(الصفحة361)
ابن اُذينة أنّه مذهب زرارة(1) أيضاً .
قال المحقّق في الشرائع : إذا انقضى أجلها بعد الدخول فعدّتها حيضتان ، وروي حيضة ، وهو متروك(2) .
ويدلّ على المشهور جملة من الروايات ، مثل :
صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المتعة؟ فقال : الق عبد الملك بن جريج فسله عنها فإنّ عنده منها علماً ، فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً في استحلالها ، وكان فيما روى لي فيها ابن جريج أنّه ليس فيها وقت ولا عدد ، إنّما هي بمنزلة الاماء يتزوّج منهنّ كم شاء ، وصاحب الأربع نسوة يتزوّج منهنّ ما شاء بغير وليّ ولا شهود ، فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق ، ويعطيها الشيء اليسير ، وعدّتها حيضتان . وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوماً .
قال : فأتيت بالكتاب أبا عبدالله (عليه السلام) فقال : صدق وأقرّ به .
قال ابن اُذينة ـ الراوي عن إسماعيل بن الفضل ـ وكان زرارة يقول هذا ويحلف أنّه الحقّ ، إلاّ أنّه كان يقول : إن كانت تحيض فحيضة ، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف(3) .
ورواية أبي بصير ـ المروية في تفسير العيّاشي ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) في المتعة قال : نزلت هذه الآية { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ
(1) الوسائل : 21/19 ـ 20 ، أبواب المتعة ب4 ذ ح8 .
(2) شرائع الإسلام : 2/307 .
(3) الكافي : 5/451 ح6 ، الوسائل : 21/19 ، أبواب المتعة ب4 ح8 .
(الصفحة362)
عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الفَرِيضَةِ}(1) قال : لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل بينكما ، فتقول : استحللتك بأمر آخر برضى منها ، ولا تحلّ لغيرك حتّى تنقضي عدّتها وعدّتها حيضتان(2) .
وما في محكي المسالك(3) والروضة(4) من خبر محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : طلاق الأمة تطليقتان وعدّتها حيضتان(5) بضميمة صحيحة زرارة ، عن الباقر (عليه السلام) : المتعة عليها مثل ما على الأمة(6) . وإن نوقش بقرينة الصدر ، حيث إنّ المذكور فيه : «وعدّة المطلّقة ثلاثة أشهر ، والأمة المطلّقة عليها نصف ما على الحرّة ، وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة» لأنّه ظاهر في إرادة المماثلة في خصوص الأشهر .
والرواية التي أشار إليها المحقّق في عبارته المتقدّمة هي صحيحة زرارة ـ التي رواها عنه عمر بن اُذينة ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّه قال : إن كانت تحيض فحيضة ، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف(7) .
وفي محكي التهذيب : عدّة المتمتّعة إن كانت الخ ، والموجود في الكافي ما ذكرنا ، ولكنّ الظاهر أنّ مرجع الضمير المرأة المتمتعة; لأنّه قد رواه فيه في هذا الباب مضافاً إلى ما مرّ من أنّه حكى عمر بن اُذينة في رواية الهاشمي ذلك عن زرارة .
(1) سورة النساء : 4/24 .
(2) تفسير العياشي : 1/233 ح86 ، الوسائل : 21/56 ، أبواب المتعة ب23 ح6 .
(3) مسالك الأفهام : 7/472 .
(4) الروضة البهية : 5/301 .
(5) التهذيب : 8/135 ح467 ، الإستبصار : 3/335 ح1193 ، الوسائل : 22/257 ، أبواب العدد ب40 ح5 .
(6) التهذيب : 8/157 ح545 ، الإستبصار : 3/350 ح1252 ، الوسائل : 22/275 ، أبواب العدد ب52 ح2 . (7) الكافي : 5/458 ح1 ، التهذيب : 8/165 ح573 ، الوسائل : 21/51 ، أبواب المتعة ب22 ح1 .
(الصفحة363)
والظاهر أنّ مستند زرارة هذه الرواية ، فلا ينبغي الارتياب في كون المراد المرأة المتمتّع بها .
وكيف كان فالرواية متروكة بين الأصحاب ، وقد ثبت في محلّه أنّ إعراض المشهور عن الرواية ولو كانت صحيحة يقدح في الاعتبار والحجّية ، فاللازم أن يقال : بأنّ عدّتها حيضتان ، ويؤيّده التناسب بينهما وبين شهر ونصف ، كما لايخفى .
بقي الكلام في هذا الأمر في أنّ المراد بالحيضتين هل هو الحيضتان التامّتان أو يشمل الحيضة الناقصة أيضاً ، وتظهر الثمرة فيما لو انقضى الأجل أو وهبها المدّة في أثناء الحيضة ، فهل تحسب بقيّة المدّة من الحيض أم لا ، ظاهر عنوان الحيضتين هي التامّة منهما ، لكن في خبر عبدالله بن جعفر الحميري ، عن صاحب الزمان ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ أنّه كتب إليه في رجل تزوّج امرأة بشيء معلوم إلى وقت معلوم ، وبقي له عليها وقت ، فجعلها في حلّ ممّا بقى له عليها ، وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حلّ من أيّامها بثلاثة أيّام ، أيجوز أن يتزوّجها رجل آخر بشيء معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة ، أو يستقبل بها حيضة اُخرى؟ فأجاب (عليه السلام) : يستقبل بها حيضة غير تلك الحيضة; لأنّ أقلّ العدّة حيضة وطهرة تامّة(1) .
