(الصفحة281)
تحت يده بنظر العقلاء على ما عرفت ، وعلى الاحتمال الآخر ـ الذي ضعّفناه وإن اختاره السيد في ملحقات العروة(1) ، بل أجاز اجتماع مالكين مستقلّين بالنسبة إلى شيء واحد ، كما تقدّم البحث عنه(2) ـ يكون المورد من موارد التّداعي; لأنّ المال في يدهما بأجمعه ، ولا تكون هناك بيّنة ، فيكون بينهما نصفين من دون حاجة إلى الحلف .
ثمّ إنّ السيّد المزبور أفاد في الملحقات أنّ التحقيق: التفصيل بين ما إذا كانت يد كلّ منهما على النصف وبين ما إذا كانت على الكلّ مستقلاًّ ، إذ قد عرفت ـ يعني في كلامه ـ اختلاف الموارد في ذلك. ففي الصورة الاُولى تجري قاعدة المدّعي والمنكر ، إذ يصدق على كلّ منهما أنّه مدع في النصف ومنكر في النصف الآخر ، ولا ينفع كون كلّ جزء يفرض يد كلّ منهما عليه; لأنّها ليست يداً مستقلّة . وفي الصورة الثانية التنصيف; لما ذكر من كونه من التداعي لا المدّعي والمنكر(3) . انتهى موضع الحاجة .
ومراده بالتنصيف هو التنصيف من دون حلف; لما عرفت من أنّ أصل التنصيف ممّا لا ريب فيه ولا خلاف ، ولم يعلم الفرق بين الصورتين بعد كون المفروض في مورد البحث هو ثبوت اليد على التمام بالإضافة إلى كليهما ، ولا يقدح في ذلك ثبوت التقسيم بلحاظ الزمان ، بأن تكون العين بأجمعها في برهة من الزمان كشهر مثلا بيد واحد وفي برهة أخرى بيد آخر; لأنّ المفروض ثبوتها بيدهما جميعاً ، وقد عرفت أنّ العقلاء يحكمون بالثبوت على النصف المشاع . نعم لو تحقّق التقسيم الواقعي ـ كما إذا بدّلت الدار نصفين خارجيين يصير كلّ نصف شيئاً مستقلاًّ ـ يجري عليه حكمه ،
(1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 125 .
(2) في المسألة الثالثة هنا .
(3) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 125 .
(الصفحة282)
كما لايخفى .
ثمّ إنّه من العجيب ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره): من عدم تعقّل كون اليد على النصف المشاع ، إلاّ بكونها على العين أجمع في كلّ منهما ، وحينئذ فلا مدّعي ولا مدّعى عليه منهما ، ضرورة تساويهما في ذلك(1) ، فإنّه إن اُريد أنّ استلزام كون اليد على النصف المشاع كون اليد على العين أجمع موجب لتحقّق التداعي وعدم ثبوت المدّعي والمدّعى عليه، فمن الواضح منعه ، ضرورة أنّه لا فرق في اتصاف ذي اليد بكونه كذلك بين كون ما تحت يده هو النصف المشاع أو غيره ، فبعد تحقّق كون اليد على النصف المشاع يتحقق المدّعي والمدّعى عليه لا التّداعي ، وإن اُريد منع ثبوت اليد على النصف المشاع ، فقد عرفت بطلانه في ذيل المسألة الثالثة، فراجع .
الفرض الثالث: ما لو كانت العين المتنازع فيها تحت يد ثالث ، وفيه صور مذكورة في المتن:
الصورة الأولى: ما إذا صدّق ذو اليد أحدهما المعيّن وأقرّ بكونها له . وقد ذكرنا في كتابنا في القواعد الفقهية في هذا المجال ما ملخّصه: أنّه قد وقع التسالم بين الفقهاء على قبول إقرار ذي اليد لأحد المتنازعين فيما بيده بحيث يجعله المنكر كنفس ذي اليد ، ويجعل الطرف الآخر مدّعياً وعليه إقامة البيّنة ، وإنّما الإشكال في وجهه ، واختلفت الآراء في ذلك على أقوال:
أحدها: أنّ الوجه في ذلك هي قاعدة: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»، نظراً إلى أنّ مقتضاها نفوذ الإقرار على النفس وبضرره ، وحيث إنّ ذا اليد في المقام يقرّ لشخص آخر ويعترف أنّه له ، فهذا إقرار على النفس واللاّزم الأخذ به والحكم
(1) جواهر الكلام: 40 / 403 .
(الصفحة283)
بنفوذه ومضيّه .
وأوردنا عليه هناك بأنّ قاعدة الإقرار يكون مقتضاها الاقتصار على النفوذ ، والمضيّ في خصوص المقدار الذي بضرره والجهة التي تكون عليه . وأمّا الإقرار بنفع الغير فلا يستفاد من القاعدة المذكورة جوازه ونفوذه ، والإقرار المذكور له جهتان: جهة سلبية وهي عدم كونه له ، وجهة إيجابية وهي كونه لأحد المتداعيين بالخصوص ، والمستفاد من دليل القاعدة هو النفوذ بالإضافة إلى الجهة الاُولى دون الجهة الثانية ، وهذا من دون فرق بين أن يكون الظرف متعلّقاً بالإقرار ، وبين أن يكون متعلّقاً بجائز ، كما لايخفى .
ثانيها: أنّ الوجه في ذلك هي قاعدة: «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» نظراً إلى أنّ ذا اليد مالك لأن يملك غيره ببيع أو صلح أو هبة أو غيرها، فيملك الإقرار بأنّه له .
