في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة641)



منها الإنحصار، والظاهر هوالوجه الثاني وإن كان التعميم للأخذ بالقوّة محلّ إشكال.
ثمّ إنّ المراد من الناس الذي أضيفت إليه الإخافة [في المتن] هل هو جماعة منهم ، أو يشمل الواحد أيضاً ، فلو جرّد سلاحه وأخاف واحداً بقصد الإفساد في الأرض يكون محارباً؟ فيه وجهان ، والظاهر هو الوجه الثاني تبعاً لصاحب الجواهر(قدس سره)(1) ; لعدم الفرق بينه وبين الجماعة .
كما أنّ المراد من الناس ، هل هو خصوص المسلمين كما في محكيّ كشف اللثام(2) ، أو كلّ من تحرم إخافته في الشريعة ولو كان من أهل الذمّة؟ الظاهر هو الوجه الثاني أيضاً ; لعدم الدليل على الاختصاص بالمسلمين ، خصوصاً بعد عدم التعرّض له في كلام غيره .
وأمّا الإخافة ، فيعتبر فيها أمران :
أحدهما : كون الإخافة بمنظور الإفساد في الأرض ، وإلاّ فلو كانت الإخافة بسبب تجريد السلاح وتجهيزه لا لإرادة الإفساد في الأرض ، بل لعداوة أو لغرض من الأغراض ، كما إذا كانت بمنظور دفعهم عن الإيذاء والإهانة ، أو بمنظور آخر ولو لم يكن شرعيّاً ، فالظاهر عدم تحقّق عنوان المحارب ، وإن قال في الجواهر : لم أجد تنقيحاً لذلك في كلام الأصحاب(3) .
ثانيهما : تحقّق الخوف عقيب الإخافة ، فهي إذا كانت مجرّدة عن الخوف ـ وإن جرّد سلاحه بالقصد المزبور ـ لا يتحقّق معه عنوان المحارب . نعم ، لو كانت إخافته بحدٍّ يوجب في بعض الأحيان والأشخاص ، فالظاهر كونه داخلا فيه كما في المتن ،


(1) جواهر الكلام: 41 / 564.
(2) كشف اللثام: 2 / 430.
(3) جواهر الكلام: 41 / 569.

(الصفحة642)



وأمّا ما في الجواهر من تحقّق عنوان المحارب وإن لم يحصل معه خوف أو أخذ مال(1)فالظاهر عدم تماميّته ; لأنّ الإخافة غير المؤثّرة ولو بنحو الموجبة الجزئيّة لا تكون محرّمة ظاهراً ; لأنّ حرمة الإخافة إنّما هي لأجل الخوف الحاصل عقيبها لا لنفسها ، وإن لم يترتّب عليها أثر خارجاً أصلا .
وأمّا التعميم للمصر ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى عموم الآية المتقدّمة ، وكون شأن نزولها قطَّاع الطريق كما عليه أكثر المفسّرين(2) لا يوجب اختصاص الحكم المذكور في الآية به كما هو ظاهر ـ روايات متعدّدة :
منها : صحيحة محمّد بن مسلم المفصّلة ، التي يأتي البحث فيها من جهة اُخرى في المسائل الآتية ، حيث إنّها تشتمل على قوله (عليه السلام) : ومن شهر السلاح في مصر من الأمصار، وضرب وعقر وأخذ المال ولم يقتل فهومحارب، فجزاؤه جزاء المحارب(3).
ومنها : رواية سورة بن كليب ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل يخرج من منزله يريد المسجد أو يريد الحاجة ، فيلقاه رجل ويستعقبه فيضربه ويأخذ ثوبه؟ قال : أي شيء يقول فيه من قِبَلكم؟ قلت : يقولون : هذه دغارة معلنة ، وإنّما المحارب في قرىً مشركة ، فقال : أيّهما أعظم حرمةً؟ دار الإسلام ، أو دار الشرك؟ قال : فقلت : دار الإسلام ، فقال : هؤلاء من أهل هذه الآية : {إنَّما جَزَاؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ}(4) إلى آخر الآية(5) . ولكن ليس في مورد الرواية تجريد


(1) جواهر الكلام: 41 / 567.
(2) تفسير القمّي: 1 / 167، مجمع البيان: 3 / 312، الكشّاف: 1 / 628، المنتخب من تفسير القرآن: 1/223.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 532، أبواب حدّ المحارب ب1 ح1.
(4) سورة المائدة 5: 33.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 537، أبواب حدّ المحارب ب2 ح2.

