(الصفحة261)
مسألة 4 : الأحوط إن لم يكن الأقوى عدم دفع من عليه الخمس إلى من تجب نفقته عليه ، سيّما زوجته إذا كان للنفقة ، أمّا دفعه إليه لغير ذلك ممّا يحتاج إليه ولم يكن واجباً عليه فلا بأس ، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليه ولو للإنفاق حتّى الزوجة المعسر زوجها1 .
مسألة 5 : لا يصدّق مدّعي السيادة بمجرّد دعواه . نعم ، يكفي في ثبوتها
التسليم وإن كان غنيّاً في بلده ; لأنّ الملاك فيه هي الحاجة لذلك لا الفقر المطلق ، ولذا عطف على المساكين ، والعطف دليل المغايرة .
1 ـ الوجه في الاحتياط اللازم بل الأقوى عموم التعليل الوارد في بعض الروايات الصحيحة الدالّة على المنع من إعطاء الزكاة لواجبي النفقة ، من قوله(عليه السلام) : إنّهم عياله لازمون له(1) ، فإنّ المستفاد منه أنّ نفقتهم إنّما هي كنفقة نفسه ، ولا ريب في عدم جواز إنفاق خمس نفسه لنفقتها ، ولو في الاُمور المتعلّقة للخمس غير المرتبطة بمؤونة السنة كالمعدن ونحوه ; لأنّ الواجب عليه الدفع لا الصرف . نعم ، في الاُمور الزائدة على النفقة الواجبة المحتاج إليها لا بأس بدفع الخمس بلحاظها ، كما أنّه لا بأس بدفع خمس الغير إلى واجبي النفقة ، كالزوجة التي يكون زوجها معسراً غير قادر على إنفاقها; لأنّ مجرّد وجوب الإنفاق لا يكفي في عدم جواز دفع الخمس مع فرض عدم القدرة عليه ، كما لا يخفى .
كما أنّه يجوز للزوجة التي يجب عليها الخمس دفع خمسها إلى زوجها لو كان مستحقّاً له ولو لإنفاق هذه الزوجة ، فتدبّر .
(1) الوسائل 9 : 240 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب13 ح1 .
(الصفحة262)
كونه معروفاً ومشتهراً بها في بلده من دون نكير من أحد ، ويمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد إحراز عدالته بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلى مستحقّه; أيّ شخص كان حتّى الآخذ ، ولكنّ الأولى عدم إعمال هذه الحيلة1.
1 ـ لا إشكال في أنّ السيادة المعتبرة في الأصناف الثلاثة الاُخرى على ما تقدّم(1) لابدّ من إحرازها كسائر الاُمور المعتبرة ، كالفقر وكونه ابن السبيل ، ولا يكفي في الإحراز مجرّد الدعوى وادّعاء السيادة كما هو الشائع ، خصوصاً في بعض الأمكنة ، وذلك ليس لجريان استصحاب عدم الهاشمية كاستصحاب عدم القرشية في المرأة التي رأت الدم فوق الخمسين على ما ذكره المحقّق الخراساني (قدس سره)(2)وتبعه جملة من الأجلّة(3); لما حقّقناه في محلّه(4) من عدم جريان هذا الاستصحاب بوجه; لعدم اتّحاد القضيتين: المتيقّنة والمشكوكة; ضرورة أنّ السالبة في الاُولى سالبة بانتفاء الموضوع ، وفي الثانية سالبة بانتفاء المحمول ، بل لأجل أنّ الشرط يحتاج إلى الإحراز ولا يكفي فيه مجرّد دعواه ، خصوصاً بعد ترتّب نفع عليه ، وهذا كما في مثل قوله : لا صلاة إلاّ بطهور(5) ، فإنّه لابدّ من إحراز الطهارة ولو بأصالتها بناءً على الشمول للطهارة الظاهرية ، أو بالاستصحاب بناءً على الاختصاص بالطهارة المعنويّة ، كما لا يخفى .
نعم ، ذكر في المتن أنّه «يكفي في ثبوتها كونه معروفاً ومشتهراً بها في بلده من دون
(1) في ص253 .
(2) كفاية الاُصول 1 : 261 .
(3) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 208 .
(4) معتمد الاُصول 1: 295 ـ 296 .
(5) الوسائل 1 : 365 و366 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ب1 ح1 و6 .
(الصفحة263)
نكير من أحد» وحاصله تحقّق الشياع على سيادة المدّعي ، لكنّ الشياع في نفسه ليس بحجّة إلاّ إذا أفاد العلم أو الاطمئنان الذي يقوم مقام العلم عند العقلاء ، وقد تقدّم البحث عن حجّية الشياع في نفسه وعدم حجّيته كذلك في بعض المباحث السابقة .
وذكر في الذيل أنّه يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد إحراز عدالته بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلى مستحقّه; أيّ شخص كان حتّى الآخذ ، لكن جعل الأولى عدم إعمال هذه الحيلة ، ولعلّ السرّ فيه أنّ إحراز العدالة يكفي لأجل عدم الدفع إلى غير من يراه سيّداً ، وأمّا من يراه كذلك فهو سيّد حقيقة أم لا ، فلا ، خصوصاً بالإضافة إلى نفسه .
وبعبارة اُخرى يعتبر أن يكون الدافع للخمس محرزاً لسيادة المدفوع إليه ، ولا يكفي إحراز الواسطة وإن كان عادلاً حقيقة ، لكن علّل الصحّة في محكي الجواهر بأنّ المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكّل ما لم يعلم الخلاف(1) ، فمع عدم اعتبار المباشرة في إيصال الخمس إلى مستحقّه فالعبرة في الوصول إنّما هو بعلم الوكيل وتشخيصه لا الموكّل ; لأنّه مقتضى أصالة الصحّة الجارية في عمل الوكيل .
