(الصفحة161)
وأمّا العدد فيدلّ عليه مثل هذه الرواية .
ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرنا كون الأصل في التحديد هو الأثر ، فإن تحقّق وحده فالظاهر تحقق الرضاع المحرّم وإن لم يتحقق الزمان أو العدد ، إنّما الإشكال في أنّه لو تحقق أحد الأخيرين ولم يتحقّق الأثر فهل يتحقّق الرضاع المحرّم أم لا ، ونهى في المتن عن ترك الاحتياط مع فرض حصول أحدهما دونه .
هذا ، ولكن قد يقال : إنّ أقصى ذلك من الحكم بالكاشفية ، إ نّما هو بالإضافة إلى غير معلوم الحال لا الأعمّ منه وما علم عدمه ، وهو الذي قوّاه صاحب الجواهر(1)وليس ببعيد .
ثمّ إنّ ظاهر النصّ والفتوى اعتبار الأمرين في لزوم اعتبار الجمع بين الأمرين وعدمه معاً من نبات اللحم واشتداد العظم في تحقّق الحرمة ، فلا يكفي حينئذ أحدهما خلافاً للشهيد في اللمعة(2) حيث إنّه حكي عنه الاكتفاء بأحدهما ، وحكاه السيّد في نهاية المرام عن جماعة(3) وقوّاه وعلّله بالتلازم(4) واحتمل التعليل به في الروضة ، ولكن رجّح اعتبار الجمع(5) . وقطع به في المسالك ، وردّ القول الآخر بالشذوذ ومخالفة النصوص والفتاوى(6) .
ولكنّه ذكر في الجواهر : إنّ التلازم في حيّز المنع خصوصاً بالنسبة إلى انبات
(1) جواهر الكلام: 29 / 271 ـ 272 .
(2) اللمعة الدمشقيّة : 111 .
(3) الروضة البهية : 5/156 ، الحدائق الناضرة : 23/334 .
(4) نهاية المرام : 1/103 .
(5) الروضة البهية : 5/156 ـ 157 .
(6) مسالك الأفهام : 7/213 .
(الصفحة162)
اللحم ، ضرورة عدم استلزامه لشدّ العظم ، لبطؤ وتحلّله وتغذّيه ، فقد تكون بعض الرضعات مغذّياً للّحم خاصّة وبعضها مغذّياً للعظم خاصّة ، كما في صورة استغناء اللحم عن الغذاء . نعم يمكن دعوى التلازم من جهة اشتداد العظم باعتبار سبق اللحم عليه، فلا يشتدّ العظم إلاّ بعد أن يستغني اللحم المشتمل عليه عن الغذاء ، ويكون الجمع بينهما حينئذ في الأخبار مع اغناء الثاني عن الأوّل لوجهين :
الأوّل : أن نشر الحرمة لهما ، والآخر : أن تغذّى العظم بعد استغناء اللحم عن الغذاء ، فبعض الرضعات ينبت اللحم خاصّة ، وبعضها يشدّ العظم ، والكلّ معتبر مع احتمال عدمه أيضاً ، ضرورة إمكان تصوّر شدّ العظم خاصة من رضاع امرأة بعد استغناء اللحم من امرأة اُخرى(1) .
أقول : أوّلاً : إنّ هنا روايات ظاهرها أنّ الملاك هو انبات اللحم فقط ، مثل :
صحيحة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله : فما الذي يحرّم من الرضاع؟ فقال : ما أنبت اللحم والدّم(2) .
وصحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم والدّم(3).
ورواية ابن أبي يعفور ومرسلة ابن أبي عمير المتقدّمتين ، لكن ذكر في الجواهر: إنّ التحريم بماينبت اللحم يقتضي التحريم بما يشدّ العظم; للإجماع على اعتبار الاشتداد
(1) جواهر الكلام : 29/272 .
(2) الكافي : 5/439 ح9 ، التهذيب : 7/313 ح1296 ، الاستبصار : 3/194 ح701 ، الوسائل : 20/379 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح18 .
(3) الكافي : 5/438 ح5 ، التهذيب : 7/312 ح1294 ، الاستبصار : 3/193 ح699 ، الوسائل : 20/382 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب3 ح1 .
(الصفحة163)
جمعاً أو تخييراً(1) ، فإذا انتفى الأوّل ثبت الثاني ، ولا ينافي ذلك اعتبار إنبات الدم في هذه الاخبار; لأنّه متقدّم على انبات اللحم ، فلا يزيد اشتراطه على اشتراطه(2) .
وثانياً : إنّ جعل الملاك هو إنبات اللحم الذي هو أمر ظاهر محسوس ، وقابل لأن يدركه النوع أمر لاريب فيه; لأنّه يرجع إلى السّمن وزيادة الوزن وهما محسوسان، وأمّا اشتداد العظم فهو أمر لا يدركه إلاّ من كان متخصّصاً في هذه الجهات وهو قليل ، مع أنّ الظاهر الإرجاع في الرضاع المحرّم إلى العرف ، فكيف يجعل الأمر الذي لا يدركه العرف نوعاً علامة للرضاع المحرّم ، فلا محيص من الالتزام بالتلازم ومنع استظهار تخلّف الاشتداد عن الانبات كما في الجواهر . وبهذا الوجه يجمع بين ما دلّ على اعتبار كلا الأمرين وبين الأخبار الدالّة على اعتبار إنبات اللحم التي نقلنا جملة منها ، ويؤيّده الاجماع على اعتبار الاشتداد جمعاً أو تخييراً .