وأوردنا عليه هناك بأنّ الذي يملكه هو تمليك الغير المقرّ له فيملك الإقرار به ، والمفروض في المقام أنّه لم يقرّ به ، بل أقرّ بكون المقرّ له مالكاً وأنّه له ، والمقرّ لا يكون مالكاً لهذه الجهة حتى يملك الإقرار به ، ففي هذا الوجه خلط .
ثالثها: ما حكي عن المحقّق العراقي من أنّ اليد أمارة على ملكية ذي اليد بالدلالة المطابقية ، وعلى نفي كونه للغير بالدلالة الالتزامية، وهاتان الأمارتان تسقطان بسبب الإقرار للغير ، وأمّا بالنسبة إلى ما عداهما فأماريّتها باقية على حالها ، فالنتيجة قيام الحجّة على نفي الملكية عن ذي اليد وعن غيره ما عدا المقرّ له ، ومعلوم أنّ المال لا يبقى بلا مالك .
وبعبارة اُخرى: أنّ هذا المال إمّا للمقرّ له أو لغيره يقيناً ، فإذا ثبت بواسطة إقرار ذي اليد أنّه ليس لغير المقرّ له فلابدّ وأن يكون له ، فيكون هو المنكر وطرفه
(الصفحة284)
المدّعي; بناءً على ما هو التحقيق من أنّ المدّعي من يكون قوله مخالفاً للحجّة الفعلية ، والمنكر من يكون قوله موافقاً للحجّة الفعلية(1) .
وأوردنا عليه هناك ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ تشخيص عنواني المدّعي والمنكر إنّما هو موكول بنظر العرف، كسائر العناوين المأخوذة موضوعاً للأحكام ـ أنّه لابدّ من ملاحظة أنّ بناء العقلاء على اعتبار الإقرار هل يختصّ بما إذا لم يكن في مقابل المدّعي مدّع آخر ، أو يعمّ صورة وجود مدّع آخر أيضاً؟ فعلى الأوّل لا يبقى مجال لما أفاده ، وعلى الثاني يكون المقرّ له كنفس المقرّ ويقوم مقامه .
هذا ، ولا يبعد ترجيح الاحتمال الثاني(2) ، فتدبّر .
وكيف كان ، فيمكن أن يقال باعتبار التسالم المذكور وإن لم يعرف وجهه ، وعليه فمن صدّقه ذو اليد من المتنازعين يكون بمنزلة ذي اليد منكراً والآخر مدّعياً ، كما في المتن .
الصورة الثانية: ما لو صدّق ذو اليد كلا المتنازعين ، وقال: بأنّه لهما ، وقد فرض لها في المتن فرضين:
أحدهما: ما إذا رجع تصديقه إلى أنّ تمام العين لكلٍّ منهما ، وقد أفاد في هذا الفرض أنّه يلغى تصديقه ، ويكون المورد ممّا لا يد لأحدهما ، والوجه في اللغوية ما عرفت من عدم إمكان اجتماع مالكين بالإضافة إلى شيء واحد، خلافاً لما عرفت من السيّد (قدس سره)في الملحقات ، فإنّه بعد استحالة الاجتماع المزبور وعدم ترجيح لأحدهما على الآخر ، يصير التصديق المزبور لغواً لا يترتّب عليه أثر; لعدم ثبوت
(1) القواعد الفقهيّة للبجنوردي: 1 / 137 نقلا عن استاذه العراقي (قدس سرهما).
(2) القواعد الفقهيّة: 1 / 398 ـ 400 .
(الصفحة285)
اليد بالنسبة إلى أحدهما ولا ما هو بمنزلة اليد ، فاللاّزم الحكم بكون المورد ممّا لا يد لأحدهما عليه .
ثانيهما: ما إذا رجع تصديقه إلى أنّها لهما بمعنى اشتراكهما فيها ، وفي هذا الفرض يكون بمنزلة ما تكون في يدهما; بناءً على ما عرفت من التسالم المذكور فيما لو أقرّ ذو اليد بكون ما في يده ملكاً لغيره المدّعي .
الصورة الثالثة: ما لو صدّق أحدهما لا بعينه ، ونفى في المتن البعد عن الرجوع إلى القرعة ، وأنّ من خرجت له القرعة حلف .
أقول: أمّا الرجوع إلى القرعة; فلأنّها لكلّ أمر مشكل بالإضافة إلى حقوق الناس ، كما حقّقناه في بحث القرعة ، وهنا لا طريق لتشخيص الأحد المقرّ له غير القرعة . وأمّا لزوم الحلف بالإضافة إلى من خرجت له القرعة; فلأنّ من خرجت له القرعة يصير مقرّاً له متعيّناً ، وقد عرفت أنّ المقرّ له في هذه الصورة يصير منكراً حسب تسالم الأصحاب ، والمنكر عليه اليمين . وفي الحقيقة القرعة طريق للوصول إلى تشخيص المنكر لا المالك الواقعي ، فاللاّزم الحلف على من خرجت له القرعة .
الصورة الرابعة: ما لو كذّب من تكون العين بيده كلا المتنازعين وقال: هي لي ، وفي هذه الصورة يكون ذو اليد بنفسه منكراً وكلا المتنازعين مدّعيين ، ولكلّ منهما عليه الحلف بمقتضى قاعدة المدّعي والمنكر التي عرفتها .
الفرض الرابع: ما لو لم تكن العين المتنازع فيها في يد المتنازعين ولا في يد غيرهما ، كما إذا كانت العين في بَرّ مثلا ، ولم تكن هناك بيّنة لأحدهما ولا لغيرهما . استقرب في المتن الاقتراع بينهما أي من دون لزوم الحلف ، والوجه في الاقتراع ما عرفت من أنّه لا طريق لتشخيص المالك غير القرعة ، ولا يكون في دليلها إشعار إلى الحلف أصلا .
