(الصفحة381)
والمحكي عن القاضي(1) والعلاّمة في بعض كتبه(2) أنّها تتسلّط به ، بل في محكيّ المبسوط(3) نفي الخلاف فيه بيننا وبين غيرنا ، وربّما قيل بالتفصيل بين ما قبل الوطء وبعده ، ودليل الأوّل إطلاق ما تقدّم من الروايات ، وعدم الدليل على الملازمة بين الجبّ وبين الاخصاء والعنن ، وإن كان التعبير بعدم القدرة على الجماع أبداً ربّما يؤيّدها ، كما لايخفى .
وأمّا دليل التفصيل فهو اقتضاء تقييد المطلقات بدليل التقييد ذلك ، أمّا المطلقات ، فمنها :
رواية أبي بصير المتقدّمة . ومنها رواية أبي الصباح الكناني المتقدّمة أيضاً ، ومنها غير ذلك(4) . وامّا المقيّد ، فمثل :
رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من أتى امرأة (امرأته خل) مرّة واحدة ثم أخذ عنها فلا خيار لها(5) .
ورواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) ، أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : إذا زوّج الرجل امرأة فوقع عليها (وقعة واحدة خل) ثم أعرض عنها فليس لها الخيار ، لتصبر فقد ابتليت ، وليس لاُمّهات الأولاد ولا الإماء ما لم يمسّها من الدهر
(1) المهذّب : 2/235 .
(2) مختلف الشيعة : 7/204 مسألة 130 .
(3) المبسوط : 4/264 .
(4) الوسائل : 21/229 ـ 232 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 .
(5) الكافي : 5/412 ح10 ، الفقيه : 3/358 ح 1709 ، الإستبصار : 3/250 ح 895 ، التهذيب : 7/430 ح 1712 ، الوسائل : 21/230 ، أبواب العيوب والتدليس ب13 ح4 .
(الصفحة382)
إلاّ مرّة واحدة خيار(1) .
هذا ، وقد نفى البعد عن عدم الخيار في اللاحق مطلقاً ولو كان قبل الوطءوالوجه فيه اقتضاء الاستصحاب ذلك بعد عدم وضوح الإطلاق لدليل الخيار ، واستبعاد الفرق بينه وبين الخصاء والعنن .
وثالثها : العنن ، وهو مرض تضعف معه القوّة عن نشر العضو بحيث يعجز عن الإيلاج ، وفي الجواهر : بل لا يبعد اندراج ما كان عن سحر موضوعاً أو حكماً كما في كشف اللثام(2) وغيره(3) . ولعلّه المراد من بعض النصوص الآتية المشتملة على أُخذة الزوج بالضمّ التي هي على ما قيل : رقية كالسّحر(4) .
وكيف كان لا إشكال في أنّه تسلّط المرأة على الفسخ بسببه ، ويدلّ عليه نصوص كثيرة :
منها : رواية عباد (غياث يب صا يه) الضبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في العنّين إذا علم أنّه عنّين لا يأتي النساء : فرّق بينهما ، وإذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرّق بينهما ، والرجل لا يردّ من عيب(5) .
قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية عن المشايخ الثلاثة قوله : «لا يردّ من عيب» إمّا أن يقرأ بالبناء للمجهول ، ويكون مخصوصاً بما عدا العيب المنصوص ، أو
(1) التهذيب : 7/430 ح1715 ، الإستبصار : 3/250 ح897 ، الوسائل : 21/231 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح8 .
(2) كشف اللثام : 7/363 .
(3) جامع المقاصد : 13/229 .
(4) جواهر الكلام : 30/324 .
(5) الكافي : 5/410 ح4 ، التهذيب : 7/430 ح 1714 ، الإستبصار : 3/250 ح 896 ، الفقيه : 3/357 ح 1707 ، الوسائل : 21/229 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح2 .
(الصفحة383)
بالمتجدّد بعد العقد ، أو يقرأ بالبناء للمعلوم ، ويحمل على استحباب الطلاق ستراً لعيب المرأة .
أقول : الاحتمال الثاني هو الظاهر بعد كون هذه الكلام مسبوقاً بجواز الافتراق في العنن الذي هو عيب الرجل المخصوص به .
ومنها : الروايات المتعدّدة المتقدّمة الواردة فيمن لا يقدر على الجماع مطلقاً أو مقيّداً بقيد الأبد ، وإن كان هذا التقييد ربّما يومىء بكون المراد منها غير العنن; لاحتمال حصول البرء معه بخلاف المجبوب على ما عرفت .
ومنها : الروايات المتعدّدة الدالّة على أنّ العنّين يؤجّل سنة ، مثل :
رواية أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) : إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : يؤخّر العنّين سنة من يوم ترافعه امرأته ، فإن خلص إليها وإلاّ فرّق بينهما ، فإن رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار ولا خيار لها(1) .
ومثلها ما رواه في قرب الاسناد ، عن الحسين بن علوان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي (عليهم السلام)(2) .
