(الصفحة241)
مسألة 13: تثبت اليمين في الدعاوي الماليّة وغيرها ، كالنكاح والطلاق والقتل ، ولا تثبت في الحدود ، فإنّها لا تثبت إلاّ بالإقرار أو البيّنة بالشرائط المقرّرة في محلّها ، ولا فرق في عدم ثبوت الحلف بين أن يكون المورد من حقّ الله محضاً كالزنا ، أو مشتركاً بينه وبين حق الناس كالقذف ، فإذا ادّعى عليه أنّه قذفه بالزنا فأنكر لم يتوجّه عليه يمين ، ولو حلف المدّعي لم يثبت حدّ القذف ، نعم لو كانت الدعوى مركبةً من حقّ الله وحقّ الناس كالسرقة ، فبالنسبة إلى حقّ الناس تثبت اليمين ، دون القطع الذي هو حقّ الله تعالى1.
الحلف أو أقرّ بالحق يثبت ، ولا يتحقّق شيء منهما في حقّ الغير(1) . وأورد عليه بمنع الاختصاص بذلك(2) ، ويؤيّده أنّ الوليّ والقيم والمتولي لا يكون أجنبيّاً محضاً ، وإن لم يكن له فائدة وضرر في ثبوت الدعوى وسقوطها ، ففرق بينهم وبين الأجنبي المحض الذي لا يترتّب أثر على حلفه، كما لايخفى ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ لا إشكال في جريان اليمين في الدعاوي المالية وسائر حقوق الناس ، كالنكاح والطلاق والرجعة والقتل وغيرها ، وفي عدم جريانها في الحدود فإنّها لا تثبت إلاّ بالإقرار والبيّنة بالشرائط المقرّرة في محلّها. وقد ورد في روايات كثيرة ما يرجع إلى أنّه لا يمين في حدّ ، ففي مرسلة الصدوق المعتبرة: ادرأوا الحدود بالشبهات ، ولا شفاعة ، ولا كفالة ، ولا يمين في حدّ(3) .
هذا ، مضافاً إلى أنّ من شرائط سماع الدعوى أن تكون مرتبطة بالمدّعي ، وله
(1) مستند الشيعة: 2 / 606 .
(2) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 204 مسألة 14 .
(3) الفقيه: 4 / 53 ح90 ، الوسائل: 28 / 47 ، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح4 .
(الصفحة242)
فيها نفع يتوجه إليه كما مرّ سابقاً ، والحدود إنّما هي من حقوق الله المحضة ، وليس لها أيّ ارتباط بالمدّعي ، ولا يكون المدّعي مأذوناً من قبل صاحب الحقّ ، بل هو الذي حكم بدرأ الحدود بالشبهات كما عرفت في المرسلة ، ويؤيّده خصوصية البيّنة في مثل الزنا واللواط ، ومرجع البيّنة فيها إلى موتها من دون ارتباط بالمدّعي ، بل ولو لم يكن هناك مدّع أصلا .
وفي رواية عامية عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، أنّه قد قال لمن حمل رجلا على الإقرار عنده بالزنا: لو كنت سترته بثوبك كان خيراً لك(1) .
والظاهر أنّه لا خلاف في ذلك(2) ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه(3) إذا كان من حقّ الله المحض . بقي في المقام أمران آخران:
أحدهما: ما إذا كان مشتركاً بين حقّ الله وحقّ الناس كالقذف ، فالأكثر كما في المتن تغليب حقّ الله فلا تثبت فيه اليمين ، وعن المبسوط والدروس تغليب حقّ الناس فتجري فيه اليمين(4) ، وفرّع عليه في المتن ما إذا كان المدّعي يدّعي أنّه قذفه بالزنا وأنكر ، وأنّه لا يتوجّه عليه يمين ، ولو حلف المدّعي لم يثبت حدّ القذف ، ولكن هنا فرع آخر لعلّه أنسب وأقرب إلى كلامهما ، وكلام المحقّق في الشرائع حكاية عن المبسوط ، وهو ما إذا قال له: يا زاني، ثمّ لما اُريد قيام حدّ القذف عليه ادّعى الزّنا على المقذوف ، ولكن لا بيّنة له على ذلك ، فيجوز على قولهما أن يحلف
(1) سنن البيهقي: 12 / 452، كتاب الحدود باب المعترف بالزنا يرجع عن إقراره ح17474 وج13/ 154، كتاب الأشربة باب ما جاء في الستر على أهل الحدود ح18097.
(2) كفاية الأحكام: 271 مسألة 10 .
(3) مفتاح الكرامة: 10 / 107 .
(4) المبسوط: 8 / 215 ـ 216 ، الدروس الشرعيّة: 2 / 93 .
(الصفحة243)
مسألة 14: يستحب للقاضي وعظ الحالف قبله ، وترغيبه في ترك اليمين إجلالا لله تعالى ولو كان صادقاً ، واخافه من عذاب الله تعالى إن حلف كاذباً ، وقد روي أنّه: «من حلف بالله كاذباً كفر»، وفي بعض الروايات: «من حلف على يمين وهو يعلم أنّه كاذب فقد بارز الله»، و«أنّ اليمين الكاذبة تدع الدّيار بلاقع من أهلها»1.
