(الصفحة401)
بالمجذوم ما لم يتناثر منه شيء ، وإلاّ فيقتصّ بمقدار غير المتناثر . والصغير والكبير والأفطس والأشمّ والأقنى سواء . والظاهر عدم اقتصاص الصحيح بالمستحشف الذي هو كالشلل ، ويقتصّ بقطع المارن وبقطع بعضه ، والمارن هو ما لان من الأنف ، ولو قطع المارن مع بعض القصبة فهل يقتصّ المجموع أو يقتصّ المارن وفي القصبة حكومة؟ وجهان ، وهنا وجه آخر ، وهو القصاص ما لم تصل القصبة إلى العظم ، فيقتصّ الغضروف مع المارن ولا يقتصّ العظم1.
1 ـ أمّا أصل ثبوت القصاص في الأنف ، فيدلّ عليه الكتاب ولا شبهة فيه . وأمّا اقتصاص الأنف الشامّ بعادمه فلأجل عدم ارتباط الشمّ بالعضو ، فهو كقطع الأذن الصحيحة بالصمّاء على ما عرفت .
كما أنّ الظاهر اقتصاص الصحيح بالمجذوم إذا لم يتناثر منه شيء ، كما في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع(1) . لكن عن القواعد(2) وكشف اللثام(3) أنّه لا يقطع العضو الصحيح بالمجـذوم وإن لم يسقط منه شيء فإنّه معرض له ، ولكن يرد عليهما أن المعرضية للسقوط ما دام لم يتحقّق السقوط لا دليل على كونها مانعة عن القصاص في مقابل العمومات ، ولا دليل على كونه كالأنف المستحشف الذي يكون فاقداً لآثار الحياة وعادماً للحركة الطبيعية ، حيث لا يقتصّ به الصحيح ، كما في الأذن المستحشف وفي اليد الشلاّء على ما تقدّم . نعم مع سقوط مقدار منه بالجذام يتحقّق الاقتصاص بمقدار غير المتناثر .
ولا فرق أيضاً بين الصغير والكبير ، والأفطس الذي هو من انخفضت قصبة
(1) شرائع الإسلام: 4 / 1010 .
(2) قواعد الأحكام: 2 / 303 .
(3) كشف اللثام: 2 / 471 .
(الصفحة402)
مسألة 29 ـ يقتصّ المنخر بالمنخر مع تساوي المحلّ ، فتقتصّ اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى ، وكذا يقتصّ الحاجز بالحاجز ، ولو قطع بعض الأنف قيس المقطوع إلى أصله واقتصّ من الجاني بحسابه ، فلو قطع بعض المارن قيس إلى تمامه ، فإن كان نصفاً يقطع من الجاني النصف أو ثلثاً فالثلث ، ولا ينظر إلى عظم المارن وصغره ، أو قيس إلى تمام الأنف فيقطع بحسابه لئلاّ يستوعب أنف الجاني إن كان صغيراً1.
أنفه ، والأشم الذي هو من ارتفعت قصبته قليلاً في استواء ، والأقنى الذي هو عبارة عمن ارتفع وسط قصبته وضاق منخراه ، هذا كلّه في قطع تمام الأنف .
وأمّا قطع البعض فإن كان المقطوع هو المارن الذي هو ما لان من الأنف أو بعضه فالظاهر ثبوت القصاص فيه لإمكانه وشمول الأدلّة ، وإن كان المقطوع هو المارن مع بعض القصبة فهل يقتصّ المجموع لإمكانه ، أو يقتصّ المارن وفي القصبة حكومة; لأنّها غضروف وهو نوع من العظم ولا قصاص فيه ، أو ثبوت القصاص في القصبة ما لم تصل إلى العظم ; لأنّ العظم الذي لا يجري فيه القصاص هو العظم المشتمل على الصعوبة ، وأمّا الغضروف فلا مانع من جريان القصاص فيه؟ وجوه ثلاثة; لا يبعد ترجيح الوجه الثالث كما ربّما يشعر به المتن .
1 ـ في هذه المسألة فرعان:
أحدهما: ثبوت القصاص في أحد المنخرين اللّذين هما ثقبا الأنف مع التساوي في المحلّ ، وكذا في الحاجز ، والوجه فيه شمول الأدلة وثبوت الحدّ له الموجب لإمكان القصاص .
ثانيهما: مقدار القصاص في قطع بعض الأنف ، وذكر في المتن ثبوت طريقين له:
(الصفحة403)
أحدهما: مقايسة المقدار المقطوع من المارن مثلاً مع تمام المارن ، إن نصفاً فنصف ، وإن ثلثاً فثلث ، وهكذا ، من دون نظر إلى عظم المارن وصغره .
ثانيهما: مقايسة المقدار المذكور مع مجموع الأنف بالنحو المذكور ، والاقتصاص من الجاني بالحساب ، وعلّل الوجهين بأن لا يتحقّق استيعاب أنف الجاني إن كان صغيراً . والظاهر عدم الاختلاف بين الوجهين إلاّ أحياناً وبمقدار يسير .
وفي الجواهر: كذا ذكره من تعرّض لذلك كالشيخ(1) والفاضل(2) وثاني الشهيدين(3) والاصبهاني(4) . ثم أورد عليه باقتضائه قطع القليل بالكثير وبالعكس ، وبمنافاته لما مرّ في الشجاج من أنّه لو كان رأس الشاج صغيراً استوعبناه وأخذنا أرش الزائد بنسبة المتخلّف إلى أصل الجرح . ثم قال: اللّهمّ إلاّ أن يدعى استفادة النسبة المزبورة ممّا ورد من قوله تعالى: {الأَنفَ بِالأَنفِ}(5) مثلاً ، ولكنّه كما ترى . ثم قال: ولعلّ الأولى فيه التقاصّ بما يمكن منه عرفاً والرجوع في غيره إلى الدية(6) .
