(الصفحة41)
مسألة 9: يتحقّق الإحصان الذي يجب معه الرجم باستجماع أمور:
الأوّل: الوطء بأهله في القبل ، وفي الدبر لا يوجبه على الأحوط ، فلو عقد وخلا بها خلوة تامّة ، أو جامعها فيما بين الفخذين ، أو بما دون الحشفة ، أو ما دون قدرها في المقطوعة مع الشكّ في حصول الدخول لم يكن محصناً ، ولا المرأة محصنة ، والظاهر عدم اشتراط الإنزال ، فلو التقى الختانان تحقّق ، ولا يشترط سلامة الخصيتين1.
الحدّ من إحراز الموضوع بشرائطه وقيوده ، ومن جملة الخصوصيّات المأخودة في الموضوع أن لا يكون هناك شبهة ، فإذا احتمل وجودها من جهة دعوى المدّعي وعدم العلم بكذبها لم يحرز موضوع الزنا الموجب للحدّ ، فلا وجه لإجرائه وترتّبه ، وهذا هو الوجه في عدم التكليف بالبيّنة واليمين في المقام ، وعليه فكلّ دعوى ترجع إلى عدم تحقّق موضوع الزنا الموجب للحدّ تسقط الحدّ ما لم يعلم كذبها ، كدعوى الزوجيّة ، أو شراء الأمة من المالك أو غيرهما ، كما لا يخفى .
وإن شئت فقل: إنّ الرواية الواردة في مورد الإكراه حيث إنّها على وفق القاعدة فلا وجه لاحتمال الاختصاص بالإكراه ، بل يجري في جميع الموارد .
1 ـ قال في المسالك في معنى الإحصان: الاحصان والتحصين في اللغة المنع ، قال تعالى: { لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ}(1) ، وقال تعالى: {فِى قُرىً مُحَصَّنَة}(2) . وورد في الشرع بمعنى الإسلام ، وبمعنى البلوغ والعقل ، وكلّ منهما قد قيل في تفسير قوله
(1) سورة الأنبياء 21: 80 .
(2) سورة الحشر 59: 14 .
(الصفحة42)
تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَة}(1) . وبمعنى الحرّية ، ومنه قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}(2) يعني الحرائر ، وبمعنى التزويج ، ومنه قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}(3) يعني المنكوحات ، وبمعنى العفّة عن الزنا ، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}(4) . وبمعنى الإصابة في النكاح ، ومنه قوله تعالى:{مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}(5) . ويقال: أحصنت المرأة عفت وأحصنها زوجها فهي محصنة وأحصن الرجل تزوّج(6) .
ويظهر منه أنّ الإحصان قد يجيء لازماً ، وقد يجيء متعدّياً ، وقد صرّح الراغب في المفردات بذلك ، حيث قال: يقال: امرأة محصِن (بالكسر) ومحصَن (بالفتح) فالمحصِن يقال إذا تصوّر حصنها من نفسها ، والمحصَن يقال إذا تصوّر حصنها من غيرها(7) .
وكيف كان فيدلّ على اعتبار أصل الوطء بالأهل في تحقّق الإحصان روايات كثيرة في الرجل والمرأة:
منها: صحيحة رفاعة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله أيرجم؟ قال: لا(8) .
(1، 2) سورة النساء 4: 25 .
(3) سورة النساء 4: 24.
(4) سورة النور 24: 4 .
(5) سورة المائدة 5: 5 .
(6) مسالك الأفهام: 14/332 ـ 333 .
(7) المفردات في غريب القرآن: 121 (حصن) .
(8) وسائل الشيعة: 18 / 358 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح1 .
(الصفحة43)
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يزني ولم يدخل بأهله أيحصن؟ قال: لا ، ولا بالأمة(1) .
ومنها: صحيحة اُخرى لمحمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله عزّوجل: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} قال: إحصانهنّ أن يدخل بهنّ ، قلت: إن لم يدخل بهنّ أما عليهنّ حدّ؟ قال: بلى(2) .
ومنها: رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} قال: إحصانهنّ إذا دخل بهنّ ، قال: قلت: أرأيت إن لم يدخل بهنّ وأحدثن ما عليهنّ من حدّ؟ قال: بلى(3) .
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالّة على اعتبار الدخول ، وعليه فلا يتحقّق الإحصان في الفروع المذكورة التي منها صورة الشك في حصول الدخول ، فإنّ الظاهر سقوط كلمة «أو» من المتن ، وكون صورة الشك صورة مستقلّة ، كما أنّ مقتضى إطلاق الروايات عدم اشتراط الإنزال مع الدخول ، وعدم اشتراط سلامة الخصيتين ، وأنّ تمام الملاك في ذلك من هذه الجهة هي نفس الدخول بعنوانه .
وأمّا اعتبار كون الوطء في القبل ، ففي محكي الرياض: أنّه صرّح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده إلاّ من إطلاق نحو عبارة المتن(4) . ومثله الإطلاق في كثير
(1) وسائل الشيعة: 18 / 359 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح9 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 358 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح4 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 360 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح11 .
(4) رياض المسائل: 10 / 15 .