لكن مع ذلك ذكر أنّ الإنصاف أنّه لا يخلو عن تأمّل أيضاً ; لأنّه يرد عليه ما وجّهه بعض الأعلام (قدس سره) بأنّ الأصل المزبور لمّا كان مستنداً إلى السيرة العقلائية القائمة على البناء على الصحّة ، والقدر المتيقّن منها ما إذا لم يعلم الموكّل الكيفيّة التي وقع الفعل عليها خارجاً ، كما إذا وكّله على عقد ولم يعلم الموكّل صحّة ما أجراه من
(1) جواهر الكلام 16 : 106 .
(الصفحة264)
مسألة 6 : الأحوط عدم دفع الخمس إلى المستحقّ أزيد من مؤونة سنته ولو دفعة ، كما أنّ الأحوط له عدم أخذه1 .
العقد . وأمّا إذا علم الكيفيّة وأنّه أجراه بصيغة فارسية ، لكنّه شكّ في صحّتها فشمول دليل أصالة الصحّة لذلك غير معلوم ، كما لا يخفى .
ويلحقه في الإشكال موارد الشكّ في صحّة الكيفيّة المعلومة بشبهة موضوعيّة كما في المقام ، حيث يعلم الموكّل أنّ الوكيل أخذه لنفسه باعتقاده الاستحقاق ، لكنّه يشكّ الموكّل في استحقاقه ، فإنّ البناء على الصحّة حينئذ مشكل جدّاً; لعدم إحراز قيام السيرة في مثل ذلك عليه .
ومن الواضح أنّ علم الوكيل طريقيّ محض وليس بموضوعي ، فلا أثر له في تصحيح العمل بالنسبة إلى الموكّل الذي هو المكلّف بالأصالة(1) .
قلت : لازم ما ذكر من التوجيه جعل الأحوط الوجوبي لو لم يكن الأقوى عدم التوسّل إلى هذه الحيلة ، لكن لو بني على صحّتها لا يحتاج إلى إحراز عدالة الوكيل ، فإنّه لا فرق في جريان أصالة الصحّة في عمل الوكيل بين ما إذا اُحرزت عدالته ، وبين ما إذا لم تحرز كما لا يخفى . والأولى جعله تحت اختيار الحاكم الشرعي الذي هو مرجع تقليده ، بل هو المتعيّن بناءً على اعتبار إذنه ، كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى .
1 ـ أمّا الدفع إليه في الدفعات المتعدّدة التي يزيد بعضها على مؤونة السنة فالظاهر أنّ عدم جوازه كذلك إنّما هو على سبيل الفتوى ، ومستندها ما تقدّم(2) من
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 322 ـ 323 .
(2) في ص260 .
(الصفحة265)
اعتبار الفقر في الأصناف الثلاثة الأخيرة المستحقّة للخمس ، وفي الدفعة الزائدة لا يكون هذا الشرط موجوداً ، وهذا بالإضافة إلى سهم السادة الذي هو نصف الخمس واضح; لما ذكر من اعتبار الفقر فيهم .
وأمّا بالإضافة إلى سهم الإمام(عليه السلام)فالأمر لا يدور مدار المؤونة ، بل يتوقّف على إذن الحاكم الذي هو الوليّ في زمن الغيبة ، وهو يعمل على طبق ما يراه مصلحة ممّا هو مرضيّ للإمام(عليه السلام) ، ولعلّ ذكر المؤونة قرينة على أنّ المراد من الخمس في المتن هو سهم السادة لا الأعمّ منه ومن سهم الإمام(عليه السلام) . ويؤيّده أنّه جعل الأحوط عدم الأخذ كما لا يخفى ، كما أنّه لابدّ من التنبيه على أمر; وهو أنّ الزائد على دفعة واحدة إن كانت الزيادة زائدة على مؤونة سنته فالحكم ما مرّ ، وإن كانت مشتملة على الزيادة; بأن كانت مركّبة من الزيادة وغيرها فالحكم فيه ما سيأتي في الفرع الآتي .
وأمّا عدم جواز الدفع إليه في دفعة واحدة بمقدار يزيد على مؤونة سنة واحدة فإنّما هو على نحو الاحتياط الوجوبي ، فقد قيل في وجهه: إنّه إذا أُعطي ما يزيد على مؤونته السنويّة فهو بتملّك مقدار المؤونة صار غنيّاً ، فليس له حينئذ تملّك ما يزيد عليه; لزوال فقره بتملّك ذلك المقدار ، فإعطاء الزائد إعطاء إلى الغنيّ ولو كان غناه قد حصل مقارناً للإعطاء المزبور ، إذ العبرة في الغنى والفقر بملاحظة حال الإعطاء لا قبله ولا بعده(1) .
ويرد عليه أنّه بعدما كان المفروض إعطاء الزائد دفعة واحدة من دون تقدّم وتأخّر ، وقد فرض أنّه في حال الإعطاء كان فقيراً ، ولا مجال لدعوى التبعّض بعد كون الإعطاء واحداً وهو مستحقّ للخمس لفقره ، فالظاهر أنّه لا مجال للاحتياط
(1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 324 .