المقذوف على عدم الزنا; ليثبت الحدّ على القاذف ، وإذا لم يحلف المقذوف بل ردّ اليمين على القاذف فحلف ، لم يثبت حدّ الزنا في حقّه .
هذا ، ولكن الأقوى ما عليه الأكثر; لأنّه مضافاً إلى أنّ المستفاد من مذاق الشرع في باب الحدود تغليب حقّ الله ، كما يستفاد من مثل قوله (صلى الله عليه وآله): «ادرأوا الحدود بالشبهات» الخ يكون مقتضى قوله (عليه السلام): «لا يمين في حدّ»(1) الوارد في روايات كثيرة الشمول للمقام ، وعدم الاختصاص بحدّ الله المحض ، فالأقوى ما في المتن تبعاً للأكثر .
ثانيهما: ما إذا كان مركّباً من حقّ الله وحقّ الناس ، كالسّرقة التي يجتمع فيها الحدّ الذي هو القطع مع شرائط مخصوصة ، وغرامة المال عيناً أو مثلا أو قيمة التي هي حقّ الناس . فبالنسبة إلى الأوّل لا يجزي فيه اليمين بخلاف الثاني ، ولا مانع من التبعيض كما لايخفى .
1 ـ الأصل في ذلك قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرضَةً لاَِيْمَانِكُم}(2) وقد وقع
(1) وسائل الشيعة: 28 / 46، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح1 و4 وج29 / 136، أبواب القصاص في النفس ب70 ح1 وص186، أبواب قصاص الطرف ب24 ح2.
(2) سورة البقرة: 2 / 224 .
(الصفحة244)
الاستشهاد به لترك اليمين وإن كان صادقاً ، ففي رواية أبي أيّوب الخزّاز قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين، فإنّه عزّوجلّ يقول: {وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لاَِيْمَانِكُمْ}(1) ، والنّهي محمول على الكراهة في الحلف الصادق ، ومنشأه إجلال الله تبارك وتعالى ، وعدم جعله وسيلة للحطام الدنيوي والمتاع القليل الذي هو متاع الدنيا .
وفي رواية السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أجلّ الله أن يحلف به أعطاه الله خيراً ممّا ذهب منه(2) .
وفي رواية عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّ علي بن الحسين (عليهما السلام) لمّا طلق بعض أزواجه وقد أعطاها المهر قبلا ، واستعدت إلى أمير المدينة . فقال له الأمير: يا عليّ إمّا أن تحلف وإمّا أن تعطيها. فقال لي: يا بنيّ قم فأعطها أربعمائة دينار . فقلت له: يا أبة جعلت فداك ألست محقّاً؟! قال: بلى يا بنيّ ولكنّي أجللت الله أن أحلف به يمين صبر(3) .
وأمّا الحلف كاذباً فقد ورد في بعض الروايات أنّه كفر ، ففي رواية أبي سلام المتعبّد ، أنّه سمع أبا عبدالله (عليه السلام) يقول لسدير: يا سدير من حلف بالله كاذباً كفر ، ومن حلف بالله صادقاً أثم، إنّ الله عزّوجلّ يقول: {وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرضَةً لاِيمانِكُم}(4) .
وفي بعض الروايات أنّه قد بارز الله ، ففي رواية يعقوب الأحمر قال: قال أبو
(1) الكافي: 7 / 434 ح1 ، التهذيب: 8 / 282 ح1033 ، الوسائل: 23 / 198 ، كتاب الأيمان ب1 ح5 .
(2) الكافي: 7 / 434 ح2 ، الفقيه: 3 / 233 ح1096 ، التهذيب: 8 / 282 ح1034 ، الوسائل: 23 / 198 ، كتاب الأيمان ب1 ح3 .
(3) الكافي: 7 / 435 ح5 ، التهذيب: 8 / 283 ح1036 ، الوسائل: 23 / 200 ، كتاب الأيمان ب2 ح1 .
(4) الكافي: 7 / 434 ح4 ، الفقيه: 3 / 234 ح1108 ، التهذيب: 8 / 282 ح1035 ، الوسائل: 23 / 198 ، كتاب الأيمان ب1 ح6 .
(الصفحة245)
عبدالله (عليه السلام): من حلف على يمين وهو يعلم أنّه كاذب فقد بارز الله(1) .
وفي بعض الروايات أنّ اليمين الكاذبة تذر الديار بلاقع من أهلها ، ففي رواية أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ في كتاب علي (عليه السلام): إنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من أهلها ، وتثقل(2) الرحم ، يعني انقطاع النسل(3) .
