(الصفحة61)
تتمّة
الظاهر أنّ العدالة المعتبرة في الشاهد هي العدالة الواقعيّة في مقابل الفسق الواقعي ، غاية الأمر أنّه قد تقرّر في محلّه أنّ حسن الظاهر أمارة شرعية على العدالة لعدم العلم بملكتها نوعاً; فلذا جعل الشارع حسن الظاهر كاشفاً شرعاً عليها ، ولكن لازم ذلك أنّه يجوز للمطلّق أن يكون الشاهدان عند طلاقه متّصفين بحسن الظاهر ، وأمّا إذا انكشف له بعد الطلاق الفسق وعدم العدالة فالظاهر بطلان الطلاق; لأنّ اعتبار الأمارة إنّما هو ما لم ينكشف الخلاف ، ومع انكشاف الخلاف ولو كانت الأمارة شرعية لا يبقى لها موقع ، كما لا يخفى .
وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما هو المحكي عن المسالك من قوله: هل يقدح فسقهما في نفس الأمر بالنسبة إليهما حتى لا يصحّ لأحدهما أن يتزوّج بها أم لا ، نظراً إلى حصول شرط الطلاق وهو العدالة ظاهراً وجهان . وكذا لو علم الزوج فسقهما مع ظهور عدالتهما ، ففي الحكم بالوقوع بالنسبة إليه حتى يسقط عنه حقوق الزوجية وتستبيح أختها والخامسة وجهان ، والحكم بصحّته فيهما لا يخلو من قوّة(1) .
ومن العجيب الحكم بصحّة الطلاق بمجرّد حسن الظاهر مع علم الزوج المطلِّق بفسق الشاهدين ، مع أنّ حسن الظاهر أمارة شرعية على العدالة ، ولا مجال للامارة مع العلم بالخلاف ، وكذا مع العلم بالوفاق من دون فرق بين الأمارات الشرعية والأمارات العقلائية .
وممّا ذكرنا يظهر أنّ حسن الظاهر إنّما يكفي للزوج في إنشاء الطلاق وإيقاعه إذا لم يكن الشاهد معلوم الفسق ، وإلاّ فلا يجوز أصلا ، خصوصاً بملاحظة قوله تعالى :
(1) مسالك الافهام: 9 / 115 .
(الصفحة62)
مسألة 10 : لو طلّق الوكيل عن الزوج لا يكتفى به مع عدل آخر في الشاهدين ، كما لا يكتفى بالموكّل مع عدل آخر(1) .
مسألة 11 : المراد بالعدل في هذا المقام ما هو المراد به في غيره ممّا رتّب عليه بعض الأحكام ، كما مرّ في كتاب الصلاة(2) .
{وأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْل مِنْكُمْ}(1) مع كون الخطاب متوجّهاً إلى المطلّقين من الأزواج ، والشاهد في المفروض معلوم الفسق لا محرز العدالة . وقد تكلّمنا في بحث العدالة وفي الأمارة الشرعية عليها مفصّلا بما لا مزيد عليه في بحث اعتبار العدالة في مرجع التقليد ، وفي بيان معناها في كتاب الاجتهاد والتقليد من هذا الكتاب في المسائل الأخيرة منه(2) . وأحلنا إلى ذلك في مسألة اعتبار العدالة في الشاهد من كتاب الشهادات في بحث صفات الشهود ، فراجع .
1 ـ وجه عدم الاكتفاء أنّ الظاهر المتفاهم عرفاً من أدلّة اعتبار شاهدين عدلين من الكتاب والسنّة إعتبار شاهدين خارجين عن المطلّق; ومن الواضح عدم ثبوتهما في الفرض الأوّل; لأنّ المطلّق أحد الشاهدين . والوجه في عدم الاكتفاء في الفرض الثاني صدق المطلّق على الزوج الموكّل ، فلا يجوز أن يكون أحد الشاهدين بل لابدّ أن يكون غيره،لكن في محكي المسالك(3) مايظهر منه خلاف ذلك،ومن الواضح خلافه.
2 ـ قد عرفت أنّ معنى العدالة في الشريعة واحد ، غاية الأمر أنّ الشارع جعل
(1) سورة الطلاق: 65 / 2 .
(2) تفصيل الشريعة / الاجتهاد والتقليد : 75 ـ 79 .
(3) مسالك الافهام: 9 / 115 .
(الصفحة63)
مسألة 12 : لو كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلّق ـ أصيلا كان أو وكيلا ـ وفاسقين في الواقع يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن يطّلع على فسقهما ، وكذلك إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكّل ، فإنّه يشكل جواز ترتيب آثار الصحّة عليه ، بل الأمر فيه أشكل من سابقه(1) .
لها أمارة شرعية وهي حسن الظاهر ، على ما استفيد من الرواية الواردة في تفسيرها وبيان الأمارة لها ، وهي صحيحة ابن أبي يعفور المعروفة المذكورة في الوسائل في الباب الحادي والأربعين من كتاب الشهادات(1) . ولا يختلف معنى العدالة باعتبار اختلاف الأحكام المترتّبة عليها ، غاية الأمر قيام الدليل على ترتّب بعض الأحكام عند وجود الأمارة المزبورة كباب الجماعة ، وإن انكشف الخلاف وعدم قيامه على الصحّة مع انكشاف الخلاف بمجرّد قيام الأمارة الشرعية كباب الطلاق ، وإلاّ فلا يكون هناك اختلاف في معنى العدالة وتعريفها ، وكذا في وجود الأمارة الشرعية عليها ، كما لا يخفى .
