(الصفحة341)
هو الإسلام، ولابدّ من صرف عوائدها في مصالحه التي هي مصالح المسلمين لا محالة ، ولا يجوز بيعه ولا هبته ولا وقفه ولا غيرها من التصرّفات الناقلة ، وليس في شيء منها ، التعرّض لوجوب الخمس فيها، خصوصاً ما ورد في حكم أرض خيبر ، وأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قبّلها لزرّاع خيبر وصرف عوائدها في نوائب الإسلام ومصالح المسلمين(1) .
وبالجملة : فبعد التأمّل في الأخبار الواردة في حكم الأراضي المفتوحة عنوة(2) لم يظهر من شيء منها إشعار بوجوب الخمس فضلا عن الدلالة ، حتى أنّ ما فتحت منها في زمان خلفاء الجور ـ كأرض السواد المفتوحة في زمان خلافة عمر ـ لم يقع مورداً للتخميس ، ومن ذلك يستفاد عدم كون ذلك معهوداً بين المسلمين أصلا ، كما لايخفى .
وأمّا الروايات الواردة في قسمة الغنائم(3) فظاهرٌ أنّ موردها ما عدا الأراضي ; لعدم اختصاصها بالغانمين ، بل قد عرفت أنّها مملوكة للإسلام ويصرف في مصالحه ، ولا يجوز أن يتصرّف فيها بشيء من التصرّفات الناقلة .
ومجمل الكلام في هذا المقام أنّ ما ورد من الأخبار في حكم الأراضي الخراجيّة المفتوحة عنوة مقتضى إطلاقها كون الجميع ملكاً للمسلمين بالمعنى المذكور ، الذي يرجع إلى كونه ملكاً للإسلام ويصرف في نوائبه ومصالح المسلمين
(1) الكافي 3 : 512 ح2 ، التهذيب 4 : 38 و118 ح96 و341 ، الوسائل 15 : 157 ، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب72 ح1 ، سنن أبي داود 3 : 271 ـ 273 ، السنن الكبرى 13 : 481 ـ 483 .
(2) الوسائل 15 : 110 ، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب41 ح2 ، وص155 ـ 157 ب71 و72 وج19 : 435 ، كتاب إحياء الموات ب18 ، ومستدرك الوسائل 11 : 124، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب60 .
(3) الوسائل 15 : 110 ، أبواب جهاد العدوّ ب41 .
(الصفحة342)
وأمرها بيد الإمام ، والآية الشريفة(1) وإن كان يمكن دعوى الإطلاق فيها ، نظراً إلى أنّ هذه الأراضي غنيمة لا للغانمين بل للمسلمين ، والخطاب فيها لا يكون مختصّاً بالغانمين، بل يعمّ كلّ من اغتنم شيئاً من قليل أو كثير ، إلاّ أنّ إطلاقها ليس من القوّة بمكان يقاوم إطلاق الأخبار الواردة في حكم الأراضي ، خصوصاً بملاحظة ما عرفت من عدم معهوديّة إخراج الخمس في شيء من تلك الأراضي ، لا في زمان النبي(صلى الله عليه وآله) ولا في زمان الخلفاء بعده .
نعم، يبقى الإشكال من جهة معروفيّة التعميم وعدم الاختصاص بخصوص ما حواه العسكر بين الأصحاب كالشيخ(2) ومن بعده(3) ، ولكن التأمّل في كلام الشيخ يفيد أنّ حكمه بالتعميم لم يكن لأجل نصّ دالّ على ذلك ، بل كان المستند في ذلك هو ظاهر الآية الشريفة ، حيث قال في كتاب المبسوط :
والذي يقتضيه المذهب أنّ هذه الأراضي وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة أن يكون خمسها لأهل الخمس ، فأربعة أخماسها يكون للمسلمين قاطبة ، الغانمين وغير الغانمين في ذلك سواء ، ويكون للإمام(عليه السلام) النظر فيها وتقبيلها وتضمينها بما شاء ، ويأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالح المسلمين وما ينوبهم . . . ولا يصحّ بيع شيء من هذه الأرضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تمليكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه ، ولا يصحّ أن يبنى دوراً ومنازل ومساجد وسقايات ، ولا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك ، ومتى فعل شيء من ذلك كان التصرّف باطلا وهو باق على الأصل .
(1) سورة الأنفال 8 : 41 .
(2) النهاية : 198 ، المبسوط 1 : 236 .
(3) كالقاضي في المهذّب 1 : 178 ، وابن ادريس في السرائر 1 : 485 ، والمحقّق في شرائع الإسلام 1 : 179 ، والعلاّمة في تذكرة الفقهاء 5 : 409 .
(الصفحة343)
ثمّ قال : وعلى الرواية التي رواها أصحابنا ، أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام(عليه السلام) فغنمت يكون الغنيمة للإمام(عليه السلام) خاصّة(1) ، هذه الأرضون وغيرها ممّا فتحت بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) إلاّ ما فتح في أيّام أمير المؤمنين(عليه السلام) ، إن صحّ شيء من ذلك يكون للإمام خاصّة ، ويكون من جملة الأنفال التي له خاصّة لا يشركه فيها غيره(2) . انتهى ، فإنّ جعل وجوب الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة مقتضى المذهب ، من دون أن يتمسّك فيه بنصّ دالّ على ذلك ، خصوصاً مع التمسّك بالنصّ في الحكم الذي ذكره في ذيل كلامه ـ وهو اختصاص الأراضي المفتوحة بغير إذن الإمام(عليه السلام) به ـ يدلّ على أنّ مستنده في ذلك لم يكن إلاّ الآية الشريفة الدالّة بإطلاقها على ذلك ، وقد عرفت ما في التمسّك بإطلاق الآية ، فلا يكون مخالفة الشيخ بقادحة، خصوصاً بعد وجود الموافق لنا بعده ، كالحلبي في الكافي(3) وبعض آخر(4) .