(الصفحة643)



السلاح ولا وجود وسيلة اُخرى .
ومنها : غير ذلك من الروايات الظاهرة في التعميم .
وأمّا عدم اشتراط كونه من أهل الريبة ففيه خلاف ، والأكثر على عدم الاشتراط كما في المتن ، والمحكيّ عن ظاهر النهاية(1) والقاضي(2) والراوندي(3) بل عن صريح الدروس(4) هو الاشتراط ، ومقتضى عموم الكتاب وجملة من الروايات العدم ، ولكن صحيحة ضريس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من حمل السلاح بالليل فهو محارب ، إلاّ أن يكون رجلا ليس من أهل الريبة(5) . ربّما يستظهر منها الاشتراط .
والظاهر أنّ الصحيحه إنّما هي في مقام الإثبات ، ومعناها أنّ مجرّد حمل السلاح إذا كان في الليل يوجب الحكم عليه بأنّه محارب ، إلاّ إذا لم يكن الرجل من أهل الريبة ، والبحث إنّما هو في مقام الثبوت ، وأنّه يعتبر فيه أن يكون من أهل الريبة واقعاً أم لا ، فلا ترتبط الرواية بالمقام .
وهل يستوي فيه الذكر والانثى كما عند الأكثر(6) بل المشهور ، بل في بعض الكتب الإشعار بالإجماع عليه(7) أم لا؟ كما هو المحكيّ عن الإسكافي ، حيث اعتبر


(1) النهاية: 720.
(2) المهذّب: 2 / 553.
(3) فقه القرآن: 2 / 387.
(4) الدروس الشرعيّة: 2 / 59.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 537، أبواب حدّ المحارب ب2 ح1.
(6) المبسوط: 8 / 56، الخلاف: 5 / 470 مسألة 15، شرائع الإسلام: 4 / 959، الجامع للشرائع: 241، قواعد الأحكام: 2 / 271، رياض المسائل: 10 / 205.
(7) كنز العرفان: 2 / 351، مختلف الشيعة: 9 / 260 مسألة 111.

(الصفحة644)



الذكورة(1) .
وقد استدلّ له في محكيّ السرائر جواباً عن الشيخ(قدس سره) بأنّ الذي يقتضيه أُصول المذهب أن لا يقتلنّ إلاّ بدليل قاطع ، والتمسّك بالآية ضعيف ; لأنّها خطاب للذكور دون الاناث ، قال : ومن قال تدخل النساء في خطاب الرجال على طريق التبع فذلك مجاز ، والكلام في الحقائق والمواضع التي دخلن في خطاب الرجال فبالإجماع دون غيره(2) .
ولكنّ الظاهر كما في المتن هو التعميم ; لأنّه [يدلّ عليه] ـ مضافاً إلى أنّ العرف لا يفهم من تعبير الآية الاختصاص بوجه ; لعدم الفرق بينها وبين سائر الآيات الواقع فيها عنوان «الذين» وكان الحكم فيها عامّاً قطعاً ، خصوصاً مع ملاحظة كون الملاك هي إرادة الإفساد في الأرض ، التي لا فرق فيها بين الرجل والمرأة أصلا ـ عموم التعبير الواقع في كثير من الروايات ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، التي وقع التعبير فيها بـ «من» العامّ للرجل والمرأة ، والآية على تقدير عدم الشمول للمرأة لا دلالة فيها على الاختصاص بوجه ، كما لا يخفى .
والعجب أنّ ابن إدريس ذكر بعد ما يزيد على صفحة يسيراً : على ما حكاه صاحب الجواهر عن نسخة السرائر الحاضرة عنده : قد قلنا : إنّ أحكام المحاربين تتعلّق بالرجال والنساء سواء على ما تقدّم من العقوبات ، لقوله تعالى : {إنّمَا جَزَاؤُا الَّذِينَ}(3) الآية ، ولم يفرّق بين الرجال والنساء ، فوجب حملها على العموم(4) .


(1) مختلف الشيعة: 9 / 259 مسألة 111.
(2) السرائر: 3 / 508.
(3) سورة المائدة 5: 33.
(4) السرائر: 3 / 510.

(الصفحة645)

مسألة 2 : لا يثبت الحكم للطليع : وهو المراقب للقوافل ونحوها ; ليخبر رفقاءه من قطَّاع الطريق ، ولا للردء وهو المعيّن لضبط الأموال ، ولا لمن شهر سيفه أو جهّز سلاحه لإخافة المحارب ولدفع فساده أو لدفع من يقصده بسوء ونحو ذلك ممّا هو قطع الفساد لا الإفساد ، ولا للصغير والمجنون ، ولا للملاعب1.


1 ـ بعد ما عرفت من تعريف المحارب في المسألة الاُولى ، والخصوصيّات المأخوذة في حقيقته ، يظهر أنّ الطليع الذي هو المراقب للمارّة مثلا ليخبر من يقطع الطريق عليهم لا يكون من مصاديق المحارب ; لعدم كون قصده الإخافة ، وعدم كونه مجرِّداً للسلاح أو مجهّزاً له ; لعدم افتقار شغله إلى ذلك ; لأنّ وظيفته المجعولة له مجرّد الإخبار والإطّلاع بعد المراقبة والنظارة ، والتعبير بقوله : «لا يثبت الحكم للطليع» ، وإن كان ربّما يوهم خروجه عن حكم المحارب دون موضوعه ، إلاّ أنّ المراد هو الخروج عن الموضوع ، ويمكن أن يكون المراد بالحكم هو الحكم بكونه محارباً لا الحكم المترتّب على المحارب ، ويؤيّده عدم التعرّض لحكم المحارب بعد ، وقد وقع نظير هذا التعبير في الشرائع(1) . وكيف كان ، فالظاهر عدم كونه محارباً بوجه ، وإن كان عمله محرّماً ومن مصاديق الإفساد في الأرض .
وهكذا الردء ـ بالكسر ـ الذي يكون في اللغة بمعنى العون والناصر ، وهنا بمعنى المعين لضبط الأموال ، فإنّ مجرّد الإعانة لمثل ذلك لا يوجب إنطباق عنوان المحارب ، المتقوّم بتجريد السلاح أو تجهيزه بقصد الإخافة والإفساد ، فإنّ المعين لا يفتقر إلى السلاح وتجريده ، ولا يكون بصدد الإخافة ، بل مصداقه هو قاطع


(1) شرائع الإسلام: 4 / 959.

