في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


تفصيل الشريعة

في

شرح تحرير الوسيلة



الحدود


تأليف : الفقيه الأصولي
آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني(دام ظلّه)



تحقيق و نشر : مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)




(الصفحة5)


كتاب الحدود وفيه فصول:

[الفصل] الأوّل


في


حــدّ الـزنـا


والنظر فيه في الموجب ، وما يثبت به ، والحدّ ، واللواحق1.


1 ـ قد ترك ذكر التعزيرات في عنوان الكتاب ، كما في القواعد (1) والتحرير(2)واللمعة(3) . ولكن العنوان المذكور في الشرائع هو: «كتاب الحدود والتعزيرات»(4)والجميع مشترك في التعرّض لموجبات التعزير ومسائله بعد مسائل الحدود .
وعليه فيمكن الاستشكال على الطائفة الاُولى بأنّه بعد تخصيص عنوان الكتاب بالحدود لا مجال للتعرّض لمسائل التعزير ، مع أنّ الحد مقابل للتعزير .
ولكنّه يدفعه أنّ الحدّ تارة يذكر في مقابل التعزير ، واُخرى في مقابل عناوين سائر الكتب; كالبيع والإجارة والإرث ونحوها ، ففي الصورة الاُولى لابدّ بمقتضى


(1) قواعد الأحكام : 2/249 .
(2) تحرير الأحكام: 2/219 .
(3) اللمعة الدمشقية: 164 .
(4) شرائع الإسلام: 4/932، وكذا في المختصر النافع: 292.

(الصفحة6)



المقابلة من ثبوت المغايرة ، وفي الصورة الثانية يشمل التعزير أيضاً ، وهذا كما في عنواني الفقير والمسكين ، إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، ومن المعلوم أنّ جعل العنوان كتاب الحدود ، إنّما هو في مقابل عناوين سائر الكتب ، لا في مقابل التعزير .
وتوجد الصورتان في الروايات ، ففي بعضها جعل الحدّ مقابلا للتعزير كما سيأتي نقله ، وفي بعضها اقتصر على ذكر الحدّ; مع كون المراد هو الأعمّ ، ففي رواية حنّان بن سدير ، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): حدٌّ يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين ليلة وأيامها(1) .
وفي رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إقامة حدّ خير من مطر أربعين صباحاً(2) . ومن الظاهر أنّ المراد بالحدّ في مثل الروايتين هو الأعمّ من التعزير .
هذا مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ التعرّض لمسائل التعزير وقع من باب المناسبة ، من دون أن تكون من المسائل الأصليّة للكتاب .
ثمّ إنّ الحدود جمع حدّ وهو لغة كما في المسالك وغيرها بمعنى المنع(3) ، كما أنّ التعزير بمعنى التأديب ، ولكنّه ربّما يقال بأنّ شأن اللغوي بيان موارد الاستعمال ، واستعمل الحدّ في الحاجز بين شيئين ، ومنتهى الشيء ، والدفع والمنع ، وتأديب المذنب بما يمنعه وغيره عن الذنب ، وتمييز الشيء عن الشيء ، وغير ما ذكر .
ولكنّ الظاهر عدم كونها معان مختلفة ، لإشتراك الجميع في جهة المنع كما


(1) وسائل الشيعة: 18 / 308 ، أبواب مقدّمات الحدود ب1 ح2 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 308 ، أبواب مقدّمات الحدود ب1 ح4 .
(3) مسالك الأفهام: 14/325 ، المهذّب البارع: 5/5 .