(1) التهذيب 4 : 135 ح378 ، الوسائل 9 : 529 ، أبواب الأنفال ب1 ح16 .
(2) المبسوط 2 : 34 .
(3) الكافي في الفقه : 170 .
(4) كسلاّر في المراسم : 141 و143 ، والراوندي في فقه القرآن 1 : 242 و350 ، والفيض الكاشاني في النخبة : 135 والبحراني في الحدائق الناضرة 21 : 324 .
(الصفحة344)
الثاني : المعادن
لا إشكال ولا خلاف عندنا في وجوب الخمس فيها مطلقاً(1) ، سواء كانت منطبعة كالذهب والفضّة والصفر والحديد والنحاس ، أو غير منطبعة كالياقوت والزبرجد والعقيق ، أو كانت مائعة كالنفط وغيره .
وقد وقع الخلاف بين أنواع المعدن بين علماء العامّة ، فعن بعضهم تخصيص وجوب الخمس بخصوص الذهب والفضّة ، كما عن أبي حنيفة(2) ، وعن بعض آخر عدم الاختصاص بهما(3) ، لكن الظاهر أنّ حكمهم بوجوب الخمس الذي هو عبارة عن الكسر المشاع إنّما هو من باب الزكاة والصدقة المطهّرة للمال ، لا من باب الخمس المجعول في الآية الشريفة للأصناف المذكورين فيها ، بخلاف ما عليه أصحابنا الإماميّة .
وكيف كان، فلا إشكال عندنا في وجوب الخمس في المعادن ، والمراد بها عند الأصحاب ما يخرج من الأرض ممّا كانت الأرض أصله ، وقد تغيّرت صورته النوعيّة وتبدّلت إلى الصورة الذهبيّة ونحوها من صور الأشياء المعدنية بإيجاد الله تعالى وإنباته ، أو لم تكن الأرض أصله، لكنّه كان مائعاً على الأرض ونفذ في
(1) راجع الخلاف 2 : 116 ـ 117 مسألة 138 ، والسرائر 1 : 488 ـ 489 ، وتذكرة الفقهاء 5 : 409 ، ومدارك الأحكام 5 : 361 ـ 362 .
(2) كذا في النسخة، ولكن الظاهر أنّ هذا القول للشافعي، راجع الشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 والخلاف 2 : 116 ـ 117 مسألة 138 وغيرهما .
(3) راجع المبسوط للسرخسي 2 : 211 ، والشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 ، والمجموع للنووي 6 : 68 ، وحلية العلماء 3 : 112 ، والمبدع لابن مفلح 2 : 350 ـ 351 .
(الصفحة345)
أعماقها ، ثم تبدّلت صورته فيها لأجل الحرارة الخاصّة الموجودة فيها بإذن الله تعالى .
فالمراد من المعدن هو الشيء الذي تصوّر بالصورة الفعليّة المعدنيّة في الأرض بعدما لم يكن كذلك ، فلا يشمل الكنز الذي هو عبارة عن الشيء الذي يركزه الإنسان في بطن الأرض ويخفيه فيه لأجل بعض الأغراض ، فيخرجه مخرج مع بقاء الصورة التي كانت عليها قبل الدفن والإخفاء .
وأمّا الركاز الوارد في بعض الأخبار(1) فالمراد به هو المعدن أيضاً ; لأنّ الركز عبارة عن الإثبات والإقرار ، يقال: ركز الرمح في الأرض; أي أثبته فيها ودفنه ، فالركاز عبارة عمّا ركزه الله وأحدثه ودفنه في الأرض من الذهب والفضّة وغيرهما(2).
وبالجملة : فالأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة جدّاً(3) ، والتصريح في بعضها بالتعميم وعدم الاختصاص بالذهب والفضّة إشارة إلى ردّ ما عليه أبو حنيفة من التخصيص كما عرفت ، فلا إشكال بمقتضى الروايات في أصل الحكم ، وإنّما الإشكال في اشتراط بلوغ النصاب في تعلّق الخمس بالمعادن وفي مقدار النصاب ، وقد نقل العلاّمة في محكي التذكرة(4) عن الشيخ (رحمه الله) في كتبه أقوالا ثلاثة:
(1) الوسائل 9 : 492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح3 ، وص : 497 ب6 ح1 ، وج29 : 272 ، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب32 ح5 .
(2) راجع مجمع البحرين 2 : 727 ـ 728 ، والنهاية لابن الأثير 2 : 258 .
(3) الوسائل 9 : 491 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 . أفاد سيّدنا العلاّمة الاُستاذ دام ظلّه أنّ المراد بـ «محمّدبن علي بن أبي عبدالله» الواقع في سند الرواية الخامسة من الروايات المذكورة في هذا الباب هو «محمّد بن عليّ بن جعفر» المعروف ، لكن لابدّ من الرجوع إلى كتب الرجال، سيّما جامع الرواة 2 : 152 ـ 153 ، (المقرّر).
(4) تذكرة الفقهاء 5 : 426 ـ 427 مسألة 316 ، لكن يستظهر من كلام العلاّمة في التذكرة استناد القولين إلى الشيخ: أحدهما : عدم اشتراط النصاب في المعادن ، ثانيهما : اعتبار النصاب فيها وأنّه عشرون ديناراً . بل صرّح في التحرير 1 : 434 ، والمختلف 3 : 189 ـ 190 مسألة 147 بأنّ للشيخ قولين ، ولم نعثر على قول ثالث للشيخ في كتبه .