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة خصوصاً الروايات أنّه لا فرق في هذا العيب بين السابق على العقد واللاحق به . وفي الجواهر : أنّه المعروف بين الأصحاب ، بل نفى وجدان الخلاف فيه بين الإمامية بل ثبوت الإجماع(3) عليه(4) . لكن يشترط في
(1) التهذيب : 7/431 ح1719 ، الإستبصار : 3/249 ح894 ، الوسائل : 21/232 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح9 .
(2) قرب الإسناد : 105 ح 357 ، الوسائل : 21/232 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح12 .
(3) جامع المقاصد : 13/230 ، مسالك الأفهام : 8/104 ، الحدائق الناضرة : 24/384 .
(4) جواهر الكلام : 30/326 .
(الصفحة384)
ثبوت الخيار معه أن لا يطأ زوجته ولا غيرها ، فلو وطأها ولو مرّة ثمّ عنّ أو أمكنه وطء غيرها مع عننه عنها لم يثبت لها الخيار على الأظهر ، كما في الشرائع(1) خلافاً للمحكي عن ابن زهرة(2) وظاهر المفيد(3) من التخيير مطلقاً ، وللمختلف من التوقّف(4) .
أمّا إذا وطء زوجته ولو مرّة واحدة ثمّ عرض له العنن ، فيدلّ على عدم ثبوت الخيار لها حينئذ الروايات المتقدّمة ، الدالّة على أنّه إذا واقعها ولو دفعة واحدة لا يكون لها الخيار .
وأمّا إذا أمكنه وطء غيرها مع عننه عنها ، فالدليل على عدم ثبوت الخيار معه التعبير في بعض روايات العنن بأنّه إذا علم أنّه لا يأتي النساء ، وفي بعضها بأنّه لا يقدر على الجماع ، ومثل ذلك من التعبيرات(5) .
وفي الشرائع : وكذا ـ أي يسقط خيارها ـ لو وطأها دبراً وعنّ قبلاً(6) معلّلاً له في الجواهر لارتفاع العنن حينئذ ولاندراجه في النصوص السابقة حينئذ ، بناء على ما سمعته من جواز الوطء في الدبر فانّه أحد المأتيين ، وأضاف قوله(قدس سره) : أمّا بناء على عدم جوازه فيشكل اندراجه فيها ، فتبقى الإطلاقات المقتضية للخيار حينئذ سالمة عن المعارض(7) .
(1) شرائع الإسلام : 2/319 .
(2) غنية النزوع : 354 .
(3) المقنعة : 520 .
(4) مختلف الشيعة : 7/204 ـ 206 مسألة 131 .
(5) الوسائل : 21/229 ـ 233 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح1 ـ 3 و6 و13 .
(6) شرائع الإسلام : 2/319 .
(7) جواهر الكلام : 30/327 .
(الصفحة385)
أقول : جواز الوطء في الدبر وعدم جوازه أمر والعنن أمر آخر ، فإذا علم أنّ الرجل زنى بامرأة أجنبية مثلاً يكون ذلك كاشفاً عن عدم العنن وإن كان الزنا محرّماً ، فتدبّر .
المقام الثالث : في العيوب المختصّة بالنساء ، وهي ستّة :
فالأوّل : البرص ، وهو البياض الذي يظهر على صفحة البدن لغلبة البلغم وعند الاطباء ، أو السواد كذلك لغلبة السوداء ، ويعبّر عنه في الفارسية بالتعبير المشهور وهو «پيسي» وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله البصري (عن أبي عبدالله (عليه السلام) ظ) قال : في الرجل إذا تزوّج المرأة فوجد بها قرناً ـ وهو العفل ـ أو بياضاً أو جذاماً أنه يردّها ما لم يدخل بها(1) .
وقد مرّت(2) الروايات الدالّة على أنّه «انّما يردّ النكاح من البرص . . .» أو أنّ «المرأة تردّ من أربعة أشياء : البرص . . .» فلا إشكال حينئذ في أصل الحكم ، كما أنّه لا إشكال في عدم الاعتبار بالبهش الذي فرّق بينه وبين البرص مع كونهما أبيضين ، بأنّ البرص غائر في اللحم إلى العظم دونه ، ومن علاماته أنّه إذا غُرز في الموضع ابرة لم يخرج دم بل ماء أبيض ، وأنّ ذلك لم يحمر إذاً ، ويكون جلده أنزل وشعره أبيض ، وإذا كانا أسودين بانّ البرص يوجب تفليس الجلد كما يكون للسّمك .
الثاني : الجذام ، وهو المرض السّوداوي الذي يظهر معه يبس الأعضاء وتناثر اللحم ، ويعبّر عنه في الفارسية بـ «خوره» ويدلّ على ثبوت الخيار معه كثير من الروايات الواردة في البرص ، سيّما مثل صحيحة البصري المتقدّمة الدالّة على أنّ
(1) الكافي : 5/407 ح12 ، التهذيب : 7/427 ح 1702 ، الإستبصار : 3/248 ح 888 ، الوسائل : 21/215 ، أبواب العيوب والتدليس ب3 ح2 .
(2) في ص373 ـ 377 .
(الصفحة386)
المرأة تردّ من أربعة أشياء : من البرص ، والجذام إلخ .