والمراد من البلاقع التي هي جمع بلقع هو الخلوّ من الأهل ، كأرض قفر لا شيء فيها . ووجّهه بعضُ محشّي الوسائل بأنّ عمران البلاد بتعاون الناس في حوائجهم وضرورياتهم وتعاضدهم في معايشهم ، وهذا غير ممكن بين اُناس خونة لا يعتمد أحد منهم على الآخر ، والحلف الكاذب يمنع الاعتماد والتعاون ، وفي ذلك هلاك العمران . ويحتمل أن يكون أثراً وضعيّاً للحلف الكاذب ، كما رأيناه بالوجدان من محو بعض الرساتيق لعلّة تحوّل الأرض بحيث لا يكون منها أثر أصلا . ويجري الوجهان من مقتضى القاعدة ومن الفعل الإلهي الخارج عن العادة فيما بيّنه الله تعالى بعد الأمر بانكاح الأيامى والصالحين من العباد والاماء بقوله: {إن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(4) ، والوجهان ظاهران، فتدبّر جيّداً .
(1) الكافي: 7 / 435 ح1 ، عقاب الأعمال: 269 ح1 ، المحاسن: 1 / 211 ح378 ، الوسائل: 23 / 203 ، كتاب الأيمان ب4 ح4 .
(2) في الكافي: تنغل بدل تثقل ، ونغل الجرح: فسد (القاموس المحيط) .
(3) الكافي: 7 / 436 ح9 ، عقاب الأعمال: 270 ح8 ، الوسائل: 23 / 202 ، كتاب الأيمان ب4 ح1 .
(4) سورة النور 24: 32 .
(الصفحة246)
(الصفحة247)
القول في أحكام اليد
مسألة 1: كلّ ما كان تحت استيلاء شخص وفي يده بنحو من الأنحاء فهو محكوم بملكيته وأنّه له ، سواء كان من الأعيان أو المنافع أو الحقوق أو غيرها ، فلو كان في يده مزرعة موقوفة ويدّعي أنّه المتولّي يحكم بكونه كذلك ، ولا يشترط في دلالة اليد على الملكية ونحوها التصرّفات الموقوفة على الملك ـ فلو كان شيء في يده يحكم بأنّه ملكه ، ولو لم يتصرّف فيه فعلا ـ ولا دعوى ذي اليد الملكية ، ولو كان في يده شيء فمات ولم يعلم أنّه له ولم يسمع منه دعوى الملكية يحكم بأنّه له وهو لوارثه ، نعم يشترط عدم اعترافه بعدمها ، بل الظاهر الحكم بملكية ما في يده ولو لم يعلم أنّه له ، فإن اعترف بأنّي لا أعلم أنّ ما في يدي لي أم لا ، يحكم بكونه له بالنسبة إلى نفسه وغيره1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في أمور:
الأمر الأوّل: في المراد من اليد التي هي عبارة عن الجارحة المخصوصة في مقابل الرجل ، والمراد منها معناه الكنائي ، وهو الاستيلاء الواقعي والسلطة الخارجيّة المختلف بحسب الأشياء والأشخاص ، فالاستيلاء على الخاتم إنّما هو بكونه في
(الصفحة248)
اصبعه أو في يده أو في جيبه أو في صندوقه ، وعلى الثوب بنحو آخر ، وعلى الدار بنحو ثالث ، وعلى الدكان والأراضي بنحو رابع ، وعلى المملكة بنحو خامس وهكذا ، ففي الحقيقة أنّ نفس الاستيلاء وإن كان أمراً إعتباريّاً ، لأنّ الواقع في الخارج إنّما هو التصرّف الفعلي، إلاّ أنّ مبدأه ومنشأه يكون من الواقعيات غير الاعتبارية، كالفوقية حيث أنّها وإن كانت أمراً اعتبارياً ; لأنّ الواقع في الخارج إنّما هو السقف مثلا ، إلاّ أنّ الفوقية لا تتصوّر بدون مثل السقف الذي هو أمر تكويني .
ودعوى أنّ اليد بهذا المعنى تارةً تكون مسببة عن الملكية ، كما في موارد البيع والصلح ونحوهما ، واُخرى تكون سبباً لحصولها ، كما في باب الحيازة .
مدفوعة بأنّه إن كان المقصود أنّ اليد عبارة أخرى عن الملكية التي هي أمر اعتباري ، فيردّه أنّ المراد باليد ليس هي الملكية ، وإن كان المراد انحصار دائرة اليد بموارد ثبوت الملكية فمن الواضح خلافه; لأنّه ربّما يتحقّق غصباً .
فالحقّ انّه لا مجال للمناقشة في أنّ المراد باليد نفس الاستيلاء الخارجي بالنحو الذي ذكرنا ، ففي الحقيقة يكون المراد به وبالاستيلاء المتحقّق في باب الغصب واحداً ، غاية الأمر أنّ الغصب هو الاستيلاء على مال الغير عدواناً ، وهنا تكون اليد الموضوعة في قاعدة اليد ، وأمارتها هو الاستيلاء على أمر يكون مشكوك الملكية ومثلها ، فانّ اعتبار الأمارة إنّما هو بالاضافة إلى موارد الشك، كما لايخفى .
