(الصفحة501)
القول في الشهادة على الشهادة
مسألة 1 ـ تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس عقوبة كانت كالقصاص أو غيرها كالطلاق والنسب ، وكذا في الأموال كالدين والقرض والغصب وعقود المعاوضات ، وكذا ما لا يطّلع عليه الرجال غالباً كعيوب النساء الباطنة والولادة والاستهلال ، وغير ذلك ممّا هو حق آدمي1.
1 ـ يدلّ على قبول الشهادة على الشهادة في الجملة ـ مضافاً إلى عدم الخلاف فيه والاشكال(1) ، بل ادّعي عليه الاجماع في كثير من الكلمات(2) ، وإلى اطلاقات أدلّة حجّية البيّنة في الموضوعات ، ولا دلالة لقوله(صلى الله عليه وآله) : انّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(3) على الاختصاص ببيّنة الأصل ـ روايات متعدّدة واردة في هذا المجال .
مثل موثقة طلحة بن زيد، عن أبي عبدالله، عن أبيه، عن علي(عليهم السلام) أنّه كان لا يجيز
(1) كفاية الأحكام : 286 ، رياض المسائل : 9 / 569 .
(2) كغنية النزوع : 442 ، وغاية المرام : 4 / 299 ، ومسالك الأفهام : 14 / 269 ، وكشف اللثام : 2 / 384 ، وجواهر الكلام : 41 / 189 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 232 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب2 ح1 .
(الصفحة502)
شهادة رجل على رجل إلاّ شهادة رجلين على رجل(1) . والمراد شهادة رجلين على شهادة رجل ، كما يدلّ عليه موثقة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه(عليهما السلام) ، أنّ عليّاً (عليه السلام) كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل إلاّ شهادة رجلين على شهادة رجل(2) .
ثمّ إنّ مقتضى الإطلاق جريان الشهادة على الشهادة في مطلق الحقوق ، ولكن سيجيء ما يدلّ على عدم الجريان في الحدود ، وامّا في مثل الهلال فلا دليل على عدم الجريان ، خلافاً لما حكي عن العلاّمة في التذكرة من عدم ثبوت الهلال بذلك مستدلاًّ عليه بأصالة البراءة عن ذلك(3) ، وأنت خبير بأنّه لا مجال هنا لأصالة البراءة ، بل الأصل الجاري في مثله هو استصحاب العدم على تقديره ، واستصحاب العدم انّما ينفي الوجوب بالإضافة إلى هلال رمضان لا شوّال ، مع أنّه لا موقع للأصل ، مع ثبوت الاطلاق للروايتين الشامل للهلال; لعدم الدليل على استثنائه ، وخروج الحدود لا يلازم خروج الهلال أصلا ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّه لا فرق في جريان الشهادة على الشهادة بين الاُمور المذكورة وبين الاُمور التي لا يطّلع عليها الرجال غالباً ، كعيوب النساء الباطنة والولادة والاستهلال ممّا تقبل فيه شهادتهن منفردات ، غاية الأمر أنّه لابدّ أن يكون شاهد الفرع رجلا وان كان شاهد الأصل امرأة ، وسيجيء في المسألة السابعة الآتية التعرّض لهذه الجهة إن شاء الله تعالى ، وذكر عنوان الرجل في شاهد الأصل في الروايتين المتقدّمتين ليس لأجل الإختصاص ، بل المقصود قيام البيّنة على ثبوت بيّنة أخرى معتبرة ، سواء
(1) وسائل الشيعة : 27 / 403 ، كتاب الشهادات ب44 ح2 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 403 ، كتاب الشهادات ب44 ح4 .
(3) تذكرة الفقهاء : 6 / 135 .
(الصفحة503)
مسألة 2 ـ لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود ، ويلحق بها التعزيرات على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، ولو شهد شاهدان بشهادة شاهدين على السرقة لا تقطع ، ولابدّ في الحدود من شهادة الأصل سواء كانت حق الله محضاً كحدّ الزنا واللواط أو مشتركة بينه تعالى وبين الآدمي ، كحقّ القذف والسرقة1.
كانت رجلا أو امرأة .
غاية الأمر قيام الدليل على اعتبار بيّنة الأصل إذا كانت امرأة; لأنّ المفروض كون موردها ممّا لا يطّلع عليه الرجال غالباً ، وأمّا بالإضافة إلى بيّنة الفرع فلا تجري هذه الجهة ، فاللازم أن يكون رجلا كما لايخفى .
1 ـ امّا عدم قبول الشهادة على الشهادة في الحدود ، فمضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بين الاصحاب(1) ، بل ادّعي عليه الاجماع(2) ، تدلّ عليه موثقة طلحة بن زيد ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) أنّه كان لا يجيز شهادة على شهادة في حدّ(3) .
وموثّقة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه(عليهما السلام) قال : قال علي (عليه السلام) : لا تجوز شهادة على شهادة في حدّ ، ولا كفالة في حدّ(4) .
والظاهر أنّ المراد بالحدّ ما يشمل التعزير ، ويؤيّده اقتصار بعض في عنوان كتاب الحدود عليها من دون ذكر التعزير(5) ، وإن أضاف إليه بعضهم التعزير
(1) كفاية الأحكام : 286 .
(2) التنقيح الرائع : 4 / 317 ، غاية المرام : 4 / 299 ، جواهر الكلام : 41 / 191 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 404 ، كتاب الشهادات ب45 ح1 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 404 ، كتاب الشهادات ب45 ح2 .
(5) كالشيخ في النهاية : 688 ، وابن إدريس في السرائر : 3 / 428 ، والعلاّمة في إرشاد الأذهان : 2 / 169 .
(الصفحة504)
مسألة 3 ـ إنّما لا تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود لاجراء الحدّ وأمّا في سائر الآثار فتقبل ، فإذا شهد الفرع بشهادة الأصل بالسرقة لا تقطع لكن يؤخذ المال منه ، وكذا يثبت بها نشر الحرمة بأمّ الموطوء وأخته وبنته ، وكذا سائر ما يترتّب على الواقع المشهود به غير الحدّ1.
مسألة 4 ـ تقبل شهادة الفرع في سائر حقوق الله غير الحدّ ، كالزكاة
أيضاً(1) ، كما أنّه يؤيّده كون التعزير حقّاً لله كالحدّ ، نعم لا فرق في الحدود بين أن يكون حقّاً لله محضاً كالزنا واللواط ، أو مشتركاً بينه وبين الآدمي كحدّ السرقة; لأنّه بالإضافة إلى القطع حق الله ، وبالنسبة إلى أخذ المال المسروق حق آدمي ، وسيأتي في المسألة الثالثة ذلك .
1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان إمكان التفكيك بين الحدود وبين سائر الآثار ، وأنّ عدم قبول الشهادة على الشهادة انّما هو بلحاظ الأثر الأوّل دون سائر الآثار ، ففي مثل السرقة المتقدّم آنفاً انّما هو لا تقبل بالإضافة إلى القطع الذي هو حدّ شرعي ، وأمّا بلحاظ ضمان المال المسروق الموجب لردّه عيناً أو مثلا أو قيمة فتقبل شهادة الفرع ، وكذا في اللواط ، فانّ شهادة الفرع لا تؤثّر في ثبوت حدّه وإن كانت واجدة لشرائط الشهادة فيه ، وامّا بالإضافة إلى نشر الحرمة بأمّ الموطوء وبنته واخته وكذا سائر ما يترتّب عليه فتقبل .
وسيأتي في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى أنّ التفكيك بين القطع والضمان يتحقّق في موارد كثيرة ، لاختصاص السرقة الموجبة للحدّ بموارد خاصّة .
(1) كالمحقّق في شرائع الإسلام : 4 / 932 ، والفاضل الآبي في كشف الرموز : 2 / 538 ، والصيمري في غاية المرام : 4 / 309 .
(الصفحة505)
والخمس وأوقاف المساجد والجهات العامّة بل والأهلة أيضاً1.
مسألة 5 ـ لا تقبل شهادة فرع الفرع كالشهادة على الشهادة على الشهادة وهكذا 2 .
1 ـ عدم قبول الشهادة على الشهادة في باب الحدود على ما هو مفاد الروايات الواردة ليس لأجل كون الحدود حقّاً لله تعالى حتى يتعدّى عن الحدود إلى سائر حقوق الله كالأمثلة المذكورة في المتن ، بل لخصوصية فيها لا تجري في غيرها سوى التعزيرات على ما تقدّم ، ولعلّها ابتناؤها على التخفيف كما يدلّ عليه حديث الدرأ(1) غير الجاري في غير مثل الحدود ، وعليه فتقبل شهادة الفرع في الأمثلة .
وأمّا الهلال فقد تقدّم البحث عنه في شرح المسألة الأولى من القول في الشهادة على الشهادة ، فراجع .
2 ـ وفاقاً للمشهور(2) ، بل ادّعي عليه الاجماع في كلمات غير واحد من الأصحاب(3) ، وخلافاً لبعض الأعلام(قدس سره) ، حيث جعل الأظهر هو القبول(4) ، ودليل المشهور أمران :
(1) وسائل الشيعة : 28 / 47 ، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح4 .
