(الصفحة181)
التي أُقيمت على الحقّ لا دلالة لها إلاّ على أصل الاشتغال ، وهو لا ينافي السقوط بعده ، فلابدّ من ضم اليمين على بقائه إلى أن مات ، لتفيد اليمين مع البيّنة الاشتغال وبقاءَه . وهذه الجهة موجودة في المقام خصوصاً بملاحظة التعليل المذكور فيها ، وإن كان قد عرفت عدم الاختصاص بوفاء الدين ، بل الغرض هو المسقط سواء كان وفاءً أو إبراءً أو مصالحة ونحوها(1) ، واليمين على عدم السقوط مشكلة بالإضافة إلى الوارث; لعدم كفاية اليمين على نفي العلم ، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع عن إلغاء الخصوصيّة مع إقامة البيّنة واليمين على أنّه مات والحقّ عليه ، ولم يتحقّق المسقط له مع العلم بذلك . وقد تحقّق ممّا ذكرنا أمران:
أحدهما: أنّ اليمين اللازم في هذا الفرع إنّما هي اليمين على الميت لا على نفي العلم ; لدلالة الروايات على الأوّل .
ثانيهما: بطلان ما احتمله في الجواهر من الاعتماد في اليمين على مقتضى الاستصحاب(2); لأنّه لو كان الاستصحاب كافياً لم يحتج إلى يمين أصلا .
بقي الكلام في هذا الفرع فيما لو كان الوارث متعدّداً ، وقد أفاد في المتن أنّه لابدّ من حلف كلّ واحد منهم على مقدار حقّه ، وأنّه لو حلف بعض ونكل بعض يثبت حقّ الحالف ويسقط حقّ الناكل ، وعن الجواهر: عدم وجوب اليمين على كلّ واحد من الورثة ، بل يكفي يمين واحد من أحدهم; لأنّ مقتضى إطلاق النصّ اعتبار يمين واحدة في تمامية حجّية البيّنة ، التي قد عرفت ثبوت الموضوع بها لسائر الشركاء ، وإن أقامها أحدهم(3) . وأنت خبير بأنّ كلّ واحد من الورّاث لصاحب الحقّ يكون
(1) في ص173 ـ 174 .
(2 و 3) جواهر الكلام: 40 / 197 .
(الصفحة182)
الثاني: لو شهدت البيّنة بإقراره قبل موته بمدّة لا يمكن فيها الاستيفاء عادةً ، فهل يجب ضمّ اليمين أو لا؟ وجهان: أوجههما وجوبه . وكذا كلّ مورد يعلم أنّه على فرض ثبوت الدّين سابقاً لم يحصل الوفاء من الميت1.
في صورة الادعاء مدّعياً مستقلاًّ على الميت ، مشمولا لإطلاق النصّ أو محكوماً بحكم إلغاء الخصوصية .
لكن دعواه إنّما هي بالإضافة إلى مقدار حقّه لا أزيد ، ضرورة أنّها بالنسبة إلى الزائد لا يكون واجداً لشرائط سماع الدعوى مع عدم الوكالة والولاية ، والبيّنة التي أُقيمت إن كانت قائمة على مجموع الحقّ ، فمعناه أنّ الباقين يمكن لهم أن يستفيدوا من هذه البيّنة بضميمة يمين كلّ واحد منهم ، مضافاً إلى أنّه يمكن تحقّق الاستيفاء أو الإبراء بالإضافة إلى بعضهم ، فلا يجدي مجرّد البيّنة بدون ضمّ اليمين، كما لايخفى .
1 ـ في هذا الفرع قولان:
قول بعدم وجوب ضمّ اليمين إلى البيّنة كما عن جماعة(1) ، واختاره السيّد في الملحقات(2) وهو الأقوى .
وقول بالوجوب كما اختاره في محكي المستند ، وحكى أنّه قوّاه بعض الفضلاء من المعاصرين مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في إقرار المريض ، وفي الوصيّة بالدّين(3) .
أقول: ولتحقيق الحال يقتضي تقديم مقال ، وهو أنّه قد اشتهر ، بل يكون من
(1) مسالك الأفهام: 13 / 463 ، كفاية الاحكام: 269 .
(2) ملحقات العروة الوثقى : 3 / 84 .
(3) مستند الشيعة: 2 / 562 (ط ق) .
(الصفحة183)
الاُمور المسلّمة أنّ العلّة المنصوصة قد تقتضي توسعة دائرة الحكم وثبوته في جميع موارد العلّة ، وقد تقتضي التضييق واختصاص الحكم بمورد ثبوتها ، وقد تقتضي كليهما معاً ، فقوله: لا تأكل الرمّان لأنّه حامض . كما أنّه يوجب عموم دائرة الحكم وشمولها لكلّ حامض وإن لم يكن رمّاناً ، كذلك يقتضي تقييد دائرة الحكم وتخصيصها بخصوص الحامض من الرمان ، وعدم شمولها للرمان غير الحامض بل الحلو . وقد سولك هذا المنهج في موارد متعدّدة متكثّرة ، منها باب الاستصحاب في علم الأصول ، حيث إنّ الدليل على جريانه في جميع موارد الشكّ واليقين ما ورد من صحاح زرارة في باب الوضوء وطهارة اللباس والشكّ في عدد ركعات الصلاة مشتملة على التعليل ، بأنّه «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً»(1) ، فإنّه قد استفيد منها حكم كلّي في باب الاستصحاب .
