في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة681)



السارق أيضاً يجري فيه حدّ المحارب ، من دون اعتبار الأُمور المعتبرة في إجراء حدّ السارق ، كالمرافعة إلى الحاكم ونحوها ; وذلك لأنّ إنطباق عنوان السارق لا ينفي عنوان المحارب بوجه ، بل يترتّب عليه حكم القطع الذي فيه حدّ السارق أيضاً على تقدير تحقّق شرائطه ، كما لا يخفى .
الثانية : أنّه هل الترتيب معتبر بين قطع اليد اليمنى وبين قطع الرجل اليسرى أم لا؟ ظاهر المتن اعتباره على نحو الاحتياط الوجوبي ، ومنشأه تقديم اليد على الرجل في الذكر في الآية والروايات المتعدّدة المتقدّمة ، ولا يوجد في الروايات خلافه ، مضافاً إلى أنّ ثبوت الأوّل في المرتبة الاُولى من السرقة والثاني في الثانية ربّما يؤيّد أنّ الانتقال إلى الرجل بعد تحقّق قطع اليد ، فتدبّر .
ثمّ إنّه ذكر المحقّق في الشرائع : أنّ كيفيّة قطعه أن تقطع يمناه ثمّ تحسم ، ثمّ تقطع رجله اليسرى وتحسم ، ولو لم تحسم في الموضعين جاز(1) . والمراد بالحسم هو ما يمنع عن الإدماء ، وعليه فلا يتحقّق الإمهال حتّى يقال بعدم جوازه فيما إذا كان الحدّ واحداً .
الثالثة : فيما إذا فقد العضوان أو أحدهما ، ففي الصورة الاُولى : إن قلنا في الحدود الأربعة بالتخيير ، فاللازم أن يختار الحاكم غير القطع ; لامتناع تحقّقه بانتفاء موضوعه ، كما هو الشأن في جميع موارد التخيير إذا امتنع أحد طرفيه أو أطرافه .
وأمّا لو قلنا بالترتيب وتعيّن القطع في المحارب الآخذ للمال إذا لم يكن قاتلا ، فاحتمال سقوط الحدّ في غاية البعد ، وإن جعلنا الأشبه بالقواعد في مثله الانتقال إلى التعزير ، لكنّه فيما لم يكن بعده حدّ ، وأمّا مع ثبوت الحدّ في المرتبة الضعيفة ـ كما


(1) شرائع الإسلام: 4 / 961.

(الصفحة682)

مسألة 12 : لو أخذ المال بغير محاربة لا يجري عليه حكمها ، كما لو أخذ المال وهرب ، أو أخذ قهراً من غير إشهار سلاح ، أو احتال في أخذ الأموال بوسائل كتزوير الأسناد أو الرسائل ونحو ذلك ، ففيها لا يجري حدّ المحارب ولا حدّ السارق ، ولكن عليه التعزير حسب ما يراه الحاكم 1.


في المقام ـ لثبوت النفي في المرتبة التي دون هذه المرتبة ، بناءً على هذا القول فاحتمال السقوط بعيد في الغاية ، وعليه فيحتمل الانتقال إلى النفي ، ويحتمل قطع اليد اليسرى مكان اليمنى ، والرجل اليمنى مكان اليسرى ، فتدبّر .
وفي الصورة الثانية ، إن قلنا في الحدود المذكورة بالترتيب ، فاللازم تعيّن العضو الموجود للقطع ، وإن قلنا بالتخيير فاللازم اختيار غير القطع من سائر الأطراف ; لامتناع تحقّق هذا الطرف .
وممّا ذكرنا يظهر أنّ الجمع بين القول بالتخيير وبين الاقتصار على قطع الموجود كما في الشرائع(1) ممّا لا وجه له ، ويظهر من صاحب الجواهر(2) إرتضاؤه حيث لم يستشكل على الشرائع .

1 ـ الطرق والوسائل إلى أخذ مال الغير بغير وجه شرعي كثيرة ، ولكلّ واحد منها عنوان ، واللازم ملاحظة أحكام تلك العناوين ، فنقول :
الأوّل والثاني : عنوانا السرقة والمحارب ، وقد تقدّم حكمهما ، والحدّ المترتّب عليهما ، والخصوصيّات المعتبرة في صدقهما .
الثالث : عنوان المستلب ، والمنتهب ، والمختطف ، وهو الذي ينهب المال ويهرب


(1) شرائع الإسلام: 4 / 961.
(2) جواهر الكلام: 41 / 596.