(الصفحة44)
من كتب القدماء كما قيل ، كالمقنعة(1) والانتصار(2) والخلاف(3) والتبيان(4) ومجمع البيان(5) . لكن في الجواهر بعد الحكم بإمكان الحمل على الغالب قال: قلت: هو وإن كان مقتضى الأصل والاحتياط ، إلاّ أنّ الإنصاف عدم خلوِّه من الإشكال ، إن لم يكن إجماعاً فيما إذا وطىء بالغاً دبراً ، وكان متمكّناً من الفرج أيضاً ، نعم لو لم يتمكّن إلاّ من الدبر أمكن الإشكال فيه بعدم إنسياقه من النصوص ، أمّا الأوّل فيحتمل قويّاً الاجتزاء به ، كما في كلّ مقام اعتبر الدخول فيه(6) .
أقول: مضافاً إلى عدم كون ذلك مقتضى الأصل ; لعدم جريانه مع العلم الإجمالي بثبوت الجلد أو الرجم وعدم خلوّ الحدّ عنهما ، إلاّ أن يكون المراد أصالة عدم تحقّق الإحصان وسيأتي ما فيه ، أمّا ما ذكره في الفرض الأوّل ، فيؤيّده رواية حريز قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المحصن قال: فقال: الذي يزني وعنده ما يغنيه(7) . فإنّه مع فرض التمكّن من الوطء في الفرج يتحقّق عنوان «ما يغنيه» قطعاً ، واعتبار الوطء مع الأهل قد روعي من ناحية الوطء في الدبر بعد عدم إشعار دليله على اعتبار خصوص الوطء في القبل ، فضلا عن الدّلالة .
وأمّا ما أفاده من الإشكال في الفرض الثاني ، ففيما إذا كان زناؤه بالوطء في الدبر ـ على ما عرفت من عدم الفرق بين القبل والدبر في الزنا ـ يحتمل قويّاً أيضاً
(1) المقنعة: 775 ـ 776 .
(2) الإنتصار: 521 .
(3) الخلاف: 5/371 مسألة 5 .
(4) التبيان: 3/162 ـ 167 .
(5) مجمع البيان: 3/55 ، 59 .
(6) جواهر الكلام: 41/272 ـ 273 .
(7) وسائل الشيعة: 18 / 352 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح4 .
(الصفحة45)
الثاني: أن يكون الواطئ بأهله بالغاً على الأحوط ، فلا إحصان مع إيلاج الطفل وإن كان مراهقاً ، كما لا تحصن المرأة بذلك ، فلو وطأها وهو غير بالغ ثمّ زنى بالغاً لم يكن محصناً على الأحوط ولو كانت الزوجيّة باقية مستمرّة1.
الاجتزاء ; لصدق عنوان ما يغنيه في هذه الصورة أيضاً ، لأنّه يكون عنده ما يغنيه عن هذا العمل غير المشروع ، كما لا يخفى . وفيما إذا كان زناؤه بالوطء في القبل يشكل صدق ذلك العنوان بعد عدم التمكّن من الوطء بأهله في القبل ، وإن كان دعوى أنّ خصوص الوطء في القبل منساق من النصوص أيضاً مشكلة ، فلا يبقى إلاّ كون ذلك موافقاً للاحتياط كما افيد في المتن .
ثمّ إنّ الظاهر أنّه ليس المراد من أصل اعتبار هذا الأمر ـ وهو الوطء بالأهل ـ خصوص الوطء المحلّل ، بل أعمّ منه ومن الوطء بها في حال الحيض ، أو الإحرام ، أو الصوم ، أو نحوها ، كما أنّ المراد بالوطء هو تغيّب الحشفة ، كما في سائر المقامات ، لعدم الدليل على وجود خصوصيّة للمقام .
1 ـ قال في الجواهر ـ بعد دعوى ثبوت الإجماع بقسميه على اعتبار البلوغ حين الزنا في تحقّق الإحصان ـ : بل الظاهر كونه كذلك أيضاً ، بمعنى اعتباره في وطء زوجته ، فلو أولج غير بالغ ولو مراهقاً في زوجته حتّى غيَّب الحشفة ، ثمّ زنى بالغاً لم يكن الوطء الأوّل معتبراً في تحقّق الإحصان ، لأنّه يشترط في إحصانه الوطء بعد البلوغ ، وإن كانت الزوجية مستمرّة للأصل والاستصحاب ، وقصور فعله عن أن يناط به حكم شرعيّ ، ونقص اللذة ، وعدم إنسياق نحوه من الدخول وشبهه ، وعن المبسوط أن تراعى الشروط حين الزنا ، ولا اعتبار بما قبل ذلك(1) (2) .
(1) المبسوط: 8/3 ، وفيه عكس ما هنا .
(2) جواهر الكلام: 41/269 .
(الصفحة46)
أقول: أمّاالإجماع المحصّل، فالظاهر عدم تحقّقه بلحاظ عدم التعرّض لاعتبار البلوغ حال الوطء حتّى في مثل الشرائع ، وقوله فيها: ولا يثبت الإحصان الذي يجب معه الرجم حتّى يكون الواطئ بالغاً حرّاً ويطأ في فرج مملوك(1) . لا دلالة فيه على اعتبار البلوغ حال الوطء بالأهل ، لأنّه ـ مضافاً إلى أنّه قد عبّر في النافع بدلا عن الواطئ بالزاني(2) ـ يكون اعتبار أصل الوطء مذكوراً بعد اعتبار البلوغ والحريّة.
