(الصفحة481)
القول في النشوز [والشقاق]
وهو في الزوجة خروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها من عدم تمكين نفسها وعدم إزالة المنفّرات المضادّة للتمتّع والالتذاذ بها ، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها ، وكذا خروجها من بيته من دون إذنه وغير ذلك ، ولا يتحقّق النشوز بترك طاعته فيما ليست بواجبة عليها ، فلو امتنعت من خدمات البيت وحوائجه الّتي لا تتعلّق بالاستمتاع من الكنس أو الخياطة أو الطبخ أو غير ذلك حتى سقي الماء وتمهيد الفراش لم يتحقّق النشوز1.
1 ـ النشوز في اللّغة الارتفاع ، قال الله تعالى : {وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا}(1)أي انهضوا إلى أمر من أمور الله تعالى ، سمّي خروج أحد الزوجين نشوزاً لأنّه بمعصيته قد ارتفع عمّا أوجب الله تعالى عليه من ذلك للآخر ، قيل : ولذلك خصّ النشوز بما إذا كان الخروج من أحدهما فقط; لأنّ الخارج ارتفع على الأخر فلم يقم بحقّه ، ولو كان الخروج منهما معاً خصّ باسم الشِّقاق ، وقال بعضهم : يجوز إطلاق
(1) سورة المجادلة : 58/11 .
(الصفحة482)
النشوز على ذلك أيضاً ، نظراً إلى جعل الارتفاع عمّا يجب عليه من الطّاعة لا على صاحبه وهو متحقّق فيهما .
وبعض الفقهاء أطلق على الثلاثة اسم الشقاق; وفي محكي المسالك : والكلّ جائز بحسب اللّغة ، لكن ما جرى عليه المصنّف أي المحقّق صاحب الشرائع(1)أوفق بقوله تعالى : {وَالَّلاتِى تَخَافُوْنَ نُشُوزَهُنَّ}(2) وقوله تعالى : {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِها نُشُوزاً}(3) ، وقوله تعالى : {وَإنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}(4) الآية(5) .
وكيف كان فقد فسّر المحقّق فيها النشوز بالخروج عن الطّاعة ، والمُراد هو خروج واحد من الزوجين عن الطاعة الواجبة على كلّ واحد منهما للآخر ، ولا مجال لتوهّم اختصاص هذا العنوان بالزوجة الخارجة عن طاعته لا بحسب الشرع ولا بحسب اللّغة ، فإنّ المحكي من الصحاح(6) والقاموس(7) والمجمع(8) : نشزت المرأة تنشز نشوزاً استعصت على زوجها وأبغضته ، ونشز عليها إذا ضربها وجفاها ، ونحوها ما عن المصباح المنير للفيّومي(9) والنهاية لابن الأثير(10) .
(1) شرائع الإسلام: 2/338 .
(2) سورة النساء : 4/34 .
(3) سورة النساء : 4/128 .
(4) سورة النساء : 4/35 .
(5) مسالك الأفهام : 8/354 .
(6) الصحاح : 3/899 .
(7) القاموس المحيط : 2/194 .
(8) مجمع البحرين : 3/1784 .
(9) المصباح المنير : 2/605 .
(10) النهاية لإبن الأثير : 5/55 .
(الصفحة483)
وكيف كان فلا إشكال في تحقّق نشوز الزوجة بترك طاعته في تمكين نفسها وإزالة المنفرّات المضادّة للتمتّع والالتذاذ بها ، كما أنّه لا إشكال في عدم تحقّق نشوزها بترك طاعته في مثل خدمات البيت ، مثل الكنس والتنظيف والطبخ والخياطة ومثلها ، حتّى مثل سقي الماء وتمهيد الفراش إنّما الإشكال في تحقّق نشوزها بمثل الخروج عن البيت بغير إذن الزوج ، فنقول :
ظاهر المتن وجوب مثل هذا الأمر وتحقّق النشوز بمخالفة الزوجة; لأنّه عبارة عن ترك الطّاعة الواجبة ، مع أنّك عرفت أنّ المستند في ذلك ارتكاز المتشرّعة; لأنّ الأدلّة اللفظيّة قاصرة عن إثبات الوجوب سنداً أو دلالة ، وقد تقدّمت رواية عبدالله بن سنان ، وهناك روايات أخرى أيضاً ، مثل :
رواية أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) النساء فقال : يا معشر النساء تصدَّقن ولو من حليّكنّ ولو بتمرة ولو بشقّ تمرة ، فإنّ أكثركنّ حطب جهنّم ، إنّكن تكثرن اللّعن وتكفرن العِشرة ، فقالت امرأة : يا رسول الله أليس نحن الأُمّهات الحاملات المرضعات ، أليس منّا البنات المقيمات والأخوات المشفقات؟ فقال : حاملات ، والدات ، مرضعات ، رحيمات ، لولا ما يأتين إلى بعولتهنّ ما دخلت مصليّة منهنّ النار(1) .