(الصفحة683)



من دون محاربة بتجريد سلاح ونحوه ومن دون سرقة .
الرابع : عنوان المختلس ، والظاهر كما في الجواهر أنّ المراد منه أخذ المال من صاحبه عند صدور غفلة منه(1) ، وإن وقع تفسيره في الصحاح(2) وبعض آخر من كتب اللغة(3) بالاستلاب .
الخامس : ما ينبغي أن يكون معنوناً بعنوان المهاجم ، وإن لم يقع التصريح بهذا العنوان في مقابل العناوين الاُخر ، وهو ما لو هجم على غيره لأخذ المال من دون محاربة .
السادس : المحتال ، وهو الذي يحتال على الأموال بوسائل ، كتزوير الأسناد والرسائل ، وارائة نفسه وكيلا للغير في أخذ المال عن آخر مع أنّه لا يكون كذلك .
السابع : المبنِّج والمرقِّد ، وهو من أعطى البنج للغير أو أسقاه المرقد ، ثمّ أخذ ماله بعد حصول النوم أو ذهاب العقل ، وهنا عناوين اُخر ، كعنواني الطرّار والغلول ونحوهما كما يأتي في الروايات ، والظاهر أنّه لا دليل على ثبوت الحدّ في غير الأوّلين ، بل الثابت هو التعزير بمقتضى القاعدة الكليّة الجارية في مثله ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات على عدم ثبوت القطع في بعض هذه العناوين ، مثل :
موثّقة أبي بصير ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سمعته يقول : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا أقطع في الدغارة المعلنة ـ وهي : الخلسة ـ ولكن أعزّره(4) .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أربعة لا قطع


(1) جواهر الكلام: 41 / 597.
(2) صحاح اللّغة: 1 / 733.
(3) القاموس المحيط: 2 / 218.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 502، أبواب حدّ السرقة ب12 ح1.

(الصفحة684)



عليهم : المختلس ، والغلول ، ومن سرق من الغنيمة ، وسرقة الأجير فإنّها خيانة(1) ولا دلالة لها على حصر عدم القطع في الأربعة ، كما لا يخفى .
وروايته الاُخرى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اُتي برجل اختلس درّة من أُذن جارية ، فقال : هذه الدغارة المعلنة ، فضربه وحبسه(2) .
وصحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ليس على الذي يستلب قطع ، وليس على الذي يطرّ الدراهم من ثوب الرجل قطع(3) . وقد تقدّم البحث في الطرّار وأنّ الحكم فيه التفصيل(4) ، فراجع .
وصحيحة عيسى بن صبيح قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الطرّار والنبّاش والمختلس ؟ قال : يقطع الطرّار والنبّاش ، ولا يقطع المختلس(5) . وغير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك .
نعم ، هنا رواية واحدة ظاهرة في ثبوت القطع في بعض هذه العناوين ، وهي :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في رجل استأجر أجيراً وأقعده على متاعه فسرقه ، قال : هو مؤتمن ، وقال في رجل أتى رجلا وقال : أرسلني فلان إليك لترسل إليه بكذا وكذا ، فأعطاه وصدّقه ، فلقى صاحبه فقال له : إنّ رسولك أتاني فبعثت إليك معه بكذا وكذا ، فقال : ما أرسلته إليك وما أتاني بشيء ، فزعم الرسول أنّه قد أرسله وقد دفعه إليه ، فقال : إن وجد عليه بيّنة أنّه لم يرسله قطع يده ، ومعنى ذلك أن يكون الرسول قد أقرّ مرّة أنّه لم يرسله ، وإن لم يجد بيّنة فيمينه


(1) وسائل الشيعة: 18 / 502، أبواب حدّ السرقة ب12 ح3.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 503، أبواب حدّ السرقة ب12 ح4.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 504، أبواب حدّ السرقة ب13 ح1.
(4) تقدّم في ص500 ـ 501.
(5) وسائل الشيعة : 18/512 ، أبواب حدّ السرقة ، ب19 ح10

(الصفحة685)



بالله ما أرسلته ، ويستوفى الآخر من الرسول المال ، قلت : أرأيت إن زعم أنّه إنّما حمله على ذلك الحاجة ، فقال : يقطع ; لأنّه سرق مال الرجل(1) .
هذا ، ولكنّ الظاهر لزوم ردّ علم هذه الرواية إلى أهله ; لأنّ التعليل للقطع بالسرقة مع وضوح عدم صدق عنوان السرقة على موردها ـ كما تقدّم في تعريفها ـ ممّا لا يستقيم ، مضافاً إلى أنّ الجمع بين البيّنة واليمين في شخص واحد ـ مع أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ـ ممّا لا يتمّ ، كما أنّ الظاهر أنّ المدّعي هو الرسول ، واللازم عليه إقامة البيّنة على الرسالة ، وعلى تقدير عدمها تصل النوبة إلى يمين الرجل الذي أنكر الرسالة ، مع أنّ الجمع بين البيّنة على الإقرار لا على عدم الإرسال ، وبين اليمين على عدم الإرسال غير ظاهر الوجه ، فاللازم ما ذكر من ردّ علمه إلى أهله .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 507، أبواب حدّ السرقة ب15 ح1.

(الصفحة686)






(الصفحة687)


خاتمة

في

سائر العقوبات



القول في الإرتداد

مسألة 1 : ذكرنا في الميراث المرتدّ بقسميه وبعض أحكامه ، فالفطريّ لا يقبل إسلامه ظاهراً ، ويقتل إن كان رجلا ، ولا تقتل المرأة المرتدّة ولو عن فطرة، بل تحبس دائماً وتضرب في أوقات الصلوات ، ويضيّق عليهافي المعيشة، وتقبل توبتها ، فإن تابت أُخرجت عن الحبس ، والمرتدّ الملّي يستتاب ، فإن امتنع قتل ، والأحوط استتابته ثلاثة أيّام ، وقتل في اليوم الرابع 1.