(الصفحة646)

مسألة 3 : لو حمل على غيره من غير سلاح ليأخذ ماله أو يقتله جاز ، بل وجب الدفاع في الثاني ولو انجرّ إلى قتله ، لكن لا يثبت له حكم المحارب . ولو أخاف الناس بالسوط والعصا والحجر ففي ثبوت الحكم إشكال ، بل عدمه


الطريق الذي هو شأن نزول الآية ، كما عليه أكثر المفسّرين .
وهكذا عنوان المدافع ، الذي شهر سيفه أو جهّز سلاحه ، فإنّه وإن كان من قصده إخافة الناس ، إلاّ أنّه حيث يكون الناس الذي قصد إخافته هو المحارب أو من يقصده بسوء ، وكان غرضه قطع الفساد ، لا ينطبق عليه عنوان المحارب ، كالمحافظين والمراقبين للشخصيّات التي يكون حياتهم في معرض الخطر من ناحية المخالفين للحكومة الإسلامية في زماننا هذا ، فإنّ قصدهم قطع الفساد والدفاع لا إيجاد الفساد كما هو ظاهر .
وأمّا اعتبار البلوغ والعقل ، فإنّه وإن لم يقع التعرّض له في الكلمات نوعاً ، إلاّ أنّ الوجه فيه هو الإتّكال على معلوميّة اعتبارهما ، فلا ينبغي التمسّك بالإطلاق .
وأمّا اعتبار عدم كونه ملاعباً ، فلأنّ إرادة الفساد في الأرض لا تتحقّق بدون الجدّ ; لعدم اجتماع الملاعبة مع إرادة الفساد كما لا يخفى ، مضافاً إلى ما رواه عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن رجل شهر إلى صاحبه بالرمح والسكّين؟ فقال : إن كان يلعب فلا بأس(1) .
والتعرّض لصورة اللعب إنّما هو لأجل كون المفروض في السؤال هو كون الطرف صاحباً له ، والغلبة في مثله تقتضي اللعب كما هو ظاهر .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 538، أبواب حدّ المحارب ب2 ح4.

(الصفحة647)

أقرب في الأوّلين 1.


1 ـ الكلام فيما لو حمل على غيره من غير سلاح ليأخذ ماله أو يقتله يقع في مقامين :
الأوّل : في جواز دفاع الغير بالمعنى الأعمّ من الوجوب ، ظاهر المتن الجواز لا بنحو الوجوب فيما لو أراد المال فقط ، وبنحو الوجوب فيما لو أراد القتل ، والوجه في الثاني واضح بعد لزوم حفظ النفس من الهلاك ، ووجوب مراقبة بقائها المتحقّق في المقام بالدفاع ، كما أنّ الوجه في الأوّل جواز التحفّظ على المال وإبقائها على يده ، وأمّا كيفيّة الدفاع ، فمقتضى ظاهر العبارة وإن كان هو التفصيل بين المال والقتل ، إلاّ أنّ مقتضى ما صرّح به في المسألة الخامسة من مسائل الدفاع المذكورة في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جواز الدفاع في المال بأيّ وسيلة ممكنة ولو انجرّ إلى قتل المهاجم ، حيث قال : «لو هجم على ماله أو مال عياله جاز له دفعه بأيّ وسيلة ممكنة ، ولو انجرّ إلى قتل المهاجم»(1) . ويمكن أن يكون هذا هو المراد من العبارة ، ولكنّها قاصرة عن الدلالة على ذلك .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا فرق بين المال أو القتل من هذه الجهة . وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الثاني : في عدم انطباق عنوان المحارب عليه ، والوجه فيه عدم وجود السلاح معه ، وقد مرّ أنّ شهر السلاح أو تجهيزه مأخوذ في معنى المحارب ، وليس مجرّد القوّة المتحقّقة في الشخص من مصاديق السلاح بعد وضوح كون المراد منه هو الأمر الخارجي الذي يقاتل به ، وإن قلنا بالتعميم لمثل السوط والعصا والحجر ،


(1) تحرير الوسيلة: 1 / 447 مسألة 5.