(الصفحة286)
مسألة 5: إذا ادّعى شخص عيناً في يد آخر ، وأقام بيّنة وانتزعها منه بحكم الحاكم ، ثمّ أقام المدّعى عليه بيّنة على أنّها له ، فإن ادّعى أنّها فعلا له وأقام البيّنة عليه تنتزع العين وتردّ إلى المدّعي الثاني ، وإن ادّعى أنّها له حين الدعوى وأقام البيّنة على ذلك ، فهل ينتقض الحكم وتردّ العين إليه أو لا؟ قولان ، ولا يبعد عدم النقض1.
نعم ، ربّما يقال بأنّ الرجوع إلى القرعة إنّما هو فيما إذا امتنعا جميعاً عن الحلف ، وإلاّ فاللاّزم أوّلا هو الحلف خصوصاً مع ملاحظة موثقة سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في كتاب عليّ (عليه السلام): إنّ نبيّاً من الأنبياء شكى إلى ربّه فقال: ياربّ كيف أقضي فيما لم أر ولم أشهد؟ قال: فأوحى الله إليه: احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي ، فحلّفهم به . وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة (1) .
ولكن الظاهر عدم كون الرواية ناظرة إلى عدم إمكان تحقّق القضاء بغير البيّنة واليمين ، خصوصاً مع احتمال كون الاقتراع مذكوراً في كتابه تعالى في ذلك الزّمان ، فتأمّل .
وأمّا احتمال التنصيف نظراً إلى ما ورد في درهم الودعي ، فردّ عليه أنّه لا دليل على الغاء الخصوصيّة عن مورد الوديعة ، فالأقرب كما في المتن هو الاقتراع .
1 ـ أمّا انتزاع العين من زيد والردّ إلى المدّعي الثاني وهو عمرو; فلأجل أنّ الدعوى الثانية دعوى آخر ، ولا تعارض بين البيّنتين في هذه الصورة بعد ادّعاء المدّعي الثاني ثبوت الملكية له بالفعل; لإمكان انتقالها إليه بعد ما لم تكن ملكاً له، كما هو غير خفيّ .
(1) الكافي: 7 / 415 ح4 ، التهذيب: 6 / 228 ح550 ، الوسائل: 27 / 229 ، أبواب كيفيّة الحكم ب1 ح1 .
(الصفحة287)
وأمّا الاختلاف في الفرض الثاني; فلتعارض البيّنتين وعدم إمكان اجتماعهما ، واللاّزم تقديم إحداهما على الاُخرى ، فعن الشيخ الطوسي (قدس سره): أنّه ينقض الحكم الأوّل(1); نظراً إلى أنّ المدّعي الثاني تعارض بيّنته مع بيّنة اُخرى ، وحيث إنّه تكون بيّنته بيّنة الداخل ، تكون متقدّمة على بيّنة الخارج وهي بيّنة زيد; لأنّ المفروض أنّ المال كان في يد عمرو .
وعن المحقّق في الشرائع(2) بعد النقل عن الشيخ الانتقاض، بناءً على القضاء لصاحب اليد ، أنّ الأولى أنّه لا ينقض أي الحكم الأوّل ، وتبقى العين في يد زيد الذي انتزعها من يد عمرو بحكم الحاكم ، والوجه في عدم النقض إمّا تقديم بيّنة الخارج وإمّا ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره)(3) من أنّ بناء الحكم على الدّوام للأصل المؤيّد بالحكمة وظاهر الأدلّة ، وإمّا أنّه لو سمعت بيّنته يلزم إمكان الحيلة بعدم إقامة البيّنة إلى ما بعد الحكم حتى يصير خارجاً ، وتقدّم بيّنته بناءً على تقديم بيّنة الخارج ، وإمّا أنّ بيّنة عمرو بيّنة الداخل; لأنّه يدّعي أنّ الانتزاع منه كان ظلماً فكانت العين بعد في يده ، فتقديم بيّنته إنّما هي لأجل كونها بيّنة الداخل .
وفي محكيّ المسالك(4) بناء المسألة على تقديم الداخل أو الخارج ، وأنّ المدار في الدخول والخروج على حال الملك أو حال التعارض ، واختار نفسه النقض بناءً منه على تقديم بيّنة الخارج ، وأنّ المدار على حال التعارض وكون عمرو خارجاً حاله; لأنّ المفروض أنّ العين في يد زيد .
(1) الخلاف: 3 / 130 مسألة 217 و ج6 / 329 مسألة 2 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 897 ـ 898 .
(3) جواهر الكلام: 40 / 416 ـ 417 .
(4) مسالك الأفهام: 14 / 82 ـ 85 .
(الصفحة288)
واستقرب السيّد في الملحقات بناء المسألة على تقديم بيّنة الداخل أو الخارج ، وأنّ المدار في الدخول والخروج حال الملك لا حال المعارضة ، قال: وهي وإن كانت حادثة متأخّرة عن بيّنة المدّعي إلاّ أنّها متعلّقة بالسابق ، وفي السابق كان المدّعي خارجاً; لكون العين في يد المدّعى عليه(1) .
والتحقيق: أن يقال: إنّه لا مجال للإشكال في حجّية بيّنة زيد في الدعوى الأُولى ، التي يكون هو مدّعياً فيها; لأنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، فإنّ المستفاد منه تقديم بيّنة المدّعي على يمين المنكر فضلا عمّا إذا لم يحلف أصلا ، وبسبب حكم الحاكم فصلت الخصومة وارتفع النزاع ، ولا تكون حجّية بيّنة المدّعي مشروطة بما إذا لم يأت المدّعى عليه بيّنة ولو في الأزمنة اللاحقة ، وإلاّ لا يجوز للحاكم الحكم; لعدم إحراز الشرط ، نعم فيما إذا أقام المدّعى عليه بيّنة في مقابل المدّعي في نفس الدعوى الاُولى ، وقع الكلام في تقديم بيّنة الداخل أو الخارج ، ومقتضى ما ذكرنا هو تقديم بيّنة المدّعي ، وسيجيء هذا البحث .