فانّه بناء على كون العدّة هما الحيضتين يدلّ على أنّ الحيضة الناقصة الاُولى بضميمة الحيضة التامّة الثانية التي يتخلّل بينهما طهرة تامّة يكفي في العدّة .
نعم ذكر صاحب الجواهر : أنّ المحكي عن المفيد(2) ويكون قولاً معروفاً بين
(1) الاحتجاج : 488 ، الوسائل : 21/53 ، أبواب المتعة ب22 ح7 .
(2) المقنعة : 536 .
(الصفحة364)
الأصحاب(1) . بل عن ابن زهرة(2) الإجماع عليه هو كون عدّتها طهرين ، ولكنّه اعترف بأنّه لم يعرف له دليلاً بالخصوص سوى ما في محكي المختلف(3) من أخبار الحيضة ، نظراً إلى أنّه إذا كملت لها حيضة فقد مضى عليها طهران : أحدهما قبلها والآخر بعدها ، إذ يكفي منهما لحظة(4) وجوابه واضح .
وما في المسالك(5) من الاستدلال له برواية زرارة ، عن الباقر (عليه السلام) : إن كان حرّ تحته أمة فطلاقه تطليقتان وعدّتها قُرءان(6) . بضميمة ما ورد من النص من أنّه المتعة عليها مثل ما على الأمة(7) . والجواب عنه أنّ كلمة قرئين وإن كانت مردّدة بين الحيضين والطهرين ـ لأنّ لفظ القرء مردّد بين الحيض والطُهر ـ إلاّ أنّه لا يبعد أن يُقال بأنّ أخبار الحيضتين مفسّرة للقرئين في هذه الرواية ، ودالّة على أنّ المراد بهما حيضتان ، هذا في المرأة التي تحيض .
وأمّا إن كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض فعدّتها خمسة وأربعون يوماً نصّاً(8) وفتوى(9) .
(1) السرائر : 2/625 ، كشف الرموز : 2/160 ، جامع المقاصد : 13/42 .
(2) غنية النزوع : 359 .
(3) مختلف الشيعة : 7/240 ـ 241 مسألة 163 .
(4) جواهر الكلام : 30/198 .
(5) مسالك الأفهام : 7/473 .
(6) الكافي : 6/167 ح1 ، التهذيب : 8/234 ح 466 ، الإستبصار : 3/335 ح 1192 ، الوسائل : 22/256 ، أبواب العدد ب40 ح1 .
(7) التهذيب : 8/157 ح545 ، الإستبصار : 3/350 ح1252 ، الوسائل : 22/275 ، أبواب العدد ب52 ح2 .
(8) الوسائل : 21/51 ـ 53 ، أبواب المتعة ب22 .
(9) جامع المقاصد : 13/42 ، الروضة البهية : 5/33 ، مسالك الأفهام : 7/474 ـ 475 .
(الصفحة365)
نعم في رواية محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : عدّة المتعة خمسة وأربعون يوماً ، والاحتياط خمسة وأربعون ليلة(1) .
وحيث إنّ الاحتياط في الحكم لا معنى له من الإمام (عليه السلام) ، فاللازم أن يقال : بأنّ المراد منه عدم اعتبار التلفيق كما لايخفى ، هذا كلّه بالنسبة إلى الحائل غير الحامل .
وأمّا الحامل ، فعدّتها وضع حملها على إشكال كما في المتن ، واحتاط وجوباً بأنّ عدّتها أبعد الأجلين من وضع الحمل ، ومن مضيّ خمسة وأربعين يوماً أو حيضتين ، ولكنّه ذكر في كتاب الطلاق في بحث العدد أنّ عدّة المتعة في الحامل وضع حملها(2) من دون استشكال ولا رعاية للاحتياط .
وذكر في الجواهر : وأمّا الحامل فعدّتها أبعد الأجلين من المدّة والوضع(3) ، وتركه المصنّف ـ يعني المحقّق في متن الشرائع ـ لوضوحه واتكالاً على ما ذكره سابقاً . والظاهر أنّ المراد بما ذكره سابقاً هو ما أفاده في أنّ عدّة الحامل المتوفّى عنها زوجها في النكاح المنقطع هو أبعد الأجلين من مضي أربعة أشهر وعشراً ومن الوضع ، وستعرف أنّ قوله : «على الأصح» في عبارة الشرائع لا يرجع إلى هذه الفتوى كما أفاده صاحب الجواهر(4) . وتحقيق الحال في هذا المجال موكول إلى كتاب الطلاق وبحث العدد فانتظر إن شاء الله تعالى .
الأمر الثالث : في عدّة الوفاة ، قال المحقّق في الشرائع : وتعتدّ من الوفاة ولو لم يدخل بها بأربعة أشهر وعشرة أيّام إن كانت حائلاً ، وبأبعد الأجلين إن كانت
(1) الكافي : 5/458 ح2 ، الوسائل : 21/51 ، أبواب المتعة ب22 ح2 .
(2) تحرير الوسيلة : مسألة 6 من «القول في العدد» .
(3 ، 4) جواهر الكلام : 30/200 .