(الصفحة346)
أحدها: عدم اشتراط بلوغ النصاب، بل يجب فيها الخمس قليلا كان أو كثيراً بعد وضع مقدار مؤونة الإخراج والعلاج على تقدير الاحتياج(1) ، وهذا هو المشهور ، حيث نسبه في الدروس إلى الأكثر(2) ، وفي محكيّ السرائر قال في ردّ الشيخ القائل باعتبار النصاب : إجماع الأصحاب منعقد على وجوب إخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف أجناسها، قليلا كان المعدن أو كثيراً ، ذهباً كان أو فضّة ، من غير اعتبار مقدار(3)، انتهى .
ثانيها: اشتراط بلوغ النصاب وأنّه مقدار قيمة دينار ، وقد حكي ذلك عن أبي الصلاح الحلبي(4) .
وثالثها: الاشتراط وأنّه ما يبلغ قيمته عشرين ديناراً(5) ، وقد اختار هذا القول غير واحد من المتأخّرين(6) .
هذا ، ولا يخفى أنّه ليس في مقابل الإطلاقات المتقدّمة الدالّة على وجوب
(1) قاله الشيخ في الخلاف 2 : 119 مسألة 142 ، والاقتصاد : 427 ، والرسائل العشر (الجمل والعقود) : 207 ، وكذا ذهب إليه القاضي في المهذّب 1 : 178 ـ 179 ، وهو ظاهر جماعة من القدماء، كالمفيد في المقنعة : 276 ، وسلاّر في المراسم : 141 ، وابن زهرة في الغنية : 128 ـ 129 .
(2) الدروس الشرعيّة 1 : 260 ، وكذا في شرائع الإسلام 1 : 179 .
(3) السرائر 1 : 488 ـ 489 .
(4) الكافي في الفقه : 170 .
(5) قاله الشيخ في النهاية : 197 ، والمبسوط 1 : 237 ، والتهذيب 4 : 139 ذيل ح392 . وكذا ابن حمزة في الوسيلة : 138 ، والمحقّق في المعتبر 2 : 626 .
(6) كالعلاّمة في إرشاد الأذهان 1 : 292 ، وتحرير الأحكام 1 : 434 ، وتبصرة المتعلّمين : 63 ، والشهيد الأوّل في البيان : 214، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد 3 : 52 ، والشهيد الثاني في الروضة البهية 2 : 70 .
(الصفحة347)
الخمس في المعادن ، الظاهرة في عدم اعتبار بلوغ النصاب إلاّ روايتان : إحداهما واردة في خصوص المعدن ، والاُخرى في الغوص والمعدن معاً .
أمّا الاُولى: فهي ما رواه الشيخ باسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير ، هل فيه شيء؟ قال: ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً(1) ، ولا ينبغي الارتياب في دلالته على عدم وجوب الخمس في شيء من المعادن ذهباً كانت أو غيرها من المعدنيّات ما لم يبلغ قيمته عشرين ديناراً ; لأنّ الظاهر أنّ فاعل «يبلغ» ضمير يرجع إلى ما اُخرج من المعدن ، وعشرين ديناراً عطف بيان لـ «ما» الموصولة في قوله: «ما يكون» .
فالمراد أنّه لا يجب فيما اُخرج من المعدن ذهباً كان أو غيره شيء حتّى يبلغ ذلك مقداراً يكون ثابتاً في مثله الزكاة ، وذلك المقدار هو عشرون ديناراً ، وليس المراد هو اعتبار النصاب في خصوص الذهب، بأن يكون فاعل «يبلغ» هو «ما» الموصولة بعد كون السؤال عن حكم مطلق المعادن لا خصوص الذهب ، خصوصاً بعد كون الدينار عبارة عن الذهب المسكوك الذي يساوي وزنه مثقالا ، والذهب المستخرج من الأرض لا يكون كذلك ، بل المستخرج هو التراب المشتمل على ذرّات الذهب ، ويحتاج إلى العلاج حتى يصير بالصورة الذهبية .
فلا ينبغي الإشكال في أنّ المراد من الرواية هو بلوغ ما أخرجه المعدن مقداراً يكون قيمته عشرين ديناراً ، فالمراد من المماثلة هو المماثلة من جهة القيمة لا المماثلة من حيث الجنس ، فضلا عن اعتبار الخصوصيات والأوصاف المصنّفة ، كما لا يخفى .
(1) التهذيب 4 : 138 ح391 ، الوسائل 9 : 494، أبواب ما يجب فيه الخمس ب4 ح1 .
(الصفحة348)
وثانيهما: رواية اُخرى لأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن محمّد بن علي بن أبي عبدالله ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(1) .
هذا ، وظاهر هذه الرواية اعتبار النصاب في المعدن ، وأنّه فيه وفي الغوص بلوغ القيمة ديناراً واحداً ، وهي في المعدن معارضة للرواية الاُولى الدالّة على أنّ النصاب في المعدن عشرون ديناراً ، والترجيح معها ; لأنّها موافقة للمشهور(2) ، والشهرة الفتوائية أوّل المرجّحات على ما حقّقناه في محلّه .
فانقدح أنّه لا محيص عن الأخذ بالرواية الاُولى وتخصيص المطلقات ـ على تقدير كونها واردة في مقام البيان ـ بها ; لأنّك عرفت أنّه لا مجال للإشكال فيها من حيث الدلالة أصلا ، كما هو أوضح من أن يخفى .
وها هنا فروع
الأوّل: لو اشترك جماعة في الاستخراج من المعدن بحيث كان المستخرِج ـ بالكسر ـ متعدّداً والمستخرَج ـ بالفتح ـ وكذا الاستخراج واحداً ، فهل يعتبر في تعلّق الخمس بلوغ نصيب كلّ واحد منهم حدّ النصاب، أو يكفي بلوغ المجموع المحصّل المشترك بينهم ذلك الحدّ؟ قد يقال بالثاني ; نظراً إلى أنّ الحكم في
(1) الكافي 1: 547 ح21، الفقيه 2 : 21 ح72 ، التهذيب 4 : 124 ح356 ، الوسائل 9 : 493 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح5 .