ورواية جابر الجعفي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم النحر إلى ظهر المدينة على جمل عاري الجسم ، فمرّ بالنساء فوقف عليهنّ ثمّ قال : يا معشر النساء تصدّقن وأطعن أزواجكنّ فإنّ أكثركنّ في النار ، فلمّا سمعن ذلك بكين ، ثمّ قامت إليه امرأة منهنّ فقالت : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النار مع الكفّار والله ما نحن
(1) الكافي : 5/513 ح2 ، الوسائل : 20/175 ، أبواب مقدّمات النكاح ب91 ح2 .
(الصفحة484)
مسألة 1 : لو ظهرت منها أمارات النشوز والطغيان بسبب تغيير عادتها في القول أو الفعل ، بأن تجيبه بكلام خشن بعد ما كان بكلام ليّن أو أن تظهر عبوساً وتقطّباً في وجهه وتثاقلا ودمدمة بعد أن كانت على خلاف ذلك وغير ذلك يعظها ، فإن لم تسمع يتحقّق النشوز بخروجها عن طاعته فيما يرجع إلى الاستمتاع ، فحينئذ جاز له هجرها في المضجع إمّا بأن يحوّل إليها ظهره في الفراش أو يعتزل عن فراشها ، فإذا هجرها ولم ترجع وأصرّت عليه جاز له ضربها ، ويقتصر على ما يؤمّل معه رجوعها ، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به ، وإلاّ تدرّج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدمياً ولا شديداً مؤثّراً في اسوداد بدنها أو احمراره ، واللاّزم أن يكون ذلك بقصد الإصلاح لا التشفي والانتقام ، ولو حصل بالضرب جناية وجب الغرم1.
بكفّار ، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّكنّ كافرات بحقّ أزواجكنّ(1) .
وغير ذلك من الرّوايات(2) ، ولكن عرفت أنّ العمدة في هذا الباب ما مرّ من ارتكاز المتشرّعة ، وثبوت وجوب إطاعة الزوج على الزوجة في أذهانهم في مثل الخروج من المنزل ، وثبوت وجوب الإطاعة مستلزم لتحقّق النشوز مع المخالفة ، كما في المتن .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : فمتى ظهر من الزوجة أمارته ـ يعني النشوز ـ مثل أن تقطّب في وجهه ، أو تتبرّم بحوائجه ، أو تغيّر عادتها في آدابها جاز له هجرها في المضجع بعد عظتها ، وصورة الهجر أن يحوّل إليها ظهره في الفراش ، وقيل : أن
(1) الكافي : 5/514 ح3 ، الوسائل : 20/175 ، أبواب مقدّمات النكاح ب91 ح3 .
(2) الوسائل : 20/157 ـ 165 و175 ـ 176 ، أبواب مقدّمات النكاح ب79 ـ 84 و 91 .
(الصفحة485)
يعتزل فراشها ، والأوّل مروي(1) . ولا يجوز له ضربها والحال هذه ، أمّا لو وقع النشوز وهو الامتناع عن طاعته فيما يجب له جاز ضربها ولو بأوّل مرّة ، ويقتصر على ما يؤمّل معه رجوعها ما لم يكن مدمياً ولا مبرّحاً(2) والأصل في هذه المسألة قوله تعالى في سورة النساء : {وَالَّلاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإنْ أَطَعْنَكُم فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا}(3) .
ولا ريب في ظهور الآية الشريفة على ترتّب الأمور الثلاثة على خوف النشوز ، أي ظهور أماراته ، فإنّ الخوف عبارة عن الاحتمال العقلائي الناشىء عن ظهور امارات الشيء الذي يخاف ، كخوف سقوط السقف الخراب لا مجرّد الاحتمال ، ولو لم يكن عقلائيّاً كاحتمال سقوط السقف غير الخراب ، لكن الإجماع المحكي عن المبسوط(4) والخلاف(5) على اعتبار نفس النشوز لا مخافته في الضرب ـ كما أشار إليه المحقّق في العبارة المتقدّمة ـ يدلّ على عدم كون الضرب في عداد الموعظة والهجر في المضاجع .
ويؤيّده قاعدة عدم جواز العقوبة إلاّ على فعل المحرّم ، والمستفاد أنّ العِظة بعد تحقّق علائم النشوز وأماراته ، فإن لم تؤثّر وتحقّق النشوز يكون أوّل مراتب العقوبة هو الهجر في المضاجع ، وبعده الضرب على نحو التدرّج ، ولعلّه لأجل أنّ العِظة
(1) المُقنع : 350 ، مجمع البيان : 3/76 ذيل الآية 34 من سورة النساء ، فقه الرضا (عليه السلام) : 345 ، الفقيه : 3/385 ح 1625
(2) شرائع الإسلام : 2/338 .
(3) سورة النساء : 4/34 .
(4) المبسوط : 4/337 .
(5) الخلاف : 4/415 ـ 416 .
(الصفحة486)
والهجر لا يكونان في عداد واحد; لأنّ الأولى ترجع إلى النهي عن المنكر ، والثانية تفويت لحقّها الواجب عليه شرعاً ، ولا يجوز قبل تحقّق الذنب ، إذ هو عقوبة أيضاً لا يجوز بدون فعل المحرّم ، والمحكيّ عن المحقّق في النافع(1) ترتّب الأمور الثلاثة على ظهور أمارات النشوز من غير فرق بين الضرب وغيره ، إلاّ أنّها مترتّبة على حسب مراتب النهي عن المنكر .