1 ـ يظهر الوجه في عدم الاعتبار ممّا ذكرنا ، كما أنّ الظاهر أنّ الوجه في كون الفرض الثاني أشكل من الفرض الأوّل هو وضوح كون المطلّق حقيقة هو الموكّل ، فمع عدم اعتقاده بعدالة الشاهدين كيف يمكن أن يقال بوقوع الطلاق الصحيح منه ، ولو كان إنشاء الطلاق صادراً من الوكيل والشاهدان عادلان عنده ، وهذا كالبيع الصادر من الوكيل مع اعتقاده الصحّة ، وعلم الموكّل بالبطلان ، كما لايخفى .
(1) الفقيه: 3 / 24 ح65 ، الوسائل: 27 / 391 ، كتاب الشهادات ب41 ح1 .
(الصفحة64)
(الصفحة65)
القول في أقسام الطّلاق
الطلاق نوعان : بدعي وسنّي :
فالأوّل: هو غير الجامع للشرائط المتقدّمة ، وهو على أقسام فاسدة عندنا صحيحة عند غيرنا .
والثاني: ما جمع الشرائط في مذهبنا ، وهو قسمان: بائن ورجعي ، فالبائن ما ليس للزوج الرجوع إليها بعده ، سواء كانت لها عدّة أم لا ، وهو ستّة :
الأوّل: الطلاق قبل الدخول .
الثاني: طلاق الصغيرة ، أي من لم تبلغ التسع وإن دخل بها .
الثالث: طلاق اليائسة ، وهذه الثلاث ليست لها عدّة كما يأتي .
الرابع والخامس: طلاق الخلع والمبارات مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت ، وإلاّ كانت له الرجعة .
السادس: الطلاق الثالث إذا وقع منه رجوعان إلى الزوجة في البين ، بين الأوّل والثاني ، وبين الثاني والثالث ولو بعقد جديد بعد خروجها عن العدّة(1) .
1 ـ تقسيم الطلاق إلى البدعي والسنّي إنّما هو باعتبار لفظه الذي يقع على الأعمّ
(الصفحة66)
من الصحيح والفاسد لغةً وعرفاً وشرعاً ، وإلاّ فالطلاق البدعي لا يكون صحيحاً كما أنّ الطلاق البدعي ما أُنشئ بعنوان المشروعية ، ضرورة أنّ نفس التلفّظ بالصيغة مع العلم بعدم تأثيرها لا يكون بمحرّم أصلا ، فالمحرّم ما إذا أُنشِئ بعنوان المشروعية ، غاية الأمر أنّا ذكرنا غير مرّة أنّ الحرمة لا تسري من متعلّقها إلى شيء آخر ، فالمحرّم هي البدعة ، والإنطباق على الطلاق لا يوجب حرمته بوجه . والتحقيق في محلّه .
ثم إنّ الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد ، الذي قد ذكرنا(1) أنّه تقع واحدة منها بدعي وسنّي معاً ، ضرورة أنّها بدعية بالإضافة إلى الثلاثة المقصودة الباطلة ، وسنّية بالإضافة إلى الواحدة الصحيحة غير المقصودة ، فتدبّر .
ثم إنّ الطلاق السنّي ينقسم إلى بائن ورجعي ، فالبائن ما ليس للزوج فيه الرجوع بعده; لأجل عدم ثبوت العِدّة فيها أصلا كالطلاق قبل الدخول ، وطلاق الصغيرة وإن وقعت مدخولا بها بالدخول المحرّم أو غيره وطلاق اليائسة ، أو لأجل عدم ثبوت حقّ الرجوع فيه وإن كانت لها عدّة كطلاقي الخلع والمبارات مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت وإلاّ كانت له الرجعة ، والطلاق الثالث مع وقوع تجدّد الزوجية في البين بين الأوّل والثاني وبين الثاني والثالث ، سواء كان بالرجوع في العدّة أو بالتزويج بعد الخروج من العدّة ، وسيأتي التفصيل إن شاء الله تعالى .
والمحقّق في الشرائع قسّم طلاق السنّة إلى أقسام ثلاثة: بائن ورجعي وطلاق العدّة(2) . وفي محكي القواعد للعلاّمة تقسيم الطلاق الشرعي إلى طلاق عدّة وسنّة ،
(1) في ص48 ـ 52 .
(2) شرائع الإسلام: 3 / 23 .
(الصفحة67)
ثم بعد ذلك قسّمه إلى البائن والرجعي(1) ، وكذلك فعل في الإرشاد(2) إلاّ أنّه قدّم التقسيم إلى البائن والرّجعي على السنّي والعدّي .