هذا ، وأمّا العدد فقد ذكر المحقّق في الشرائع : وهل يحرم بالعشر؟ فيه روايتان ، أصحّهما أنّه لا يحرم(3) . واللازم ذكر الطائفتين :
الطائفة الاُولى : ما تدلّ على الحرمة ، وهي رواية الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لا يحرم من الرضاع إلاّ المخبورة أو خادم أو ظئر ثم يرضع عشر رضعات يروى الصبي وينام(4) .
(1) مسالك الأفهام: 7/213 ، رياض المسائل : 6/430 .
(2) جواهر الكلام : 29/273 .
(3) شرائع الإسلام : 2/282 .
(4) التهذيب : 7/315 ح1305 ، الاستبصار : 3/196 ح709 ، الوسائل : 20/377 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح11 .
(الصفحة164)
ورواية مسعدة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يحرم من الرضاع إلاّ ما شدّ العظم وأنبت اللحم، فامّا الرضعة والرضعتان والثلاث حتى بلغ عشراً إذا كنّ متفرّقات فلا بأس(1).
ورواية عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين؟ فقال : لا يحرم ، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات ، فقال : إذا كانت متفرّقة فلا(2) .
ورواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال : ما ينبت اللحم والدّم ، ثم قال : أترى واحدة تنبته؟ فقلت : اثنتان أصلحك الله؟ فقال : لا ، فلم أزل أعد عليه حتى بلغت عشر رضعات(3) . وبعض الروايات الاُخر .
الطائفة الثانية : ما تدلّ على اعتبار خمس عشر رضعات ، وأنّ عشر رضعات لا يحرّمن ، مثل رواية زياد بن سوقة المتقدّمة . ورواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : عشر رضعات لا يحرّمن شيئاً(4) .
ورواية عبدالله بن بكير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : عشر رضعات لا تحرّم(5) .
(1) الكافي: 5/439 ح10، التهذيب: 7/313 ح1297 ، الوسائل : 20/380 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح19.
(2) التهذيب: 7/314 ح1302، الاستبصار: 3/194 ح703، الكافي: 5/439 ح 8 ، الوسائل : 20/375 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح5 .
(3) الكافي : 5/438 ح2 و3 ، الوسائل : 20/380 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح21 .
(4) التهذيب:7/313 ح1299، الاستبصار:3/195 ح706، الوسائل:20/374، أبواب مايحرم بالرضاع ب2 ح3.
(5) التهذيب : 7/313 ح1300 ، قرب الإسناد : 170 ح 622 ، الوسائل : 20/375 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح4 .
(الصفحة165)
وصحيحة علي بن رئاب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال : ما أنبت اللحم وشدّ العظم ، قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال : لا ، لأنّه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات(1) .
ومرسلة الصدوق في المقنع المعتبرة قال : وسئل الصادق (عليه السلام) هل لذلك حدّ؟ فقال : لا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهنّ(2) . وبعض الروايات الاُخر .
ومن أجل اختلاف الروايات اختلفت الفتاوى حتى من المفتي الواحد في الكتاب الواحد ، مثل أنّه حكي عن ابن إدريس أنّه ذهب في أوّل كتاب النكاح إلى القول بالعشر(3) ورجع عنه في باب الرضاع وحكم بأنّ الخمس عشرة هو الأظهر من الأقوال(4) . وذهب العلاّمة في أكثر كتبه على ما حكي إلى القول بالخمس عشرة(5)ورجع عنه في المختلف واختار القول بالعشر(6) . وجعله الأقرب في اللمعة(7) .
بل كما في الجواهر : اختلفت كلماتهم في الأشهر من القولين ، ففي المختلف(8) وجمع
(1) التهذيب : 7/313 ح1298 ، الاستبصار : 3/195 ح704 ، قرب الإسناد : 165/605 ، الوسائل : 20/374 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح2 .
(2) المقنع : 330 ، الوسائل : 20/379 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح14 .
(3) السرائر : 2/520 .
(4) السرائر : 2/551 .
(5) تذكرة الفقهاء : 2/620 ، إرشاد الأذهان : 2/19 ، تحرير الأحكام : 2/9 ، قواعد الأحكام : 2/10 .
(6) مختلف الشيعة : 7/30 .
(7) اللّمعة الدمشقيّة : 111 .
(8) مختلف الشيعة : 7/30 .
(الصفحة166)
من الكتب(1) أنّ العشر هو قول الأكثر ، وفي الروضة أنّه قول المعظم(2) . وفي التذكرة(3) وبعض من الكتب(4) أنّ المشهور هو الخمس عشرة ، وعزّاه في كنز العرفان إلى الأكثر(5) ، وفي الرياض إلى عامّة المتأخّرين(6) ، وفي المسالك إلى أكثرهم(7) قال : وأكثر القدماء على القول بالعشر ، ورفع بذلك التنافي بين كلامي العلاّمة في المختلف والتذكرة ، ثمّ أضاف إليه قوله : قلت : الإنصاف أنّ شهرة الخمس عشرة عند المتأخّرين محقّقة .