أقول: الظاهر أنّ الفرق بين المقام وبين الشجاج ـ وهي الجراحات الواردة على الرأس ـ هو العرف الحاكم بتقدير الجناية في الرأس من جهة الطول والعرض والعمق ، وبتقديرها في المقام من جهة تمام المارن مثلاً أو نصفه وهكذا لا من جهة
(1) المبسوط : 7 / 96 .
(2) تحرير الأحكام: 2 / 259 .
(3) الروضة البهية: 10 / 86 .
(4) كشف اللثام: 2 / 477 .
(5) المائدة 5 : 45 .
(6) جواهر الكلام: 42 / 384 .
(الصفحة404)
مسألة 30 ـ تقتصّ الشفة بالشفة مع تساوي المحلّ ، فالشفة العليا بالعليا والسفلى بالسفلى ، وتستوي الطويلة والقصيرة ، والكبيرة والصغيرة ، والصحيحة والمريضة ما لم يصل إلى الشلل ، والغليظة والرقيقة ، ولو قطع بعضها فبحساب المساحة كما مرّ ، وقد ذكرنا حدّ الشفة في كتاب الديات1.
مسألة 31 ـ يثبت القصاص في اللسان وبعضه ببعض بشرط التساوي في النطق ، فلا يقطع الناطق بالأخرس ويقطع الأخرس بالناطق وبالأخرس ، والفصيح بغيره ، والخفيف بالثقيل ، ولو قطع لسان طفل يقتصّ به إلاّ مع إثبات خرسه ، ولو ظهر فيه علامات الخرس ففيه الدية2.
المساحة ، فالفارق هو العرف ، ومنه يظهر عدم تمامية العلّة المذكورة في المتن ، فإنّ الاستيعاب بمجرّده لو كان مانعاً لكان مانعاً في الرأس أيضاً ، فتدبّر .
1 ـ أما أصل ثبوت القصاص في الشفة ، فيدلّ عليه عمومات أدلّة القصاص بضميمة إمكان القصاص ورعاية المماثلة ، واللاّزم رعاية تساوي المحلّ من جهة العلو والسفل ، ولا فرق فيه من جهة الخصوصيات والعوارض المؤثِّرة في كثرة النفع وقلّته وجماله وغيره ما لم يصل إلى الشلل الموجب لانعدام الحركة الطبيعيّة وزوال آثار الحياة ، فلا يقتصّ بها الصحيحة كما في اليد الشلاّء وغيرها ، ولو قطع بعضها فبحساب المساحة المركّبة من الطول والعرض كما في الرأس ، وحدّ الشفة مذكور في كتاب الديات ، وسيأتي إن شاء الله تعالى .
2 ـ أمّا أصل ثبوت القصاص في اللّسان وفي بعضه فلما ذكر في المسألة السابقة ، ويشترط فيه التساوي في النطق ، فلا يقطع الناطق بالأخرس ، ولا يقاس اللسان
(الصفحة405)
مسألة 32 ـ في ثدي المرأة وحلمته قصاص ، فلو قطعت امرأة ثدي أخرى أو حلمة ثديها يقتصّ منها ، وكذا في حلمة الرجل القصاص فلو قطع [الرجل] حلمته يقتصّ منه مع تساوي المحلّ ، فاليمنى باليمنى واليسرى باليسرى ، ولو قطع الرجل حلمة ثدي المرأة فلها القصاص من غير ردّ1.
بالاُذن التي عرفت استقلالها عن القوّة السامعة ، وجريان الاقتصاص في الصحيحة وإن كان المجنيّ عليها صمّاء ، وذلك للفرق بارتباط النطق باللسان بخلاف الاُذن ، كما لا يخفى . ولا فرق في الاقتصاص بين الخصوصيات من جهة الفصاحة والخفّة وغيرهما .
ولو قطع لسان طفل ، فإن ظهر فيه علامات الخرس فلا يجري فيه الاقتصاص ، كما أنّه لو ظهر فيه علامات النطق يتحقّق الاقتصاص بلا إشكال ، وفي صورة الشكّ وعدم ظهور شيء من العلامتين فظاهر المتن الثبوت . ولعلّ الوجه فيه أصالة السلامة الناشئة من غلبتها المعتبرة عند العقلاء ، وإلاّ فالظاهر عدم الثبوت ، لأنّه لا مجال للتمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية للمخصّص . بل يمكن القول بأنّ المقام شبهة مصداقية لنفس العامّ ، لاعتبار المماثلة في مفهوم القصاص وهي مشكوكة ، ولا شبهة فيه في عدم جواز التمسك ، كما لا يخفى .
