(2) ، وأمّا المقام فقد وقع تعليق الحكم بالجواز على رؤية البائع الصلاة فيه ، وأنّه لا حاجة إلى السؤال عنه في هذه الصورة .
ففي رواية إسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل ، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال : عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه(3) ، بناءً على عدم كون المراد أنّ رؤية الصلاة قرينة على كون البائع مسلماً غير مشرك ، وإلاّ فالملاك هو إحراز إسلام البائع
(1) الكافي : 6 / 237 ح2 ، الفقيه : 3 / 211 ح976 ، تهذيب الأحكام : 9 / 72 ح306 و307 ، وعنها الوسائل : 24 / 70 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب29 ح1 .
(2) الكافي : 7 / 387 ح1 ، الفقيه : 3 / 31 ح92 ، تهذيب الأحكام : 6 / 261 ح695 ، وعنها الوسائل : 27 / 292 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح1 .
(3) تهذيب الأحكام : 2 / 371 ح1544 ، الفقيه : 1 / 167 ح788 ، وعنهما الوسائل : 3 / 492 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ب50 ح7 .
(الصفحة408)
كما لايخفى .
وكيف كان ، فالدليل على اعتبار يد المسلم ما دلّ على اعتبار سوق المسلمين ، لأنّ الظاهر كما أفاده في الذيل أنّ المراد من سوق المسلمين هو السوق الذي كان أكثر أهله مسلماً ، لا السوق الذي يكون في البلد الذي هو تحت سلطة الإسلام وحكومة المسلمين ولو كان جميع أهله أو أكثرهم مشركين غير مسلمين ، وعليه فيرجع اعتبار السوق إلى اعتبار يد المسلم ، غاية الأمر أنّه لا فرق بين ما إذا اُحرز إسلامه بالقطع ، أو بني عليه للغلبة ونحوها .
الثاني : ما يباع منها في سوق المسلمين ; سواء كان بيد المسلم أو مجهول الحال بناءً على ما ذكرنا من أنّ اعتبار السوق إنّما هو بالنسبة إلى من كان مجهول الحال ولا يعلم أنّه مسلم أو كافر ، فإنّه يبنى على إسلامه لمكان غلبة المسلمين فيه ، ويكون إسلامه أمارة على وقوع التذكية الشرعيّة عليه ، خصوصاً مع اشتراط الاحتياط الذي ذكرناه ، وإلاّ ففي صورة كون البائع مشركاً فلا يجدي فيه كون أكثر أهل السوق مسلماً .
ثمّ إنّ عمدة الدليل على اعتبار السوق ثبوت القطع أو ضرورة الدين عليه ، فإنّه من المسلّم ثبوت السيرة المستمرّة من زمان النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) من غير ردع منهم على الانتفاع بالجلود وأكل اللحوم من غير تفحّص وتتبّع عن أصل وقوع التذكية أو عن صحّة التذكية الواقعة ، فينكشف من ذلك ثبوت دليل على الجواز وحاكم على دليل المنع .
الثالث : ما كان مطروحاً في أرض المسلمين وكان عليه أثر الاستعمال ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وقد ورد في هذا المجال رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سُئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ، كثير لحمها وخبزها
(الصفحة409)
وجبنها وبيضها ، وفيها سكّين ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يقوّم ما فيها ، ثمّ يؤكل ; لأنّه يفسد وليس له بقاء ، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن . قيل : يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسيّ؟ فقال : هم في سعة حتّى يعلموا(1) . بناءً على لزوم تخصيصها بمثل ما يدلّ على اعتبار سوق المسلمين الدالّ على كون اعتبار البائع مسلماً على ما عرفت من معنى سوق المسلمين .
وكيف كان ، فالرواية تدلّ على عدم المنع إذا كانت السفرة لمسلم بلا إشكال .
الرابع : ما كان مأخوذاً من يد الكافر وعلم كونه مسبوقاً بيد المسلم مع رعايته الاحتياط المتقدّم ، فإنّه لا فرق بين الأخذ من يد المسلم بلا واسطة ، أو من يد الكافر مع الواسطة كما هو واضح .