(الصفحة366)
حاملاً على الأصح(1) ، وذكر في الجواهر : أنّ قوله : على الأصح راجع للأوّل وهو العدّة في الحائل(2) ، والوجه فيه أنّه حكي عن المفيد(3) والمرتضى(4) والعماني(5)وسلاّر(6) إنّ عدّتها شهران وخمسة أيام; لأنّها كالأمة في الحياة فكذلك في الموت .
ويدلّ على الأوّل مضافاً إلى الآية الشريفة(7) الواردة في مطلق الأزواج صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن المرأة يتزوّجها الرجل متعة ، ثمّ يتوفّى عنها زوجها هل عليها العدّة؟ فقال : تعتدّ أربعة أشهر وعشراً(8) .
وصحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) ما عدّة المتعة إذا مات عنها الذي تمتّع بها؟ قال : أربعة أشهر وعشراً ، قال : ثم قال : يا زرارة كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّة كانت أو أمة وعلى أيّ وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجاً أو ملك يمين فالعدّة أربعة أشهر وعشراً(9) .
ودليل غير المشهور ـ مضافاً إلى عموم التنزيل المتقدّم ـ مرسلة الحلبي ، عن رجل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة متعة ثمّ مات عنها ما
(1) شرائع الإسلام : 2/307 .
(2) جواهر الكلام : 30/200 .
(3) المقنعة : 536 .
(4) الانتصار : 114 .
(5) حكى عنه في مختلف الشيعة: 7 / 242 مسألة 164.
(6) المراسم : 166 .
(7) سورة البقرة : 2/234 .
(8) التهذيب : 8/157 ح544 ، الإستبصار : 3/350 ح1251 ، الفقيه : 3/296 ح1407 ، الوسائل : 22/275 ، أبواب العدد ب52 ح1 .
(9) التهذيب : 8/157 ح545 ، الإستبصار : 3/350 ح1252 ، الفقيه : 3/296 ح 1408 ، الوسائل : 22/275 ، أبواب العدد ب52 ح2 .
(الصفحة367)
مسألة 17 : يستحبّ أن تكون المتمتّع بها مؤمنة عفيفة ، والسؤال عن حالها قبل التزويج وأنّها ذات بعل أو ذات عدّة أم لا ، وأمّا بعده فمكروه ، وليس السؤال والفحص عن حالها شرطاً في الصحّة1.
عدّتها؟ قال : خمسة وستّون يوماً(1) . وفي سندها مضافاً إلى ضعفها بالإرسال الطاطري المخالف للإمامية ، شديد العناد في مذهبه ، واحتمل الحمل على الأمة .
وأمّا رواية ابن يقطين ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : عدّة المرأة إذا تمتّع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوماً(2) . فهي من الشواذّ ، هذا كلّه إذا كانت حائلاً .
وامّا إذا كانت حاملاً فالعدّة أبعد الأجلين بلا خلاف ولا إشكال ، وقد عرفت أنّ كلمة الأصحّ في عبارة المحقّق ترجع إلى الصورة الاُولى لا الثانية ، كما هو ظاهر العبارة .
1 ـ أمّا استحباب أن تكون مؤمنة فلرواية الحسن التفليسي قال : سألت الرضا (عليه السلام)أيتمتّع من اليهودية والنصرانية؟ فقال : يتمتّع من الحرّة المؤمنة أحبّ إلي وهي أعظم حرمة منهما(3) .
ورواية محمد بن العيص قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المتعة؟ فقال : نعم إذا كانت عارفة ، قلنا : فإن لم تكن عارفة؟ قال : فاعرض عليها وقل لها ، فإن قبلت فتزوّجها وإن أبت أن ترضى بقولك فدعها ، الحديث(4) .
(1) التهذيب : 8/158 ح547 ، الإستبصار : 3/351 ح1254 ، الوسائل : 22/276 ، أبواب العدد ب52 ح4 .
(2) التهذيب : 8/157 ح546 ، الإستبصار : 3/351 ح1253 ، الوسائل : 22/276 ، أبواب العدد ب52 ح3 .
(3) التهذيب : 7/256 ح1109 ، الإستبصار : 3/145 ح524 ، الوسائل : 21/38 ، أبواب المتعة ب13 ح6 .
(4) الكافي : 5/454 ح5 ، التهذيب : 7/252 ح 1088 ، الوسائل : 21/25 ، أبواب المتعة ب7 ح1 .
(الصفحة368)
هذا ، مضافاً إلى اعتقاد المؤمنة بالمتعة نوعاً ، ولا ينافيها مرفوعة بعض أصحابنا إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تمتّع (تتمتع خل) بالمؤمنة فتذلّها(1) . قال في الوسائل : ويحتمل أن يكون المراد به إذا كانت المرأة من أهل بيت الشرف يلحق أهلها العار ويلحقها الذلّ .
وأمّا استحباب أن تكون عفيفة فلرواية أبي سارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عنها يعني المتعة؟ فقال لي : حلال فلا تزوّج (تتزوّج خل) إلاّ عفيفة ، إنّ الله عزّوجل يقول : { وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}(2) فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على درهمك(3) .