1 ـ أمّا أصل ثبوت القصاص في ثدي المرأة وكذا في حلمته وفي حلمة الرجل فلما مرّ من عموم أدلّة القصاص ، غاية الأمر لزوم رعاية تساوي المحلّ من جهة اليمين واليسار ، فلو تساوى الجاني والمجنيّ عليه من جهة الذكورة والاُنوثة فالأمر واضح . ولو اختلفا فان قطع الرجل حلمة ثدي المرأة ففي المتن: ان لها القصاص من غير ردّ ، ومقتضاه ثبوت القصاص في العكس أيضاً . ومرجعه إلى أنّ اختلاف
(الصفحة406)
مسألة 33 ـ في السنّ قصاص بشرط تساوي المحلّ ، فلا يقلع ما في الفكّ الأعلى بما في الأسفل ولاالعكس ، ولا ما في اليمين باليسار وبالعكس ، ولا تقلع الثنية بالرباعية أو الطاحن أو الناب أو الضاحك وبالعكس ، ولا تقلع الأصلية بالزائدة ، ولا الزائدة بالأصلية ، ولا الزائدة بالزائدة مع اختلاف المحلّ1.
الحلمتين في الآثار وترتّب آثار مهمّة على حلمة ثدي المرأة لا يوجب خللاً في القصاص ، وليس مثل العضو الصحيح والشلل ، وهذا هو الظاهر .
1 ـ الدليل على ثبوت القصاص في السنّ قوله تعالى: {وَالسِنَّ بِالسِنِّ}(1) وكذا عمومات أدلّة القصاص كتاباً وسنّة . والظاهر لزوم رعاية تساوي المحلّ من جهة الفكّ الأعلى والأسفل ، ومن جهة اليمين واليسار ، وكذا من جهة العناوين الموجودة في السنين ، حيث إنّها ثمان وعشرون واحداً ، اثنتا عشر في مقاديم الفم ، ثنيتان من فوق وهما وسطها ، ورباعيتان خلفهما ، ونابان خلفهما ، ومثلها من أسفل . والمآخير ستّة عشر وهي في كلّ جانب ضاحك ، وثلاثة أضراس ، ومثلها من أسفل . وزاد الشافعي(2) أضراس العقل وهي النواجذ الأربعة ، فتكون اثنتين وثلاثين . ولكنه ليست غالبة في العادة ، والوجه في لزوم رعاية الجهتين اعتبار المماثلة في القصاص كما عرفت .
ولكنّه ربّما يقال بعدم اعتبار تساوي المحلّ أخذاً بإطلاق قوله تعالى: {وَالسِنَّ بِالسِنِّ} ، وقد عرفت مراراً عدم جواز الأخذ بمثله بعد عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة ، مضافاً إلى وضوح الاختلاف باختلاف المحلّ ، كما في سائر الأعضاء .
(1) المائدة 5 : 45 .
(2) الحاوي الكبير: 15 / 349 ـ 350 ، المجموع : 20 / 71 .
(الصفحة407)
مسألة 34 ـ لو كانت المقلوعة سنّ مثغر ، أي أصلي نبت بعد سقوط أسنان الرضاع ففيها القصاص ، وهل في كسرها القصاص أو الدية والأرش؟ وجهان الأقرب الأوّل ، لكن لابدّ في الاقتصاص كسرها بما يحصل به المماثلة كالآلات الحديثة ، ولا يضرب بما يكسرها لعدم حصولها نوعاً1.
وأمّا قلع الأصلية بالزائدة ، فإن كان المراد بالزائدة هي التي نبتت مع الأصلية من منبت واحد فالظاهر عدم الجواز ; لعدم تحقّق المماثلة بوجه; وإن كان المراد بها هي التي يعبَّر عنها بالنابتة ، وهي ما نبتت في مكان الأصلية بعد قلعها ، على خلاف حكم أهل الخبرة بعدم العود وهي التي تكون هبة الله ، فالظاهر الجواز لثبوت المساواة وتحقّق المماثلة . ولكن الظّاهر عدم كون المراد بالزائدة الوجه الثاني ، خصوصاً بعد كون دية الزائدة ثلث دية الأصلية ودية النابتة تمامها . وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا يجوز قلع الزائدة بالأصلية أيضاً . نعم يجوز قلع الزائدة بالزائدة مع اتحاد المحلّ لتحقّق المماثلة حينئذ .
1 ـ المراد بالمثغر هو الشخص الذي نبت سنّه بعد سقوط أسنان الرضاع من أصلها الذي يكون مدفوناً في اللحم ، وعليه فجعله بمعنى الأصلي الذي هي صفة للسنّ فيه مسامحة كما في المتن ، مع أنّه على هذا التقدير كان المناسب جعله وصفاً يتبع الموصوف في الإعراب ، فكان اللاّزم نصب السنّ ، كما لا يخفى .
وكيف كان فثبوت القصاص فيه مع القلع إنّما هو لدلالة الآية عليه كما عرفت ، بل هو المصداق الظاهر لها . وأمّا مع الكسر دون القلع فالظاهر ثبوت القصاص فيه أيضاً ، لأنّه وإن كان من العظام إلاّ أنّه حيث يكون لحماً بارزاً ظاهراً يشاهد من أكثر جوانبه يمكن تحقّق المماثلة فيه من جهة الكسر ، خصوصاً بالآلات الحديثة
(الصفحة408)
مسألة 35 ـ لو عادت المقلوعة قبل القصاص فهل يسقط القصاص أم لا؟ الأشبه الثاني ، والمشهور الأوّل ، ولا محيص عن الاحتياط بعدم القصاص ، فحينئذ لو كان العائدة ناقصة أو متغيّرة ففيها الحكومة ، وإن عادت كما كانت فلا شيء غير التعزير إلاّ مع حصول نقص ففيه الأرش1.
