(الصفحة141)
اطلاق كلمة «الظنّ» في كلماتهم وعدم التقييد في شيء منها بكونه معتبراً في الشرع انّما هو بلحاظ كون الظنّ فيها بمعنى اليقين ، والاعتقاد ، كقوله تعالى : { يَظُنُّونَ بِاللّهِ}(1) وإلاّ فمجرّد حصول الظن لا يسوّغ الوطء شرعاً ، فالمقصود من تزويج امرأة بظنّ أنّها خالية هو تزويجها باعتقاد عدم كونها ذات بعل ، وإلاّ فمجرّد الظنّ غير المعتبر لا يصحّح النكاح الموجب لجواز الوطء شرعاً .
ومنه يظهر الجواب عن إشكال أنّه لو كان تحقّق الشبهة موقوفاً على حصول الظنّ المعتبر لم يصحّ التحديد بمطلق الظنّ; لعدم طروّ التعريف على ذلك التقدير ، مع أنّه أيّ فرق في المثال المذكور بين وجود الظن غير المعتبر أو الشك الذي يتساوى طرفاه ، كما لايخفى .
ولعلّ الدقّة في الروايات أيضاً تقتضي ما ذكرنا من حصول الاعتقاد العلمي ، أو قيام حجّة شرعية على الجواز ، وإن لم يكن هناك ظنّ شخصي أصلاً ، مثل :
رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا نعي الرجل إلى أهله أو اخبروها أنّه قد طلّقها فاعتدّت ثمّ تزوّجت فجاء زوجها الأوّل ، فإنّ الأوّل أحقّ بها من هذا الأخير دخل بها الأوّل أو لم يدخل بها ، وليس للآخر أن يتزوّجها أبداً ، ولها المهر بما استحلّ من فرجها(2) .
ورواية محمد بن قيس قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل حسب أهله أنّه قد مات أو قتل ، فنكحت امرأته ، وتزوّجت سريّته ، فولدت كلّ واحدة منهما من زوجها ، فجاء زوجها الأوّل ومولى السّرية؟ قال : فقال : يأخذ امرأته فهو أحقّ
(1) سورة آل عمران : 3/154 .
(2) التهذيب : 7/488 ح1961 ، الاستبصار : 3/190 ح688 ، الفقيه : 3/355 ح 1698 ، الوسائل : 20/447 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب16 ح6 .
(الصفحة142)
بها ، ويأخذ سريته وولدها أو يأخذ رضاً من ثمنه(1) . والموجود في الجواهر تبعاً للكافي عوضاً من ثمنه(2) .
وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن رجلين شهدا على رجل غائب عند امرأته أنّه طلّقها ، فاعتدت المرأة وتزوّجت ، ثمّ إنّ الزوج الغائب قدم فزعم أنّه لم يطلّقها ، فأكذب نفسه أحد الشاهدين؟ فقال : لا سبيل للأخير عليها ، ويؤخذ الصداق من الذي شهد ، فيردّ على الأخير ، والأوّل أملك بها ، وتعتدّ من الأخير ، ولا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها(3) .
وموثقة أبي بصير وغيره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّه قال في شاهدين شهدا على امرأة بأنّ زوجها طلّقها ، أو مات عنها فتزوجّت ، ثمّ جاء زوجها فأنكر الطلاق ، قال : يضربان الحدّ ويضمنان الصداق للزوج مما غراه ، ثمّ تعتدّ وترجع إلى الأوّل(4) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ عليّاً (عليه السلام) قضى في الرجل تزوّج امرأة لها زوج ، فرجم المرأة وضرب الرجل الحدّ ، ثمّ قال : لو علمت أنّك علمت لفضخت رأسك بالحجارة(5) .
ولكنّ الظاهر إنّ مورد الأخيرة ما إذا كان الرجل محصناً أوّلاً ، وغير عالم بأنّ
(1) الكافي : 6/149 ح3 ، الوسائل : 22/253 ، أبواب العدد ب37 ح3 .
(2) جواهر الكلام : 29/250 .
(3) الكافي : 6/149 ح2 ، الوسائل : 22/252 ، أبواب العدد ب37 ح2 .
(4) الكافي : 6/150 ح4 ، الوسائل : 22/253 ، أبواب العدد ب37 ح5 .
(5) التهذيب : 10/25 ح76 ، الاستبصار : 4/209 ح 782 ، الفقيه : 4/16 ح 27 ، الوسائل : 28/128 ، أبواب حدّ الزنا ب27 ح7 .
(الصفحة143)
المرأة لها زوج ثانياً ، والحكم بثبوت الحدّ باعتبار عدم مجوّز شرعيّ للتزوج بها مع كون مقتضى الاستصحاب بقاء زوجية الأوّل ، كما أنّه يستفاد منها كون المرأة عالمة ، والفرض كونها محصنة ، كما لايخفى .