(2) إصباح الشيعة : 531 ، السرائر : 2 / 127 ، المختصر النافع : 290 ، اللمعة الدمشقية : 55 ، رياض المسائل : 9 / 580 ، وقال المحقّق السبزواري في كفاية الأحكام: 286 : «ولا أعرف خلافاً بينهم في عدم قبولها إلاّ مرّة واحدة» .
(3) كابن زهرة في غنية النزوع : 442 ، والشهيد الثاني في مسالك الأفهام : 14/269 ، والمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 475 .
(4) مباني تكملة المنهاج : 1 / 143 مسألة 112 .
(الصفحة506)
الأوّل : عدم شمول الروايات الواردة في هذا المجال(1) للمقام ، ومقتضى الأصل عدم الحجية .
ويرد عليه أنّ عدم شمول الروايات المذكورة وإن كان حقّاً إلاّ أنّ عدم شمول إطلاقات أدلّة حجية البيّنة غير واضح ، إذ لا فرق فيه بين الأصل والفرع وفرع الفرع وهكذا ، والإشكال الجاري في مسألة الاخبار مع الواسطة من انّ خبر الثالث كيف يثبت خبر الثاني والأوّل قابل للدفع هنا بطريق أسهل ، إذ المفروض قيام البيّنة في جميع الطبقات ، والبيّنة صالحة لإثبات الموضوعات الخارجية حتى البيّنة الاُخرى ، كما فرضناه في شهادة الفرع على الأصل ، فما المانع من ثبوت البيّنة ببيّنة أخرى ثم جريان حكم القبول على كلّ واحدة منها ، كما لا يخفى .
الثاني : رواية عمرو بن جميع ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه(عليهما السلام) قال : اشهد على شهادتك من ينصحك ، قالوا كيف؟ يزيد وينقص ، قال : لا ، ولكن من يحفظها عليك ، ولا تجوز شهادة على شهادة على شهادة(2) .
وأورد عليه بعض الأعلام(قدس سره) بأنّ الرواية ضعيفة من جهة عمرو بن جميع في نفسه ، ومن جهة أنّ طريق الصدوق إليه ضعيف(3) .
ولكن يمكن أن يقال : بانّ استناد المشهور إليها جابر لضعفها على تقديره ، فلا مانع حينئذ من العمل بالرواية وان كان على خلاف القاعدة ، فالأقوى حينئذ ما عليه المشهور كما في المتن ، ويؤيّده عدم التحفظ نوعاً مع الزيادة والنقيصة على اثنين كما لا يخفى ، بخلاف الأخبار مع الواسطة التي كان الداعي على حفظها كثيراً ،
(1) وسائل الشيعة : 27 / 402 ، كتاب الشهادات ب44 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 404 ، كتاب الشهادات ب44 ح6 .
(3) مباني تكملة المنهاج : 1 / 143 مسألة 112 .
(الصفحة507)
مسألة 6 ـ يعتبر في الشهادة على الشهادة ما يعتبر في شهادة الأصل من العدد والأوصاف ، فلا تثبت بشهادة الواحد ، فلو شهد على كلّ واحد إثنان أو شهد إثنان على شهادة كلّ واحد تقبل ، وكذا لو شهد شاهد أصل وهو مع آخر على شهادة أصل آخر ، وكذا لو شهد شاهدان على شهادة المرأة فيما جازت شهادتها1.
مسألة 7 ـ لا تقبل شهادة النساء على الشهادة فيما لا تقبل فيها شهادتهنّ
ولذا كان الشائع بينهم المقابلة لئلاّ يزيد الخبر ولا ينقص ، والإجازة الروائية ناظرة إلى هذه الجهة ، فتدبّر .
1 ـ لا شبهة في أنّه يعتبر في الشهادة على الشهادة ما يعتبر في شهادة الأصل من العدد والأوصاف المعتبرة في الشاهد المتقدّمة ، وقد دلّت الموثقتان المتقدّمتان(1)على اعتبار التعدّد والأوصاف أيضاً كذلك كما هو واضح ، خصوصاً بعد كون المراد شهادة البيّنة على البيّنة ، وحينئذ فلا تثبت شهادة شاهدي الأصل إلاّ بشهادة رجلين عادلين ، سواء شهدا معاً على شهادتهما أو شهد اثنان على شهادة كلّ واحد .
ومنه يظهر صحّة التركيب بأن يكون هنا شاهد أصل وشهد مع شاهد آخر على شهادة أصل آخر ، وكذا اللازم شهادة رجلين على شهادة المرأة فيما تجوز فيها شهادتهنّ ، وامّا فيما لا تجوز فيها شهادتهنّ فثبوت شهادتهنّ وجداناً لا يجدي فضلا عن الثبوت بالأمارة .
(1) تقدّمتا في ذيل المسألة الاُولى من هذا المبحث.
(الصفحة508)
منفردات أو منضمّات ، فهل تقبل فيما تقبل شهادتهنّ كذلك؟ فيه قولان أشبههما المنع1.
1 ـ امّا فيما لا تقبل فيها شهادتهنّ منفردات أو منضمّـات فالوجه فيه واضح ، وامّا فيما تقبل فيها شهادتهنّ كذلك كعيوب النساء الباطنة ، فوجه أشبهية المنع أنّ قبول شهادتهنّ لأجل كون المورد ممّا لا يستطيع الرجال الاطّلاع عليه والنظر إليه غالباً ، كما قد وقع التصريح به في بعض رواياته(1) على ما عرفت . ومن الواضح وجود هذه الخصوصية بالإضافة إلى شهود الأصل ، وامّا بالإضافة إلى شاهد الفرع فلا مجال لبقاء هذه الخصوصية بعد كون متعلّق الشهادة هي شهادة الأصل ، لا اطلاع الشاهد عليها مستقيماً والنظر إليه كذلك ، فمقتضى اعتبار الرجولية في البيّنة ـ إلاّ في موارد خاصة ـ عدم قبول شهادة النساء هنا ، كما لا يخفى .
هذا ، ولكنّ المحكي عن ظاهر الاسكافي(2) والمبسوط(3) القبول; لإطلاق ما دلّ على قبول شهادتهنّ فيه الشامل لذلك أصلا وفرعاً ، ويرد عليه مضافاً إلى ظهور نصوص الشهادة على الشهادة في الرجل ما عرفت من العلّة في قبول شهادتهنّ منفردات من أنّه لا يستطيع الرجال النظر إليه ، ومن المعلوم عدم جريان هذه العلّة في الشهادة على الشهادة ، فالأقوى ما عليه المشهور(4) وفاقاً للمتأخّرين(5) .
(1) راجع وسائل الشيعة : 27 / 350 ، كتاب الشهادات ب24 ح4 و5 و7 و12 و42 .
(2) حكى عنه في مختلف الشيعة : 8 / 529 مسألة 91 .
(3) المبسوط : 8 / 233 ـ 234 .
(4) السرائر : 2 / 128 ـ 129 ، شرائع الإسلام : 4 / 924 ـ 925 ، قواعد الأحكام : 2 / 242 ، إيضاح الفوائد : 4/448 ، التنقيح الرائع : 4 / 319 ، مسالك الافهام : 14 / 284 .
(5) رياض المسائل : 9 / 573 ، جواهر الكلام : 41 / 208 .
(الصفحة509)
مسألة 8 ـ الأقوى عدم قبول شهادة الفرع إلاّ لعذر يمنع حضور شاهد الأصل لإقامتها ، لمرض أو مشقّة يسقط بهما وجوب حضوره ، أو لغيبة كان الحضور معها حرجاً ومشقّة ، ومن المنع الحبس المانع عن الحضور1.
1 ـ عدم قبول شهادة الفرع إلاّ في صورة العذر هو المشهور شهرة محقّقه(1) ، بل في الخلاف الاجماع عليه ، وحكى الخلاف عن بعض الأصحاب(2) ، وهو والد الصدوق(قدس سره)(3) ، وفي محكيّ كشف اللثام الأقوى عدم الاشتراط(4) ، ويؤيده فرض اجتماع شاهد الأصل والفرع واختلافهما في بعض الكلمات . وعمدة الدليل على العدم رواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الشهادة على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد ، قال : نعم ، ولو كان خلف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلّة تمنعه عن أن يحضره ويقيمها ، فلا بأس بإقامة الشهادة على شهادته(5) ، وأورد عليها بعض الأعلام(قدس سره) بضعف السند ، فانّها مروية بطريقين ، ففي التهذيب بسنده عن محمد بن مسلم(6) ، وفي السند ذُبيان بن حكيم وهو مهمل ،
(1) المبسوط : 8 / 232 ـ 233 ، غنية النزوع : 442 ، إصباح الشيعة : 531 ، الوسيلة : 233 ، الجامع للشرائع : 544 ، شرائع الإسلام : 4 / 924 ، قواعد الأحكام : 2 / 242 ، وادّعى الشهرة هنا في مسالك الأفهام : 14 / 277 ، وكفاية الأحكام : 287 ، ورياض المسائل : 9 / 576 ، وجواهر الكلام : 41 / 199 .
(2) الخلاف : 6 / 315 مسألة 65 .
(3) راجع مجمع الفائدة والبرهان : 12 / 481 ، وكفاية الأحكام : 287 ، ورياض المسائل : 9 / 576 ـ 577 .
(4) كشف اللثام : 2 / 385 .