الشائعة في زماننا هذا . نعم لا مجال للضرب بما يكسره ، لامكان التفاوت بين الضربين وعدم حصول المماثلة نوعاً .
1 ـ لو عادت المقلوعة المفروضة في المسألة السابقة قبل القصاص ، كما إذا تأخّر القصاص مدّة لفرار الجاني أو غيره فهل يسقط القصاص أم لا؟ صريح المتن إنّ المشهور هو الأوّل(1) ، وفي الجواهر بعد حكم المحقّق(2) بنفي القصاص والدية قال: بلا خلاف محقّق أجده فيه(3) . والوجه في السقوط ما عرفت من الرواية الواردة في الاُذن الدالّة على أنّ القصاص إنّما يكون لأجل الشين(4) ، والمفروض ارتفاعه بعود المقلوعة وإن كان على خلاف العادة ، كما أنّ الوجه في عدم السقوط ـ مضافاً إلى الاستصحاب ـ كون هذه نعمة وهبة جديدة من الله تعالى بانباته ، فلا يسقط حقّه به على الجاني ، لكنّ الاحتياط اللاّزم في ترك القصاص .
ثمّ على تقدير عدم القصاص تارة تكون المقلوعة ناقصة أو متغيّرة ، واُخرى تكون كما كانت ، ففي الفرض الأوّل يكون فيها الحكومة والأرش ، وهل هي
(1) مسالك الأفهام: 15 / 289 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 1011 .
(3) جواهر الكلام: 42 / 387 .
(4) تقدّمت في ص387 .
(الصفحة409)
تفاوت ما بين قيمته بسنّ تامّة لو فرض عبداً وما بين قيمته بسنّ متغيّرة وملاحظة التفاوت مع الدية الكاملة ، كما هو المحكي عن بعض(1) ، أو أنّها عبارة عن تفاوت ما بين كونه مقلوع السنّ مدّة ثم نبتت متغيّرة ، وبين كونه بسنّ في تلك المدّة وبعدها غير متغيّرة ، كما عن غاية المراد(2) والمسالك(3) للشهيدين؟ وجهان .
وفي الفرض الثاني حكم في المتن بأنّه لا شيء فيه غير التعزير إلاّ مع حصول نقص ففيه الارش ، وقد استحسن المحقّق في الشرائع(4) ثبوت الأرش فيه مطلقاً ، وقد أوضحه الشهيد في محكى غاية المراد بأن يقوّم مقلوعها مدّة وغير مقلوعها أصلاً(5) ، وإنّما كان ذلك هو الوجه ; لأنّه نقص دخل على المجنيّ عليه بسبب الجاني فلا يهدر ، للحديث(6) ولزوم الظلم ، وعود السنّ نافي القصاص أو الدية لا ذلك النقص ، لاستحالة إعادة المعدوم .
وأمّا التفصيل في ثبوت الأرش في هذا الفرض بين مورد حصول النقص وغيره ، فالظاهر أنّ النظر فيه إلى أنّ المقلوعية مدّة هل أوجبت نقصاً كمرض ونحوه أم لا؟ فإن أوجبت يلاحظ التفاوت بالإضافة إليه ، وعليه فمرجعه إلى عدم تسلّم ما في غاية المراد ، فيدلّ على أنّ المراد بالحكومة في الفرض الأوّل هو الوجه الأول . ولعلّ الوجه فيه ما في الجواهر : من عدم كون الحرّ مالا يدخله النقص في
(1) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع: 4 / 457 .
(2) غاية المراد: 375 .
(3) مسالك الأفهام: 15 / 290 .
(4) شرائع الإسلام: 4 / 1011 .
(5) غاية المراد: 375 .
(6) وسائل الشيعة : 19/134 ، أبواب قصاص الطرف ب14 ح3 وص258 ، أبواب ديات الأعضاء ب33 .
(الصفحة410)
مسألة 36 ـ لو عادت بعد القصاص فعليه غرامتها للجاني بناء على سقوط القصاص إلاّ مع عود سنّ الجاني أيضاً ، وتستعاد الدية لو أخذها صلحاً . ولو اقتصّ وعادت سنّ الجاني ليس للمجنيّ عليه إزالتها ، ولو عادت سنّ المجنيّ عليه ليس للجاني إزالتها1.
مثل ذلك ، وكون العبد أصلاً له في ما ليس له مقدّر إنّما هو في الجراحات ، وليس ذلك منها(1) . مع إمكان المنع في العبد أيضاً ، لأنّ المقلوعية مدّة بمنزلة فقد الصحّة فيها مع العود بعدها ، كما لا يخفى .
1 ـ الوجه في ثبوت الغرامة بناء على سقوط القصاص في المسألة المتقدّمة إنّما هو كون العود كاشفاً عن عدم ثبوت حقّ القصاص ، وإنّه قد وقع في غير محلّه ، وحيث إنّ وقوعه كان مشروعاً مستنداً إلى أصالة عدم العود فلا محالة تثبت الغرامة بدلاً عن القصاص والدية إلاّ مع عود سنّ الجاني أيضاً ، فلا مجال للغرامة ، خلافاً لما عن الشيخ(2) والفاضلين(3) من عدم غرامة الدية ، وممّا ذكرنا ظهر أنّه لو كان المجنيّ عليه أخذ الدية صلحاً وبعوض القصاص مع التراضي فاللاّزم مع العود إرجاعها إلى الجاني .
ولواقتصّوعادت سنّ الجاني ففي المتن تبعاًللمحقّق في الشرائع(4) وابن إدريس(5)
(1) جواهر الكلام: 42 / 388 .