وأمّا القدماء فإنّه وإن ذهب كثير منهم إلى العشر كالعماني(8) والمفيد(9)والقاضي(10) والديلمي(11) والحلبي(12) والطوسي(13) وأبي المكارم(14) . بل حكي عن المرتضى(15) وإن كنّا لم نتحقّقه ، إلاّ أنّ ذلك لم يبلغ حدّ الاشتهار ، خصوصاً بعد
(1) غاية المرام : 3/40 ـ 41 ، نهاية المرام : 2/106 ـ 107 .
(2) الروضة البهية : 5/157 .
(3) تذكرة الفقهاء : 2/620 .
(4) زبدة البيان : 2/663 ، مفاتيح الشرائع : 2/237 .
(5) كنز العرفان : 2/183 .
(6) رياض المسائل : 6 / 433 .
(7) مسالك الأفهام : 7/215 ـ 222 .
(8) حكي عنه في مختلف الشيعة : 7/29 .
(9) المقنعة: 502.
(10) المهذّب : 2/190 .
(11) المراسم : 151 .
(12) الكافي في الفقه : 285 .
(13) الوسيلة : 301 .
(14) غنية النزوع : 336 .
(15) نسب إليه في السرائر : 2/520 ومختلف الشيعة : 7/30 ولم نجده في كتبه عاجلا .
(الصفحة167)
أن كان خيرة الشيخ(1) والطبرسي(2) وغيرهما(3) من القدماء الخمس عشرة ، بل حكي عن أتباع الشيخ من المتأخرين(4). بل لعلّه خيرة أئمّة الحديث وفقهاء أصحاب الأئمّة ، كمحمّد بن أحمد بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن أبي عمير ، والحسن بن محبوب ، وحمّاد بن عثمان ، وعليّ بن رئاب ، وهشام بن سالم ، وغيرهم ممّن اقتصر على رواية الخمس عشرة دون العشر ـ إلى أن قال : ـ بل ربّما يظهر من عبارتي الخلاف(5) والتذكرة(6) إجماع الإماميّة على ذلك خصوصاً الأخيرة(7) .
هذا ، والظاهر لزوم الأخذ بهذه الطائفة لوجود الإشكال في الطائفة الاُولى الدالّة على تحريم العشر .
أمّا رواية الفضيل، فمضافاً إلى الإشكال في سندها بمحمد بن سنان الذي ضعفه الشيخ(8) والنجاشي(9) وابن الغضائري(10) والكشي(11) وابن شاذان(12) قد رواها
(1) النهاية : 461 ، المبسوط 5 : 292 ، الخلاف : 5/95 .
(2) المؤتلف من المختلف : 2/282 .
(3) المقنع : 330 ، الهداية : 267 ، شرائع الإسلام : 2/282 .
(4) كشف الرموز : 2/123 ، قواعد الاحكام : 2/10 ، جامع المقاصد : 12/217 ، مسالك الأفهام : 7/221 ـ 222 ، الحدائق الناضرة : 23/349 ـ 350 ، تحرير الاحكام : 2/9 .
(5) الخلاف : 5/95 .
(6) تذكرة الفقهاء : 2/620 .
(7) جواهر الكلام : 29/280 ـ 281 .
(8) الفهرست : 219 ، الرقم 619 ، رجال الشيخ : 386 .
(9) رجال النجاشي : 328 الرقم 888 .
(10) رجال ابن داود : 1/174 ، الرقم 1405 و 2/273 ، الرقم 455 ، رجال العلاّمة الحلّي : 394 ، الرقم 1591 .
(11 ، 12) اختيار معرفة الرجال المعروف بـ «رجال الكشّي» : 507 .
(الصفحة168)
صاحب الوسائل في موضعين من الباب الثاني من أبواب ما يحرم بالرضاع ، بل في ثلاثة مواضع وليس في موضعين ، منها : قوله : قد رضع منها عشر رضعات .
هذا ، مضافاً إلى عدم انحصار الرضاع المحرّم بالمذكورات فيها ، لأنّ رضاع المتبرّعة أو المستأجرة أيضاً يكون كذلك ، وإلى أنّ نوم الصبي بعده لا دخالة له أصلاً في التحريم ، وإلى احتمال الشيخ(قدس سره) أن يكون المراد به نفي التحريم عمّن أرضع رضعة أو رضعتين ، فلا مجال للأخذ بها .
وأمّا رواية مسعدة ، فانّما تكون دلالتها بالمفهوم ، ونحن لا نقول به كما حقّقناه في المباحث الاُصولية ، وهكذا بالإضافة إلى رواية عمر بن يزيد .
وأمّا رواية عبيد بن زرارة ، فهي على خلاف المطلوب أظهر دلالة ، ضرورة ظهوره في كون الجواب لا ، وإلاّ لذكره ، مضافاً إلى أنّه بنفسه روى عدم تحريم العشر كما مرّت في روايات الطائفة الثانية .
هذا ، مضافاً إلى احتمال التقية في روايات الطائفة الاُولى ، وإلى كونها مخالفة للأصل ، وإلى ما عرفت من أنّ الأصل هو الإنبات والاشتداد ، والعشرة لا تؤثّر في هذه الجهة ، فلا محيص إلاّ عن الأخذ بما يدلّ على اعتبار الخمس عشرة ، خصوصاً مع ما عرفت من عدم اشتهار غيره بين القدماء ، وإلى ذهاب الفقهاء من الرواة به ، بل لم ينقلوا روايات غيره أصلاً .