1 ـ في هذه المسألة جهات من البحث :
الأولى : في تعريف الفطري والملّي ، وقد فسّرهما في المتن في كتاب الإرث : بأنّ الفطري من كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته ، ثمّ أظهر الإسلام بعد بلوغه ثمّ خرج عنه . والملّي : بأنّه من كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته ، ثمّ أظهر الكفر بعد البلوغ فصار كافراً أصليّاً ، ثمّ أسلم ثمّ عاد إلى الكفر ، كنصرانيّ بالأصل أسلم ثمّ عاد إلى نصرانيّته مثلا(1) ، والكلام في هذا التعريف يقع في اُمور :


(1) تحرير الوسيلة: 2 / 329 مسألة 10 من كتاب المواريث.

(الصفحة688)



الأوّل : في أنّه هل الملاك حال انعقاد النطفة أو حال الولادة؟ ظاهر التعريف هو الأوّل ، كما في ما حكي عن القواعد(1) والمسالك(2) ، ولكن في الشرائع في تعريف الفطري أنّه «من ولد على الإسلام»(3) . وقد أخذ ذلك من صحيحة الحسين بن سعيد قال : قرأت بخطّ رجل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) : رجل ولد على الإسلام ثمّ كفر وأشرك وخرج عن الإسلام ، هل يستتاب ؟ أو يقتل ولا يستتاب؟ فكتب (عليه السلام) : يقتل(4) .
ومرفوعة عثمان بن عيسى قال : كتب عامل (غلام خ ل) أمير المؤمنين (عليه السلام) إليه : إنّي أصبت قوماً من المسلمين زنادقة ، وقوماً من النصارى زنادقة ، فكتب إليه : أمّا من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثمّ تزندق ، فاضرب عنقه ولا تستتبه ، ومن لم يولد منهم على الفطرة فاستتبه ، فإن تاب ، وإلاّ فاضرب عنقه ، وأمّا النصارى فما هم عليه أعظم من الزنذفة(5) . وغيرهما من الروايات التي وقع فيها هذا التعبير .
ولكنّ الظاهر أنّه ليس المراد بالولادة في النصوص وبعض الفتاوى ما يقابل انعقاد النطفة ، بل المراد منها أصل الخلقة ، خصوصاً مع التعبير بالولادة على الفطرة التي هي في الأصل بمعنى الخلقة ، مضافاً إلى أنّ الولادة التي هي الانتقال من عالم الرحم إلى عالم الدنيا لا أثر لها في ذلك ، بل الملاك هو حال الانعقاد الذي يرتبط بالأبوين ويضاف إليهما ، وعليه فلو انعقد منهما في حال الكفر ثمّ أسلم أبواه أو


(1) قواعد الأحكام: 2 / 276.
(2) مسالك الأفهام: 15 / 23.
(3) شرائع الإسلام: 4 / 961.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 545، أبواب حدّ المرتد ب1 ح6.
(5) وسائل الشيعة: 18 / 552، أبواب حدّ المرتد ب5 ح5.

(الصفحة689)



أحدهما حال الولادة لا يكون فطريّاً ; لأنّه لا تكون فطرته عن الإسلام .
ويؤيّد ما ذكرنا أنّه لو فرض موت الأب المسلم حال الولادة وكانت الأمّ كافرة فإنّه لا إشكال كما سيأتي في الحكم بإسلام الولد ، مع أنّ الموجود في حال الولادة لا تكون إلاّ الأمّ التي فرض كفرها ، كما لا يخفى .
الثاني : هل يعتبر في المرتدّ الفطري إظهار الإسلام بعد البلوغ أم لا؟ وبعبارة اُخرى هل يعتبر فيه أن يكون مسلماً بالأصالة ، أو يكفي الإسلام الحكمي التبعي الثابت إلى زمان البلوغ ، فلو انعقدت نطفته على الإسلام ، وبلغ واختار الكفر من دون سبق الإسلام لا يكون مرتدّاً فطرياً على الأوّل ، ويكون على الثاني؟ ظاهر التعريف بل صريحه هو الأوّل ; لما يستفاد من الروايات الواردة في الباب :
منها : موثّقة عمّار الساباطي قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد محمّداً(صلى الله عليه وآله) نبوّته وكذّبه فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتدّ ، ويقسّم ماله على ورثته ، وتعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه(1) . فإنّ قوله (عليه السلام) «كلّ مسلم» ظاهر في المسلم بالأصالة ، وهو الذي اختار الإسلام بعد بلوغه ، ولا يشمل المسلم بالتبع ، وإلاّ لكان اللازم أن يكون ارتداد الطفل موجباً لترتّب الآثار المذكورة في الرواية .
وبالجملة : لا خفاء في أنّ المراد هو الارتداد بعد البلوغ ، وعليه فالمراد بالمسلم أيضاً هو المسلم بعده .
ومنها : صحيحة الحسين بن سعيد المتقدّمة ، فإنّ ظاهر التعبير بالرجل الذي


(1) وسائل الشيعة: 18 / 545، أبواب حدّ المرتد ب1 ح3.