(2) المبسوط : 7 / 99 .
(3) مختلف الشيعة: 9 / 390 ـ 391 ، مسألة 69 .
(4) شرائع الإسلام: 4 / 1011 .
(5) السرائر: 3 / 387 .
(الصفحة411)
والفاضل(1) والشهيدين(2) والأردبيلي(3) على ما حكي عنهم لم يكن للمجنيّ عليه إزالتها ، ولكن المحكيّ عن الخلاف(4) والمبسوط(5) والوسيلة(6) أنّ له إزالتها أبداً أي متعدّداً مادام العود ، بل في المبسوط أنّه الذي يقتضيه مذهبنا ، بل في الأول أنّ عليه إجماع الفرقة وأخبارهم ، وإن اعترض عليه في السرائر بعدم ثبوت الإجماع والأخبار بوجه . قال: وإنّما أجمعنا في الاُذن لأنّها ميتة لا تجوز الصلاة معها ; لأنّه حامل نجاسة ولإجماعناوتواتر أخبارنا، فالتعدية إلى السنّ قياس وهو باطل عندنا.
ولكن ذكر في الجواهر أنّه يمكن أن يكون الشيخ أشار بالأخبار إلى ما سمعته في الاُذن من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : وإنّما يكون القصاص من أجل الشين(7) ، الصريح في أنّ إزالتها لذلك لا لنجاستها ، بل وإلى ما ورد(8) في سنّ غير المثغر التي أنبتت من عدم القصاص بها ، إذ ليس هو إلاّ لانباتها ، فلا يقلع بها سنّ المثغر التي لم تعد في العادة إن قلعت ، وبنبات السنّ من المثغر في الفرض يظهر أنّها بحكم غير المثغر ، وإن كان على خلاف العادة ، فلا تصلح أن تكون قصاصاً عن سنّ المثغر وإلاّ لشرع القصاص لها بسنّ المثغر ، فالمتجه حينئذ ما ذكره الشيخ(9) .
(1) قواعد الأحكام: 2 / 308 ، إرشاد الأذهان: 2 / 207 .
(2) الروضة البهية: 10 / 87 ، وحكى عن حواشي الشهيد الأول في مفتاح الكرامة: 10/182 .
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 99 .
(4) الخلاف: 5 / 204 مسألة 77 .
(5) المبسوط : 7 / 99 .
(6) الوسيلة: 448 .
(7) وسائل الشيعة: 19 / 139 ، أبواب قصاص الطرف ب 23 ح1 .
(8) وسائل الشيعة: 19 / 258 ، أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح1 .
(9) جواهر الكلام: 42 / 395 .
(الصفحة412)
مسألة 37 ـ لو قلع سنّ الصبي ينتظر به مدّة جرت العادة بالإنبات فيها ، فإن عادت ففيها الأرش على قول معروف ، ولا يبعد أن يكون في كلّ سنّ منه بعير ، وإن لم تعد ففيها القصاص1.
وكيف كان فإن قلنا بحجّية ما ورد في الاُذن المشتمل على التعليل المذكور ، فاللاّزم الالتزام بجواز الإزالة أبداً ، وإلاّ فاللاّزم الأخذ بمقتضى القاعدة ، وربّما يقال بالابتناء على كون العائدة هبة من الله تعالى فلا تجوز الإزالة ، أو بدل الفائت فتجوز . ولكنّ الظاهر أنّه بناء على البدليّة لا تجوز الإزالة أيضاً ، لأنّ العود بمنزلة اندمال الجرح الواقع قصاصاً ، فكما أنّه لا يوجب مشروعية القصاص ثانياً فكذلك العود ، وعدم مشروعية القصاص في سنّ المثغر إذا كانت الجناية على سنّ غير المثغر لا يستلزم جواز الإزالة في المقام بوجه .
ثم إنّه لو قلنا بعدم جواز الإزالة في سنّ الجاني العائدة ، فعدم جوازها في سن المجنيّ عليه العائدة يكون بطريق أولى ، كما لا يخفى .
1 ـ أمّا صورة العود ففي الجواهر بعد حكم المتن فيها بثبوت الحكومة: بلا خلاف أجده فيه أيضاً(1) ـ أي كأصل وجوب الانتظار ـ بل عن الخلاف(2)والسرائر(3) الاجماع عليه .
والوجه في عدم ثبوت القصاص فيها بل الأرش فكأنّه ـ مضافاً إلى مقتضى التعليل الوارد في رواية الاُذن المتقدّمة، وهو قوله (عليه السلام) : «إنّما يكون القصاص من
(1) جواهر الكلام: 42 /389 .
(2) الخلاف: 5 / 244 مسألة 39 .
(3) السرائر: 3 / 386 ـ 387 .
(الصفحة413)
أجل الشين» لاقتضائه ثبوت القصاص مع عدم عود السن ـ مرسلة جميل، عن بعض أصحابه، عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه قال في سنّ الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت ، قال: ليس عليه قصاص وعليه الأرش(1) . ورواها في الوسائل في باب آخر أيضاً مع إضافة قال علي ـ أي علي بن حديد الراوي عن جميل ـ : وسأل جميل كم الأرش في سنّ الصبي وكسر اليد؟ قال: شيء يسير ولم يُرو فيه شيئاً معلوماً(2) .