وأورد عليه في الجواهر بأنّه وإن وافق ظاهر الآية(2) بالنسبة إلى ثبوت الثلاثة على خوف النشوز ، لكنّه مناف لظاهرها بالنسبة إلى التخيير بين الثلاثة والجمع; لأنّ الواو لمطلق الجمع(3) . وحكي عن ابن الجنيد أنّه جعل الأمور الثلاثة مترتّبة على النشوز بالفعل ، ولم يذكر الحكم عند ظهور أماراته ، وجوّز الجمع بين الثلاثة ابتداء من غير تفضيل(4) . ويرد عليه أنّه مخالف لظاهر الآية ، حيث إنّه في مقام بيان الحكم عند ظهور أمارات النشوز .
والمحكيّ عن العلاّمة في التحرير(5) جعل الأمور الثلاثة مترتّبة على مراتب ثلاثة من حالها ، فمع ظهور أمارات النشوز يقتصر على الوعظ ، ومع تحقّقه قبل الإصرار ينتقل إلى الهجر ، فإن لم ينجع وأصرّت تنتقل إلى الضرب ، فيكون معنى الآية { وَالَّلاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} فإنّ نشزن فاهجروهنّ في المضاجع ، فإن أصررن فَاضربوهنّ .
(1) المختصر النافع : 216 .
(2) سورة النساء : 4/34 .
(3) جواهر الكلام : 31/203 .
(4) حكى عنه في مسالك الأفهام : 8/357 ـ 358 .
(5) تحرير الأحكام : 2/42 .
(الصفحة487)
والتحقيق في معنى الآية ـ بعد ملاحظة أنّ العِظة مفهوماً لا تكون عقوبة; لرجوعها إلى النهي عن المنكر والإرشاد إليه ـ أنّها تكون مترتّبة على خوف النشوز بظهور أماراته وعلائم الطغيان ، وأمّا الهجر والضرب فهما عقوبتان ، غاية الأمر أنّ الأوّل أخفّ من الثاني ، ولازم ذلك تحقّق النشوز المحرّم من الزوجة ، فاللاّزم حمل الأوّل على ما إذا أثّرت الهجرة وحمل الثاني على صورة الإصرار; لأنّ مقتضى أشدّيّة الثاني بالإضافة إلى الأوّل ذلك ، ويُناسب ذلك الإجماع المدّعى(1)على اعتبار نفس النشوز في الضرب لا مخافته ، كما تقدّم .
وقد عرفت أنّه لا فرق بين الضرب والهجر في ذلك ، فيصير المحصّل ما أفاده في المتن ، كما لا يخفى .
وينبغي التنبيه على أمور :
الأوّل : إنّ الأمور الثلاثة المذكورة في الآية لا تكون واجبة بل جائزة; لأنّ الأمر الوارد فيها واقع في مقام توهّم الخطر ، والأمر الكذائي لا دلالة له على الوجوب . نعم يمكن أن يُقال بوجوب الموعظة من باب وجوب النهي عن المنكر ، كالأمر بالمعروف ، لكن الوجوب بعد عدم تحقّق النشوز; لأنّ المفروض وقوع الخوف عنه محلّ إشكال ، كما لا يخفى .
الثاني : إنّ الرواية الواردة في الهجر ، الّتي أشار إليها المحقّق في عبارته المتقدّمة هي ما رواه في مجمع البيان عن أبي جعفر (عليه السلام) مرسلا ، من أنّه أن يحوّل ظهره إليها في الفراش(2) . وظاهرها وإن كان هو التعيّن إلاّ أنّ إطلاق الآية يشمل الثاني خصوصاً
(1) المبسوط : 4/337 ، الخلاف : 4/415 ـ 416 .
(2) مجمع البيان : 3/76 ذيل الآية 34 من سورة النساء .
(الصفحة488)
مسألة2: كمايكون النشوز من قبل الزوجة يكون من طرف الزوج أيضاً بتعديه عليها ، وعدم القيام بحقوقها الواجبة ، فإذا ظهر منه النشوز بمنع حقوقها من قسم ونفقةونحوهمافلهاالمطالبة بها ووعظها إيّاه ، فإن لم يؤثّر رفعت أمرها إلى الحاكم فيلزمه بها ، وليس لها هجره ولا ضربه ، وإذا اطّلع الحاكم على نشوزه وتعدّيه نهاه عن فعل ما يحرم عليه وأمره بفعل ما يجب ، فإن نفع وإلاّ عزّره بما يراه، وله أيضاً الإنفاق من ماله مع امتناعه من ذلك ولوببيع عقاره إذا توقّف عليه1.
مع إرسالها .
الثالث : إنّه يتدرّج في الضرب إلى الأقوى فالأقوى ، ولا ينتقل إلى الأقوى مع حصول الغرض بالأضعف ما لم يكن مدمياً ولا شديداً مؤثّراً في حصول اسوداد الوجه أو احمراره ، وقد أفاد صاحب الجواهر; أنّه ينبغي اتّقاء المواضع المخوفة كالوجه والخاصرة ومراق البطن ونحوه ، وأن لا يوالي الضرب على موضع واحد ، بل يفرّق على المواضع الصلبة(1) ولابدّ أن يكون الضرب بقصد الإصلاح لا التشفّي والإنتقام . كما أنّه في الهجر أيضاً يكون الأمر كذلك .