نعم ، يرد عليه حينئذ أنّه قد صرّح سابقاً باعتبار البلوغ في أصل تحقّق الزنا مطلقاً ، فلا مجال لذكره ثانياً ، واعتباره في الإحصان كما لا يخفي ، وكيف كان فالظاهر عدم تحقّق الإجماع المحصّل ، وعدم حجّيّة المنقول كما قرّر في الاُصول .
وأمّا الأصل ، فقد أجيب عنه في ذيل اعتبار الأمر الأوّل ، والاستصحاب جريانه موقوف على عدم تماميّة الإطلاق الذي يأتي البحث فيه ، وكون فعله قاصراً عن أن يناط به حكم شرعيّ ممنوع بعد ترتّب آثار كثيرة عليه ، كالضمان المسبّب عن الإتلاف ، وكون عمده خطأً لا يلازم خروج فعله عما ذكر ، لثبوت الدّية على العاقلة ، ونقص اللّذة وإن كان متحقّقاً ، إلاّ أنّ الملاك في ذلك غير معلوم ، وسيجيء أنّ الوطء مرّة مع الزوجة الدائمة يوجب تحقّق الإحصان ، ومع الزوجة المنقطعة لا يوجبه وإن وقع ألف مرّة .
وعدم إنسياق نحوه من الدخول وشبهه غير ظاهر ، نعم اللازم ملاحظة الأدلّة حتّى يعلم ثبوت الإطلاق وعدمه ، فنقول: أمّا مثل قوله (عليه السلام) في بعض الروايات
(1) شرائع الإسلام: 4/933 .
(2) المختصر النافع: 292 .
(الصفحة47)
الثالث: أن يكون عاقلا حين الدخول بزوجته على الأحوط فيه ، فلو تزوّج في حال صحّته ولم يدخل بها حتّى جنّ ثم وطأها حال الجنون لم يتحقّق الإحصان على الأحوط1.
المتقدّمة في اعتبار الأمر الأول: «إحصانهنّ أن يدخل بهنّ» ، وكذا قوله (عليه السلام)فيه: «لا» في مقام الجواب عن السؤال عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله أيرجم؟ فالظاهر عدم ثبوت الإطلاق فيه ، لأنّه في مقام بيان أصل اعتبار الدخول في مقابل العدم ، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ ذكر الرجل مع كونه ظاهراً في البالغ يوجب عدم اعتبار الوطء في حال الصغر في ترتّب حدّ الرجم ، فتأمّل .
وليس هنا شيء آخر يمكن أن تتوهّم دلالته على الإطلاق ، بل ربّما يقال بظهور بعض الروايات في اعتبار البلوغ ، كموثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل إذا هو زنى وعنده السريّة والأمة يطؤها تحصنه الأمة وتكون عنده؟ فقال: «نعم ، إنّما ذلك لأنّ عنده ما يغنيه من الزنا»(1) ، نظراً إلى ظهورها عرفاً في وجود من يطأها مراراً ، أو يكون قابلا لذلك ، وغير البالغ لا يكون كذلك ، وإن كان في هذا الاستظهار نظر ، خصوصاً مع ملاحظة التعليل في الجواب .
وقد انقدح أنّ مقتضى الاستصحاب عدم تحقّق الإحصان بالوطء في غير حال البلوغ ; لعدم استفادة شيء من الطرفين من الدليل ، لكنّه سيأتي ما فيه .
1 ـ قد أشرنا إلى أنّه مع عدم تمامية الإطلاق يصير اعتبار مثل العقل في حال وطء الأهل مشكوكاً ، فتصل النوبة بحسب بادئ النظر إلى الاستصحاب ، نظراً
(1) وسائل الشيعة: 18 / 352 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح2 .
(الصفحة48)
الرابع: أن يكون الوطء في فرج مملوك له بالعقد الدائم الصحيح ، أو ملك اليمين ، فلا يتحقّق الإحصان بوطء الزنا ولا الشبهة ، وكذا لا يتحقّق بالمتعة ، فلو كان عنده متعة يروح ويغدو عليها لم يكن محصناً1.
إلى أنّ عدم تحقّق الإحصان قبل دخول المجنون متيقّن ، وتحقّقه به مشكوك ، فتستصحب الحالة السابقة ، ويحكم بعدم تحقّق الإحصان معه ، ولكنّ الظاهر كما قرّر في محلّه عدم جريان مثل هذا الاستصحاب ; لأنّ الشبهة إنّما هي في المفهوم ومعنى الإحصان ، وليس الشك في أمر خارجيّ حتّى تستصحب الحالة السابقة المتحقّقة في الزمان ، فهو كاستصحاب النهار ، إذا كان مفهومه مردّداً بين انتهائه باستتار القرص ، وبين انتهائه بزوال الحمرة المشرقية ، ولا مجال لجريانه كما حقّقناه في الأصول ، وليس ذلك مثل استصحاب بقاء النهار بعد تبيّن مفهومه إذا شكّ في بقائه وزواله لأجل الشك في الخارج المسبّب عن الغيم ونحوه ، وبالجملة لا مجال لاستصحاب عدم تحقّق الإحصان بعد كون مفهومه مشتبهاً .