(2) النهاية : 197 ، الوسيلة : 138 ، المعتبر 2 : 626 ، إرشاد الأذهان 1 : 92 ، البيان : 214 ، جامع المقاصد 3 : 52 ، الروضة البهية 2 : 70 ، وقال الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 4 : 295: «المشهور كونه عشرين ديناراً» .
(الصفحة349)
صحيحة ابن أبي نصر المتقدّمة قد علّق على ما أخرجه المعدن ، من غير نظر إلى المخرج وأنّه واحد أو كثير ، فإذا بلغ ما أخرجه المعدن حدّ النصاب يتعلّق به الخمس ، ولو كان مشتركاً بين جماعة لأجل اشتراكهم في الاستخراج .
هذا ، ولكن الظاهر هو الأوّل ; لأنّ ظاهر الصحيحة وإن كان تعلّق الحكم بما أخرجه المعدن ، إلاّ أنّ المنسبق إلى الذهن والمتبادر منها عند العرف كون النظر إلى المكلّف المستخرِج ، وأنّه يثبت في عهدته الخمس إذا كان ما أخرجه من المعدن بالغاً حدّ النصاب ، فالنظر إلى المخرِج كما لا يخفى .
الثاني: لو كان المستخرِج ـ بالكسر ـ واحداً ولم يكن في البين شركة في الاستخراج ، ولكن كان المستخرَج ـ بالفتح ـ متعدّداً من حيث الحقيقة والجنس ; بأن استخرج ذهباً وفضّة وحديداً مثلا ، فهل يعتبر بلوغ كلّ جنس نصاباً، أو يكفي بلوغ المجموع نصاباً ولا يعتبر الاتحاد بالنوع؟ وجهان : والظاهر هو الوجه الثاني ; لتعليق الحكم في الصحيحة على ما أخرجه المعدن من دون اشتراط اتّحاد النوع أصلا ، فمقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما لو كان المستخرَج واحداً بالنوع، أم لم يكن .
الثالث: لو كان المستخرِج والمستخرَج واحداً بالشخص وبالنوع ، ولكن كان الاستخراج في دفعات متعدّدة ، فهل يعتبر بلوغ المستخرَج في كلّ دفعة نصاباً، أم يكفي بلوغ المجموع؟ الظاهر هو الثاني ; لما عرفت في الفرع الثاني من تعليق الحكم في الصحيحة على ما أخرجه المعدن من غير نظر إلى تعدّده ووحدته .
نعم ، لو كان التعدّد مسبّباً عن الإعراض على نحو يعدّ عوده إليه عملا مستأنفاً غير مرتبط بالعمل [في الدفعة] الاُولى ، لا يبعد حينئذ أن يكون المعتبر بلوغ كلّ دفعة نصاباً ، كما لايخفى وجهه .
الرابع: لو كان ما أخرجه المعدن غير بالغ حدّ النصاب ، ولكنّه عمل فيه عملا
(الصفحة350)
صار موجباً لزيادة قيمته وبلوغه ذلك الحدّ لأجل تغيير هيئته ، كما إذا عمل في الذهب وصنعه ديناراً أو حليّاً ، فالظاهر عدم وجوب الخمس عليه ; لأنّ الموجب له هو بلوغ ما أخرجه المعدن من حيث هو ذلك الحدّ ، لا بضميمة العمل الذي له قيمة عند العرف والعقلاء .
هذا ، وحكى في الجواهر(1) عن المسالك أنّه بعد حكمه بعدم وجوب الخمس في هذا الفرع قال بعد ذلك بلا فصل : وكذا لو اتّجر به قبل إخراج خمسه(2) . وقد استشكل فيه في الجواهر هذه عبارته : بأنّ المتّجه وجوب الخمس في الثمن أيضاً بناءً على تعلّق الخمس بالعين ، وعلى تعلّق الخمس بالبائع مع بيعه له جميعه ، كما صرّح به في التذكرة(3) والمنتهى(4) مستشهداً له في الأخير بما رواه الجمهور(5) بل والشيعة(6) ـ وإن كان بتفاوت يسير بينهما لكنّه غير قادح ـ عن أبي الحارث المزني(7) ، أنّه اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع ، فاستخرج منه ثمن ألف شاة ، فقال له البائع : ردّ عليَّ البيع ، فقال : لا أفعل ، فقال : لآتينّ عليّاً(عليه السلام) فلأسعينّ بك ، فأتى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) فقال: إنّ أباالحارث أصاب معدناً ، فأتاه عليّ(عليه السلام) ، فقال : أين الركاز الذي أصبتَ؟ فقال : ما أصبت ركازاً إنّما أصابه هذا ، فاشتريته منه بمائة شاة متبع ، فقال له عليّ(عليه السلام): ما أرى الخمس إلاّ عليك .
(1) بعد المراجعة إلى الجواهر 16 : 21 ظهر أنّ الفرع المذكور فيها بعد فرع الإتّجار ، هو ما لو كان المستخرج بالغاً حدّ النصاب، ولكن عمل فيه عملا صارموجباً لزيادة قيمته على النصاب، فراجع ، (المقرّر).
(2) مسالك الأفهام 1 : 459 .
(3) تذكرة الفقهاء 5 : 413 .
(4) منتهى المطلب 1 : 546 .
(5) كتاب الأموال لأبي عبيد : 349 ـ 350 .
(6) الكافي 5 : 315 ح48 ، التهذيب 7 : 225 ح986، الوسائل 9 : 497 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب6 ح1 .
(7) كذا في الجواهر ، ولكن في الكافي والتهذيب وكتاب الأموال لأبي عبيد : الأزدي .