وفي محكي المسالك التحقيق أنّ الطلاق العدّي من أقسام الرجعي ، والطلاق السنّي ـ بالمعنى الأخصّ ـ بينه وبين كلواحد من البائن والرجعي عموم وخصوص من وجه يختصّ البائن عنه بما إذا لم يتزوّجها بعد العدّة مع كونه بائناً ، ويختصّ السنّي عنه بما إذا كان رجعياً ولم يرجع ويتزوّجها بعد العدّة ، ويتصادقان فيما إذا كان الطلاق بائناً وتزوّجها بعد العِدّة ، ويختصّ العدّي عنه بما إذا رجع في العدّة ، ويختص السنّي عنه بما إذا كان الطلاق بائناً وتزوّج بعد العدّة ، ويتصادقان فيما إذا كان الطلاق رجعياً ولم يرجع فيه إلى أن انقضت العدّة ثمّ تزوّجها بعقد جديد ، انتهى(3) .
وقال في الجواهر : الأجود في التقسيم أن يقسم الطلاق السنّي إلى البائن والرجعي والقسمة حاصرة غير متداخلة ، ويقسم أيضاً إلى طلاق العِدّة وطلاق السنّة بالمعنى الأخص وغيرهما لا أن يقتصر عليهما(4) .
هذا ولكن الروايات المستفيضة تدلّ على تقسيم الطلاق إلى طلاق العِدّة وطلاق السنّة ، ففي:
صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال: كلّ طلاق لايكون على السنّة أو طلاق على العدّة فليس بشيء . قال زرارة: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): فسّر لي طلاق السنّة وطلاق العِدّة ، فقال : أمّا طلاق السنّة فإذا أراد الرجل أن يطلّق امرأته ، فلينتظر
(1) قواعد الاحكام: 2 / 64 .
(2) إرشاد الأذهان: 2 / 44 .
(3) مسالك الافهام: 9 / 112 .
(4) جواهر الكلام: 32 / 117 .
(الصفحة68)
بها حتى تطمث وتطهر ، فإذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غير جماع ، ويُشهد شاهدين على ذلك ، ثم يدعها حتى تطمث طمثتين فتنقضي عدّتها بثلاث حيض وقد بانت منه ، ويكون خاطباً من الخطّاب إن شاءت تزوجته وإن شاءت لم تزوّجه وعليه نفقتها والسكنى ما دامت في عِدّتها ، ويتوارثان حتى تنقضي عدّتها .
وأمّا طلاق العِدّة الذي قال الله عزّوجلّ: {فَطَلِّقُوهنّ لِعِدَّتِهنَّ وَأَحْصُوا العِدّة}(1)فإذا أراد الرجل منكم أن يطلّق امرأته طلاق العِدّة ، فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ، ثم يطلّقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ، ويراجعها من يومه ذلك إن أحبّ أو بعد ذلك بأيّام قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ، ويواقعها حتى تحيض ، فإذا حاضت وخرجت من حيضها طلّقها تطليقةً أخرى من غير جماع ، ويشهد على ذلك ، ثم يراجعها أيضاً متى شاء قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ويواقعها ، وتكون معه إلى أن تحيض الحيضة الثالثة ، فإذا خرجت من حيضتها الثالثة طلّقها التطليقة الثالثة بغير جماع ، ويشهد على ذلك ، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه ، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره . قيل له: وإن كانت ممّن لا تحيض؟ فقال : مثل هذه تطلّق طلاق السّنة(2) .
وفي صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن طلاق السنّة؟ فقال : طلاق السنّة إذا أراد الرجل أن يطلّق امرأته يدعها إن كان قد دخل بها حتى تحيض ثم تطهر ، فإذا طهرت طلّقها واحدة بشهادة شاهدين ، ثم يتركها حتى تعتدّ ثلاثة قروء ، فإذا مضى ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة وحلّت للأزواج ، وكان
(1) سورة الطلاق: 65 / 1 .
(2) الكافي: 6 / 65 ح2 ، التهذيب: 8 / 26 ح83 ، الوسائل: 22 / 103 و 108 ، أبواب أقسام الطلاق ب1 ح1 وب2 ح1 .
(الصفحة69)
زوجها خاطباً من الخطّاب ، إن شاءت تزوّجته وإن شاءت لم تفعل ، فإن تزوّجها بمهر جديد كانت عنده على اثنتين باقيتين وقد مضت الواحدة ، فإن هو طلّقها واحدة أخرى على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ، ثم تركها حتى تمضي اقراؤها فإذا مضت اقراؤها من قبل أن يراجعها فقد بانت منه باثنتين ، وملكت أمرها وحلّت للأزواج ، وكان زوجها خاطباً من الخطّاب ، إن شاءت تزوّجته وإن شاءت لم تفعل ، فإن هو تزوّجها تزويجاً جديداً بمهر جديد كانت معه بواحدة باقية وقدمضت ثنتان، فإن أراد أن يطلّقها طلاقاً لاتحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، تركها حتى إذا حاضت وطهرت أشهد على طلاقها تطليقة واحدةً، ثم لاتحلّ له حتى تنكح زوجاًغيره. وأمّا طلاق الرّجعة(1) فإن يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يطلّقها بشهادة شاهدين ، ثم يراجعها ويواقعها ، ثم ينتظربهاالطهر فإذاحاضتوطهرت أشهد شاهدين على تطليقة أخرى ، ثم يراجعها ويواقعها ثم ينتظر بها الطهر ، فإذا حاضت وطهرت أشهد شاهدين على التطليقة الثالثة ، ثم لا تحلّ له أبداً حتى تنكح زوجاً غيره ، وعليها أن تعتدّ ثلاثة قروء من يوم طلّقها التطليقة الثالثة ، فإن طلّقها واحدة بشهود على طهر ، ثم انتظر بها حتى تحيض وتطهر ثم طلّقها قبل أن يراجعها لم يكن طلاقه الثانية طلاقاً; لأنّه طلّق طالقاً; لأنّه إذا كانت المرأة مطلّقة من زوجها كانت خارجة من ملكه حتى يراجعها ، فإذا راجعها صارت في ملكه ما لم يطلّقها التطليقة الثالثة ، فإذا طلّقها التطليقة الثالثة فقد خرج ملك الرجعة من يده ، فإن طلّقها على طهر بشهود ثمّ راجعها ، وانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت وطهرت ، ثم طلّقها قبل أن يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقاً; لأنّه طلّقها التطليقة الثانية في طهر الاُولى ، ولا ينقضي الطهر إلاّ بمواقعة بعد الرجعة ، وكذلك
(1) في الاستبصار : العدّة .