وامّا استحباب السؤال عن حالها فلرواية أبي مريم ، عن الباقر (عليه السلام) أنّه سئل عن المتعة؟ فقال : إنّ المتعة اليوم ليست كما كانت قبل اليوم ، إنّهنّ كنّ يومئذ يؤمنّ واليوم لا يؤمنّ ، فاسألوا عنهنّ(4) . بعد عدم لزوم السؤال مع الجهل بالحال وحجية قولها في هذه الاُمور .
وأمّا كراهة السؤال بعد التزويج فلرواية فضل مولى محمد بن راشد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت : إنّي تزوّجت امرأة متعة فوقع في نفسي أنّ لها زوجاً ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجاً ، قال : ولِمَ فتّشت؟!(5) .
(1) التهذيب : 7/253 ح1089 ، الإستبصار : 3/143 ح515 ، الوسائل : 21/26 ، أبواب المتعة ب7 ح4 .
(2) سورة المؤمنون : 23/5 .
(3) الكافي : 5/453 ح2 ، التهذيب : 7/252 ح 1086 ، الإستبصار : 3/142 ح 512 ، الوسائل : 21/24 ، أبواب المتعة ب6 ح2 .
(4) الكافي : 5/453 ح1 ، التهذيب : 7/251 ح 1084 ، الفقيه : 3/292 ح 1386 ، الوسائل : 21/23 ، أبواب المتعة ب6 ح1 .
(5) التهذيب : 7/253 ح1092 ، الوسائل : 21/31 ، أبواب المتعة ب10 ح3 .
(الصفحة369)
مسألة 18 : يجوز التمتّع بالزانية على كراهية ، خصوصاً لو كانت من العواهر المشهورات بالزّنا ، وإن فعل فليمنعها من الفجور1.
ومرسلة مهران بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قيل له : إنّ فلاناً تزوّج امرأة متعة ، فقيل له : إنّ لها زوجاً فسألها ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : ولِمَ سألها؟!(1)
وأمّا عدم كون السؤال والفحص شرطاً للصحة فيدل عليه ـ مضافاً إلى أصالة الصحة وحمل فعل المسلم على الصحيح خصوصاً في أمثال المقام ـ رواية أبان بن تغلب ـ وفي السند الآخر للكليني عن ميسّر ـ قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد ، فأقول لها : لك زوج؟ فتقول : لا ، فأتزوّجها؟ قال : نعم هي المصدّقة على نفسها(2) .
وربّما يستدلّ له برواية محمد بن عبدالله الأشعري قال : قلت للرضا (عليه السلام) : الرجل يتزوّج بالمرأة فيقع في قلبه أنّ لها زوجاً ، فقال : وما عليه؟ أرأيت لو سألها البيّنة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج(3) .
وفيه : إنّ موردها صورة السؤال بعد التزويج ، والكلام إنّما هو في الفحص قبله ، مع أنّ الظاهر أنّه لا فرق من هذه الجهة بين قسمي النكاح الدائم والمؤجّل ، بل لعلّ الثاني يكون أولى ، خصوصاً بملاحظة حكمة تشريع النكاح المنقطع واستلزامه العار والذلّ ، خصوصاً لذوات الشرف والأنساب .
1 ـ ويدلّ على الكراهة رواية محمد بن الفيض قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن
(1) التهذيب : 7/253 ح1093 ، الوسائل : 21/31 ، أبواب المتعة ب10 ح4 .
(2) الكافي : 5/462 ح1 و 2 ، الوسائل : 21/30 ، أبواب المتعة ب10 ح1 .
(3) التهذيب : 7/253 ح1094 ، الوسائل : 21/32 ، أبواب المتعة ب10 ح5 .
(الصفحة370)
المتعة؟ قال : نعم إذا كانت عارفة ـ إلى أن قال : ـ وإيّاكم والكواشف والدواعي والبغايا وذوات الأزواج ، قلت : ما الكواشف؟ قال : اللواتي يكاشفن وبيوتهنّ معلومة ويؤتين ، قلت : فالدّواعي؟ قال : اللواتي يدعون إلى أنفسهنّ وقد عرفن بالفساد ، قلت : فالبغايا؟ قال : المعروفات بالزّنا ، قلت : فذوات الأزواج؟ قال : المطلّقات على غير السنّة(1) .
ورواية محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة الحسناء الفاجرة هل تحبّ للرجل أن يتمتّع منها يوماً أو أكثر؟ فقال : إذا كانت مشهورة بالزنا فلا يتمتّع منها ولا ينكحها(2) بعد حمل النهي على الكراهة ، لما عرفت من استحباب كونها عفيفة ، وفي بعض الروايات التعبير بـ«لا ينبغي»(3) مع عدم كونها مأمونة ، كما أنّه يستحبّ منعها من الفجور لدلالة روايات كثيرة عليه ، التي منها رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :
سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا النثاء عليها في شيء من الفجور؟ فقال : لا بأس بأن يتزوّجها ويحصنها(4) . لكنّ المستفاد منها أنّ المنع عن الفجور لا يكون أمراً زائداً على التزوّج بها ، بل الاحصان يحصل بنفسه ، فالدليل حينئذ على المنع الزائد شيء آخر ، مثل أدلّة النهي عن المنكر الدالّة على وجوبه ، فتدبّر جيّداً .
(1) الكافي : 5/454 ح5 ، التهذيب : 7/252 ح1088 ، الإستبصار : 3/143 ح514 ، الفقيه : 3/292 ح 1387 ، معاني الأخبار : 225 ح 1 ، الوسائل : 21/28 ، أبواب المتعة ب8 ح3 .