(الصفحة351)
وكأنّه (رحمه الله) فهم البائع من الضمير ، وهو كذلك لما في المروي في الكافي والتهذيب من نقل هذه ، أنّه قال أمير المؤمنين(عليه السلام) لصاحب الركاز : «فانّ الخمس عليك ، فانّك أنت الذي وجدت الركاز ، وليس على الآخر شيء لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه» ، ويدفع بأنّه وإن كان متعلّقاً بها وجاز له بيعه وكان الخمس عليه ، لكن له ضمانه على أن يؤدّيه من مال آخر ، فيتّجه حينئذ تعلّق الوجوب بالأصل خاصّة دون الزيادة الحاصلة بالاكتساب ، كما صرّح به في المنتهى والتذكرة أيضاً معلّلا له بأنّ الخمس تعلّق بالعين لا بالثمن . نعم، يجب فيها ذلك من حيث الربح بعد اجتماع شرائطه(1) ، انتهى .
هذا ، وذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ دام ظلّه : أنّ الرواية مضطربة ; لأنّه لم يكن مورد النزاع هو ثبوت الخمس على البائع أو المشتري حتى يحكم في الجواب بثبوته على البائع دونه .
هذا ، ولكن الظاهر أنّه دام ظلّه قد خلط بين ما هو المبحوث عنه في هذا الفرع، وبين ما هو خارج عنه ، فانّ الفرع الذي يكون مورداً للنزاع في المقام هو ما لو لم يكن المستخرَج من المعدن بالغاً حدّ النصاب بقيمته السوقية العادلة ، ولكن المخرِج اتّجر به وباعه بما يبلغ حدّ النصاب على خلاف قيمته الواقعية ، والفرع الذي يكون مورداً لبحث الشهيد والجواهر هو ما لو كان المستخرَج بالغاً حدّ النصاب بنفسه ، ولكن المخرِج اتّجر به قبل إخراج خمسه ، كما صرّح بذلك الشهيد في عبارته، والبحث فيه إنّما هو في أنّ الخمس هل يتعلّق بالزيادة الحاصلة بالاكتساب أو لا يتعلّق إلاّ بما يتعلّق به أوّلا ، واستشهاد المنتهى بالرواية إنّما هو لعدم وجوب الخمس في هذا الفرع إلاّ على البائع دون المشتري ، ولا ريب في دلالة الرواية على
(1) جواهر الكلام 16 : 21 ـ 22 .
(الصفحة352)
هذه الجهة وعدم الاضطراب فيها أصلا .
وأمّا الفرع الذي يكون مورداً لبحثنا فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت الخمس فيه ; لأنّ الملاك إنّما هي القيمة السّوقية والمفروض أنّه لا يبلغ المستخرَج بها حدّ النصاب ، فلا وجه للحكم بوجوب الخمس فيه ، فتأمّل لئلاّ يختلط عليك الأمر .
الخامس: المعدن إمّا أن يكون في أرض لها مالك شخصي ، وإمّا أن يكون في الأراضي المباحة الأصليّة ، وإمّا أن يكون في الأراضي المفتوحة عنوة أو الأنفال .
ففيما إذا كان موجوداً في الأرض التي لها مالك معيّن ، إن كان الاستخراج بيد المالك فلا إشكال في كونه ملكاً له وفي تعلّق الخمس به . وان كان الاستخراج بيد إنسان آخر ، فإن كان مأذوناً من قبل المالك في الاستخراج والتصرّف فيما يخرج منه فالظاهر أنّ الخمس عليه لا على مالك الأرض ، وإن لم يكن مأذوناً بل كان التصرّف عدوانياً صادراً مع عدم رضى المالك ، فالظاهر أنّ المعدن لصاحب الأرض وعليه الخمس .
وإن لم يكن الاستخراج بسبب إرادة إنسان ، بل كان مستنداً إلى علّة اُخرى ، كما إذا كان المخرِج له حيواناً أو خرج لأجل الزلزلة والمطر ونحوهما ، فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في وجوب الخمس على صاحب الأرض في هذه الصورة ; لعدم مدخليّة خصوصيّة الاخراج والاستخراج ، بل مقتضى إطلاق الأدلّة الواردة الدالّة على ثبوت الخمس في المعدن ثبوته في المقام .
وتوهّم أنّ تلك الأدلّة لا تكون واردة في مقام البيان، فلا مجال للتمسّك بإطلاقها مع فقدان شرطه ، مدفوع بأنّ ما لا تكون تلك الأدلّة بصدد بيانها إنّما هو بيان كون المعدن في أيّ صورة يكون ملكاً للشخص وفي أيّ صورة لا يصير ، وأمّا بعد الفراغ عن صيرورته ملكاً للشخص لأجل تكوّنه في أرضه التي هي ملك
(الصفحة353)
شخصيّ له كما في المقام أو لجهة اُخرى ، فمقتضاها ثبوت الخمس على المالك له .
وبالجملة : مقتضى التأمّل في الروايات الواردة في باب المعدن أنّ من صار مالكاً للمعدن المتكوّن تحت الأرض الخارج منها ، بحيث لو لم يكن أدلّة الخمس لكان مالكاً للجميع ، يجب عليه إخراج خمسه إلى أربابه ، فالموضوع هو المالك للجميع مع قطع النظر عن دليل الخمس ، والحكم الثابت على هذا الموضوع مطلق لا يختصّ بشخص دون آخر ، وأمّا تحقّق الموضوع وثبوت ملكيّة المعدن فلابدّ من أن يثبت من دليل آخر .
وبالجملة : فلا ينبغي المناقشة بملاحظة الأدلّة في ثبوت الخمس فيما إذا اُخرج المعدن المتكوّن في الأرض التي لها مالك شخصيّ بسبب غير إنسانيّ ، ومن هذا يظهر الخلل في الحكم بعدم وجوب الخمس في الفرع الذي ذكره كاشف الغطاء ، حيث قال في محكي كشفه: لو وجد شيئاً من المعدن مطروحاً في الصحراء فأخذه فلا خمس(1) .