(الصفحة7)



لا يخفى، كما أنّ منه الحديد ، لامتناعه وصلابته . ويقال للبوَّاب: حدّاد، لمنعه الناس. كما أنّ منه الحدّ الشرعي ، لكونه كما في المسالك وغيرها ذريعة إلى منع الناس عن فعل معصية خشية من وقوعه ، أو لعدم جواز التعدّي عنه ، وممنوعيّة الزيادة والنقيصة كما ربما يحتمل ، ويؤيّده إطلاق الحدّ في مثل الوجه في باب الوضوء ، وفي مثل الكرّ ، فتدبّر .
ثمّ إنّه فسّر الحدّ شرعاً بأنّه عقوبة خاصّة تتعلّق بإيلام البدن بواسطة تلبّس المكلّف بمعصية خاصّة عيّن الشارع كميَّتها في جميع أفراده ، والتعزير كذلك بأنّه عقوبة أو إهانة لا تقدير لها بأصل الشرع(1) ، أو مع إضافة قيد الغلبة .
وقد ذكر المحقق في الشرائع في مقام بيان الضابطة للحدّ والتعزير : أنّ كلّ ماله عقوبة مقدّرة يسمّى حدّاً ، وما ليس كذلك يسمّى تعزيراً(2) .
والمسامحة فيه واضحة ، لأنّ المراد من «ما» الموصول هو مثل شرب الخمر والزنا والامور الموجبة للتعزير ، مع أنّ الحدّ والتعزير عبارة عن العقوبة المترتّبة عليه ، كما لا يخفى .
وأورد على هذه الضابطة ، الشهيد الثاني(قدس سره) في المسالك بقوله: تقدير الحدّ شرعاً واقع في جميع أفراده ، كما أشرنا إليه سابقاً . وأمّا التعزير فالأصل فيه عدم التقدير ، والأغلب من أفراده كذلك ، ولكن قد وردت الروايات بتقدير بعض أفراده ، وذلك في خمسة مواضع: الأوّل: تعزير المجامع زوجته في نهار رمضان ، مقدّر بخمسة وعشرين سوطاً . الثاني: من تزوّج أمة على حرّة ودخل بها قبل الإذن ، ضرب


(1) مسالك الأفهام: 14/325 .
(2) شرائع الإسلام: 4/932 ، وكذا في المهذّب البارع: 5/5 .

(الصفحة8)



إثنا عشر سوطاً ونصفاً ، ثمن حدّ الزاني . الثالث: المجتمعان تحت إزار واحد مجرّدين ، مقدّر بثلاثين إلى تسعة وتسعين على قول . الرابع: من افتضّ بكراً بإصبعه ، قال الشيخ: يجلد من ثلاثين إلى سبعة وسبعين(1) ، وقال المفيد: من ثلاثين إلى ثمانين(2) ، وقال ابن إدريس: من ثلاثين إلى تسعة وتسعين(3) . الخامس: الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد وإزار مجردين ، يعزّران من عشرة إلى تسعة وتسعين ، قاله المفيد(4) . وأطلق الشيخ التعزير(5) ، وقال في الخلاف: روى أصحابنا فيه الحد(6) . ولقائل أن يقول: ليس من هذه مقدّر سوى الأوّلين ، والباقي يرجع فيما بين الطرفين إلى رأي الحاكم ، كما يرجع إليه في تقدير غيره ، وإن تحدّد في طرفيه بما ذكر(7) .
أقول: لابدّ لصاحب المسالك لإثبات الانتقاض في المواضع الخمسة على ما هو مقتضى الروايات من إثبات دلالتها على أمرين: أحدهما ثبوت التقدير الشرعي ، والآخر إطلاق التعزير عليه في مقابل الحدّ ، لأنّ التعزير قد يطلق ويراد به الأعم من التعزير ، كما عرفت مثله في إطلاق الحدّ ، وعليه فلابدّ لنا من ملاحظة الروايات الواردة في هذه المواضع ليظهر حال الانتقاض .
فنقول: أمّا الموضع الأوّل: فالرواية الواردة فيه هي رواية المفضّل بن عمر ، عن


(1) النهاية: 699 .
(2) المقنعة: 785 .
(3) السرائر: 3/466 .
(4) المقنعة: 774 .
(5) النهاية: 689 و 690 و 707 .
(6) الخلاف: 5/373 مسألة 9 .
(7) مسالك الأفهام: 14/326 ـ 327 .