والظاهر أنّ المراد بالأرش في نفسه هو تفاوت ما بين كونه فاقد السنّ وزمن ذهابها وواجدها لو كان عبداً ، لكن حكي عن المبسوط أنّ المراد بها حكومة الجرح وإسالة الدم ، حيث قال: فأمّا إسالة الدم فإن كان عن جرح في غير مغرزها وهو اللّحم الذي حول السنّ ومحيط بها ففيه حكومة لأنّها جناية على محلّ السنّ(3) . والظاهر اعتبار كلا الأمرين ورعاية الجهتين على تقدير ثبوت الأرش ، وإن كان يمكن المناقشة في أصل الثبوت نظراً إلى كون الرواية مرسلة ، وأنّه لا فرق في عدم حجّية الروايات المرسلة بين الرواة المرسلين لها ، وإنّ ما اشتهر من المعاملة مع بعض المراسيل معاملة المسند غير صحيح كما حقّقناه في كتاب الحدود(4) ، ولم يعلم في المقام استناد المشهور إلى الرواية حتى يكون جابراً لها ، بل يحتمل أن يكون حكمهم بذلك مستنداً إلى اقتضاء القاعدة لثبوت الأرش ، وعليه فلابدّ من ملاحظتها . ويمكن أن يقال حينئذ بعدم الاقتضاء لما أشرنا إليه من أنّ كون العبد أصلاً إنّما هو في مورد الجراحات لا فيما يشمل المقام ، فتدبّر .
(1) وسائل الشيعة: 19 / 258، أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح1 .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 134 ، أبواب قصاص الطرف ب 14 ح2 .
(3) المبسوط : 7 / 97 .
(4) تفصيل الشريعة ، كتاب الحدود ، 353 ـ 357 .
(الصفحة414)
ثمّ إنّ هنا روايتين آخرتين:
إحداهما: رواية مسمع ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ عليّاً (عليه السلام) قضى في سنّ الصبي قبل أن يثغر بعيراً في كلّ سنّ(1) .
ثانيتهما: رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في سنّ الصبي إذا لم يثغر ببعير(2) .
ويظهر من المتن أنّه حمل هاتين الروايتين على خصوص صورة العود التي هي مورد المرسلة المتقدّمة ، ولعلّ الوجه فيه كون الغالب في سنّ الصبيّ غير المثغر العود ، لأنّ طبعه يقتضي السقوط ثم الإنبات . وعليه فإن كان قوله في المتن: «بعير» منصوباً كما هو المحتمل قويّاً وإن كان على خلاف النسخة الموجودة عندي ، يكون الظاهر منه أنّ الأرش الذي هو مدلول المرسلة مفسَّر في الروايتين بالبعير ، ولا مانع من أن يكون مقدّراً في بعض الموارد ، وإن كان لولا التفسير لكان المراد منه ما ذكرنا من التفاوت والجرح .
وإن كان قوله في المتن: «بعير» مرفوعاً كما في النسخة الموجودة عندي فربّما يشعر المتن بثبوت الأرش بمعناه العرفي والبعير معاً ، وهو في غاية البعد ، لعدم كون الجناية المتحقّقة بالقلع بالغة في الشدّة حدّاً يترتّب عليها الجمع بين الأمرين ، كما لا يخفى . هذا ما يتعلّق بصورة العود .
وأمّا صورة عدم العود فقد اعترف غير واحد بأنّ المشهور بين الأصحاب ثبوت القصاص فيه(3) ، بل في الجواهر: لا أجد فيه خلافاً محقّقاً، وإن حكى في
(1) وسائل الشيعة: 19 / 258 ، أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح2 .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 258، أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح3 .
(3) رياض المسائل: 10 / 365 .
(الصفحة415)
المسالك قولاً بالعدم(1) ، لأنّ سنّ الصبيّ فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرّة بعد اخرى(2) وحكى في الشرائع بعد حكمه بثبوت الأرش في صورة العود والقصاص في صورة العدم ، قولاً بأنّ في سنّ الصبي بعيراً مطلقاً(3) ، وفي الجواهر نقل هذا القول عن المهذَّب(4) والغنية(5) والكافي(6) والوسيلة(7)والإصباح(8) وديات المبسوط(9) ، بل حكى عن ظاهر الغنية الإجماع عليه ، وعن المختلف أنّ عليه عمل الأكثر(10) .
وظاهر حكاية المحقّق إنّ هذا القول في مقابل القول بثبوت الأرش مع العود والقصاص مع عدمه ، وعليه فمقتضاه ثبوت البعير في قلع سنّ الصبي مطلقاً ، وتنطبق هذه الفتوى على الروايتين الأخيرتين بضميمة دعوى كون المراد من موردهما هو سنّ الصبيّ غير المثغر أعم من صورة العود وعدمه .
ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى ضعف الروايتين وعدم ثبوت جابر لهما ـ أنّه كيف يجتمع ثبوت الشهرة وتحقّقها على الأرش والقصاص ، مع دعوى الإجماع على هذا
(1) مسالك الأفهام: 15 / 289 .
(2) جواهر الكلام: 42 /390 .
(3) شرائع الإسلام: 4 / 1011 .
(4) المهذّب: 2 / 483 .
(5) غنية النزوع: 418 .
(6) الكافي في الفقه: 398 .
(7) الوسيلة: 448 .
(8) إصباح الشيعة: 505 .
(9) المبسوط: 7 / 138 .
(10) مختلف الشيعة: 9 / 389 مسألة 67 .