ورواية رفاعة بن موسى ـ التي في سندها سهل بن زياد ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : تردّ المرأة من العفل ، والبرص ، والجذام ، والجنون ، وأمّا ما سوى ذلك فلا(1) .
ورواية زيد الشحّام ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : تردّ البرصاء ، والمجنونة ، والمجذومة ، قلت : العوراء؟ قال : لا(2) .
وصحيحة الحلبي المتقدّمة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّما يردّ النكاح من البرص ، والجذام ، والجنون ، والعفل(3) فإنّ ذكر العفل في عداد العيوب مع اختصاصه بالمرأة قرينة إمّا على كون «يردّ» بصيغة المبني للفاعل ، والضمير فيه يرجع إلى الرجل والعيوب راجعة إلى النساء ، وإمّا على شمول الإطلاق لمثل المقام على تقدير كونه مبنيّاً للمفعول كما لايخفى ، وغير ذلك من الروايات التي لا يبقى بعد ملاحظة مجموعها إشكال في أصل الحكم .
نعم ، ذكروا أنّه لابدّ أن يكون بيّناً ، فلا يجزي قوّة الاحتراق ولا صيرورة الوجه ذا غلظ وضخم ، ولا استدارة العين إذا لم يعلم كونه منه; لأنّ الحكم مترتّب على عنوانه ولابدّ من إحرازه والعلم به ، وعلى تقدير الاختلاف لابدّ من الرجوع إلى عدلين خبيرين ، كما لايخفى .
(1) الإستبصار : 3/246 ح882 ، وبسند آخر في التهذيب : 7/425 ح1698 ، الوسائل : 21/207 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح2 .
(2) الكافي : 5/406 ح 8 ، التهذيب : 7/424 ح1695 ، الإستبصار : 3/246 ح881 ، الوسائل : 21/210 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح11 .
(3) تقدمّت في ص373 .
(الصفحة387)
الثالث : الافضاء ، وقد مرّ تفسيره وتعريفه والحكم المترتّب عليه فيما سبق(1) .
ويزاد هنا رواية أبي عبيدة الآتية ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث ، قال : إذا دلّست العفلاء ، والبرصاء ، والمجنونة ، والمفضاة ، ومن كان بها زمانة ظاهرة فانّها تردّ على أهلها من غير طلاق(2) .
الرابع : القرن ، بالسكون أو بالفتح وهو العفل ، والظاهر أنّ المراد به كلّ شيء زائد في فم الرحم يمنع عن الوطء وسلوك الذكر فيه ، سواء كان لحماً أو غدّة أو عظماً كما فسّره في المتن بذلك ، ويظهر عن جملة من الكتب اللغوية الأساسية ، مثل ما عن المغرب : من أنّ القرن في الفرج مانع يمنع من سلوك الذكر فيه ، أمّا غدّة غليظة أو لحمة مرتفعة أو عظم(3) .
وكيف كان فإذا كان هناك مانع عن الوطء فهو موجب للخيار ، سواء كان معنوناً بعنوان القرن أو العفل ، وسواء اتّحد العنوانان أو تفاوتا; لدلالة الروايات(4)على كلا العنوانين ، ومن الروايات الدالّة على عنوان القرن واتّحاده مع عنوان العفل صحيحة البصري المتقدّمة(5) الدالّة على أنّ «المرأة تردّ من أربعة أشياء : من البرص ، والجذام ، والجنون ، والقرن وهو العفل» وأمّا الروايات الدالّة على عنوان العفل أو العفلاء فكثيرة جدّاً .
(1) في ص25 ـ 26.
(2) الكافي : 5/408 ح14 ، التهذيب : 7/425 ح 1699 ، الإستبصار : 3/247 ح 885 ، الوسائل : 21/208 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح5 .
(3) المغرب : 380 .
(4) الوسائل: 21 / 207 ـ 215، أبواب العيوب والتدليس ب1 ـ 3.
(5) في ص377 .
(الصفحة388)
نعم ، هذا كلّه فيما إذا كان مانعاً عن الوطء ، وأمّا إذا لم يكن مانعاً عن الوطء بل كان موجباً للتنفّر والانقباض ، فقد ذكر في المتن أنّ الأظهر كونه موجباً للخيار ، ولكنّ المحكيّ عن الشيخ(1) والقاضي(2) . بل عن المسالك النسبة إلى الأكثر(3) عدم الفسخ به; لإمكان أصل الاستمتاع وصحيحة البصري المتقدّمة ، المفصّلة بين صورة الدخول وعدمه ، بناء على ما استظهره منها صاحب الجواهر(قدس سره) من أنّ المراد أنّه إذا وقع عليها أمكنه الوطء ولا خيار(4) . وإن كان هذا خلاف الظاهر على ما سيصرّح به بعد ذلك .
وفي صحيح أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في رجل تزوّج امرأة من وليّها فوجد بها عيباً بعدما دخل بها ، قال : فقال : إذا دلّست العفلاء ، والبرصاء ، والمجنونة ، والمفضاة ، ومن كان بها زمانة ظاهرة ، فانّها تردّ على أهلها من غير طلاق ، الحديث(5) . فانّ الجمع بين فرض الدخول وتدليس الولي العفلاء لا يكاد يتحقّق إلاّ بكونها كذلك مع فرض إمكان الدخول إلاّ أن يحمل الدخول فيها على إرادته لا على واقعيّته; لأنّ استكشاف كونها كذلك لا يمكن بدون إرادة الدخول ، فتدبّر .