(الصفحة648)



لكنّه لا يشمل القوّة بوجه ، كما أنّ البحث في السوط والعصا والحجر قد تقدّم في ذيل المسألة الاُولى من مسائل المحارب .
والذي ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام أنّا قد ذكرنا في معنى الآية الواردة في المحارب : أنّ المستفاد منها أنّ المحارب إنّما يكون موضوعاً للأحكام الأربعة المذكورة في الآية ; لأجل كونه من مصاديق الساعي في الأرض فساداً لا لأجل نفس عنوانه ، وعليه يقع الإشكال في الطليع والردء ومن حمل على غيره من غير سلاح ، بأنّهم وإن لم يكونوا من مصاديق المحارب ، لكنّه لا خفاء في كونهم من مصاديق الساعي في الأرض فساداً ، فلا فرق من جهة ترتّب تلك الأحكام بين كونهم من مصاديق المحارب وعدم كونهم منها . وفي الحقيقة لا تترتّب ثمرة على هذا البحث أصلا .
لكنّ التحقيق أنّ الفتاوى لا تنطبق على ذلك ، فإنّه لا يستفاد منها أنّ مجرّد إنطباق عنوان المفسد موجب لترتّب تلك الأحكام ; ولذا قال في الجواهر في ذيل الطليع والردء وعدم ثبوت حكم المحارب عليهما : «نعم ، لو كان المدار على مطلق مسمّى الإفساد اتّجه ذلك ، أي الثبوت ; لكن عرفت اتّفاق الفتاوى على اعتبار المحاربة على الوجه المزبور»(1) .
نعم ، وقع تعميم المحارب بالإضافة إلى ما هو مقصوده من الإخافة من جهة اُخرى في كلمات الفقهاء ، قال في كشف اللثام : «وإنّما يتحقّق لو قصدوا أخذ البلاد أو الحصون ، أو أسر الناس واستعبادهم ، أو سبي النساء والذراري ، أو القتل ، أو أخذ المال قهراً مجاهرة» ثمّ قال : «وإن جرحوا وقتلوا حين اختطفوا ، وعلى


(1) جواهر الكلام: 41 / 571.

(الصفحة649)

مسألة 4 : تثبت المحاربة بالإقرار مرّة ، والأحوط مرّتين ، وبشهادة عدلين ، ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمّات ، ولا تقبل شهادة اللصوص والمحاربين بعضهم على بعض ، ولا شهادة المأخوذ منهم بعضهم لبعض بأن قالوا جميعاً : «تعرّضوا لنا وأخذوا منّا» وأمّا لو شهد بعضهم لبعض وقال : «عرضوا لنا وأخذوا من هؤلاء لا منّا» قبل على الأشبه 1.


التقديرين لا قطع عليهم كما يقطع المحارب أو السارق ; لأنّ شيئاً منهما لا يصدق عليهم(1) .
والإنصاف اضطراب كلماتهم في هذا المقام كما لا يخفى .

1 ـ لا إشكال في ثبوت المحاربة بالإقرار ، وأمّا كفاية المرّة أو اعتبار التعدّد فظاهر الجواهر أنّه لم يجد هنا من اعتبر التعدّد بالخصوص(2) ، لكن مقتضى ما تقدّم من المراسم(3) والمختلف(4) ـ من أنّ كلّ حدّ يثبت بشهادة عدلين يعتبر فيه الإقرار مرّتين(5) ـ اعتبار التعدّد في المقام أيضاً ، ويؤيّده التعبير عن الإقرار بالشهادة ، كما في بعض الروايات المتقدّمة الواردة في الزنا(6) ، إلاّ أنّ الظاهر أنّه لم يقم دليل على هذه الكليّة ، ومقتضى العموم كفاية الإقرار الواحد ، كما أنّ البحث في اعتبار شهادة


(1) كشف اللثام: 2 / 431.
(2) جواهر الكلام: 41 / 571.
(3) المراسم: 261.
(4) مختلف الشيعة: 9 / 224 مسألة 80.
(5) تقدّم في ص347.
(6) وسائل الشيعة: 18 / 377، أبواب حدّ الزنا ب16 ح1، وص446 أبواب حدّ القذف ب13 ح1.

(الصفحة650)



عدلين(1) وكذا في عدم قبول شهادة النساء قد تقدّم(2) . ومقتضى ما ذكرنا قبول شهادتهنّ في صورة الإنضمام لا مطلقاً ، بل أقلّ مراتب الانضمام وهو انضمام مرأتين لا أزيد .
وأمّا عدم قبول شهادة اللصوص والمحاربين ; فلاستلزام المحاربة للفسق ، والمعتبر في الشاهد العدالة .
وأمّا شهادة المأخوذ منهم بعضهم لبعض فيتصوّر فيه فروض أربعة :
الأوّل : ما إذا قالوا جميعاً : تعرّضوا لنا وأخذوا منّا ، والظاهر اتّفاقهم على عدم القبول في هذه الصورة ، ومنشؤه وجود التهمة بالعداوة المانعة عن قبول الشهادة ، ورواية محمّد بن الصلت قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن رفقة كانوا في طريق ، فقطع عليهم الطريق وأخذوا اللصوص ، فشهد بعضهم لبعض ، قال : لا تقبل شهادتهم إلاّ بإقرار من اللصوص ، أو شهادة من غيرهم عليهم(3) .
الثاني : ما إذا شهد بعضهم للبعض الآخر ، وشهد المشهود له للشاهد بأن قال الشهود : عرضوا لنا وأخذوا من هؤلاء ، وقال المشهود له أيضاً ذلك بالإضافة إلى الشهود ، ويظهر من كشف اللثام أنّ فيه وجهين :
أحدهما : القبول ، كما إذا شهد بعض المديونين لبعضهم وبالعكس .
ثانيهما : عدم القبول ; لحصول التهمة وإطلاق الخبر . قال : بل الشهادتان حينئذ من القسم الأوّل نفسه ، فإنّه لا شهادة إلاّ مع الدعوى ، فلا تسمع شهادة الأوّلين إلاّ إذا كان الآخرون ادّعوا الأخذ ، ولا شهادة الآخرين إلاّ إذا ادّعى الأوّلون الأخذ ،


(1) تقدّم في ص463 ـ 464.
(2) تقدّم في ص115 ـ 120.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 272، كتاب الشهادات ب27 ح2.