(الصفحة416)
مسألة 38 ـ يثبت القصاص في قطع الذكر ، ويتساوى في ذلك الصغير ولو رضيعاً والكبير بلغ كبره ما بلغ ، والفحل والذي سلّت خصيتاه إذا لم يؤدّ إلى شلل فيه ، والأغلف والمختون ، ولا يقطع الصحيح بذكر العنين ومن في ذكره شلل ، ويقطع ذكر العنين بالصحيح والمشلول به ، وكذا يثبت في قطع الحشفة ، فتقطع الحشفة بالحشفة ،وفي بعضها أو الزائد عليها استوفى بالقياس إلى الأصل ، إن
القول ، أو كون عمل الأكثر عليه كما في المختلف ، بل كيف تجتمع هاتان الروايتان مع المرسلة الدالّة على الأرش مع العود ، وهل وجه الجمع حملهما على صورة العدم أو الحكم بالجمع بين البعير والأرش ، كما حكي احتماله عن الشيخ (قدس سره)(1) ؟ لا مجال للثاني لكونه واضح الفساد كما في الجواهر(2) ، كما أنّه لا مجال للأوّل لأنّه ـ مضافاً إلى عدم التنافي المقتضي للتقييد لكون الطرفين مثبتين ـ يلزم حمل الروايتين على الفرد النادر ، وهي صورة عدم العود .
هذا، ومقتضى القاعدة بعد ضعف الروايتين وعدم ثبوت الجابر الرجوع إلى عمومات أدلّة القصاص ، والحكم بثبوته مع عدم العود كما هو المفروض .
ثمّ إنّ تقييد مدّة الانتظار بما جرت العادة بالإنبات فيها إنّما هو في مقابل مثل القواعد(3) لأنّ ظاهرها تعيين مدّة الانتظار بالسّنة ، لأنّه لا دليل عليه بوجه . وعن الشهيد في غاية المراد(4) أنّه غريب جدّاً ، نعم وقع التحديد بالسَّنة فيما إذا ضربت السنّ ولم تقلع في بعض الروايات ، ولكنّه غير المقام .
(1) المبسوط : 7 / 138 .
(2) جواهر الكلام: 42 / 391 .
(3) قواعد الأحكام: 2 / 309 .
(4) غاية المراد: 376 (مخطوط) .
(الصفحة417)
نصفاً فنصفاً ، وإن ثلثاً فثلثاً ، وهكذا1.
مسألة 39 ـ في الخصيتين قصاص ، وكذا في أحداهما مع التساوي في المحلّ، فتقتصّ اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى ، ولو خشي ذهاب منفعة الاُخرى تؤخذ الدية، ولا يجوز القصاص إلاّ أن يكون في عمل الجاني ذهاب المنفعة فيتقصّ ، فلو لم تذهب بالقصاص منفعة الاُخرى مع ذهابها بفعل الجاني فإن أمكن إذهابها مع قيام العين يجوز القصاص وإلاّ فعليه الدية ، ولو قطع الذكر والخصيتين اقتصّ منه، سواء قطعهما على التعاقب أو لا2.
1 ـ لا إشكال ولا خلاف في ثبوت القصاص في قطع الذكر ، لعموم الأدلّة وإمكان التساوي والمماثلة من دون فرق بين الموارد والخصوصيات ، نعم لا يقطع الصحيح بذكر العنين ومن في ذكره شلل ، والأوّل نوع من الثاني أو بحكمه . والمراد من الثاني أن يكون منقبضاً لا ينبسط ولو في الماء الحارّ ، أو منبسطاً لا ينقبض ولو في الماء البارد ، وإن التذّ صاحبه وأمنى بالمساحقة وأولد . والدليل ما ورد في اليد من عدم قطع الصحيحة بالشلاّء ، نعم لا مانع من العكس كما في اليد أيضاً .
وكما يكون القصاص ثابتاً في قطع تمام الذكر ، كذلك يكون ثابتاً في قطع بعضه من الحشفة بتمامها أو بعضها أو الزائد عليها . والتقدير بلحاظ القياس إلى الأصل من النصف والثلث ومثلهما ، لا بلحاظ الطول ; لعدم كون تقدير الجناية بهذا اللحاظ بحسب نظر العرف بخلاف الرأس ، كما تقدّم .
2 ـ لا إشكال ولا خلاف أيضاً في ثبوت القصاص في الخصيتين ، وكذا في إحداهما مع رعاية التساوي في المحل وإمكان المعاملة بالمثل ، فلو خشي ذهاب منفعة الأخرى في الجاني من دون أن يكون في عمله مثله ينتقل إلى الدية ولا يجوز
(الصفحة418)
مسألة 40 ـ في الشفرين القصاص ، والمراد بهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم ، وكذا في إحداهما ، وتتساوى فيه البكر والثّيب والصغيرة والكبيرة ، والصحيحة والرتقاء والقرناء والعفلاء والمختونة وغيرها، والمفضاة والسليمة ، نعم لا تقتصّ الصحيحة بالشلاّء ، والقصاص في الشفرين إنّما هو فيما جنت عليها المرأة . ولو كان الجاني عليها رجلاً فلا قصاص عليه ، وعليه الدية ، وفي رواية غير معتمد عليها: إن لم يؤدّ إليها الدية قطع لها فرجه ، وكذا لو قطعت المرأة ذكر الرجل أو خصيته لا قصاص عليها وعليها الدية1.