ثمّ إنّه بعد عدم جريان الاستصحاب يمكن استفادة الحكم من طريق آخر ، وهو التمسك بإطلاق قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة}(1) بعد كون دليل الإحصان الذي هو بمنزلة المقيّد مجملا مفهوماً ومردّداً بين الأقل والأكثر ، كما في المخصّص المردّد بينهما كما لا يخفى .
1 ـ أمّا عدم تحقّق الإحصان بوطء الزنا أو الشبهة ، فمضافاً إلى ما عن كشف اللثام من دعوى الإتّفاق عليه(2) عدم تحقّق عنوان الوطء بالأهل المذكور في بعض
(1) سورة النور 24:2 .
(2) كشف اللثام: 2/400 .
(الصفحة49)
الروايات المتقّدمة .
وأمّا تحقّقه بالعقد الدائم الصحيح ، فلأنّه الفرد الكامل من الأهل المذكور في تلك الروايات ، إنّما الكلام في ملك اليمين وفي المتعة ، فنقول:
أمّا ملك اليمين فالمشهور تحقّق الإحصان به ، وربّما ادّعي الإجماع عليه ، خلافاً للمحكي عن القديمين(1) والصدوق(2) والديلمي(3) من عدم تحقّق الإحصان به ، ويدلّ لما هو المشهور روايات:
منها: موثقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل إذا هو زنى وعنده السريّة والأمة يطؤها ، تحصّنه الأمة وتكون عنده؟ فقال: نعم ، إنّما ذلك لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا . قلت: فإن كانت عنده أمة زعم أنّه لايطؤها؟ فقال: لا يصدّق . قلت: فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه؟ فقال: لا إنّما هو على الشيء الدائم عنده(4) . والمراد من الضابطة المذكورة ما يعمّ الأمة بقرينة الصدر ، وعليه فالمراد ما يكون فيه قابلية الدوام ، سواء كان منشأه الزوجيّة أو الملكية .
ومنها: موثّقته الاُخرى قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الرجل تكون له الجارية أتحصنه؟ قال: فقال: نعم إنّما هو على وجه الاستغناء ، قال: قلت: والمرأة المتعة؟ قال: فقال: لا ، إنّما ذلك على الشيء الدائم ، قال: قلت: فإن زعم أنّه لم يكن يطؤها ، قال: فقال: لا يصدّق ، وإنّما أوجب ذلك عليه لأنّه يملكها(5) . والظاهر اتّحاد
(1) حكى عنهما في مختلف الشيعة: 9/153 مسألة 11 .
(2) المقنع: 439 ، من لا يحضره الفقيه: 4/35 .
(3) المراسم: 254 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 352 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح2 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 353 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح5 .
(الصفحة50)
الروايتين وعدم تعدّدهما ، وإن جعلهما في مثل الوسائل كذلك .
ومنها: صحيحة على بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الحرّ تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زنى؟ قال: نعم(1) .
ومنها: صحيحة حريز قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المحصن ؟ قال: فقال: الذي يزني وعنده ما يغنيه(2) .
ومنها: صحيحة إسماعيل بن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: ما المحصن رحمك الله؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن(3) .
فإنّ مقتضى العموم أو الإطلاق فيهما تحقّق الإحصان بالأمة ، لإنطباق العنوانين عليها ، وخروج المتعة بالدليل لا يقدح في الأمة شيئاً .
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك .
وفي مقابلها روايات ، مثل:
صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الذي يأتي وليدة امرأته بغير إذنها ، عليه مثل ما على الزاني يجلد مائة جلدة ، قال: ولا يرجم إن زنى بيهوديّة أو نصرانيّة أو أمة ، فإن فجر بإمرأة حرّة وله امرأة حرّة فإنّ عليه الرجم ، وقال: وكما لا تحصنه الأمة واليهوديّة والنصرانيّة إن زنى بحرّة كذلك ، لا يكون عليه حدّ المـحصن إن زنى بيهودية أو نصرانية أو أمة وتحته حرّة(4) .
وصحيحته الاُخرى قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يزني ولم يدخل بأهله
(1) وسائل الشيعة: 18 / 354 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح11 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 352 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح4 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 351 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح1 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 354 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح9 .
(الصفحة51)
أيحصن؟ قال: لا ، ولا بالأمة(1) .
وصحيحته الثالثة قال: سألته عن الحرّ أتحصنه المملوكة؟ قال: لا يحصن الحُرّ المملوكة ولا يحصن المملوك الحرّة ، والنصرانيّ يحصن اليهوديّة واليهودي يحصن النصرانيّة(2) .