فإنّه يرد عليه أنّه مع ثبوت الملكيّة للآخذ بسبب الأخذ كما هو المفروض ـ ويدلّ عليه نفي إيجاب الخمس عليه ـ لا وجه لإخراجه من دليل الخمس بعد عدم مدخليّة خصوصية الاخراج ، وإطلاق الأدلّة الشامل لكلّ من صار مالكاً للمعدن بأيّ جهة من الجهات ، فالظاهر وجوب الخمس في هذا الفرع أيضاً ، ولذا تنظّر صاحب الجواهر فيما حكاه عن استاذه(2) .
وأمّا إذا كان في الأراضي المباحة الأصلية ، فالحكم بثبوت الخمس يتوقّف على صيرورته مالكاً له ، وملكيّته تتوقّف على الحيازة ، فإن صار مالكاً بالحيازة
(1) كشف الغطاء 4 : 201 .
(2) جواهر الكلام 16 : 22 .
(الصفحة354)
فلا إشكال في أنّ عليه الخمس ، وكذا المعدن المتكوّن في الأراضي المفتوحة عنوة أو الأنفال ، فإنّ الحكم بثبوت الخمس يدور مدار ملكية المستخرِج له ، فإن قلنا بملكيته له لأجل إذن الإمام في الأنفال أو وليّ المسلمين في الأراضي المفتوحة عنوة ، التي هي ملك لجميع المسلمين كما عرفت(1) ، أو قلنا بعدم الاحتياج إلى الإذن في شيء منهما كما ادّعى القطع بذلك في الجواهر في هذه المسألة(2) ، وعليه الشهرة نقلا وتحصيلا في كتاب إحياء الموات(3) ، فلا إشكال في ثبوت الخمس عليه.
وبالجملة : ما يرتبط بالمقام انّما هو البحث في ثبوت الخمس في المعدن الذي صار مملوكاً ، وأمّا تفصيل صور الملكيّة وتمييزها عن غيرها فله مقام آخر لا يرتبط بما هنا .
ثم إنّك عرفت(4) أنّه لا فرق في المعدن الذي يتعلّق به الخمس بين الذهب والفضّة وبين غيرهما ، وإن كان المحكيّ عن أبي حنيفة(5) التخصيص بهما ، كما أنّه لا فرق بين الأشياء المنطبعة وغيرها ، وإن كان المحكيّ عن بعض آخر منهم التخصيص بالأوّل(6) ، وقد عرفت أيضاً أنّ حكمهم بالخمس إنّما هو من باب الزكاة والصدقة(7) .
وكيف كان، فلا فرق عندنا بين المنطبعة وغيرها ، كما أنّه يتعلّق الخمس
(1) في ص341 ـ 342 .
(2) جواهر الكلام 16 : 23 ـ 24 .
(3) جواهر الكلام 38 : 108 .
(4) في ص344 ـ 345 .
(5) كذا في النسخة ، والصحيح الشافعي كما أشرنا إليه في ص344.
(6) كأبي حنيفة ، راجع المبسوط للسرخسي 2 : 213 ، وشرح فتح القدير 2 : 179 ، والشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 ، والخلاف 2 : 117 مسألة 138 .
(7) في ص344 .
(الصفحة355)
بالملاحة التي هي أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً ، إمّا لكونه معدناً حقيقة، وإمّا لكونه مثل المعدن ، والاختلاف إنّما هو لأجل اختلاف رواية محمّد بن مسلم الواردة في هذا الباب ، التي رواها الشيخ والصدوق(1) .
وقد أفاد الاُستاذ العلاّم دام ظلّه : أنّ الصحيح في سند الرواية كون الراوي عن محمّد بن مسلم هو أبو أيّوب لا حسن بن محبوب ; وذلك لأنّ محمّد بن مسلم من الطبقة الرابعة من الطبقات التي رتّبناها ، وقد اتّفق وفاته في سنة 150(2) ، وحسن ابن محبوب من الطبقة السادسة من تلك الطبقات ، وقد اتّفق وفاته في سنة 224 مع كون عمره خمساً وسبعين سنة ، كما ذكره الكشّي(3) ، فراجع .
وعليه فلا يمكن له النقل عن محمّد بن مسلم من دون واسطة كما هو واضح .
فالظاهر ثبوت الواسطة وأنّه هو أبو أيّوب الذي هو من الطبقة الخامسة، كما في النسخ الصحيحة من الوسائل(4) ، فتأمّل .
وكيف كان، فلا إشكال في ثبوت الخمس في الملاحة ، وأمّا حجارة الرحى ونحوها ممّا تعدّ من أجزاء الأرض ولم تتغيّر صورتها النوعية ، غاية الأمر أنّ لها قابلية لأن يعمل فيها ويستفاد منها في الرحى ونحوه ، فالظاهر خروجها من المعادن وعدم ثبوت الخمس عليها ، وإن جاز التيمّم والسجدة عليها ; لصدق عنوان الأرض عليها وعدم خروجه عن جزئيّتها ، كما لايخفى .
(1) التهذيب 4 : 122 ح349 ، الفقيه 2 : 21 ح76 ، الوسائل 9 :492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح4 .
(2) رجال الشيخ: 294 رقم 4393.
(3) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 584 رقم 1094.
(4) قالت لجنة التحقيق : ما نقل المؤلّف دام ظلّه عن أستاذه رحمه الله تعالى مبنيّ على ما روي في الوسائل 2 : 60 ، من الطبع الحجري سنة 1324هـ .
ولكن في التهذيب وجامع أحاديث الشيعة والوسائل طبعة إسلامية وأيضاً طبعة آل البيت كلّها : الحسن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم.