(5) وسائل الشيعة : 27 / 402 ، كتاب الشهادات ب44 ح1 .
(6) التهذيب : 6 / 256 ح672 .
(الصفحة510)
مسألة 9 ـ لو شهد الفرع على شهادة الأصل فأنكر شاهد الأصل ، فإن كان بعد حكم الحاكم فلا يلتفت إلى الإنكار ، وإن كان قبله فهل تطرح بيّنة الفرع أو يعمل
ورواها الشيخ الصدوق بسنده إلى محمد بن مسلم(1) ، وفي السند علي بن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه ، وكلاهما لم يوثّقا(2) .
هذا ، ولكن استناد المشهور إلى الرواية خصوصاً بعد كون مفادها على خلاف القاعدة جابر لضعفها ، ولا حاجة إلى ما قيل : من أنّ الفرع أضعف ، ولا وجه للعدول إليه عن الأقوى مع الإمكان(3) .
ثم إنّ مقتضى الرواية عدم إمكان إقامة الشهادة لشاهد الأصل لعلّة تمنعه عن أن يقيمها ، والعلّة المانعة ـ مضافاً إلى أنّ المانعية عرفية لا عقلية ـ تشمل المرض والغيبة التي كان الحضور معها حرجاً ومشقّة ، والحبس المانع عن الحضور كذلك .
وبالجملة : كلّ أمر يمنع عن الحضور لأجل العسر والمشقة الرافعة للتكليف خلافاً لبعض العامة حيث اعتبر مسافة القصر ، وللبعض الآخر حيث اعتبر تعذّر الرجوع إلى منزله ليبيت فيه(4) ، بل الضابط ما أفاده المحقّق في الشرائع حيث قال : وضابطه مراعاة المشقّة على شاهد الأصل في حضوره(5) .
(1) الفقيه : 3 / 56 ح141 .
(2) مباني تكملة المنهاج : 1 / 145 مسألة 115 .
(3) راجع جواهر الكلام : 41 / 200 .
(4) الخلاف : 6 / 315 مسألة 65 ، الحاوي الكبير : 21 / 242 ـ 243 ، حلية العلماء : 8 / 297 ـ 298 ، المغني لابن قدامة : 12 / 89 ـ 90 ، روضة الطالبين : 10 / 71 ، المحلّى بالآثار : 8 / 540 .
(5) شرائع الإسلام : 4 / 924 .
(الصفحة511)
بأعدلهما ومع التساوي تطرح الشهادة؟ وجهان1.
1 ـ لو شهد الفرع على شهادة الأصل وحكم الحاكم على طبق شهادة الفرع ثم أنكر شاهد الأصل بعد حكم الحاكم ، فلا يلتفت إلى الإنكار بعد فرض وقوع الحكم على طبق الموازين ، وتوقّف الصحة على عدم الإنكار ولو في الآتي مستلزم لعدم صدور الحكم رأساً .
وامّا لو وقع انكار الأصل قبل حكم الحاكم فقد ورد فيه بعض الروايات ، مثل :
صحيحة عبد الرّحمن ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال : إنّي لم اشهده ، قال : تجوز شهادة أعدلهما ، وإن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته(1) ، ورواه في الوسائل في باب واحد بعنوان روايتين مع أنـّه من الواضح الوحدة وعدم التعدّد .
وصحيحة ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال : لم أشهده ، قال : فقال : تجوز شهادة أعدلهما ، ولو كان أعدلهما واحداً لم تجز شهادته(2) ، والظاهر أنّ الجملة الأخيرة كانت مثل الجملة الأخيرة في الرواية السابقة ، ضرورة أنّ ظاهرها غير صحيح ، فانّه ـ مضافاً إلى أنّ الأعدلية في عدلين إذا كانت ثابتة لا تعقل أن تكون في أزيد من واحد ـ يرد عليه أنّ الجملة الأولى تدلّ على جواز شهادة أعدلهما فكيف تدل الجملة الثانية على خلافها ، كما أنّ الظاهر أنّ الصحيح في قوله : «لم تجز شهادته» هو لم تجز شهادة في كلتا الروايتين; لأنّه مع وحدة العدالة لا معنى لعدم جواز شهادة واحد منهما خصوصاً مع كون
(1) وسائل الشيعة : 27 / 405 ، كتاب الشهادات ب46 ح1 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 405 ، كتاب الشهادات ب46 ، ح3 .
(الصفحة512)
المراد الواحد المعيّن .
وكيف كان تدلّ الصحيحتان بالصراحة على جواز شهادة الأعدل فقط ، وبالظهور على عدم الجواز مطلقاً مع التساوي .
هذا ، وقد استشكل المحقّق في الشرائع فيما ذكر بقوله : وهو يشكل بما أنّ الشرط في قبول الفرع عدم الأصل(1) . ولعلّه لأجل ذلك حكي عن ابن حمزة(2) والعلاّمة في المختلف(3) العمل بالروايتين بالإضافة إلى ما بعد الحكم ، نظراً إلى الجمع بينهما وبين ما دلّ على اشتراط تعذّر حضور الأصل .
هذا ، ولكن لا ينبغي إنكار ظهور الصحيحتين بالنسبة إلى قبل الحكم ، ولعلّه لذا دفع المحقّق إشكاله بقوله : وربما أمكن لو قال الأصل : لا أعلم(4) ، لا إذا كذّب الفرع ، لكنّه كماترى خصوصاً مع التصريح بجواز شهادة الأعدل أعمّ ممّا إذا كان أصلا أو فرعاً .
اللّهم إلاّ أن يقال : إنّ منع حضور شاهد الأصل عن الشهادة على طبق شاهد الفرع انّما هو فيما إذا كان الأصل باقياً على شهادته ، وإلاّ فلو فرض نسيانه رأساً بحيث لا يجدي التذكّر أيضاً في رفع النسيان لما كان يمنع حضوره عن شهادة الفرع والحكم على طبقها ، ومن الممكن أن يكون انكاره مثل نسيانه ، وكيف كان فلا مساغ للاعراض عن الصحيحتين الظاهرتين فيما قبل الحكم ، فتدبّر .
(1) شرائع الإسلام : 4 / 924 .
(2) الوسيلة : 234 .
(3) مختلف الشيعة : 8 / 526 مسألة 89 .
(4) شرائع الإسلام : 4 / 924 .
(الصفحة513)
القول في اللّواحق
مسألة 1 ـ يشترط في قبول شهادة الشاهدين تواردهما على الشيء الواحد فان اتفقا حكم بهما ، والميزان اتّحاد المعنى لا اللفظ ، فإن شهد أحدهما بأنّه غصب والآخر بأنّه انتزع منه قهراً أو قال أحدهما : باع والآخر ملّكه بعوض تقبل ، ولو اختلفا في المعنى لم تقبل ، فإن شهد أحدهما بالبيع والآخر بإقراره بالبيع وكذا لو شهد أحدهما بأنّه غصبه من زيد والآخر بأنّ هذا ملك زيد لم تردا على معنى واحد; لأنّ الغصب منه أعمّ من كونه ملكاً له1.
1 ـ وجه اعتبار توارد الشاهدين على الشيء الواحد واضح ، ضرورة أنّه مع عدم التوارد لم تقم البيّنة على مورد واحد ، بل قامت شهادة عدل واحد على كلّ مورد من الموردين ، غاية الأمر عدم اعتبار الاتّحاد في اللفظ والعبارة ، بل الاتحاد في المعنى على حسب فهم العرف ، فلو شهد أحدهما بعنوان الغصب والآخر بعنوان الانتزاع منه قهراً وعدواناً ، أو قال أحدهما : إنّه باع وقال الآخر : إنّه ملّكه بعوض تقبل الشهادتان .
وامّا لو كان المعنى المشهود به مختلفاً ، كأن شهد أحدهما بعنوان البيع والآخر
(الصفحة514)
مسألة 2 ـ لو شهد أحدهما بشيء و شهد الآخر بغيره ، فإن تكاذبا سقطت الشهادتان فلا مجال لضمّ يمين المدّعي ، و إن لم يتكاذبا فإن حلف مع كلّ واحد يثبت المدّعى ، و قيل : يصحّ الحلف مع أحدهما في صورة التكاذب أيضاً ، و الأشبه ما ذكرناه1.
بإقراره بالبيع ، لم تقبل لمغايرة البيع مع الاقرار ، وكذا لو شهد أحدهما بأنّه غصبه من زيد والآخر بأنّ هذا ملك زيد لم تردا على معنى واحد; لأنّ الغصب منه أعمّ من كونه ملكاً له .
وهكذا إذا اتّفقا على أمر واختلفا في زمانه ، فقال أحدهما: إنّه باعه في شهر كذا ، وقال الآخر: إنّه باعه في شهر آخر ، بخلاف ما إذا كان أحدهما مطلقاً من حيث الزمان والآخر مقيّداً بزمان مخصوص ، وكذلك لا تقبل إذا اختلفا في المتعلّق ، كما إذا قال أحدهما : إنّه سرق ديناراً ، وقال الآخر : سرق درهماً وهكذا ، ففي جميع ذلك وأمثاله لم يتحقق التوارد على شيء واحد كما لا يخفى ، وسيأتي في بعض المسائل الآتية إن شاء الله تعالى .