وينبغي أن يعلم أنّ العلل المنصوصة قد تكون كما هو الغالب أموراً واقعيّة تكوينية معلومة عند المخاطب ، وقد تكون أموراً تعبّدية لا يعرفها المخاطب بوجه. فقوله: «لا تشرب الخمر لأنّها مسكرة» إنّما يكون من قبيل الأوّل ، وما ورد في الاستصحاب من قوله (عليه السلام): «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً» من قبيل الثاني; لعدم كون الاستصحاب أمارة عقلائيّة ولا أصلا كذلك .
وممّا ذكرنا يظهر الفرق بين مقام التعليل ومقام الاستشهاد بالكتاب أو بقول الرسول مثلا ، فإنّه لابدّ في الثاني من أن يكون الكلام ظاهراً فيه عند العرف مع
(1) التهذيب: 1 / 8 ح8 وص421 ح1335 وج2 / 186 ح740 ، الإستبصار: 1 / 183 ح641 وص373 ح1416 ، الكافي: 3 / 351 ح3 ، الوسائل: 1 / 245 ، أبواب نواقض الوضوء ب1 ح1. وج3 / 466 ، أبواب النجاسات ب37 ح1 وص477 ب41 ح1 وص482 ب44 ح1. وج8 / 216 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح3 .
(الصفحة184)
قطع النظر عن الاستشهاد ، ولا يلزم في الأوّل ذلك على ما عرفت .
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّ قوله (عليه السلام) في مقام لزوم ضمّ اليمين إلى البيّنة في رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله المتقدّمة: لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها ، أو غير بيّنة قبل الموت(1) هل يكون بمنزلة التعليل الموجب للتوسعة والتضييق ، كما في قوله: لا تأكل الرمّان لأنّه حامض على ما مرّ ، أو أنّه علّة ولا يكون الحكم دائراً مدارها؟ كما في المحكيّ عن مستند النراقي ، نظراً إلى أنّ العلل الشرعيّة معرّفات لا ينتفي المعلول بانتفائها، فإنّه قد يكون وجود العلّة في بعض الأفراد علّة للحكم في الجميع ، مع أنّ التعليل كما قيل يمكن أن يكون من باب إبداء النكتة والتمثيل ، فإنّ احتمال الإبراء أيضاً قائم ، وكذا احتمال نسيان المقرّ للايفاء وتذكّره لو كان حيّاً حين الدعوى ، ولذا قوّى بعض فضلائنا المعاصرين الضمّ لإطلاق النصّ ، وهو حسن ، إلاّ أنّ فيه: أنّ النصّ معارض بأخبار اُخر واردة في إقرار المريض ، وفي الوصيّة بالدين كصحيحة منصور، عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه ديناً؟ فقال: إن كان الميّت مرضيّاً فأعطه الذي أوصى له(2) .
وصحيحة أبي ولاّد، عن رجل مريض أقرّ عند الموت لوارث بدين له عليه؟ قال: يجوز ذلك (3) .
ورواية السكوني: في رجل أقرّ عند موته لفلان وفلان لأحدهما عندي ألف
(1) تقدّمت في ص169 .
(2) الكافي: 7 / 41 ح2 ، التهذيب: 9 / 159 ح656 ، الاستبصار: 4 / 111 ح426 ، الفقيه: 4/170 ح594 ، الوسائل: 19/ 291 ، كتاب الوصايا ب16 ح1. وج23 / 183 ، كتاب الإقرار ب1 ح1 .
(3) الكافي: 7 / 42 ح5 ، التهذيب: 9 / 160 ح660 ، الإستبصار: 4 / 112 ح430 ، الوسائل: 19/ 292 ، كتاب الوصايا ب16 ح4 .
(الصفحة185)
درهم ، ثمّ مات على تلك الحال ، فقال: أيّهما أقام البيّنة فله المال ، وإن لم يقم واحد منهما البيّنة فالمال بينهما نصفان(1) .
ومكاتبة الصهباني: امرأة أوصت إلى رجل وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم ـ إلى أن قال: ـ فكتب (عليه السلام) بخطّه: إن كان الدين صحيحاً معروفاً مفهوماً ، فيخرج الدين من رأس المال(2) إلى غير ذلك ـ من الروايات الواردة في هذا المجال المذكورة في كتاب الإقرار وكتاب الوصايا من الوسائل ـ فإنّ هذه الأخبار شاملة لصورة عدم حلف المقرّ له أيضاً ، فيتعارض مع ما مرّ بالعموم من وجه ، وإذ لا ترجيح فيرجع إلى القاعدة المتقدّمة المكتفية للمدّعي بالبيّنة ، وهو الأصحّ(3) ، انتهى .
ويرد عليه:
أوّلا: وضوح أنّ التعليل يقتضي التوسعة والتضييق ، ولم يقم دليل على أنّ العلل الشرعيّة معرّفات ، لا يكاد ينتفي المعلول بانتفائها ، وإلاّ لا يكون لذكر التعليل فائدة كما لايخفى .