وأنت خبير بأنّ مقتضى التحقيق في مثل هذه الروايات إعتبار تحقّق حلّية الوطء ولو ظاهراً ، أمّا بالاعتقاد عن علم أو اطمئنان يعامل معه معاملة العلم أو شهادة البيّنة الشرعية أو مثلها ، وإلاّ فلأيّ أمر قد ذكر في الموضوع قيد الحسبان أو شهادة شاهدين وأمثالهما ، ومن الواضح عدم اعتبار حصول الظنّ الشخصي في مثل قيام البيّنة ، فاستفادة حصول الظنّ ولو كان غير معتبر من هذه الروايات ممّا لا وجه لها ، وقد عرفت أنّ الظنّ المأخوذ في بعض الكلمات لا يراد به ما يقابل اليقين حتى يتمسّك بإطلاقه ، وعدم تقييده بالظنّ المعتبر ، ومع ذلك كلّه فلا تخلو المسألة من الإشكال .
المقام الثالث : في لحوق النائم والمجنون والسكران بسبب محلّل بوطء الشبهة ، دون السكران بشرب المسكر عن عمد وعصيان ، والسرّ في لحوق الاُمور المذكورة في المستثنى منه خروج الوطء عن الحرمة وإرتفاع التكليف معه ، وإن كان الوطء غير مستحقّ واقعاً ، وأمّا الأمر المذكور في المستثنى فالدليل على عدم اللحوق ما عرفت(1) من أنّ المشهور أنّ وطء السكران بشرب الخمر ـ يعني إذا كان عن عمد وعصيان ـ يكون زناً موجباً للحدّ ، وينتفي به النسب نظراً إلى أنّ ما بالاختيار لا ينافي الاختيار .
(1) في ص 139 .
(الصفحة144)
وذكر صاحب الجواهر : أنّه لا يخفى على من أحاط بالنصوص(1) الواردة في تحريم الخمر وكلّ مسكر أنّها ظاهرة أو صريحة في أنّ السكران في أفعاله بمنزلة الصاحي في أفعاله ، فيترتّب ما يترتّب عليه من قود وحدّ ونفي ولد وغير ذلك ، وهو معنى قولهم (عليهم السلام) : إنّ الخمر رأس كلّ إثم(2) (3) .
(1) الوسائل : 25/296 ـ 306 و 325 ـ 334 ، أبواب الأشربة المحرّمة ب9 و 15 .
(2) الكافي : 6/402 ح3 و 2 ، الوسائل : 25/315 ، أبواب الأشربة المحرّمة ب12 ح4 و7 .
(3) جواهر الكلام : 29/247 .
(الصفحة145)
القول في الرّضاع
انتشار الحرمة بالرضاع يتوقّف على شروط :
الأوّل : أن يكون اللبن حاصلاً من وطء جائز شرعاً بسبب نكاح أو ملك يمين أو تحليل وما بحكمه ، كسبق الماء إلى فرج حليلته من غير وطء ، ويلحق به وطء الشبهة على الأقوى . فلو درّ اللبن من الامرأة من دون نكاح وما يلحق به لم ينشر الحرمة ، وكذا لو كان من دون وطء وما يلحق به ولو مع النكاح ، وكذا لو كان اللبن من الزّنا ، بل الظاهر اعتبار كون الدرّ بعد الولادة ، فلو درّ من غير ولادة ولو مع الحمل لم تنشر به الحرمة على الأقوى1.
1 ـ يدلّ على كون الرضاع من أسباب التحريم في الجملة : الكتاب(1) والسنّة المتواترة(2) بل الضرورة . هذا ، ولكن لابدّ من اجتماع شروط :
الأوّل : ما ذكره الماتن(قدس سره) ، فلا يتحقّق انتشار الحرمة بالرضاع إذا كان اللبن من
(1) سورة النساء : 4/23 .
(2) الوسائل : 20/371 ـ 373 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب1 .
(الصفحة146)
الزنا ولو مع الولادة ، خلافاً لابن الجنيد حيث إنّه حكي عنه أنّها لو أرضعت بلبن حمل من زنا حرمت وأهلها على المرتضع ، وكان تجنّبه أهل الزاني أحوط وأولى(1)في غير محلّه ، ويدفعه ـ مضافاً إلى الإجماع بقسميه كما في الجواهر(2) ـ ما في الدعائم عن علي (عليه السلام) أنّه قال : لبن الحرام لا يحرّم الحلال(3) .
وامّا وطء الشبهة ، فقال المحقّق في الشرائع : وفي نكاح الشبهة تردّد أشبهه تنزيله على النكاح الصحيح(4) . قال في الجواهر بعده : وفاقاً للأكثر ، بل لم نجد فيه خلافاً محقّقاً ، فإنّ ظاهر المحكي عن السرائر(5) التردّد ، ولعلّه للأصل ومنع العموم في الرضاع المطلق في الآية(6) . والأخبار المنصرف(7) إلى غير الشبهة لندرتها واختصاص الملحق لها بالنسب من الاجماع بغير محل الخلاف ، ولا نصّ عامّ يدلّ عليه(8) .
مضافاً إلى صحيحة عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن لبن الفحل ، قال : هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة اُخرى فهو حرام(9) .
(1) مختلف الشيعة: 7 / 39 .
(2) جواهر الكلام : 29/263 ـ 264 .
(3) دعائم الاسلام : 2/243 ح916 .