(الصفحة690)



لا يطلق على غير البالغ ، ثمّ عطف الكفر والشرك عليه ـ أي على ولادة الرجل على الإسلام ـ أنّ المراد هو البالغ الذي اختار الإسلام بعد بلوغه ثمّ ارتدّ وخرج عنه .
ومنها : المرفوعة المتقدّمة ، المشتملة على قوله (عليه السلام) : «أمّا من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثمّ تزندق» فإنّ ظاهرها تأخّر التزندق عن كونه مسلماً ، وقد عرفت أنّ المراد به هو المسلم بالأصل ، وإلاّ يلزم ما ذكرنا في الموثّقة ، وعليه فلا ينبغي الإشكال فيما ذكر . هذا في المرتد الفطري .
وأمّا المرتد الملّي، فقد اعتبر في تعريفه ـ مضافاً إلى كون أبويه كافرين حال انعقاد النطفة ـ أن يختار الكفر بعد البلوغ ثمّ أسلم ثمّ ارتدّ . والوجه فيه ما في مثل صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن مسلم تنصّر؟ قال: يقتل ولا يستتاب . قلت : فنصرانيّ أسلم ثمّ ارتد ؟ قال : يستتاب ، فإن رجع ، وإلاّ قتل(1) .
فإنّ ظاهر النصرانيّ هو النصرانيّ بالأصل الذي هو عبارة عن اختياره له بالغاً ، فالحكم في الرواية قد رتّب على الكافر الأصليّ الذي اختار الإسلام ثمّ ارتدّ ورجع ، ودعوى أنّ ذلك لا ينافي ترتّبه أيضاً على غير هذا المورد ، مثل ما إذا اختار الإسلام بعد البلوغ بلا فصل ثمّ ارتدّ ، كما ربّما يستفاد من المرفوعة المتقدّمة ، فإنّ قوله (عليه السلام) : من لم يولد منهم على الفطرة عامّ يشمل الفرض المذكور ، مدفوعة بضعفها من حيث السند وعدم نهوضها لإثبات الحكم فيه أيضاً ، فتأمّل .
الثالث : لا خفاء في الحكم بإسلام الولد فيما إذا كان أبواه مسلمين ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الإجماع بل الضرورة ـ مثل موثّقة عمّار المتقدّمة ، المشتملة على قوله (عليه السلام) : كلّ مسلم بين مسلمين .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 545، أبواب حدّ المرتد ب1 ح5.

(الصفحة691)



وأمّا إذا كان أحد أبويه مسلماً فربّما يستدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى الإجماع ـ بأمرين :
أحدهما : ما دلّ على أنّ الرجل المسلم إذا مات ، وكانت زوجته أو أمته حاملا يعزل ميراثه ، فينتظر به حتّى يولد حيّاً ، فإنّه يدلّ بإطلاقه على أنّ الحمل يرث إذا ولد حيّاً ، وإن كانت الزوجة أو الأمة غير مسلمة ، وبضميمة أنّ وارث المسلم يعتبر فيه الإسلام يثبت أنّه محكوم بالإسلام من أوّل ولادته ، وكذلك إذا ماتت الأمّ المسلمة وتركت ولداً من كافر ولو لأجل الوطء بالشبهة ، أو أسلمت الأمّ بعد الحمل وقبل الولادة ، فإنّ الولد يرثها بمقتضى إطلاق الأدلّة ، فيثبت إسلامه بالملازمة المذكورة .
ويرد عليه : أنّ ما دلّ على ثبوت الإرث للحمل وعزله حتّى يولد حيّاً لا إطلاق فيه من هذه الجهة ; لعدم كونه إلاّ في مقام بيان أنّ الحمل عند تحقّق موت الأب لا يمنع عن ثبوت الإرث ، ولا يشترط في ثبوته كون الوارث متولّداً في حال الموت . وأمّا ثبوت الإرث له ولو كانت اُمّه كافرة فلا دلالة له عليه أصلا ، ولا تكون هذه الأدلّة في مقام بيانه بوجه .
كما أنّ التمسّك بإطلاق الأدلّة في الفرض الثاني مع ثبوت الملازمة واشتراط كون وارث المسلم لابدّ وأن يكون مسلماً ، فيه ما لا يخفى ، مضافاً إلى أنّ المثال الثاني مناف لما ذكرنا من أنّ الملاك حال الانعقاد لا حال الولادة .
ثانيهما : رواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الصبيّ يختار الشرك وهو بين أبويه ، قال : لا يترك ، وذاك إذا كان أحد أبويه نصرانيّاً(1) .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 546، أبواب حدّ المرتد ب2 ح1.