(الصفحة9)



أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أتى امرأته وهي صائمة وهو صائم ، قال: إن استكرهها فعليه كفّارتان ، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة ، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ ، وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً، وضربت خمسة وعشرين سوطاً(1) .
ومن الواضح أنّ هذه الرواية وإن كانت تدلّ على التقدير الشرعي ، ولكنّها خالية عن إطلاق التعزير عليه ، وليس قوله (عليه السلام): «نصف الحدّ» مشعراً بكونه تعزيراً ، لأنّ المراد من الحدّ فيه هو الحدّ الخاص لا مطلق الحدّ ، كما لا يخفى .
وأمّا الموضع الثاني: فالرواية الواردة فيه هي مرسلة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تزوّج ذمِّية على مسلمة ولم يستأمرها ، قال: يفرّق بينهما، قال: قلت: فعليه أدب؟ قال: نعم اثنا عشر سوطاً ونصف ، ثمن حدّ الزاني وهو صاغر ، قلت: فإن رضيت المرأة الحرّة المسلمة بفعله بعدما كان فعل؟ قال: لا يضرب ولا يفرّق بينهما ، يبقيان على النكاح الأوّل(2) . ورواه الشيخ ، إلاّ أنّه ذكر موضع الذمِّية الأمة ، والرواية وإن كانت تدلّ على كون المقدّر المذكور أدباً ، إلاّ أنّه لا دلالة لها على كونه تعزيراً في مقابل الحدّ .
وأمّا الموضع الثالث: فبعد كون المراد منه هو المجتمعان من جنس واحد بقرينة الموضع الخامس نقول: قد وردت فيه روايتان:
إحداهما: رواية ابن سنان ـ يعني عبدالله ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجلين يوجدان في لحاف واحد ، قال: «يجلدان غير سوط واحد»(3) .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 585 ، أبواب بقية الحدود ب12 ح1 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 415 ، أبواب حدّ الزنا ب49 ح1 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 367 ، أبواب حدّ الزنا ب10 ح18 .

(الصفحة10)



ثانيتهما: رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبدالله (عليه السلام) فقال: جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد ، فقال ذوا محرم؟ فقال: لا . قال: من ضرورة؟ قال: لا ، قال: «يضربان ثلاثين سوطاً ثلاثين سوطاً» إلى أن قال: قلت: فامرأة نامت مع امرأة في لحاف؟ فقال: ذواتا محرم؟ قلت: لا ، قال: من ضرورة؟ قلت: لا ، قال: «تضربان ثلاثين سوطاً ثلاثين سوطاً»(1) الحديث ، ومن الواضح عدم دلالة شيء منهما على كون المقدّر المذكور فيهما تعزيراً لو لم نقل بإشعار الاُولى بكونه حدّاً ، كما لا يخفى .
وأمّا الموضع الرابع: فالرواية الواردة فيه هي رواية ابن سنان ـ يعني عبدالله ـ وغيره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة افتضّت جارية بيدها ، قال: «عليها المهر وتضرب الحدّ»(2) .
ومرسلة الصدوق قال: وفي خبر آخر تضرب ثمانين(3) .
ورواية ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام): إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى بذلك وقال: «تجلد ثمانين»(4) .
ورواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة افتضّت جارية بيدها ، قال: قال: «عليها مهرها وتجلد ثمانين»(5) .
وأنت خبير بعدم دلالة شيء منها على كون المقدّر المذكور تعزيراً ، بل الرواية


(1) وسائل الشيعة: 18 / 367 ، أبواب حدّ الزنا ب10 ح21 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 409 ، أبواب حدّ الزنا ب39 ح1 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 409 ، أبواب حدّ الزنا ب39 ح2 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 409 ، أبواب حدّ الزنا ب39 ح3 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 410 ، أبواب حدّ الزنا ب39 ح4 .