(الصفحة266)
مسألة 7 : النصف من الخمس الذي للأصناف الثلاثة المتقدّمة أمره بيد الحاكم على الأقوى ، فلابدّ إمّا من الإيصال إليه ، أو الصرف بإذنه وأمره ، كما أنّ النصف الذي للإمام (عليه السلام) أمره راجع إلى الحاكم ، فلابدّ من الإيصال إليه حتّى يصرفه فيما يكون مصرفه بحسب نظره وفتواه ، أو الصرف بإذنه فيما عيّن له من المصرف . ويشكل دفعه إلى غير من يقلّده إلاّ إذا كان المصرف عنده هو المصرف عند مقلّده كمّاً وكيفاً ، أو يعمل على طبق نظره1 .
الوجوبي حينئذ فضلاً عن الفتوى .
فالمتحصّل أنّ مقتضى القاعدة الجواز في هذه الصورة ، وتؤيّده إطلاقات الأدلّة وإن كان يبعّده حكمة تشريع الخمس ، فإنّها عبارة عن سدّ حاجة السادة ، ومن المستبعد جواز دفع عشرة أضعاف مؤونة سنته إلى واحد ـ مع كثرة المستحقّين أو شدّة احتياجهم ـ باستناد كون الدفع في دفعة واحدة مقارنة لفقره ، كما لا يخفى . كيف ، ولازمه جواز جمع جملة كثيرة من الأخماس والدفع إلى واحد; لعدم لزوم البسط كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
كما أنّه يبعّده أنّه لو فرض صيرورته غنيّاً مقارناً لإعطاء الخمس إليه; كما لو فرض موت مورّثه الذي له مال كثير في حال إعطاء الخمس إلى الوارث ، فهل يكفي مجرّد فقره قبل الإعطاء في جواز الدفع إليه أم لا؟ الظاهر أنّه بعيد جدّاً .
وكيف كان ، لو كان مقتضى الاحتياط الوجوبي عدم جواز الدفع إلى المستحقّ ولو في دفعة واحدة يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي للمستحقّ عدم الأخذ كذلك.
1 ـ الخمس نصفان: نصف للأصناف الثلاثة المتقدّمة; وهم الله تعالى ورسوله وذوو القربى ، وقد دلّت الروايات الكثيرة على أنّ ما كان لله فهو للرسول ، وما كان
(الصفحة267)
للرسول فهو للإمام(1) ، فهذا النصف فعلاً للإمام الثاني عشر عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، ولذا يعبّر عنه بسهم الإمام(عليه السلام) ، فلابدّ في زمن حضوره وإمكان التشرّف لديه من الإيصال إليه أو الصرف بإذنه والإيصال إلى النوّاب الخاصّة ، وكان في زمن حياتهم (عليهم السلام) لهم نوّاب خاصّة أكثرهم معروفين ، وفي زمن الغيبة الصغرى كانت النوّاب الخاصّة الأربعة معروفون ، وبعد ارتحال الأخير تبدّلت الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى ، وفي زمن الغيبة الكبرى كزماننا هذا يجب بمقتضى أدلّة الولاية العامّة والنيابة كذلك الإيصال إلى النائب العام ، أو الصرف بإذنه فيما عيّن له من المصرف ، وقد استشكل في المتن في الدفع إلى غير مرجع تقليده .
ولعلّ منشأه ثبوت نظر خاصّ له في مصرف سهم الإمام(عليه السلام) ، إمّا مطلقاً أو في مقطع خاصّ زمانيّ أو مكانيّ ، ولا أقلّ من جهة الكمّية والكيفيّة ، فإذا كان نظره التقسيم إلى الطلاّب بكيفيّة الراتب الشهري المعمول المتعارف في الحوزات العلمية فلا يجوز التسليم إليهم مستقلاًّ مع اختلافه مع ما هو المعمول الموجب للاختلاف زيادة ونقصاناً أو لمحرومية بعض رأساً . نعم ، لازم ذلك جواز الدفع إلى مجتهد آخر يرى الصرف كذلك ، ولو لم يكن مرجع تقليده أو الصرف بإذنه; لعدم اختلاف الرأيين في المصرف أصلاً .
اللّهم إلاّ أن يقال بأنّه حيث يرى مرجع تقليده أعلم من غيره ، ويعتقد بوجوب الرجوع إليه فتوىً أو احتياطاً لزوميّاً ، فمقتضى ذلك ولازمه ثبوت النيابة العامّة بالإضافة إلى مرجعه ، وعليه فيشكل التسليم إلى الغير ولو مع العلم باتّحاد المصرف من جميع الجهات ، وعليه فيشكل الدفع إلى غير مرجع تقليده . اللّهم إلاّ
(1) الوسائل 9 : 512 و 516 ، أبواب قسمة الخمس ب1 ح6 و11 .
(الصفحة268)
أن يقال : إنّ تعيّن الرجوع إلى الأعلم ولزوم اختياره إنّما هو في صورة اختلاف رأيه مع غير الأعلم ، وأمّا في صورة العلم بالوفاق فلا يجدي الحكم بتعيّنه ، وقد تقدّم التحقيق في باب الاجتهاد والتقليد ، فراجع(1) .
وينبغي أن يعلم المراد من ملكية الله والرسول والإمام سهم الإمام(عليه السلام) ، وأنّه لامعنى لأن يكون المراد هي الملكية الاعتبارية الثابتة بالإضافة إلى مثل زيد لداره وثوبه ، ضرورة أنّه لا معنى للملكية الاعتبارية بالنسبة إلى الله تعالى ، وكذا لا معنى للملكية التكوينيّة كما حكي عن بعض المحقّقين رحمة الله عليه(2) ، بل المراد هي الأولوية في التصرّف غير المستلزمة لمثل الإرث .