(الصفحة692)



وصحيحة أبان ـ على رواية الصدوق ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الصبيّ إذا شبّ فاختار النصرانيّة وأحد أبويه نصرانيّ أو مسلمين ، قال : لا يترك ، ولكن يضرب على الإسلام(1) .
وهذه الرواية قرينة على أنّ المراد بقوله (عليه السلام) في الرواية الاُولى : «إذا كان أحد أبويه نصرانيّاً» ليس إلاّ ما يقابل كونهما نصرانيّين ، لا ما يقابل كونهما مسلمين ، وعليه فمفاد الروايتين أنّه مع إسلام الأبوين أو أحدهما حيث يكون الصبيّ محكوماً بالإسلام تبعاً ، فإذا اختار في ذلك الحال أي قبل البلوغ النصرانيّة والشرك فاللازم أن لا يترك ، بل يضرب ; لأجل كونه محكوماً بالإسلام ، وليس المراد بقوله : «إذا شبّ» البلوغ ، وإلاّ لا يجتمع مع التعبير بالصبي .
ثمّ إنّ قوله في الرواية الثانية : «أو مسلمين» لا ينطبق على قواعد العربيّة ، ويحتمل قويّاً أنّه كان في الأصل أو كانا مسلمين ، أو بين مسلمين ، ومثلهما ، وبالجملة ، فهذا الدليل الثاني تامّ صالح للحكم بالتبعيّة في الإسلام إذا كان أحد الأبوين مسلماً .
الجهة الثانية : في حكم المرتدّ الفطري إذا كان رجلا ، فالمشهور أنّه لا تقبل توبته ، بل يجب قتله ، وعن الإسكافي أنّه يستتاب ، فإن تاب وإلاّ قتل(2) . وحكي عن بعض التفصيل في قبول التوبة بين الباطن والظاهر ، فتقبل على الأوّل دون الثاني(3) ، وفي تفسير الباطن والظاهر احتمالات :
أحدها : أن يكون المراد بالباطن العقاب في الآخرة بالإضافة إلى الكفر


(1) وسائل الشيعة: 18 / 546، أبواب حدّ المرتد ب2 ح2.
(2) لم نعثر عليه في المختلف، نعم حكي عنه في مسالك الأفهام: 15 / 24.
(3) الروضة البهيّة: 8 / 30 وج9 / 337.

(الصفحة693)



والارتداد الذي صدر منه ، وبالظاهر هو كلّ ما يرتبط به في الدنيا من النجاسة وبطلان العبادة وغيرهما ، فالتوبة لا تأثير لها في رفع الحكم بالنجاسة الثابتة بسبب الارتداد والكفر ، ولا في الحكم بصحّة عباداته .
وربّما يستشكل في ذلك بأنّه بعد التوبة إن قلنا بثبوت التكاليف العبادية بالإضافة إليه ، فاللازم أن يكون مكلّفاً بما لا يكون قادراً عليه ، وإن قلنا بسقوطه ، فاللازم الالتزام بعدم كون البالغ العاقل مكلّفاً ، ولا مجال للالتزام به أصلا ، مضافاً إلى أنّه أفتى غير واحد في بحث القضاء من الصلاة بأنّ المرتدّ يقضي زمان ردّته وإن كان عن فطرة(1) ، بل حكي غير واحد الإجماع عليه(2) ، بل في ناصريّات المرتضى إجماع المسلمين على ذلك(3) ، وهو لا يتمّ إلاّ على قبول توبته .
وإلى أنّ قوله تعالى : {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(4)ظاهرٌ في أنّ من لم يمت كذلك لا يكون له الجزاء المذكور فيه ، وظاهر أنّ الارتداد في الآية مطلق يشمل الفطري أيضاً .
ولكنّه أجاب صاحب الجواهر(قدس سره) عن الإشكال بما يرجع إلى أنّه يمكن الالتزام بثبوت التكليف ، وعدم القدرة لا يقدح بعد كونه بسوء الاختيار ، خصوصاً بعد إطّلاعه عليه قبلا ، ويمكن الالتزام بسقوط التكليف باعتبار أنّ الشّارع نزّله منزلة


(1) المبسوط: 1 / 126، السرائر: 1 / 277، المختصر النافع: 73، إصباح الشيعة: 100، اللمعة الدمشقيّة: 19، مسالك الأفهام: 1 / 301.
(2) غنية النزوع: 99، الخلاف: 1 / 443 مسألة 190.
(3) الناصريّات: 252.
(4) سورة البقرة 2: 217.