لكن المقام لا يكون من مصاديق ذلك البحث ، ومع تمامية الحكم وانتزاع الحاكم العين من المدّعى عليه إلى المدّعي لا يبقى مجال للعود إلى الدعوى الاُولى ، ولا يكون المقام مثل ما إذا ادّعى المدّعى عليه بعد الحكم عليه فسق الشهود ، أو مثل حجّة الغائب بعد الحكم عليه حيث إنّه على حجّته كما تقدّم(2) ، ضرورة أنّه ادّعى في الصورة الاُولى بطلان الحكم نظراً إلى ادّعائه فسق الشهود ، وفي الصورة الثانية وهي الحكم على الغائب كان الحكم متزلزلا من أوّل الأمر لعدم حضور الغائب ،
(1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 127 ـ 128 مسألة 4 .
(2) تقدّم في ص93 ـ 94.
(الصفحة289)
مسألة 6: لو تنازع الزوجان في متاع البيت سواء حال زوجيّتهما أو بعدها ففيه أقوال; أرجحها أنّ ما يكون من المتاع للرّجال فهو للرّجل كالسيف والسّلاح وألبسة الرجال ، وما يكون للنساء فللمرأة كألبسة النساء ومكينة الخياطة التي تستعملها النساء ونحو ذلك ، وما يكون للرجال والنساء فهو بينهما . فإن ادّعى الرجل ما يكون للنّساء كانت المرأة مدّعى عليها ، وعليها الحلف لو لم يكن للرجل بيّنة . وإن ادّعت المرأة ما للرجال فهي مدّعية ، عليها البيّنة وعلى الرجل الحلف ، وما بينهما فمع عدم البيّنة وحلفهما يقسّم بينهما . هذا إذا لم يتبيّن كون الأمتعة تحت يد أحدهما ، وإلاّ فلو فرض أنّ المتاع الخاصّ بالنساء كان في صندوق الرجل وتحت يده أو العكس يحكم بملكية ذي اليد ، وعلى غيره البيّنة ، ولا يعتبر في ما للرجال أو ما للنساء العلم بأنّ كلاًّ منهما استعمل ماله أو انتفع به ، ولا إحراز أن يكون لكلٍّ منهما يد مختصّة بالنسبة إلى مختصّات الطائفتين . وهل يجري الحكم بالنسبة إلى شريكين في دار أحدهما من أهل العلم والفقه ، والثاني من أهل التجارة والكسب ، فيحكم بأنّ ما للعلماء للعالم وما للتجار للتاجر ، فيستكشف المدّعي من المدّعى عليه؟ وجهان ، لا يبعد الإلحاق1.
وامّا في المقام فالحكم الأوّل تامّ لا إشكال فيه أصلا ، وقد عرفت أنّ حجّية بيّنة زيد لا تكون مشروطة بعدم وجود البيّنة على خلافها ولو للتالي ، فالأقوى ما أفاده في المتن من نفي البعد عن عدم النقض .
1 ـ في هذه المسألة مقامان:
المقام الأوّل: في تنازع الزوجين في متاع البيت من دون فرق بين بقاء الزوجية
(الصفحة290)
حال المنازعة أو عدمها وارتفاعها حالها ، فنقول: إنّ في المسألة أقوالا مختلفة:
الأوّل: ما جعله في المتن أرجحها ، ولعلّه المشهور(1) ، بل عن بعض الكتب الإجماع عليه(2) ، وحكاه في الشرائع عن خلاف الشيخ(3)، وقال صاحب الجواهر (قدس سره):وقد سبقه إلى ذلك الإسكافي(4) ، ولحقه ابنا حمزة(5) وإدريس(6) وجمع كثير(7)(8)، غاية الأمر التخصيص في كلام بعضهم بحال الطّلاق ، ويدلّ عليه روايات متعدّدة:
منها: صحيحة رفاعة النخّاس، عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا طلّق الرجل امرأته وفي بيتها متاع ، فلها ما يكون للنساء ، وما يكون للرجال والنساء قسّم بينهما ، قال: وإذا طلّق الرجل المرأة فادّعت أنّ المتاع لها ، وادّعى الرجل أنّ المتاع له ، كان له ما للرجال ولها ما يكون للنساء ، وما يكون للرجال والنساء قسّم بينهما(9) .
والرواية وإن كانت واردة في مورد الطلاق ، إلاّ أنّ المقصود منه مطلق المفارقة ولو بالموت ، بل الظاهر عدم اختصاص الحكم بصورة المفارقة ، بل المراد ذلك وإن
(1) بل ادّعاه الشهيد الأوّل في غاية المراد: 313 (مخطوط) .
(2) كالشيخ في الخلاف وابن إدريس في السرائر .
(3) الخلاف: 1 / 352 ـ 354 مسألة 27 .
(4) حكاه عنه الشهيد الأول في غاية المراد: 313 (ط ق) والشهيد الثاني في المسالك: 14/136 .
(5) الوسيلة: 227 .
(6) السرائر: 2 / 193 ـ 194 .
(7) شرائع الإسلام: 4 / 907 ، المختصر النافع: 285 ، تحرير الاحكام: 2 / 200 ، إصباح الشيعة: 535 ، الدروس: 2 / 110 ـ 111 ، رياض المسائل: 9 / 395 .
