تفصيل الشريعة
في
شرح تحرير الوسيلة
الخمس
ويليه كتاب الخمس تقريراً لما أفاده الإمام المحقّق
آية الله العظمى السيد حسين الطباطبائي البروجردي (قدس سره)
تأليف : الفقيه الأصولي
آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني(دام ظلّه)
تحقيق و نشر : مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)
(الصفحة5)
كتاب الخمس
(الصفحة6)
بسمه تعالى
هذا شرح كتاب الخمس من كتاب تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف ، وأنا الأقلّ الفاني محمّد الفاضل اللنكراني عفي عنه وعن والديه، والمرجوّ من الله تعالى التوفيق لإتمام هذا الشرح وشرح سائر الكتب التي لم تشرح بعد، بحقّ أوليائه الطاهرين المعصومين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعينـ الذين إليهم يرجع جميع العلوم الإسلاميّة سيّما علم الفقه ، وكان الشروع فيه في 8 جمادى الثانية 1420 .
(الصفحة7)
كتاب الخمس
[وجوب الخمس]
وهو الذي جعله الله تعالى لمحمّد (صلى الله عليه وآله) وذرّيته كثّر الله نسلهم المبارك عوضاً عن الزكاة التي هي من أوساخ أيدي الناس إكراماً لهم ، ومن منع منه درهماً كان من الظالمين لهم والغاصبين لحقّهم ، فعن مولانا الصادق (عليه السلام) : «إنّ الله لا إله إلاّ هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة عليناحرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال»(1) . وعنه (عليه السلام) : «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول: ياربّ اشتريته بمالي حتّى يأذن له أهل الخمس»(2) . وعن أبي جعفر (عليه السلام) : «ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا»(3) . والكلام فيما يجب فيه الخمس وفي مستحقّيه وكيفيّة قسمته بينهم وفي الأنفال1 .
1 ـ أقول: قبل الشروع في مباحث الخمس ينبغي تقديم اُمور :
الأوّل : أنّ وجوب أصل الخمس إنّما هو كالصلاة ونحوها في أنّه من ضروريّات
(1) الفقيه 2 : 21 ح77 ، الوسائل 9 : 483 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب1 ح2 .
(2) المستدرك 7 : 278 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب1 ح4 .
(3) الكافي 1 : 545 ح14 ، الوسائل 9 : 484 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب1 ح4 .
(الصفحة8)
الدين ومن المسلّمات الإسلامية، ولم يختلف فيه أحد من فقهاء الفريقين وإن كان بينهما الاختلاف في المتعلّق وفي المصرف كما سيأتي بيانه ، إلاّ أنّ أصل الوجوب في الجملة من ضروريّات الإسلام، ويكون منكره منكراً للضروري من الدين الذي يرجع إنكاره إلى إنكار أصل النبوّة المستلزم للكفر، كما تقدّم بيانه في بحث أعيان النجاسات(1) ، ونحن وإن اخترنا عدم نجاسة الكتابي إذا لم يكن مشركاً، إلاّ أنّ ذلك لا يلازم عدم اتّصافه بالكفر، فهو أي الكتابي غير المشرك كافر غير نجس، ولا يكون هذا الإنكار إنكاراً لضروريّ المذهب فقط حتّى لا يكون مستلزماً للكفر كإنكار أصل الولاية لصاحبها ومستحقّيها، والاختلاف في المتعلّق أو في المصرف لا يكون إنكاراً لأصل الوجوب كالاختلاف بين فقهائنا أحياناً ، كما أنّ الالتزام بظاهر أخبار الاستحلال الآتية لا يقدح في ذلك .
الثاني : أنّ ثبوت الخمس له مأخذ قرآني وسند كتابي، وهو قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(2) إلى آخر الآية ، وقد نزلت في قصّة بدر في رمضان السنة الثانية من الهجرة النبوية مع أنّ ارتحال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في السنة الحادية عشرة من الهجرة في أواخر شهر صفر الخير .
الثالث : أنّ التعبيرات القرآنية في موارد التكاليف اللزومية مختلفة، ففي مثل الصلاة قد عبّر بالإقامة التي لا يراد بها إلاّ نفس إيجادها ، ولذا يقال في فصول الإقامة: «قد قامت الصلاة» وفي مثل الزكاة قد عبّر بالإيتاء، وفي مثل الحجّ باللام
(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب الطهارة، النجاسات) : 233 .