هذا ، وأمّا الزمان فلا شكّ في ثبوت التحريم برضاع يوم وليلة لفتوى الطائفة قديماً وحديثاً به(1) ، بل للإجماع المدّعى عليه في الخلاف(2)
(1) الكافي في الفقه: 285، السرائر: 2 / 520، قواعد الاحكام: 2 / 10، المؤتلف من المختلف: 2 / 282، الروضة البهية: 5 / 157، مسالك الأفهام: 7 / 222 ، رياض المسائل: 6 / 431.
(2) الخلاف : 5/95 .
(الصفحة169)
والتذكرة(1) وكشف اللثام(2) . ويدلّ عليه جملة من الروايات التي ذكرناها ، وفي مقابلها ما في فقه الرضا (عليه السلام) ، الذي يكون فاقداً للحجّية رأساً(3) .
ومرسلة الصدوق في الهداية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ولا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع خمسة عشر يوماً ولياليهنّ ، وليس بينهنّ رضاع(4) .
ومثله مرسلته في المقنع قال : وروي أنّه لا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع خمسة عشر يوماً ولياليهنّ ليس بينهن رضاع(5) . ومن الظاهر أنّه لا مجال للأخذ بهما; لأنّهما مضافاً إلى كونهما مرسلتين غير معتبرتين مخالفة لكلتا الطائفتين من الروايات المتقدّمة ، الدالّة على كفاية العشر أو الخمس عشر مرّات .
نعم ، هنا رواية صحيحة رواها الشيخ والصدوق عن علاء بن رزين ، عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن الرضاع؟ فقال : لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضع من ثدي واحد سنة(6) . وذكر في الوسائل بعد نقلها : قال الشيخ : هذا نادر مخالف للأحاديث كلّها . أقول : يمكن حمله على التقية ، والحصر الإضافي بالنسبة إلى ما دون الخمس عشرة أو بالنسبة إلى ما ارتضع من لبن فحلين ، وأن يكون سنة ظرفاً
(1) تذكرة الفقهاء : 2/620 .
(2) كشف اللثام : 7/134 ـ 135 .
(3) فقه الرضا (عليه السلام) : 30 ، مستدرك الوسائل : 14/366 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح2 .
(4) الهداية : 266 ـ 267 ، مستدرك الوسائل : 14/366 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح1 .
(5) المقنع : 330 ، الوسائل : 20/379 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح15 .
(6) التهذيب : 7/318 ح1315 ، الاستبصار : 3/198 ح718 ، الفقيه : 3/307 ح 1475 ، الوسائل : 20/378 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح13 .
(الصفحة170)
مسألة 3 : المعتبر في إنبات اللحم وشدّ العظم استقلال الرضاع في حصولهما على وجه يُنسبان إليه ، فلو فرض ضمّ السُكّر ونحوه إليه على نحو يُنسبان إليهما أشكل ثبوت التحريم ، كما أنّ المدار هو الإنبات والشدّ المعتدّ به منهما على نحو مبان يصدقان عرفاً ، ولا يكفي حصولهما بالدّقة العقلية ، وإذا شكّ في حصولهما بهذه المرتبة أو استقلال الرضاع في حصولهما يرجع إلى التقديرين الآخرين1.
للرضاع كما يأتي في مثله ، ومفهومه غير مقصود .
1 ـ قد عرفت(1) أنّ الأصل في التحديدات الثلاثة في الرضاع المحرّم هو الأثر ، وهو إنبات اللحم وشدّ العظم . فاعلم أنّ ظاهر ما يدلّ على الإنبات والشدّ أمران : أحدهما : صحّة النسبة إلى الرضاع بحيث كان الرضاع مؤثّراً فيه ، وثانيهما : استقلال الرضاع في حصولهما عرفاً ، فلو ضمّ السكّر أو ماؤه إلى اللبن المفروض بحيث كان الإنبات والشدّ منسوبين إليهما معاً ،كالعلّتين بالإضافة إلى معلول واحد ، وإن كانت النسبة مختلفة ومقدار التأثير متفاوتاً ، فيشكل ثبوت التحريم بل الظّاهر عدمه ، وعليه فما هو المتداول في زماننا من ضمّ اللبن الصناعي المسمّى في الفارسيّة بـ «شير خشك» لا يوجب تحقّق التحريم .
ثمّ إنّ هذين العنوانين إنّما هما كسائر العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام يكون المرجع فيه هو العرف ، ولا يكفي الحصول بالدقّة العقلية المتحقّقة بأقلّ من التحديدات الثلاثة ، فاللاّزم الحصول بنظر العرف . غاية الأمر أنّه قد مرّ منّا(2) أنّ
(1) في ص 161 .
(2) في ص 162 ـ 163 .
(الصفحة171)
مسألة 4 : يُعتبر في التقدير بالزمان أن يكون غذاؤه في اليوم والليلة منحصراً باللّبن ، ولا يقدح شرب الماء للعطش ولا ما يأكل أو يشرب دواء إن لم يخرج ذلك عن المتعارف ، والظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان لو ابتدأ بالرضاع في أثناء الليل أو النهار1.