ولو حصل بالضرب تلف وجب الغرم لإطلاق أدلّته الّذي لا ينافيه الرخصة منه ، كالاتلاف غير المحرّم الّذي فيه الضمان مع أنّ المرخّص فيه غير المفروض من الضرب ، وأمّا ضرب الولّي الصبي لأجل التأديب فعلى تقدير عدم ثبوت الضمان فيه يمكن الفرق بينه وبين المقام ، بأنّ ضرب الزوج إنّما هو لمصلحة شخصه بخلافه في الولي الّذي هو محسن محض .
1 ـ كما يتحقّق النشوز من قبل الزوجة وتتّصف بالناشزة الّتي قد عرفت
(1) جواهر الكلام : 31/206 ـ 207 .
(الصفحة489)
مسألة 3 : لو ترك الزوج بعض حقوقها الغير الواجبة أو همّ بطلاقها لكراهته لها لكبر سنّها أو غيره ، أو همّ بالتزويج عليها فبذلت له مالا أو بعض حقوقها
حكمها ، كذلك يتحقّق من ناحية الزوج بعدم رعاية حقوقها الواجبة عليه من قسم ونفقة ونحوها ، وفي هذه الصّورة لها المطالبة بها ووعظها إيّاه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن أثّر وإلاّ رفعت أمرها إلى الحاكم ، ولابدّ من إثباته عنده إمّا بإقامة البيّنة وإمّا بإقراره وإمّا بإطّلاع الحاكم وعلمه بهذه الجهة ، وليس لها هجره ولا ضربه كما في صورة العكس; لعدم الدّليل على أحد الأمرين ، فإذا ثبت عند الحاكم نشوزه وتعدّيه بحقّها فيجب عليه من ذلك الباب ـ أي باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ الأمر بفعل ما يجب عليه والنهي عن فعل ما يحرم عليه ، فإن نفع وتأثّر بذلك وإلاّ فلها تعزيره بما يراه الحاكم .
نعم ، في خصوص الإنفاق فلأجل توقّف الحياة عليه غالباً يجوز له مع امتناع الزوج أن ينفق من ماله ولو ببيع عقاره ، ثمّ الظاهر أنّ قوله تعالى في سورة النساء : { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً}(1) إلى آخر الآية إنّما يرتبط بالمسألة الآتية الّتي موضوعها عدم ترك الزوج حقوقها الواجبة عليه ، بل كراهته صحبتها لكبر أو غيره ، ولأجله اهتمّ بطلاقها ، كما سيأتي فيها الرّوايات الواردة في تفسير الآية إن شاء الله تعالى ، فلا يُتوهّم ارتباط الآية بهذه المسألة كآية { وَالّلاَتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}(2) المرتبطة بالمسألة السّابقة ، فتدبّر جيّداً .
(1) سورة النساء : 4/128 .
(2) سورة النساء : 4/34 .
(الصفحة490)
الواجبة من قسم أو نفقة استمالة له صحّ وحلّ له ذلك ، وأمّا لو ترك بعض حقوقها الواجبة أو آذاها بالضرب أو الشتم وغير ذلك ، فبذلت مالا أو تركت بعض حقوقها ليقوم بما ترك من حقّها أو ليمسك عن أذيّتها أو ليخلعها فتخلّص من يده حرم عليه ما بذلت ، وإن لم يكن من قصده إلجاؤها بالبذل على الأقوى1.
1 ـ الأصل في هذه المسألة هي الآية الّتي اُشير إليها في المسألة السابقة ، وهو قوله تعالى : {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً}(1) الآية بضميمة النصوص المستفيضة الواردة في تفسيرها ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ : {وَإنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِن بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً}؟ فقال : هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها : إنّي اُريد أن اُطلّقك ، فتقول له : لا تفعل إنّي أكره أن تشمت بي ، ولكن اُنظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت ، وما كان سوى ذلك من شيء فهو لك ، ودعني على حالتي ، فهو قوله تعالى : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} وهذا هو الصّلح(2) .
ورواية علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجل : {وَإنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً}؟ قال : إذا كان كذلك فهمّ بطلاقها فقالت له : امسكني وأدع لك بعض ما عليك ، وأحلّلك من يومي وليلتي حلّ له
(1) سورة النساء : 4/128 .
(2) الكافي : 6/145 ح2 ، التهذيب : 8/103 ح348 ، تفسير العياشي : 1/279 ح284 ، الوسائل : 21/349 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب11 ح1 .
(الصفحة491)
ذلك ، ولا جناح عليهما(1) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله جلّ اسمه : {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً}؟ قال : هذا تكون عنده المرأة لا تعجبه فيريد طلاقها فتقول له : أمسكني ولا تطلّقني وأدع لك ما على ظهرك ، وأُعطيك من مالي وأحلّلك من يومي وليلتي ، فقط طاب ذلك كلّه(2) .