ولا يخفى أنّ معارضتها مع الطائفة الاُولى إنّما هي مع ما يدلّ منها بالخصوص على تحقّق الإحصان بالأمة ، لوضوح أنّ ما يدلّ منها على ذلك بنحو العموم أو الإطلاق يكون قابلا للتخصيص أو التقييد بهذه الروايات ، ولأجله ذكر في مقام العلاج أنّ مقتضى التعارض التساقط والرجوع إلى العموم الذي هو مقتضى هذا الصنف من هذه الطائفة ، كصحيحتي حريز وإسماعيل بن جابر المتقدّمتين .
وقد احتمل صاحب الجواهر(قدس سره) حمل هذه الروايات على التقية ، لأجل موافقتها لأبي حنيفة وأصحابه(3)(4) .
وذكر صاحب الوسائل بعد نقل الصحيحة الاُولى من صحاح محمّد بن مسلم أنّ الشيخ(قدس سره) حملها على ما إذا كنّ عنده بعقد المتعة(5) .
هذا ، ولكنّ الظاهر بناءً على ما هو المختار ، من أنّ مقتضى الأدلّة العلاجية أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة في الفتوى ، أنّ الترجيح مع الطائفة الاُولى ، لموافقتها للشهرة المحقّقة القائمة على تحقّق الإحصان بالأمة ، فالأقوى حينئذ
(1) وسائل الشيعة: 18 / 359 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح9 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 357 ، أبواب حدّ الزنا ب5 ح1 .
(3) الخلاف: 5/371 مسألة 5 ، المبسوط للسرخسي: 9/41 ، المغني لابن قدامة: 10/128 .
(4) جواهر الكلام: 41/271 ـ 272 .
(5) التهذيب: 10/13 ، الإستبصار: 4/205 .
(الصفحة52)
ما في المتن ، ولكنّ الظاهر اختصاصها بالأمة المملوكة ، وعدم شمولها للأمة المحلّلة ، لاقتضاء الحصر في موثّقة إسحاق بن عمّار بقوله (عليه السلام): «إنّما هو على الشيء الدائم عنده» الإنحصار بما فيه قابليّة الدوام ، والتحليل لا يكون فيه هذه القابليّة بوجه .
هذا ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الصحيحة الاُولى اعتبار الإسلام والحريّة في المزنيّ بها أيضاً ، مع أنّ الظاهر عدم اعتبارهما بوجه ، ويدلّ على عدم اعتبار الإسلام رواية إسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه (عليهم السلام) أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى عليّ (عليه السلام) في الرجل زنى بالمرأة اليهوديّة والنصرانيّة ، فكتب (عليه السلام)إليه: إن كان محصناً فارجمه ، وإن كان بكراً فاجلده مائة جلدة ثم انفه، وأمّا اليهوديّة فابعث بها إلى أهل ملّتها فليقضوا فيها ما أحبّوا(1) . وغيرها من الروايات الدالّة على ذلك ، هذا كلّه في الأمة .
وأمّا عدم تحقّق الإحصان بالمتعة ـ فمضافاً إلى احتمال الإتّفاق عليه كما في الجواهر ، وإن ذكر فيها بعده: «وإن كان قوله في الإنتصار: على الأصحّ(2) مشعراً بوجوده ، إلاّ أنّي لم أتحقّقه كما اعترف به غيرنا أيضاً»(3) . ومضافاً إلى دلالة موثّقتي إسحاق بن عمّار المتقدّمتين عليه ـ يدلّ عليه خبر عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أخبرني عن الغائب عن أهله يزني هل يرجم إذا كان له زوجة وهو غائب عنها؟ قال: لا يرجم الغائب عن أهله ، ولا المملك الذي لم يبن بأهله ، ولا صاحب المتعة ، قلت: ففي أيّ حدّ سفره لا يكون محصناً؟ قال: إذا قصّر وأفطر
(1) وسائل الشيعة: 18 / 361 ، أبواب حدّ الزنا ب8 ح5 .
(2) الإنتصار: 521 .
(3) جواهر الكلام: 41/270 .
(الصفحة53)
الخامس: أن يكون متمكّناً من وطء الفرج يغدو عليه ويروح إذا شاء ، فلو كان بعيداً وغائباً لا يتمكّن من وطئها فهو غير محصن ، وكذا لو كان حاضراً لكن غير قادر لمانع من حبسه ، أو حبس زوجته ، أو كونها مريضة لا يمكن له وطؤها ، أو منعه ظالم عن الاجتماع بها ، ليس محصناً1.
فليس بمحصن(1) . ومرسل حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يتزوّج المتعة أتحصنه؟ قال: لا ، إنّما ذاك على الشيء الدائم عنده(2) .
1 ـ الدليل على اعتبار هذا الأمر الروايات الكثيرة الدالّة عليه ، لكنّ العناوين المأخوذة فيها مختلفة بحسب الظاهر ، فبعضها جعل الضابط عنوان «يغدو عليه ويروح» كصحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: ما المحصن رحمك الله؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن . والظاهر أنّ المراد منه هو مجموع الليل والنهار ، لا خصوص أوّل النهار وأوائل الليل ، اللذين هما معنى الغدوّ والرواح ، والشاهد هو العرف في استعمالاته ، وعليه فلا اختلاف بين من اعتبر الغدوّ والرواح كالشيخ والمحقّق(3) وبين من عبّر بالتمكّن من الوطء متى شاء كغيرهما(4) . كما أنّ الظاهر أنّه ليس المراد منهما فعليّة تحقّق الوطء في الزمانين ، بل التمكّن منه فيهما كما وقع التعبير به في مثل المتن .