والظاهر أنّ ملكية الرسول وكذا الإمام يكون هكذا; أي بمعنى أولويّة التصرّف ، وعليه فيكون الفقيه في عصر الغيبة وليّاً للتصرّف في سهم الإمام(عليه السلام)يصرفه فيما يراه ويعتقده ، من غير أن يكون ملكاً له كسائر أمواله الشخصية المنتقلة إلى الوارث بالموت ، وقد فصّل الكلام في هذا المجال الاُستاذ العلاّمة الماتن (قدس سره) في المجلّد الثاني من المجلّدات الخمسة الموضوعة في البيع ، فراجع(3) .
كما أنّه ينبغي أن يعلم أنّ المنصوب من قبلهم (عليهم السلام) للرجوع إليه في التقليد وإيصال الوجوه الشرعية إليه ليس شخصاً خاصّاً ، بل من كان واجداً لصفات التقليد عنه المذكورة في مثل المقبولة(4) ، فلابدّ من الدفع إلى مرجع تقليده أو من هو يقول بمثله في اتّحاد المصرف من جميع الأبعاد .
(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (الاجتهاد والتقليد) : 106 .
(2) المحقّق الإيرواني في حاشيته على المكاسب 2 : 422 .
(3) كتاب البيع 2 : 659 .
(4) الكافي 1 : 67 ح10 ، التهذيب 6 : 218 ح514 ، الوسائل 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح1 .
(الصفحة269)
هذا كلّه بالإضافة إلى النصف الذي يعبّر عنه بسهم الإمام(عليه السلام) . وأمّا بالإضافة إلى النصف الآخر الذي هو سهم السادة ، فقد قوّى في صدر المسألة أنّ أمره بيد الحاكم ، ولعلّ وجهه ما يظهر من بعض الروايات الآتية ـ مثل رواية ابن مهزيار المفصّلة المتقدّمة(1) من أنّ الجواد(عليه السلام) قد أحلّ للشيعة في الجملة الخمس المركّب من السدسين في عام ارتحاله(عليه السلام) ، وغير ذلك من الروايات ـ من دخالة الأئمّة (عليهم السلام) في هذا النصف إثباتاً ونفياً ، والظاهر أنّ دخالتهم إنّما هي لأجل كونهم حاكمين ، فيستفاد منه أنّ أمره بيد الحاكم ولو كان هو غير الإمام(عليه السلام) ، مع أنّ الظاهر أنّ غنائم دار الحرب يؤتى بأجمعها عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو كان يقسّمها بين مستحقّيها ، ولولا أنّ أمرها بيده لما كان لذلك وجه ، كما لا يخفى .
وهذا لو لم يكن أقوى فلا أقلّ من أن يكون مطابقاً للاحتياط الوجوبي ، كما ذكرناه في التعليقة على العروة الوثقى(2) .
وقد حكي عن بعض محاضرات الماتن (قدس سره) أيّام إقامته بالنجف الأشرف قبل موفّقية الثورة ، أنّه استدلّ على كون أمر الخمس مطلقاً بيد الحاكم ، أنّه لو فرض البناء على أداء الخمس سيّما في بعض الأسواق ، كسوق طهران مثلاً يبلغ مقدار الخمس إلى مبلغ لا يحصى عرفاً ، ويكون نصفه أضعاف حاجة السادة ، وحينئذ فهل يمكن الالتزام بسقوط هذا التكليف ، أو الالتزام بالأداء إلى السادة زائداً على مقدار مؤونة سنتهم ، أم لابدّ من أن يقال بأنّ أمره بيد الحاكم يصرفه في مصالح المسلمين والاُمور العامّة الراجعة إليهم ؟
(1) في ص112 ـ 114 .
(2) الحواشي على العروة الوثقى : 194 مسألة 7 .
(الصفحة270)
هذا ، ولكن ذكر صاحب العروة أنّه يجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه ، ولكن الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه(1) . وذكر بعض الأعلام (قدس سره) في شرحها ما يرجع محصّله إلى أنّ الظاهر أنّ للمالك مباشرة التقسيم بنفسه من دون مراجعة الحاكم الشرعي; لما ورد في الزكاة من ثبوت ولاية التعيين للمالك; معلّلاً بأنّه أعظم الشريكين ، ومع التنازل فهذا مال مشترك مع السادة لا حاجة في مثله إلى مراجعة الشريك ومطالبته بالقسمة; لأنّ الشركة من قبيل الشركة في المالية أو الكلّي في المعيّن . نعم ، بناءً على الإشاعة والشركة الحقيقيّة يطالب الشريك بالقسمة إن كان شخصاً خاصّاً ، وأمّا إذا كان عنواناً كلّياً كما في المقام ، فإنّه يراجع وليّه وهو الحاكم الشرعي إن أمكن ، وإلاّ فعدول المؤمنين .
وكيفما كان ، فالذي يتوقّف على المراجعة إلى مثل الحاكم على تقديره إنّما هي القسمة وأمّا الإعطاء والدفع إلى الفقير فلا يحتاج إلى الاستجازة من الحاكم الشرعي; لعدم الدليل على ذلك ، بل يمكن أن يقال كما لايبعد بأنّ الأمر كان كذلك حتّى في زمن الحضور ، فإنّ جواز الإعطاء إلى الإمام(عليه السلام) لا يكون مانع منه ، وأمّا وجوبه فكلاّ(2) ، انتهى .
وما تقدّم من الدليل على لزوم المراجعة إلى الحاكم من الدليل أو شبه الدليل كاف في إثبات ذلك بالنسبة إلى سهم السادة أيضاً ، فتدبّر .