(2) الكافي : 5/454 ح6 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 131 ح337 ، التهذيب : 7/252 ح 1087 ، الإستبصار : 3/142 ح 516 ، الوسائل : 21/28 ، أبواب المتعة ب8 ح4 .
(3) الوسائل : 21/27 ، أبواب المتعة ب 8 ح1 .
(4) التهذيب : 7/331 ح1363 ، الإستبصار : 3/168 ح616 ، الوسائل : 20/436 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب12 ح2 .
(الصفحة371)
القول في العيوب الموجبة لخيار الفسخ ، والتدليس
وهي قسمان : مشترك ومختص ، أمّا المشترك فهو الجنون ، وهو اختلال العقل ، وليس منه الاغماء ، ومرض الصّدع الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات ، ولكل من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه في الرجل مطلقاً ، سواء كان جنونه قبل العقد مع جهل المرأة به أو حدث بعده قبل الوطء أو بعده . نعم في الحادث بعد العقد إذا لم يبلغ حدّاً لا يعرف أوقات الصلاة تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط ، وأمّا في المرأة ففيما إذا كان قبل العقد ولم يعلم الرجل دون ما إذا طرأ بعده . ولا فرق في الجنون الموجب للخيار بين المطبق والأدوار وإن وقع العقد حال إفاقته ، كما أنّ الظاهر عدم الفرق في الحكم بين النكاح الدائم والمنقطع .
وأمّا المختصّ ، فالمختصّ بالرجل ثلاثة :
الخصاء ، وهو سلّ الخصيتين أو رضّهما ، وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد وعدم علمها به .
(الصفحة372)
والجبّ ، وهو قطع الذكر بشرط أن لا يبقى منه ما يمكن معه الوطء ولو قدر الحشفة ، وتفسخ المرأة فيما إذا كان ذلك سابقاً على العقد ، وأمّا اللاحق به ففيه تأمّل ، بل لا يبعد عدم الخيار في اللاحق مطلقاً سواء كان قبل الوطء أو بعده .
والعنن ، وهو مرض تضعف معه الآلة عن الانتشار بحيث يعجز عن الإيلاج ، فتفسخ المرأة بشرط عجزه عن الوطء مطلقاً ، فلو لم يقدر على وطئها وقدر على وطء غيرها لا خيار لها ، ويثبت به الخيار سواء سبق العقد أو تجدّد بعده ، لكن بشرط أن لم يقع منه وطؤها ولو مرّة حتّى دبراً ، فلو وطأها ثمّ حدثت به العنّة بحيث لم يقدر على الوطء بالمرّة فلا خيار لها .
والمختصّ بالمرأة ستّة : البرص ، والجذام ، والافضاء ، وقد مرّ تفسيره فيما سبق(1) .
والقرن ، ويقال له : العفل ، وهو لحم أو غدّة أو عظم ينبت في فم الرحم يمنع عن الوطء ، بل ولو لم يمنع إذا كان موجباً للتنفّر والانقباض على الأظهر .
والعرج البيّن ، وإن لم يبلغ حدّ الاقعاد .
والزمانة على الأظهر .
والعمى ، وهو ذهاب البصر عن العينين وإن كانتا مفتوحتين ، ولا اعتبار بالعور ولا بالعشا ، وهي علّة في العين لا يبصر في الليل ويبصر بالنهار ، ولا بالعمش ، وهو ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات1.
1 ـ يقع الكلام في الشروع بهذا الفصل في مقامات ثلاثة :
(1) تحرير الوسيلة : 2 «أول كتاب النكاح» مسألة 12 .
(الصفحة373)
المقام الأوّل : في العيب المشترك بين الرجل والمرأة ، وهو الجنون ، وقد وقع الاتّفاق على الفسخ به ، وهو مرض في العقل يوجب اختلاله وفساده وتعطيله عن أحكامه وأفعاله ولو في بعض الأوقات ، فالمجنون من اُصيب جنانه ـ أي قلبه ـ أو أصابته الجنّ أو حيل بينه وبين عقله فستر عقله ، وليس منه عرفاً الاغماء ومرض الصدع الموجب لعروض الحالة المعهودة في بعض الأوقات .
وكيف كان فهو يوجب تسلّط الزوجة إذا كانت جاهلة على فسخ العقد إذا كان سابقاً على العقد أو مقارناً له; لقاعدة الغرور والتدليس والأولوية ، بالإضافة إلى رواية علي بن أبي حمزة الواردة في المتجدّد بعد التزويج الآتية إن شاء الله تعالى .
وربما يستدلّ لذلك بصحيحة الحلبي ، وهي ما رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في الرجل يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له ، قال : لا تردّ ، وقال : إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل . قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال : المهر لها بما استحلّ من فرجها ، ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها(1) . وقد رواها المشايخ الثلاثة إلاّ أنّه في الوسائل : أسقط الكليني(2) لفظ «انّما» وفي أحد طريقي الصدوق الرواية عن محمد بن مسلم ، أنّه سأل أبا جعفر (عليه السلام)وذكر نحوه ، إلاّ انّه ترك ذكر العفل(3) .