ورواية أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ : {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَت مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} قال : النشوز : الرجل يهمّ بطلاق امرأته فتقول له : أدع ما على ظهرك وأعطيك كذا وكذا ، وأحلّلك من يومي وليلتي ، على ما اصطلحا فهو جائز(3) .
ورواية زرارة قال : سُئل أبو جعفر (عليه السلام) عن النّهارية يشترط عليها عند عقدة النكاح أن يأتيها ما شاء ، نهاراً أو من كلّ جمعة أو شهر يوماً ، ومن النفقة كذا وكذا؟ قال : فليس ذلك الشرط بشيء ، من تزوّج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة ، ولكنّه إن تزوّج امرأة فخافت منه نشوزاً أو خافت أن يتزوّج عليها فصالحت من حقّها على شيء من قسمتها أو بعضها فإنّ ذلك جائز لا بأس به(4) .
وغير ذلك من الروايات الّتي يتحصّل من مجموعها ما أفاده في المتن ـ بالإضافة إلى الحلّية للأزواج ما بذلت الزوجات ـ فيما لو ترك الزوج بعض حقوقها غير الواجبة ، أو همّ بطلاقها لكبر سنّها أو قبح منظرها أو سوء أخلاقها أو غير ذلك ،
(1) الكافي : 6/145 ح1 ، تفسير العياشي : 1/278 ح282 ، الوسائل : 21/350 ، أبواب القسم ب11 ح2 .
(2) الكافي : 6/145 ح3 ، التهذيب : 8/103 ح 349 ، الوسائل : 21/350 ، أبواب القسم ب11 ح3 .
(3) تفسير العياشي : 1/268 ح281 ، الوسائل : 21/35 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب11 ح6 .
(4) تفسير العياشي : 1/278 ح283 ، الوسائل : 21/351 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب11 ح7 .
(الصفحة492)
مسألة 4 : لو وقع النشوز من الزوجين بحيث خيف الشقاق والفراق بينهما وانجرّ أمرهما إلى الحاكم بعث حكمين ، حكماً من جانبه وحكماً من جانبها للإصلاح ورفع الشقاق بما رأياه من الصّلاح من الجمع أو الفراق ، ويجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما وفيما هو السبب والعلّة لحصول ذلك بينهما ثمّ يسعيان في أمرهما ، فكلّما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرّضا به بشرط كونه سائغاً ، كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها أو لا يسكن معها اُمّه أو أُخته ولو في بيت منفرد ، أو لا يُسكن معها ضرّتها في دار واحدة ونحو ذلك ، أو شرطا عليها أن تؤجّله بالمهر الحال إلى أجل ، أو تردّ عليه ما قبضته قرضاً ونحو ذلك ، بخلاف ما إذا كان غير سائغ كما إذا شرطا عليه ترك بعض حقوق الضرّة من قسم أو نفقة أو رخصة المرأة في خروجها عن بيته حيث
أو همّ بالتزويج عليها .
وأمّا لو ترك بعض حقوقها الواجبة أو فعل بعض المحرّمات كالإيذاء والشتم ، فبذلت له مالا ليجتنب عن ذلك ، أو تركت بعض حقوقها ليقوم بما ترك من حقّها أو ليمسك عن أذاها ، ففي المتن أنّه حرم عليه ما بذلت ، إمّا لأنّ أخذ العوض في مقابل فعل الواجب أو ترك المحرّم حرام ، كما وقع البحث عنه في المكاسب المحرّمة(1) من أنّ أخذ الأجرة على الواجب غير جائز ، وقد ناقشنا في الحرمة في كتابنا في القواعد الفقهيّة(2) ، فراجع .
(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 14/9 وج15/125 وما بعد .
(2) القواعد الفقهيّة : 1/509 ـ 533 .
(الصفحة493)
شاءت وأين شاءت ونحو ذلك1.
1 ـ قال المحقّق(قدس سره) في الشرائع : وهو ـ يعني الشقاق ـ فعال من الشق ، كأنّ كلّ واحد منهما في شقّ(1) . وقال في الجواهر : ولعلّ الأولى كونه من الشقّ بمعنى التفرّق الذي منه شقّ فلان العصا ، أي فارق الجماعة ، وانشقّت العصا أي تفرّق الأمر(2) .
وكيف كان فالأصل في هذه المسألة قوله تعالى في سورة النساء : {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِن أَهْلِهِ وَحَكَماً مِن أهْلِهَا إِن يُرِيدا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}(3) . وقد ورد في تفسيرها روايات ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله عزّ وجل : {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها}؟ قال : ليس للحكمين أن يفرّقا حتى يستأمرا الرجل والمرأة ، ويشترطان عليهما إن شاءا أجمعا وإن شاءا فرَّقا ، فإن جَمعا فجائز وإن فرّقا فجائز(4) .
ورواية علي بن أبي حمزة قال : سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى : {وَإنْ خِفْتُم شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابعَثُوا حَكَماً مِن أَهْلِهِ وَحَكَماً مِن أَهْلِهَا} فقال : يشترط الحكمان إن شاءا فرّقا ، وإن شاءا جمعا ، ففرّقا أو جمعا جاز(5) .
ورواية صحيحة لمحمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن قول
(1) شرائع الإسلام : 2/339 .