(الصفحة694)



الميّت ; ولذا حكم باعتداد زوجته عدّة الوفاة ، وبأنّه تقسّم أمواله بين ورثته .
وأجاب عن التأييد الأوّل بأنّ الإجماع على قضاء زمان الردّة ولو عن فطرة إنّما هو في مقام بيان أنّ الكفر الارتدادي لا يسقط القضاء لو تعقّبه الإسلام ، بخلاف الكفر الأصليّ ، ويكفي في المثال للفطري المرأة التي تقبل توبتها ولو كانت عن فطرة .
وذكر في أواخر كلامه : أنّ العمدة ترجيح ما جاء في خصوص الفطري من نفي التوبة في غير واحد من النصوص ، وما جاء من عموم التوبة وهو ـ أي الترجيح ـ إن لم يكن للأوّل للشهرة المحكيّة وغيرها ، فلا أقلّ من الشكّ ، والأصل يقتضي عدم القبول(1) .
ويرد عليه أنّ الالتزام بسقوط التكليف ـ مضافاً إلى أنّه بعيد عن مذاق الشرع وخارج عن طريق الفقه ـ ممّا لم يدلّ عليه دليل ، والحكم باعتداد الزوجة وتقسيم أمواله لا دلالة له على تنزيله منزلة الميّت مطلقاً ، بحيث لا يكون صالحاً للإرث بعد التوبة من الميّت المسلم ، ولجواز المعاملة معه وغيرهما ، فالظاهر ثبوت التكليف والالتزام بعدم القدرة على الإطاعة ، وإن كان منشؤه الارتداد الذي هو أمر إختياريّ له ، لا يناسب ما هو المرتكز في أذهان المتشرّعة ، كما لا يخفى .
وأمّا الحكم بقضاء زمان الردّة ، فلو كان مختصّاً بالمرأة في المرتدّ الفطري ; لكان اللازم التنبيه عليه والإشارة به ، وليس في كلامهم من هذه الجهة عين ولا أثر ، مع أنّه لم يتصدّ للجواب عن الآية الظاهرة في ترتّب الحبط المذكور فيها على الارتداد الباقي إلى الموت ولم يتعقّبه توبة .
وأمّا ما أفاده أخيراً ، فيرد عليه ظهور النصوص في كون عدم الاستتابة إنّما هو


(1) جواهر الكلام: 41 / 606 ـ 608.

(الصفحة695)



بلحاظ القتل فقط ، أو مع انضمام البينونة والاعتداد وتقسيم الأموال ، ويدلّ عليه وقوع التعبير بالاستتابة في أكثر النصوص ، وذكر القتل بعد النهي عنها ، كما في صحيحة حسين بن سعيد المتقدّمة ومثلها ، وظاهره بعد إلغاء خصوصيّة الاستتابة وإسراء الحكم إلى التوبة ولو من دون استتابة ، أنّ المراد عدم القبول بالإضافة إليه .
نعم ، ذكر في رواية واحدة نفي التوبة له ، وهي : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المرتدّ ، فقال : من رغب عن الإسلام وكفر بما اُنزل على محمّد(صلى الله عليه وآله) بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله ، وبانت منه امرأته ، ويقسّم ما ترك على ولده(1) .
وظاهرها ولو بقرينة سائر الروايات عدم القبول بالإضافة إلى الأحكام المذكورة فيها ، لا بالنسبة إلى جميع الأحكام ، ولو شكّ في ذلك فمقتضى لزوم الرجوع إلى المطلق فيما إذا شكّ في سعة دائرة التقييد وضيقها الحكم بقبول التوبة ، لا الرجوع إلى استصحاب العدم كما أفاده(قدس سره)
وعلى ماذكرنا من قبول توبته يحكم بطهارة بدنهوصحّة عباداتهوجواز التزويج بالمسلمة ، ولو كانت هي امرأته بعد الاعتداد ، بل في أثناء العدّة على احتمال كالمطلّقة بائناً، قد حكي التصريح به عن ثاني الشهيدين(2) وإن كان هو محلّ إشكال.
كما أنّه لا ينتقل إلى ورثته ما يملكه بعد التوبة ، سواء كان بأسباب اختياريّة أو قهرية ، بل يمكن أن يقال بأنّه يملك ، ولا ينتقل إلى ورثته ما يتعلّق به بعد الارتداد ، فإذا اكتسب واتّجر بعده واستفاد يصير مالكاً ولا ينتقل إلى الورثة ; لأنّ ما تقدّم من


(1) وسائل الشيعة: 18 / 544، أبواب حدّ المرتد ب1 ح2.
(2) الروضة البهيّة: 9 / 338، مسالك الأفهام: 15 / 35.

(الصفحة696)