القصاص، وكذا في صورة ذهاب المنفعة في المجنيّ عليه إن كان القصاص موجباً لذهابها في الجاني وإلاّ فبما أمكن ، خصوصاً في هذه الأزمنة ومع عدم الإمكان يأخذ الدية زائداً على قصاص الأولى ، وكما يتحقّق القصاص في خصوص الذكر أو الخصيتين يجري في مجموعهما من دون فرق بين وقوع الجناية دفعة أو على نحو التعاقب . ومن دون فرق في صورة التعاقب بين ما إذا شلّ الذكر بعد قطع الخصيتين ، وبين ما إذا لم يتحقّق الشلل ، وذلك لأنّ الشلل الجائي من قبل الجاني مضمون لا يمنع عن القصاص بوجه ، كما لا يخفى .
1 ـ الدليل فيه ما تقدّم في المسائل السابقة من عموم الأدلّة وإمكان المساواة ، ولا فرق فيه بين الموارد والخصوصيات ، نعم لا تقتصّ الصحيحة بالشلاّء ، كما أنّ مورد القصاص ما إذا كان الجاني امرأة واجدة للشفرين ، أمّا مع انتفاء إحدى الخصوصيتين لا مجال للقصاص ، بل تتعيّن الدية . نعم هنا رواية وهي رواية عبدالرحمن بن سيابة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ في كتاب علي (عليه السلام) : لو أنّ رجلاً قطع فرج امرأته لأغرمته لها ديتها ، وإن لم يؤدّ إليها الدية قطعت لها فرجه إن
(الصفحة419)
مسألة 41 ـ لو أزالت بكر بكارة أخرى فالظاهر القصاص ، وقيل بالدية ، وهو وجيه مع عدم إمكان المساواة ، وكذا تثبت الدية في كلّ مورد تعذّر المماثلة والمساواة1.
وهنا فروع:
الأوّل: لو قطع من كان يده ناقصة بإصبع أو أزيد يداً كاملة صحيحة فللمجنيّ عليه القصاص . فهل له بعد القطع أخذ دية ما نقص عن يد الجاني؟ قيل: لا ، وقيل: نعم فيما يكون قطع إصبعه بجناية وأخذ ديتها أو استحقّها ، وأمّا إذا كانت مفقودة خلقة أو بآفة لم يستحقّ المقتصّ شيئاً ، والأشبه أنّ له الدية مطلقاً ،
طلبت ذلك(1) .
وظاهر أنّ المراد بقطع الفرج هو قطع اللّحمين المذكورين ، وفي المتن أنّ الرواية غير معتمد عليها ، والظاهر أنّ نظره إلى ابن سيابة ، حيث لم يرد فيه توثيق ، ولكن حيث إنّه واقع في أسانيد كامل الزيارات(2) لا مانع من الحكم بصحّة روايته ، غير أنّ الظاهر أنّه لم يفت الأصحاب على طبقها .
ثمّ إنّه ظهر أنّه مع قطع المرأة ذكر الرجل أو خصيته أو قطع رجل مقطوع الذكر أو الخصية لا مجال للقصاص ، بل تتعيّن الدية .
1 ـ ثبوت القصاص إنّما هو على تقدير إمكان المساواة ، وعليه فالاختلاف يرجع إلى الإمكان وعدمه ، لكونها من البواطن ولا تدرك بالبصر .
(1) وسائل الشيعة: 19 / 128، أبواب قصاص الطرف ب 9 ح2 .
(2) كامل الزيارات: 149 باب 23 ح1 .
(الصفحة420)
ولو قطع الصحيح الناقص عكس ما تقدّم فهل تقطع يد الجاني بعد أداء دية ما نقص من المجنيّ عليه ، أو لا يقتصّ وعليه الدية ، أو يقتصّ ما وجد وفي الباقي الحكومة؟ وجوه ، والمسألة مشكلة مرّ نظيرها1.
1 ـ في هذا الفرع أمران:
الأمر الأوّل: لو قطع من كان يده ناقصة ـ بإصبع أو أزيد ـ يداً كاملة فلا اشكال ولا خلاف في عدم منع ذلك من القصاص بوجه ، إنّما الخلاف في أنّه بعد القصاص منه يستحقّ دية ما نقص من الإصبع أو الأزيد أم لا؟ وفيه أقوال ثلاثة:
أحدها: ما جعله في المتن الأشبه ـ واختاره الشيخ في الخلاف(1) وموضع من المبسوط(2) والعلاّمة في التحرير(3) والشهيد الثاني(4) والمحقّق الكركي(5) وبعض آخر(6) بل ادّعى في الخلاف الإجماع عليه ـ من استحقاق أخذ الدية مطلقاً ، سواء كانت مفقودة خلقة، أو بآفة، أو قصاصاً، أو بجناية موجبة لاستحقاق الدية، سواء استوفاها أم لا؟
والدليل عليه أنّه بعد عدم إمكان القصاص بالإضافة إليه لابدّ من الحكم بالانتقال إلى الدية ، والشاهد عليه جريان القصاص فيه مستقلاًّ مع الإمكان ، وثبوت ديته كذلك مع عدم الإمكان ، وعدم استحقاق شيء في اقتصاص اليد
(1) الخلاف : 5 / 193 مسألة 60 .
(2) المبسوط: 7 / 79 ـ 80 .
(3) تحرير الأحكام: 2 / 260 .
(4) مسالك الأفهام: 15 / 292 .
(5) قال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: 11 / 133 : وقد حكي [هذا القول] عن المحقّق الثاني.
(6) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان:14/100 ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع: 2/130.
|