(2) سورة الأنفال 8 : 41 .
(الصفحة9)
وعلى في قوله تعالى : {وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا}(1)كالتعبير في باب الدين «لزيد على عمرو عشرة توامين» مثلاً .
الرابع : أنّ التعبير باللاّم في آية الخمس بالإضافة إلى الله جلّ وعلا، مع أنّ لله ما في السماوات والأرض، ونذكر في آية الاسترجاع {إِنَّا للهِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(2)ومرجعه إلى أنّ كلّنا بأجمعنا مملوك له تعالى، وظاهرٌ أنّ هذه الملكية هي الملكية الحقيقيّة التي هي لازمة الربوبيّة والخالقية، إنّما هو للإشارة إلى مغايرة ملكية الخمس له تعالى مع ملكية غيره، وأنّها نظير ملكنا للأشياء بالملكية الاعتبارية غير المنافية للملكية الحقيقيّة المذكورة ، ويؤيّده عطف الرسول وذي القربى وسائر أصحاب السهام عليه، مع أنّه لا معنى للعطف بدون ما ذكرنا، فإنّا بأجمعنا مع ما يتعلّق بنا ملكٌ له تعالى فقط .
الخامس : أنّ تصدير الآية بقوله : «واعلموا» دليل على شدّة الاهتمام بهذا الأمر وأنّه كان ينبغي أن يتعلّق العلم به ، كما أنّ التأكيد بقوله : «أنّما» يفيد ذلك ، والظاهر أنّ المتعلّق هي طبيعة الغنيمة أو عمومها على نحو الإطلاق، أو العموم الاستغراقي، والغرض تعلّق الخمس بطبيعة ما غنمتم من شيء أو عمومه .
السادس : قد ثبت في علم الاُصول حجّية ظواهر الكتاب كظواهر الروايات ، غاية الأمر أنّ بيان الإمام(عليه السلام) إذا كان في مورد مخالفاً لظاهر الكتاب يكون بمنزلة القرينة الصارفة في مثل قوله : «رأيت أسداً يرمي» إذا أُريد به الرجل الشجاع ، وعليه فأصالة الظهور أعمّ من أصالة الحقيقة، وفي موارد كثيرة نرى استشهاد
(1) سورة آل عمران 3: 97.
(2) سورة البقرة 2: 155.
(الصفحة10)
الأئمّة (عليهم السلام)بما هو ظاهر الكتاب فيما إذا كان مقصوداً لله تعالى .
السابع : أنّ المراد بـ «ما غنمتم» مطلق ما يستفيده الإنسان ويكون له الاستيلاء عليه، والذي يستفاد من بعض الكلمات أنّ الأصل فيه الغنم في مقابل البقر، ولعلّ أصل إطلاق الغنم بلحاظ كثرة فوائده وعموم منافعه بجميع أبعاضه وأجزائه حتّى فضلاته .
قال الراغب في محكيّ المفردات : الغنم معروف، قال : {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا}(1)، والغُنم إصابته والظفر به ، ثمّ استعمل في كلّ مظفور به من جهة العِدى وغيرهم . قال : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء}(2) .
وعن الخليل في العين التي هي من المنابع اللغوية القويّة: الغُنم هو الفوز بالشيء من غير مشقّة(3) .
وعن القاموس : الغنم بالضمّ، والمغنم والغنيمة في اللغة: ما يصيبه الإنسان ويناله ويظفر به من غير مشقّة(4) . ونظيره ما في بعض آخر من الكتب اللغوية الاُخرى المعتمدة.
ويدلّ على عموم الغنيمة في آية الخمس وعدم الاختصاص بغنائم دار الحرب ـ مضافاً إلى ما ذكر، وإلى أنّ تعليق الحكم على «ما غنمتم» إنّما هو بصورة الفعل الماضي ولم يقل أحد بالاختصاص بغزوة بدر مع كونها شأن نزول الآية; لأنّ القول بالاختصاص بغنائم دار الحرب عامّ يشمل جميع الغزوات من دون اختصاص بها
(1) سورة الأنعام 6 : 146 .
(2) المفردات في غريب القرآن : 366 .
(3) ترتيب كتاب العين 2 : 1359 .
(4) القاموس المحيط 4 : 159 .