(الصفحة11)



الاُولى تدلّ على ثبوت الحدّ .
وأمّا الموضع الخامس: فالرواية الواردة فيه هي رواية زيد الشحّام ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل والمرأة يوجدان في اللّحاف، قال: يجلدان مائة مائة غير سوط(1) . وهذه الرواية أيضاً لا دلالة لها على كون المقدّر تعزيراً في مقابل الحدّ ، نعم هنا روايات اُخر سيأتي البحث عنها في ما يأتي .
وقد انقدح أنّ هذه الروايات لا تنهض لإثبات الانتقاض على الضابطة المذكورة في الشرائع ، نعم يمكن لصاحب المسالك الاستشهاد بخبر حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: كم التعزير؟ فقال: دون الحدّ ، قال: قلت: دون ثمانين؟ قال: لا ولكن دون أربعين ، فإنّها حدّ المملوك ، قلت: وكم ذاك؟ قال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوّة بدنه(2) .
ولكنّه يرد على الاستشهاد به ـ مضافاً إلى عدم انطباقه على جميع المواضع الخمسة لوجود أكثر من أربعين فيها ـ أنّه معارض بروايتين آخرتين :
إحداهما: مرسلة الصدوق قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): لا يحلّ لوال يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلاّ في حد ، وأذن في أدب المملوك من ثلاثة إلى خمسة(3) . وقد أشرنا مراراً إلى اعتبار هذا النحو من الإرسال ، ودلالتها على عدم ثبوت التعزير بأكثر من عشرة أسواط واضحة . وعليه فتدلّ الرواية على نفي جميع تلك المواضع ; لإشتراكها في كونها أكثر من عشرة ، كما لا يخفى .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 364 ، أبواب حدّ الزنا ب10 ح3 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 584 ، أبواب بقية الحدود ب10 ح3 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 584 ، أبواب بقية الحدود ب10 ح2 .

(الصفحة12)



ثانيتهما: موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن التعزير كم هو؟ قال: بضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلى العشرين»(1) . وهي تدلّ على نفي أكثر تلك المواضع .
ولعلّ معارضة هذه الروايات في كمّية التعزير ومقداره وسقوطها عن الحجيّة فيه تقتضي الرجوع إلى الكلّية المذكورة في ذيل رواية حمّاد الراجعة إلى عدم كون التعزير له مقدّر شرعي وأنّه بحسب ما يراه الحاكم ، فيرجع إلى الضابطة المذكورة في الشرائع ، وسيأتي البحث في ذلك في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى فانتظر .
ثمّ إنّه جعل الحدّ عنواناً لأحكام كثيرة في النصوص ، مثل درء الحدّ بالشبهة ، وأنّه لا شفاعة في الحدّ ، وكذا لا يمين ولا كفالة فيه(2) ، وأنّه للإمام العفو عن الحدّ الثابت بالإقرار دون البيّنة ، وغير ذلك من الأحكام ، ولم يعلم أنّ الحدّ الموضوع لها هل هو الحدّ في مقابل التعزير أو الأعمّ منه؟ واستظهر من الأصحاب الأوّل ، ولا يخلو عن قوّة ، خصوصاً بعد ملاحظة المقابلة الصريحة بين الحدّ والتعزير في مثل رواية حمّاد المتقدّمة ، وبعد كون تلك الأحكام المترتّبة على عنوان الحدّ مخالفة للاصول والعمومات ، فتدبّر .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 583 ، أبواب بقية الحدود ب10 ح1 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 336 ، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح4 .

(الصفحة13)







القول في الموجب


مسألة 1 : يتحقّق الزنا الموجب للحدّ بإدخال الإنسان ذكره الأصلي في فرج امرأة محرّمة عليه أصالة من غير عقد نكاح دائماً أو منقطعاً ، ولا ملك من الفاعل للقابلة ، ولا تحليل ، ولا شبهة ، مع شرائط يأتي بيانها1.


1 ـ الزنا يقصَّر ، فيكتب بالياء ، كما في الآية الشريفة: {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى}(1) ويمدّ فيكتب بالألف ، ولا مجال للبحث والمناقشة في تحريمه بعد كونه مجمعاً على تحريمه في كلّ ملّة ، وهو ضروريّ الفقه لو لم يكن ضروري الدّين ، وتشريع النكاح في كلّ ملّة إنّما هو للفرار عن الزنا ، وإلاّ لا مجال لتشريعه كما لا يخفى .
ثمّ إنّ الماتن ـ دام ظلّه العالي ـ تصدّى في هذه المسألة لتعريف الزنا الموجب للحدّ ، ومن الظاهر أنّ مطلق الزنا لا يوجب الحدّ مع كونه زناً حقيقة ، فإنّ الإكراه على الزنا مثلا لا يوجب ارتفاع عنوان الزنا وحقيقته ، بل لا يكون موجباً للحدّ كما لا


(1) الاسراء 17: 32 .