(2) جواهر الكلام : 31/209 .
(3) سورة النساء : 4/35 .
(4) الفقيه : 3/337 ح1662 ، الكافي : 6/146 ح 2 ، التهذيب : 8/103 ح 350 ، الوسائل : 21/348 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب10 ح1 .
(5) الكافي : 6/146 ح 1 ، الوسائل : 21/349 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب10 ح2 .
(الصفحة494)
الله عزّوجل : {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا}؟ قال : ليس للحكمين أن يفرّقا حتى يستأمرا(1) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ : {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها} قال : الحكمان يشترطان ، إن شاءا فرّقا وإن شاءا جمعا ، فإن جمعا فجائز وإن فرّقا فجائز(2) .
ورواية سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجل : {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها} أرأيت إن استأذن الحكمان فقالا للرجل والمرأة : أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتفريق؟ فقال الرجل والمرأة : نعم ، فاشهدا بذلك شهوداً عليهما ، أيجوز تفريقهما عليهما؟ قال : نعم ، ولكن لا يكون ذلك إلاّ على طهر من المرأة من غير جماع من الزوج ، قيل له : أرأيت إن قال أحد الحكمين : فرّقت بينهما ، وقال الآخر : لم أفرّق بينهما؟ فقال : لا يكون التفريق حتى يجتمعا جميعاً على التفريق ، فإن اجتمعا على التفريق جاز تفريقهما(3) .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
وينبغي في بيان المراد من الآية الشريفة من التنبية على أُمور أكثرها مذكورة في المتن في هذه المسألة :
الأوّل : إنّ المراد من خوف الشقاق والفراق بينهما هو وقوع النشوز من الطرفين ،
(1) الكافي : 6/147 ح5 ، الوسائل : 21/352 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب12 ح1 .
(2) الكافي : 6/147 ح3 ، الوسائل : 21/352 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب12 ح2 .
(3) الكافي : 6/146 ح4 ، التهذيب : 8/104 ح351 ، مستطرفات السرائر : 83 ح 23 ، الوسائل : 21/353 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب13 ح1 .
(الصفحة495)
بحيث يخاف الحاكم الفراق بينهما بالخوف الّذي عرفت(1) معناه في آية خوف النشوز(2) . ولكن ذكر صاحب الجواهر(قدس سره) : أنّ المحصّل من الأصحاب في المراد بالآية إضمار الاستمرار ، بمعنى وإن خفتم إستمرار الشقاق بينهما ، أو كون المراد بالخوف العلم والتحقّق(3) . والظاهر ما ذكرنا كما في المتن .
الثاني : الظّاهر أنّ المخاطب بالبعث هم الحكّام المنصوبون لمثل ذلك ، بل في المحكي عن كنز العرفان(4) أنّه المروي عن الباقر والصادق (عليهما السلام) ، وفي المرسل المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وامرأة في هذا الحال فبعث (عليه السلام) حكماً من أهله وحكماً من أهلها(5) . ولكنّ المحكي عن الصدوقين(6)وظاهر المحقّق في النافع(7) أنّ المخاطب الزوجان فإن امتنعا فالحاكم ، وغير خفيّ أنّه مخالف لظاهر الآية الشريفة في أنّ الخائف غير الزوجين اللّذين يتخوّف من وقوع الشقاق بينهما ، وليس إلاّ الحاكم المنصوب لمثل ذلك . نعم في صورة تعذّر الحاكم قام عدول المسلمين مقامه في ذلك .
ثمّ إنّه بملاحظة أنّ المخاطب هو الحاكم ، ومن الواضح عدم ثبوت علم الغيب له ، فلابدّ أن يُقال : بأنّ المفروض صورة انجرار الأمر إلى الحاكم من الزوجين ، وهل
(1) في ص485 .
(2) سورة النساء : 4/34 .
(3) جواهر الكلام : 31/210 ـ 211 .
(4) كنز العرفان : 2/213 .
(5) تفسير القمي : 1/137 باختلاف يسير ، مستدرك الوسائل : 15/108 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب11 ح2 .
(6) المقنع: 350، وفي مختلف الشيعة: 7 / 395 مسألة 54 عنه وعن أبيه في الرسالة.
(7) المختصر النافع : 217 .
(الصفحة496)
يجب على الحاكم ذلك في صورة العلم له من غير أن يجرّ الزوجان أمرهما إليه؟ لا يبعُد أن يُقال بالوجوب ، ويمكن أن يُقال بالعدم ، نظراً إلى أنّه مع عدم جرّهما إليه لا مجال لثبوت الوجوب له ، فتدبّر جيّداً .
الثالث : الظاهر بمقتضى الأمر بالبعث وجوب هذا البعث ، مضافاً إلى أنّ ذلك من الأمر بالمعروف ، ومن الأمور الحسبيّة التي نُصِّبَ الحاكم لأمثالها ، وقد خالف في ذلك العلاّمة في محكي التحرير ، حيث إنّه قال باستحباب ذلك للأصل وظهور الأمر في الإرشاد ، على أنّه من الأمور الدنيويّة التي لا يظهر إرادة الوجوب منه فيها(1) وجواب الكلّ واضح .