وفي رواية الحسن بن صالح قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة
(1) المبسوط : 4/250 .
(2) المهذّب : 234 .
(3) مسالك الأفهام : 8/115 .
(4) جواهر الكلام : 30/333 ـ 334 .
(5) الكافي : 5/408 ح14 ، التهذيب : 7/425 ح1699 ، الإستبصار : 3/247 ح885 ، الوسائل : 21/211 ، أبواب العيوب والتدليس ب2 ح1 .
(الصفحة389)
فوجد بها قرناً؟ قال : هذه لا تحبل وينقبض زوجها من مجامعتها تردّ على أهلها ، قلت : فإن كان قد دخل بها؟ قال : إن كان علم قبل أن يجامعها ثمّ جامعها فقد رضى بها ، وإن لم يعلم إلاّ بعدما جامعها ، فان شاء بعد أمسكها ، وإن شاء سرّحها إلى أهلها ولها ما أخذت منه بما استحلّ من فرجها(1) .
ومن جميع ما ذكر ظهر أنّ الأظهر ما أفاد في المتن .
الخامس : العرج البيّن ، وإن لم يبلغ حدّ الاقعاد . قال المحقّق في الشرائع : وأمّا العرج ففيه تردّد ، أظهره دخوله في اسباب الفسخ إذا بلغ حدّ الإقعاد(2) .
ويدلّ على ثبوت الخيار مع العرج صحيحة محمد بن مسلم قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : تردّ العمياء ، والبرصاء ، والجذماء ، والعرجاء(3) .
وصحيحة داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء ، أو برصاء ، أو عرجاء ، قال : تردّ على وليّها ويكون لها المهر على وليّها ، الحديث(4) .
لكن حصر العيب في غيره في بعض الروايات ربما ينافي في ذلك ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في الرجل يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له ، قال : لا تردّ . وقال : إنّما يردّ النكاح من البرص ،
(1) الكافي : 5/409 ح17 ، الوسائل : 21/215 ، أبواب العيوب والتدليس ب3 ح3 .
(2) شرائع الإسلام : 2/320 .
(3) الفقيه : 3/273 ح1298 ، الوسائل : 21/209 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح7 .
(4) التهذيب : 7/424 ح1698 ، الإستبصار : 3/246 ح884 ، الوسائل : 21/213 ، أبواب العيوب والتدليس ب2 ح6 .
(الصفحة390)
والجذام ، والجنون ، والعفل ، الحديث(1) .
وخصوصاً صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : المرأة تردّ من أربعة أشياء : من البرص ، والجذام ، والجنون ، والقرن وهو العفل ما لم يقع عليها ، فإذا وقع عليها فلا(2) . بلحاظ عنوان الأربعة وعدم كون العرج منها .
ثمّ إنّ كلام الأصحاب بين عدم كون العرج عيباً مطلقاً ، كما ربما يظهر من الخلاف(3) والمبسوط(4) والمهذّب(5) وبين كونه عيباً مطلقاً كالمحكي عن الاسكافي(6) والشيخين في المقنعة(7) والنهاية(8) وسلاّر(9) وأبي الصلاح(10) وابني البراج(11) وحمزة(12) وبين التفصيل بين العرج البين وغيره كالمتن تبعاً لمثل المحقّق في الشرائع في العبارة المتقدّمة ، وإن لم يقع التقييد فيها بالبيّن بل بالبلوغ حدّ الإقعاد ، كما أنّه قد وقع الخلط في بعض الكلمات بين العرج الذي معناه عدم استطاعة التردّد
(1) الفقيه : 3/273 ح1299 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 78 ح171 ، التهذيب : 7/426 ح 1701 ، الإستبصار : 3/247 ح 886 ، الوسائل : 21/209 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح6 .
(2) الكافي : 5/409 ح16 ، الفقيه : 3/273 ح1296 ، التهذيب : 7/427 ح1703 ، الإستبصار : 3/248 ح889 ، الوسائل : 21/207 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح1 .
(3) الخلاف : 4/346 .
(4) المبسوط : 4/249 ـ 269 .
(5) المهذّب : 2/231 ـ 239 .
(6) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/198 مسألة 126 .
(7) المقنعة : 519 .
(8) النهاية : 485 .
(9) المراسم : 152 .
(10) الكافي في الفقه : 295 .
(11) حكى عن كامله في مختلف الشيعة : 7/198 مسألة 126 .
(12) الوسيلة : 311 .
(الصفحة391)
في العادة إلاّ بالمشقّة الكثيرة ، وبين الزمانة التي هي أمر آخر ، فانّ المعهود من الزمانة ما تؤدّي إلى الاقعاد ، والعرج لا يبلغه كذلك ، ولذا جمع بين كونه بيّناً وبين عدم بلوغه حدّ الاقعاد .