لا يقال: إنّ العلّة المنصوصة الواردة في باب الزكاة لا يمكن التخلّف عنها ، فإنّه يقال: لا مجال للأخذ بها وإلاّ لكان اللازم تقديم أعظم الشريكين مطلقاً .
(1) العروة الوثقى 2 : 405 مسألة 7 .
(2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 329 ـ 330 .
(الصفحة271)
مسألة 8 : الأقوى جواز نقل الخمس إلى بلد آخر ، بل ربما يترجّح عند وجود بعض المرجّحات حتّى مع وجود المستحقّ في البلد; وإن ضمن حينئذ لو تلف في الطريق أو البلد المنتقل إليه ، بخلاف ما إذا لم يوجد فيه المستحقّ ، فإنّه لا ضمان عليه . وكذا لو كان النقل بإذن المجتهد وأمره ، فإنّه لا ضمان عليه حينئذ حتّى مع وجود المستحقّ في البلد ، وربما وجب النقل لو لم يوجد المستحقّ في البلد ولم يتوقّع وجوده بعدُ ، أو أمر المقلّد بالنقل ، وليس من النقل لو كان له دين على من في بلد آخر فاحتسبه مع إذن الحاكم الشرعي1.
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لأمرين :
الأمر الأوّل : في جواز نقل الخمس إلى بلد آخر بالمعنى العام في مقابل العدم أي الحرمة ، وهو قد يكون مع وجود المستحقّ في البلد فعلاً أو قوّة بالقوّة القريبة ، وقد يكون مع عدمه كذلك أي لا بالفعل ، ولا يتوقّع وجوده بعدُ .
وقبل التعرّض لبيان هذا الحكم التكليفي لابدّ من التنبيه على أمر; وهو أنّ تحقّق عنوان نقل الخمس موضوعاً إنّما يتوقّف إمّا على القول بجواز عزل الخمس لمن يجب عليه ، كما في باب الزكاة على ما نطقت به الروايات(1) ، وهو لم ينهض عليه دليل ولا يساعده قاعدة ، سيّما على القول بالإشاعة والشركة ، إذ التخصيص لابدّ من أن يقع بإجازة الجميع ، وإمّا على فرض تعيّنه في مال مخصوص بقبض الحاكم وتعيينه ثمّ الإبقاء تحت يده ليصرفه في مصرفه ، وإمّا على فرض نقل جميع المال المشتمل على الخمس ، كما لو فرض أنّ ما استخرجه من المعدن مع تعلّق الخمس به للبلوغ حدّ النصاب ـ على ما عرفت ـ نقل جميعه إلى بلد آخر ، وإمّا على
(1) الوسائل 9 : 285 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب39 .
(الصفحة272)
الفروض المشابهة .
وكيف كان ، فالدليل على الجواز وثبوت هذا الحكم التكليفي أمّا في فرض عدم وجود المستحقّ في البلد لا فعلاً ولا قوّة بالقوّة القريبة فواضح ; لعدم نهوض دليل على المنع ، مضافاً إلى استلزام المنع للتلف أحياناً ، وإلى محروميّة المستحقّين مع وجودهم في البلد الآخر ، والمسامحة في أداء الواجب غير جائزة ، ففي الحقيقة يكون النقل في مثل هذه الموارد واجباً ، لا أنّه غير محرّم فقط ، كما لا يخفى .
وأمّا في فرض وجود المستحقّ في البلد ـ خصوصاً فعلاً ـ فالمنع المتوهّم تارةً حصول المسامحة في أداء التكليف في فرض النقل ، واُخرى عدم رضى المستحقّين في البلد كما هو الغالب ، والأوّل غير مانع ، خصوصاً فيما لو كان النقل موجباً لأسرعيّة أداء الخمس إلى المستحقّ ، والثاني أيضاً كذلك; لعدم مدخلية رضى خصوص المستحقّين في البلد ; لأنّ المالك هو الطبيعي لا الشخص ، والمفروض الدفع إلى المستحقّ في البلد الآخر . نعم ، لا يبعد أن يكون وجوده في البلد مرجّحاً يكون الأولى ملاحظته ، لا أنّه واجب كما عرفت .
الأمر الثاني : في ثبوت الحكم الوضعي وهو الضمان وعدمه ، والظاهر أنّه لا وجه للضمان في صورة عدم وجود المستحقّ في البلد أصلاً كما عرفت ، كما أنّه لا وجه للضمان في صورة كون النقل بإذن الحاكم الشرعي .
وأمّا في غير هاتين الصورتين فقد استظهر ثبوت الضمان بقرينة صحيحة محمّد بن مسلم المشتملة على عطف الوصيّ ، وأنّه إذا وجد ربّ المال المأمور بدفعه إليه فأخّر ضمن وإلاّ فلا ، بدعوى أنّ الحكم جار في كلّ حقّ ماليّ يجب إيصاله إلى أهله ، حيث إنّه قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو
(الصفحة273)
مسألة 9 : لو كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلد الخمس يتعيّن نقل حصّة الإمام (عليه السلام) إليه ، أو الاستئذان منه في صرفها في بلده ، بل الأقوى جواز ذلك لو وجد المجتهد في بلده أيضاً لكنّه ضامن إلاّ إذا تعيّن عليه النقل ، بل الأولى والأحوط النقل إذا كان من في البلد الآخر أفضل ، أو كان هنا بعض المرجّحات ، ولو كان المجتهد الذي في البلد الآخر مقلَّده يتعيّن النقل إليه ، إلاّ
لها ضامن ـ إلى أن قال : ـ وكذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دُفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه ، فإن لم يجد فليس عليه ضمان(1) ، فإنّ مقتضى عطف الوصي ما ذكرنا .