(الصفحة70)
مسألة 1 : لو طلّقها ثلاثاً مع تخلّل رجعتين حرمت عليه ولو بعقد جديد ، ولا تحلّ له إلاّ بعد أن تنكح زوجاً غيره ثم فارقها بموت أو طلاق وانقضت عِدّتها وحينئذ جاز للأوّل نكاحها(1) .
لاتكون التطليقة الثالثة إلاّ بمراجعة ومواقعة بعد الرجعة، ثم حيض وطهر بعد الحيض، ثم طلاق بشهود حتى يكون لكلّ تطليقة طهر من تدنيس المواقعة بشهود(1).
إلى غير ذلك من النصوص(2) ، ولكن مع ذلك يكون الأمر سهلا; لأنّ المهمّ هي الأحكام المترتّبة على الأقسام لا إلى التسمية والعنوان .
1 ـ الأصل في هذه المسألة قوله تعالى : {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بإحْسَان} إلى قوله تعالى : {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا}(3) .
ويدلّ عليه أيضاً بعض ما تقدّم من الروايات والروايات(4) الاُخر أيضاً ، وينبغي أن يعلم أنّه ليس لطلاق الزوج الآخر خصوصيّة ، بل المراد حصول المفارقة بموت أو طلاق وانقضاء عدّتها ، فيصير الزوج الأوّل ـ بتعبير الروايات المتقدّمة ـ كأحد من الخطّاب إن شاءت تزوّجته وإن شاءت لم تتزوّجه .
كما أنّه ينبغي أن يعلم أنّ نكاح الزوج الآخر لابدّ أن يكون بنحو النكاح الدائم الذي يجري فيه الطلاق بقرينة قوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا} والنكاح المنقطع
(1) الكافي: 6 / 66 ح4 ، التهذيب : 8 / 27 ح84 ، الاستبصار : 3/268 ح959 ، الوسائل: 22 / 104 و 109 ، أبواب أقسام الطلاق ب1 ح3 وب2 ح2 .
(2) الوسائل: 22 / 101 ـ 110 ، أبواب أقسام الطلاق ب1 و 2 .
(3) سورة البقرة: 2 / 229 ـ 230 .
(4) الوسائل: 22 / 101 ـ 110 ، أبواب أقسام الطلاق ب1 و 2 .
(الصفحة71)
مسألة 2 : كلّ امرأة حرّة إذا استكملت الطلاق ثلاثاً مع تخلّل رجعتين في البين ، حرمت على المطلّق حتى تنكح زوجاً غيره ، سواء واقعها بعد كلّ رجعة وطلّقها في طهر آخر غير طهر المواقعة ، وهذا يقال له: طلاق العِدّة ، أو لم يواقعها ، وسواء وقع كلّ طلاق في طهر أو وقع الجميع في طهر واحد ، فلو طلّقها مع الشرائط ثم راجعها ثم طلّقها ثم راجعها ثم طلّقها في مجلس واحد حرمت عليه ، فضلا عمّا إذا طلّقها ثم راجعها ، ثم تركها حتى حاضت وطهرت ثم طلّقها وهكذا(1) .
لا يكون فيه طلاق ، ولعلّه سيجيء البحث فيه إن شاء الله تعالى .
1 ـ وقد عرفت أنّ الأصل في ذلك قوله تعالى : {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} متفرّعاً على قوله تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} من دون فرق بين طلاق العدّة المفسّر في الروايات بما إذا واقعها بعد كلّ رجعة ، وطلّقها في طهر آخر غير طهر المواقعة ، وبين ما إذا لم تتحقّق المواقعة بعد الرجوع أصلا; وذلك لإطلاق الآية الشريفة ، التي وقع فيها تفريع عدم الحلية يعني بحصول نكاح جديد من زوج جديد وحصول المفارقة منه وانقضاء العدّة بطلاق أو موت كما تقدّم . وكذلك مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أن يتحقّق كلّ طلاق في طهر مستقل ، أو وقع الجميع في طهر واحد ، فلو طلّقها مع الشرائط ثم راجعها ثم طلّقها ثم راجعها ثم طلّقها في مجلس واحد ، حرمت عليه واحتاجت إلى المحلّل . ومن الواضح مغايرة هذا مع الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد الواقع عند مخالفينا(1) دون أصحابنا الإمامية
(1) الأمّ: 5 / 280 ، المجموع: 18 / 249 ، مغني المحتاج: 3 / 311 ، المغني لابن قدامة: 8/240 ، الشرح الكبير: 8 / 257 ، المبسوط: 6 / 57 .