وكيف كان فالمسألة مشكلة من تصريح بعض الروايات المتقدّمة بأنّها تردّ العرجاء ، ومن عدم عدّها عيباً من العيوب الموجبة للفسخ في البعض الآخر ، خصوصاً مع التصريح بأنّها أربعة ، ولا يكون العرج منها ، ومقتضى الأصل بقاء العقد وعدم انفساخه بالفسخ والردّ .
السادس : الزمانة ، وقد جعل في المتن أنّ الأظهر جواز الفسخ بها ، ويدلّ عليه مثل :
رواية أبي عبيدة المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السلام) : إذا دلّست العفلاء ، والبرصاء ، والمجنونة ، والمفضاة ، ومن كان بها زمانة ظاهرة فانّها تردّ على أهلها من غير طلاق ، الحديث(1) .
وفي رواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، أنّه قال في رجل تزوّج امرأة برصاء ، أو عمياء ، أو عرجاء ، قال : تردّ على وليّها ويردّ على زوجها مهرها الذي زوّجها عليه ، وإن كان بها ما لا يراه الرجال جازت شهادة النساء عليها(2) .
فإنّ قوله (عليه السلام) في الذيل : «وإن كان بها ما لا يراه الرجال» يشمل مثل الزمانة ، إلاّ أن يقال : بأنّ المراد ما لا يمكن أن يراه الرجال ، فيختصّ بمثل القرن والعفل غير المذكور في مورد الرواية .
(1) الكافي : 5/408 ح14 ، التهذيب : 7/425 ح1699 ، الإستبصار : 3/247 ح885 ، الوسائل : 21/211 ، أبواب العيوب والتدليس ب2 ح1 .
(2) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 80 ح171 ، الوسائل : 21/216 ، أبواب العيوب والتدليس ب4 ح2 .
(الصفحة392)
وكيف كان فالرواية الاُولى دالّة على أنّ الزمانة موجبة للخيار وجواز الردّ على الأهل من غير طلاق ، غاية الأمر مع توصيفها بالظهور .
ويمكن أن تكون صحيحة داود بن سرحان مبنيّة لمعنى الظهور ، حيث روى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، قال : وإن كان بها ـ يعني بالمرأة ـ زمانة لا تراها الرجال أُجيزت شهادة النساء عليها(1) .
ولكن مقتضى الرواية أنّ الزمانة مطلقاً موجبة للخيار ، غاية الأمر أنّه في الزمانة الخفية يكتفى بشهادة النساء ، فإذا شهدن بذلك يثبت له الخيار .
وعلى أيّ حال فلا ينبغي الإشكال في أنّ الزمانة الظاهرة من أسباب جواز الفسخ ، وإن كان الأمر في الزمانة غير الظاهرة مشكلاً ، خصوصاً بعد كون مقتضى الأصل العدم .
ثمّ إنّه مع أنّه قد ذكر في المتن أنّ عيوب المرأة المختصّة ستّة ، لكنّه عدّها سبعاً وجعل السابع العمى ، وهو ذهاب البصر عن العينين وان كانتا مفتوحتين ، وقد نفى وجدان خلاف صريح فيه في الجواهر ، بل حكى عن المرتضى(2) وابن زهرة(3)الإجماع عليه(4) .
ويدلّ عليه صحيحة داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يتزوّج المرأه فيؤتى بها عمياء ، أو برصاء ، أو عرجاء ، قال : تردّ على وليّها ويكون لها المهر
(1) التهذيب : 7/424 ح1694 ، الإستبصار : 3/246 ح884 ، الوسائل : 21/216 ، أبواب العيوب والتدليس ب4 ح1 .
(2) الناصريات : 337 .
(3) غنية النزوع: 354.
(4) جواهر الكلام : 30/338 .
(الصفحة393)
على وليّها ، الحديث(1) .
ومقتضى الإطلاق أنّه لا فرق بين كونهما مفتوحتين وغيره ، وإن كان قد يقال : إنّ أصل العمى يدلّ على الستر والتغطية .
نعم ، لا اعتبار بالعور لخروجه عن المتفاهم العرفي من العمى ، مضافاً إلى صحيحة الحلبي المتقدّمة ـ الدالّة على أنّها لا تردّ ـ الواردة في المرأة العوراء مع عدم التبيين للزوج .
ولا اعتبار أيضاً بالعمشاء ، والأعمش ، والمراد بالأوّل ثبوت علّة في العين لا يبصر بالليل بل يبصر بالنهار ، وبالثاني هو ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في غالب الأوقات; لعدم الدليل على اقتضاء جواز الفسخ بهما بوجه ، وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا اعتبار بسائر الاُمور ، كزنا المرأة قبل دخول الزوج بها ، الذي حكي عن الصدوق ثبوت الخيار به(2) . أو مطلق الزنا من الرجل أو المرأة قبل العقد وبعده ، الذي حكي عن الاسكافي ثبوت الخيار به(3) . أو الحدّ بالزنا الذي حكي ثبوت الخيار به عن أكثر القدماء(4) . وكوجدان الزوجة مستأجرة إجارة عين الذي حكي ثبوت الخيار بسببه عن بعض العامّة(5) . ومستندهم في ذلك وإن كان بعض الروايات إلاّ أنّها بين فاقدة للحجّية والاعتبار في نفسها، وبين ما أعرض عنها
(1) التهذيب: 7/424 ح1694، الإستبصار: 3/246 ح884، الوسائل: 21/213، أبواب العيوب والتدليس ب2 ح6.