الخامس : المأخوذ من يد الكافر مع عدم العلم المذكور ، أو من مجهول الحال في غير سوق المسلمين ، فإنّ الظاهر أنّ الحكم في مثله لزوم الاجتناب ; لعدم ما يكون حاكماً على أصالة عدم التذكية التي هي الأصل الأوّلي في الشبهات الموضوعيّة ، كما ظهر ممّا مرّ .
ثمّ إنّه قد حكي عن صاحب الوافية عدم جريان استصحاب عدم التذكية في الشبهات الموضوعية ، خلافاً للمشهور ، نظراً إلى أنّ عدم المذبوحيّة لازم أعمّ لموجب النجاسة ; لأنّه لازم الأمرين : الحياة ، والموت ، والموجب للنجاسة هو ملزومه الثاني دون الأوّل ، وهو ليس له حالة سابقة ، والمعلوم ثبوته في الزمان الأوّل هو الأمر الأوّل ، وهو لا يكون باقياً في الزمان الثاني قطعاً(2) .
(1) الكافي : 6 / 297 ح2 ، المحاسن : 2 / 239 ح1737 ، وعنهما الوسائل : 24 / 90 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب38 ح2 .
(2) الوافية في اُصول الفقه : 210 .
(الصفحة410)
ويظهر من بعض أنّ هذا الاستصحاب من قبيل القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي ، وهو ممنوع جدّاً ; لأنّ عدم التذكية لا يكون متّحداً مع الحيوان في حالتي الحياة والموت ، كالكلّي المتّحد مع أفراده ، بل هو أمر عدميّ يقارن الحياة ، وقد يقارن الموت .
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) أجاب عن الفاضل التوني بما ملخّصه : أنّ الاستصحاب يجري في ذلك الأمر الندبي إذا لم يرد به إثبات الموجود المتأخر المقارن له ، نظير إثبات الموت حتف الأنف بعدم التذكية ، وكذا إذا لم يرد به إثبات ارتباط الموجود المقارن له به ، نظير إثبات كون هذا الدم الموجود ليس بحيض باستصحاب عدم صيرورة المرأة حائضاً ، أو عدم رؤيتها لدم الحيض حتّى يحكم عليه بالاستحاضة; لورود الدليل مثلاً على أنّ كلّ ما تقذفه المرأة من الدم إذا لم يكن بحيض فهو استحاضة(1) .
ويظهر من حاشية بعض الأعاظم على هذا المقام من كلام الشيخ أنّ استصحاب عدم التذكية يكون من قبيل استصحاب عدم صيرورة المرأة حائضاً في عدم إثباته كون هذا اللحم غير مذكّى ـ إلى أن قال : ـ فمقتضى القاعدة هو التفكيك بين الآثار ، فما كان منها مرتّباً على عدم كون اللّحم مذكّى; كعدم حلّيته ، وعدم جواز الصلاة فيه ، وعدم طهارته ، وغير ذلك من الأحكام العدميّة المنتزعة عن الوجوديات التي تكون التذكية شرطاً في ثبوتها ، ترتّب عليه ، فيقال : الأصل عدم تعلّق التذكية بهذا اللحم الذي زهق روحه ، فلا يحلّ أكله ولا الصلاة فيه ، ولا استعماله فيما يشترط بالطهارة ، وأمّا الآثار المترتّبة على كونه غير مذكّى; كالأحكام الوجودية
(1) فرائد الاُصول : 2 / 641 ـ 643 .
(الصفحة411)
مسألة : لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمناً ، أو مخالفاً يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ ، ويستحلّ ذبائح أهل الكتاب ، ولا يراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية، وكذا لافرق بين كون الآخذموافقاًمع المأخوذ منه في شرائط التذكية اجتهاداً أو تقليداً ، أو مخالفاً معه فيها إذا احتمل الآخذ تذكيته على وفق مذهبه ، كما إذا اعتقد الآخذ لزوم التسمية بالعربيّة دون المأخوذ منه إذا احتمل أنّ مابيده قد روعي فيه ذلك وإن لم يلزم رعايته عنده.والله العالم1 .