وثانياً: أنّ المذكور في رواية عبدالرحمن المتقدّمة هو التعليل بلحاظ الاشتمال على كلمة لام التعليل ، واحتمال الإبراء وإن كان يقوم مقام احتمال الإيفاء ، إلاّ أنّ مرجع ذلك إلى التوسعة في دائرة العلّة بلحاظ المتفاهم العرفي ، وأنّ العلّة لا تكون خصوص احتمال الإيفاء ، بل الأعم منها ومن الإبراء وكلّ مسقط للدين ، ولا منافاة
(1) الكافي: 7 / 58 ح5 ، الفقيه: 4 / 174 ح610 ، التهذيب: 9 / 162 ح666 ، الوسائل: 19/ 323 ، كتاب الوصايا ب25 ح1. وج23 / 184 ، كتاب الإقرار ب2 ح1 .
(2) التهذيب: 9 / 161 ح664 ، الإستبصار: 4 / 113 ح433 ، الوسائل: 19/ 294 ، كتاب الوصايا ب16 ح10 .
(3) مستند الشيعة: 2 / 562 (ط ق) .
(الصفحة186)
بين سعة دائرة العلّة وبين المعمّمية والمخصّصية، كما هو ظاهر .
وثالثاً: أنّ ما أفاده من التعارض بين روايات المقام وبين الروايات الواردة في باب إقرار المريض أو وصيته غير صحيح . فإنّ مورد روايات المقام صورة وجود المدّعي ، ومورد تلك الروايات صورة الإقرار أو الوصية من دون أن يكون هناك مدعّ أصلا . ومحطّ النظر فيها هو أنّ المريض المشرف على الموت هل يصحّ منه الإقرار بدين عليه أو الوصية بذلك أم لا؟ وأين هذا من المقام .
ورابعاً: أنّه على فرض التعارض لم يعلم وجه كون التعارض بالعموم والخصوص من وجه ، فإنّ التعارض مع هذه النسبة إنّما هو فيما إذا كان بين العنوانين تعارض كذلك، مع قطع النظر عن الحكم المتعلّق بهما; كالتعارض بين عنواني العلماء والفسّاق في قوله: أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق; لاجتماع العنوانين في العالم الفاسق . وأمّا في مثل المقام فلو فرض التعارض البدوي ، فإنّما يكون هو التعارض بالإطلاق والتقييد ، واللاّزم تقييد إطلاقات تلك الروايات بسبب روايات المقام .
والتحقيق بمقتضى ما ذكرنا عدم لزوم ضمّ اليمين في مفروض هذا الفرع; لأنّه بعد شهادة البيّنة بالإقرار قبل الموت ، والفرض عدم كون الزمان الباقي إلى الموت ظرفاً للاستيفاء عادة ، واللاّزم فرض العلم بعدم تحقق مثل الإبراء ، فلا يكون التعليل المذكور في الرواية مقتضياً للزوم ضمّ اليمين هنا; للعلم عادة بعدم تحقّق الموجب لسقوط الدين من الإيفاء ومثله .
وممّا ذكرنا يظهر عدم لزوم الضمّ في كلّ مورد يعلم بالبقاء على فرض الثبوت . نعم فيما إذا قامت البيّنة على بقاء الدين إلى حين الموت ، يكون الخروج وعدم لزوم الضم لا للتعليل المذكور فيها ، بل لما استفدنا منها من أنّ البيّنة التي أُقيمت على المطلوب بالحقّ هي البيّنة على أصل الاشتغال، كما عرفت .
(الصفحة187)
الثالث: لو تعدّدت ورثة الميّت ، فادّعى شخص عليه وأقام البيّنة ، تكفي يمين واحدة ، بخلاف تعدّد ورثة المدّعي كما مرّ1.
الرابع: اليمين للاستظهار لابدّ وأن تكون عند الحاكم ، فإذا قامت البيّنة عنده وأحلفه ثبت حقّه ، ولا أثر لحلفه بنفسه أو عند الوارث2.
1 ـ قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الملاك في تعدّد اليمين هو تعدّد ورثة المدّعي ، لا تعدّد ورثة المدّعى عليه; لأنّ المطلوب بالحقّ هو الميت ، وكلّ واحد من ورثة المدّعي يقوم مقامه مستقلاًّ بالإضافة إلى مقدار حقّه ، ويشمله قوله (عليه السلام): وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات(1)، فيلزم الحلف مضافاً إلى البيّنة . وقد عرفت أنّ إقامة البيّنة على مجموع الدين من واحد من الورثة كاف ، بخلاف اليمين فإنّه لابدّ لكلّ واحد منهم ضمّها بمقدار حقّه . وأمّا تعدّد ورثة الميّت فلا دخل له في ذلك ، إذ ليس البحث في يمين المدّعى عليه أصلا ، كما لا يخفى .
2 ـ الظاهر لزوم كون اليمين للاستظهار عند الحاكم الذي تقام البيّنة عنده ، فكما أنّه لا تجوز إقامة البيّنة عند غير الحاكم ، كذلك لا يجوز الحلف بنفسه أو عند الوارث أو عند حاكم آخر; لأنّه دخيل في حكم الحاكم وفصل خصومته كيمين المدّعى عليه في مواردها ، ويؤيّده التعبير بالمعيّة والانضمام إلى البيّنة في الروايات المتقدّمة ، وعدم التصريح بهذه الجهة فيها لعلّه لكونها في مقام بيان أصل الحاجة إلى اليمين تقييداً لقول الرسول (صلى الله عليه وآله): البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه(2)، مع أنّ مقتضى الأصل عدم التأثير عند غير الحاكم ، فتدبّر جيّداً .