الرّابع : أنّ توصيف الحكمين بكونهما من أهله ومن أهلها يقتضي اعتبار القرابة في الحكومة ، ويؤيّده ثبوت الرأفة للقريب بالإضافة إلى قريبه . نعم لو لم يكن هناك حكم قريب تعيّن الأجنبي لحصول الغرض به كما لا يخفى ، لكن في محكيّ الرياض في شرح قول المصنّف : ويجوز أن يكونا أي الحكمان أجنبيّين قال : «إمّا مطلقاً كما هو ظاهر المتن ، أو مقيّداً بعدم الأهل كما هو الأقوى ، لكن مع ذلك ليس لهما حكم المبعوث من أهلهما من إمضاء ما حكما عليهما لمخالفته الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النصّ ، ويكون حكمهما حينئذ الاقتصار على ما أذن به الزوجان وفيه وكّلا ، وليس لهما من التحكيم ـ الذي هو حكم الحكمين كما يأتي ـ شيء جدّاً ، وفي حكم فقد الأهل توقّف الإصلاح على الأجنبيين(2) . وفي الجواهر بعد نقل هذا الكلام قال : وهو من غرائب الكلام يمكن دعوى الإجماع على خلافه(3) الخ .
(1) تحرير الأحكام : 2/42 .
(2) رياض المسائل : 7/206 .
(3) جواهر الكلام : 31/213 .
(الصفحة497)
الخامس : قال المحقّق في الشرائع : وهل بعثهما على سبيل التحكيم أو التوكيل؟ الأظهر أنّه تحكيم(1) . وعن ظاهر المحكي عن السرائر(2) وفقه القرآن(3) الإجماع عليه ، وفي محكي المبسوط أنّه مقتضى المذهب(4) . والدّليل عليه تسميتهما حكمين في الكتاب(5) والسنّة(6) والفتاوى ، والوكيل مأذون ليس بحكم ، والمخاطب به الزوجان لا غيرهما ، ولأنّهما إن رأيا الإصلاح فعلاه من غير استئذان ، ولا دلالة لكونهما حكمين على ثبوت قاضي التحكيم ومشروعيّته ، وإن لم يعتبر رضا المتداعيين بحكمه بعد التوافق على الترافع إليه ، كما هنا لوحدته هناك وتعدّد الحكمين هنا وكونهما مبعوثين من جانب الحاكم الواحد ، فلا ارتباط بين المسألتين .
السادس : يُستفاد من الجواهر أنّه لا ريب في اشتراط البلوغ والعقل والإهتداء إلى ما هو المقصود من بعثهما ، قيل : والإسلام ، وهو جيّد فيما كان الشقاق بين المسلمين أمّا غيرهم فلا يخلو من نظر ، وأمّا العدالة والحرّية ففي المسالك : إن جعلناهما حكمين اعتبرا قطعاً ، وإن جعلناهما وكيلين ففي اعتبارهما وجهان ، أجودهما العدم; لأنّهما ليسا شرطاً في الوكيل(7)(8) .
هذا ، والظّاهر أنّه لا دليل على الاعتبار على الفرض الأوّل أيضاً; لاقتضاء
(1) شرائع الإسلام : 2/339 .
(2) السرائر : 2/730 .
(3) فقه القرآن : 2/193 .
(4) المبسوط : 7/340 .
(5) سورة النساء : 4/35 .
(6) الوسائل : 21/348 ـ 349 و352 ـ 354 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب10 و12 و13 .
(7) مسالك الأفهام : 8/367 .
(8) جواهر الكلام : 31/214 ـ 215 .
(الصفحة498)
الإطلاق العدم ، واعتبارهما في مطلق القاضي أو قاضي التحكيم فرضاً لا يستلزم الاعتبار هنا بوجه .
السابع : أنّ الحكمين المبعوثين يجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما ، وفي السبب الدّاعي إلى الشقاق بينهما ثمّ السعي في أمرهما ودقّة النظر في وضعهما ، فإن اتّفقها على الإصلاح فعلاه من غير مراجعة لهما ، قال الله تعالى : {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا}(1) يعني لا محيص عن بقاء الزوجيّة مع إرادة الحكمين الإصلاح ، وإن اتّفقا على التفريق فالمشهور(2) عدم جوازه إلاّ مع مراجعتهما ، ولعلّه لظاهر كون المراد من التحكيم فعل ما يتحقّق به الإصلاح والتأليف .
ويؤيّده الاقتصار في الآية على إرادتهما الإصلاح ، وفي صحيحة الحلبي المتقدّمة قال (عليه السلام) : «ليس للحكمين بأن يفرّقا حتى يستأمر الرجل والمرأة ، ويشترطان عليهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرّقا ، فإن جمعا فجائز وإن فرّقا فجائز» وفي صحيحة محمّد ابن مسلم المتقدّمة أيضاً قال (عليه السلام) : «ليس للحكمين أن يفرّقا حتى يستأمرا» . ويدلّ عليه غير ذلك من الروايات(3) .
لكن في المسالك : قد روي أنّ عليّاً (عليه السلام) بعث حكمين وقال : تدريان ما عليكما؟ إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما . فقالت المرأة : رضيت بما في كتاب الله عليّ ولي ، فقال الرجل : أمّا الفرقة فلا . فقال عليّ (عليه السلام) : كذبت والله حتّى تقرّ بمثل الّذي أقرّت به(4) .