الملازمة لهذه العدميات ; كحرمة أكله أو نجاسته ، وبتنجيس ملاقيه ، وحرمة الانتفاع به ، وببيعه أو استعماله في سائر الأشياء غير المشروطة بالطهارة; كسقي البساتين ، وإحراقه على القول بها وغير ذلك من الأحكام المتعلّقة على عنوان الميتة أو غير المذكّى فلا(1) .
والظاهر تماميّة هذا الكلام وثبوت التفكيك بين الآثار بنحو عرفت ، وإن أجاب عنه جمع ، منهم : سيّدنا المحقّق الاستاذ البروجردي فيما قرّرته من دروسه ومباحثه ، من أراد التفصيل فليراجع كتاب نهاية التقرير في بحث لباس المصلّي(2) .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : ولا يشترط الإيمان ، وفيه قول بعيد باشتراطه(3) ، وهذا القول محكيّ عن الحلّي(4) وأبي الصلاح(5) وابني حمزة(6)
(1) حاشية فرائد الاُصول لآقا رضا الهمداني : 387 ـ 388 .
(2) نهاية التقرير : 1 / 304 ـ 310 .
(3) شرائع الإسلام : 3 / 204 .
(4) السرائر : 3 / 106 .
(5) الكافي في الفقه : 277 .
(6) الوسيلة : 361 .
(الصفحة412)
والبرّاج(1) ، وعمدة الدليل على عدم اشتراط الإيمان ـ مضافاً إلى السيرة المستمرّة ونفي الحرج(2) ـ رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ذبيحة من دان بكلمة الإسلام وصام وصلّى لكم حلال إذا ذكر اسم الله تعالى عليه(3) .
وكذا روايات شراء الفراء واللحم من سوق المسلمين(4) ، وغير ذلك .
نعم ، لا ينبغي الإشكال في الكراهة مع وجود المؤمن ، لروايات كثيرة .
منها : رواية زكريّا بن آدم قال : قال أبو الحسن (عليه السلام) : إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك ، إلاّ في وقت الضرورة إليه(5) ، واستثناء صورة الضرورة بعد وضوح أنّ المراد بها ليست هي الضرورة المسوّغة لأكل الميتة دليل على أنّ المراد بالنهي الكراهة ، ومنها غير ذلك .
وأولى منه أنّه لا يعتبر العلم بكون الآخذ موافقاً مع المأخوذ منه في شرائط التذكية اجتهاداً أو تقليداً أو مخالفاً معه ، بشرط عدم العلم بعدم رعاية ما تلزم رعايته على مذهب الآخذ ، كما في المثال المذكور في المتن ، وإلاّ فمع العلم بعدم
(1) المهذّب : 2 / 439 .
(2) جواهر الكلام : 36 / 93 .
(3) تهذيب الأحكام : 9 / 71 ح300 ، الاستبصار : 4 / 88 ح336 ، وعنهما الوسائل : 24 / 67 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح1 .
(4) وسائل الشيعة : 3 / 490 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ب50 ، وج24 / 70 ، كتاب الصيد والذبائح : ب29 ح1 .
(5) تهذيب الأحكام : 9 / 70 ح298 ، الاستبصار : 4 / 86 ح330 ، وعنهما الوسائل : 24 / 67 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح5 .
(الصفحة413)
الرعاية لم تتحقّق التذكية بنظر الآخذ حتماً ، وقد عرفت(1) حكم ذبيحة الناصب ودلالة الرواية ، بل الروايات على أنّه لا تحلّ ذبيحته . نعم ، في رواية حمران ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سمعته يقول : لا تأكل ذبيحة الناصب إلاّ أن تسمعه يسمّي(2) . ولكنّ الظاهر أنّه لا فرق في عدم حلّية ذبيحة الناصب بين الصورتين كما عرفت ، هذا تمام الكلام في كتاب الصيد والذباحة .
(1) في ص361 .
(2) تهذيب الأحكام : 9 / 72 ح304 ، الاستبصار : 4 / 87 ح335 ، وعنهما الوسائل : 24 / 68 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح7 .
|