وبعضها جعل الضابط عنوان «عنده ما يغنيه» أو مثله ، كموثّقة اسحاق بن عمّار
(1) وسائل الشيعة: 18 / 356 ، أبواب حدّ الزنا ب4 ح1 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 352 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح3 .
(3) النهاية: 693 ، المبسوط: 8/3 ، شرائع الإسلام: 4/933 ، ووافقهما في المسالك: 14/336 .
(4) كالمفيد في المقنعة: 776 وابن البرّاج في المهذّب: 2/519 .
(الصفحة54)
المتقدّمة ، المشتملة على تعليل تحقّق الإحصان بالأمة بقوله (عليه السلام): «لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا» ، ورواية أبي بصير قال: قال لا يكون محصناً حتّى (إلاّ أن ـ خ ل) تكون عنده امرأة يغلق عليها بابه(1) . والظاهر أنّ المراد من كلمة «عنده» في الروايتين ، هو كون الفرج المملوك له باختياره ، بحيث يكون متمكّناً من وطئه متى شاء ، فلا ينافي الضابط الأوّل بوجه .
وبعضها جعل الضابط كونه معها ، كصحيحة محمّد بن مسلم أو حسنته قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم إلاّ أن يكون الرجل مع المرأة والمرأة مع الرجل(2) . وظاهرها عدم كون الغيبة بعنوانها دخيلة في نفي الرجم ، بل عدم كونها معه ، والظاهر أنّ المراد من المعيّة ليس عدم تحقّق الإنفكاك بينهما ، بل التمكّن من وطئها وكونها باختياره ، كما لا يخفى .
وبعضها ظاهر في أنّ الضابط هو الإقامة معها في المصر الذي هو فيه ، كالرواية الواردة في امرأة أتت أمير المؤمنين (عليه السلام) وطلبت منه التطهير من الزنا المشتملة على سؤاله بقوله (عليه السلام): « . . . وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت أم غير ذلك؟ قالت: بل ذات بعل . فقال لها: أفحاضراً كان بعلك إذ فعلت ما فعلت أم غائباً كان عنك؟ قالت: بل حاضراً . . .»(3) . والرواية الاُخرى الواردة في رجل أتى أمير المؤمنين (عليه السلام)وطلب منه التطهير من الزنا ، المشتملة على سؤاله بقوله (عليه السلام): «ألك زوجة؟ قال: بلى ، قال: فمقيمة معك في البلد؟ قال: نعم»(4) .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 353 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح6 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 355 ، أبواب حدّ الزنا ب3 ح1 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 377 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح1 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 379 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح2 .
(الصفحة55)
وبعضها وارد في بعض موارد الغيبة ، مثل رواية أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم ويضرب حدّ الزاني ، قال: وقضى في رجل محبوس في السجن وله امرأة حرّة في بيته في المصر وهو لا يصل إليها فزنى في السجن قال: عليه الحدّ (يجلد الجلد خ ل) ويدرأ عنه الرّجم(1) . ورواية الحارث قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن رجل له امرأة بالعراق فأصاب فجوراً وهو في الحجاز ، فقال: يضرب حدّ الزّاني مائة جلدة ولا يرجم . قلت: فإن كان معها في بلدة واحدة وهو محبوس في سجن لا يقدر أن يخرج إليها ولا تدخل هي عليه أرأيت إن زنى في السجن؟ قال: هو بمنزلة الغائب عنه أهله يجلد مائة جلدة(2) .
ولا يخفى أنّ الحكم بدرء الحدّ المترتّب على الإحصان في مورد السجن المذكور في الروايتين شاهد على عدم كون الملاك هي الغيبة بعنوانها ، بل اعتبارها إنّما هو لأجل الملازمة الغالبية بينها وبين عدم التمكّن والوصول إلى الزوجة ، وعليه فمرجع جميع الروايات إلى أنّ الملاك التامّ في ذلك هو التمكّن من الزوجة ووطئها متى شاء .
نعم ، هنا روايتان ظاهرتان في أنّ الملاك هو الغيبة بمعنى السفر الشرعي ، والحضور الموجب لإتمام الصلاة وعدم جواز الإفطار:
إحداهما: مرفوعة محمّد بن الحسين قال: الحدّ في السفر الذي إن زنى لم يرجم إن كان محصناً؟ قال: إذا قصّر فأفطر (وأفطر ـ ظ)(3) . وهي مع كونها مرفوعة مضمرة أيضاً ، فلا مجال للاتّكال عليها .
(1) وسائل الشيعة: 18 / 355 ، أبواب حدّ الزنا ب3 ح2 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 356 ، أبواب حدّ الزنا ب3 ح4 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 356 ، أبواب حدّ الزنا ب4 ح2 .