(2) المقنع : 326 .
(3) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/215 مسألة 143 .
(4) المقنعة : 519 ، الكافي في الفقه : 295 ، المراسم : 152 ، المهذّب : 2/231 .
(5) حكاه عن الماوردي في جواهر الكلام : 30/340 ، ولم نعثر عليه في كتب العامة ، مثل المغني لابن قدامة والشرح الكبير والعزيز شرح الوجيز والحاوي الكبير والانصاف والمجموع والأمّ .
(الصفحة394)
مسألة 1 : إنّما يفسخ العقد بعيوب المرأة إذا تبيّن وجودها قبل العقد ، وأمّا ما يتجدّد بعده فلا اعتبار به سواء كان قبل الوطء أو بعده1.
معظم الأصحاب ومشهورهم. مضافاً إلى ثبوت المعارض لها ، فالاُمور الموجبة للفسخ ما قدّمناه ، فتدبّر .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : العيوب الحادثة للمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ ، وما يتجدّد بعد العقد والوطء لا يفسخ به ، وفي المتجدّد بعد العقد وقبل الدخول تردّد ، أظهره أنّه لا يبيح الفسخ ، تمسّكاً بمقتضى العقد السليم عن معارض(1) .
فهنا مقامان :
المقام الأوّل : في المتجدّد بعد العقد والوطء ، وقد نفى وجدان الخلاف في عدم ثبوت الخيار به بين العامّة والخاصّة صاحب الجواهر إلاّ من شاذّ ، أو في العيب المشترك وهو الجنون(2) . وقد مرّ(3) التصريح في صحيحة عبد الرحمن بأنّه إذا وقع عليها فلا خيار ، ويظهر من غيرها أيضاً(4) . ومثله صالح لتقييد بعض المطلقات الموجودة إن كانت واجدة لشرائط التمسك بالإطلاق ، وإلاّ فالمناقشة في أصل الإطلاق موجودة ، كما لايخفى .
المقام الثاني : في المتجدّد بعد العقد وقبل الوطء ، وقد عرفت(5) في ذيل بحث الجنون جملة ممّا يتعلّق بهذا المقام ، وذكر في الجواهر : أنّ عدم إباحة الفسخ به هو
(1) شرائع الإسلام : 2/320 .
(2) جواهر الكلام : 30/341 .
(3) في ص390 .
(4) الوسائل : 21/210 و215 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح14 وب3 .
(5) في ص372 ـ 376 .
(الصفحة395)
مسألة 2 : ليس العقم من العيوب الموجبة للخيار لا من طرف الرجل ولا من طرف المرأة1.
مسألة 3 : ليس الجذام والبرص من عيوب الرجل الموجبة لخيار المرأة على الأقوى2
المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً . بل لعلّها كذلك في الأعصار المتأخّرة على المخالف على وجه كان قوله من الشواذّ المقطوع ببطلانها(1) . والنصوص(2) بين ما فيه دلالة على السبق وهو أكثرها ، وبين ما هو ملازم للسبق كعنوان التدليس ، وبين ما فيه عدم الدلالة على ذلك .
لكن قد يقال : إنّ الغالب في أمثال هذه العاهات طول المدّة وتقادم العهد ، وليس فيها ما يدلّ ولو بالإطلاق البيّن على ثبوت الخيار في المتجدّد بين العقد والدخول ، ومقتضى الاستصحاب حينئذ اللزوم ، كما تمسّك به المحقّق في العبارة المتقدّمة .
1 ـ لعدم الدليل على كون العقم من العيوب المشتركة أو المختصّة بالرجل أو المرأة ، فالأصل اللزوم ، مع أنّ تشخيصه مشكل جدّاً بل ممتنع عادة; لأنّه على فرض إيجابه الخيار يكون المراد به هو العقم الدائمي وهو غير معلوم ، والعقم الموقّت خال عن الدليل .
2 ـ لأنّ الجذام والبرص معدودان من عيوب النساء المختصّة; لأنّ الروايات(3)
(1) جواهر الكلام : 30/342 .
(2 ، 3) الوسائل : 21/207 ـ 215 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 و 2 و 3 .
(الصفحة396)
مسألة 4 : خيار الفسخ في كلّ من الرجل والمرأة على الفور ، فلو علم كلّ منهما بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد . نعم الظاهر أنّ الجهل بالخيار بل والفوريّة عذر ، فلا يسقط مع الجهل بأحدهما لو لم يبادر1.
الواردة فيهما بين ما يكون موردها جذام المرأة أو برصها ، وبين ما وقع التعبير فيها بالبرصاء ، والجذماء .