(8) جواهر الكلام: 40 / 494 .
(9) التهذيب: 6 / 294 ح818 ، الإستبصار: 3 / 46 ح153 ، الفقيه: 3 / 65 ح215 ، الوسائل: 26/ 216 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح4 .
(الصفحة291)
كانت الزوجية باقية بعد ، كما أنّ عدم التعرّض في صدر الرواية لحكم ما يكون من متاع الرجال فقط لا يقدح بعد ظهور الرواية في ذلك، خصوصاً بعد التعرّض في الذيل له ، كما هو واضح .
ومنها: موثقة يونس بن يعقوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة ، قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شيء منه فهو له(1) .
وعدم التعرّض أيضاً لحكم ما يكون من متاع الرجال فقط لا يقدح بعد وضوح استفادة حكمه من الرواية ، خصوصاً بملاحظة قوله (عليه السلام) في الذيل: «ومن استولى على شيء منه فهو له» الذي هو بمنزلة التعليل للحكم المذكور فيها ، ومرجعه إلى أنّ ذا اليد في الأمتعة المختصّة من الرجل أو المرأة واضح ، فيختصّ به، وفي الأمتعة المشتركة هو لكلاهما .
هذا ، ويحتمل قويّاً أن يكون الضمير في قوله (عليه السلام): «منه» في التعليل راجعاً إلى متاع الرجال والنساء ، لا أن يكون المراد إفادة ضابطة كلّية بالإضافة إلى مطلق الاستيلاء ، والمراد منه حينئذ أنّ ما يكون تحت استيلاء خاصّ منهما فهو للمتولّي ، فيرجع إلى الاستدراك الذي أفاده في المتن من أنّه إذا كان المتاع في مثل الصندوق الخاصّ بأحدهما يكون صاحب الصندوق ذا اليد، وإن لم يكن المتاع من مختصّاته .
ومنها: مضمرة زرعة، عن سماعة قال: سألته عن رجل يموت ما له من متاع البيت؟ قال : السيف والسلاح والرحل وثياب جلده (2) .
(1) التهذيب: 9 / 302 ح1079 ، الوسائل: 26 / 216 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح3 .
(2) التهذيب: 6 / 298 ح832 ، الوسائل: 26/ 215 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح2 .
(الصفحة292)
قال في الجواهر: وقصور الدلالة عن إفادة تمام المدّعى صريحاً ـ كما ذكره جماعة ـ غير ضائر بعد اعترافهم بالظهور(1) .
الثاني: ما أفتى به الشيخ أيضاً في المحكي عن استبصاره(2) ، وهو أنّ متاع البيت للمرأة; نظراً إلى أنّها تأتي بالمتاع من أهلها ، ويدلّ عليه رواية عبدالرحمن بن الحجاج المرويّة بعدّة طرق فيها الصحيح والموثق ، وهي أنّه قال: سألني أبو عبدالله (عليه السلام) هل يقضي ابن أبي ليلى بالقضاء ثمّ يرجع عنه؟ فقلت له: بلغني أنّه قضى في متاع الرجل والمرأة إذا مات أحدهما فادّعاه ورثة الحيّ وورثة الميّت ، أو طلّقها فادّعاه الرجل وادّعته المرأة بأربع قضايا ، فقال: وما ذاك؟ قلت: أمّا أوّلهنّ: فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي ، كان يجعل متاع المرأة الذي لا يصلح للرجل للمرأة ، ومتاع الرجل الذي لا يكون للمرأة للرجل ، وما كان للرجال والنساء بينهما نصفان ، ثمّ بلغني أنّه قال: إنّهما مدّعيان جميعاً ، فالذي بأيديهما جميعاً [يدّعيان جميعاً](3) بينهما نصفان .
ثمّ قال: الرجل صاحب البيت والمرأة الداخلة عليه وهي المدّعية ، فالمتاع كلّه للرجل إلاّ متاع النساء الذي لا يكون للرجال فهو للمرأة ، ثمّ قضى بقضاء بعد ذلك لولا أنّي شهدته لم أروه عنه(4): ماتت امرأة منّا ولها زوج وتركت متاعاً ، فرفعته إليه ، فقال: اكتبوا المتاع ، فلمّا قرأه قال للزوج: هذا يكون للرجال والمرأة فقد جعلناه للمرأة إلاّ الميزان ، فإنّه من متاع الرجل فهو لك ، فقال (عليه السلام) لي: فعلى أيّ
(1) جواهر الكلام : 40 / 495 .
(2) الإستبصار: 3 / 44 ـ 47 .
(3) من الوسائل ، وفي التهذيب ج9: ممّا يدّعيان جميعاً ، وفي الإستبصار: ممّا يتركان .
(4) في الكافي: لم أردّه عليه .
(الصفحة293)
شيء هو اليوم؟ فقلت: رجع ـ إلى أن قال بقول إبراهيم النخعي: ـ أن جعل البيت للرجل .
ثمّ سألته (عليه السلام) عن ذلك فقلت: ما تقول أنت فيه؟ فقال: القول الذي أخبرتني: أنّك شهدته وإن كان قد رجع عنه ، فقلت: يكون المتاع للمرأة؟ فقال: أرأيت إن أقامت بيّنة إلى كم كانت تحتاج؟ فقلت: شاهدين ، فقال: لو سألت من بين لابتيها ـ يعني الجبلين ونحن يومئذ بمكّة ـ لأخبروك أنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها ، فهي التي جاءت به وهذا المدّعي ، فإن زعم أنّه أحدث فيه شيئاً فليأت عليه البيّنة(1) .