(4) شرائع الإسلام : 2/282 .
(5) السرائر : 2/552 .
(6) سورة النساء : 4/23 .
(7) الوسائل : 20/371 ـ 373 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب1 .
(8) جواهر الكلام : 29/264 .
(9) الكافي : 5/440 ح1 و 3 ، التهذيب : 7/319 ح1319 ، الاستبصار : 3/199 ح719 ، الوسائل : 20/389 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح4 .
(الصفحة147)
مسألة 1 : لا يعتبر في النشر بقاء المرأة في حبال الرجل ، فلو طلّقها الزوج أو مات عنها وهي حامل منه أو مرضعة فأرضعت ولداً نشر الحرمة ، وإن تزوّجت ودخل بها الزوج الثاني ولم تحمل منه أو حملت منه وكان اللبن بحاله لم ينقطع ولم تحدث فيه زيادة ، بل مع حدوثها إذا احتمل
هذا ، ولكنّ الظاهر اللحوق بالصحيح; لأنّ الندرة لا توجب الانصراف; لأنّ الندرة إنّما هي بحسب الوجود ، والصحيحة المزبورة لا دلالة لها على إرادة القيديّة ، مع أنّ الظنّ الحاصل من الاستقراء يقتضي المشاركة للصحيح مطلقاً ، ولذا قوّى في المتن لحوق وطء الشبهة بالوطء الصحيح .
بقي في هذه المسألة أمران :
الأوّل : أنّه لو درّ اللبن من الإمرأة من دون نكاح وما يلحق به ، ففي المتن أنّه لم ينشر به الحرمة ولو كانت ذات فحل ، والسرّ فيه أنّه يعتبر في الرضاع المحرّم أن يكون اللبن منسوباً ومضافاً إلى فحل; ولذا وقع السؤال في مثل الصحيحة المتقدّمة عن لبن الفحل ، ويكفي في ذلك الانتساب ولو لم يكن وطء أصلاً ، كسبق الماء إلى فرج حليلته ولو لم يكن هناك وطء .
الثاني : اعتبار الولادة وكون اللبن بعد الولادة ، فلو درّ من غير ولادة ولو مع الحمل لم تنشر به الحرمة على الأقوى كما في المتن ، لأن إضافة اللبن إلى الفحل إنّما هي باعتبار الولادة منه; لأنّه مع عدمها لا يضاف اللبن إليه ولو كان الدرّ مقروناً بالحمل .
هذا ، مضافاً إلى أنّ المتبادر من الرضاع هو الرضاع بعد الولادة .
هذا ، مضافاً إلى أنّ مقتضى أصالة عدم التحريم في الرضاع غير الناشئ عن الولادة عدمه بدونها ، فالحقّ ما أفاده في المتن .
(الصفحة148)
كونه للأوّل1.
1 ـ قال في الجواهر بعد الحكم بعدم اعتبار بقاء المرأة في حبال المرء في نشر الحرمة بالرضاع : بلا خلاف أجده فيه ، بل الاجماع بقسميه عليه ، بل في المسالك(1) وغيرها(2) أنّه لا فرق بين أن يرتضع في العدّة ولا بعدها ، ولا بين طول المدّة وقصرها ، ولا بين أن ينقطع اللبن ثم يعود وعدمه ، لأنّه لم يحدث ما يحال اللبن عليه ، فهو على استمراره منسوب إليه(3) انتهى .
هذا فيما لو لم تتزوّج بالزوج الثاني ، وأمّا لو تزوّجت به فإن لم يدخل بها أو دخل ولم تحمل منه أو حملت منه وكان اللبن بحاله لم ينقطع ولم تحدث فيه زيادة ، بل مع حدوثها إذا احتمل كونه للأوّل يكون نشر الحرمة بالإضافة إلى الزوج الأوّل .
قال المحقّق في الشرائع : إمّا لو انقطع ثمّ عاد في وقت يمكن أن يكون للثاني كان له دون الأوّل ، ولو اتّصل حتى تضع الحمل من الثاني كان ما قبل الوضع للأوّل وما بعد الوضع للثاني(4) .
أقول : أمّا عدم كون ما قبل الوضع للثاني فواضح بعد عدم تحقّق الولادة منه قبله ، وأمّا كون ما بعد الوضع للثاني ، فامّا للاجماع من الكلّ كما عن التذكرة(5) وإمّا لانقطاع الأوّل بولادة الثاني ، فإنّ حاجة المولود إلى اللبن تمنع كونه لغيره ، ولكنّه
(1) مسالك الأفهام : 7/210 .
(2) الحدائق الناضرة : 23/327 ، جامع المقاصد : 12/206 .
(3) جواهر الكلام : 29/267 .
(4) شرائع الإسلام : 2/282 .
(5) تذكرة الفقهاء : 2/616 .
(الصفحة149)
الثاني : أن يكون شرب اللبن بالامتصاص من الثدي ، فلو وجر في حلقه اللبن أو شرب المحلوب من المرأة لم ينشر الحرمة1.