نعم في صحيحة الحلبي المتقدّمة(1) قال : «إنّما يردّ النكاح من البرص ، والجذام ، والجنون ، والعفل» فإنّه إن كان بصيغة المبنيّ للفاعل ـ كما هو الظاهر بلحاظ ذكر العفل ، وبلحاظ موردها الذي هو أنّ «الرجل يتزوّج إلى قوم فاذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له» ـ يكون المراد بها عيوب النساء ، وأمّا إن قرأ مبنيّاً للمفعول فيمكن الاستناد به للإطلاق; لكن هذه القراءة غير معلومة بل الظاهر خلافها ، فتصل النوبة إلى استصحاب اللزوم وعدم الخيار وهو الأقوى ، كما في المتن .
1 ـ قد نفى وجدان الخلاف في الفورية صاحب الجواهر ، بل حكى الاتّفاق(2)عليها(3) . والدليل عليها أنّ القدر المتيقّن من مخالفة الأصل المقتضي للزوم هي الفورية ، مع أنّه حيث لا يكون في التأخير تأجيل يلزم القول بجوازه تزلزل أركان الزوجيّة وعدم ثبات أركانها; لاحتمال كلّ منهما الفسخ في الآتية ، ولا يجوز التمسّك بإطلاق صحيحة عبد الرحمن البصري المتقدّمة(4) الدالّة على أنّه إذا لم يقع عليها فله
(1) في ص373 .
(2) الروضة البهية: 5 / 392، مسالك الافهام: 8 / 126 .
(3) جواهر الكلام : 30/343 .
(4) في ص377 .
(الصفحة397)
الخيار; لأنّه لا يكون في مقام البيان من هذه الجهة بل في مقام بيان الفرق بين صورتي الدخول وعدمه . وكذا لا يجوز التمسّك برواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي (عليهم السلام) في رجل تزوّج امرأة فوجدها برصاء ، أو جذماء ، قال : إن كان لم يدخل بها ولم يتبيّن له فإن شاء طلّق وإن شاء أمسك ، ولا صداق لها ، وإذا دخل بها فهي امرأته(1) بعد كون المراد بالطلاق هو معناه اللغوي لا الشرعي المقابل للفسخ بالخيار ، وجه التمسك ظهورها في أنّ المسقط لخيار الفسخ هو الدخول لا عدم المبادرة بالفسخ بعد العلم بالعيب ، وجه عدم الجواز أنّه لا دلالة لها على أزيد من أنّ الدخول موجب لسقوط الخيار ، وأمّا أنّ عدم المبادرة مع العلم فلا يكون مسقطاً فلا ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ الجهل بأصل الخيار وكذا بفوريته عذر لا يوجب السقوط; لأنّ القدر المتيقّن من الإجماع على السقوط غير هذا الفرض ، وقد حمل صاحب الوسائل صحيحة عبد الرحمن البصري المتقدّمة الدالّة على سقوط الخيار مع الدخول على صورة العلم بالعيب ، وظاهره العلم بالخيار أيضاً ، وإلاّ فمجرّد العلم بالعيب يبعد أن يكون دخيلاً في سقوط الخيار ، إلاّ أن يقال : إنّه مع العلم بالأمرين لا تصل النوبة إلى الدخول; لأنّ مجرّد عدم المبادرة ولو العرفية يوجب السقوط قبل أن يدخل ، فلا وجه لتعليق الحكم على الدخول ، اللهمّ إلاّ أن يكون للدخول موضوعيّة مطلقاً ولو مع عدم العلم بالعيب ، كما هو ظاهر الصحيحة ، وعليه فيصير الأمر مشكلاً من هذه الجهة ، وسيأتي تتمّة البحث في بعض المسائل الآتية إن شاء الله تعالى .
(1) التهذيب : 7/426 ح1700 ، الإستبصار : 3/247 ح887 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 65 ، الوسائل : 21/210 ، أبواب العيوب والتدليس ب1 ح14 .
(الصفحة398)
مسألة 5 : إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع اليمين إن لم تكن لمدّعيه بيّنة ، ويثبت بها العيب حتى العنن على الأقوى ، كما أنّه يثبت كلّ عيب بإقرار صاحبه أو البيّنة على إقراره ، وكذا يثبت باليمين المردودة على المدّعي ، ولو نكل المنكر عن اليمين ولم يردّها ردّها الحاكم على المدّعي ، فإن حلف يثبت به ، وتثبت العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع نسوة عادلات كما في نظائرها1.
1 ـ إذا وقع الاختلاف في أصل العيب وعدمه فالمنكر يكون قوله موافقاً للأصل ، أمّا في العيوب الحادثة فلأنّ الأصل عدم حدوثها بعد كون الحالة السابقة العدم ، وأمّا في غيرها من العيوب التي يمكن أن تكون موجودة من حين الولادة ، فلأنّ مقتضى أصالة السلامة المعتمدة عند العقلاء عدمها ، فالمنكر يكون قوله موافقاً لهذا الأصل ، مع أنّ تشخيص المدّعي والمنكر كما يأتي في كتاب القضاء(1) إن شاء الله تعالى بيد العرف ، وهو المعيار في ذلك ، ولا يكون مناطهما اُموراً اُخرى ، ومن الظاهر أنّ مدّعي العيب مدّع ومنكره منكر ، سواء كان هناك سائر المعايير أم لا .