(الصفحة11)
كما لا يخفى ـ ما رواه الخاصّة والعامّة في محكيّ صحيح البخاري عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) من أنّه قال : في الركاز الخمس(1). وهل يحتمل أن يكون مراده(صلى الله عليه وآله) ثبوت الخمس في الركاز كدلالة الآية على ثبوت الخمس في الغنيمة، أو أنّ مراده(صلى الله عليه وآله) كون الركاز من مصاديق ما يتعلّق به الخمس ممّا اغتنم؟ لا شبهة في أنّ المراد هو الوجه الثاني وأنّه لا يكون الركاز في مقابل الغنيمة متعلّقاً للخمس .
وبالجملة : التأمّل في خصوصيّات الآية من التصدّر بقوله : «واعلموا» مخاطباً للجميع والتأكيد بقوله : «أنّما» وجعل البيان لـ «ما» الموصولة مطلق ما يغتنمه الرجل من الشيء، والتعبير بصيغة الماضي ، والرواية في الركاز يعطي عدم الاختصاص بغنائم دار الحرب، كما لا يخفى .
مضافاً إلى أنّ الظاهر مقابلة الغنم للغرم، وقد اشتهر أنّ من كان له الغنم كان عليه الغرم .
والظاهر أنّ المراد بالغرم ما يتحمّله الإنسان من الضرر والخسارة من دون أن يستفيد شيئاً، ومن هذا التعبير يظهر بوضوح أنّه لا اختصاص لكلمة الغنم أو الغنيمة أو شبههما بالغنائم الحربيّة .
نعم، ربّما يقال : بأنّ الغنم لا يصدق على كلّ ما يظفر به الإنسان وإن كان بتبديل ماله به بلا حصول ربح وفائدة، فلا محالة يعتبر في صدقه خصوصيّة، ولعلّ الخصوصيّة التي اشربت في معناه هو عدم الترقّب والتوقّع مستقيماً، فهو عبارة عمّا ظفر به الإنسان بلا توقّع لحصوله وقصد مستقيم لتحصيله . وبعبارة اُخرى النعمة
(1) معاني الأخبار: 303 ح1، وسائل الشيعة 29: 272، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب32 ح5، صحيح البخاري 2: 166 ح1499.
(الصفحة12)
غير المترقّبة. ثمّ تصدّى لبيان عدم الترقّب في الحرب وكذا في سائر ما يتعلّق به الخمس حتّى أرباح المكاسب، نظراً إلى أنّ الغرض الأقصى منه إمرار المعاش ورفع الحوائج الدنيويّة، فالزائد على ذلك نعمة غير مترقّبة .
وأنت خبير بأنّ ما يتحقّق بالتبديل وإن لم يحصل الربح والفائدة وإن كان لا يصدق عليه الغنم بلا إشكال، إلاّ أنّ اعتبار خصوصيّة عدم التوقّع والترقّب لا يكون مأخوذاً فيه ولو بنحو الإشراب، فمن اشترك في الجهاد مع الكفّار مترقّباً لحصول الغنيمة له ووصول بعض أموالهم إليه لا يكون خارجاً عن هذا الصدق بوجه ، كما أنّ أرباح المكاسب ربّما تحصل لمن لا حاجة له إلى تحصيل المؤونة لإمرار المعاش لوجودها له بالفعل، فلا مجال للتبعيض بين الأرباح الكذائية وبين الأرباح التي يكون المقصود من اكتسابها إمرار المعاش وتحصيل المؤونة فهذا القول غير تامّ .
بل معنى الغنيمة يرجع إلى ما يستولي عليه الإنسان من غير أن يبذل في مقابله شيئاً، كما عرفت أنّ معنى الغرم هو ما يتحمّله الإنسان من الضرر والخسارة ويخرج من يد الإنسان في مقابل الغنيمة .
نعم ، يبقى الإشكال في بعض متعلّقي الخمس من حيث انطباق عنوان الغنيمة عليه كالحلال المختلط بالحرام مع الشرائط الآتية إن شاء الله تعالى. والأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم ولو بثمن المثل، فإنّه يشكل دعوى انطباق الغنيمة عليه ، والظاهر عدم كون مثلهما عنوانين آخرين من جهة تعلّق الخمس في مقابل عنوان «ما غنمتم» المأخوذ في الآية الشريفة ثابتين من جهة تعلّق الخمس بالروايات الخاصّة الواردة فيهما ، بل الظاهر كونهما مثل عنوان الركاز الذي ثبت بالرواية النبويّة وجوب الخمس فيه، وقد ذكرنا أنّه شاهد على عدم اختصاص الغنيمة
(الصفحة13)
بغنائم دار الحرب .