استشكل فيه في الجواهر(1) بما ترجع عمدته إلى أنّ العرف إن تمّت دعواه على وفق ما ذكر ، وإلاّ فيمكن دعوى كون اللبن لهما فيه في بعض الافراد ، وحكمه حينئذ نشر الحرمة بالنسبة إليهما معاً ; لإطلاق أدلّة الرضاع وعدمه مطلقاً بظهور اعتبار وحدة اللبن ، وإلاّ كان كمن ارتضع من لبن في أثناء كلّ رضعة من لبن آخر ، واحتمل أقوائية هذا الاحتمال .
هذا ، والظاهر في المتن نقصان العبارة ، وأنّ اللازم مكان قوله : «وإن تزوّجت» إلى آخره وكذا إن تزوّجت ، فتأمّل .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : ولابدّ من ارتضاعه من الثدي في قول مشهور(2)تحقيقاً لمسمّى الارتضاع ، فلو وجر في حلقه أو أوصل إلى جوفه بحقنة وما شاكلها لم ينشر(3). والظاهرارتضاؤه لهذاالقول الذي نسبه إلى المشهور، والدليل عليه ما أفاده من عدم تحقّق مسمّى الارتضاع تحقيقاً إلاّ به ، وخبر زرارة ، عن الصادق (عليه السلام)قال : سألته عن الرضاع؟ فقال : لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين(4) . قال في الجواهر : وهو نصّ في المطلوب وإن كان ظاهره غير مراد(5) .
(1) جواهر الكلام : 29/268 ـ 269 .
(2) الخلاف: 5 / 110 ، الجامع للشرائع: 435، قواعد الأحكام: 2 / 10 .
(3) شرائع الإسلام : 2/283 .
(4) التهذيب : 7/317 ح1310 ، الاستبصار : 3/197 ح713 ، الفقيه : 3/305 ح 1477 ، الوسائل : 20/386 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح8 .
(5) جواهر الكلام : 29/294 .
(الصفحة150)
الثالث : أن تكون المرضعة حيّة ، فلو ماتت في أثناء الرضاع وأكمل النصاب حال موتها ولو رضعة لم ينشر الحرمة1.
أقول : بل هو ظاهر في أنّه كان المفروغ عنه عند السائل إعتبار كون شرب اللبن بالامتصاص من الثدي ، وعليه فلا يكفي ما هو المعمول المتعارف في هذه الأزمنة من وضع اللبن وما يشابهه في قارورة صغيرة وشرب الطفل من تلك القارورة ، فما عن بعض العامّة(1) من الحرمة بالسعوط أيضاً نظراً إلى أنّ الدماغ جوف للتغذّي كالمعدة فانّما يمكن توجيهه على بعض مبانيهم الفاسدة ، كما لا يخفى .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الأصل عدم تحقّق الرضاع المحرّم بغير الكيفية المذكورة ، فتأمّل هذا ، وحكي عن الإسكافي(2) والشيخ في موضع من المبسوط(3) إعتبار الوجور لمرسلة الصدوق ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : وجور الصبي بمنزلة الرضاع(4) . وهذا النحو من الإرسال وإن لم يكن قادحاً في الحجّية من مثل الصدوق عندنا إلاّ أنّ اعراض المشهور يقدح فيها ، فالحقّ مع المشهور كما في المتن .
1 ـ لأنّها بالموت تخرج عن عنوان المرضعة و{ أَرْضَعْنَكُمْ}(5) وأمثالهما ، مضافاً إلى الأولوية القطعية بالإضافة إلى النائمة والغافلة والمغمى عليها ، ولكن مع ذلك تردّد فيه المحقّق في الشرائع(6) . والظاهر ما ذكرنا ، ولا فرق بين الميتة من الأوّل أو
(1) الأم : 5/31 ، المغني لابن قدامة : 9/195 ، الشرح الكبير : 9/202 ، المجموع : 19/321 ـ 322 .
(2) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/38 .
(3) المبسوط : 5/295 .
(4) الفقيه : 3/308 ح1485 ، الوسائل : 20/394 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب7 ح3 .
(5) سورة النساء : 4/23 .
(6) شرائع الإسلام : 2/283 .
(الصفحة151)
الرابع : أن يكون المرتضع في أثناء الحولين وقبل استكمالهما ، فلا عبرة برضاعه بعدهما ، ولا يعتبر الحولان في ولد المرضعة على الأقوى ، فلو وقع الرضاع بعد كمال حوليه نشر الحرمة إذا كان قبل حولي المرتضع1.
في الأثناء .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : الشرط الثالث أن يكون في الحولين ، ويراعى ذلك في المرتضع ، لقوله (عليه السلام) : لا رضاع بعد فطام . وهل يراعى في ولد المرضعة؟ الأصحّ أنّه لا يعتبر(1) . . . فهنا مقامان :
المقام الأوّل : في اعتبار أن يكون المرتضع في أثناء الحولين; ونفى في الجواهر الخلاف المعتدّ به فيه ، بل ذكر أنّ الاجماع بقسميه(2) عليه(3) . ويدلّ عليه صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا رضاع بعد فطام ، الحديث(4) .