ثمّ الظاهر عدم تعدّد رواية عبد الرحمن بن الحجاج ، وإن كانت الطرق متعدّدة والعبارات مختلفة ، خلافاً لما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) من التعدّد(2) ، كما لا يخفى ، وخلافاً لما صرّح به السيّد في الملحقات من أنّ له صحاحاً ثلاثة ، وأنّ استثناء الميزان إنّما وقع في بعضها ، والمراد منه مطلق مختصّات الرجل خصوصاً مع ملاحظة التعليل(3) ، كما لايخفى .
وقد وقع في رواية الصدوق التي رواها في الوسائل في هذا الباب قوله: وقد روي أنّ المرأة أحقّ بالمتاع; لأنّ من بين لابتيها يعلم أنّ المرأة تنقل من بيتها المتاع(4) . والظاهر أنّ مراده هي هذه الرواية ، ولكن الصدوق حملها على متاع النساء وما
(1) الكافي: 7 / 130 ح1 ، الإستبصار: 3 / 44 ـ 45 ح149 ـ 151 ، التهذيب: 6 / 297 ـ 298 ح829 ـ 831 وج9 /301 ح1087 ، الوسائل: 26/ 213 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح1 .
(2) جواهر الكلام: 40 / 495 ـ 496 .
(3) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 141 ـ 142 .
(4) الفقيه: 3 / 65 ح216 وفيه: تنقل إلى بيت زوجها ، الوسائل: 26 / 216 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح5 .
(الصفحة294)
يصلح للرجال والنساء .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ هذه الرواية لا تنطبق على المدّعى مع الاشتمال على الميزان ، الذي اُريد به مختصّات الرجال مطلقاً، فتدبّر جيّداً .
الثالث:ما أفتى به الشيخ في محكي المبسوط(1) ، وتبعه العلاّمة في محكي القواعد(2) وولده في شرحها(3)، من أنّه إن لم تكن هناك بيّنة فيدُ كلّ واحد منهما على نصفه ، ويحلف كلّ واحد منهما لصاحبه كغير المتاع ممّا يتداعى فيه اثنان مثلا وكان في أيديهما ، سواء كان ممّا يختصّ بالرجال كالعمائم والطيالسة والدّرع والسّلاح ، أو يختصّ بالنساء كالحليّ والمقانع ، أو ما يصلح لهما كالفرش والأواني ، وسواء كان الدار لهما أو لأحدهما أو لغيرهما ، وسواء كانت الزوجيّة باقية أو زائلة ، وسواء كانت يدهما عليه من حيث المشاهدة كعمامة أو خلخال ، أو من حيث الحكم وهو الكون في بيت يسكنانه ، وسواء جرت العادة بجهاز مثلها بقدره أم لا ، كلّ ذلك للعمومات الدالّة على أنّ البيّنة لمن ادّعى واليمين لمن ادّعي عليه ، من دون فرق في ذلك بين ما إذا كان المتنازعان الزوجين أو الوارثين أو أحدهما مع الآخر ، وفي الحقيقة لا تكون خصوصية للمقام ، بل يجري حكم غيره ممّا إذا وقع التنازع بالإضافة إلى ما في أيديهما معاً .
والظاهر أنّه لا مجال لهذا القول المبتنى على القاعدة العامّة ، وهي: ثبوت البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه; لوجود روايات خاصّة في المسألة ، وإن كانت متعارضة ولابدّ من علاجها ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى .
(1) المبسوط: 8 / 310 .
(2) قواعد الأحكام: 2 / 223 .
(3) إيضاح الفوائد: 4 / 380 ـ 381 .
(الصفحة295)
الرابع: ما جعله الشهيد في المسالك قولا رابعاً واختاره(1) ناسباً له إلى المختلف وإلى الشهيد في الشرح(2) وجماعة من المتأخّرين(3) ، قال(4): والمعتمد أن نقول: إنّه إن كان هناك قضاء عرفيّ يرجع إليه وحكم به بعد اليمين ، وإلاّ كان الحكم فيه كما في غيره من الدّعاوى . لنا: إنّ عادة الشرع في باب الدعاوى بعد الاعتبار والنظر راجعة إلى ما ذكرناه ، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناءً على الأصل ، وبأنّ المتشبّث أولى من الخارج; لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالباً ، فحكم بإيجاب البيّنة على من يدّعي خلاف الظاهر والرجوع إلى من يدّعي الظاهر ، وأمّا مع انتفاء العرف; فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح لأحدهما فتساويا فيها . إنتهى موضع الحاجة .
والظاهر أيضاً أنّه لا مجال لهذا القول مع وجود روايات صحيحة في المسألة وإن كانت في بادئ النظر متعارضة ، ويجيء إن شاء الله تعالى علاجها .
والتحقيق أن يقال: إنّه لا محيص عن الالتزام بما عليه المشهور من جعل المتاع المختصّ بأحدهما له ، وجعل المتاع المشترك بينهما لهما بنحو المناصفة مع الحلف أو بدونه كما إذا نكلا جميعاً; وذلك لوجود روايات صحيحة في المسألة وإن كانت متعارضة; لدلالة صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج على أنّ المتاع المشترك للمرأة; لأنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى زوجها ، وهذا المعنى فوق البيّنة
(1) مسالك الأفهام: 14 / 138 .
(2) غاية المراد: 313 (مخطوط) .
(3) كابن فهد في المهذّب البارع: 4 / 491 والصيمري في غاية المرام: 4 / 268 .
(4) أي العلاّمة في المختلف: 8 / 409 .