(1) وسائل الشيعة: 27 / 236، أبواب كيفيّة الحكم ب4 ح1.
(2) الوسائل: 27 / 233 ، أبواب كيفيّة الحكم ب3 .
(الصفحة188)
الخامس: اليمين للاستظهار غير قابلة للإسقاط ، فلو أسقطها وارث الميّت لم تسقط ، ولم يثبت حقّ المدّعي بالبيّنة بلا ضمّ الحلف1.
1 ـ لم يقم دليل على أنّ اليمين المنضمّة إلى البيّنة في أصل المسألة من الحقوق المرتبطة بوارث الميّت ، وتكون قابلة للإسقاط، بل مقتضى الدليل توقّف ثبوت حقّ المدّعي على ضمّ اليمين مطلقاً ، فكما أنّه لا يثبت حقّه بدون إقامة البيّنة ، كذلك لا يثبت من دون ضمّ اليمين ، سواء أسقط الوارث أم لا كما في الشاهد الواحد واليمين ، كما لايخفى .
نعم إذا رضي المدّعي بإسقاط بعض حقّه وأخذ الباقي بدون الحلف ، جاز مع موافقة الورثة، لكن هذا يرجع إلى المصالحة ولا يرتبط بالقضاء .
(الصفحة189)
القول في الشاهد واليمين
مسألة 1: لا إشكال في جواز القضاء في الديون بالشاهد الواحد ويمين المدّعي ، كما لا إشكال في عدم الحكم والقضاء بهما في حقوق الله تعالى ، كثبوت الهلال وحدود الله ، وهل يجوز القضاء بهما في حقوق الناس كلّها حتى مثل النسب والولاية والوكالة ، أو يجوز في الأموال وما يقصد به الأموال كالغصب والقرض والوديعة ، وكذا البيع والصلح والإجارة ونحوها؟ وجوه: أشبهها الاختصاص بالديون ، ويجوز القضاء في الديون بشهادة امرأتين مع يمين المدّعي1.
1 ـ أقول: في هذه المسألة أمور:
الأمر الأوّل: أنّه لا إشكال في أصل جواز القضاء في الديون بالشاهد الواحد ويمين المدّعي، استناداً إلى المقطوع به من قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقضاء عليّ (عليه السلام)بعده على ما رواه العامّة والخاصّة في كتبهم الروائيّة ، مثل سنن البيهقي والوسائل ، ووافقنا عليه أكثر العامّة خلافاً لأبي حنيفة وأتباعه(1) ، وقد قال للصادق (عليه السلام): كيف تقضون باليمين مع الشاهد الواحد؟ فقال الصادق (عليه السلام): قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله)وقضى به عليّ (عليه السلام) عندكم . فضحك أبو حنيفة ، فقال له الصادق (عليه السلام): أنتم تقضون بشهادة واحد شهادة مائة، فقال : ما نفعل ، فقال: بلى تشهد مائة فترسلون واحداً يسأل
(1) الخلاف: 6 / 274 ـ 279 مسألة 23 .
(الصفحة190)
عنهم ، ثمّ تجيزون شهادتهم بقوله(1) .
وفي صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: دخل الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر (عليه السلام) ، فسألاه عن شاهد ويمين ، فقال: قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله)وقضى به عليّ (عليه السلام) عندكم بالكوفة ، فقالا: هذا خلاف القرآن ، فقال: وأين وجدتموه خلاف القرآن؟ قالا: إنّ الله يقول: {وأشهِدُوا ذَوَي عَدل مِنكُم}(2) فقال لهما أبو جعفر (عليه السلام): قول الله: {وأشهِدوا ذَوَي عَدل مِنكُم} هو أن لا تقبلوا شهادة واحد ويميناً ، ثمّ قال: إنّ عليّاً (عليه السلام)كان قاعداً في مسجد الكوفة ، فمرّ به عبدالله بن قفل التميمي ومعه درع طلحة ، فقال له علي (عليه السلام): هذه درع طلحة أخذت غلولا(3) يوم البصرة ، فقال له عبدالله بن قفل: أجل بيني وبينك قاضيك الذي رضيته للمسلمين ، فجعل بينه وبينه شريحاً .
فقال علي (عليه السلام): هذه درع طلحة أُخذت غلولا يوم البصرة ، فقال له شريح: هات على ما تقول بيّنة ، فأتاه بالحسن (عليه السلام) فشهد أنّها درع طلحة أُخذت غلولا يوم البصرة ، فقال شريح: هذا شاهد واحد ولا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر ، فدعا قنبر فشهد أنّها درع طلحة أُخذت غلولا يوم البصرة . فقال شريح: هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك .
قال: فغضب عليّ (عليه السلام)وقال: خذها فإنّ هذا قضى بجور ثلاث مرّات . قال: فتحوّل شريح وقال: لا أقضي بين اثنين حتّى تخبرني من أين قضيت بجور ثلاث مرّات؟ فقال له: ويلك ـ أو ويحك ـ إنّي لمّا أخبرتك أنّها درع طلحة أُخذت غلولا
(1) التهذيب: 6 / 296 ح826 ، الوسائل: 27 / 268 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح13 .