تشخيص الإنبات يغاير تشخيص الاشتداد ، فإنّ الأوّل أمرٌ يعرفه غالب الناس والعرف نوعاً ، وأمّا الثاني فلا يدركه إلاّ أفراد نادرة متخصّصة في هذه الأمور ، وإلاّ فالأفراد العادية لا يكاد لهم إحساس ذلك .
ثمّ إنّه لو شكّ في حصول العنوانين بالنحو المذكور ، فإنّه لو لم يكن شيء من التقديرين الآخرين فالظّاهر عدم تحقّق الرضاع المحرّم لاقتضاء الاستصحاب العدم ، ومع وجود واحد من التقديرين الآخرين فالّلازم الرجوع إليه خصوصاً مع عدم العلم بعدم العنوانين .
1 ـ في الجواهر بعد حكاية تصريح كاشف اللثام(1) بالأمر المذكور قال : وهو متّجه مع فرض انتفاء صدق رضاع يوم وليلة بذلك ، لكن دعوى ذلك في جميع الأفراد محلّ شكّ ، كما لو فرض ارتضاع الصبي بعض الرضعة واشتغل بلعب ونحوه حتى تحقّق الفصل الطويل ثمّ ارتضع رضعة كاملة ، فإنّه قد يمنع عدم صدق رضاع يوم وليلة فيه ، ضرورة ابتناء ذلك على العرف(2) .
أقول : ظاهر ما يدلّ على اعتبار اليوم والليلة في تحقّق الرضاع المحرّم امران :
أحدهما : أن يستفيد الطفل غذائه من اللبن ولم يمض عليه زمان يكون محتاجاً
(1) كشف اللثام : 7/139 .
(2) جواهر الكلام : 29/289 .
(الصفحة172)
مسألة 5 : يُعتبر في التقدير بالعدد أمور :
منها : كمال الرضعة ، بأن يُروى الصّبي ويصدر من قبل نفسه ، ولا تُحسب الرضعة الناقصة ولا تُضمّ الناقصات بعضها ببعض ، بأن تُحسب رضعتان ناقصتان أو ثلاث رضعات ناقصات مثلا واحدة . نعم لو التقم الصبي الثدي ثمّ رفضه لا بقصد الإعراض بأن كان للتنفّس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال من ثدي إلى آخر وغير ذلك كان الكلّ رضعة واحدة .
ومنها : توالي الرضعات ، بأن لا يفصل بينها رضاع امرأة أخرى رضاعاً تامّاً كاملا على الأقوى ومطلقاً على الأحوط . نعم لا يقدح القليل جدّاً ، ولا يقدح في
إليها وممنوعاً عنها .
ثانيهما : أن لا يستفيد من غير اللّبن ولو كان دواء بنحو غير المتعارف ، نعم الدواء غير الخارج عن المتعارف لا يضرّ ، نعم ذكر في الجواهر : ثمّ إنّه هل المعتبر مع ذلك حصول العدد بشرائطه كيف اتّفق أم يعتبر مع صحّة مزاج الولد؟ وجهان كما في المسالك ، قال : وتظهر الفائدة لو كان مريضاً ورضاعه قليل الكمّية ، وحصل العدد المعتبر منه بحيث كان مرتوياً في جميعها بحسب حاله ، فعلى الأوّل يكفي ذلك في نشر الحرمة ، عملا بإطلاق النصّ الشامل له . وعلى الثاني يُعتبر في الكميّة مقدار ما يتناوله صحيح المزاج ، حملا على المعهود . والوجهان آتيان في القدر الزماني(1) .
ثمّ إنّ الظاهر كفاية التلفيق في التقدير بالزمان لو ابتدأ بالرضاع في أثناء الليل أو النهار ، لأنّ العرف لا يفهم من مثل هذا التقدير إلاّ مجموع ساعات اليوم والليلة وإن كانت بنحو التلفيق ، كما هو واضح .
(1) مسالك الأفهام : 7/224 ، جواهر الكلام : 29/289 .
(الصفحة173)
التوالي تخلّل غير الرضاع من المأكول والمشروب وإن تَغذّى به .
ومنها : أن يكون كمال العدد من امرأة واحدة ، فلو ارتضع بعض الرضعات من امرأة وأكملها من امرأة أخرى لم ينشر الحرمة وإن اتّحد الفحل ، فلا تكون واحدة من المرضعتين أُمّاً للمرتضع ولا الفحل أباً له .
ومنها : اتّحاد الفحل ، بأن يكون تمام العدد من لبن فحل واحد ، ولا يكفي اتّحاد المرضعة ، فلو أرضعت امرأة من لبن فحل ثمان رضعات ثمّ طلّقها الفحل وتزوّجت بآخر وحملت منه ثمّ أرضعت ذلك الطفل من لبن الفحل الثاني تكملة العدد من دون تخلّل رضاع امرأة أخرى في البين ، بأن يتغذّى الولد في هذه المدّة المتخلّلة بالمأكول والمشروب لم ينشر الحرمة1.