النصوص غاية مفاده انتقال الأموال التي هي ملك له في حال حدوث الارتداد ، وأمّا ما يملكه في زمان الارتداد فلا دلالة للنصوص على انتقاله أيضاً ، وقد عرفت في مقام الإشكال على صاحب الجواهر أنّه لا يستفاد من الروايات أنّ المرتدّ الفطري منزّل منزلة الميّت في جميع الأحكام والآثار ، بحيث لم يكن صالحاً للمالكيّة ولا للوارثيّة ولا لمثلهما .
ثمّ إنّ ظاهر المتن هنا عدم قبول توبة المرتدّ ظاهراً مطلقاً ، مع أنّ المذكور في المتن في كتاب الإرث هذه العبارة : «نعم ، تقبل توبته باطناً وظاهراً أيضاً بالنسبة إلى بعض الأحكام ، فيطهر بدنه ، وتصحّ عباداته ، ويملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختياريّة كالتجارة والحيازة ، والقهريّة كالإرث ، ويجوز له التزويج بالمسلمة ، بل له تجديد العقد على زوجته السابقة»(1) .
وظاهره المنافاة ، إلاّ أن يقال : بأنّ معنى عدم قبول التوبة ظاهراً هو عدم قبولها في خصوص الأحكام المذكورة في الروايات ، كالقتل والبينونة والتقسيم ، ومعنى قبول التوبة واقعاً هو قبولها بالإضافة إلى سائر الأحكام التي أشرنا إلى كثير منها بضميمة رفع العقوبة الاُخروية المترتّبة على الارتداد ، وعليه فيحصل الاحتمال الثاني في تفسير الباطن والظاهر .
واحتمل صاحب الجواهر أن يكون هذا هو المراد من التفصيل بين الظاهر والباطن(2) لا الاحتمال الأوّل الذي ذكرناه ، ولا الاحتمال الثالث ، وهو أن يكون المراد به قبول التوبة بالنسبة إليه خاصّة دون من يباشره .


(1) تحرير الوسيلة: 2 / 329 مسألة 10.
(2) جواهر الكلام: 41 / 605 ـ 606.

(الصفحة697)



وكيف كان ، فقد انقدح أنّ مقتضى التحقيق هو قبول توبته بالإضافة إلى غير الأحكام المذكورة في الروايات .
الجهة الثالثة : في حكم المرتدّة مطلقاً ، فطريّة كانت أو مليّة ، والظاهر اتّفاق النصّ والفتوى على أنّها لا تقتل مطلقاً ، بل تحبس دائماً ، وتضرب أوقات الصلوات ، ويضيّق عليها في المعيشة .
ففي صحيحة حمّاد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرتدّة عن الإسلام ، قال : لا تقتل وتستخدم خدمةً شديدة ، وتمنع الطعام والشراب إلاّ ما يمسك نفسها ، وتلبس خشن الثياب ، وتضرب على الصلوات . وفي رواية الصدوق : أخشن الثياب(1) .
والظاهر إطلاق المرتدّة وشمولها لكلتي قسميها ، والجواب وإن لم يقع فيه التصريح بالحبس ، إلاّ أنّ ظاهره كونها في جميع الحالات تحت مراقبة الحاكم ونظارته ، وهذا لا يكاد يتحقّق بدون الحبس ، كما لا يخفى .
وفي صحيحة حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يخلَّد في السجن إلاّ ثلاثة : الذي يمسك على الموت ، والمرأة ترتدّ عن الإسلام ، والسارق بعد قطع اليد والرجل(2) . والمراد بقوله (عليه السلام) : «يمسك على الموت» كما في الوافي : أي يمسك إنساناً حتّى يقتله آخر بغير حقٍّ(3) .
نعم ، هنا رواية ربّما يظهر منها الخلاف ، وأنّها تقتل ، وهي : صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، في وليدة كانت نصرانيّة فأسلمت وولدت لسيّدها ، ثمّ إنّ سيّدها مات وأوصى بها عتاقة السريّة على عهد


(1) وسائل الشيعة: 18 / 549، أبواب حدّ المرتد ب4 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 550، أبواب حدّ المرتد ب4 ح3.
(3) الوافي: 15 / 493.

(الصفحة698)



عمر ، فنكحت نصرانيّاً ديرانيّاً وتنصّرت ، فولدت منه ولدين وحبلت بالثالث ، فقضى فيها أن يعرض عليها الإسلام ، فعرض عليها الإسلام ، فأبت فقال : ما ولدت من ولد نصرانيّاً فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيّدها الأوّل ، وأنا أحبسها حتّى تضع ولدها ، فإذا ولدت قتلتها(1) .
وذكر الشيخ بعد نقل الرواية أنّه مقصور على ما حكم به عليّ (عليه السلام) ولا يتعدّى إلى غيرها ، قال : ولعلّها تزوّجت بمسلم ثمّ ارتدّت وتزوّجت فاستحقّت القتل لذلك(2) .
والوجه في ثبوت القتل في هذه الصورة هو التزويج بالكافر مع كونها في عدّة الطلاق بالنسبة إلى المسلم ; لأجل ارتدادها والدخول بعده الموجب لتحقّق الزنا المقرون بالإحصان .
ويرد على حمل الشيخ(قدس سره) ـ مضافاً إلى أنّه لا إشعار في الرواية فضلا عن الدلالة في تحقّق التزويج بالمسلم بعد موت السيّد ـ أنّ ظاهر الرواية أنّ العلّة للقتل هو الإباء عن قبول الإسلام بعد العرض عليها ، وبعبارة اُخرى هو عدم التوبة ، فلو كانت العلّة ما أفاده لم يكن فرق بين التوبة وعدمها أصلا .
هذا ، ولكن الصحيحة لأجل اشتمالها على الحكم بأنّ ولدها غير الولد الأوّل عبيد له ، مع أنّه لا وجه ظاهراً للحكم برقيّتهم ، خصوصاً مع عدم عود الأم إلى الرقّية كما هو ظاهر الرواية ، وكذا اشتمالها على الحكم بقتل المرتدّة الملّية التي هي موردها مع اتّفاق النصّ والفتوى على أنّها لا تقتل ، لابدّ من ردّ علمها إلى أهلها ،


(1) وسائل الشيعة: 18 / 550، أبواب حدّ المرتد ب4 ح5.
(2) التهذيب: 10 / 143 ـ 144.