الأمر الثاني: في مدرك هذه القاعدة ومستندها وهو ثلاثة أمور:
الأوّل: بناء العقلاء من جميع الملل والاُمم من غير فرق بين المتدينين منهم وغيرهم على اعتبار اليد ، وكونها أمارة عندهم لملكية صاحبها ، ولا ارتياب في ثبوت هذا البناء وتحقّق هذه السيرة ، والظاهر أنّ الوجه في ثبوت الأمارية عندهم ليس استحالة أن يكون للعقلاء تعبّد في أمورهم حتى تمنع الاستحالة; لاحتمال أن
(الصفحة249)
يكون ذلك عندهم بنحو الأصل ، لأجل تحقّق اختلال النظام وعدم انتظام السوق بدونه; ولذا ذكر المحقّق الخراساني في الكفاية: أنّه يحتمل أن تكون أصالة الحقيقة مجعولة تعبّداً لا من باب أصالة الظهور ، التي هي أمارة على المراد عند العقلاء(1) ، بل الوجه في اعتبار اليد كونه أمارة عندهم على الملكية ، ومرجع الأمارية إلى عدم ترتيب الأثر على احتمال الخلاف; لكونه ملغى عندهم ولا يعتنون به ، كما أنّ مرجع الأصل إلى ترتيب آثار الملكية مع ثبوت احتمال الخلاف ، وعدم كونه ملغى لديهم .
هذا ، ولو فرض افتقار حجية السيرة العقلائية في الشريعة إلى إمضاء الشارع وتأييده ، ولم نقل بكفاية عدم ثبوت الردع نقول: إنّ الروايات المتكثّرة الآتية إن شاء الله تعالى كافية في مقام الإمضاء ، وإن كانت بنفسها دليلا مستقلاًّ لدلالتها على اعتبار اليد ، وإن لم تثبت السيرة العقلائيّة على وفقه بل ثبتت على خلافه، كما لايخفى .
الثاني: الإجماع المحقّق والاتّفاق المسلّم على اعتبار اليد قولا وفعلا(2) ، وهذا الإجماع وإن كان ممّا لا مناقشة فيه إلاّ أنّه لا يصلح أن يكون حجّة برأسه ، ودليلا مستقلاًّ في مقابل سائر الأدلّة ; لأنّه يحتمل قويّاً استناد المجمعين إلى سائر الوجوه ، خصوصاً الروايات ، فلا أصالة للإجماع بوجه، كما لايخفى .
الثالث: الروايات الكثيرة الدالّة على اعتبار اليد ، وهي على ثلاث طوائف :
الطائفة الاُولى: ما هي ظاهرة في الاعتبار بنحو الأمارية ، مثل:
موثقة يونس بن يعقوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة تموت قبل الرجل ، أو
(1) كفاية الاُصول: 323 ـ 324 .
(2) رياض المسائل: 9 / 386 .
(الصفحة250)
رجل قبل المرأة ، قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شيء منه فهو له(1) .
والمناقشة في سندها بعد كونها موثّقة غير واردة ، كما أنّ دلالتها على اعتبار الاستيلاء واليد وكونها طريقاً إلى ثبوت الملك واضحة ، فإنّ الحكم باختصاص متاع النّساء بهنّ إنّما هو لأجل كون ذلك أمارة على يدها ، فهو أمارة على الأمارة ، كما أنّ اشتراكهما فيما كان مشتركاً بينهما إنّما هو لأجل كشف ذلك عن ثبوت اليد لهما ، وأصرح من الجميع قوله (عليه السلام) في الذيل: «ومن استولى على شيء منه فهو له»، حيث إنّه يدلّ بأعلى ظهور على أنّ الاستيلاء دليل على الملكية ، وليس المراد أنّ الإستيلاء موجب لتحقّق الملكية ـ كما أنّ الحيازة مثلا موجبة لتحقّق الملكيّة ـ حتى يورد عليه بتحقّق الاستيلاء في باب الغصب ، بل ليس حقيقته إلاّ الاستيلاء على مال الغير عدواناً، وربّما لا يتحقّق التصرّف من الغاصب أصلا ، كما أنّه ربّما يكون التصرّف المحرّم غصباً ، ولذا ذكر سيّدنا المحقّق الاستاد البروجردي قدّس سرّه الشريف في مجلس درسه مكرّراً: أنّ اتّحاد الصلاة مع الأمر المحرّم في مثال اجتماع الأمر والنهي إنّما هو اتحاد الصلاة مع التصرّف المحرم ، وإلاّ فالصلاة لا تتحد مع عنوان الغصب وحقيقته بوجه ، وعلى هذا يكون الغاصب المتصرّف مرتكباً لمحرّمين، بخلاف الغاصب فقط أو المتصرّف كذلك .
وفي الرواية إشكالان آخران:
أحدهما: عدم تعرّض الرّواية لما كان متاع الرجال فقط، كالميزان على ما في بعض الروايات الاُخر التي ستجيء إن شاء الله تعالى .
(1) التهذيب: 9 / 302 ح1079 ، الوسائل: 26 / 216 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح3 .
(الصفحة251)
ويدفعه أنّه يمكن أن يكون ذلك لأجل كون التعرّض للقسمين الآخرين كافياً ومغنياً خصوصاً بعد بيان الملاك والضابطة في الذيل بقوله: «ومن استولى على شيء» الخ .