ومن الواضح أنّ الحكم فيما إذا لم يكن هناك تعدّ ولا تفريط ، وإلاّ فلا إشكال في ثبوت الضمان ; لأنّ الأمين لا يكون ضامناً مع فرض عدم التعدّي والتفريط ، كما هو المبحوث عنه في الكتب الموضوعة في القواعد الفقهيّة .
نعم ، مقتضى بعض الروايات الواردة في الزكاة عدم ضمانها بعد عزلها ، لكنّها مختصّة بباب الزكاة ولا تجري في غيرها(2) .
ثمّ إنّه ذكر في الذيل أنّه لو كان له دين على المستحقّ في البلد الآخر فاحتسبه بإذن الحاكم الشرعي لا يكون هذا من النقل بوجه ; لأنّ مجرّد الاحتساب كذلك لا يوجب تحقّق النقل ولا يصدق هذا العنوان بوجه ، سواء قيل بالجواز في النقل أو بعدمه ، وسواء كان النقل موجباً للضمان أو عدمه ، وسواء كان المستحقّ موجوداً في البلد أم لا .
(1) الكافي 3 : 553 ح1 ، التهذيب 4 : 47 ح125 ، الوسائل 9 : 285 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب39 ح1 .
(2) الوسائل 9 : 286 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب39 ح3 و4 .
(الصفحة274)
إذا أذن في صرفه في البلد ، أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده موافقاً مع نظر مقلَّده ، أو كان يعمل على طبق نظره1 .
1 ـ عمدة النظر في المسألة السابقة كانت بالإضافة إلى نصف الخمس الذي هو سهم للسادة العظام ، وأمّا في هذه المسألة يكون النظر إلى النصف الآخر الذي هو سهم الإمام(عليه السلام) ، وإن كان يبدو في النظر أنّه لا وجه لتكرير المسألة وجعلها متعدّدة ، خصوصاً مع عدم إشعار المسألة السابقة بالاختصاص بسهم السادة; للتعبير منها بالخمس الذي هو أعمّ من سهم الإمام(عليه السلام) ، ومع أنّ الأقوى في نظره أنّ أمر سهم السادة بيد الحاكم أيضاً ، وخصوصاً مع وجود بعض التهافتات في المسألتين ، مثل مسألة الضمان في بعض الفروض وعدمه مع اشتراك الدليل ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وكيف كان ، فملخّصها أنّه لو كان المجتهد الذي في البلد الآخر مرجع تقليده ، إمّا لانحصاره ، أو لتعيّن تقليده عليه لكونه أعلم مثلاً ، أو جوازه بناءً على عدم تعيّن تقليد الأعلم مثلاً يتعيّن النقل إليه في صورة الإمكان ، إلاّ إذا أذِن في صرفه في البلد ، أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده متّحداً معه ، أو كان يعمل على طبق نظره ، وقد مرّ أنّ المراد من اتّحاد المصرف هو الاتّحاد من جميع الجهات حتّى من جهة الكيفيّة والكمّية .
وإن لم يكن مرجع تقليده ، كما لو فرض أنّه أجاز له أن يصرف في أيّ مجتهد شاء ، فلو نقله لأن يصرفه في مجتهد في بلد آخر مع وجوده في البلد ، فالظاهر هو الجواز من جهة الحكم التكليفي .
وأمّا من جهة الحكم الوضعي أي الضمان فقد فصّل في المتن فيه بين صورة تعيّن النقل وعدمه ، كما إذا كان المال في بلده في معرض تلف السرقة ونحوها ولم يمكن
(الصفحة275)
دفعه إلى مجتهد البلد فوراً .
والوجه فيه أنّ لزوم النقل وتعيّنه لا يكاد يجتمع مع الضمان لو تلف في الطريق قهراً من دون تعدّ ولا تفريط ، وإن كان جواز الإتلاف شرعاً ربما يجتمع مع الحكم بالضمان ، كما فيمن أتلف مال الغير لحفظ نفسه عن الهلاك ، فإنّه يجوز الإتلاف والأكل حينئذ شرعاً ، ولكنّه ضامن ، لكن جواز الإتلاف أمر ، والضمان الذي منشؤه قاعدة الإتلاف غير المختصّة بحال الاختيار ـ كما في حال النوم أو الغفلة فضلاً عن صورة التعمّد والاختيار ـ أمر آخر ، لكنّ البحث هنا في التلف من غير تعدّ ولا تفريط ، فإنّه لا يجتمع الحكم بالضمان فيه مع تعيّن النقل أو جوازه شرعاً ، مع أنّ الأمين لا يكون ضامناً ، ومثل الأوّل بعض كفّارات الإحرام المجتمعة مع الجواز ، كلبس المخيط للرجال اضطراراً لبرد ونحوه ، فإنّه يجوز ولكن يجب فيه الكفّارة كما قد قرّر في محلّه(1) .
كما أنّه جعل الأولى والأحوط النقل إذا كان من في البلد الآخر أفضل ، أو كان هنا بعض المرجّحات كشدّة الفقر مثلاً ، وظاهره عدم ثبوت الضمان في هذه الصورة أيضاً ، مع أنّ مقتضى ما ذكر من الدليل على الضمان ممّا تقدّم من صحيحة محمّد بن مسلم ثبوته هنا أيضاً لوجدان ربّ المال في البلد ، والأولوية المذكورة لا تنهض لنفيه كما لا يخفى .