(الصفحة356)
الثالث : الكنز
وقد عرّفه الفقهاء بأنّه المال المذخور تحت الأرض(1) ، والتقييد بالمذخور يفيد أنّه لا يكون من أجزاء الأرض متكوّناً فيها ، كالمعدن الذي عرفت(2) أنّه عبارة عمّا يتكوّن في الأرض ممّا تكون الأرض أصله ، ويحصل له التغيير في الصورة النوعية بسبب الحرارة الموجودة في باطن الأرض أو بسبب غيرها ، وعليه فالكنز عبارة عن المال الخارجي الذي ذخر في الأرض ولا يعدّ من أجزائها ، كما أنّ هذا القيد يفيد كون الذاخر له إنساناً صدر منه هذا العمل عن قصد وإرادة متعلّقة بكونه ذخيرة له ينتفع به في الاستقبال ، فاستتار المال في الأرض قهراً لا عن إرادة صاحبه لا يوجب صدق عنوان الكنز عليه على ما هو مقتضى التعريف ، كما أنّ التقييد بكونه مذخوراً تحت الأرض يخرج ما إذا كان مذخوراً في بطن شجر أو غيره ممّا لا يكون تحت الأرض كالجدار، وغيره .
وكيف كان، فالروايات الواردة في هذا الباب الدالّة على ثبوت الخمس في الكنز كثيرة:
منها: رواية الحلبي الواردة في الكنز والمعادن والغوص ، وقد قطعها في الوسائل وحكى كلّ قطعة في الباب المناسب لها(3) ، وإلاّ فالرواية رواية واحدة،
(1) راجع شرائع الإسلام 1 : 179 ، وتذكرة الفقهاء 5 : 413 ، والبيان : 215 ، والتنقيح الرائع 1 : 337 ، والروضة البهيّة 2 : 68 ، مع زيادة قيد «قصداً» ، والحدائق الناضرة 12 : 332 .
(2) في ص344 ـ 345 .
(3) الكافي 1 : 546 ح19 وص548 ح28 ، الفقيه 2 : 21 ح73 ، التهذيب 4 : 121 ح346 ، الوسائل 9 : 492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح2 ، وص495 ب5 ح1 ، وص498 ب7 ح1 .
(الصفحة357)
فلا تغفل .
ومنها: رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام)(1) .
ومنها: الرواية المتضمّنة لقصّة عبد المطّلب(2) .
ومنها: مرسلة ابن أبي عمير الدالّة على أنّ الخمس على خمسة أشياء(3) .
ومنها: رواية عمّار بن مروان في باب المعادن أيضاً(4) .
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالّة على ثبوت الخمس في الكنوز .
وكيف كان، فلا إشكال عندنا في ثبوت الخمس في الكنز ، وأمّا العامّة فقد ذهب جمع منهم إلى ثبوته فيه(5) ، لكن لا بعنوان الخمس الثابت لأصناف خاصّة مذكورة في الآية الشريفة ، بل بعنوان الزكاة والصدقة ، كما عرفت نظيره في المعدن(6) .
ثمّ إنّ ظاهر الروايات الواردة في باب الكنز أنّ الكنز الذي يكون جميعه لواجده ـ لولا دليل وجوب الخمس ـ يجب على الواجد المالك له إخراج خمسه ، فلابدّ حينئذ من ملاحظة أنّ الكنز هل يكون ملكاً لواجده مطلقاً، أو في بعض الموارد؟
فنقول: إنّ الكنز تارة يوجد في دار الإسلام، واُخرى في دار الحرب ، وعلى التقديرين تارة يكون عليه أثر الإسلام ، كسكّة أحد ولاة المسلمين أو اسم
(1) الفقيه 2 : 21 ح75 .
(2) الفقيه 4 : 264 ح824 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 : 212 ، الخصال : 312 ح90 ، الوسائل 9 : 496 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح3 و4 .
(3) الخصال : 191 ح53 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح7 .
(4) الخصال : 290 ح51 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح6 .
(5) راجع بدائع الصنائع 2 : 190 ـ 193 ، المجموع للنووي 6 : 75 ـ 77 ، المغني لابن قدامة 2 : 612 ـ 613 .
(6) في ص344 .
(الصفحة358)
النبي(صلى الله عليه وآله) ، واُخرى لا يكون ، وعلى التقادير تارة يوجد في الأرض التي لها مالك خاصّ ، واُخرى في الأرض المباحة أو شبهها .
وقد ذكر الفقهاء في أحكام هذه الصور أنّه إن وجد في أرض الحرب وإن كانت ملكاً لواحد خاصّ منهم ، أو في دار الإسلام ولم يكن عليه أثر الإسلام ولكن كانت الأرض مباحة، أو لم تكن ملكاً لواحد من المسلمين بالخصوص ، فيصير ملكاً لواجده ويتعلّق به الخمس .
وأمّا إذا وجد في أرض الإسلام المباحة أو شبهها مع وجود أثر الإسلام عليه ، أو في أرض الإسلام التي لها مالك خاصّ وإن لم يكن عليه أثر الإسلام ، فلا تصير ملكاً للواجد حتى يتعلّق به الخمس ، بل لقطة أو ملك لمالك الأرض(1) .
هذا ، والظاهر أنّه فرق بين المقام، وبين المعدن فيما لو وجد في الأرض التي لها مالك بالخصوص ، فإنّك عرفت أنّ ما يتكوّن في الأرض وتتغيّر صورته النوعية في باطنها إنّما هو تبع للأرض يعدّ من أجزائها، والمالك له هو المالك لها وإن كان المخرج له غيره كالغاصب ونحوه(2) ، وهذا بخلاف الكنز، فإنّه لا يعدّ من توابع الأرض وأجزائها ، بل هو شيء مستقلّ ، له حكم مستقل فالملكيّة للأرض لا تستتبع الملكيّة للكنز المذخور تحتها ، ومن هنا يعلم أنّ استدلال بعض العامّة كما قد حكي عنه بثبوت اليد والاستيلاء عليه كالاستيلاء على الأرض(3) مخدوش جدّاً ; فإنّ الاستيلاء على الأرض يستتبع السلطة على ما يعدّ من شؤونها وأجزائها .