(2) سورة الطلاق: 65/2 .
(3) الغلولة: السرقة قبل تقسيم الغنيمة ، المؤلّف .
(الصفحة191)
يوم البصرة فقلت: هات على ما تقول بيّنة . وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حيث ما وجد غلول أُخذ بغير بيّنة ، فقلت: رجل لم يسمع الحديث فهذه واحدة .
ثمّ أتيتك بالحسن (عليه السلام) فشهد ، فقلت: هذا واحد ولا أقضي بشهادة واحد حتّى يكون معه آخر ، وقد قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)بشهادة واحد ويمين، فهذه ثنتان . ثمّ أتيتك بقنبر فشهد أنها درع طلحة أُخذت غلولا يوم البصرة ، فقلت: هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك ، وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا . ثمّ قال: ويلك ـ أو ويحك ـ إنّ إمام المسلمين يؤمن من أمورهم على ما هو أعظم من هذا(1) .
قال صاحب الجواهر (قدس سره): وكان اقتصاره (عليه السلام) على خطئه ثلاثاً في هذه القضية على فهم شريح القاضي ، وإلاّ فهو مخطئ من وجوه اُخر أيضاً قد أشار (عليه السلام) إلى بعضها ، وبذلك ظهر لك حال قاضيهم وحال الفقيهين لهم الحَكَم وسَلَمَة ، وحال إمامهم الأعظم أبي حنيفة وسوء أدبه(2) .
وبالجملة قد ظهر لك في هذا الأمر أنّه لا شبهة في جواز القضاء بالشاهد واليمين في الجملة .
الأمر الثاني: في أنّه هل يختصّ جواز القضاء بالشاهد واليمين بالدين الذي يأتي معناه في المسألة الثانية إن شاء الله تعالى ، وهو الحقّ الكلّي الماليّ المتعلّق بالذمّة مثليّاً كان أو قيميّاً ، كما عليه الماتن (قدس سره) تبعاً للنهاية والاستبصار(3) والغنية(4)
(1) الكافي: 7 / 385 ح5 ، الفقيه: 3 / 63 ح313 ، التهذيب: 6 / 273 ح747 ، الإستبصار: 3 / 34 ح117 ، الوسائل: 27/ 265 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح6 .
(2) جواهر الكلام: 40 / 270 .
(3) النهاية: 334 ، الإستبصار: 3 / 33 ـ 35 .
(4) الغنية: 439 .
(الصفحة192)
والمراسم(1) والإصباح(2) والكافي(3) ، بل في الغنية الإجماع عليه ، أو يعمّ مطلق الحقوق الماليّة أعمّ ممّا إذا كان بنفسه مالا وما إذا كان المقصود منه المال، كما عليه المشهور من الأصحاب(4) ، أو يعمّ مطلق حقوق الناس أعمّ من أن يكون مالا أو غيره حتى القصاص والوصاية والنسب والولاية، فلا يشمل فقط مثل الشهادة على الهلال ، الذي لا وجه للحلف عليه ـ من حيث أنّه كذلك ـ من أحد ، وكذا كلّ ما لم تشرع اليمين فيه مثل حقوق الله تعالى ، التي هي أيضاً لا دعوى لأحد بالخصوص فيها ، كما لعلّه يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) خصوصاً بعد جعل الضابط أنّ كلّ ما تشرع فيه ردّ يمين الإنكار على المدّعي يشرع فيه الشاهد واليمين; لأنّ الظاهر كون هذه اليمين يمين المنكر صارت للمدّعي الذي له شاهد(5) .
هذا، وقد قال المحقّق في الشرائع في هذا المجال: ويثبت الحكم بذلك في الأموال: كالدين والقرض والغصب ، وفي المعاوضات: كالبيع والصرف والصلح والإجارة والقراض والهبة والوصية له ، والجناية الموجبة للدية: كالخطأ وعمد الخطأ وقتل الوالد ولده ، والحرّ العبد ، وكسر العظام والجائفة والمأمومة . وضابطه ما كان مالا أو المقصود منه المال ، وفي النكاح تردّد ، أمّا الخلع والطلاق والرجعة والعتق والتدبير والكتابة والنسب والوكالة والوصية إليه وعيوب النساء فلا ، وفي الوقف إشكال منشأه النظر إلى من ينتقل إليه ، والأشبه القبول ، لانتقاله إلى الموقوف
(1) المراسم: 234 .
(2) إصباح الشيعة: 528 .
(3) الكافي في الفقه: 438 .
(4) مفتاح الكرامة: 10 / 137 ، رياض المسائل: 9 / 340 ـ 341 ، كشف اللثام: 2 / 344 (ط ق) .
(5) جواهر الكلام: 40 / 274 .
(الصفحة193)
عليهم(1) ، انتهى .
أقول: في هذا المجال طوائف ثلاث من الروايات:
الطائفة الاُولى: ما تدلّ على القضاء بهما في مطلق حقوق الناس مثل:
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد ، إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس ، فأمّا ما كان من حقوق الله عزّوجلّ أو رؤية الهلال فلا(2) .