ثانيهما: ما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّه الشريف: من أنّ غاية مفادها ترتيب آثار الملكية لما تحت يد شخص من دون تعرّض إلى أنّ اليد طريق إلى الملكية أم لا، فقوله (عليه السلام): «من استولى على شيء منه فهو له» لا يدلّ إلاّ على ترتيب آثار الملكية على ما استولى عليه ، وهذا المعنى أعمّ من الأماريّة والأصليّة ، ويجتمع مع كلّ واحد منهما ، فلا يمكن إثبات خصوص أحدهما بها ، حتى إنّ جواز الحلف والشهادة اللذين أخذ العلم في موضوعهما على نحو الطريقيّة مستنداً إليها لا ينافي أصليّتها ، لأنّ الأصول التنزيلية أيضاً مثل الأمارات تقوم مقام العلم الذي أخذ في الموضوع على نحو الطريقية ، فمن هذه الجهة أيضاً لا فرق بينهما(1) .
وأجبنا عن هذه المناقشة في كتابنا في القواعد الفقهية المشتمل على عشرين قاعدة; بما يرجع إلى أنّ تشخيص المراد من الروايات موكول إلى العرف ، فانّه الحاكم في هذا الباب ، ومن الواضح أنّه لو كان شيء عند العقلاء يعامل معه معاملة الطريقية ، فإذا ورد في كلام الشارع ترتيب الأثر عليه ، فلا محالة يفهم من ذلك الكلام أنّ الشارع اعتبره على النحو الذي يعتبره العقلاء ، فحينئذ كان الاستيلاء على شيء موضوعاً عند العقلاء للحكم بالملكية ، وترتيب آثارها عليه بنحو الأمارية والطريقية ، فإذا وقع في كلام الشارع الملقى إلى العرف لا يجري فيه احتمال كون الحكم بترتيب آثار الملكية عند الشارع بنحو الأصلية ، ويؤيّده جواز الحلف
(1) القواعد الفقهيّة للسيّد البجنوردي: 1 / 115 و 114 .
(الصفحة252)
والشهادة مستنداً إلى اليد ، فإنّ الاكتفاء فيه بالأصول التنزيليّة على حسب اصطلاحه محل كلام واختلاف، كما بيّن في محلّه ، مع أنّه لم يختلف أحد في جواز الحلف والشهادة في المقام، وهذا يكشف عن عدم كونه من تلك الأصول ، بل من الأمارات(1) ، فتدبّر جيّداً .
ومنها: رواية عبد الرحمن بن الحجاج ، التي رواها الكليني بطريقين والشيخ بأسانيد متعدّدة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألني هل يقضي ابن أبي ليلى بالقضاء ثمّ يرجع عنه؟ فقلت له: بلغني أنّه قضى في متاع الرجل والمرأة إذا مات أحدهما ، فادّعاه ورثة الحيّ وورثة الميّت ، أو طلّقها فادعاه الرجل وادعته المرأة بأربع قضايا . فقال: وما ذاك؟ قلت: أمّا أوّلهنّ: فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي ، كان يجعل متاع المرأة الذي لا يصلح للرجل للمرأة ، ومتاع الرجل الذي لا يكون للمرأة للرجل ، وما كان للرجال والنساء بينهما نصفان ، ثمّ بلغني أنّه قال: إنّهما مدّعيان جميعاً ، فالذي بأيديهما جميعاً [يدّعيان جميعاً](2) بينهما نصفان .
ثمّ قال: الرجل صاحب البيت والمرأة الداخلة عليه وهي المدّعية ; فالمتاع كلّه للرجل إلاّ متاع النساء ، الذي لا يكون للرجال فهو للمرأة ، ثمّ قضى بقضاء بعد ذلك لولا أنّي شهدته لم أروه عنه(3) ، ماتت امرأة منّا ولها زوج ، وتركت متاعاً فرفعته إليه ، فقال: اكتبوا المتاع ، فلمّا قرأه قال للزوج: هذا يكون للرجال والمرأة فقد جعلناه للمرأة إلاّ الميزان ، فإنّه من متاع الرجل فهو لك .
فقال (عليه السلام)لي: فعلى أيّ شيء هو اليوم؟ فقلت: رجع ـ إلى أن قال بقول إبراهيم
(1) القواعد الفقهية: 1 / 369 ـ 370 .
(2) من الوسائل ، وفي التهذيب ج9; ممّا يدّعيان جميعاً ، وفي الاستبصار: ممّا يتركان .
(3) في الكافي: لم أردّه عليه .
(الصفحة253)
النخعي ـ أن جعل البيت للرّجل ، ثمّ سألته (عليه السلام) عن ذلك ، فقلت: ما تقول أنت فيه؟ قال: القول الذي أخبرتني: أنّك شهدته وإن كان قد رجع عنه . فقلت: يكون المتاع للمرأة؟ فقال: أرأيت إن أقامت بيّنة إلى كم كانت تحتاج؟ فقلت: شاهدين .
فقال: لو سألت من بين لابتيها ـ يعني الجبلين ونحن يومئذ بمكّة ـ لأخبروك أنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها ، فهي التي جاءت به ، وهذا المدّعي فإن زعم أنّه أحدث فيه شيئاً فليأت عليه البيّنة(1) .