(الصفحة72)
رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . ومن هذا تستفاد القاعدة الكلية وهو ترتّب الحرمة على الطلاق الثالث مع تخلّل رجعتين في البين ، سواء تحقّقت المواقعة بعد كلّ رجعة أو لم تتحقّق ، وسواء وقع كلّ طلاق في طهر مستقل أو وقع الجميع في طهر واحد بنحو ما عرفت .
ولكن ورد في هذا المجال طائفتان من الأخبار :
فالطائفة الاُولى: ما ظاهرها اعتبار المواقعة بعدالرجوع في صحّة الطلاق الثاني مثل:
صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام)في الرجل يطلّق امرأته له أن يراجع ، وقال: لا يطلّق التطليقة الاُخرى حتى يمسّها(1) .
والظاهر أنّ معنى قوله(عليه السلام) «له: أن يراجع» ، عبارة عن التطليقة الاُخرى .
ورواية المعلّى بن خنيس ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يطلّق امرأته تطليقة ثم يطلّقها الثانية قبل أن يراجع ، قال: فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع ويجامع(2) .
وموثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم(عليه السلام) قال : سألته عن رجل يطلّق امرأته في طهر من غير جماع ، ثم يراجعها من يومه ثم يطلّقها ، تبين منه بثلاث تطليقات في طهر واحد؟ فقال: خالف السنّة ، قلت : فليس ينبغي له إذا راجعها أن يطلّقها إلاّ في طهر آخر؟ فقال : نعم ، قلت : حتى يجامع؟ قال : نعم(3) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : المراجعة في (هي خ ل) الجماع، وإلاّ
(1) الكافي: 6 / 73 ح2 ، الوسائل: 22 / 141 ، أبواب أقسام الطلاق ب17 ح2 .
(2) التهذيب: 8/46 ح143 ، الاستبصار: 3/284 ح1004 ، الوسائل: 22/142، أبواب أقسام الطلاق ب17 ح5 .
(3) الكافي: 6 / 60 ح12 ، الوسائل: 22 / 21 ، أبواب أقسام الطلاق ب8 ح6 .
(الصفحة73)
فانّما هي واحدة(1) .
وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه ، كرواية أبي بصير الطويلة المتقدّمة(2) .
والطائفة الثانية: ما تدلّ على الصحّة وإن لم تتحقّق المواقعة ، مثل:
موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : قلت له : رجل طلّق امرأته ثم راجعها بشهود ثم طلّقها ، ثم بدا له فراجعها بشهوة ثم طلّقها فراجعها بشهود تبين منه؟ قال : نعم ، قلت : كلّ ذلك في طهر واحد ، قال : تبين منه ، قلت : فإنّه فعل ذلك بامرأة حامل أتبين منه؟ قال : ليس هذا مثل هذا(3) .
وصحيحة عبد الحميد بن عوّاض ومحمد بن مسلم قالا : سألنا أبا عبدالله(عليه السلام)عن رجل طلّق امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامع ، ثم طلّق في طهر آخر على السّنة أتثبت التطليقة الثانية بغير جماع؟ قال : نعم ، إذا هو أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة ثابتة (ثانية خ ل)(4) .
وصحيحة البزنطي قال : سألت الرضا(عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته بشاهدين ثم راجعها ولم يواقعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها ، ثم طلّقها على طهر بشاهدين أيقع عليها التطليقة الثالثة وقد راجعها ولم يواقعها؟ قال : نعم(5) .
وحسنة علي بن راشد المضمرة قال : سألته مشافهة عن رجل طلّق امرأته
(1) الكافي: 6 / 73 ح1 ، التهذيب: 8 / 44 ح135 ، الاستبصار: 3 / 280 ح994 ، الوسائل: 22 / 140 ، أبواب أقسام الطلاق ب17 ح1 .
(2) في ص68 ـ 70 .
(3) التهذيب: 8/92 ح317 ، الاستبصار: 3/ 282 ح100 ، الوسائل: 22 / 144 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح5 .
(4) التهذيب: 8/45 ح139 ، الاستبصار: 3/ 281 ح997 ، الوسائل: 22 / 143 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح1 .
(5) التهذيب: 8/45 ح140 ، الاستبصار: 3/281 ح998 ، الوسائل: 22 / 143 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح2 .
(الصفحة74)
بشاهدين على طهر ثم سافر وأشهد على رجعتها ، فلما قدم طلّقها من غير جماع ، أيجوز ذلك له؟ قال : نعم قد جاز طلاقها(1) وغير ذلك من الروايات(2) الدالّة عليه .
قال المحقّق في الشرائع بعد الإشارة إلى الطائفتين : وهي ـ يعني الطائفة الثانية ـ الأصحّ . . . ومن فقهائنا من حمل الجواز على طلاق السنّة ، والمنع على طلاقه للعدّة ، وهو تحكّم(3) .