(الصفحة296)
التي قوامها بشاهدين عادلين ، وإن كان ربّما يستفاد من بعض طرق نقلها المشتمل على استثناء الميزان ـ معلّلا بأنّه من متاع الرجال ـ عدم اختصاص الحكم بالميزان ، بل يجري في سائر مختصّات الرجال كالعمامة والسيف، كما أنّه ربّما يمكن أن يقال: بأنّ في مختصّات النساء يكون الحكم غير ما هو المذكور في الرواية ، لإشعار التعليل بذلك ودلالة روايات متعدّدة فيها الصحيحة والموثقة على ما عرفت ، على أنّ المتاع المشترك بينهما نصفان ، وقد حقّقنا في محلّه أنّ أوّل المرجّحات على ما يستفاد من مقبولة ابن حنظلة المعروفة هي الشهرة في الفتوى ، فلابدّ من الأخذ بهذه الروايات الأخيرة; لموافقتها لفتوى المشهور .
نعم فيما إذا كانت هناك يدٌ اختصاصية زائدة على اليد المشتركة البيتيّة يكون المتاع لصاحب اليد; نظراً إلى تقدّمها على تلك اليد، مضافاًإلى دلالة قوله (عليه السلام): «ومن استولى على شيء منه فهو له» بناءً على الاحتمال الذي قوّيناه في معنى هذه الجملة من أنّ الضمير يرجع إلى المتاع المشترك . والمراد أنّ من استولى من الزوجين على المتاع المشترك باستيلاء خاصّ زائد على اليد البيتيّة المشتركة فهو له .
ثمّ إنّه لا يبعد أن يقال: بأنّه وإن لم يقع التعرّض في الروايات للزوم الحلف بالإضافة إلى من يقدّم قوله من الزوجين ، أو إليهما في صورة التساوي والحكم بثبوت التنصيف ، إلاّ أنّ الظاهر عدم كونها متعرّضة لهذه الجهة ، بل الظاهر التعرّض للمدّعي والمنكر الذي من البيّن افتقار المدّعي إلى البيّنة والمنكر إلى اليمين ، نعم في صورة التساوي ونكولهما جميعاً عن الحلف لا محيص عن الحكم بالتنصيف ، كما لايخفى .
ويحتمل أن يكون المتن ناظراً إلى ذلك، حيث يقول: فمع عدم البيّنة وحلفهما يقسّم بينهما ، بأن يكون الحلف عطفاً على البيتيّة المعدومة لا للعدم .
(الصفحة297)
مسألة 7: لو تعارضت اليد الحالية مع اليد السابقة أو الملكية السابقة تُقدّم اليد الحاليّة. فلو كان شيء في يد زيد فعلا ، وكان هذا الشيء تحت يد عمرو سابقاً ، أو كان ملكاً له يحكم بأنّه لزيد ، وعلى عمرو إقامة البيّنة ، ومع عدمها فله
ثمّ إنّ ما أفاده تبعاً للمشهور من اختصاص كلٍّ من الزوجين بما يختصّ به كالعمامة والطيالسة للرجال ، والمقانع والحلي للنساء ، لا يتوقّف على أن يكون لكلّ منهما يد مختصة زائدة على اليد البيتيّة المشتركة ، ولا اليد الاستعمالية الانتفاعية زائدة على ما ذكر ، بل يكفي في ذلك اليد المشتركة لدلالة الروايات عليه ، فمجرّد ذلك مع الاختصاص في نفسه يكفي في ذلك ، كما أفاده في المتن .
المقام الثاني: في جريان حكم الزوجين في غيرهما من الشخصين الشريكين في دار مثلا ، كما مَثّل به الماتن (قدس سره) ، أو الطالبين الشريكين في حجرة مثلا وغيرهما من الموارد الكثيرة ، وقد نفى البعد في المتن عن الإلحاق بعد أن ذكر أنّ فيه وجهين . والوجهان هما عبارة عن عدم الإلحاق; لأنّ الروايات واردة في مورد الزوجين ، ولا دليل على إلحاق غيرهما بهما ، والإلحاق إنّما هو لدلالتها على اعتبار اليد المشتركة المقتضية للتساوي ، واليد الاختصاصية الموجبة للاختصاص، من دون أن يكون هناك إشعار بالاختصاص بالزوجين ، وهذا من دون فرق بين أن يكون لغير الزوجين قرابة كالأخ أو الأب ، أو لا يكون كذلك كما في مثال الطّالبين الذي ذكرناه ، فإنّه إذا وقع التنازع بينهما في أمتعة الحجرة المشتركة من الثياب وغيرها ، وكان أحدهما سيّداً مثلا والآخر غير سيّد ، تكون العمامة السوداء للسيّد والعمامة البيضاء لغير السيّد ، واللباس الذي يصلح لأحدهما فقط للصالح وهكذا ، والظاهر أنّ المتفاهم العرفي من الروايات ذلك ، إذ لا يرى للزوجين خصوصية من هذه الجهة ، فتدبّر جيّداً .
(الصفحة298)
الحلف على زيد ، نعم لو أقرّ زيد بأنّ ما في يده كان لعمرو وانتقل إليه بناقل ، انقلبت الدعوى وصار زيد مدّعياً ، والقول قول عمرو بيمينه ، وكذا لو أقرّ بأنّه كان لعمرو أو في يده وسكت عن الانتقال إليه ، فإنّ لازم ذلك دعوى الانتقال ، وفي مثله يشكل جعله منكراً لأجل يده ، وأمّا لو قامت البيّنة على أنّه كان لعمرو سابقاً أو علم الحاكم بذلك فاليد محكّمة ، ويكون ذو اليد منكراً والقول قوله ، نعم لو قامت البيّنة بأنّ يد زيد على هذا الشيء كان غصباً من عمرو أو عارية أو أمانة ونحوها ، فالظاهر سقوط يده ، والقول قول ذي البيّنة1.