وصحيحة الحلبي ، عن الصادق (عليه السلام) قال : لا رضاع بعد فطام(5) . ومعناه كما في محكيّ الفقيه أنّه إذا رضع الصبيّ حولين كاملين ثم شرب بعد ذلك من لبن امرأة اُخرى ما شرب لم يحرم ذلك الرضاع; لأنه رضاع بعد فطام(6) أي بعد بلوغ
(1) شرائع الإسلام : 2/283 .
(2) الخلاف : 5/99 ، غنية النزوع : 335 ، السرائر : 2/519 .
(3) جواهر الكلام : 29/296 .
(4) الكافي: 5/443 ح5، أمالي الصدوق : 461 ح614 ، الوسائل : 20/384 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح1 .
(5) الكافي : 5/443 ح1 ، الوسائل : 20/385 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح2 .
(6) الفقيه : 3/306 ذ ح 1468 ، الوسائل : 20/387 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 5 ح 9 .
(الصفحة152)
سنّ الفطام .
وفي رواية حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا رضاع بعد فطام . قلت : وما الفطام؟ قال : الحولين الذي قال الله عزّوجلّ(1) .
وهذه الرواية ظاهرة بل صريحة في أنّه ليس المراد بالفطام هو حصول وصفه ، بل بلوغ سنّه الذي هو الحولان الذي قال الله عزوجل : { وَالوَالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}(2) .
ويؤيّده أنّه بعد حصول وصفه لا يتحقّق رجوع الطفل وعوده إلى الارتضاع غالباً ، فالمراد هو سنّ الفطام وهذا هو المراد من صحيحة البقباق ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم(3) فإنّ الظاهر عدم اعتبار قيدين في تحقّق الرضاع قبل الحولين ، وقبل أن يفطم بحيث لو تحقّق الفطام قبل الحولين لا يتحقّق الرضاع المحرّم ، بل الظاهر اعتبار قيد واحد وهو قبل الحولين لتحقّق الفطام فيهما غالباً ، وإن حكى ذلك عن ابن أبي عقيل(4) .
لكنّه مع ذلك قال صاحب الجواهر : إنّ الإنصاف عدم خلوّ اعتبار ذلك إن لم يقم إجماع(5) ضرورة كونه هو مقتضى قواعد الجمع بين الإطلاق والتقييد ، وأصالة التأسيس وظهور الفطام في الفعلي منه لا سنّه ، بل استعماله فيه مجاز ، بل في الكافي
(1) الكافي : 5/443 ح3 ، التهذيب : 7/318 ح 1313 ، الاستبصار : 3/198 ح 716 ، الوسائل : 20/385 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح5 .
(2) سورة البقرة : 2/233 .
(3) الكافي : 5/443 ح2 ، الوسائل : 20/385 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح4 .
(4) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/35 .
(5) الخلاف : 5/100 .
(الصفحة153)
في تفسير قوله (صلى الله عليه وآله) : لا رضاع . . إلى آخره أنّ المراد إذا شرب لبن المرأة بعدما يفطم لا يحرم ذلك الرضاع التناكح(1)(2) .
أقول : إنّ الطفل بعد حصول الفطام له لا يرجع ولا يعود إلى الارتضاع ، خصوصاً بعد اعتبار كمّية خاصة في الرضاع المحرم ، كما يأتي إن شاء الله تعالى(3) . فهذه قرينة على أنّ المراد حصول سنّه لا وصفه ، فتدبّر .
المقام الثاني : في عدم اعتبار الحولين في ولد المرضعة ، كما ربما ينسب إلى الأكثر(4)خلافاًلجماعة(5) بل في محكيّ الغنية الإجماع عليه(6). وعمدة الدليل للجماعة مضافاً إلى الأصل ما رواه عليّ بن اسباط قال : سأل ابن فضّال ابن بكير في المسجد فقال : ما تقولون في امرأة أرضعت غلاماً سنتين ، ثمّ أرضعت صبيّة لها أقلّ من سنتين حتى تمّت السنتان ، أيفسد ذلك بينهما؟ قال : لا يفسد ذلك بينهما لأنّه رضاع بعد فطام ، وإنّما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا رضاع بعد فطام ، أي أنّه إذا تمّ للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج من حدّ اللبن ، ولا يفسد بينه وبين من شرب من لبنه . قال : وأصحابنا يقولون: إنّه لايفسد إلاّ أن يكون الصبي والصبية يشربان شربة شربة(7).
وفي الوسائل بعد نقل الرواية : أقول : استدلال ابن بكير ضعيف مخالف
(1) الكافي : 5/443 ـ 444 ، ذ ح 5 .
(2) جواهر الكلام : 29/297 .
(3) في الشرط الخامس .
(4) السرائر : 2/519 ، إرشاد الاذهان : 2/20 ، الروضة البهية : 5/163 ، مسالك الأفهام : 7/237 .
(5) الكافي في الفقه : 285 ، الوسيلة : 301 .
(6) غنية النزوع : 335 .
(7) التهذيب : 7/317 ح1311 ، الاستبصار : 3/197 ح714 ، الوسائل : 20/385 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح6 .