(الصفحة56)
ثانيتهما: رواية عمر بن يزيد المتقدّمة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أخبرني عن الغائب عن أهله يزني هل يرجم إذا كان له زوجة وهو غائب عنها؟ قال: لا يرجم الغائب عن أهله ، ولا المملك الذي لم يبن بأهله ولا صاحب المتعة ، قلت: ففي أيّ حدّ سفره لا يكون محصناً؟ قال: إذا قصّر وأفطر فليس بمحصن(1) .
وقد ناقش الشهيد الثاني في محكي المسالك في سند هذه الرواية(2) باعتبار اشتماله على عبدالرحمن بن حمّاد الكوفي ، نظراً إلى أنّه لم يرد فيه توثيق ، ولكن المناقشة مندفعة بأنّه لم يرد فيه توثيق خاصّ ، وأمّا التوثيق العام فقد ورد فيه ، لوقوعه في بعض أسناد كتاب كامل الزيارات ، الذي ذكر مؤلّفه في ديباجته أنّه لم يرو في كتابه إلاّ ما رواه الثقات من الأصحاب ، وهذا المقدار يكفي في الاعتماد على الرواية ، كما قرّر في محلّه .
وظاهر هاتين الروايتين أنّ تمام الملاك في الإحصان وعدمه من ناحية هذا الشرط ، هو السفر والحضر بالمعنى الشرعيّ في باب الصلوة والصوم ، فتتعارضان مع جميع الروايات المتقدّمة التي عرفت أنّ مرجع جميعها إلى التمكّن من الفرج متى شاء ، ومقتضاهما إناطة الحكم بالأمر التعبّدي الصرف ، ولازمه تحقّق الإحصان مع مثل الحبس المذكور في المتن ، لتحقّق الحضور الشرعي معه ، وهذا بخلاف اناطة الحكم بالتمكّن التي هي أمر يساعده العرف والعقلاء .
وكيف كان ، فالترجيح مع الطائفة الاُولى الموافقة للشهرة الفتوائيّة المحقّقة ، وقد أشرنا إلى أنّها أوّل المرجّحات في الأخبار المتعارضة ، فلا إشكال في الحكم ، وعليه
(1) وسائل الشيعة: 18 / 356 ، أبواب حدّ الزنا ب4 ح1 .
(2) مسالك الأفهام: 14/337 .
(الصفحة57)
فالملاك كلّه هو التمكّن المذكور ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص ، فربّ شخص يكون متمكّناً ولو كان بعيداً عن بلده بمراحل ، خصوصاً في مثل هذا الزمان الذي وجدت فيه الوسائل الحديثة ، كالطائرة ونحوها ، وربّ شخص لا يكون متمكّناً وإن كان بعيداً عنه في الجملة ، بل ولو كان في بلده كما لا يخفى ، ومنه يظهر الاختلاف باختلاف الأزمنة .
والظاهر أنّه ليس المراد من التمكّن متى شاء هو التمكّن في جميع الآنات ، بحيث إذا أراد تحقّق منه الوطء بلا فصل ، بل معناه هو التمكّن العرفي الذي لا يقدح في تحقّقه تخلّل مثل الساعة والساعتين ، وإلاّ يلزم عدم تحقّق الإحصان إلاّ نادراً .
ثمّ إنّ المحكيّ عن السيّد ـ كما في الجواهر ـ أنّ الأصحاب فرّقوا بين الغيبة والحيض بأنّ الحيض لا يمتدّ ، وربّما امتدّت الغيبة ، وبأنّه يتمتّع من الحائض بما دون موضع الحيض بخلاف الغيبة(1) .
أقول: إن قلنا بجواز وطء الحائض في الدبر ، فمقتضى عموم قوله (عليه السلام): «من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن» الشمول له; لعدم اختصاص الفرج بالقبل وإن لم نقل بجواز وطئها كذلك ، فمقتضى قوله (عليه السلام): «لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا» تحقّق الإحصان معه ; لأنّ إمكان التمتّع من الحائض بغير الوطء يوجب تحقّق الغناء من الزنا . وبالجملة فالظاهر عدم منع الحيض ونحوه من حصول الإحصان ، خصوصاً مع عدم تعرّض كثير من الأصحاب له ، والحكم بالفرق بينه وبين الغيبة ممّن تعرّض ، كما عرفت في كلام السيّد .
(1) الإنتصار: 521 ، جواهر الكلام: 41 / 373 ـ 374 .
(الصفحة58)
السّادس: أن يكون حرّاً1.
1 ـ ظاهره أنّ المعتبر في الإحصان هي الحرّية حال الزنا فقط ، ومرجعه إلى أنّ العبد والأمة إذا تحقّق من واحد منهما الزنا لا يترتّب عليه الرجم الذي هو حدّ المحصن ، ولكنّ الظاهر أنّ هنا أمرين يعتبر في كليهما الحرّية: أحدهما: الوطء الزنائي . وثانيهما: الوطء مع الأهل المتحقّق قبلا ، ولابدّ من إقامة الدليل عليهما .
أمّا الأمر الأوّل: وهو اعتبار الحرّية حال الزنا ، فيدلّ عليه الروايات:
منها: صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)في العبيد إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة وإن كان مسلماً أو كافراً أو نصرانياً ، ولا يرجم ولا ينفى(1) .