ولا يبعد أن يقال بصدق عنوان الغنيمة على الأرض التي يشتريها الذمّي من المسلم ولو بقيمة المثل، فإنّ إجازة هذا الاشتراء المستلزمة لسيطرة الذمّي على جزء من المملكة الإسلامية تكون غنيمة ، كما أنّ الحلال المختلط بالحرام ـ الذي يكون مقتضى العلم الإجمالي عند العقل الاجتناب عن الجميع، غاية الأمر أنّ الشارع جعل الخمس محلّلاً للبقيّة ـ يمكن أن يكون انطباق عنوان الغنيمة عليه بلحاظ استيلائه على المجموع عند العرف والعقلاء، وكون بعضه محرّماً شرعاً لا دخل له في هذا العنوان الذي يكون كسائر العناوين العرفيّة التي يرجع فيها إلى العرف والعقلاء، فتدبّر جيّداً .
الثامن : ظاهر الآية الشريفة الواردة في الخمس وإن كان ثبوت الخمس فيما غنمتم من شيء، إلاّ أنّه لا دلالة فيها على الحصر; لخلوّها عن أداته ، إلاّ أنّ هنا رواية واحدة صحيحة دالّة على انحصار الخمس بالغنائم; وهي صحيحة عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة(1) .
وهو يدلّ على عدم اختصاص الغنائم بغنائم دار الحرب، لظهورها في كون الحصر حقيقيّاً لا إضافيّاً، فيدلّ على أنّ ثبوته في غير غنائم دار الحرب من المعادن والكنوز والأرباح وغيرها إنّما هو لأجل كونها من مصاديق «ما غنمتم» وإن ذكر في جملة كثيرة من الروايات ذكر الغنيمة في عِداد بعض آخر من متعلّقي الخمس.
مثل مرسلة حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح(عليه السلام) قال :
(1) الفقيه 2 : 21 ح74 ، التهذيب 4 : 124 ح359 ، الاستبصار 2 : 56 ح184 ، الوسائل 9 : 485 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح1 .
(الصفحة14)
الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم، والغوص، ومن الكنوز، ومن المعادن، والملاحة ، الحديث(1) . أورده صاحب الوسائل في باب واحد مرّتين من دون أن يكون هناك تعدّد في البين . ومرفوعة أحمد بن محمّد المرسلة أيضاً قال : الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الذي يُقاتل عليه، ولم يحفظ الخامس ، الحديث(2) . وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال التي لابدّ من حمل الغنيمة فيها على غنيمة دار الحرب، كما وقع التصريح به في الرواية الأخيرة بخلاف الآية الشريفة .
وبالجملة : الأمر دائر بالإضافة إلى الآية بين أمرين :
أحدهما : الالتزام بالدلالة على الحصر ولو بقرينة صحيحة عبد الله بن سنان، ودعوى عموم الغنيمة لكلّ ما يتعلّق به الخمس ولو في الحلال المختلط بالحرام، والأرض التي يشتريها الذمّي من المسلم ولو بالنحو الذي نفينا البُعد عنه ، وقد مرّ أنّ كلام الإمام(عليه السلام) بمنزلة القرينة الصارفة .
ثانيهما : الالتزام بعدم دلالة الآية على الحصر وثبوت الخمس في غير الغنائم بالسنّة بحيث كان وجوب الخمس بالإضافة إلى متعلّقي الخمس مختلفاً ، ففي بعض الموارد ثبت بالكتاب، وفي البعض الآخر بالسنّة ، والظاهر أنّ الالتزام بالثاني مشكل، خصوصاً مع ملاحظة صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة ، ومع ما ذكرنا آنفاً من أنّ دلالة الرواية النبويّة على ثبوت الخمس في الركاز دليل على عدم اختصاص «ما غنمتم» بخصوص غنائم دار الحرب.
(1) الكافي 1 : 539 ح4 ، التهذيب 4: 128 ح366، الاستبصار 2: 56 ح185، الوسائل 9 : 487 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح4 وص488 ح9 .
(2) التهذيب 4 : 126 ح364 ، الوسائل 9 : 489 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح11 .