(الصفحة154)
للاحتياط ، والعمومات تدفعه . وفي الجواهر : إنّ فهم ابن بكير الناشئ عن اجتهاده غير حجّة ، وإن كان من أصحاب الإجماع(1) .
هذا ، ولكن قد يقال : إنّه لا شهرة محقّقة على عدم اعتبار ذلك ، فانّه في كشف اللثام قد اعترف بإجمال عبارة الشيخين(2) وكثير(3) ،(4) . كما أنّه في محكي مختلف العلاّمة الموضوع لذكر المسائل الاختلافية بين علماء الشيعة حكى الاطلاق عن أكثر المتقدّمين أو الإجماع(5) . والإنصاف عدم ظهور عباراتهم في إرادة حولي المرتضع خاصّة ، بل يمكن دعوى ظهورها في حولي الولادة مع ذلك .
قال في الجواهر : على أنّه لو نزل كلام الأصحاب على إرادة حولي المرتضع خاصّة يكون لا حدّ عندهم لمدّة الرضاع بالنسبة إلى المرضعة ، فانّه يبقى رضاعها مؤثّراً ولو سنين متعدّدة ، وهو مع إشكاله في نفسه لكونه حينئذ كالدرّ مناف لعادتهم من عدم إهمال مثل ذلك ، خصوصاً بعد أن تعرّض له العامّة ، فانّهم قد اختلفوا في تحديد مدّة الرضاع ، فذهب جماعة إلى أنّها حولان لقوله تعالى : { وَالوَالِدَاتُ . . .}(6) فدلّ على أنّ الحولين تمام مدّتها ، فإذا انقضت فقد انقطع حكمها ، وهو قول سفيان الثوري(7) والأوزاعي والشافعي(8)
(1) جواهر الكلام : 29/298 .
(2) المقنعة : 503 ، الخلاف : 5/99 ، المبسوط : 5/293 ، النهاية : 461 .
(3) المهذّب : 2/190 ، الجامع للشرائع : 435 ، تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية) : 38/471 .
(4) كشف اللثام : 7/142 .
(5) مختلف الشيعة : 7/36 ـ 37 .
(6) سورة البقرة : 2/233 .
(7) موسوعة فقه سفيان الثوري : 419 .
(8) الأمّ : 5/28 ، المغني لابن قدامة : 9/201 ، الشرح الكبير : 9/197 ، المجموع : 19/314 ، مغني المحتاج : 3/415 .
(الصفحة155)
وأحمد(1) وإسحاق ، والمروي عن عمر وبن مسعود وأبي هريرة واُمّ سلمة . وعن مالك أنّه جعل حكم الزيادة على الحولين إذا كان يسيراً حكم الحولين(2) . وقال أبوحنيفة : مدّة الرضاع ثلاثون شهراً(3) لقوله تعالى : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ . . .}(4) .
وفيه : أنّه لأقلّ مدّة الحمل وأكثر مدّة الرضاع; لأنّ الفصال : الفطام ، وقال بعضهم : مدّة الرضاع ثلاث سنين(5) . إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة ، لما ذكره ابن بكير(6) .
أقول : لا محذور في عدم ثبوت الحدّ لمدّة الرضاع بالنسبة إلى المرضعة ، فإنّ ثبوت اللبن في السنين المتعدّدة على خلاف المتعارف ، ولأجله وقع الإهمال في كلام الأصحاب من هذه الجهة ، وإلاّ لكان اللازم التصريح بذلك; وتعرّض العامة لا دلالة له على أنّهم كانوا بهذا الصدد .
وقدعرفت(7) في تفسيرقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا رضاع بعدفطام» أنّ الطفل الفطيم لا يرجع إلى اللبن ولا يعود نوعاً ، وأنّ المراد هو سنّ الفطام ، فيظهر من مجموع ما ذكرنا عدم اعتبار الحولين في ولد المرضعة ، ولذا قال المحقّق في الشرائع : فلو مضى
(1) المغني لابن قدامة : 9/201 ، الشرح الكبير : 9/197 ، الكافي في فقه الإمام أحمد : 30/243 ، العزيز شرح الوجيز : 9/560 .
(2) المغني لابن قدامة : 9/201 ، الشرح الكبير : 9/197 ، الحاوي الكبير : 14/427 ، مواهب الجليل : 5/537 ، بداية المجتهد : 2/37 ، مقدمات ابن رشد : 1/493 .
(3) المغني لابن قدامة : 9/201 ، الشرح الكبير : 9/197 ، بداية المجتهد : 2/37 ، بدائع الصنائع : 3/402 .
(4) سورة الأحقاف : 46/15 .
(5) المغني لابن قدامة : 9/201 ، الشرح الكبير : 9/197 ، الحاوي الكبير : 14/427 ، بدائع الصنائع : 3/403 .
(6) جواهر الكلام : 29/299 ـ 300 .
(7) في ص151 ـ 153 .
(الصفحة156)
مسألة 2 : المراد بالحولين أربع وعشرون شهراً هلاليّاً من حين الولادة ، ولو وقعت في أثناء الشهر تكمل من الشهر الخامس والعشرين ما مضى من الشهر الأوّل على الأظهر ، فلو تولّد في العاشر من شهر تكمل حولاه في العاشر من الخامس والعشرين1.