1 ـ قد اعتبر في التقدير بالعدد الّذي قد عرفت أنّه عبارة عن الخمس عشرة أموراً أربعة :
الأمر الأوّل : كمال الرضعة ، بأن يُروى الصبي ويصدر من قبل نفسه ، إلاّ فيما إذا التقم الصبي الثدي ثمّ رفضه لا بقصد الإعراض ، بأن كان للتنفّس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال من ثدي إلى آخر أو غير ذلك ، فإنّ المجموع حينئذ رضعة واحدة . وقال المحقّق في الشرائع : ويرجع في تقدير الرضعة إلى العرف ، وقيل : أن يُروى الصبي ويصدر من قبل نفسه(1) . وظاهره أنّ في المسألة قولين ، ولكن ظاهر الكثير(2) إرجاع القولين إلى واحد ، وأنّ الاختلاف إنّما هو في مجرّد التعبير ، وقد
(1) شرائع الإسلام : 2/283 .
(2) جامع المقاصد : 12/220 ، مسالك الأفهام : 7/225 ، كشف اللثام : 7/138 ـ 139 ، الحدائق الناضرة : 23 / 355 ـ 356 .
(الصفحة174)
جمع بين العبارتين في محكي التذكرة(1) . ولكن لا دليل على الإرجاع المذكور ، فإنّ مستند القول بالرجوع إلى العرف وإن كان واضحاً ، نظراً إلى أنّ المرجع هو العرف في كلّ لفظ لم يُبيّن له الشارع حدّاً مضبوطاً ، إلاّ أنّ الكلام هنا في الصغرى; لاحتمال تعيين الشارع له حدّاً ، نظراً إلى مرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : الرضاع الّذي يُنبت اللحم والدّم هو الّذي يرضع حتى يتضلّع ويتملىء وينتهي نفسه(2) .
ورواية ابن أبي يعفور قال : سألته عمّا يحرم من الرضاع؟ قال : إذا رضع حتى تمتلىء بطنه ، فإنّ ذلك يُنبت اللحم والدّم وذلك الّذي يحرّم(3) .
ولكنّ العدول عن العرف بالخبرين مشكلّ ، خصوصاً مع ورودهما في التقدير بالأثر ودلالة الثاني على إنحصار التقدير به ، ومع فهم الكثير على ما عرفت أنّ التعريفين يرجعان إلى واحد ، وأنّه لا اختلاف بينهما ، ومع أنّ الأُولى مرسلة ولا دليل على اعتبار مرسلات ابن أبي عُمير ، كما حُقّق في محلّه .
الأمر الثاني : توالي الرّضعات ، بمعنى أنّ المرأة الواحدة تنفرد بإكمالها ، وفرّع عليه المحقّق في الشرائع قوله : فلو رضع من واحدة بعض العدد ثمّ رضع من أخرى بطل حكم الأوّل ، ولو تناوب عليه عدّة نساء لم تنشر الحرمة ما لم يكمل من واحدة
(1) تذكرة الفقهاء : 2/620 .
(2) التهذيب : 7/316 ح1306 ، الاستبصار : 3/195 ح707 ، الكافي : 5/445 ح 7 ، الوسائل : 20/383 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب4 ح2 .
(3) التهذيب : 7/316 ح1307 ، الاستبصار : 3/195 ح708 ، الوسائل : 20/383 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب4 ح1 .
(الصفحة175)
خمس عشرة رضعة ولاءً(1) .
ويدلّ عليه مثل موثّقة زياد بن سوقة المتقدّمة ، المشتملة على قول أبي جعفر (عليه السلام) : لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها ، الحديث(2) .
هذا ، وقد خالف في ذلك العامّة(3) كافّة ، فلم يعتبروا المرضعة بل اتّحاد الفحل .
هذا ، ولكنّ الرواية موثّقة معتبرة أوّلا ، وفتوى الأصحاب(4) قديماً وحديثاً على وفقها ثانياً ، فلا مجال حينئذ للإشكال أو التوقّف في أصل المسألة في الجملة ، وإن حكي عن صاحب المسالك(5) الدغدغة في الجملة .
ثمّ إنّ الفصل قد يتحقّق برضاع امرأة أُخرى تماماً وكاملا وإن كان الفحل واحداً ، وفي هذه الصورة لا يتحقّق التوالي مسلّماً ، وقد وقع التصريح به في موثّقة زياد بن سوقة المتقدّمة ، وقد يتحقّق برضاع امرأة أُخرى رضعة غير كاملة ، وقد احتاط فيه الماتن(قدس سره) وجوباً .
وفيه ترديد من أنّ ظاهر الموثّقة عدم كون الفصل هو الرضاع من امرأة أُخرى نحو الرضاع الموجب للتحريم ، وهي الرضعة الكاملة على ما عرفت ، ومن أنّ الحكم فيها قد علّق على عدم فصل رضاع آخر من دون التقييد بالكمال ، ويؤيّد الاحتمال الأوّل ما فرّعه الإمام (عليه السلام) في ذيل رواية زياد بن السوقة المتقدّمة من قوله :
(1) شرائع الإسلام : 2/283 .
(2) تقدمّت في ص160 .
(3) راجع المغني لابن قدامة : 9/207 والعزيز شرح الوجيز : 9/569 ـ 570 وروضة الطالبين : 7/456 .
(4) تذكرة الفقهاء : 2/620 ، جامع المقاصد : 12/220 ، الروضة البهيّة : 5/157 ، الحدائق الناضرة : 23/357 .
(5) مسالك الأفهام : 7/227 .
(الصفحة176)
فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتهما امرأة أُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما .
هذا ، وقد يقع الفصل ثالثة بمثل الأكل ونحوه ، وفي هذه الأزمنة بمثل اللّبن الصناعي ، وهذا الفصل لا يقدح . وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر(1) بل ادّعى الوضوح ، واستظهر من المسالك(2) وغيره(3) المفروغيّة منه ، وهو الظاهر من اعتبار عدد خاصّ وهو الخمس عشرة بعد جعل الزمان أيضاً حدّاً ، ولكن مع ذلك فقد استشكل فيه في الجواهر بناءً على كون العدد كاشفاً عن الإنبات فيما لو كان الفصل بالأكل ونحوه على وجه يعلم عدم تأثير العدد في الإنبات ، ثمّ قال : اللّهم إلاّ أن يُقال : إنّ العدد المزبور كاشف شرعاً وهو أدرى به ، ويمكن أن يكون قد لاحظ الشارع الكشف في أغلب أفراده وجعلها علامة دائماً محافظة على ضبط الشرع .
الأمر الثالث : أن يكون كمال العدد من امرأة واحدة ، وقد عرفت أنّه قد خالف في ذلك العامّة ، فلم يعتبروا اتّحاد المرضعة بل اتّحاد الفحل ، هذا وصريح ذيل موثّقة زياد بن سوقة من التفريع الذي أورده الإمام (عليه السلام) يدلّ على اعتبار اتّحاد المرضعة ، وقد ناقش صاحب المدارك في اعتبارها نظراً إلى عدم صحّتها ، ولكن قد ذكرنا في الأصول أنّ الموثّقة أيضاً حجّة مع اعتضادها بفتوى الأصحاب قديماً وحديثاً(4) ، وقد صرّح المحقّق في الشرائع بأنّه لا يصير صاحب اللّبن مع اختلاف المرضعات أباً
(1) جواهر الكلام : 29/293 .
(2) مسالك الأفهام : 7/228 .
(3) السرائر : 2/520 ، جامع المقاصد : 12/220 ، رياض المسائل : 6/437 .
(4) تذكرة الفقهاء : 2/620 ، جامع المقاصد : 12/220 ، الروضة البهيّة : 5/157 ، الحدائق الناضرة : 23/357 .
(الصفحة177)
ولا أبوه جدّاً ولا المرضعات اُمّاً(1) .
ولكن المحكي عن بعض العامّة بعد اعتبار كون اللّبن لفحل واحد أنّه لا تُلازم بين الاُبوّة والأُمومة ، فيمكن تحقّق كلّ منهما بدون الآخر كما في النسب(2) . وحينئذ فلو فرض كون المرتضع زوجة صغيرة لصاحب اللّبن انفسخ نكاحها دونهنّ ، ولكن يحرمن عليه لو كان ذكراً ، لأنّهنّ موطوءات أبيه لا لكونهنّ أُمّهات له كغيرهنّ ممّن وطء أبوه ، وإن لم يكن قد رضع منهنّ إذ الفرض عدم رضاعه من واحدة منهنّ ما تستحقّ به ذلك وهو واضح ، ولكن فيه ما عرفت .
الأمر الرابع : اتّحاد الفحل ، بأن يكون تمام العدد من لبن فحل واحد ، وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر ، بل ذكر أنّ الإجماع(3) بقسميه عليه(4) . وقد عرفت أنّ العامّة مع عدم اعتبار المرضعة الواحدة اعتبروا اتّحاد الفحل; وفرَّع على هذا الشرط المحقّق في الشرائع قوله : فلو أرضعت بلبن فحل واحد مائة حرم بعضهم على بعض . وكذا لو نكح الفحل عشراً وأرضعت كلّ واحدة واحداً أو أكثر حرم التناكح بينهم جميعاً(5) .
هذا ، ويدلّ على ذلك مضافاً إلى الموثّقة المزبورة صحيحة عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن لبن الفحل؟ قال : هو ما أرضعت امرأتك من
(1) شرائع الإسلام : 2/283 .
(2) المغني لابن قدامة : 9/207 ، العزيز شرح الوجيز : 9/569 ـ 570 ، روضة الطالبين : 7/456 .
(3) تذكرة الفقهاء : 2/621 .
(4) جواهر الكلام : 29/301 .
(5) شرائع الإسلام : 2/284 .
(الصفحة178)
لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام(1) . والسؤال يدلّ على المفروعيّة عند السائل .
ورواية سماعة المضمرة قال : سألته عن رجل كان له امرأتان فولدت كلّ واحدة منهما غلاماً ، فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض الناس ، أينبغي لإبنه أن يتزوّج بهذه الجارية؟ قال : لا; لأنّها أرضعت بلبن الشيخ(2) .
ورواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وفي سندها سهل بن زياد ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة أرضعت جارية ولزوجها ابن من غيرها ، أيحلّ للغلام ابن زوجها أن يتزوّج الجارية الّتي أرضعت؟ فقال : اللّبن للفحل(3) .
ورواية مالك بن عطيّة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يتزوّج المرأة فتلد منه ثمّ ترضع من لبنه جارية ، أيصلح لولده من غيرها أن يتزوّج تلك الجارية الّتي أرضعتها؟ قال : لا ، هي بمنزلة الأخت من الرضاعة لأنّ اللّبن لفحل واحد(4) .