وهذه الرواية مضافاً إلى كونها صحيحة من حيث السند ظاهرة الدلالة على التعميم ، وأنّه يجزي الشاهد واليمين في جميع حقوق الناس لاقتضاء التعبير بالعموم والمقابلة ذلك ودونها في الظهور .
ورواية اُخرى لمحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ، ولم يجز في الهلال إلاّ شاهدي عدل(3) .
فإنّ مقتضى المقابلة كون الدين شاملا لجميع حقوق الناس الماليّة وغيرها .
الطائفة الثانية: الروايات المطلقة الحاكية لفعل الرسول (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) ، والحاكي لفعلهما وإن كان هو الإمام (عليه السلام) في مقام بيان الحكم الشرعي ، وفي هذه الصورة يجوز التمسّك بإطلاق كلام الحاكي ، إلاّ أنّه فيما إذا كانت شرائط التمسّك بالإطلاق
(1) شرائع الإسلام: 4 / 881 .
(2) التهذيب: 6 / 273 ح746 ، الإستبصار: 3 / 33 ح116 ، الفقيه: 3/330 ح104 ، الوسائل: 27/ 268 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح12 .
(3) الكافي: 7 / 386 ح8 ، التهذيب: 6 / 272 ح740 ، الإستبصار: 3 / 32 ح108 ، الوسائل: 27/ 264 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح1 .
(الصفحة194)
ومقدّمات الحكمة ـ التي يكون أتمّها كون المولى المتكلّم في مقام البيان لا الإهمال والإجمال ـ موجودة ، وفي هذه الروايات لا يكون كذلك; لأنّ الغرض العمدة ـ كما يظهر من الروايات ومن مخالفة أبي حنيفة وأتباعه ـ إثبات جواز القضاء بالشاهد واليمين في الجملة لا إطلاق هذا الأمر ، وهذه الروايات مثل:
رواية منصور بن حازم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحقّ(1) .
ورواية أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أجاز رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهادة شاهد مع يمين طالب الحقّ ، إذا حلف أنّه الحقّ(2) .
ورواية عباد بن صهيب ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام)، عن جابر بن عبدالله قال: جاء جبرئيل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ، فأمره أن يأخذ باليمين مع الشاهد(3) .
وغير ذلك من الروايات الحاكية لفعله (صلى الله عليه وآله) أو فعل عليّ (عليه السلام) .
الطائفة الثالثة: ما ورد في خصوص القضاء بهما في الأموال ، وهي الرواية الوحيدة المرسلة عن ابن عبّاس: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: استشرت جبرئيل (عليه السلام)في القضاء باليمين مع الشّاهد ، فأشار عليّ بذلك في الأموال لا تعدو ذلك(4) .
وقال صاحب الجواهر بعد نقله: ولكن ليس هو من طرقنا ، ولا معروف النقل
(1) الكافي 7 / 385 ح4 ، التهذيب: 6 / 272 ح741 ، الإستبصار: 3 / 32 ح108 ، الوسائل: 27/ 264 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح2 .
(2) التهذيب: 6 / 273 ح744 ، الإستبصار: 3 / 33 ح115 ، الوسائل: 27/ 267 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح9 .
(3) أمالي الصدوق: 445 ح594 ، الوسائل: 27/ 269 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح16 .
(4) تلخيص الحبير: 4 / 206 ح2134 .
(الصفحة195)
في كتب فروعنا ، وإنّما رواه في المسالك(1) ، بل لعلّ مضمونه لا يوافق أصول الشيعة ، ويمكن أن يكون من محرفات العامة; لأنك قد سمعت ما نزل به جبرئيل عليه (صلى الله عليه وآله)(2) . انتهى .
الطائفة الرابعة: ما ورد في درع طلحة من الصحيحة المفصّلة المتقدّمة ، ومثل هذه الصحيحة لا يرتبط بهذا الأمر من المقام ، لا لما حكي عن الشيخ في الاستبصار: من أنّ إنكار أمير المؤمنين (عليه السلام) إنّما هو على إطلاق قول شريح: لا أقضي بشهادة واحد(3) ، ولا لما أفاده في الجواهر من ضرورة عدم كون خصوص المقام ممّا يكفي فيه الشاهد واليمين من الوالي(4) ، بل لأنّه قد حكى فيها عليّ (عليه السلام) عن الرسول (صلى الله عليه وآله)من أنّه «حيث ما وجد غلول أخذ بغير بيّنة»، كما لايخفى .
ومنه يظهر أنّ ما أفاده السيّد (قدس سره)في الملحقات في آخر كلامه من أنّه: لا يبعد إلحاق دعوى العين بالدين في الثبوت بالشاهد واليمين لا غير(5) ، نظراً إلى رواية الدرع في غير محلّه ، فتدبّر .
الطائفة الخامسة: الروايات الدالّة على الاختصاص بالدين ، وهي روايات كثيرة، مثل رواية محمد بن مسلم المتقدّمة ، ورواية حمّاد بن عثمان ، التي نقلها صاحب الوسائل وجعلها روايتين متعدّدتين ، والظاهر أنّهما رواية واحدة ، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: كان عليّ (عليه السلام) يجيز في الدين شهادة رجل ويمين
(1) مسالك الأفهام: 13 / 510 .