الشرط الخامس : الكمّية ، وهي بلوغه حدّاً معيّناً ، فلا يكفي مسمّى الرضاع ولا رضعة كاملة ، وله تحديدات وتقديرات ثلاثة : الأثر ، والزمان ،
لولدها أكثر من حولين ، ثمّ أرضعت من له دون الحولين نشر الحرمة ، ولو رضع العدد إلاّ رضعة فتمّ الحولان ثم أكمله بعدهما لم ينشر الحرمة(1) .
1 ـ لا شبهة في أنّ المراد بالحولين الأهلّة ، يعني أربع وعشرون شهراً هلالياً ، فإن صادفت الولادة أوّل الشهر فلا إشكال ، ولو وقعت في أثناء الشهر كما في العاشر من الشهر فقد استظهر في المتن لزوم تكميل الحولين في العاشر من الشهر الخامس والعشرين ، وحكم في الجواهر بأقوائيته إن لم يكن الدليل ظاهراً في إرادة تحقّق الحولين ، المراد منهما أربعة وعشرون شهراً هلاليّاً على وجه يخرج المنكسر عنهما وإن لحقه الحكم(2) .
والاحتمال الآخر الإكمال ممّا يليه من الشهر وهكذا ، فيجري الانكسار في الجميع ، والتكملة حينئذ هلالية أو عددية ، هذا والظاهر ما أفاده في المتن والتكميل من الخامس والعشرين .
(1) شرائع الإسلام : 2/283 ـ 284 .
(2) جواهر الكلام : 29/296 .
(الصفحة157)
والعدد ، وأيّ منها حصل كفى في نشر الحرمة ، ولا يبعد كون الأثر هو الأصل والباقيان أمارتان عليه ، لكن لا يترك الاحتياط لو فرض حصول أحدهما دونه ، فأمّا الأثر فهو أن يرضع بمقدار نبت اللحم وشدّ العظم ، وأمّا الزّمان فهو أن يرتضع من المرأة يوماً وليلة مع اتّصالهما بأن يكون غذاؤه في هذه المدّة منحصراً بلبن المرأة ، وأمّا العدد فهو أن يرتضع منها خمس عشرة رضعة كاملة1.
1 ـ لا إشكال في أنّ مسمّى الرضاع لا يكفي في الرضاع المحرّم بضرورة الفقه ، وكذا لا تكفي الرضعة الكاملة على المشهور بين الأصحاب(1) شهرة عظيمة محقّقة كادت تكون إجماعاً متحصّلاً من النصوص المستفيضة أو المتواترة(2) الدالّة على التحديد ، فما عن كثير من العامة(3) من التحريم بمطلق الرضاع وإن قلّ معلوم البطلان ، ومن الغريب كما في الجواهر دعوى الليث منهم إجماع أهل العلم على نشر الحرمة بمثل ما يفطر به الصائم(4) . مع أنّ المحكي عن الأكثر منهم(5) موافقتنا .
وأغرب منه ما عن الشيخ في التبيان(6) وابن إدريس في السرائر(7) من حكاية ذلك عن بعض من أصحابنا ولم يعرف أصلاً .
(1) المقنعة : 502 ، الكافي في الفقه : 285 ، السرائر : 2/520 و 551 ، جامع المقاصد : 12/215 ـ 218 ، مسالك الأفهام : 7/213 ، الروضة البهية : 5/156 ـ 162 ، نهاية المرام : 1/101 ، رياض المسائل : 6/430 .
(2) الوسائل : 20/274 ـ 283 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 و3 و4 .
(3) المغني لابن قدامة : 9/192 ، الشرح الكبير : 9/199 ـ 200 ، المجموع : 19/318 ، بدائع الصنائع : 3/405 ـ 406 ، مغني المحتاج : 3/416 .
(4) المغني لابن قدامة : 9/192 ، الشرح الكبير : 9/200 .
(5) المغني لابن قدامة : 9/192 ، الشرح الكبير : 9/199 ـ 200 ، المجموع : 19/318 .
(6) التبيان : 3/160 .
(7) السرائر : 2/520 .
(الصفحة158)
نعم عن القاضي نعمان المصري في كتاب دعائم الإسلام الذي نقل عنه صاحب مستدرك الوسائل ، ولم ينقل عنه في الوسائل شيئاً ، أنّه روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)أنّه قال : يحرم من الرضاع كثيره وقليله حتّى المصّة الواحدة ، ثم قال : وهذا قول بيّن صوابه لمن تدبّره ووفّق لفهمه; لأن الله تعالى يقول : { وأُمَّهَاتُكُمُ الاّتِى أَرْضَعْنَكُمْ}(1) . والرضاع يقع على القليل والكثير(2) .
وعن ابن الجنيد أنّه قال : قد اختلفت الرواية من الوجهين جميعاً في قدر الرضاع المحرّم ، إلاّ أنّ الذي أوجبه الفقه عندي واحتياط المرء لنفسه : أنّ كلّ ما وقع عليه اسم رضعة ـ وهوماملأت بطن الصّبي إمّابالمصّ أوالوجور ـ كلّ مامحرِّم للنكاح(3)(4).