وأمّا ما كان خارجاً عن عنوان الأرض مخفيّاً تحتها فلا يكون الاستيلاء عليه
(1) راجع المبسوط 1 : 236 ، المهذّب 1 : 177 ـ 178 ، شرائع الإسلام 1 : 179 ـ 180 ، قواعد الأحكام 1 : 362 ، البيان : 215 ، التنقيح الرائع 1 : 337ـ 338 ، مسالك الأفهام 1 : 460 .
(2) تقدّم في ص344 ـ 345 و352 ـ 353 .
(3) هذا مذهب الشافعي ، راجع الأُمّ 2 : 44 ، والمجموع للنووي 6 : 76 و78 ، والمغني لابن قدامة 2 : 613 .
(الصفحة359)
حاصلا بمجرّد الاستيلاء على الأرض ، فالحكم بالتسوية بين المعدن والكنز فيما لو وجد في أرض لها مالك خاصّ لا وجه له أصلا ، كما أنّ الحكم بخروج الكنز الذي يوجد في دار الإسلام في الأراضي المباحة وشبهها وعليه أثر الإسلام عن حكم وجوب الخمس لعدم صيرورته بالوجدان ملكاً للواجد مخدوش أيضاً ، بل الظاهر كون هذه الصورة أيضاً مشمولة لإطلاق أدلّة ثبوت الخمس في الكنز ، الظاهرة في كون الباقي ملكاً للواجد .
توضيح ذلك : أنّ الروايات المختلفة التي يمكن توهّم شمول كلّ طائفة منها للمقام على طوائف:
الطائفة الاُولى: الروايات الواردة في ثبوت الخمس في الكنز(1) ، والظاهر شمولها للمقام وإن كان ربما يناقش في الشمول ; نظراً إلى أنّ إطلاقات هذه الطائفة لا تكون في مقام البيان من هذه الجهة ، وأنّ الكنز يصير ملكاً للواجد بمجرّد الوجدان في جميع الموارد ، بل غاية مفادها أنّ ما صار ملكاً للواجد يجب فيه الخمس ، فهي واردة بعد الفراغ عن ثبوت الملكيّة للواجد ، فيصير محصّلها أنّ ما كان ملكاً للواجد بحيث لو لم تكن أدلّة ثبوت الخمس في الكنز لكان ملكاً للواجد بأجمعه ، يجب على واجده إخراج خمسه ، وأنّ هذا المقدار ثابت لأرباب الخمس .
هذا ، ويمكن الجواب عن هذه المناقشة في المقام وإن ناقشنا بها في اطلاق أدلّة ثبوت الخمس في المعدن(2) ; بأنّ الظاهر ثبوت الفرق بين الكنز وبين المعدن ، فإنّ إخراج المعدن والوصول إلى الأشياء المتكوّنة تحت الأرض من الطرق الرائجة العقلائية للاكتساب، ويدور عليها مدار التعيّش في جميع الأعصار سيّما في العصور
(1) الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 .
(2) أي في ص348 و 352 ـ 353 .
(الصفحة360)
الحاضرة ، وهذا بخلاف الكنز ، فإنّه ليس طريقاً للاكتساب ، بل قد يوجد على سبيل الإتّفاق والصُدفة ، وقد عرفت أنّه لا يكون من شؤون الأرض وتوابعها بخلاف المعدن الذي يعدّ من أجزائها ، فالحكم بثبوت الخمس فيه ظاهر في صيرورته ملكاً للواجد بمجرّد الوجدان ، غاية الأمر أنّه يجب عليه إخراج خمسه ، فالظاهر أنّه لا مجال لهذه المناقشة، فتأمّل .
الطائفة الثانية: الروايات الواردة في اللقطة الدالّة على عدم ثبوت ملكيّتها للملتقط بمجرّد الوجدان ، بل يجب عليه التعريف سنة فيما إذا كان زائداً على مقدار الدرهم ، وبعد ذلك يجعله كسبيل ماله أو يتصدّق به عن صاحبه(1) ، فإنّ هذه الروايات ظاهرة في لزوم رعاية الملكيّة لصاحب المال ، وأنّه لا يجوز فرضه بمجرّد الوجدان كالملك ، بل يعرّف سنة ، فإن يئس عن معرفة صاحبه وإيصال المال إليه يجعله كسبيل ماله أو يتصدّق به عن مالكه ، فإذا جاء ورضي بالتصدّق ، وإلاّ فهو له ضامن يجب عليه الخروج عن عهدته .
فمقتضى إطلاق هذه الروايات الشمول للمقام ، خصوصاً بعد ملاحظة بعضها الظاهر في الورود في خصوص المقام ، وهي رواية إسحاق بن عمّار الواردة فيما التقطه الرجل من بعض بيوت مكّة وكان مدفوناً فيها(2) .
هذا ، والظاهر عدم شمول هذه الروايات للمقام ; لأنّ موردها هو المال الضائع الذي قد وقعت الحيلولة بينه وبين صاحبه مع عدم شعوره بذلك حين الضلال ، وأين هذا من الكنز الذي عرفت أنّه عبارة عن المال المذخور تحت الأرض قصداً كما مرّ(3) ، فلا ارتباط لتلك الروايات بما نحن فيه .
(1) الوسائل 25 : 441 ، كتاب اللقطة ب2 وص446 ب4 وص447 ب5 .
(2) التهذيب 6 : 391 ح1171 ، الوسائل 25 : 448 ، كتاب اللقطة ب5 ح3 .
(3) في ص356 .
|