1 ـ في هذه المسألة فروض:
الفرض الأوّل: ما لو كان الشيء بالفعل تحت يد زيد مثلا ، وكان هذا الشيء سابقاً تحت يد عمرو أو ملكاً له من دون أن يكون هناك شيء زائد على ذلك ، وفي هذا الفرض تقدّم اليد الفعليّة التي هي أمارة على الملكية الفعلية ; لأنّه لا منافاة بينها وبين اليد السابقة التي هي أمارة على الملكية السابقة وكذا بين الملكية السابقة ، فالعلّة في التقدّم هي عدم المنافاة وإمكان الجمع بين الأمارتين ، وكذا بين الأمارة اللاحقة والملكيّة السابقة ، وعليه فالمنكر هو ذو اليد الفعلية ، ويتوجّه عليه اليمين مع عدم البيّنة للآخر ، هذا ما عليه الأكثر(1) .
وعن المحقّق في الشرائع اختيار تقدّم اليد أو الملكية السابقتين(2) ، وعن الإرشاد الميل إليه(3) ، وعن التحرير احتمال التساوي(4) ، وعن الدروس الإقتصار على
(1) الخلاف: 6 / 342 مسألة 15 ، ونسب القول إلى الأكثر في ملحقات العروة: 3 / 145 مسألة 1 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 899 ، المسألة الخامسة .
(3) إرشاد الأذهان: 2 / 150 .
(4) تحرير الاحكام: 2 / 195 .
(الصفحة299)
نقل القولين(1) .
وما يمكن أن يقال: من أنّه إذا ثبتت الملكية السابق للسابق ولو بسبب اليد ، فلابدّ لذي اليد الحالية من إثبات الانتقال إليه والأصل عدمه ، مدفوع بأنّ اليد الفعلية أمارة على الملكية الفعلية ، والأمارة لا يعارضها الأصل بوجه ، مع أنّ العلم حاصل بأنّ أكثر ما في أيدي الناس يكون مسبوقاً بيد الغير أو ملكيته، ولا مدخلية للعلم التفصيلي بصاحب اليد السّابقة ، بل يحرز ذلك مع العلم الإجمالي أيضاً كما لا يخفى ، فالأقوى ما عليه المتن تبعاً للأكثر ، وخلافاً للمحقّق ومن عرفت .
الفرض الثاني: هو الفرض الأوّل بضميمة إقرار صاحب اليد الفعلية بأنّ ما في يده كان لعمرو ، وانتقل إليه بناقل شرعي اختياري أو قهري كالإرث مثلا ، وفي هذه الصورة تنقلب الدعوى ، ويصير زيد مدّعياً وعمرو منكراً ، ويكون القول قول عمرو مع عدم ثبوت البيّنة لزيد .
والوجه فيه أنّ مرجع النزاع إلى ثبوت الناقل وعدمه، بعد الاتّفاق على ثبوت اليد السابقة أو الملكية السابقة ، وعليه فذو اليد يكون مدّعياً للنقل الشرعي ، وغيره يكون منكراً يقدّم قوله مع عدم إقامة البيّنة . وعن الكفاية أنّه قال: وفي كلامهم القطع بأنّ صاحب اليد لو أقرّ أمس بأنّ الملك له أي للمدّعي ، أو شهدت البيّنة بإقراره له أمس ، أو أقرّ بأنّ هذا له أمس قضي به له ، قال: وفي إطلاق الحكم بذلك إشكال(2) .
(1) الدروس الشرعيّة: 2 / 101 ـ 102 .
(2) كفاية الأحكام: 277 .
(الصفحة300)
ومن الواضح أنّ هذا الفرض أولى لادّعائه صريحاً الانتقال الذي يكون مقتضى الأصل عدمه ، فمدعي الانتقال هو المدّعي وعليه إقامة البيّنة على الانتقال ، ومع عدمها يكون القول قول الآخر مع يمينه .
الفرض الثالث: هو الفرض الثاني مع مجرّد الإقرار بأنّه كان في يد عمرو أو ملكاً له سابقا مع السكوت عن الانتقال إليه ، وفي المتن مساواة حكمه مع الفرض الثاني أوّلا; نظراً إلى أنّ لازم الإقرار الكذائي دعوى الانتقال; لعدم انفكاكه عنه ، والإشكال في جعله منكراً لأجل يده مع حكمه بالانقلاب في الفرض الثاني بصورة الجزم ، ولعلّ الوجه فيه عدم الادّعاء صريحاً الانتقال الذي هو خلاف الأصل ويوجب مدّعيه مدّعياً ، بل ادّعى الملكيّة الفعليّة غير المنافية للإقرار باليد السابقة أو الملكيّة كذلك .
ومن الواضح شمول عبارة الكفاية المتقدّمة لهذا الفرض ، وإن استشكل في إطلاقه . وكيف كان فجعله منكراً لأجل اليد الفعلية الكاشفة عن الملكية الفعلية مع وجود الإقرار بسابقه مشكل ، كما في المتن ، من جهة وجود الدلالة الالتزامية ، ومن جهة أنّ المناط مصبّ الدعوى .
الفرض الرابع: ما لو قامت البيّنة على أنّه كان لعمرو سابقاً أو علم الحاكم بذلك ، وقد أفاد في المتن أنّ ذا اليد يده محكّمة ، ويكون القول قوله لعدم المنافاة; لأنّ هذا الفرض شبيه الفرض الأوّل ، بل المفروض في كلام المحقّق إقامة البيّنة على أنّه كان في يد زيد سابقاً(1) .
ومن الواضح أنّه لا فرق بين الأمرين ، كما أنّه لا فرق بين صورة قيام البيّنة وبين
(1) شرائع الإسلام: 4 / 899 .
|