نعم ، في العيوب الظاهرة التي تظهر للحاكم بالنظر ربما يقال : بأنّه لا حاجة إلى إجراء حكم المدّعي والمنكر ، بل تظهر للحاكم بالنظر ، وأمّا في غيرها فالحكم في المقام كسائر الموارد ، من أنّ الحقّ مع إقامته البيّنة ولو كان العيب المدّعى به عنناً ، فانّه لو قامت البيّنة على ثبوته ووجوده يثبت ، ومع عدم إقامته البيّنة تصل النوبة إلى يمين المنكر ، فإن حلف أو ردّ على المدّعي فبها ، ولو نكل فلم يحلف ولم يرد
(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 75 ـ 77 .
(الصفحة399)
مسألة 6 : لو ثبت عنن الرجل فإن صبرت فلا كلام ، وإن لم تصبر ورفعت أمرها إلى حاكم الشرع لاستخلاص نفسها منه أجّلها سنة كاملة من حين المرافعة ، فإن واقعها أو واقع غيرها في أثناء هذه المدّة فلا خيار لها ، وإلاّ كان لها الفسخ فوراً عرفياً ، فإن لم تبادر به فإن كان بسبب جهلها بالخيار أو فوريّته لم يضرّ كما
يردّها الحاكم على المدّعي ، فان حلف ثبت وإن لم يحلف سقطت دعواه .
نعم خصوصية المقام إنّما هي في أنّ العيوب الباطنة تجزي شهادة النساء فيها أيضاً ، وقد ورد في بعض الروايات المتقدّمة(1) «وإن كان بها ما لا يراه الرجال جازت شهادة النساء عليها» وذلك مثل القرن والعفل كما عرفت(2) .
هذا ، ولكن ورد في خصوص العنن مرسلة الصدوق المعتبرة في نفسها ، قال : قال الصادق (عليه السلام) : إذا ادّعت المرأة على زوجها أنّه عنّين وأنكر الرجل أن يكون ذلك ، فالحكم فيه أن يقعد الرجل في ماء بارد ، فإن استرخى ذكره فهو عنّين ، وإن تشنّج فليس بعنّين(3) .
قال : وفي خبر آخر أنّه يطعم السمك الطري ثلاثة أيّام ، ثم يقال له : بل على الرماد ، فإن ثقب بوله الرماد فليس بعنّين ، وإن لم يثقب بوله الرماد فهو عنين(4) . لكن مشهور الأصحاب(5) أعرضوا عن الروايتين ، خصوصاً مع أنّ الثانية مرسلة .
(1) في ص391 .
(2) في ص 387 .
(3) الفقيه : 3/357 ح1705 ، الوسائل : 21/234 ، أبواب العيوب والتدليس ب15 ح4 .
(4) الفقيه : 3/357 ح1706 ، الوسائل : 21/234 ، أبواب العيوب والتدليس ب15 ح5 .
(5) جامع المقاصد : 13/263 ، مسالك الأفهام : 8/133 ، جواهر الكلام : 30/353 .
(الصفحة400)
مرّ ، وإلاّ سقط خيارها ، وكذا إن رضيت أن تقيم معه ثمّ طلبت الفسخ بعد ذلك ، فانّه ليس لها ذلك1.
1 ـ لو ثبت عنن الرجل بإقراره أو قيام البيّنة عليه أو على إقراره ، فإن رضيت المرأة وصبرت مع هذا الرجل المعيوب فلا كلام ، وإن لم تصبر ورفعت إلى حاكم الشرع لاستخلاص نفسها منه أجّلها سنة كاملة من حين المرافعة ، كما يدلّ عليه فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقوله على ما في روايات كثيرة :
منها : رواية أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) : إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : يؤخّر العنّين سنة من يوم ترافعه امرأته ، فإن خلص إليها وإلاّ فرّق بينهما ، فإن رضيت أن تُقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار ولا خيار لها(1) .
وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : العنّين يتربّص به سنة ، ثمّ إن شاءت امرأته تزوّجت ، وإن شاءت أقامت(2) .
وغير ذلك من الروايات(3) الواردة في هذا المجال .
ثمّ إنّ الملاك في العنن عدم القدرة على وطء امرأته وغيرها ، فلو لم يقدر على وطء زوجته لجهة دون غيرها لا يكون عنّيناً ، كما أنّه لو مضت السنة مع عدم القدرة على الوطء مطلقاً ، فالواجب على الزوجة مع العلم المبادرة العرفيّة بالفسخ إن لم ترض أن تقيم معه . نعم لو كانت جاهلة بأصل الخيار أو بفوريته يكون الجهل
(1) التهذيب : 7/431 ح1719 ، الإستبصار : 3/249 ح894 ، الوسائل : 21/232 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح9 .
(2) التهذيب : 7/431 ح1716 ، الإستبصار : 3/249 ح891 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 77 ح170 ، الوسائل : 21/231 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 ح5 .
(3) الوسائل : 21/229 ـ 234 ، أبواب العيوب والتدليس ب14 و15 .
|