لا مجال للإشكال في الرواية من جهة السند ، كما أنّ متنها يؤيّد كونها من الإمام (عليه السلام) ،كما أنّ دلالتها ظاهرة واضحة لدلالتها على اختصاص متاع البيت بالمرأة ، وأنّ الرجل هو المدّعي إن زعم أنّه أحدث فيه شيئاً فليأت عليه البيّنة ، معلّلا بوضوح «أنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها، فهي التي جاءت به» فمفادها أنّ المرأة مستولية على متاع البيت; والاستيلاء كاشف عن كونها مالكة ، فيجب على الزوج إقامة البيّنة ، والمرأة مع عدمها لايجب عليها إلاّ اليمين ، فدلالة الرواية واضحة .
ومن هذه الطائفة رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها ، فالذي وجد المال أحقّ به(2) .
ورواية جميل بن صالح قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): رجل وَجد في منزله ديناراً . قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير . قال: هذا لقطة . قلت: فرجل وجد في
(1) الكافي: 7 / 130 ح1 ، التهذيب: 6 / 297 ـ 298 ح829 ـ 831 وج9 / 301 ح1078 ، الإستبصار: 3 / 44 ـ 46 ح149 ـ 151 ، الوسائل: 26 / 213 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح1 .
(2) الكافي: 5 / 138 ح1 ، التهذيب: 6 / 390 ح1169 ، الوسائل: 25 / 447 ، كتاب اللقطة ب5 ح1 .
(الصفحة254)
صندوقه ديناراً . قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئاً؟ قلت: لا . قال: فهو له(1) .
ورواية دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنّه سئل عن الورق توجد في الدار؟ فقال: إن كانت عامرة فهي لأهلها ، وإن كانت خراباً فسبيلها سبيل اللقطة(2) .
الطائفة الثانية: من الروايات ما يدلّ على حجّية اليد واعتبارها من غير دلالة على كونها أمارة ، مثل:
رواية محمد بن الحسين قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام): رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل ، فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ، ويعطل هذه الرحى ، أله ذلك؟ فوقّع (عليه السلام): يتّقي الله ، ويعمل في ذلك بالمعروف ، ولا يضرّ أخاه المؤمن(3) .
وربّما يقال: بعدم دلالة هذه الرواية على اعتبار اليد بوجه ، ولا ينبغي أن تعدّ الرواية في رديف الأدلّة على اعتبار اليد ، مع أنّه من الواضح أنّ السؤال ليس بلحاظ كون الرجل الأوّل مالكاً للرحى ، بل بلحاظ كونه مستولياً عليها في مدّة من الزمان ، مع احتمال عدم الملكية، كما في سائر موارد ثبوت اليد، فثبوتها له إنّما هو باعتبار اليد ضرورة أنّه لم يكن مجال للسؤال مع الملكية الثابتة من غير طريق اليد .
(1) الكافي: 5 / 137 ح3 ، التهذيب: 6 / 390 ح1168 ، الفقيه: 3 / 187 ح841 ، الوسائل: 25 / 446 ، كتاب اللقطة ب3 ح1 .
(2) دعائم الإسلام: 2 / 497 ح1774 ، مستدرك الوسائل: 17 / 128 ، كتاب اللقطة ب4 ح1 .
(3) الكافي: 5 / 293 ح5 ، التهذيب: 7 / 146 ح647 ، الفقيه: 3 / 150 ح659 ، الوسائل: 25 / 431 ، كتاب إحياء الموات ب15 ح1 .
(الصفحة255)
ورواية العيص بن القاسم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن مملوك ادّعى انّه حرّ ، ولم يأتِ بيّنة على ذلك ، اشتريه؟ قال: نعم(1) .
ومثلها رواية حمزة بن حمران ، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أدخل السوق وأريد اشتري جارية ، فتقول: إنّي حرّة . فقال: اشترها إلاّ أن يكون لها بيّنة(2) .
وما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عثمان بن عيسى وحمّاد بن عثمان جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث فدك ـ إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)قال لأبي بكر: أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا . قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه مَن تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين . قال: فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون ، تسألني البيّنة على ما في يدي ؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)وبعده، ولم تسئل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا عليّ ، كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم ـ إلى أن قال: ـ وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر. ورواه الطبرسي في الاحتجاج مرسلا ، والصدوق في العلل عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)(3) . ويمكن أن يقال بإشعار هذه الرواية ، بل دلالتها على أماريّة اليد وكاشفيتها; نظراً إلى قوله (عليه السلام): «فإن كان في يد المسلمين
(1) التهذيب: 7 / 74 ح317 ، الفقيه: 3 / 140 ح614 ، الوسائل: 18 / 250 ، أبواب بيع الحيوان ب50 ح1 وج23/55 ، كتاب العتق ب29 ح4 .
(2) التهذيب: 7 / 74 ح318 ، الفقيه: 3 / 140 ح613 ، الكافي: 5 / 211 ح13 ، الوسائل: 18 / 250 ، أبواب بيع الحيوان ب5 ح2 .