(1) سورة النساء : 4/35 .
(2) الخلاف : 4/417 ، المبسوط : 4/340 ، شرائع الإسلام : 2/339 ، الروضة البهية : 5/432 .
(3) الوسائل : 21/348 ـ 349 و352 ـ 354 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب10 و12 و13 .
(4) تفسير العياشي : 1/241 ح127 ، الوسائل : 21/354 ، أبواب القسم والنشوز والشقاق ب13 ح6 .
(الصفحة499)
وقد احتجّ بهذا الخبر الفريقان : فالأوّل من حيث إنّه اعتبر رضاهما وإقرارهما ، والثاني من حيث جعل الجمع والتفريق إلى الحكمين ، وقوله (عليه السلام) : «حتى تقرّ» أي ليس لك أن تمتنع بل عليك أن تنقاد لحكم الله تعالى كما انقادت هي ، وهذا أشبه بمذهب ابن الجنيد(1)(2) .
قال في الجواهر بعد نقل ذلك : يمكن تنزيل الخبر على تلك الأخبار ، وأيضاً على معنى أنّه لابدّ من اتّفاقهما على كيفيّة الحكم على الإصلاح خاصّة أو عليه وعلى التفريق . نعم يظهر منه وجوب تبعيّة الآخر عن إرادة تعميم التحكيم(3) .
ثمّ إنّ ظاهر المتن نفوذ حكمهما على الزوجين ، ولو استقرّ رأيهما على التفريق من غير اعتبار رضاهما ، ولكن عرفت أنّ مقتضى الروايات النفوذ مطلقاً مع الاستئمار والاشتراط لا بدونه ، فلا محيص عن الالتزام به ، وسيأتي في المسألة الآتية التصريح به ، فانتظر .
الثامن : لو اشترط الحكمان شرطاً فاللاّزم الالتزام به إذا كان الشرط سائغاً ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك كالأمثلة المذكورة في المتن أيضاً ، فإنّه لا يجب الالتزام به بوجه .
لا يُقال : إنّ مقتضى الآية نفوذ حكمهما بالإضافة إلى الجمع والتفريق فقط لا بالإضافة إلى الشروط أيضاً; لعدم كونها في ضمن عقد لازم ، فإنّه يُقال : إنّ المستفاد من الآية خصوصاً مع التعبير بأنّهما حكمان ، نفوذ حكمهما بالإصلاح مع الاشتراط أيضاً ـ كنفوذ حكمهما به مطلقاً أو بالتفريق بالنّحو المذكور سابقاً ـ
(1) حكى عنه في مختلف الشيعة : 7/397 .
(2) مسالك الأفهام : 8/368 ـ 369 .
(3) جواهر الكلام : 31/217 .
(الصفحة500)
مسألة 5 : لو اجتمع الحكمان على التفريق ليس لهما ذلك إلاّ إذا شرطا عليهما حين بعثهما بأنّهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرّقا ، وحيث إنّ التفريق لا يكون إلاّ بالطلاق فلابدّ من وقوعه عند اجتماع شرائطه1.
بضميمة الرّوايات الواردة في تفسيرها ، فتدبّر جيّداً .
هذا ، ولكن ذكر المحقّق في الشرائع : أنّ ما يشترطه الحكمان يلزم إن كان سائغاً ، وإلاّ كان لهما نقضه(1) . وهو يشعر بأنّ لهما الرّضا به ولهما نقضه ، مع أنّه غير معروف في الشرط غير السائغ ، وذكر في محكي المسالك ما يرجع إلى أنّه إذا اشترط الحكمان شرطاً نظر فيه ، فإن كان ممّا يصحّ لزومه شرعاً لزم وإن لم يرضَ الزوجان ، وإن كان غير مشروع لم يلزم ذلك بلا خلاف ، ثمّ إن كان الشرط ممّا للزوجين فيه التصرّف فلهما نقضه والتزامه تبرّعاً ، وإن كان غير مشروع أصلا ومنقوض في نفسه ، ويمكن أن يريد المصنّف بقوله : «كان لهما نقضه» مطلقاً الشامل للجميع الدالّ بمفهومه على أن لهما أيضاً إلتزامه بإلتزام مقتضاه ، بأن لا يتزوّج ولا يتسرّى تبرّعاً بذلك وإن لم يكن لازماً له بالشرط ، قلت : لا يخفى عليك ما فيه من خلاف الظاهر ، كما افاده في الجواهر(2) .
1 ـ قد وقع التعرّض لأصل المسألة في الأمر السّابع من الأمور المتقدّمة ، لكنّ الذي ينبغي التعرّض له هنا أنّه إذا استقرّ رأيهما على التفريق مع الاستئمار والإشتراط ، حيث إنّ التفريق لا يتحقّق بنفسه بل بسبب الطلاق ، فلابدّ من وقوعه عند اجتماع شرائطه الّتي منها الخلوّ عن الحيض وعدم كون الطهر طهر
(1) شرائع الإسلام : 2/339 .
(2) جواهر الكلام : 31/219 .
|