(الصفحة14)



يكون محرّماً لحديث الرفع ، ولابدّ حينئذ من ملاحظة القيود المأخوذة في الزنا الموجب فنقول:
قد عبّر في المتن بالإدخال ، وفي مثل الشرائع بالإيلاج(1) ، والظاهر أنّ الثاني أخصّ ، لأنّه يصدق: دخل زيد في الدار ، ولا يصدق: ولج فيها ، والوجه فيه أنّه يعتبر في الثاني نوع من الإحاطة ، بخلاف الأوّل ، ولكنّه لا فرق بينهما في المقام .
وقد اُضيف الإدخال إلى الإنسان ، مع أنّ الظاهر أنّ المراد خصوص المكلّف ، كما قد صرّح به في المسائل الآتية ، والتعميم هنا مع كونه في مقام التحديد إنّما هو للاعتماد على قوله: محرمة ، ضرورة عدم ثبوت التحريم الفعلي في غير المكلّف ، مع أنّه اشير إليه بما في ذيل المسألة من قوله: مع شرائط يأتي بيانها كما لا يخفى .
ثمّ إنّ إدخال الإنسان ذكره يخرج ما لو أدخل غيره من الاصبع ونحوه ، كما أنّه يخرج إيلاج ذكر الخنثى المشكل ; لعدم كونه طبيعة ثالثة ، فلا يعلم كون ذكره ذكراً ، والتقييد بالأصلي يكون توضيحاً لهذه الجهة ، ولا يكون احترازياً ، ولذا اقتصر في مثل الشرائع على ذكر الذكر(2) ، مع كون المراد إخراجه ، وإدخال الإنسان ذكره أعمّ من أن يكون بالمباشرة ، فيشمل صورة تمكين الإنسان من الإيلاج ، وإدخال المرأة ذكر الغير فيها ، فما في الجواهر من عدم صدق التعريف المزبور عليه(3) محلّ نظر بل منع ، والشاهد هو تفاهم العرف ، فتدبّر .
ثمّ إنّ المراد من إدخال الإنسان ذكره هو خصوص الحشفة ، أو مقدارها ، كما سيصرّح به في بعض المسائل الآتية ، وقد وقع التصريح بالحشفة في بعض المتون(4)


(1 ، 2) شرائع الإسلام: 4/932 .
(3) جواهر الكلام: 41/259 .
(4) كالشرائع: 4/932 والمهذّب البارع: 5/8.

(الصفحة15)



في مقام التحديد .
كما أنّ المراد هو الأعمّ ممّا إذا أدخله مجرّداً ومن دون حجاب ، أو أدخله مع حجاب رقيق مانع عن وقوع النطفة في الرحم ، خوفاً من حصول الحمل بسببه ، أو مانع عن تعدّي بعض الأمراض المسرية المتحقّقة في الفرج ، كما هو المتداول في هذه الأزمنة بين الفسقة والفجرة ، والدليل عليه هو صدق عنوان الإدخال عند العرف ، وعدم اختصاصه بخصوص الأوّل كما لا يخفى .
وأمّا قوله: ـ في فرج امرأة ـ فإضافة الفرج إلى المرأة الظاهرة في كون وصف الانوثة ثابتاً ومتحقّقاً لها تخرج الخنثى المشكل ، ولأجله لا حاجة إلى تقييد الفرج بالأصلي كما في الذكر .
والظاهر أنّ المراد بالفرج أعمّ من القبل والدبر ، كما صرّح به في المسألة الثالثة الآتية، وقد ذكر في محكيّ الوسيلة: في الوطء في دبر المرأة قولان: أحدهما: أن يكون زناً ، وهو الأثبت . والثاني: أن يكون لواطاً(1) . ولعلّ نظره في القول الثاني إلى المقنعة والنهاية ، حيث قال في محكيّ الأوّل: «الزنا الموجب للحدّ وطء من حرّم الله تعالى وطأه من النساء بغير عقد مشروع إذا كان الوطء في الفرج خاصّة ، دون ما سواه»(2) ومحكيّ الثاني: «الزنا الموجب للحدّ ، وهو وطء من حرّمه الله من غير عقد ولا شبهة عقد ، ويكون في الفرج خاصّة»(3) . ولكنّ الظاهر أنّ المراد بالخاصّة في الكتابين إخراج مثل ما بين الرجلين والأذن والفم وأشباهها ، لا إخراج الدبر .
وكيف كان فالدليل على التعميم الذي عليه المشهور شهرة عظيمة صدق