(الصفحة651)



وهو كاف في حصول التهمة إن سلّمت ، ولا مدخل فيها لخصوص الذكر في الشهادة ، إلاّ أن يدّعى أنّ التهمة حينئذ أظهر(1) .
وحكى صاحب الرياض عن الأشهر عدم القبول ; لدلالة الرواية عليه ، وضعفها منجبر بعمل الأكثر بل الأشهر(2) ، ولكنّ الظاهر عدم تماميّة النسبة ; لأنّ مقتضى إطلاق كلام المحقّق(3) وبعض آخر(4) القبول ، وعليه فانجبار الرواية غير ظاهر .
وكيف كان ، فالظاهر بمقتضى القاعدة هو القبول كما في مثال المديونين المتقدّم ، وإن كان مقتضى إطلاق الرواية العدم .
الثالث : ما إذا شهد بعضهم للبعض الآخر من غير أن يشهد المشهود له للشهود ، ومن غير أن يتعرّضوا لأنفسهم أصلا ، والظاهر فيه هو القبول بمقتضى القاعدة ، كما أنّ الظاهر عدم شمول الرواية لهذا الفرض ولو فرض انجبارها ; لظهورها في تحقّق الشهادة من الجميع ، ولو بقرينة قوله (عليه السلام) في الجواب : «لا تقبل شهادتهم» فتدبّر .
الرابع : الفرض الثالث مع إضافة التعرّض لأنفسهم بنفي الأخذ منهم ، وهو المفروض في المتن في ذيل المسألة ، وقد اعترف صاحب الرياض مع اختياره عدم القبول مطلقاً بخروج هذا الفرض عن مورد الفتوى والرواية ; لظهورها ولو بحكم التبادر في صورة كونه مأخوذاً ، ولكنّه عبّر باحتمال القبول(5) ، واستغربه صاحب


(1) كشف اللثام: 2 / 431.
(2) رياض المسائل: 10 / 207 ـ 208.
(3) شرائع الإسلام: 4 / 959.
(4) قواعد الأحكام: 2 / 272.
(5) رياض المسائل: 10 / 208.

(الصفحة652)

مسألة 5 : الأقوى في الحدّ تخيير الحاكم بين القتل والصلب والقطع مخالفاً والنفي ، ولا يبعد أن يكون الأولى أن يلاحظ الجناية ويختار ما يناسبها ، فلو قتل اختار القتل أو الصلب ، ولو أخذ المال اختار القطع ، ولو شهر السيف وأخاف فقط اختار النفي ، وقد اضطربت كلمات الفقهاء والروايات ، والأولى ما ذكرنا1.


الجواهر ، نظراً إلى أنّه ينبغي القطع به(1) .
وكيف كان ، فالظاهر في هذا الفرض أيضاً القبول بطريق أولى ، ولكن ربّما يستشعر من التعرّض لخصوص هذا الفرض في المتن والحكم بالقبول فيه عدم القبول في الفرضين السابقين ، ولعلّ الوجه فيه شمول الرواية لهما والحكم باعتبارها ، وقد مرّ الإشكال في الشمول بالإضافة إلى الفرض الثالث ، وفي الإنجبار بالنسبة إلى الفرض الثاني .

1 ـ لا إشكال ولا خلاف في ثبوت هذه الحدود الأربعة للمحارب ، ويدلّ عليه الكتاب والسنّة ، وقد وقع الخلاف في مقامين :
الأوّل : في أنّه هل ثبوت هذه الأمور بنحو التخيير أو بنحو الترتيب؟ فالمحكيّ عن المفيد(2) والصدوق(3) والديلمي(4) والحلّي(5) بل عن أكثر المتأخّرين(6) هو


(1) جواهر الكلام: 41 / 573.
(2) المقنعة: 804.
(3) الهداية للصدوق: 296، المقنع: 450.
(4) المراسم: 253.
(5) السرائر: 3 / 505 و 507.
(6) شرائع الإسلام: 4 / 959 ـ 960، رياض المسائل: 10 / 208 وغيرهما.