(2) جواهر الكلام: 40 / 275 .
(3) الإستبصار: 3 / 35 .
(4) جواهر الكلام: 40 / 273 .
(5) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 91 .
(الصفحة196)
المدّعي(1) .
ورواية أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون له عند الرجل الحقّ وله شاهد واحد ؟ قال: فقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحقّ، وذلك في الدين(2) .
ورواية القاسم بن سليمان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)يقول: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)بشهادة رجل مع يمين الطالب في الدين وحده(3) . وغير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك .
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ اللازم في هذا الأمر ملاحظة طائفتين من الطوائف الخمس المتقدّمة:
الطائفة الظاهرة في جواز القضاء بشاهد ويمين في مطلق حقوق الناس .
والطائفة الظاهرة في الاختصاص بالدّين .
فاعلم أنّ المحكي عن الشيخ (قدس سره) في الاستبصار حمل إطلاق الاُولى على التقييد في الثانية(4) . وذكر صاحب الجواهر: أنّ حمل المطلق على المقيّد إنّما يصحّ بعد فرض التقييد ، وعدم قوّة المطلق من حيث كونه مطلقاً ، وهما معاً ممنوعان; لإمكان عدم إرادة التقييد في النصوص السابقة ، ضرورة أنّ القضاء بهما في الدّين أو جوازه لا
(1) الكافي: 7 / 385 ح1 ، التهذيب: 6 / 273 ح745 ، الإستبصار: 3 / 32 ح110 ، الوسائل: 27/ 265 و268 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح3 و11 .
(2) الكافي: 7 / 385 ح3 ، التهذيب: 6 / 272 ح742 ، الإستبصار: 3 / 32 ح109 ، الوسائل: 27/ 265 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح5 .
(3) التهذيب: 6 / 273 ح745 ، الإستبصار: 3 / 32 ح110 ، الوسائل: 27/ 268 ، أبواب كيفيّة الحكم ب14 ح10 .
(4) الإستبصار: 3 / 33 .
(الصفحة197)
يقتضي عدم القضاء ولا عدم جوازه بغيره ، هذا بعد الإغضاء عن قصور السند ولا جابر له; لما عرفت من أنّ المشهور التعدية ، بل قد سمعت دعوى الإجماع عليه من الشيخ والحلّي(1) .
أقول: فرض عدم التقييد ـ لأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه ـ ينافي لسان جملة من الروايات الواردة في الدين الظاهرة في الاختصاص بلحاظ قوله (عليه السلام): «وذلك في الدين»(2) أو أنّه (صلى الله عليه وآله) قضى في الدّين وحده ، نعم قوّة المطلق بحالها ، نظراً إلى المقابلة بينه وبين حقوق الله والهلال ، كما في صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة(3) .
وهنا إشكال آخر وهو: أنّ مستند المشهور في جعل الضابط المال أو المقصود منه المال ماذا؟ ومن المستبعد جدّاً أن يكون مستندهم المرسلة المتقدّمة عن ابن عبّاس ، ولا مجال لأن يقال هنا: بأنّ استناد المشهور يكون جابراً لضعفها بعد كون مفادها مغايراً لعقائدنا ، وكونها غير مذكورة في كتب فروعنا ، فهل لعنوان الدين المذكور في الروايات معنى وسيع يشمل جميع الحقوق الماليّة ، بحيث كان مرجع فعلهم إلى شبه ما عمله في الاستبصار ، من تقييد حقوق الناس في الصحيحة بالحقوق الماليّة، فيلزم حينئذ عدم التعرّض فيها لمثل حقّ القصاص ونحوه ممّا لايكون مالا ، ولا ما يقصد به الأموال ، ويؤيّد سعة معنى الدين جعله مقابلا للهلال في روايته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) المتقدّمة أيضاً(4) ، لكن إطلاق لفظ الدين
(1) جواهر الكلام: 40 / 274 و 272 .
(2) أي في رواية أبي بصير المتقدّمة .
(3 و 4) تقدّمتا في ص 193 .
(الصفحة198)
مسألة 2: المراد بالدّين كلّ حقّ مالي في الذمّة بأيّ سبب كان ، فيشمل ما
على مثل حقّ القصاص مشكل .
وكيف كان ، فالتحقيق أنّه لا محيص عن الفتوى على طبق الرواية الصحيحة ، والحكم بجريان الشاهد واليمين في جميع حقوق الناس المالية وغيرها ، وإن كان الاحتياط يقتضي الاقتصار على خصوص الأولى، فتدبّر جيّداً .
الأمر الثالث: في قيام شهادة امرأتين مقام رجل واحد في مسألة الشاهد واليمين ، كما عن الأكثر(1) خلافاً لابن إدريس، حيث منع عن ذلك على مبناه من عدم حجّية خبر الواحد(2) ، وللعلاّمة في موضع من محكي التحرير، حيث جزم بالعدم فيه(3) ، وإن كان قد جزم في موضع آخر منه بالقبول(4) .
ويدلّ على المشهور صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين، يحلف بالله أنّ حقّه لحقّ(5) .
ومرسلة منصور بن حازم قال: حدّثني الثقة، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: إذا شهد لصاحب الحقّ امرأتان ويمينه فهو جائز(6) .