والأظهر ترجيح الطائفة الثانية على الاُولى بالشهرة الفتوائية المحقّقة بين الأصحاب(4) . بل قال في الجواهر: لا بأس بدعوى الإجماع معها إذ لم أجد قائلا بالاُولى ، إلاّ ما حكي عن ابن أبي عقيل(5) وقد لحقه الإجماع . فلا إشكال حينئذ في ترجيح هذه النصوص على السابقة وحملها على ضرب من الاستحباب(6) .
والجمع الذي أشار إليه المحقّق وإن استشهد له بالخبرين ، إلاّ أنّ دلالتهما على ذلك ممنوع ، ولعلّه لذا وصفه بأنّه تحكّم سيّما خبر أبي بصير قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره؟ فقال : أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي ، وأردت أن أطلّقها ، فتركتها حتى إذا طمثت وطهرت طلّقتها من غير جماع ، وأشهدت على ذلك شاهدين ، ثم تركتها حتى إذا كادت أن تنقضي عدّتها راجعتها ودخلت بها ، وتركتها حتى طمثت وطهرت ، ثم
(1) التهذيب: 8/45 ح141 ، الاستبصار: 3/281 ح999 ، الوسائل: 22 / 144 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح4 .
(2) الوسائل: 22 / 101 ـ 110 و142 ـ 145 ، أبواب أقسام الطلاق ب1 ، 2 ، 18 ، 19 .
(3) شرائع الإسلام: 3 / 25 .
(4) مسالك الافهام: 9 / 136 ، رياض المسائل: 7 / 134 ، نهاية المرام: 2 / 56 ، الحدائق الناضرة: 25 / 294 . (5) حكى عنه في مختلف الشيعة: 7 / 372 .
(6) جواهر الكلام: 32 / 138 .
(الصفحة75)
مسألة 3 : العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق ، فلو طلّقها ثلاثاً بينهما عقدان مستأنفان ، حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره ، سواء لم تكن لها عدّة كما إذا طلّقها قبل الدخول ، أو كانت ذات عدّة وعقد عليها بعد انقضاء العدّة(1) .
مسألة 4 : المطلّقة ثلاثاً إذا نكحت زوجاً آخر وفارقها بموت أو طلاق حلّت للزوج الأوّل ، وجاز له العقد عليها بعد انقضاء عدّتها من الثاني ، فإذا طلّقها ثلاثاً ، حرمت أيضاً حتى تنكح زوجاً آخر ، وإن كان ذلك الزوج هو الثاني في الثلاثة الاُولى ، وهكذا تحرم عليه بعد كلّ طلاق ثالث ، وتحلّ بنكاح الغير بعده
طلّقتها على طهر من غير جماع بشاهدين ، ثم تركتها حتى إذا كان قبل أن تنقضي عدّتها راجعتها ودخلت بها ، حتى إذا طمثت وطهرت طلّقتها على طهر من غير جماع بشهود ، وإنّما فعلت ذلك بها(1) أنّه لم يكن لي بها حاجة .
وسيأتي في المسألة الثالثة أنّ العقد الجديد بحكم الرجوع في الطلاق ، فلو طلّقها ثلاثاً بينهما عقدان مستأنفان ، حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره ، سواء لم تكن لها عِدّة كما إذا طلّقها قبل الدخول ، أو كانت ذات عِدّة وعقد عليها بعد انقضاء العدّة ; وذلك لعدم الفرق بين الصورتين من جهة الآية والرواية ، فالحرمة مترتّبة على مطلق الطلاق الثالث الواجد للشرائط ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ قد تقدّم في ذيل المسألة السابقة ما يتعلّق بهذه المسألة ، والمنشأ ما عرفت من ترتّب حكم الحرمة حتى تنكح زوجاً غيره على الطلاق الثالث ، من دون فرق بين أن تكون الحلية له بعد الطلاقين بسبب الرجوع أو بالعقد الجديد ، كما مرّ .
(1) الكافي: 6 / 75 ح1 ، تفسير العياشي: 1 / 118 ح370 ، الوسائل: 22 / 119 ، أبواب أقسام الطلاق ب4 ح3 .
(الصفحة76)
وإن طلّقت مائة مرّة . نعم ، لو طلّقت تسعاً طلاق العدّة بالتفسير الذي أشرنا إليه حرمت عليه أبداً ، وذلك بأن طلّقها ثم راجعها ثم واقعها ثم طلّقها في طهر آخر ثم راجعها ثم واقعها ثم طلّقها في طهر آخر ، فإذا حلّت للمطّلق بنكاح زوج آخر وعقد عليها ثم طلّقها كالثلاثة الاُولى ثمّ حلّت بمحلّل ثم عقد عليها ثم طلّقها ثلاثاً كالأوّلين حرمت عليه أبداً ، ويعتبر فيه أمران :
أحدهما: تخلّل رجعتين ، فلا يكفي وقوع عقدين مستأنفين ولا رجعة عقد مستأنف في البين .