(الصفحة653)



الأوّل . وعن الشيخ(1) والإسكافي(2) والتقي(3) وابن زهرة(4) وأتباع الشيخ(5) هو الثاني ، بل في كشف اللثام نسبته إلى أكثر الكتب(6) ، بل عن نكت الإرشاد أنّه ادّعي عليه الإجماع(7) .
ويدلّ على التخيير ظهور الآية الشريفة الواردة في المحارب فيه ; للتعبير فيها بكلمة «أو» الظاهرة في التخيير ، واستبعاد ذلك بملاحظة عدم كون هذه الأمور من جهة العقوبة واقعة في مرتبة واحدة ; لعدم اتّحاد مرتبة القتل مع القطع ، أو مع النفي ، وكذا القطع مع النفي ، وكذا بملاحظة اختلاف مراتب المحارب من جهة ارتكابه مجرّد الإخافة ، أو هي مع أخذ المال ، أو هما مع الجرح ، أو الجميع مع القتل ، وهكذا ، ممّا لا ينبغي الاتّكال عليه بعد ظهور الآية في التخيير .
ويدلّ عليه أيضاً من الروايات صحيحة جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجل : {إِنَّمَا جَزَاؤُاْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الاَْرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيدِيهِمْ}(8) إلى آخر الآية أيّ شيء عليه من هذه الحدود التي سمّى الله عزّ وجلّ؟ قال : ذلك إلى الإمام إن شاء قطع ، وإن شاء نفى ، وإن شاء صلب ، وإن شاء قتل ، قلت : النفي إلى أين؟ قال :


(1) النهاية: 720، الخلاف: 5 / 458 مسألة 2، المبسوط: 8 / 47 ـ 48.
(2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 257 مسألة 110.
(3) الكافي في الفقه: 252.
(4) غنية النزوع: 201 ـ 202.
(5) المهذّب: 2 / 553، الوسيلة: 206، الجامع للشرائع: 241 ـ 242، فقه القرآن: 2 / 387.
(6) كشف اللثام: 2 / 431.
(7) غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 353 ـ 354.
(8) سورة المائدة 5: 33.

(الصفحة654)



من مصر إلى مصر آخر ، وقال : إنّ عليّاً (عليه السلام)نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة(1) .
ورواية سماعة بن مهران ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عز وجل : {إِنَّمَا جَزَاؤُاْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} قال : الإمام في الحكم فيهم بالخيار ، إن شاء قتل وإن شاء صلب ، وإن شاء قطع ، وإن شاء نفى من الأرض(2) . وبعض الروايات الاُخر .
وأمّا ما يدلّ على الترتيب بنحو الإجمال فهي صحيحة بريد بن معاوية قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : {إِنَّمَا جَزَاؤُاْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ}؟ قال : ذلك إلى الإمام يفعل ما شاء ، قلت : فمفوّض ذلك إليه؟ قال : لا ، ولكن نحو الجناية(3) .
ورواها في الجواهر هكذا قال : «ولكن بحقّ الجناية»(4) ثمّ قال : بناءً على أنّ المراد من حقّها فيه ما تسمعه من النصوص(5) . ومراده النصوص الواردة في الترتيب .
والظاهر وجود الاضطراب في هذه الرواية ; لأنّ مقتضى الجواب عن السؤال الأوّل هو ثبوت التخيير للإمام ، وأنّه يفعل ما يشاء ، وكان من الممكن اقتصار السائل على السؤال الأوّل فقط وعدم التصدّي للسؤال الثاني بوجه ، مع أنّه لم يكن في الجواب إبهام موجب للسؤال الثاني ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الجواب الثاني عدم ثبوت التخيير للإمام ، وأنّه لابدّ له من ملاحظة مقدار الجناية ومرتبتها ، وعليه


(1) وسائل الشيعة: 18 / 533، أبواب حدّ المحارب ب1 ح3.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 536، أبواب حدّ المحارب ب1 ح9.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 533، أبواب حدّ المحارب ب1 ح2.
(4) وكذا في التهذيب: 10 / 133 ح529.
(5) جواهر الكلام: 41 / 574.

(الصفحة655)



فيتعيّن عليه اختيار ما يناسب المرتبة الواقعة من مراتب المحاربة ، وهذا لا يجتمع مع الجواب الأوّل بوجه .
نعم ، لو لا هذا الاضطراب في الرواية ; لكان مقتضى لزوم حمل الظاهر على النصّ حمل روايات التخيير ـ وكذا الآية الظاهرة فيه ـ على هذه الرواية ; لصراحتها في عدم التخيير ، ولزوم ملاحظة نحو الجناية ومقدارها ، كما لا يخفى .
الثاني : في أنّه بعد ثبوت الترتيب ما كيفيّته ، فعن النهاية(1) والمهذّب(2) وفقه الراوندي(3) والتلخيص(4) يقتل إن قتل قصاصاً ، إن كان المقتول مكافئاً له ولم يعف الوليّ ، ولو عفا وليّ الدم ، أو كان غير مكافىء قتله الإمام حدّاً ، ولو قتل وأخذ المال اُستعيد منه عيناً أو بدلا ، وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ، ثمّ قتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطع مخالفاً ونفي ، ولو جرح ولم يأخذ المال اُقتصّ منه أو اُخذ الدية أو الحكومة ونفي ، ولو اقتصر على شهر السلاح نفي لا غير .
وعن المبسوط(5) والخلاف(6) والتبيان(7) : إن قتل قتل ، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وإن اقتصر على أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإن اقتصر على الإخافة فإنّما عليه النفي .
وعن الوسيلة : لم يخل إمّا جنى جناية أو لم يجن ، فإذا جنى جناية لم يخل إمّا جنى


(1) النهاية: 720.
(2) المهذّب: 2 / 553.
(3) فقه القرآن: 2 / 387 ـ 388.
(4) لم يطبع «التلخيص» للعلاّمة ، لكن حكى عنه في غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 354.
(5) المبسوط: 8 / 48.
(6) الخلاف: 5 / 458 مسألة 2.
(7) التبيان: 3 / 502.