وأورد على الاستدلال بها صاحب الجواهر(قدس سره) بما يرجع إلى أنّه مبنيّ على استقلال قوله (عليه السلام) : «إنّما يردّ النكاح» في الجواب . مع أنّ الظاهر العدم ، وأنّ كلمة
(1) الفقيه : 3/273 ح1299 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 78 ح171 ، التهذيب : 7/426 ح 1701 ، الإستبصار : 3/247 ح 886 ، الوسائل : 21/209 و213 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح6 ب2 ح5 .
(2) الكافي : 5/406 ح 6.
(3) الفقيه : 3/273 ح 1297 .
(الصفحة374)
«يردّ» مبنيّة للفاعل ، والضمير يردّ إلى الرجل ، ولأجله لم يحكم الأكثر(1) بالخيار لها في البرص والجذام . نعم رواه الشيخ في موضع من التهذيب(2) بصورة القاعدة الكليّة ، ولكنّ الظاهر أنّها من تقطيع الشيخ(3) كتقطيع صاحب الوسائل في كثير من الموارد على ما نبّهنا عليه مراراً ، ومنها هذه الرواية بصورة اُخرى .
وكيف كان فلا يتمّ الاستدلال بهذه الرواية ، كما أنّه لا يصحّ الاستدلال عليه بأولويّة ثبوته للمرأة في الرجل من العكس الثابت نصّاً(4) وفتوى(5) كما ستعرف لكون الرجل له طريق تخلّص بالطلاق دونها ، فانّه يمكن منع القطع بها .
ولأجل ذلك توقّف في الحكم بعض متأخّري المتأخّرين(6) وخصّه بالمتجدّد دون السابق ، لكن قد عرفت أولويته من الجنون بعده في الحكم المزبور ، كما أنّ الظاهر أنّه لا فرق بعد صدق اسم الجنون بين عقله أوقات الصلاة وعدمه ، خلافاً لظاهر المحكي عن ابن حمزة(7) والمبسوط (8) والمهذّب(9) من تقييد الخيار بذلك مطلقاً ، ولعلّه لدعوى توقّف صدق الجنون عليه وهو ممنوع جدّاً ، هذا بالإضافة
(1) شرائع الإسلام : 2/318 ـ 319 ، جامع المقاصد : 13/234 ، الروضة البهية : 5/380 ، الحدائق الناضرة : 24/351 .
(2) التهذيب : 7/424 ح1693 .
(3) جواهر الكلام : 30/319 .
(4) الوسائل : 21/207 ـ 214 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 و 2 .
(5) شرائع الإسلام : 2/319 ، جامع المقاصد : 13/218 ـ 220 ، الروضة البهية : 5/390 ، مسالك الأفهام : 8/112 ، جواهر الكلام : 30/331 .
(6) الحدائق الناضرة : 24/338 .
(7) الوسيلة : 311 .
(8) المبسوط : 4/250 .
(9) المهذّب : 2/233 .
(الصفحة375)
إلى السابق أو المقارن .
وأمّا بالنسبة إلى المتجدّد بعد العقد سواء كان قبل الوطء أو بعده أيضاً ، فقد ادّعي نفي وجدان الخلاف بل الاجماع(1) .
ويدلّ عليه رواية علي بن أبي حمزة قال : سئل أبو إبراهيم (عليه السلام) عن امرأة يكون لها زوج قد اُصيب في عقله بعدما تزوّجها أو عرض له جنون؟ قال : لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت(2) .
لكن المحكي عن ابن بابويه(3) والمفيد(4) والشيخ(5) وبني زهرة(6) والبراج(7)وإدريس(8) أنّهم قيّدوه بما إذا كان لا يعقل معه أوقات الصلاة وإلاّ فلا خيار ، وقال المحقّق في الشرائع : وقد يشترط في المتجدّد أن لا يعقِلَ أوقات الصلاة ، وهو في موضع التردّد(9) . وفي المتن التأمّل والإشكال فيما إذا لم يبلغ حدّاً لم يعرف أوقات الصلاة والنهي عن ترك الاحتياط فيه .
ومنشأ الإشكال مثل مرسلة الصدوق قال : روي أنّه إن بلغ به الجنون مبلغاً لا
(1) جواهر الكلام : 30/321 .
(2) التهذيب : 7/428 ح1708 ، الكافي : 6/151 ح 1 ، الفقيه : 3/338 ح 1628 ، الوسائل : 21/225 ، أبواب العيوب والتدليس ب12 ح1 .
(3) أي عليّ بن بابويه ، قد حكى عنه في كشف الرموز : 2/177 والمختلف : 7/201 مسألة 128 .
(4) المقنعة : 520 .
(5) المبسوط : 4/252 ، الخلاف : 4/349 ، النهاية : 486 .
(6) غنية النزوع : 354 ـ 355 .
(7) المهذّب: 2 / 235.
(8) السرائر : 2/611 .
(9) شرائع الإسلام : 2/318 .
(الصفحة376)
يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما ، فإن عرف أوقات الصلاة فلتبصر المرأة معه فقد بليت(1) .
وكذا مثل رواية الحلبي المتقدّمة المتضمّنة لقول أبي عبدالله (عليه السلام) : «إنّما يردّ النكاح من البرص ، والجذام ، والجنون ، والعفل» بناء على كون صيغة يردّ مبنية للمفعول .