الثاني: وقوع المواقعة بعد كلّ رجعة ، فطلاق العدّة مركّب من ثلاث طلقات: اثنتان منها رجعيّة وواحدة بائنة ، فإذا وقعت ثلاثة منه حتى كملت تسع طلقات حرمت عليه أبداً ، هذا ، والأحوط الاجتناب عن المطلّقة تسعاً مطلقاً ، وإن لم يكن الجميع طلاق عِدّة(1) .
1 ـ المهمّ في هذه المسألة أمران :
الأمر الأوّل : أنّ المطلقة ثلاثاً ، التي تحتاج حليّتها إلى محلّل ، لا فرق في حرمتها بين أن يكون في الدفعة الاُولى أو في الدفعات المتعدّدة ، وسواء كان المحلّل الثاني هو المحلّل الأوّل أم غيره ، وسواء كان الطلاق الثالث واقعاً من الزوج الأوّل أم من الزوج الثاني أم من غيرهما ، ولا يوجب الطلاق الثالث بنفسه الحرمة الأبديّة ، سواء كان الطلاق الثالث من الزوج الثالث أو من الزوج الثاني أو من غيرهما .
الأمر الثاني : تترتّب الحرمة الأبدية على طلاق التسع في خصوص طلاق العِدّة ، واحتاط في المتن بالاجتناب عن المطلّقة تسعاً مطلقاً ، وإن لم يكن الجميع طلاق العدّة ، وفي هذا الأمر روايات :
منها : رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : سألته عن الذي
(الصفحة77)
يطلّق ، ثم يراجع ، ثم يطلّق ، ثم يراجع ، ثم يطلّق ، قال : لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، فيتزوّجها رجل آخر ، فيطلّقها على السنّة ، ثم ترجع إلى زوجها الأوّل ، فيطلّقها ثلاث مرّات ، وتنكح زوجاً غيره ، فيطلّقها (ثلاث مرّات على السنّة ، ثم تنكح ، فتلك التي لا تحلّ له أبداً ، والملاعنة لا تحلّ له أبداً)(1) .
والمنقول في الهامش عن فروع الكافي بدلا عن ما بين القوسين ثم ترجع إلى زوجها الأوّل ، فيطلّقها ثلاث مرّات على السنّة إلى آخره . وهو الظاهر; لأن اللازم تحقّق المحلّل دفعتين .
ومنها : رواية زرارة بن أعين وداود بن سرحان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : والذي يطلّق الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ثلاث مرّات ، وتزوّج ثلاث مرّات ، لا تحلّ له أبداً(2) .
ومنها : رواية محمد بن سنان ، عن الرّضا(عليه السلام) فيما كتب إليه في العلل: وعلّة الطلاق ثلاثاً ; لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث ، لرغبة تحدث ، أو سكون غضبه إن كان ، ويكون ذلك تخويفاً وتأديباً للنساء ، وزجراً لهنّ عن معصية أزواجهنّ ، فاستحقت المرأة الفرقة والمباينة; لدخولها فيما لا ينبغي من معصية زوجها ، وعلّة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحلّ له أبداً عقوبة; لئلاّ يتلاعب بالطلاق ، فلا يستضعف المرأة ، ويكون ناظراً في اُموره ، متيقّظاً معتبراً ، وليكون ذلك مؤيساً لهما عن الاجتماع بعد تسع تطليقات(3) .
(1) الكافي: 5 / 428 ح9 ، الوسائل: 22 / 118 ، أبواب أقسام الطلاق ب4 ح2 .
(2) الكافي: 5 / 426 ح1 ، الوسائل: 22 / 120 ، أبواب أقسام الطلاق ب4 ح4 .
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2 / 85 ح27 ، علل الشرائع: 506 ح1 ، الوسائل: 22 / 121 ، أبواب أقسام الطلاق ب4 ح8 .
(الصفحة78)
ومنها : رواية جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا طلّق الرجل المرأة فتزوّجت ، ثم طلّقها فتزوّجها الأوّل ، ثم طلّقها فتزوجت رجلا ، ثم طلّقها فتزوجها الأوّل ، فإذا طلّقها على هذا ثلاثاً لم تحلّ له أبداً(1) .
بناءً على كون المراد حصول تسع تطليقات بينها محلّلان ، والقدر المتيقن من هذه الأخبار ، وإن كان خصوص الطلاق العدّي ، إلاّ أنّ استفادة الاطلاق وثبوت الحرمة الأبدية عقيب التسع مطلقاً غير بعيدة ، فلا يترك الاحتياط الذي أُفيد في المتن ، وإن كان الإجماع(2) على الاختصاص كما أفاده صاحب الجواهر(قدس سره)(3) .
ويؤيّده بعض الروايات ، مثل :
رواية المعلّى بن خنيس ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل طلّق امرأته ، ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض ، ثم تزوّجها ، ثم طلّقها ، فتركها حتى حاضت ثلاث حيض ، ثم تزوجها ، ثم طلّقها من غير أن يراجع ، ثم تركها حتى حاضت ثلاث حيض ، قال : له أن يتزوّجها أبداً ما لم يراجع ويمسّ ، الحديث(4) .