(الصفحة656)



في المحاربة أو في غيرها ، فإن جنى في المحاربة لم يجز العفو عنه ولا الصلح على مال ، وإن جنى في غير المحاربة جاز فيه ذلك ، وإن لم يجن وأخاف نفي عن البلد ، وعلى هذا حتّى يتوب ، وإن جنى وجرح اقتصّ منه ونفي عن البلد ، وإن أخذ المال قطع يده ورجله من خلاف ونفي ، وإن قتل وغرضه في إظهار السلاح القتل كان وليّ الدم مخيّراً بين القود والعفو والدية ، وإن كان غرضه المال كان قتله حتماً وصلب بعد القتل ، وإن قطع اليد ولم يأخذ المال قطع ونفي ، وإن جرح وقتل اُقتصَّ منه ثمّ قتل وصلب ، وإن جرح وقطع وأخذ المال جرح وقطع للقصاص أوّلا إن كان قطع اليد اليسرى ، ثمّ قطع يده اليمنى لأخذ المال ولم يوال بين القطعين ، وإن كان قطع اليمنى قطعت يمناه قصاصاً ورجله اليسرى لأخذ المال(1) .
والمحكيّ عن الرياض أنّه قال : لم أجد حجّة على شيء من هذه الكيفيّات من النصوص ، وإن دلّ أكثرها على الترتيب في الجملة ، لكن شيء منها لا يوافق شيئاً منها ، فهي شاذّة مع ضعف أسانيدها جملة(2) .
وهنا تفصيل آخر اختاره بعض المعاصرين ، وهو أنّه «من شهر السلاح لإخافة الناس نفي من البلد ، ومن شهر فعقر اقتصّ منه ثمّ نفي من البلد ، ومن شهر وأخذ المال قطعت يده ورجله ، ومن شهر وأخذ المال وضرب وعقر ولم يقتل فأمره إلى الإمام ، إن شاء قتله وصلبه ، وإن شاء قطع يده ورجله ، ومن حارب فقتل ولم يأخذ المال كان على الإمام أن يقتله ، ومن حارب وقتل وأخذ المال فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة ، ثمّ يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثمّ يقتلونه ،


(1) الوسيلة: 206.
(2) رياض المسائل: 10/ 210.

(الصفحة657)



وإن عفا عنه أولياء المقتول كان على الإمام أن يقتله ، وليس لأولياء المقتول أن يأخذوا الدية منه فيتركوه»(1) .
وقد استدلّ لهذا التفصيل بأنّه مقتضى الجمع بين الصحيحتين الواردتين في كيفيّة الترتيب :
إحداهما : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتصّ منه ونفي من تلك البلد ، ومن شهر السلاح في مصر من الأمصار وضرب وعقر وأخذ المال ولم يقتل فهو محارب ، فجزاؤه جزاء المحارب ، وأمره إلى الإمام إن شاء قتله وصلبه ، وإن شاء قطع يده ورجله ، قال : وإن ضرب وقتل وأخذ المال فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة ، ثمّ يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثمّ يقتلونه .
قال : فقال له أبو عبيدة : أرأيت إن عفا عنه أولياء المقتول؟ قال : فقال أبو جعفر (عليه السلام) : إن عفوا عنه كان على الإمام أن يقتله ; لأنّه قد حارب وقتل وسرق .
قال : فقال أبو عبيدة : أرأيت إن أراد أولياء المقتول أن يأخذوا منه الدية ويدعونه ألهم ذلك؟ قال : لا ، عليه القتل(2) .
ثانيتهما : صحيحة عليّ بن حسّان ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من حارب الله وأخذ المال وقتل كان عليه أن يقتل أو يصلب ، ومن حارب فقتل ولم يأخذ المال كان عليه أن يقتل ولا يصلب ، ومن حارب وأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن تقطع يده ورجله من خلاف ، ومن حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن ينفى ، ثمّ


(1) مباني تكملة المنهاج: 1 / 318 مسألة 260.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 532، أبواب حدّ المحارب ب1 ح1.

(الصفحة658)



استثنى عزّ وجل : {إِلاّ الَّذِيْنَ تَابُواْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهِم}(1) يعني : يتوبوا قبل أن يأخذهم الإمام(2) .
واشتراك عليّ بن حسّان بين الواسطي الذي هو ثقة ، والهاشمي الذي هو ضعيف لا يوجب خللا في الرواية ، بعد كون الراوي لها هو عليّ بن إبراهيم في تفسيره ، الذي التزم فيه بأن لا يروي فيه إلاّ عن الثقة ، فهو قرينة على كون المراد هو الثقة(3) .
هذا ، ولكن لا يخفى وجود الاضطراب الكامل في الصحيحة الاُولى من جهات عديدة :
من جهة أنّ ظاهر الجملة الاُولى عدم كون المورد المفروض فيها من مصاديق المحارب ; لظهور الصحيحة في أنّ المفروض في الجملة الثانية محاربٌ ومن مصاديقه ، مع أنّه ينطبق على الأوّل أيضاً ; لصدق تعريفه عليه .
ومن جهة ظهور الجملة الثانية في أنّ جزاء المحارب المذكور في الآية الشريفة هو التخيير بين القتل والصلب ، وبين قطع اليد والرجل ، مع أنّ المذكور في الآية إضافة أمر رابع وهو النفي ، مضافاً إلى عدم كون هذا التخيير موافقاً للآية بوجه ، سواء كان المراد منها هو التخيير أو الترتيب ; لأنّه على التقدير الأوّل يكون التخيير بين أربعة اُمور ، وعلى التقدير الثاني وجود الترتيب بين هذه الاُمور لا التخيير بهذا النحو .
ومن جهة ظهور الجملة الثالثة في لزوم قطع اليد اليمنى بالسرقة ، مع أنّ المذكور