1 ـ لو شهد أحدهما بشيء وشهد الآخر بغيره ، فإن لم يتحقّق بينهما التكاذب الراجع إلى تكذيب كلّ واحد منهما ما يشهد به الآخر ، فالمورد من موارد ضمّ يمين المدّعي إلى الشاهد الواحد; لأنّ المفروض إمكان الجمع بين الشهادتين ومعهما يمين المدّعي ، والمورد يكفي فيه الشاهد الواحد مع اليمين ، وإن وقع بينهما التكاذب فقد نسب الاجتزاء باليمين في صورة التكاذب في الدروس إلى القيل(1) مشعراً بتمريضه ، ولكن ذكر في الجواهر : إنّه في غير محلّه; لأنّ التكاذب المقتضي
(1) الدروس الشرعية : 2 / 135 .
(الصفحة515)
مسألة 3 ـ لو شهد أحدهما بأنّه سرق نصاباً غدوة و الآخر بأنّه سرق نصاباً عشيّة لم يقطع و لم يحكم بردّ المال ، و كذا لو قال الآخر : سرق هذا النصاب بعينه عشية1.
للتعارض الذي يفزع فيه للترجيح وغيره انّما يكون في البيّنين الكاملتين لا بين الشاهدين ، كما هو واضح(1) .
ولكنّه يمكن أن يقال بوجود ملاك التساقط على ما تقتضيه القاعدة في الأمارتين المتعارضتين في الشاهدين أيضاً بعد كون الاعتبار لهما من هذا الباب ، وإن كان لا فائدة فيه مع عدم ضمّ اليمين كما لا يخفى .
1 ـ امّا عدم القطع وعدم الحكم بردّ المال في الصورة الثانية فلأجل عدم توارد الشهادتين على فعل واحد; لأنّ المفروض شهادة أحدهما بسرقة النصاب غدوة والآخر بأنّ ذلك النصاب قد سرق عشيّة ، والاختلاف في الزمان موجب لتحقّق المغايرة بين الأمرين ، وامّا في الصورة الاُولى التي يكون المشهود به فيها سرقة النصاب فلأجل ما ذكر من أنّه شهادة على فعلين لم يثبت أحدهما ، وقد ذكر المحقّق في الشرائع : لو شهد أحدهما أنّه سرق نصاباً غدوة وشهد الآخر أنّه سرق عشية لم يحكم بها; لأنّها شهادة على فعلين ، وكذا لو شهد الآخر أنّه سرق ذلك بعينه عشية; لتحقّق التعارض أو لتغاير الفعلين(2) .
وقال في المسالك : إنّ في التعليل لفّ ونشر غير مرتّب ، فإنّ تحقّق التعارض الذي علّل به أوّلا يحصل في الفرض الثاني ، وتغاير الفعلين يحصل
(1) جواهر الكلام : 41 / 212 .
(2) شرائع الإسلام : 4 / 925 ـ 926 .
(الصفحة516)
مسألة 4 ـ لو اتفق الشاهدان في فعل واختلفا في زمانه أو مكانه أو وصفه بما يوجب تغاير الفعلين لم تكمل شهادتهما ، كما لو قال أحدهما : سرق ثوباً في السّوق والآخر : سرق ثوباً في البيت ، أو قال : أحدهما : سرق ديناراً عراقيّاً وقال الآخر : سرق ديناراً كويتياً ، أو قال أحدهما : سرق ديناراً غدوة والآخر : عشية ، فانّه لم يقطع ولم يثبت الغرم إلاّ إذا حلف المدّعي مع كلّ واحد فانّه يغرم الجميع ، فلو تعارضت شهادتهما تسقط ، ولا يثبت بهما شيء ولو مع الحلف ، وكذا لو تعارضت البينتان سقطتا على الأشبه ، كما لو شهدت إحداهما بأنّه سرق هذا الثوب أوّل زوال يوم الجمعة في النجف وشهدت الاُخرى بأنّه سرق هذا الثوب بعينه أوّل زوال هذا اليوم بعينه في بغداد ، ولا يثبت بشيء منها القطع ولا الغرم1.
في الأول(1) .
وأورد عليه في الجواهر بظهور العبارة بل صريحها في كون الأخيرتين علّتين للأخيرة فقط(2) ، غاية الأمر انّ العلّة الاُولى مرتبطة بصورة اتفاقهما على اتّحاد الفعل والأخيرة بصورة عدم الاتفاق ، كما إذا احتمل رجوع النصاب منه ثم سرقه منه عشية مرّة اُخرى ، وكيف كان فالأمر سهل كما لا يخفى .
1 ـ لو اتّفق الشاهدان في أصل الفعل واختلفا في خصوصياته من حيث الزمان أو المكان أو الوصف ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، ففيه لم تكمل شهادتهما ، فلا يقطع ولم يثبت الغرم إلاّ إذا حلف المدّعي مع كلّ واحد ، فانّه يغرم الجميع ، والوجه فيه ما
(1) مسالك الأفهام : 14 / 289 .
(2) جواهر الكلام : 41 / 212 .
(الصفحة517)
ذكرنا من عدم توارد الشهادتين على فعل واحد ، خصوصاً مع أنّ الخصوصيات المزبورة قيود راجعة إلى الفعل ، ونسبته إلى الفاعل على ما حقّقناه في المعاني الحرفية من علم الاُصول من أنّ كلّ القيود ترجع إلى الإضافة ، والنسبة التي هي معنى حرفي .
هذا ، ويكن أن يقال : إنّ الخصوصيات حيث إنّه لا دخل لها في ثبوت الحدّ ضرورة أنّ الموجب للحكم بثبوت الحدّ هو أصل السرقة مع الشرائط المذكورة في محلّه ، وامّا كون زمان السرقة يوم الجمعة أو يوم السبت ، أو كون مكانها السوق أو البيت ، أو كون المال المسروق ديناراً عراقياً أو كويتياً فلا دخل له في ذلك ، وعليه فأصل السرقة الموجب للحكم بثبوت الحدّ متّفق عليه بين الشاهدين ، والخصوصيات المختلف فيها لا دخل لها في ذلك ، لكنّ الذي استظهر صاحب الجواهر من كلام الأصحاب في مثل القتل ممّا لا يقبل التعدّد عدم تكمّل الشهادة وعدم ثبوت القطع(1) .
هذا ، ولو كانت هناك بينتان ووقع التعارض بينهما ، كالمثال الأخير المذكور في المتن ، ففيه أنّه سقطتا على الأشبه ، والوجه فيه ما عرفت من أنّ مقتضى القاعدة في تعارض الأمارتين هو التساقط ، إلاّ في مثل الخبرين المتعارضين اللذين ورد فيهما الأخبار العلاجيّة ، كمقبولة ابن حنظلة(2) وغيرها ، ولا مجال لإلغاء الخصوصية منها لابالإضافة إلى مطلق الأمارتين ولا بالإضافة إلى خصوص ما يشابه الخبرين من الأمارتين ، كما لا يخفى . وعليه فلا يثبت بشيء منهما في المقام لا القطع ولا الغرم .
(1) جواهر الكلام : 41 / 213 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 ح1 .
(الصفحة518)
مسألة 5 ـ لو شهد أحدهما أنّه باع هذا الثوب أوّل الزوال في هذا اليوم بدينار ، وشهد آخر أنّه باعه أوّل الزوال بدينارين لم يثبت وسقطتا ، وقيل : كان له المطالبة بأيّهما شاء مع اليمين ، وفيه ضعف ، ولو شهد له مع كلّ واحد شاهد آخر قيل ثبت الديناران والأشبه سقوطهما ، وكذا لو شهد واحد بالاقرار بألف والآخر بألفين في زمان واحد سقطتا ، وقيل : يثبت بهما الألف والآخر بانضمام اليمين إلى الثاني وهو ضعيف ، فالضابط أنّ كلّ مورد وقع التعارض سقط المتعارضان بيّنة كانا أو شهادة واحدة ، ومع عدم التعارض عمل بالبيّنة وتثبت مع الواحد ويمين المدّعي الدعوى1.
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لفروع متعدّدة :
الأوّل : ما لو شهد أحد الشاهدين أنّه باع هذا الثوب أوّل الزوال في هذا اليوم بدينار ، وشهد آخر أنّه باع هذا الثوب في نفس الوقت من آخر بدينارين ، ففي المتن لم يثبت أي البيع مطلقا وسقطتا; لأنّ المفروض تعارض الشاهدين لا البينتين ، والدليل عليه ما عرفت من عدم تمامية الشهادة على كلّ واحد من البيعين; لأنّ المفروض عدم توارد الشهادتين على مورد واحد بعد كون الثمن قوام البيع من ناحية واختلافهما فيه من ناحية اُخرى ، وعليه فلا يكون للبائع مطالبة أحد المشتريين بشيء من الثمنين .
ولكن ذكر المحقّق في الشرائع : وكان له المطالبة بأيّهما شاء مع اليمين(1) واستضعفه الماتن(قدس سره) ، ولعلّ وجهه أنّ الاكتفاء بالشاهد واليمين في الحقوق المالية انّما هو فيما إذا لم يكن للشاهد معارض ، ومع التعارض الموجب للسقوط لا محالة
(1) شرائع الإسلام : 4 / 926 .
(الصفحة519)
لا مجال للمطالبة بوجه .