(1) الوسيلة: 409 .
(2) المقنعة: 774 .
(3) النهاية: 688 .

(الصفحة16)



العناوين الموجودة في الروايات الواردة في الحدّ ، كالإدخال ، والإتيان ، والزنا ، والفجور ، والمواقعة ، والمجامعة ، ونحوها على الوطء في الدبر ، خصوصاً مع اعتبار غيبوبة الحشفة فيه .
ولكنّه ربّما يقال: بأنّه لا يبعد الإنصراف إلى القبل ، والشاهد أنّه مع رمي البكر بالزنا تلاحظ البكر ، فمع بقاء البكارة تشهدان ببرائتها . هذا مضافاً إلى الإشكال في تعيين الموضوع بخبر الواحد ، ومع الإشكال يلزم الاحتياط من جهة ما دلّ على درء الحدود بالشبهات ، لعدم الدليل على الاختصاص بالشبهة الموضوعية .
ويمكن الإيراد عليه ، بأنّ المفروض في مسألة رمي البكر بالزنا هو كونها مرميّة بالزنا من حيث القبل ، وإلاّ لا يكون للبكر خصوصيّة ; لعدم الفرق في الزنا من حيث الدبر بين البكر وغيرها ، فتدبّر .
وأمّا الإشكال في تعيين الموضوع بخبر الواحد ، فالظاهر عدم ارتباطه بالمقام ; لأنّ البحث ليس في تعيين الموضوع ، بل في شمول العناوين الموضوعة للحكم في الروايات الواردة في الحدّ للوطء في الدبر وعدمه ، وأمّا الرجوع إلى مثل: «ادرأوا الحدود بالشبهات»(1) الذي هو حديث نبويّ مشهور ، فإنّما هو فيما إذا كان أحد الاحتمالين عدم ثبوت الحد ، لا في مثل المقام الذي يكون الاحتمال الآخر هو اللواط ، كما في عبارة الوسيلة ، وظاهره ترتّب أحكام اللواط عليه مطلقاً ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ قوله: «محرّمة عليه» ظاهر في ثبوت التحريم الفعليّ على المولج ، وبه يحترز عن موارد عدم ثبوت التحريم ، كالصغير ، والمجنون ، والمكره ، وموارد كونها محلّلة


(1) وسائل الشيعة: 18 / 336 ، أبواب مقدّمات الحدود ب24 ح4 .

(الصفحة17)