وهذه الرواية وإن كان ظاهرها عدم الاحتياج إلى المحلّل في الطلقة الثالثة ، إلاّ أنّه حملها الشيخ على ما لو تزوّجت زوجاً غيره بعد كلّ تطليقة ثالثة(5) . ومثل:
رواية عبدالله بن بكير ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سمعته يقول: الطلاق الذي يحبّه الله ، والذي يطلّق الفقيه ، وهو العدل بين المرأة والرجل أن
(1) التهذيب: 7 / 311 ح1290 ، الوسائل: 20 / 529 ، كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب11 ح2 .
(2) مسالك الافهام: 9 / 125 ، نهاية المرام: 2 / 46 ـ 47 ، الحدائق الناضرة: 25 / 270 و275 .
(3) جواهر الكلام: 32 / 122 ـ 123 .
(4) الكافي: 6 / 77 ح2 ، الوسائل: 22 / 115 ، أبواب أقسام الطلاق ب3 ح13 .
(5) التهذيب: 8 / 29 ح87 ، الاستبصار: 3 / 270 ح962 .
(الصفحة79)
مسألة 5 : إنّما يوجب التحريم الطلقات الثلاث ، إذا لم تنكح في البين زوجاً آخر ، وأمّا إذا تزوّجت للغير انهدم حكم ما سبق وتكون كأنّها غير مُطلّقة ، ويتوقّف التحريم على إيقاع ثلاث طلقات مستأنفة(1) .
يطلّقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين ، وإرادة من القلب ، ثم يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء ، فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة وهو آخر القروء; لأنّ الأقراء هي الإطهار ، فقد بانت منه ، وهي أملك بنفسها ، فإن شاءت تزوّجته ، وحلّت له بلا زوج ، فإن فعل هذا بها مائة مرّة هدم ما قبله ، وحلّت له بلا زوج ، وإن راجعها قبل أن تملك نفسها ، ثم طلّقها ثلاث مرّات يراجعها ويُطلّقها ، لم تحلّ له إلاّ بزوج(1).
واحتمل صاحب الوسائل أن يكون قوله : «فإن فعل هذا بها مائة مرّة . . .» من كلام ابن بكير فتوى منه ، فلا حُجّة فيه ، إذ ليس من جملة الحديث . قال في الجواهر : ويؤيّده إعترافه بعدم سماعه رواية من أحد غير هذا الخبر(2) .
1 ـ ظاهر الدليل الدالّ على حصول الحرمة بثلاث طلقات من الآية(3)والرواية(4) هو ما إذا لم تنكح في البين زوجاً غير الزوج المطلّق ، فإذا نكحت زوجاً آخر بعد الطلاق الأوّل أو الثاني ، لا تترتّب الحرمة على الطلاق الثالث إلاّ أن يتحقّق بعد المحلّل ، كما عرفت .
(1) التهذيب: 8 / 35 ح107 ، الاستبصار: 3 / 276 ح983 ، بحار الأنوار: 10 / 289 ، الوسائل: 22 / 116 ، أبواب أقسام الطلاق ب3 ح16 .
(2) جواهر الكلام: 32 / 124 .
(3) سورة البقرة: 2 / 229 ـ 230.
(4) الوسائل: 22 / 101 ـ 110 ، أبواب أقسام الطلاق ب1 و 2 .
(الصفحة80)
مسألة 6 : قد مرّ أنّ المطلّقة ثلاثاً تحرم حتى تنكح زوجاً غيره ، وتعتبر في زوال التحريم به أمور ثلاثة :
الأوّل: أن يكون الزوج المحلّل بالغاً ، فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وإن كان مراهقاً .
الثاني: أن يطأها قبلا وطأً موجباً للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها ، بل كفاية المسمّى في مقطوعها لا يخلو من قوّة ، والاحتياط لا ينبغي تركه . وهل يعتبر الإنزال؟ فيه إشكال ، والأحوط اعتباره .
الثالث: أن يكون العقد دائماً لا متعة(1) .
1 ـ يعتبر في زوال التحريم المتحقّق بالطلاق الثالث أمور ثلاثة :
الأمر الأوّل : أن يكون الزوج المحلّل بالغاً شرعاً ، ولا اعتبار بنكاح غير البالغ . أمّا إذا كان غير مراهق فلا إشكال فيه قولا واحداً من المسلمين فضلا عن المؤمنين . وأمّا إذا كان مراهقاً فقد ذكر المحقّق في الشرائع: أنّ فيه تردّداً أشبهه أنّه لا يحلّل(1) . وفاقاً للمشهور(2) شهرة عظيمة لمكاتبة علي بن الفضل الواسطي ، قال : كتبت إلى الرضا(عليه السلام): رجل طلّق امرأته الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، فتزوّجها غلام لم يحتلم ، قال : لا ، حتى يبلغ . فكتبت إليه: ما حدّ البلوغ؟ فقال : ما أوجب الله على المؤمنين الحدود(3) .
وينجبر بالشهرة كما عرفت ، وقد ورد في شأن المحلّل في روايات العامّة
(1) شرائع الإسلام: 3 / 28 .
(2) رياض المسائل: 7 / 346 ، الحدائق الناضرة: 25 / 327 ، جواهر الكلام: 32 / 159 .
(3) الكافي: 6 / 76 ح6 ، الوسائل: 22 / 130 ، أبواب أقسام الطلاق ب8 ح1 .
|