الثاني : ما لو شهد له مع كلّ واحد شاهد آخر ، بأن قامت البيّنة على كلّ واحد من البيعين ، ففي الشرائع ثبت الديناران(1) ، وفي المتن الأشبه سقوطهما ، والوجه في السقوط هو التعارض الموجب له ، وفي ثبوت الدينارين هو قيام البيّنة عليه أيضاً ، وعليه فإذا ادّعى الدينارين ثبتا ولغت البيّنة الاُخرى ، ولكن في محكي المبسوط(2)وجواهر القاضي(3) أنّ البيّنتين متعارضتان فيقرع ، واُورد عليهما صاحب الجواهر(قدس سره) بأنّه انّما يتمّ إذا كان لكلّ من الثمنين مدّع ، كأن يدّعي المشتري أنّه اشتراه بدينار والبائع بدينارين(4) ، والحقّ مع المتن .
الثالث : ما لو شهد واحد بالإقرار بألف أي لزيد في زمان معيّن ، وشهد الآخر بألفين أي لزيد في نفس ذلك الزمان ، والمذكور في الكتاب المذكور أنّه يثبت الألف بهما والآخر بانضمام اليمين(5) ولعلّ الوجه فيه أنّ الألف متّفق عليه بينهما والألف الآخر له شاهد ويمين ، وفرّق بينه وبين البيع بدينار أو دينارين صاحب الجواهر(قدس سره)(6) ، مع اشتراكهما في امتناع الوقوع في وقت واحد أنّ المشهود به في البيع غير قابل للاجتماع في نفسه ، وأمّا في باب الإقرار فانّ التلفّظ بلفظين مختلفين في وقت واحد وان كان ممتنعاً إلاّ أنّ الشهادة بدينار لا تنفي الزائد ، فيجوز أن لا يكون
(1) شرائع الإسلام : 4 / 926 .
(2) المبسوط: 8 / 242.
(3) جواهر الفقه : 232 ـ 233 مسألة 807 .
(4) جواهر الكلام : 41 / 215 .
(5) شرائع الإسلام : 4 / 926 .
(6) جواهر الكلام : 41 / 215 .
(الصفحة520)
مسألة 6 ـ لو شهدا عند الحاكم وقبل أن يحكم بهما ماتا أو جنّا أو أُغمي عليهما حكم بشهادتهما ، وكذا لو شهدا ثم زكّيا بعد عروض تلك العوارض حكم بهما بعد التزكية ، وكذا لو شهدا ثم فسقا أو كفرا قبل الحكم حكم بهما ، بل لا يبعد ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع وكان الأصل عادلا ثم فسق ثم شهد الفرع ،ولا فرق في حدود الله تعالى وحقوق الناس في غير الفسق والكفر ، وأمّا فيهما فلا يثبت الحدّ في حقوق الله محضاً كحدّ الزنا واللواط ، وفي المشتركة بينه وبين العباد كالقذف والسرقة تردّد ، والأشبه عدم الحدّ ، وأمّا في القصاص فالظاهر ثبوته1.
الشاهد سمع إلاّ ديناراً أو لم يقطع إلاّ به وتردّد في الزائد أو مثل ذلك .
هذا ، ولكن ضعّفه الماتن(قدس سره) نظراً إلى أنّ التعارض مطلقا موجب للتساقط ، سواء كان الطرفان هما البينتين أو الشاهدين لما ذكرنا سابقاً ، نعم لو لم يكن هناك تعارض لكان العمل بالشاهد الواحد مع انضمام اليمين في محلّه .
1 ـ لو شهدا عند الحاكم مع اجتماع شرائط الشهادة ، ولكنّه قبل الحكم وانشائه عرض لهما أو لأحدهما الموت أو الجنون أو الاغماء ، فلا إشكال بل لا خلاف في جواز الحكم بشهادتهما(1); لأنّ المفروض اجتماع شرائط الشهادة عند إقامتها وادائها ، ولم يدلّ دليل على لزوم البقاء إلى تمامية الحكم بل لا وجه له أصلا ، لعدم دخالة البقاء في حكمه .
وكذا لو شهدا وقبل أن يزكّيا عرض لهما أو لأحدهما شيء من العوارض السابقة ، ثم زكّيا بعده أو شهدا ثم عرض لهما أو لأحدهما الفسق أو الكفر قبل
(1) راجع جواهر الكلام : 41 / 217 .
(الصفحة521)
الحكم ، فانّه لا يمنع ذلك عن الحكم بعد اجتماع الشرائط وجداناً أو بالبيّنة قبل حكم الحاكم ، واستناد الحكم إلى البيّنة الجامعة للشرائط ، بل نفى في المتن البُعد عن ذلك لو شهد الأصل وحمل الفرع وكان الأصل عادلا ثم فسق ثم شهد شاهد الفرغ .
ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين حقوق الناس وبين حدود الله تبارك وتعالى في غير الفسق والكفر ، وأمّا فيهما فقد ذكر في المتن أنّه لا يثبت في حقوق الله محضاً كحدّ الزنا واللّواط ، بل قال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه(1) ، بل في المسالك اتّفاق الفريقين على ذلك(2) معلّلا له في الشرائع بأنّه مبنيّ على التخفيف ولأنّه نوع شبهة(3) ، ولأجل ذلك يتحقّق الفرق بين الفسق والكفر وبين الجنون الذي يكون الظاهر اتفاقهم على عدم سقوط الحدّ فيه .
وامّا الحقوق المشتركة بينه تعالى وبين العباد ، كالقذف والسرقة بالإضافة إلى القطع فقد تردّد فيه الماتن(قدس سره) ، ولكنّ المحقّق في الشرائع جعل الأشبه الحكم لتعلّق حق الآدمي به ، مع أنّه لا فرق في الشبهة الدارئة للحدّ بين حق الله محضاً والحقّ المشترك . نعم في القصاص الذي هو من حقوق الآدميين محضاً ـ ولأجله يسقط بالإسقاط مطلقا أو مع الدّية في صورة رضا الجاني ـ الظاهر الثبوت ، ولا مجال لإحتمال كونه من الحدود ، كما لا يخفى .
(1) جواهر الكلام : 41 / 219 .
(2) حكاه عنه في جواهر الكلام : 41 / 219 ، لكن لم نجد هذه العبارة في مسالك الأفهام ، بل قال في ج14 / 295 : اتفق القائلان ، وفي الطبعة الحجرية منه ج2 / 419 : اتّفق القائلون ، ويمكن أن يراد من «الفريقين» القائلون بقولين السابقين في أصل المسألة .
(3 و 4) شرائع الإسلام : 4 / 927 .
(الصفحة522)
مسألة 7 ـ قالوا : لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما لم يحكم به لهما بشهادتهما ، وفيه تردّد وإشكال ، وأشكل منه ما قيل : إنّه لم يثبت بشهادتهما لشريكهما في الارث ، والوجه في ذلك ثبوت حصّة الشريك1.
1 ـ قالوا : لو شهدا لمن يرثانه فمات قبل الحكم فانتقل المشهود به إليهما لم يحكم به لهما بشهادتهما ، وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر(1) ، بل عن المسالك اتّفاق الجميع عليه(2) معلّلين له باقتضاء ذلك الحكم لهما بشهادتهما ، مع أنّ مقتضى القاعدة خلاف ذلك ، فانّ مقتضاها وجدان الشرائط حين إقامة الشهادة وادائها ، والمفروض أنّه كذلك ، والموت قبل الحكم أمر لا يطّلع عليه الشاهدان نوعاً ، فإن ثبت إجماع فهو وإلاّ فهو محلّ إشكال ، ولذا تردّد فيه الماتن(قدس سره)واستشكل ، وأشدّ إشكالا ما قيل كما في محكيّ قواعد الفاضل : من أنّه لا يحكم لهما ولا لشركائهما في الميراث بشهادتهما(3) ، وان احتمل في المسالك(4) وكشف اللثام(5) القبول في حصّة الشريك ، لكن في الجواهر لم نجد به قائلا كما اعترف به في المسالك(6) ، لكنّ الماتن(قدس سره)قد استوجهه ، ولعلّه لما ذكرنا من أنّ مقتضى القاعدة ثبوت حقّهما فضلا عن الشريك ، فتدبّر جيّداً .
(1) جواهر الكلام : 41 / 219 .
(2) مسالك الأفهام : 14 / 296 .
(3) قواعد الأحكام : 2 / 247 .
(4) مسالك الأفهام : 14 / 296 .
(5) كشف اللثام : 2 / 390 .
(6) جواهر الكلام : 41 / 220 .
(الصفحة523)
مسألة 8 ـ لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم وبعد الإقامة لم يحكم بها ولا غرم ، فان اعترفا بالتعمّد بالكذب فسقا وإلاّ فلا فسق ، فلو رجعا عن الرجوع في الصورة الثانية فهل تقبل شهادتهما؟ فيه إشكال ، فلو كان المشهود به الزنا واعترف الشهود بالتعمّد حدّوا للقذف ، ولو قالوا : أوهمنا فلا حدّ على الأقوى1.