بسبب العقد والملكية ونحوهما .
وأمّا التقييد بالأصالة ، فهو في مقابل الحرمة العرضيّة الثابتة في موارد الحيض ، والصوم ، والاعتكاف التي سيصرّح بها في المسألة الثانية الآتية ، والدليل على خروجها ـ مضافاً إلى وضوح عدم كونها من موارد الزنا عرفاً ، فإنّه لا يصدق على من دخل بزوجته في حال الحيض إنّه زنى بها ، فلا مجال لثبوت الحدّ ـ أنّ ظاهر الروايات الواردة فيها ثبوت الكفارة في مواردها ، وظاهره عدم ترتّب الحدّ مضافاً إلى الكفّارة .
نعم ، في خصوص من جامع زوجته في نهار رمضان مع كونهما صائمين ، قد وردت رواية مفضّل بن عمر المتقدّمة(1) الدّالة على ثبوت الكفّارة ، وخمسين أو خمسة وعشرين سوطاً معاً ، لكنّها في خصوص ذاك المورد .
ثمّ إنّ قوله: «من غير عقد نكاح  . . . » يكون توضيحاً لمورد ثبوت الحرمة ، ولا يكون قيداً احترازيّاً ، ضرورة أنّ مقابلاتها موارد ثبوت الحلّية بالأصالة ، لثبوت النكاح الدائم أو المنقطع ، وملك للعين أو المنفعة من الفاعل للقابلة ، دون العكس ; لعدم اقتضائه جواز الوطء ، بل النظر ـ كما ذكروا في محله ـ تحليل موجب لإباحة الوطء ، وشبهة عقد ، أو ملك ، أو تحليل ، موضوعاً أو حكماً ، فكلّها يرجع إلى ثبوت الحلّية ، ولا يفيد أمراً زائداً ، وعليه يمكن الاستشكال على المتن بعدم معهوديّة القيد التوضيحي في مقام بيان الضابطة وإعطاء القاعدة .
نعم ، لو لم يؤت قيد الأصالة يمكن إخراج موارد ثبوت التحريم العرضي بقوله: «من غير عقد نكاح . . . » كما لا يخفى .


(1) في ص8 ـ 9 .

(الصفحة18)

مسألة 2 : لا يتحقّق الزنا بدخول الخنثى ذكره الغير الأصلي ، ولا بالدخول المحرّم غير الأصلي ، كالدخول حال الحيض ، والصوم ، والإعتكاف ، ولا مع الشبهة ـ موضوعاً أو حكماً ـ1 .

مسألة 3 : يتحقّق الدخول بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبراً ، وفي عادم الحشفة يكفي صدق الدخول عرفاً ولو لم يكن بمقدار الحشفة ، والأحوط في إجراء الحدّ حصوله بمقدارها ، بل يدرأ بما دونها2.


ثمّ إنّهم ذكروا في ضابط عنوان الشبهة أنّه ما أوجب ظنّ الإباحة . وأورد عليهم بأنّه لا دليل على حجيّة الظن ، وسيأتي التعرّض لدفع الإيراد فانتظر هذا .
وآخر ما يرد على هذا التعريف ، أنّ الزنا الموجب للحدّ أعمّ من زنا الرجل ومن زنا المرأة ، مع أنّ التعريف المذكور في المتن لا يشمل زنا المرأة ، إلاّ أن تستفاد الخصوصيّات المأخودة فيه من تعريف زنا الرجل ، كما ليس ببعيد .

1 ـ قد تقدّم البحث في هذه المسالة في ذيل المسألة الاُولى بمناسبة القيود المأخوذة في الزنا الموجب للحدّ فراجع .

2 ـ أمّا تحقّق الدخول في واجد الحشفة بغيبوبتها فقط ، فلا خلاف فيه ظاهراً ، وتدلّ على ذلك روايات متعدّدة:
منها: صحيحة أبي بصير قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): إذا التقى الختانان فقد وجب الجلد(1) ومن الظاهر أنّه لا فرق بين الجلد والرجم من هذه الجهة .
ومنها: صحيحة عبيدالله بن عليّ الحلبي ، قال: سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الرّجل


(1) وسائل الشيعة: 18 / 367 ، أبواب حدّ الزنا ب10 ح17 .