(1) رياض المسائل: 9 / 343 ، مسالك الأفهام: 13 / 511 ـ 512 ، الجامع للشرائع: 542 ، الوسيلة: 222 ، جواهر الكلام: 40 / 275 .
(2) السرائر: 2 / 116 .
(3) تحرير الأحكام: 2 / 193 .
(4) تحرير الأحكام: 2 / 212 .
(5) الكافي: 7 / 386 ح7 ، التهذيب: 6 / 272 ح739 ، الإستبصار: 3 / 32 ح107 ، الفقيه: 3 / 33 ح106 ، الوسائل: 27 / 271 ، أبواب كيفيّة الحكم ب15 ح3 .
(6) الكافي: 7 / 386 ح6 ، التهذيب: 6 / 272 ح738 ، الإستبصار: 3 / 31 ح106 ، الوسائل: 27/ 271 ، أبواب كيفيّة الحكم ب15 ح4 .
(الصفحة199)
استقرضه ، وثمن المبيع ، ومال الإجارة ، ودية الجنايات ، ومهر الزوجة إذا تعلّق بالعهدة ، ونفقتها ، والضمان بالاتلاف والتلف إلى غير ذلك ، فإذا تعلّقت الدّعوى بها أو بأسبابها لأجل إثبات الدين واستتباعها ذلك فهي من الدين ، وإن تعلّقت بذات الأسباب وكان الغرض نفسها لا تكون دعوى الدين1.
1 ـ الغرض من هذه المسألة تعميم دائرة الدين والحكم بعدم اختصاصه بما استقرضه ومثله ، بل يعمّ الموارد المذكورة في المتن . وهذا البحث إنّما يجري بناءً على اختصاص الحكم في المسألة الاُولى بخصوص الدين ، وأمّا بناءً على الحكم بالتعميم في جميع الحقوق المربوطة بالناس أعمّ من المالية وغيرها فلا مجال لهذا البحث ، كما أنّه بناءً على القول الآخر الذي عرفت أنّه المشهور يمكن أن يقال بعدم التفاوت ، ويمكن أن يقال بالفرق بالإضافة إلى المعاوضة ومثلها من حيث هي ، كما لا يخفى .
وهو الظاهر من المسألة الاُولى حيث جعل القول بالاختصاص بالديون مغايراً للقول بجريانه في مطلق الأموال وما يقصد به الأموال ، الذي هو المشهور على ما عرفت ، مع أنّه لو كان المراد ممّا يقصد به الأموال هو ما يقصد به الأموال نوعاً وغالباً لا يبقى فرق بين القولين; لأنّ جميع المعاوضات حينئذ داخل فيهما .
نعم لو كان المراد هو القصد الشخصي يتحقّق الفرق ، ولعلّ الأوّل هو الوجه لما يظهر من الجواهر من أنّ أحداً من الأصحاب لم يشر إلى أنّ أصل المسألة خلافيّة(1) ، والقول بالتعميم إلى جميع الحقوق الماليّة وغيرها يظهر الميل إليه من المحكي عن المحقّق السبزواري في الكفاية، مع التعليق على عدم ثبوت الإجماع على
(1) جواهر الكلام: 40 / 274 .
(الصفحة200)
مسألة 3: الأحوط تقديم الشاهد وإثبات عدالته ثمّ اليمين ، فإن قدّم اليمين ثمّ أقام الشاهد فالأحوط عدم إثباته ، وإن كان عدم اشتراط التقديم لا يخلو من قوّة1.
خلافه(1) . وكيف كان فالتحقيق في المسألة ما عرفت .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع: ويشترط شهادة الشاهد أوّلا ، وثبوت عدالته ثمّ اليمين ، فلو بدأ باليمين وقعت لاغية ، وافتقر إلى اعادتها بعد الإقامة(2) . وقال في الجواهر عقيب الجملة الاُولى: بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللّثام نسبته إلى قطع الأصحاب(3) .
هذا ، ولكن جملة من متأخّري المتأخّرين كصحاب الكفاية والمفاتيح والمستند خالفوهم، حيث تردّدوا في المسألة أو قالوا بالعدم(4) ، وعمدة ما استدلّ به على الاعتبار أصالة عدم ثبوت الحقّ بدون ذلك بعد الشكّ في إرادة غيره من الإطلاق ، خصوصاً بعد الترتيب الذكري في أكثر الروايات .
ويرد عليه: أنّه مع ثبوت الإطلاق لا مجال للأصل كما في سائر الموارد ، لكنّ الكلام في أصل ثبوت الإطلاق بعد كونها في مقام بيان أصل اعتبار الشاهد واليمين في الجملة، والترتيب الذكري لايعبأ به . وقد حكي عن المسالك التعليل بأنّ المدّعي وظيفته البيّنة لا اليمين بالأصالة ، فإذا أقام شاهداً صارت البيّنة التي هي وظيفته
(1) كفاية الأحكام: 272 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 880 ـ 881 .
(3) كشف اللثام: 2 / 344 (ط ق) ، جواهر الكلام: 40 / 270 .
(4) كفاية الأحكام: 272 ، مفاتيح الشرائع: 3 / 264 ، مستند الشيعة: 2 / 566 (ط ق) .
|