وكيف كان فهنا طائفتان من الأخبار في بادئ النظر :
الطائفة الاُولى : ما يكون مفاده ذلك ، مثل :
مكاتبة عليّ بن مهزيار ، عن أبي الحسن (عليه السلام) أنّه كتب إليه يسأله عمّا يحرم من الرضاع؟ فكتب (عليه السلام) : قليله وكثيره حرام(5) .
ورواية ضعيفة عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي (عليهم السلام) قال : الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحلّ له أبداً(6) .
(1) سورة النساء : 4/23 .
(2) دعائم الإسلام : 2/240 ح901 ، مستدرك الوسائل : 14/366 ـ 367 ، أبواب ما يحرم من الرضاع ب2 ح4 .
(3) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/30 وجامع المقاصد : 12/215 والروضة البهيّة : 5/162 .
(4) جواهر الكلام : 29/269 ـ 270 .
(5) التهذيب : 7/316 ح1308 ، الاستبصار : 3/196 ح 711 ، الوسائل : 20/377 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح10 .
(6) التهذيب : 7/317 ح1309 ، الاستبصار : 3/197 ح 712 ، الوسائل : 20/378 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح12 .
(الصفحة159)
وذكر في الوسائل بعد نقل المكاتبة : أقول : حمله الشيخ على ما إذا بلغ الحدّ الذي يحرّم ، فإنّ الزيادة قلّت أو كثرت تحرّم . قال : ويجوز أن يكون خرج مخرج التقيّة; لأنّه موافق لمذهب بعض العامّة(1) انتهى . ويمكن حمله على الكراهة وعلى تحديد كلّ رضعة ، فانّه إن رضع قليلاً أو كثيراً فهي رضعة محسوبة من العدد بشرط أن يروى ويترك من نفسه لما يأتي . وذكر بعد رواية زيد : أقول : حمله الشيخ على ما تقدّم في حديث عليّ بن مهزيار ، واستشهد للتقية بكون طريقه رجال العامّة والزيدية ، ويحتمل الكراهة .
ومضمرة ابن أبي يعفور قال : سألته عمّا يحرم من الرّضاع قال : إذا رضع حتى يمتلىء به بطنه ، فإنّ ذلك ينبت اللحم والدم ، وذلك الذي يحرّم(2) . والتعليل فيها يدلّ على عدم محرّمية الرضاع مطلقاً .
ومرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الرضاع الذي ينبت اللحم والدّم هو الذي يرضع حتى يتضلّع ويتملىء وينتهي نفسه(3) . وفيها أيضاً دلالة على ثبوت الحدّ للرضاع المحرّم .
الطائفة الثانية : ما تدلّ على التحديد ، مثل :
صحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يحرم من الرّضاع إلاّ ما
(1) المغني لابن قدامة : 9/192 ، الشرح الكبير : 9/199 ـ 200 ، المجموع : 19/318 ، بدائع الصنائع : 3/405 ـ 406 ، مغني المحتاج : 3/416 .
(2) التهذيب : 7/316 ح1307 ، الاستبصار : 3/195 ح708 ، الوسائل : 20/383 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب4 ح1 .
(3) التهذيب : 7/316 ح1306 ، الاستبصار : 3/195 ح707 ، الكافي : 5/445 ح 7 ، الوسائل : 20/383 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب4 ح2 .
(الصفحة160)
أنبت اللحم والدّم(1) . وغير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال ، ولابدّ من الأخذ بهذه الطائفة دون الطائفة الاُولى لو لم تكن قابلة للجمع الدلالي مع الطائفة الثانية; لثبوت أوّل المرجحات بالإضافة إليها ، وهي الموافقة للشهرة العظيمة المحقّقة ، وعليه فالحدّ معتبر في ثبوت الرضاع المحرّم ، وله تحديدات وتقديرات ثلاثة : الأثر ، والزمان ، والعدد .
أمّا الأثر فهو أن يتحقّق الرضاع بمقدار ينبت اللحم ويشدّ العظم ، ويدلّ عليه مثل صحيحة حمّاد المتقدّمة كصحيحة علي بن رئاب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال : ما أنبت اللحم وشدّ العظم ، قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال : لا ، لأنّه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات(2) . ويستفاد من هذه الرواية أنّ الأثر ـ وهو نبات اللحم وشدّ العظم ـ هو الأصل في الحدّ ، والعدد حاك عنه .
وامّا الزمان فيدلّ عليه مثل رواية زياد بن سوقة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : هل للرضاع حدّ يُؤخذ به؟ فقال : لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها ، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتهما امرأة اُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما(3) .
(1) الكافي : 5/438 ح5 ، التهذيب : 7/312 ح1294 ، الاستبصار : 3/193 ح699 ، الوسائل : 20/382 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب3 ح1 .
(2) التهذيب : 7/313 ح1298 ، الاستبصار : 3/195 ح704 ، الوسائل : 20/374 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح2 .
(3) التهذيب : 7/315 ح1304 ، الاستبصار : 3/192 ح696 ، الوسائل : 20/374 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح1 .
|