وصحيحة صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال : قلت له : أرضعت أمّي جارية بلبني ، فقال : هي أختك من الرضاعة ، قلت : فتحلّ لأخ لي من أُمّي لم ترضعها اُمّي بلبنه ـ يعني ليس بهذا البطن ولكن ببطن آخر ـ قال : والفحل واحد؟ قلت : نعم هو أخي (هي اُختي خ . ل) لأبي وأمّي ، قال : اللّبن
(1) الكافي : 5/440 ح1 و3 ، التهذيب : 7/319 ح1316 ، الاستبصار : 3/199 ح719 ، الوسائل : 20/389 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح4 .
(2) الكافي : 5/440 ح2 ، التهذيب : 7/319 ح 1317 ، الإستبصار : 3/299 ح 720 ، الوسائل : 20/390 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح6 .
(3) الكافي: 5/440 ح4 ، قرب الإسناد : 369 ح 1323 ، الوسائل : 20/390 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح7 .
(4) الفقيه : 3/306 ح1473 ، الوسائل : 20/393 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح13 .
(الصفحة179)
مسألة 6 : ما ذكرنا من الشروط شروط لناشرية الرضاع للحرمة ، فلو انتفى بعضها لا أثر له وليس بناشر لها أصلا حتّى بين الفحل والمرتضعة ، وكذا بين المرتضع والمرتضعة فضلا عن الأصول والفروع والحواشي ، وفي الرضاع شرط آخر زائد على ما مرّ مختصّ بنشر الحرمة بين المرتضعين وبين أحدهما وفروع الآخر ، وبعبارة اُخرى شرط لتحقّق الأخوّة الرضاعيّة بين المرتضعين ، وهو اتّحاد الفحل الّذي ارتضع المرتضعان من لبنه ، فلو ارتضع صبيّ من امرأة من لبن شخص رضاعاً كاملا وارتضعت صبيّة من تلك المرأة من لبن شخص آخر كذلك ، بأن طلّقها الأوّل وزوّجها الثاني وصارت ذات لبن منه فأرضعتها
للفحل صار أبوك أباها وأمّك أمّها(1) . إلى غير ذلك من النصوص والروايات الدّالة عليه .
لكن في مقابلها رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل تزوّج امرأة فولدت منه جارية ثمّ ماتت المرأة فتزوّج أُخرى فولدت منه ولداً ، ثمّ إنّها أرضعت من لبنها غلاماً ، أيحلّ لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوّج إبنة المرأة الّتي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة؟ فقال : ما أحبّ أن يتزوّج إبنة فحل قد رضع من لبنه(2) نظراً إلى أنّ نفي المحبّة لا دلالة له على عدم الحُرمة وليس صريحاً فيه ، خصوصاً مع دلالة الروايات المتقدّمة المتكثّرة الموافقة للفتاوى وعمومات الرضاع على الحرمة ، فاللاّزم الأخذ بتلك الروايات ولو فرضت المعارضة ، كما لا يخفى .
(1) الكافي : 5/439 ح7 ، التهذيب : 7/322 ح 1328 ، المقنع : 333 ، الوسائل 20/395 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب8 ح3 .
(2) الكافي : 5/440 ح5 ، التهذيب : 7/319 ح1318 ، الاستبصار : 3/199 ح721 ، المقنع : 331 ، الوسائل : 20/389 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح5 .
(الصفحة180)
رضاعاً كاملا لم تحرم الصبيّة على ذلك الصّبي ولا فروع أحدهما على الآخر ، بخلاف ما إذا كان الفحل وصاحب اللّبن واحداً وتعدّدت المرضعة ، كما إذا كانت لشخص نسوة متعدّدة وأرضعت كلّ واحدة منهنّ من لبنه طفلا رضاعاً كاملا ، فإنّه يحرم بعضهم على بعض وعلى فروعه; لحصول الأخوّة الرضاعيّة بينهم1.
1 ـ لازم ما ذكر من الشروط لناشريّة الرضاع للحرمة أنّه مع انتفاء بعضها لا يتحقّق الرضاع المحرّم ، فلا يصير صاحب اللّبن وهو الفحل أباً ولا المُرضعة أُمّاً ولا المرتضع ولداً فضلا عن الفروع والحواشي ، لكن هنا شرط زائد مختصّ بنشر الحرمة بين المرتضعين وبين أحدهما وفروع اُخر; وبعبارة أُخرى شرط لتحقّق الأخوّة الرضاعيّة بين المرتضعين ، وهو اتّحاد الفحل الّذي ارتضع المرتضعان من لبنه ، فلا يتحقّق التحريم في الفرع الذي أفاده الماتن(قدس سره) على المشهور بين الأصحاب(1) شهرة محقّقة عظيمة .
ويدلّ عليه صحيحة بريد العجلي في حديث قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فسّر لي ذلك ، فقال : كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أُخرى من جارية أو غلام فذلك الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) . وكلّ امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية أو غلام ، فإنّ ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وإنّما هو نسب (سبب ظـ) ناحية الصّهر رضاع ولا يحرّم
(1) جامع المقاصد : 12/223 ، الروضة البهية : 5/164 ـ 165 ، مسالك الأفهام : 7/237 ، الحدائق الناضرة : 23/368 ، جواهر الكلام : 29/303 .
|