(3) تفسير القمّي: 2 / 156 ، الإحتجاج: 1 / 122 ـ 123 ، علل الشرائع: 190 ـ 191 ح1 ، الوسائل: 27/ 293 ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح3 .
(الصفحة256)
شيء يملكونه؟» ، فإنّ توصيفهم بكونهم مالكين ليس إلاّ من جهة اليد الكاشفة عن الملكية ، لا أنّه كان هناك طريق آخر عليها . نعم قوله (عليه السلام) بعده: «وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده» ربّما ينافي ذلك ، فتدبّر .
الطائفة الثالثة: الروايات الدالّة على اعتبار اليد أيضاً ، لكن ربّما تتوهّم دلالتها على كون اليد أصلا ، مثل:
رواية حفص بن غياث ، التي رواها المشايخ الثلاثة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال له رجل: إذا رأيت شيئاً في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال: نعم ، قال الرجل: أشهد أنّه في يده ولا أشهد أنّه له فلعلّه لغيره؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام): أفيحلّ الشراء منه؟ فقال: نعم ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): فلعلّه لغيره ، فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك؟ ثمّ تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثمّ قال أبو عبدالله (عليه السلام): لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق(1) .
وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة من حيث السند بقاسم بن يحيى إلاّ أنّها مجمع على العمل بها ، ووجه توهّم دلالتها على كون اليد أصلا لا أمارة قوله (عليه السلام)في الذيل: «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» لأنّه يستفاد منه أنّ جعل اليد حجّة واعتبارها إنّما هو لأجل اختلال سوق المسلمين بدونه ، لا لأجل كونها أمارة وكاشفة .
ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ قوله (عليه السلام): «فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير
(1) الكافي: 7 / 387 ح1 ، الفقيه: 3 / 31 ح92 ، التهذيب: 6 / 261 ح695 ، الوسائل: 27/ 292 ، أبواب كيفيّة الحكم ب25 ح2 .
(الصفحة257)
ملكاً لك»؟ ظاهر في أنّ صيرورته ملكاً له إنّما هو لأجل كونه تحت استيلاء البائع ، ويده الكاشفة عن ملكه ثمّ انتقاله إليه بالبيع ، ولو لم تكن اليد أمارة على ثبوتها لما جاز الحلف على الملكية المترتّبة على الشراء بعد عدم ثبوتها للبائع ـ أنّ التعليل في الذيل لا يدلّ على الأصلية ; لاحتمال أن يكون ذلك حكمة لعدم ردع الشارع عن اعتبارها لا لأصل اعتبارها .
وبعبارة اُخرى حيث إنّ الامارات العقلائية المعتبرة عند العقلاء يحتاج اعتبارها إلى عدم ردع الشارع عنها ، وإلاّ فلا أثر لها بنظر الشارع ـ كقول الثقة الواحد في الموضوعات الخارجية حسب المختار من عدم حجّيته فيها ـ ومن المعلوم أنّ الردع وعدمه لا يكون إلاّ لأجل وجود المصلحة وعدمها; ضرورة أنّه لا يكون جزافيّاً ومن غير جهة ، فلابدّ أن يكون عدم ردع الشارع مسبّباً عن أمر ، وقد بيّن في الرواية ذلك الأمر وهو: اختلال سوق المسلمين بدونه .
ورواية مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البيّنة(1) .
وهذه الرواية ـ التي وصفها الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في رسائله بكونها موثّقة(2) ـ هي العمدة في التوهّم المذكور ، ووجه استفادة اعتبار اليد عند الشارع
(1) الكافي: 5 / 313 ح40 ، التهذيب: 7 / 226 ح989 ، الوسائل: 17/ 89 ، أبواب ما يكتسب به ب4 ح4 .
(2) فرائد الاُصول: 2 / 734 .
(الصفحة258)
بعنوان الأصل لا الأمارة قوله (عليه السلام): «كلّ شيء لك حلال . . .» فإنّه ظاهر في أنّ الحكم بالحلّية مترتّب على الشيء الذي شك في حلّيته وحرمته ، كما يدلّ عليه الغاية; ولذا استدلّ به لأصالة الحلية في مورد الشك فيها وفي الحرمة ، فموضوع الحكم الشيء المشكوك بوصف كونه مشكوكاً ، ومن المعلوم أنّ هذا شأن الأحكام الظاهرية والأصول العملية ; لأنّها قواعد مجعولة للشاك بما هو شاك يحتمل كلا الطرفين .
وأمّا الأمارة فمرجع اعتبارها إلى إلغاء احتمال الخلاف وجعله كالعدم ، وحينئذ نقول: إنّه بعد بيان هذه القاعدة الكلّية المعبّر عنها بأصالة الحلية قد بيّن في الرواية بعض مصاديقها كالثوب المشترى الذي يحتمل أن يكون سرقة ، والعبد المبتاع الذي يحتمل أن يكون خُدع فبيع ، ومن الواضح أنّ انطباق تلك القاعدة على هذا القبيل من الأمثلة لا يكاد يتم إلاّ مع اعتبار اليد بعنوان الأصل لا الأمارة ، كما لايخفى .