ومنها: صحيحة الحسن بن السرّي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا زنى العبد والأمة وهما محصنان فليس عليهما الرجم ، إنّما عليهما الضرب خمسين نصف الحد(2) .
ومنها: رواية بريد العجلي ، عن أبي عبدالله (أبي جعفر خ ل) (عليه السلام) في الأمة تزني ، قال: تجلد نصف الحدّ كان لها زوج أو لم يكن لها زوج(3) .
وغير ذلك من الروايات .
وأمّا الأمر الثاني: وهو اعتبار الحرية حال الوطء مع الأهل ، فيدلّ عليه صحيحة أبي بصير يعني المرادي أو حسنته ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في العبد يتزوّج الحرّة ثمّ يعتق فيصيب فاحشة ، قال: فقال: لا رجم عليه حتّى يواقع الحرّة بعد ما يعتق . قلت: فللحرّة خيار عليه إذا اعتق؟ قال: لا، قد رضيت به وهو مملوك
(1) وسائل الشيعة: 18 / 402 ، أبواب حدّ الزنا ب31 ح5 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 402 ، أبواب حدّ الزنا ب31 ح3 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 401 ، أبواب حدّ الزنا ب31 ح2 .
(الصفحة59)
فهو على نكاحه الأوّل(1) .
وصحيحة الحلبي قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): لا يحصن الحرّ المملوكة ولا المملوك الحرّة(2) .
وصحيحته الاُخرى قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل الحرّ أيحصن المملوكة؟ فقال: لا يحصن الحرّ المملوكة ولا يحصن المملوكة الحرّ ، واليهودي يحصن النصرانيّة والنصرانى يحصن اليهوديّة(3) .
وفي الجواهر ـ بعد أن جعل الصحيحة الاُولى للحلبي صحيحة أبي بصير ، والثانية للحلبي ، مع أنّ المراجعة إلى الوسائل تقضي بخلافه ، وإن كان فيه إشكال أيضاً من جهة الحكم بتعدّد الرواية ، مع أنّ الظاهر أنّه لا يكون هناك إلاّ رواية واحدة ، غاية الأمر أنّ نقلها في الاُولى كان نقلا لبعض الجواب من دون التعرّض للسؤال ـ حكى عن كشف اللثام قوله: «ولعلّ المملوك منصوب والحرّة مرفوعة»(4) ،(5) . مع أنّ ملاحظة السؤال تقتضي خلاف ذلك ، فإنّه إنّما وقع عن تحقّق الإحصان للمملوكة بسبب الحرّ، فيكون الحرّ فاعلاوالثاني مفعولا للإحصان.
وعليه فالمراد من الجواب عدم تحقّق الإحصان للمملوكة بسبب وطء الحرّ ، ومجامعته معها بالنحو المشروع ، سواء كان الحرّ زوجاً لها أو مالكاً إيّاها ، وكذا لا يتحقّق الإحصان للحرّ بسبب المملوكة ووطئها ، فأين الدّلالة على اعتبار كون
(1) وسائل الشيعة: 18 / 358 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح5 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 353 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح7 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 353 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح8 .
(4) كشف اللثام: 2/400 .
(5) جواهر الكلام: 41/270 .
(الصفحة60)
مسألة 10 : يعتبر في إحصان المرأة ما يعتبر في إحصان الرجل ، فلا ترجم لو لم يكن معها زوجها يغدو عليها ويروح ، ولا ترجم غير المدخول بها ، ولا غير البالغة ، ولا المجنونة ، ولا المتعة1.
الرجل الواطئ حرّاً في حال الوطء مع الأهل ، نعم سيأتي جواز الاستدلال بهذه الصحيحة على اعتبار حريّة المرأة في حال الوطء معها في تحقّق الإحصان بالإضافة إليها ، فانتظر .
1 ـ قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده ، بل عن الغنية الإجماع عليه(1) لاشتراك معنى الإحصان فيهما نصّاً و فتوى»(2) .
ويدلّ على اعتبار الحرّية حال الزنا في المرأة أكثر الروايات المتقدّمة الواردة في الرجل ، فإنّه قد وقع في بعضها التصريح بالعبد والأمة ، وفي بعضها التصريح بالأمة فقط .
وعلى اعتبار الحريّة في حال الوطء فيها صحيحة الحلبي المتقدّمة ، فإنّ قوله (عليه السلام): «لا يحصن الحرّ المملوكة» بعد السؤال عن الرجل الحرّ ، وأنّه أيحصن المملوكة؟ يدلّ على ذلك ، فإنّ عدم تحقّق الإحصان للمملوكة يشمل ما إذا خرجت عن المملوكيّة بعد تحقّق الوطء وصارت حرّة حين الزنا ، وإلاّ يلزم تحقّق الإحصان لها بسببه كما لا يخفى .
ويدلّ على اعتبار الدخول بالإضافة إلى المرأة الروايات المتقدّمة ، الدالّة على أنّ إحصانهنّ أن يدخل بهنّ ، فيترتّب عليه ما ذكر في الرجل من اعتبار كون الوطء في
(1) غنية النزوع: 424 .
(2) جواهر الكلام: 41/ 276 ـ 277 .
|