(الصفحة19)



يصيب المرأة فلا ينزل أعليه غسل؟ قال: كان عليّ (عليه السلام) يقول: إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل ، قال: وكان عليّ (عليه السلام) يقول: كيف لا يوجب الغسل والحدّ يجب فيه؟ وقال: يجب عليه المهر والغسل(1) .
ومنها: صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جمع عمر بن الخطّاب أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) ـ إلى أن قال: ـ وقال المهاجرون: إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر لعليّ (عليه السلام): ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال عليّ (عليه السلام): أتوجبون عليه الحدّ والرجم ، ولا توجبون عليه صاعاً من الماء؟ الحديث(2) .
ومنها: غير ذلك من الروايات الظاهرة في أنّ الدخول الموجب للحدّ وغيره هو مجرّد غيبوبة الحشفة المتحقّقة بمسّ الختانين والتقائهما . نعم ظاهر الروايات ورودها في الوطء في القبل ، مع أنّك عرفت عدم اختصاص الزنا به ، وعليه فلابدّ من تعميم الحكم في الدبر من استفادة الضابطة من هذه الروايات الشاملة له ، مضافاً إلى عدم الفصل بينهما من هذه الجهة .
وأمّا تعميم أصل الحكم في الزنا الموجب للحدّ للقبل والدبر ، فقد عرفت البحث فيه في ذيل المسألة الاُولى .
وأمّا الدخول كذلك في عادم الحشفة ففيه احتمالات ثلاثة:
أحدها: اعتباردخوله أجمع، وفي محكي كشف اللثام أنّه أحدالوجهين(3) ، والوجه فيه ظهور مثل كلمة الإدخال الواردة في روايات الحدّ في إدخال الجميع ، غاية الأمر قيام الدليل ، وهي الروايات المتقدّمة في الاكتفاء بغيبوبة الحشفة في واجدها،


(1) وسائل الشيعة: 1 / 469 ، كتاب الطهارة أبواب الجنابة ب6 ح4 .
(2) وسائل الشيعة: 1 / 470 ، كتاب الطهارة أبواب الجنابة ب6 ح5 .
(3) كشف اللثام: 2/393 .

(الصفحة20)

مسألة 4 : يشترط في ثبوت الحدّ على كلّ من الزّاني والزّانية البلوغ ، فلا حدّ على الصغير والصغيرة ، والعقل ، فلا حدّ على المجنونة بلا شبهة ، ولا على المجنون على الأصحّ ، والعلم بالتحريم حال وقوع الفعل منه اجتهاداً أو تقليداً ، فلا حدّ على الجاهل بالتحريم ، ولو نسي الحكم يدرأ عنه الحدّ ، وكذا لو غفل عنه حال العمل . والإختيار ، فلا حدّ على المكره والمكرهة ، ولا شبهة


وأمّا العادم فلم يرد فيه دليل على خلاف ما هو المعنى العرفي للادخال ونحوه .
ثانيها: الاكتفاء بصدق الدخول عرفاً ولو لم يكن بمقدار الحشفة ، نظراً إلى أنّ المتفاهم العرفي هو دخول المسمّى ، كما في نظائره ، مثل إدخال الإصبع في الاذن المتحقّق بمسمّى الإدخال . واعتبار مقدار الحشفة بالنظر إلى واجدها بمقتضى الدليل الوارد فيه لا يقتضي اعتبار مقدارها في عادمها ، كما لا يخفى .
وظاهر المتن الميل إلى هذا الوجه وإن احتاط في خصوص إجراء الحدّ بعدم ترتيبه في مورد الأقلّ من مقدار الحشفة ، وظاهره التفكيك بين الحدّ وبين مثل المهر والغسل ، نظراً إلى ما ورد في الحدّ من درئه بالشبهة .
ثالثها: ما صرّح به غير واحد(1) من اعتبار غيبوبة مقدار الحشفة من مقطوعها ، نظراً إلى ظهور أنّ التحديد الواقع في الروايات المتقدّمة بغيبوبة الحشفة وإن كان مورده صورة وجودها ، إلاّ أنّه لا إشعار فيها ، فضلا عن الدلالة بأنّه يكون هذا التحديد تعبديّاً مخالفاً لما هو المرتكز عند العرف في تحقّق الزنا ، بل الظاهر أنّه بيان لما هو المتحقّق في العرف ، وأنّه يكون مقدار الحشفة ، فلا فرق حينئذ بين الواجد والعادم أصلا ، وهذا الوجه هو الظاهر .


(1) مسالك الأفهام: 14/329 ، المهذّب البارع: 5/8 .
<<التالي الفهرس السابق>>