وكيفما كان ، فكلّ ما تأمّلنا لم نجد لهذه المسألة هدفاً خاصّاً غير مذكور في المسائل السابقة ، سواء كان الهدف تعيّن إيصال سهم الإمام(عليه السلام) إلى المرجع ، أو الصرف بإذنه ، أو على طبق نظر من يقول باتّحاد المصرف ، أو يعمل على طبق
(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب الحجّ) 4 : 77 .
(الصفحة276)
مسألة 10 : يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر وإن كان عروضاً ، ولكن الأحوط أن يكون ذلك بإذن المجتهد حتّى في سهم السادات1 .
نظره ، وسواء كان الهدف عدم الضمان مع تعيّن النقل إليه ، وسواء كان الهدف تعيّن مرجع التقليد لذلك .
نعم ، قد عرفت ظهور بعض العبارات في عدم الضمان في صورة أولوية النقل ، وهو مع أنّه مخالف للواقع مغاير لما سبق ، فلا مجال للتكرير أصلاً ، خصوصاً مع ما عرفت من التعبير في المسألة السابقة بالخمس الذي هو أعمّ من سهم الإمام(عليه السلام) في الآية الشريفة ، وفي الروايات المأثورة ، وفي التعبيرات الفقهية ، كما عرفت .
1 ـ لا شبهة في أنّه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من نفس المال الذي تعلّق به ، كما إذا أراد أن يدفع خمس المعدن من نفس ما استخرجه منه مع البلوغ حدّ النصاب المتقدّم ، بل هو الأصل في دفع الخمس بعد تعلّقه بالعين .
وأمّا إذا أراد أن يدفع من مال آخر ، فتارةً يكون نقداً واُخرى عروضاً ، وظاهر المتن أنّ مقتضى الاحتياط أن يكون ذلك بإذن المجتهد حتّى في سهم السادات ، والوجه في ذلك أمّا بالإضافة إلى سهم الإمام(عليه السلام) فهو أنّ اختياره بيد الحاكم الشرعي ولو من باب الولاية والنيابة ، فتبديل ماله ولو بالنقد يتوقّف على إذنه وموافقته ، وأمّا بالإضافة إلى سهم السادات العظام فسيأتي ، وتقدّم(1) أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي أن يكون إيصال هذا السهم بأربابه موقوفاً على إذن المجتهد; لعدم تشخّص المالك وعدم ثبوت الترجيح اللازم ، فالوليّ له حقيقة هو المجتهد ، وعليه فالتبديل مطلقاً يحتاج إلى إذنه وموافقته ، وقد عرفت أنّه (قدس سره) قد قوّى أنّ أمره
(1) في ص269 .
(الصفحة277)
بيد الحاكم وقد مرّ وجهه(1) ، وعليه فإذا أراد التبديل فلا مانع منه ، هذا بناءً على الشركة في المالية .
وأمّا بناءً على الشركة الحقيقية أو الكلّي في المعيّن فالأمر أوضح ، وقد صرّح السيّد في العروة(2) بأنّ تعلّق الخمس كالزكاة إنّما هو من باب الكلّي في المعيّن ، مع أنّ التعبير في باب الخمس في الآية والروايات إنّما هو بالخمس الذي هو الكسر المشاع بالإشاعة الحقيقيّة ، كما لو فرض أنّه باع خمس داره ، فإنّه قد انتقل إلى المشتري خمس الدار بالنحو المذكور بحيث يحتاج التقسيم إلى موافقته ورضاه .
وأمّا في باب الزكاة فالتعبيرات بالإضافة إلى الاُمور التي يتعلّق بها الزكاة مختلفة ، فمن بعضها يظهر الكلّي في المعيّن ، كما في قوله(عليه السلام) : في كلّ أربعين شاة شاة(3) ، ومن بعضها تظهر الشركة الحقيقيّة ، كما في قوله : في كلّ ما سقته السماء العشر (4) ، فإنّ كلمة «العشر» مثل كلمة «الخمس» في الدلالة على الشركة المزبورة ، ومن بعضها تظهر الشركة في المالية ، مثل قوله : في كلّ خمس من الإبل شاة(5) بعد ملاحظة عدم لزوم تهيئة الشاة من الخارج ولا تكون الشاة جزءاً من خمس إبل ، فلا محالة يكون المراد الشركة في المالية .
وحيث إنّ المقطوع به أنّ كيفيّة التعلّق في جميع الأجناس الزكوية على نحو واحد ، كما تفصح عنه آية الزكاة التي وقع فيها التعبير بالصدقات وكذا الروايات ،
(1) في ص269 .
(2) العروة الوثقى 2 : 399 ـ 400 مسألة 76 .
(3) الوسائل 9 : 116 ، أبواب زكاة الأنعام ب6 ح1 .
(4) الوسائل 9 : 182 ، أبواب زكاة الغلاّت ب4 .
(5) الوسائل 9 : 111 ، أبواب زكاة الأنعام ب2 ح6 .
(الصفحة278)
فلا مناص من رفع اليد عن ظاهر بعض بصراحة الآخر ، فلا محالة يحمل على إرادة الشركة في المالية غير المنافية لحكمة الزكاة المجعولة للأصناف الثمانية المذكورة في الآية ، وعليه فقياس الخمس على الزكاة في غير محلّه ، وقد مرّ أنّ مقتضى الشركة الحقيقيّة أنّ الاعتبار بيد الحاكم والإناطة بإذنه ، فلابدّ من أن يكون التبديل مع موافقته .
هذا هو مقتضى القاعدة ، لكن ذكروا في باب الزكاة أدلّة لعلّ بعضها يشمل المقام ، مثل صحيحة البرقي قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : هل يجوز أن اُخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى ، أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجاب(عليه السلام) : أيّما تيسّر يخرج(1) . نظراً إلى أنّ السؤال الأوّل وإن كان ظاهراً في الزكاة ، إلاّ أنّه يمكن أن يقال بإطلاق السؤال الثاني وشموله للخمس .