(الصفحة699)



كما لا يخفى .
ثمّ إنّه لا إشكال في قبول توبة المرتدّة في الجملة ، إنّما الإشكال في اختصاص القبول بالمرتدّة المليّة ، أو عمومه للمرتدّة الفطرية أيضاً ، وفي هذا المجال روايتان :
إحداهما : صحيحة ابن محبوب ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) في المرتدّ يستتاب ، فإن تاب وإلاّ قتل ، والمرأة إذا ارتدَّت عن الإسلام استتيبت ، فإن تابت وإلاّ خُلّدت في السجن وضيّق عليها في حبسها(1) .
ثانيتهما : موثّقة عباد بن صهيب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : المرتدّ يستتاب ، فإن تاب وإلاّ قتل ، والمرأة تستتاب ، فإن تابت وإلاّ حبست في السجن واُضرَّ بها(2) .
وفي محكيّ المسالك : «ليس في هذه الأخبار ـ أي مجموع روايات الباب ـ ما يقتضي قبول توبتها في الحالين ، والخبر الأخير ـ أي خبر عباد ـ كما تضمّن قبول توبتها تضمّن قبول توبة المرتدّ الذكر ، وحمله على المرتدّ الملّي يرد مثله فيها ، فيمكن حمل الأخبار الدالّة على حبسها دائماً من غير تفصيل على الفطريّة ، بأن يجعل ذلك حدّها من غير أن تقبل توبتها ، كما لا تقبل توبته ، وفي التحرير : لو تابت فالوجه قبول توبتها وسقوط ذلك عنها ، وإن كانت عن فطرة(3) ، وهو يشعر بخلاف في قبول توبتها إذا كانت فطريّة ، وهو المناسب لحال هذه النصوص»(4) .
وفي الجواهر بعد نقل هذه العبارة : وفيه أنّ الأنسب منه حملها على عدم التوبة بقرينة الخبرين المزبورين المجبورين بالعمل ، ولا ينافي اشتمالهما على قبول توبة


(1) وسائل الشيعة: 18 / 550، أبواب حدّ المرتد ب4 ح6.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 550، أبواب حدّ المرتد ب4 ح4.
(3) تحرير الأحكام: 2 / 235.
(4) مسالك الأفهام: 15 / 26.

(الصفحة700)



المرتدّ الذكر ، المحمول على الملّي ، كغيرهما من النصوص المعتضدة بالعمل أيضاً(1) .
أقول : لا يحتاج الخبران إلى الجبر بالعمل بعد كون الثاني موثّقاً ، لتوثيق عباد وإن كان عاميّاً ، وبعد عدم كون الأوّل مرسلا ، للفرق بين مثل قوله : بعض أصحابنا ، وبين مثل قوله : غير واحد من أصحابنا ، فتدبّر .
فالحقّ بمقتضى الروايتين قبول توبة المرتدّة مطلقاً ولو كانت عن فطرة .
نعم ، هنا شيء ; وهو أنّ ظاهر المتن قبول توبة المرتدّة في أيّام حبسها مطلقاً ، فإذا تابت بعد سنة مثلا تقبل توبتها واُخرجت عن الحبس ، مع أنّ ظاهر الخبرين المزبورين الواردين في هذا الباب هو لزوم استتابتها كاستتابة المرتدّ الملّي ، وترتّب التوبة عليها بلا فصل ، غاية الأمر أنّه يستفاد من ذلك أنّها لو سبقت إلى التوبة قبل الاستتابة تكون توبتها مقبولة ; لأنّه لا موضوعيّة للاستتابة ، وأمّا لو فرض تحقّق الاستتابة بعد ارتدادها والإباء عن قبولها ، ثمّ بدا لها أن تتوب بعد سنة مثلا ، فهل يستفاد من الخبرين القبول في هذه الصورة أم لا؟ الظاهر هو العدم .
الجهة الرابعة : في حكم المرتدّ الملّي ، والظاهر أنّه لا إشكال كما أنّه لا خلاف في لزوم استتابته وترتّب القتل على عدم التوبة عقيبها ، والدليل عليه الجمع بين الروايات المختلفة الواردة في بحث المرتدّ ، وهي على طوائف ثلاث :
الاُولى : ما دلّ على وجوب قتل المرتدّ مطلقاً ، كصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في الجهة الثانية ، المشتملة على قوله (عليه السلام) عقيب السؤال عن المرتدّ ، الظاهر في مطلق المرتدّ : «من رغب عن الإسلام وكفر بما اُنزل على محمّد(صلى الله عليه وآله) بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله» .


(1) جواهر الكلام: 41 / 612.
<<التالي الفهرس السابق>>