1 ـ لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم وبعد الإقامة والاداء لم يحكم بسبب هذه الشهادة ولا غرم; لأنّ المفروض عدم الحكم ، كما أنّ عدم الحكم لأجل وضوح اعتبار عدم الرجوع قبل الحكم وبعد الإقامة ، ومجرّد الحدوث لا يكفي في صحّة الحكم ، وقوله(صلى الله عليه وآله): انّما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان(1) يكون المنسبق إلى الأذهان منه البيّنات الباقية على الشهادة التي أقاموها إلى زمان الحكم وانشائه ، ولا يقاس الرجوع بالموت قبل الحكم ، حيث إنّك عرفت جواز الحكم بالشهادة في مثل الثاني ، فانّ الموت لا ينافي الشهادة بخلاف الرجوع .
أضف إلى ذلك دلالة مرسلة جميل ، عن أحدهما(عليهما السلام) ـ التي هي كالصحيح على ما في الجواهر(2) ، سيّما مع اعتضادها بالفتوى ـ في الشهود إذا [شهدوا على رجل ثم](3) رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل ، ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن قضي طرحت بشهادتهم ولم يغرّم الشهود شيئاً(4) .
(1) وسائل الشيعة : 27 / 232 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ب2 ح1 .
(2) جواهر الكلام : 41 / 220 .
(3) هذه الزيادة من التهذيب : 6 / 259 ح685 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 326 ، كتاب الشهادات ب10 ح1 .
(الصفحة524)
ثمّ إن اعترفوا بأنّهم تعمّدوا الكذب فسقوا فلا يعبأ بشهادتهم بعد ذلك ما لم تتحقّق العدالة المعتبرة في الشاهد ، وإن كان يمكن أن يقال : بأنّ الاعتراف بأنّهم تعمّدوا الكذب لا ينافي قبول هذه الشهادة; لأنّ التعمّد بالكذب انّما يتحقّق بتمامية الشهادة ، ضرورة أنّ الصدق والكذب من عوارض الخبر ، وهو متقوّم بالنسبة أو الهوهوية ، وعليه فلا ينافي الاعتراف بالتعمّد مع قبول هذه الشهادة ، نعم له أثر بالإضافة إلى الشهادة بعداً .
وان اعترفوا بالخطأ والاشتباه فلا فسق ، وفي هذه الصورة إذا رجعوا عن الرجوع فهل تقبل فيها الشهادة منهم بعد كون المفروض عدم تحقق الفسق؟ فقد وردت فيها رواية محمد بن قيس الصحيحة ، عن الباقر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق فقطع يده ، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا : هذا السارق وليس الذي قطعت يده ، انّما شبّهنا ذلك بهذا ، فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدّية ، ولم يجز شهادتهما على الآخر(1) .
وقد أفتى بمضمونها في محكيّ القواعد(2) والمسالك(3) ، ولكن في محكي كشف اللثام القبول إذا كانا معروفين بالعدالة والضبط(4) ، ولكنّ الظاهر لزوم العمل على طبق الرواية وان كان على خلاف القاعدة والعمومات لصحتها ، كما عرفت .
ثمّ إنّه لو كان المشهود به هو مثل الزّنا واعترف الشهود بالتعمّد حدّوا للقذف; لما
(1) وسائل الشيعة : 27 / 332 ، كتاب الشهادات ب14 ح1 .
(2) قواعد الأحكام : 2 / 244 .
(3) مسالك الأفهام : 14 / 297 .
(4) كشف اللثام : 2 / 387 .
(الصفحة525)
مسألة 9 ـ لو رجعا بعد الحكم والاستيفاء وتلف المشهود به لم ينقض الحكم وعليهما الغرم ، ولو رجعا بعد الحكم قبل الاستيفاء ، فان كان من حدود الله تعالى نقض الحكم ، وكذا ما كان مشتركاً نحو حدّ القذف وحدّ السرقة ، والأشبه عدم النقض بالنسبة إلى سائر الآثار غير الحدّ كحرمة أم الموطوء وأخته وبنته ، وحرمة أكل لحم البهيمة الموطوءة وقسمة مال المحكوم بالرّدة واعتداد زوجته ، ولا ينقض الحكم على الأقوى فيما عدا ما تقدّم من الحقوق ، ولو رجعا بعد الاستيفاء في حقوق الناس لم ينقض الحكم وإن كانت العين باقية
يأتي في كتاب الحدود(1) من أنّ شهود مثل الزنا إذا لم يكن جامعين لشرائط الشهادة عليه حدّوا جميعاً للقذف ، ولو قالوا : غلطنا فعن المبسوط(2) وجواهر القاضي(3)يحدّون أيضاً ، وفي محكيّ المسالك فيه وجهان : أحدهما : المنع لأن الغالط معذور ، وأظهرهماالوجوب لمافيه من التعيير، وكان من حقّهم التثبّت والاحتياط ، وعلى هذا تردّ شهادتهم،ولوقلنا: لاحدّفلاردّ(4)، ويؤيّده مرسلة ابن محبوب،عن أبي عبدالله (عليه السلام)في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ، ثم رجع أحدهم بعدما قتل الرّجل ، قال : إن قال الرابع : أوهمت ضرب الحدّ واغرم الدّية ، وإن قال : تعمّدت قتل(5) ، لكن لا شبهة في أنّ الغالط الغافل معذور، ولا ينبغي الارتياب في سقوط الحدّ مع الشبهة، ولذا يكون مختار المتن عدم ثبوت الحدّ ، والمرسلة غير منجبرة ، فتدبّر جيّداً .
(1) كتاب الحدود من تفصيل الشريعة : 105 .
(2) المبسوط : 8 / 10 .
(3) جواهر الفقه: 1 / 227 مسألة 782.
(4) مسالك الأفهام : 14 / 297 .
(5) وسائل الشيعة : 27 / 328 ، كتاب الشهادات ب12 ح1 .
(الصفحة526)
على الأقوى1.
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لاُمور مشتركة في كون رجوع الشاهدين بعد الحكم:
الأمر الأوّل : مالو كان الرجوع بعدالحكم والاستيفاءوتلف المشهود به عند المحكوم له بالإتلاف أو بغيره ، وعليهما الغرم في هذه الصورة من دون أن ينتقض الحكم لمرسلة جميل المتقدّمة ، ولموثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ(عليهم السلام): أنّ النبي(صلى الله عليه وآله)قال: من شهد عندنا ثم غيّر أخذناه بالأوّل وطرحنا الأخير(1).
ورواية هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام)يأخذ بأوّل الكلام دون آخره(2) وفي نسخة الوسائل «لا يأخذ»(3) ، لكنّ الظاهر كما في هامش الوسائل نقلا عن التهذيب الذي هو المصدر هو ما ذكرنا ، مضافاً إلى أنّ سياق الكلام يقتضي ذلك ، كما لا يخفى .
وبالجملة : لا إشكال في أصل الحكم خصوصاً مع قوّة السبب على المباشر .
الأمر الثاني : ما لو كان الرجوع بعد الحكم وقبل الاستيفاء ، فإن كان من حدود الله تعالى محضاً نقض الحكم على المشهور(4); للشبهة الدارئة للحدّ ، وكذا ما كان مشتركاً بين الله تعالى وبين الناس كحدّ القذف وحدّ السرقة ، لاشتراك الجميع في السقوط بعروض الشبهة .
نعم جعل في المتن الأشبه عدم النقض بالنسبة إلى سائر الآثار غير الحدّ; لفرض
(1) وسائل الشيعة : 27 / 328 ، كتاب الشهادات ب11 ح4 .
(2) التهذيب : 6 / 310 ح853 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 216 ، كتاب القضاء ، أبواب آداب القاضي ب4 ح3 .
(4) رياض المسائل : 9 / 582 ، جواهر الكلام : 41 / 222 .
(الصفحة527)
مسألة 10 ـ إن كان المشهود به قتلا أو جرحاً موجباً للقصاص واستوفي ثم رجعوا فإن قالوا : تعمّدنا اقتصّ منهم ، وإن قالوا : أخطأنا كان عليهم الدية في أموالهم ، وإن قال بعضهم : تعمّدنا وبعضهم : أخطأنا ، فعلى المقرّ بالتعمّد القصاص وعلى المقرّ بالخطأ الدّية بمقدار نصيبه ، ولوليّ الدم قتل المقرّين بالعمد أجمع وردّ الفاضل عن دية صاحبه ، وله قتل بعضهم ويردّ الباقون قدر جنايتهم1.
تمامية الحكم كالأمثلة المذكورة في المتن ، وامّا بالنسبة إلى الحقوق عدا ما تقدّم كالقتل والجرح فقد قوّى فيه عدم النقض ، وان تردّد فيه المحقّق في الشرائع(1) ، والوجه في عدم النقض تمامية الحكم لفرض كون الرجوع بعده وقبل الاستيفاء ، ولا يكون المورد حدّاً حتى يدرأ بالشبهة .
الأمر الثالث : ما لو كان الرجوع بعد الحكم وقبل الاستيفاء في حقوق الناس ، وقد قوّى فيه عدم النقض وإن كانت العين باقية; لأنّه لا وجه للنقض ، وبقاء العين لا دخل له في جواز النقض ، ولكنّ المحكي عن نهاية الشيخ(2) تردّ على صاحبها ولا غرامة على الشهود ، واستدلّ له برواية جميل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في شاهد الزور قال : إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل(3) .
1 ـ لو كان المشهود به قتلا أو جرحاً موجباً للقصاص ، وقد تحقّق الاستيفاء
(1) شرائع الإسلام : 4 / 927 .