لكن ربما يورد عليه بأنّ الإشكال في الدفع من العروض الاُخر ; لأنّ الدرهم بدل الدينار ربما ينتفع به الفقير بخلاف دفع كتاب مثلاً إليه بدله .
هذا ، ولكنّ الظاهر عدم شمول الرواية لغير الزكاة; لأنّ الذهب بعنوانه لا يكون من الاُمور المتعلّقة للخمس ، وأمّا في باب الزكاة يكون متعلّقاً لها ، خصوصاً بقرينة أنّ المراد بالذهب ليس مطلق الذهب ، بل مطلق الدينار لمقابلته بالدرهم ، ومن المعلوم أنّ الدينار لا يكون إلاّ متعلّقاً للزكاة ، وأمّا تعلّق الخمس به لأنّه كان الرائج في الأزمنة السابقة في الثمن هو النقدين ، فهو وإن كان صحيحاً إلاّ أنّ تعلّق الخمس ليس لأجل الدينار ، بل لأجل كونه من أرباح المكاسب ، كما لا يخفى .
(1) الكافي 3 : 559 ح1 ، الوسائل 9 : 192 ، أبواب زكاة الغلاّت ب9 ح1 .
(الصفحة279)
مسألة 11 : إذا كان في ذمّة المستحقّ دين جاز له احتسابه خمساً مع إذن الحاكم على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، كما أنّ احتساب حقّ الإمام (عليه السلام) موكول إلى نظر الحاكم1 .
وعليه: فالظاهر عدم صلاحية الرواية للاستدلال بها للمقام ، فتدبّر . وحينئذ لو لم يكن جواز التبديل متسالماً عليه بينهم كما يظهر من بعض الكلمات فلا أقلّ من أن يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي العدم إلاّ بإذن الحاكم وموافقته مع التبديل ، كما لا يخفى ، من دون فرق بين النقد والعروض .
1 ـ أمّا بالإضافة إلى سهم الإمام(عليه السلام) فالحكم واضح; لأنّه مرتبط به; أي بالحاكم كما تقدّم(1) ، وقد عرفت أنّ كفاية اتّحاد المصرف لابدّ وأن تلاحظ بالنظر إلى الكيفيّة والكمّية أيضاً ، فجواز الاحتساب في الفرض المزبور موكول إلى نظر الحاكم .
وأمّا بالإضافة إلى سهم السادات العظام فمنشأ الاحتياط ـ لو لم يكن الأقوى ـ أنّ مرجع الاحتساب المزبور إلى جعل ما في ذمّة المستحقّ بدلاً عن الخمس المتعلّق بالعين ، ولم يرد في باب الخمس دليل على ذلك ، سواء قلنا بأنّ الاختيار في سهم السادة بيد المالك ، أو بيد الحاكم وإن كان الحكم على الثاني أشدّ إشكالاً ، كما لايخفى . من دون فرق في أصل الحكم بين القول بكون الخمس ملكاً لبني هاشم أو كونهم مصرفاً له ، وكذا من دون فرق بين الالتزام بالإشاعة أو الكلّي في المعيّن ، وبين غيرهما . نعم ، لا شبهة في الجواز مع إذن الحاكم ، وقد مرّ في بعض المسائل
(1) في ص266 ـ 268 .
(الصفحة280)
مسألة 12 : لا يجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس ويردّه على المالك إلاّ في بعض الأحوال ، كما إذا كان عليه مبلغ كثير ولم يقدر على أدائه; بأن صار معسراً لا يرجى زواله وأراد تفريغ ذمّته ، فلا مانع حينئذ منه لذلك1 .
السابقة(1) أنّ الأقوى في نظره كون أمر سهم السادة أيضاً بيده ، فلا يخلو عن تهافت مع المقام .
1 ـ أمّا عدم الجواز في المستثنى منه ، فلأنّ الردّ إلى المالك إن كان لأجل الاستحقاق فالمفروض عدمه ، وربما لا يكون من السادة أصلاً وإن كان بصورة الهبة كالهبة في الأموال الشخصية ، فلأنّ المفروض عدم كون مثل هذه الهبة في شأنه ومن جملة مخارجه وحوائجه . نعم ، قد عرفت(2) أنّه لا يجوز للمالك صرف خمس نفسه في نفقة عياله وإن كان يجوز له صرف خمس الغير في نفقتها ، كما إذا كان الزوج معسراً ، وإن كان يجب عليه الخمس للمعدن ونحوه ولكنّه أتلف جميع ما استخرجه من المعدن وصار الخمس منتقلاً إلى ذمّته; لقاعدة الإتلاف .
وأمّا الجواز في المستثنى ، فلأجل صيرورته معسراً غير قادر على أداء الخمس الذي كان يجب عليه ولم يرج زوال هذا الإعسار في المستقبل ، فإنّه لو أراد تفريغ الذمّة فلا مانع من أداء مقدار بعنوان الخمس إلى المستحقّ ثمّ ردّه عليه ، وهكذا إلى أن يصل إلى المقدار الواجب ، وهو الذي يعبّر عنه بإدارة اليد ، وفي الفارسية بـ «دستگردان» ولا مجال له لأداء الواجب غير هذا الطريق ، وفي هذا الفرض لا يلزم أن يكون المالك من المستحقّين كما إذا لم يكن سيّداً أصلاً ، كما أنّ ردّ
(1) أي في مسألة 7 .
(2) في ص261 .
|