هذا ، ولكنّ التحقيق أنّ معرفة أوقات الصلاة حدّ للجنون وتعريف له ، لا أنّ الجنون على قسمين فيرتفع الاختلاف .
هذا كلّه بالإضافة إلى الرجل ، وأمّا بالنسبة إلى المرأة فيدلّ على أصل جواز الفسخ بجنون المرأة صحيحة الحلبي المتقدّمة ، سواء كان الفعل فيها بصورة المبني للفاعل أو المبني للمفعول ، غاية الأمر أنّه في الصورة الاُولى ظاهر في خصوص المورد ، وفي الصورة الثانية مقتضى اطلاقها ذلك . نعم هذا كلّه بالنسبة إلى ما كان قبل العقد ، وأمّا ما يتجدّد بعد العقد ففي الشرائع لا يفسخ به(2) .
وقال في الجواهر : لا أجد فيه خلافاً بين العامّة والخاصّة إلاّ من ظاهر موضع من المبسوط وصريح آخره(3) فخيّره مطلقاً ، وعن أبي علي(4) في خصوص المجنون ، ثم قال : ولا ريب في ضعفهما(5) . بل قال المحقّق : وفي المتجدّد بعد العقد وقبل الدخول تردّد ، أظهره أنّه لا يبيح الفسخ تمسكاً بمقتضى العقد السليم
(1) الفقيه : 3/338 ح1629 ، الوسائل : 21/226 ، أبواب العيوب والتدليس ب12 ح3 .
(2) شرائع الإسلام : 2/320 .
(3) المبسوط : 4/252 ـ 253 .
(4) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/201 مسألة 128 .
(5) جواهر الكلام : 30/341 .
(الصفحة377)
عن معارض(1) .
أقول : في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : المرأة تردّ من أربعة أشياء : من البرص ، والجذام ، والجنون ، والقرن وهو العفل ما لم يقع عليها ، فإذا وقع عليها فلا(2) .
والظاهر أنّ المراد هو الوقوع عليها عالماً بعيبها ، ومقتضى اطلاقها جواز ردّها قبل الوقوع عليها ولو كان شيء من الأربعة متجدّداً بعد العقد ، إلاّأن يقال : إنّها بصدد نفي الخيار بعد الوقوع لا إثباته قبله مطلقاً ، فلا يجوز التمسك بإطلاقها ، وتصل النوبة إلى استصحاب بقاء العقد وعدم انفساخه بفسخه ، خصوصاً مع أنّه له طريق آخر للتخلّص وهو الطلاق ، فالأولى ما استظهره المحقّق سيّما بعد كونه موافقاً للشهرة الفتوائية ، ولعلّه يأتي البحث في هذه الجهة في عيوب المرأة .
ثمّ إنّه لا فرق في الجنون الموجب للخيار في الرجل أو في المرأة بين ما إذا كان اطباقيّاً أو ادواريّاً لإطلاق أدلّته ، وعليه فلو كان العقد واقعاً حال إفاقته ثمّ بلغ دور الجنون يكون ذلك موجباً لجواز الفسخ ، كما أنّه لا فرق بين النكاح الدائم والنكاح المؤجّل بعد كونهما قسمين من النكاح في الشريعة ، لإطلاق الأدلّة أيضاً .
المقام الثاني : في العيوب المختصّة بالرجال ، وهي اُمور :
أحدها: الخصاء ، ومعناها سلّ الخصيتين، أي إخراجهما أو رضّهما، والمشهور(3)أنّها من العيوب الموجبة لتسلّط المرأة على الفسخ في الجملة ، ويدلّ عليه مثل :
(1) شرائع الإسلام : 2/320 .
(2) الكافي : 5/409 ح16 ، الفقيه : 3/273 ح1296 ، التهذيب : 7/427 ح1703 ، الإستبصار : 3/248 ح889 ، الوسائل : 21/207 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح1 .
(3) شرائع الإسلام : 2/318، جامع المقاصد : 13/227 ، مسالك الافهام : 8/103 ، الروضة البهية : 5/380.
(الصفحة378)
صحيحة ابن مسكان قال : بعثت بمسألة مع ابن أعين قلت : سله عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة ودخل بها فوجدته خصيّاً؟ قال : يفرّق بينهما ويوجع ظهره ، ويكون لها المهر لدخوله عليها(1) .
وفي رواية الكشي : إنّ ابن مسكان كتب إلى أبي عبدالله (عليه السلام) مع إبراهيم بن ميمون والسؤال والجواب ما ذكر غير الجملة الأخيرة في الجواب(2) .
وفي رواية بكير ـ وفي نسخة ابن بكير ـ عن أبيه ، عن أحدهما (عليهما السلام) في خصيّ دلّس نفسه لامرأة مسلمة فتزوّجها ، فقال : يفرّق بينهما إن شاءت المرأة ويوجع رأسه ، وإن رضيت به وأقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به أن تأباه(3) .
ورواية سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ خصيّاً دلّس نفسه لامرأة قال : يفرّق بينهما وتأخذ منه صداقها ويوجع ظهره كما دلّس نفسه(4) .
ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة ما عليه؟ فقال : يوجع ظهره ويفرّق بينهما وعليه المهر كاملاً إن دخل بها ، وإن لم يدخل بها فعليه نصف المهر(5) .