(1) سورة المائدة 5: 34.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 536، أبواب حدّ المحارب ب1 ح11.
(3) مباني تكملة المنهاج: 1 / 318 ـ 320 مسألة 260.

(الصفحة659)



في الآية قطع اليد والرجل معاً مخالفاً ، مضافاً إلى أنّ ظاهرها تحقّق السرقة ، مع أنّك عرفت في تعريفها اعتبار الخفاء ، ولا يجتمع ذلك مع المحاربة ، وإلى أنّه لا يعلم الفرق بين هذا الفرض وبين الفرض الثاني مع اشتراكهما في أخذ المال وكون القطع باعتباره ، كما لا يخفى .
ومن غير هذه الجهات . ولعلّه لما ذكرنا قال المحقّق في الشرائع : وتلك الأحاديث  ـ يعني الأحاديث الدالّة على كيفيّة الترتيب ـ لا تنفكّ من ضعف في إسناد ، أو اضطراب في متن ، أو قصور في دلالة(1) .
ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا يمكن الجمع بين الصحيحتين بالنحو الذي ذكره المفصّل ; لتعارضهما في بعض الموارد ، وعدم إمكان الجمع فيه ، مثل ما إذا حارب وأخذ المال ولم يقتل ، فإنّ الثانية تدلّ على تعيّن قطع اليد والرجل عليه ، والاُولى تدلّ على أنّ أمره إلى الإمام ، إن شاء قتله وصلبه ، وإن شاء قطع يده ورجله ، ومثل ما إذا حارب وأخذ المال وقتل ، فإنّ الثانية تدلّ على ثبوت القتل أو الصلب عليه ، والاُولى تدلّ على قطع اليد اليمنى وثبوت القتل ; ولذلك لا يمكن الجمع بينهما .
ثمّ إنّ سائر الروايات الواردة في الترتيب غير معتبرة من حيث السند ، مثل :
رواية عبيد بن بشر الخثعمي ، التي هي موافقة للتفصيل الأوّل في الجملة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قاطع الطريق وقلت : الناس يقولون : إنّ الإمام فيه مخيّر أيّ شيء شاء صنع؟ قال : ليس أيّ شيء شاء صنع ، ولكنّه يصنع بهم على قدر جنايتهم ، من قَطَع الطريق فقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله وصلب ، ومن قطع الطريق فقتل ولم يأخذ المال قتل ، ومن قطع الطريق فأخذ المال ولم يقتل قطعت يده


(1) شرائع الإسلام: 4 / 959 ـ 960.

(الصفحة660)



ورجله ، ومن قطع الطريق فلم يأخذ مالا ولم يقتل نفي من الأرض(1) .
وهي مضافة إلى ضعف السند ـ كما عرفت ـ مضطربة من جهة الجمع بين القطع والصلب في الفرض الأوّل ، والآية تنافيه كما مرّ .
ومثل رواية عبيدالله المدائني ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، التي هي موافقة للتفصيل الثاني في الجملة أيضاً ، قال : سُئل عن قول الله عزّ وجلّ : {إِنَّمَا جَزَاؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَاداً}(2) الآية ، فما الذي إذا فعله استوجب واحدة من هذه الأربع؟ فقال : إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً فقتل قتل به ، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإن شهر السيف وحارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي من الأرض ، الحديث(3) .
وهي مضافة إلى ما ذكرنا في الرواية السابقة من الضعف والاضطراب معارضة معها أيضاً ، لاختلافهما فيما إذا قتل وأخذ المال ; لدلالة هذه على أنّ حدّه هو القتل والصلب ، ودلالة السابقة على أنّ حدّه هو القطع والصلب .
ومثل سائر الروايات الواردة في الترتيب .
ثمّ إنّه ربّما يقال : بأنّ روايات الترتيب مجبورة باستناد المشهور إليها وعملهم بها ، والظاهر أنّ مراد القائل هو أصل الترتيب في مقابل التخيير وإلاّ فكيفيّته محلّ اختلاف بينهم ، كما عرفت في نقل الأقوال المختلفة الواردة في الكيفيّة .
وعليه بعد تسليم ثبوت الشهرة وعدم المناقشة فيها بذهاب مثل المفيد


(1) وسائل الشيعة: 18 / 534، أبواب حدّ المحارب ب1 ح5.
(2) سورة المائدة 5: 33.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 534، أبواب حدّ المحارب ب1 ح4.
<<التالي الفهرس السابق>>