(الصفحة15)
فالإنصاف أنّ الترجيح مع الثاني، وإن كان في تقريرات بعض الأعاظم(1) من المعاصرين (قدس سرهم) أنّ الغنيمة على فرض العموم أيضاً لا تشمل ذينك القسمين; أعني الحلال المختلط، والأرض المذكورة، فتدبّر جيّداً ، نظراً إلى أنّ انطباق القوانين وصدق الغنيمة عليهما إنّما هو من دون ملاحظة الحليّة والحرمة ومن دون الخمس .
(1) كتاب الخمس ، تقرير أبحاث السيّد محمّد المحقّق الداماد : 15 .
(الصفحة16)
(الصفحة17)
القول فيما يجب فيه الخمس
يجب الخمس في سبعة أشياء:
الأوّل [: الغنائم]
[وهي] ما يغتنم قهراً بل سرقة وغيلة ـ إذا كانتا في الحرب ومن شؤونه ـ من أهل الحرب الذين يستحلّ دماؤهم وأموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم إذا كان الغزو معهم بإذن الإمام (عليه السلام); من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه كالأرض ونحوها على الأصحّ . وأمّا ما اغتنم بالغزو من غير إذنه، فإن كان في حال الحضور والتمكّن من الاستئذان منه فهو من الأنفال ، وأمّا ما كان في حال الغيبة وعدم التمكّن من الاستئذان فالأقوى وجوب الخمس فيه، سيّما إذا كان للدعاء إلى الإسلام ، وكذا ما اغتنم منهم عند الدفاع إذا هجموا على المسلمين في أماكنهم ولو في زمن الغيبة ، وما اغتنم منهم بالسرقة والغيلة غير ما مرّ ، وكذا بالربا والدعوى الباطلة ونحوها، فالأحوط إخراج الخمس منها من حيث كونه غنيمة لا فائدة، فلا يحتاج إلى مراعاة مؤونة السنة، ولكن الأقوى خلافه، ولا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين ديناراً على الأصحّ . نعم ، يعتبر فيه أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد ونحوهم من
محترمي المال، بخلاف ما كان في أيديهم من أهل الحرب وإن لم يكن الحرب
(الصفحة18)
معهم في تلك الغزوة ، والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلّق الخمس به ، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأيّ نحو كان، ووجوب إخراج خمسه1 .
1 ـ في هذا الأمر الأوّل من الاُمور السبعة التي يجب فيها الخمس جهات من الكلام :
الاُولى : أنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ أصل وجوب الخمس في غنيمة دار الحرب مع الكفّار الذين يستحلّ دماؤهم وأموالهم وسبي نسائهم وأموالهم ، وبالجملة الكافر الحربي هو القدر المسلّم من متعلّقي الخمس، ولا شبهة في دلالة الآية عليه، ولم يختلف فيه أحد من المسلمين كما هو المحكيّ عن بعض كتبهم أيضاً، كبداية المجتهد لابن رشد الأندلسي(1) ، ثمّ الظاهر أنّ السرقة والغيلة إذا كانتا من الحرب وشؤونه غنيمة; لارتباطهما بالحرب وكونهما من توابعه ولوازمه .
الجهة الثانية : أنّه لا فرق في الغنيمة بين ما حواه العسكر من الأشياء المنقولة وبين غيره، كالأرض والأشجار على ما جعله في المتن أصحّ، كما هو المعروف بين الشيخ(2) ومن تأخّر عنه كالفاضلين(3) والشهيدين(4) . ولكن صاحب الحدائق قد أنكر ذلك عليهم قائلاً بالاختصاص بالأوّل(5)، وتبعه سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) على ما في درسه الذي قرّرته. ومحصّل ما
(1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1 : 407 .
(2) النهاية: 198.
(3) شرائع الإسلام 1 : 179 ، تذكرة الفقهاء 5 : 409 ، قواعد الأحكام 1 : 61 ، إرشاد الأذهان 1 : 292 .
(4) الشهيد الأوّل في البيان : 213 ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة 2 : 65 .
(5) الحدائق الناضرة 12 : 324 ـ 325 .
(الصفحة19)
أفاده في وجه الاختصاص أنّه موافق لمقتضى الآية الشريفة الواردة في الخمس، والروايات الواردة في أحكام الأراضي المفتوحة عنوة، وكذا الروايات الواردة في قسمة الغنائم أخماساً أو أسداساً على الطوائف المذكورة في الآية وعلى الغانمين .