(2) النهاية : 336 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 327 ، كتاب الشهادات ب11 ح2 .
(الصفحة528)
بعد الحكم مستنداً إلى شهادة الشهود ثم رجعوا بأجمعهم ، فإن قالوا : تعمّدنا ففي المتن اقتصّ منهم ، وظاهره القصاص من الجميع ، وأنّه لا مانع من قتل الأربع بقتل نفس واحدة مثلا ، كما لو اشترك اثنان فما زاد في قتل واحد ، فانّه يجوز الاقتصاص من جميع المشتركين إذا أراد الولي . غاية الأمر أنّه يردّ عليهم ما فضل من دية المقتول ، فيأخذ كلّ واحد ما فضل من ديته ، وفي ذيل المسألة التصريح بذلك .
وإن قالوا : أخطأنا فعليهم الدية في أموالهم; لأنّه شبه عمد والدية فيه على الجاني ، وذكر في كشف اللثام : إنّه لا يثبت بإقرارهم إلاّ أن تصدّقهم العاقلة(1)والوجه فيه أنّه إقرار عليهم لا على أنفسهم ، ولا يقبل إقرار العقلاء إلاّ على أنفسهم ، لكنّ الظاهر أنّ ثبوت الدية عليهم لا لأجل ثبوت الخطأ بل لأجل أنّه لا يعرف التعمّد والخطأ غالباً إلاّ من قبلهم .
وإن قال بعضهم : تعمّدنا وبعضهم : أخطأنا ، فعلى المقرّ بالتعمّد القصاص ، وعلى المقرّ بالخطأ نصيبه من الدّية .
وقد عرفت أنّه في صورة الإقرار بالتعمّد لوليّ الدم قتل المقرّين أجمع وردّ الفاضل عن دية صاحبه ، كما في الشركة على ما تقدّم ، ويدلّ عليه بعض النصوص كموثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) في رجلين شهدا على رجل أنّه سرق فقطعت يده ، ثمّ رجع أحدهما ، فقال : شبّه علينا ، غرّما دية اليد من أموالهما خاصة . وقال في أربعة شهدوا على رجل أنّهم رأوه مع امرأة يجامعها وهم ينظرون ، فرجم ثم رجع واحد منهم ، قال : يغرم ربع الدية إذا قال : شبّه عليّ ، وإذا
(1) كشف اللثام: 2 / 387 .
(الصفحة529)
مسألة 11 ـ لو كان المشهود به ما يوجب الحدّ برجم أو قتل ، فإن استوفي ثم قال أحد الشهود بعد الرجم مثلا : كذبت متعمّداً وصدّقه الباقون وقالوا : تعمّدنا ، كان لوليّ الدم قتلهم بعد ردّ ما فضل من دية المرجوم ، وإن شاء قتل واحداً وعلى الباقين تكملة ديته بالحصص بعد وضع نصيب المقتول ، وإن شاء قتل أكثر من واحد وردّ الأولياء ما فضل من دية صاحبهم ، وأكمل الباقون ما يعوز بعد وضع نصيب من قتل ، وإن لم يصدّقه الباقون مضى إقراره على نفسه فحسب ، فللوليّ قتله بعد ردّ فاضل الدية عليه ، وله أخذ الدية منه بحصّته1.
رجع اثنان وقالا: شبّه علينا غرّما نصف الدية ، وإن رجعوا كلّهم وقالوا : شبّه علينا غرموا الدية ، فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جميعاً(1) .
ومن الواضح أنّ المراد بقوله : «قتلوا جميعاً» هو جواز قتل الجميع لا وجوبه .
وذكر في الجواهر : إنّ من قوله (عليه السلام) الثاني يعلم أنّ المراد من قوله الأوّل : «رجع أحدهما فقال . . .» إلى آخره رجوعهما معاً ، وإن كان المتكلّم أحدهما بقرينة قوله «شبّه علينا» ، ولذا حكم بغرامتهما معاً الدية(2) .
وممّا ذكرنا ظهر حكم ما لو أراد قتل بعض المقرّين بالتعمّد .
1 ـ الفرق بين هذه المسألة والمسألة المتقدّمة أمّا من جهة الموضوع فهوأنّ المفروض هناك ما لو كان المشهود به قتلا أو جرحاً موجباً للقصاص ، وهنا ما لو كان المشهود ما يوجب الحدّ برجم أو قتل ، وأمّا من جهة الحكم ففي صورة ما لو قال أحد الشهود بعد الرجم مثلا: كذبت متعمّداً، وصدّقه الباقون بأن قالوا: تعمّدنا
(1) وسائل الشيعة : 27 / 332 ، كتاب الشهادات ب14 ح2 .
(2) جواهر الكلام : 41 / 226 .
(الصفحة530)
مسألة 12 ـ لو ثبت أنّهم شهدوا بالزور نقض الحكم واستُعيد المال إن أمكن وإلاّ يضمن الشهود، ولو كان المشهود به قتلا ثبت عليهم القصاص، وكان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا وأقرّوا بالتعمّد ، ولو باشر الولي القصاص واعترف بالتزوير كان القصاص عليه لا الشهود ، ولو أقرَّ الشهود أيضاً بالتزوير ، ويحتمل
جميعاً ، تشترك المسألتان في أنّه يجوز لوليّ الدم قتلهم بعد ردّ ما فضل من دية المرجوم ، ويجوز له قتل الواحد والأكثر ، وإن لم يصدّقه الباقون لم يمض إقراره إلاّ على نفسه فحسب .
ولكن قال الشيخ في محكي النهاية: يقتل ويردّ عليه الباقون ثلاثة أرباع الدية(1)، وذكر المحقّق في الشرائع : أنّه لا وجه له(2) ، مع دلالة بعض الروايات عليه ، مثل :
صحيحة إبراهيم بن نعيم الأزدي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، فلمّا قتل رجع أحدهم عن شهادته؟ قال : فقال : يقتل الرابع (الراجع خ ل) ويؤدّي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية(3) ، ولكنّه حملها صاحب الجواهر(4) على اعتراف الباقين بالخطأ ، كما أنّه قد حمل رواية مسمع كردين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم ، ثمّ رجع أحدهم ، فقال : شككت في شهادتي ، قال : عليه الدية . قال: قلت : فانّه قال : شهدت عليه متعمّداً ، قال : يقتل(5) على ربع الدية لا تمامها ، وكيف كان فالحقّ مع ما في المتن .
(1) النهاية : 335 .
(2) شرائع الإسلام : 4 / 928 .
(3) وسائل الشيعة : 27 / 329 ، كتاب الشهادات ب12 ح2 .
(4) جواهر الكلام : 41 / 228 .
(5) وسائل الشيعة : 27 / 329 ، كتاب الشهادات ب12 ح3 .
(الصفحة531)
في هذه الصورة كون القصاص عليهم جميعاً ، والأوّل أشبه1.
مسألة 13 ـ لو شهد إثنان على رجل بسرقة فقطعت يده ثم ثبت تزويرهما ، فللولي القصاص منهما بعد ردّ نصف الدية إليهما ومن واحد منهما، ويردّ الآخر ربع الدية إلى صاحبه، ولو رجعا في الفرض، فإن قالا: تعمّد نا فمثل التزوير ، و إن قالا: أوهمنا وكان السارق فلاناً غيره أغرما دية اليد، ولم يقبل شهادتهما على الآخر1·
1 ـ لو ثبت بالعلم من أيّ طريق أنّهم شهدوا بالزور انتقض الحكم ، أي ظهر بطلانه وعدم صحّته لتبيّن اختلال ميزان الحكم ، وحينئذ يستعاد المال المأخوذ باستناد الحكم إن أمكن ، وإلاّ يكون الشهود ضامناً لاستناد الاتلاف إليهم ، ولو كان المشهود به قتلا ثبت عليهم القصاص ، وكان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا وأقرّوا بتعمّد الكذب .
ولو باشر الوليّ القصاص واعترف هو خاصّة بالتزوير كان القصاص عليه لا الشهود ، كما أنّ عليه الدية لو اعترف بالخطأ ، ولو أقرّ الشهود أيضاً فقد احتمل فيه وجهين : أحدهما : كون القصاص على الوليّ فقط لا الشهود ، ثانيهما : كون القصاص في هذه الصورة عليهم جميعاً من الوليّ والشهود لتزويرهم كذلك ، ولكنّه جعل الأوّل أشبه ، والوجه في الأشبهية كونه المباشر للقصاص ، والتزوير وإن كان مشتركاً بينهما إلاّ أنّ المباشرة معه موجبة للقصاص ، ولا يكون السبب هنا أقوى من المباشر لوجود التزوير فيه أيضاً ، وهم معه كالممسك مع القاتل ، حيث إنّ القصاص على القاتل ، ومجرّد تعاون الممسك على القتل لا يوجب صيرورته كالقاتل من هذه الجهة ، كما لا يخفى .
1 ـ هذه المسألة هي التي وردت فيها صحيحة محمد بن قيس المتقدّمة ، عن
(الصفحة532)
مسألة 14 ـ لو شهدا بالطلاق ثم رجعا بعد حكم الحاكم لم ينقض حكمه ، فإن كان الرجوع بعد دخول الزوج لم يضمنا شيئاً ، وإن كان قبله ضمنا نصف مهر المسمّى ، وفي هذا تردّد1.
أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق فقطع يده ، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا: هذا السارق وليس الذي قطعت يده ، انّما شبّهنا ذلك بهذا ، فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدية ، ولم يجز شهادتهما على الآخر(1) .
ومن الواضح أنّ غرامة نصف الدية إنّما هي فيما لو قالا : أوهمنا ، وامّا مع التعمّد الذي هو مثل التزوير المفروض في أصل المسألة فالحكم فيه القصاص منهما أو من أحدهما ، غاية الأمر انّه مع القصاص منهما يجب عليه ردّ نصف الدية إليهما ، ومع القصاص من أحدهما يردّ الآخر ربع الدية إلى صاحبه ، كما لا يخفى .
1 ـ لو شهدا بالطلاق ثمّ رجعا بعد حكم الحاكم وتزويجها بالغير لم ينقض حكمه ; لأنّ الرجوع لا يستلزم اتّصافهما بالفسق حال الطلاق; لأنّه مضافاً إلى احتمال كذبهما في حال الرجوع يمكن أن يكون للرجوع اغراض ومقاصد اُخرى ، ففي المتن أنّه إن كان الرجوع بعد دخول الزوج ـ أي الثاني ـ لم يضمن الشاهدان شيئاً ، فإنّ الدخول موجب لثبوت تمام المهر على الزوج من دون فرق بين العقد الصحيح والعقد الفاسد ، وإن كان قبل الدخول ضمن الشاهدان نصف مهر المسمّى الواجب بالعقد الصحيح ، وقد تردّد فيه الماتن(قدس سره) ، ومنشأ الترديد ـ مع أنّ البضع لا يضمن بالتفويت ولذا لا يضمن بقتل الغير إيّاها أو قتلها نفسها ، ولا يترتّب عليه
(1) تقدّمت في ص524.
(الصفحة533)
إلاّ ما يترتّب على غيره من دون ضمان البضع ـ وجود بعض الروايات ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنّه طلّقها فاعتدّت المرأة وتزوّجت ، ثمّ إنّ الزوج الغائب قدم فزعم أنّه لم يطلّقها ، وأكذب نفسه أحد الشاهدين ، فقال : لا سبيل للأخير عليها ، ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع ، فيردّ على الأخير ويفرّق بينهما ، وتعتدّ من الأخير ، ولا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها(1) .
وموثّقة إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في شاهدين شهدا على امرأة بأنّ زوجها طلّقها فتزوّجت ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق ، قال : يضربان الحدّ ويضمّنان الصداق للزوج ، ثم تعتدّ ثم ترجع إلى زوجها الأوّل(2) ، ورواه في الوسائل في الباب الواحد مرّتين مع وضوح الوحدة وعدم التعدّد ، وفي الجواهر بعد ذكر الخبرين : إلاّ أنّ الأخير منهما كماترى خال عن رجوع الشاهدين أو أحدهما ، وحينئذ يشكل ضربهما الحدّ ، كما أنّه يشكل نقض الحكم بمجرّد انكار الزوج ، فهو حينئذ شاذّ غير موافق لما سمعته من الشيخ ولا من غيره ، وحمله على ما ذكره الشيخ ليس بأولى من حمله على تزويجها بشهادتهما من دون حكم الحاكم ، ثمّ لمّا جاء الزوج رجعا عن الشهادة واعترفا بأنّهما شهدا زوراً ـ إلى أن قال ـ : وامّا الأوّل فهو مع خلوّه عن الحدّ الذي ذكره الشيخ والرجوع عن الشهادة أعمّ من إيجاب الحدّ ، إذ لعلّه خطأ(3) .
وما حكاه عن الشيخ في النهاية في أوّل البحث هو أنّه إن شهد رجلان على
(1) وسائل الشيعة : 27 / 331 ، كتاب الشهادات ب13 ح3 .
(2) وسائل الشيعة : 27 / 330 ، كتاب الشهادات ب13 ح1 و 2 .
(3) جواهر الكلام : 41 / 232 ـ 233 .
(الصفحة534)
مسألة 15 ـ يجب أن يشهر شهود الزور في بلدهم أو حيّهم لتجتنب شهادتهم ويرتدع غيرهم ، ويعزّرهم الحاكم بما يراه ، ولا تقبل شهادتهم إلاّ أن يتوبوا ويصلحوا وتظهر العدالة منهم ، ولا يجري الحكم فيمن ثبت غلطه أو ردّت شهادته لمعارضة بيّنة اُخرى أو ظهور فسق بغير الزّور1.
رجل بطلاق امرأته فاعتدّت وتزوّجت ودخل بها ثم رجعا وجب عليهما الحدّ وضمن المهر للزوج الثاني ، وترجع المرأة إلى الأوّل بعد الاستبراء بعدّة من الثاني(1) .
أقول : لا يكون في الخبرين فرض الدخول وعدمه ، وقد ثبت في كتاب النكاح أنّ الدخول موجب لثبوت المهر المسمّى وإن كان مرّة واحدة ، وقد قلنا : أنّه في هذه الصورة يضمن الزوج الثاني ، وفي فرض عدم الدخول أصلا يكون ظاهر الآية الشريفة(2) ثبوت النصف في صورة الطلاق ، وهذه لا تحتاج إلى طلاق أصلا ، فثبوت ضمان نصف المهر على الشاهدين مع عدم الدخول محلّ ترديد كما في المتن .
1 ـ قال في الجواهر : يجب تعزير شاهد الزور بلا خلاف أجده فيه بما يراه الحاكم من الجلد والنداء في قبيلته ومحلّته بأنّه كذلك ، ليرتدع غيره بل هو فيما يأتي(3) . وفي موثّقة سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : شهود الزور يجلدون حدّاً وليس له وقت ، ذلك إلى الإمام، ويطاف بهم حتى يعرفوا ولا يعودوا. قال: قلت : فإن تابوا
(1) النهاية : 336 ، وتبعه القاضي في المهذّب : 2 / 563 .
(2) البقرة 2 : 237 .
(3) جواهر الكلام : 41 / 252 .
(الصفحة535)
وأصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟ قال : إذا تابوا تاب الله عليهم وقبلت شهادتهم بعد(1) .
وفي رواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ شهود الزور يجلدون جلداً(2) ليس له وقت ، ذلك إلى الإمام ، ويطاف بهم حتى تعرفهم الناس ، وتلا قوله تعالى : {وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولِئكَ هُمُ الفَاسِقُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا}(3) ، قلت : بِمَ تعرف توبته؟ قال : يكذّب نفسه على رؤوس الأشهاد حيث يضرب ويستغفر ربّه عزّوجلّ ، فإذا هو فعل ذلك فثمَّ ظهرت توبته(4) .
وموثقة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه(عليهما السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) كان إذا أخذ شاهد الزّور ، فإن كان غريباً بعث به إلى حيّه ، وان كان سوقيّاً بعث به إلى سوقه فطيف به ، ثم يحبسه أيّاماً ثم يخلّي سبيله(5) .
ومن ملاحظة هذه الروايات ظهر أنّ المورد ما إذا كذّب الشاهد نفسه بأن اعترف بالشهادة متعمّداً للكذب ، فلا يشمل من ثبت غلطه أو ردّت شهادته; لمعارضة بيّنة اُخرى أرجح ، بل ولو ظهر الفسق من غير هذه الناحية أي شهادة الزور كشرب الخمر ونحوه ، كما أنّه ظهر أنّ المراد من قوله تعالى : {تَابُوا مِنْ بعْدِ ذلكَ وَأَصْلحوا} ليس أمرين : التوبة ، والاصلاح زائداً عليها ، بل الإصلاح عبارة اُخرى عن التوبة ، كما بيّناه في بعض المباحث السابقة ، خلافاً لمثل الشيخ
(1) وسائل الشيعة : 27 / 333 ، كتاب الشهادات ب15 ح1 .
(2) في الفقيه : 3 / 36 ح121 «حدّاً» بدل جلداً .
(3) النور 24 : 4 ـ 5 .
(4) وسائل الشيعة : 27 / 334 ، كتاب الشهادات ب15 ح2 .
(5) وسائل الشيعة : 27 / 334 ، كتاب الشهادات ب15 ح3 .
(الصفحة536)
والمحقّق(قدس سرهما) حيث رأيا كون الاصلاح أمراً زائداً على التوبة فراجع(1) .
وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق بيد العبد المفتاق إلى رحمة ربّه الغني محمد الفاضل اللنكراني ابن الفقيه الفقيد آية الله الحاج الشيخ فاضل اللنكراني قدّس سرّه الشريف في اليوم الثاني من شهر صفر الخير من شهور سنة 1420 الهجرية القمرية ، ومن الله أستمدّ لإتمام شرح كتاب «تحرير الوسيلة» للإمام الراحل الخميني (قدس سره) المسمّى بـ «تفصيل الشريعة» ، وإن كانت الآلام والأسقام الروحية والجسمية ربما تمنعان عن ذلك ، لكن نعماؤه التي لا تعدّ وآلاؤه التي لا تحصى فائقة على كلّ شيء ، فالحمد لله أوّلا وآخراً وظاهراً وباطناً .
(1) راجع المسألة الثانية من مسائل صفات الشهود .
|