لكن مع ذلك كلّه فعن المبسوط والخلاف أنّه ليس بعيب مطلقاً ، محتجّاً بأنّ
(1) التهذيب : 7/432 ح1722 ، الوسائل : 21/227 ، أبواب العيوب والتدليس ب13 ح3 .
(2) إختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشّي» 383 ذ ح 716 ، الوسائل : 21/229 ، أبواب العيوب والتدليس ب13 ح7 .
(3) الكافي : 5/410 ح3 ، التهذيب : 7/432 ح1720 ، الفقيه : 3/268 ح 1274 ، الوسائل : 21/226 ، أبواب العيوب والتدليس ب13 ح1 .
(4) الكافي : 5/411 ح6 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 76 ح164 ، التهذيب : 7/432 ح 1721 ، الوسائل : 21/227 ، أبواب العيوب والتدليس ب13 ح2 .
(5) قرب الإسناد : 248 ح 982 ، الوسائل : 21/228 ، أبواب العيوب والتدليس ب13 ح5 .
(الصفحة379)
الخصيّ يولج ويبالغ أكثر من الفحل حالته ، وإنّما لا ينزل ، وعدم الإنزال ليس بعيب(1) إنّما العيب عدم الوطء ، هذا ولكنّ الروايات في مقابله واشتمال جميعها على عنوان التدليس لا تقدح في ثبوت خيار العيب; لأنه ـ مضافاً إلى أنّ الخصاء لو لم يكن عيباً لا يكون عدم اظهارها تدليساً ـ يكون البحث في أصل ثبوت الخيار معها ، ودعوى قادحيّتها في الدخول ممنوعة بفرض كلتا الصورتين : الدخول وعدمه في بعض الروايات .
نعم ، الظاهر اعتبار أمرين في ثبوت الخيار :
أحدهما : السبق على العقد ، كما يدلّ عليه التعبير بالتدليس ، ومع ذلك فقد حكى المحقّق في الشرائع القول بثبوت خيار الفسخ وإن تجدّد بعد العقد ، ولكنّه قال في جوابه : وليس بمعتمد(2) .
ثانيهما : عدم رضا المرأة ببقاء الزوجيّة مع ذلك ، كما قد صرّح به في بعض الروايات المتقدّمة .
وثانيها : الجبّ ، وهو قطع الذكر ، وقد تردّد المحقّق أوّلاً في الجبّ السابق على العقد ، وإن جعل الأشبه تسلّطها به; لتحقّق العجز عن الوطء بشرط أن لا يبقى له ما يمكن معه الوطء ولوقدرالحشفة(3). ويدلّ عليه الأولويّة بالإضافة إلى الخصيّ والعنن; لقدرة الأوّل على الإيلاج واحتمال الثاني البرأ; ورواية أبي بصير يعني المرادي قال :
سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على جماع أتفارقه؟ قال :
(1) الحاكي عن الشيخ هو الشهيد (رحمه الله) في المسالك : 8/104 ، ولكن لم نجده فيهما ، راجع المبسوط : 4/250 ، ففيه ذكر القولين فقط ، وفي ص 266 والخلاف : 4/357 إختيار الخيار .
(2) شرائع الإسلام : 2/318 .
(3) شرائع الإسلام : 2/319 .
(الصفحة380)
نعم إن شاءت . قال ابن مسكان ـ الراوي عن أبي بصير ـ وفي رواية اُخرى : ينتظر سنة ، فإن أتاها وإلاّ فارقته ، فإن أحبّت أن تقيم معه فلتقم(1) .
وصحيحة أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على الجماع أبداً أتفارقه؟ قال : نعم إن شاءت(2) .
وفي مضمرته الاُخرى قال : إذا تزوّج الرجل المرأة وهو لا يقدر على النساء أجّل سنة حتى يعالج نفسه(3) .
والحكم بالانتظار والتأجيل سنة حتّى يعالج نفسه قرينة على عدم كون المراد هو المجبوب ، لأنّ احتمال البرء إنّما يجري في غيره ، إلاّ أنّ قوله في سؤال أبي الصباح في روايته الاُولى تفريعاً على الابتلاء : «فلا يقدر على الجماع أبداً» يوجب الظهور في الإطلاق أو في خصوص المقام ، كما لايخفى .
لكن هذا كلّه لو كان الجبّ بمقدار لا يتمكّن معه من الجماع ، كما يدلّ عليه التعبير عنه بهذا العنوان في الروايات المتقدّمة ، وفيما إذا كان سابقاً على العقد ، وأمّا إذا كان لاحقاً عليه وحادثاً بعده قبل الوطء أو بعده فعن جماعة منهم: ابن إدريس(4) والفاضلان(5) والشيخ في الخلاف(6) وموضع من المبسوط(7) أنّه لا يفسخ به ،
(1) الكافي : 5/411 ح5 ، الوسائل : 21/229 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح1 .
(2) التهذيب : 7/431 ح1717 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 81 ح181 ، الوسائل : 21/231 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح6 .
(3) التهذيب : 7/431 ح1718 ، الإستبصار : 3/249 ح893 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 81 ح180 ، الوسائل : 21/231 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح7 .
(4) السرائر: 2 / 612.
(5) شرائع الإسلام : 2/319 ، إرشاد الأذهان : 2/28 .
(6) الخلاف : 4/349 .
(7) المبسوط : 4/252 .
|