أمّا الآية، فلأنّ ظاهرها وجوب الخمس فيما اغتنمها الغانمون المحاربون من كلّ شيء، من قليل أو كثير، ثوباً كان أو ذهباً، أو غيرهما من الأمتعة، والنقود، ووسائل الحرب، والحيوانات وغيرها .
ومن المعلوم أنّ الأراضي والمساكن لا يصدق عليها الغنيمة بالنسبة إلى المحاربين ، بل غاية الأمر أنّ النسبة والإضافة التي كانت بينها وبين السلطان المغلوب في الحرب قد زالت وحدثت بالنسبة إلى السلطان الغالب، وله أن يتصرّف فيها ويصرف عوائدها في مصالح الإسلام والمسلمين، فلا تشملها الآية الظاهرة في وجوب الخمس فيما يصدق عليه عنوان الغنيمة بالنسبة إلى المحاربين .
وبالجملة : فظاهر الآية الشريفة أنّ ما يملكه الغانمون ويكون ملكاً لهم بأجمعها لولا وجوب الخمس الثابت بالآية يجب تخميسها لأرباب الخمس . ومن الواضح أنّ الأراضي لا تكون مملوكة للغانمين ولا تعدّ غنيمة بالنسبة إليهم، بل هي مملوكة لجميع المسلمين، فهي خارجة عن الآية الكريمة .
وأمّا الروايات الواردة في أحكام الأراضي الخراجية، فمفادها أنّها موقوفة على المسلمين; من كان موجوداً منهم حال الحرب، ومن يوجد منهم بعد إلى يوم القيامة. وليس المراد من ذلك كونها مملوكة لهم على حسب الإشاعة، بل المالك لها هو الإسلام، ولابدّ من صرف عوائدها في مصالحه التي هي مصالح المسلمين لا محالة، ولا يجوز بيعه ولا هبته ولا وقفه ولا غيرها من التصرّفات الناقلة، وليس في شيء منها التعرّض لوجوب الخمس فيها، خصوصاً ما ورد في حكم أراضي
(الصفحة20)
خيبر، وأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قبّلها لزرّاع خيبر وصرف عوائدها في مصالح الإسلام والمسلمين(1) .
وبالجملة : فبعد التأمّل في الأخبار الواردة في الأراضي الخراجية(2) لم يظهر من شيء منها دلالة بل ولا إشعار بوجوب الخمس فيها، حتّى أنّ ما فتحت منها في زمن خلفاء الجور ـ كأرض السواد المفتوحة في زمن خلافة الثاني ـ لم يقع مورداً للتخميس ، ويستفاد من ذلك عدم كونه معهوداً بين المسلمين أصلاً .
وأمّا الروايات الواردة في قسمة الغنائم(3) فظاهر أنّ موردها ما عدا الأراضي; لعدم اختصاصها بالغانمين، بل قد عرفت أنّها مملوكة للإسلام ويصرف في مصالحه، ولا يجوز أن يتصرّف فيها بشيء من التصرّفات الناقلة .
نعم ، يبقى الكلام في شهرة القول بالتعميم بين الشيخ(4) وأكثر من تأخّر عنه(5)ولكن التأمّل في كلام الشيخ (قدس سره) يفيد أنّ حكمه بالتعميم لم يكن لأجل نصّ دالّ على ذلك ، بل كان مستنده فيه الآية الشريفة .
وقد عرفت ما في التمسّك بإطلاق الآية، فلا تكون مخالفته بقادحة، خصوصاً بعد وجود الموافق لنا بعده كالحلبي في الكافي(6) وصاحب الحدائق(7) من
(1) الكافي 3 : 512 ح2 ، التهذيب 4 : 119 ح342 ، الوسائل 15 : 157 ، أبواب جهاد العدوّ ب72 ح1 .
(2) الوسائل 15 : 155 ، أبواب جهاد العدوّ ب71 و72 .
(3) الوسائل 15 : 110 ، أبواب جهاد العدوّ ب41 .
(4) النهاية : 198 ، المبسوط 1 : 236 .
(5) كابن إدريس في السرائر 1 : 485 ، والمحقّق في شرائع الإسلام 1 : 179 ، والعلاّمة في تذكرة الفقهاء 5 : 409 .
(6) الكافي في الفقه : 170 .
(7) الحدائق الناضرة 12 : 324 .
|