ويرد عليه أنّه لابدّ أن تحمل الأمثلة المذكورة في الرواية على أنّها إنّما أتى بها بعنوان التنظير والتمثيل ، لا بعنوان بيان بعض المصاديق ، وإلاّ فلو كانت تلك الأمثلة من مصاديق أصالة الحلية التي يدلّ عليها الصدر كما عرفت ; لأمكن المناقشة في الكلّ بعدم كون شيء منها مجرى أصالة الحلية ، لوجود أصل حاكم عليها موافق أو مخالف ، كاستصحاب عدم تحقّق الملكية بالنسبة إلى الثوب والمملوك في المثالين المتقدّمين ، لأصالة الفساد في المعاملة في الشبهة الموضوعية ، واستصحاب عدم تحقّق الرضاع في الزوجة ، التي يحتمل أن تكون محرماً لأجل الرضاع واستصحاب عدم تحقق الاختية بناءً على مبنى المحقّق الخراساني من
(الصفحة259)
جريان استصحاب عدم القرشية وعدم تحقّق الزوجية ، بناءً على ما هو الحقّ من عدم جريان الاستصحاب المزبور ، وهكذا .
وبالجملة لا محيص عن الالتزام بعدم كون المورد من موارد التطبيق ، بل في مقام التنظير والتمثيل ، وإن كان الالتزام بذلك في نفسه مشكلا .
ثمّ إنّ في الرواية دلالة على أمر آخر ـ وإن كان غير مربوط بالمقام ـ وهي الدلالة على ثبوت اصطلاح خاصّ للشارع في عنوان البيّنة ، لعطفها على الاستبانة الدالّ على المغايرة ، فتدبّر جيّداً .
وقد تحصّل من جميع الطوائف من الروايات الواردة في اليد: أنّه لابدّ من الأخذ بمقتضى الطائفة الاُولى الظاهرة في الاعتبار والحجية بنحو الكاشفية والأمارية ، لأنّه لا معارض لتلك الطائفة ; لعدم كون الطائفة الثانية دالّة على الأمارية والأصلية فلاتنافي الطائفة الاُولى ، وعدم دلالة الطائفة الثالثة على الأصلية كما عرفت ، فاللازم الأخذ بالطائفة الاُولى المتعرّضة لجهتين: الحجية وكونها أمارة ، كما هو الأمر كذلك عند العقلاء على ما تقدّم .
ويؤيّد أمارية اليد أنّها لو كانت أصلا شرعياً معتبراً لم يكن وجه لتقدّمها على الاستصحاب المخالف الجاري في أكثر مواردها; لأنّ كليهما حينئذ من الاُصول التنزيلية ، كما عرفت من المحقّق البجنوردي (قدس سره)(1) ، ولو كانت أمارة معتبرة ، لا مجال للمناقشة في تقدّمها على الاستصحاب; لأنّ الأمارة حاكمة على الأصل الموافق أو المخالف ، كما قرّر في محلّه .
(1) في ص251 .
(الصفحة260)
الأمر الثالث: في مقدار حجّية القاعدة وموارد جريانها ، فإنّه قد وقع الاختلاف في جملة من الموارد ، وهي كثيرة:
منها: المنافع ، فإنّه قد وقع الإشكال في جريان قاعدة اليد فيها ، ولكنّ الظاهر هو الجريان; لإطلاق قوله (عليه السلام) في موثقة يونس المتقدّمة: «مَن استولى على شيء منه فهو له»(1) فإنّ الضمير في منه وإن كان يرجع إلى المتاع المردّد بين الزوج والزوجة ، إلاّ أنّ المستفاد منه أنّ الموجب للحكم بالملكية هو الاستيلاء الكاشف عنها ، فالضابطة الكلية تجري بالإضافة إلى جميع الأشياء . ومن الواضح أنّ المنافع من جملة الأشياء ، فإذا استولى على سكونة دار يكشف ذلك عن كونه مالكاً لمنفعة الدار ، امّا مع ملك العين أو بدونه .
هذا ، مضافاً إلى ظاهر الرواية المتقدّمة الواردة في الرحى ، الذي كانت لرجل على نهر قرية والقرية لرجل ، فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر(2) المستلزم ذلك لتعطيل الرحى; لتقوّمها بماء هذا النهر ، حيث إنّه حكم (عليه السلام)بوجوب اتقاء الله والعمل بالمعروف وعدم إضرار أخيه المؤمن ، فالمنافع إنّما تكون كالأعيان من هذه الجهة .
هذا ، وقد صرّح المحقّق النراقي (قدس سره) في العوائد بعدم الشمول للمنافع ، بل مقتضى ذيل كلامه عدم تحقّق اليد والاستيلاء موضوعاً بالنسبة إلى المنافع ، فإنّه بعد الاستدلال لعدم الشمول بالأصل ، وعدم ثبوت الإجماع في غير الأعيان ، واختصاص الأخبار بها على اختلافها من حيث ظهورها في خصوص الأعيان أو
(1) الوسائل: 26 / 216، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح3.
(2) الوسائل: 25 / 431، كتاب إحياء الموات ب15 ح1
|