(الصفحة461) (الصفحة462) (الصفحة463) (الصفحة464) (الصفحة465) (الصفحة466) (الصفحة467) (الصفحة468) (الصفحة469) وهي تمليك عين مجّاناً ومن غير عوض ، وهذا هو المعنى الأعمّ منها . وأمّا المصطلح في مقابل أخواتها فيحتاج إلى قيود مخرجة ، والأمر سهل ، وقد يعبّر عنها بالعطيّة والنحلة; وهي عقد يفتقر إلى إيجاب بكلّ لفظ دلّ على المقصود ، مثل «وهبتك» أو «ملّكتك» أو «هذا لك» ونحو ذلك ، وقبول بما دلّ على الرضا . ولايعتبر فيه العربيّة ، والأقوى وقوعها بالمعاطاة بتسليم العين وتسلّمها بعنوانها1. 1 ـ الهبة التي يعبّر عنها بالعطية والنحلة عبارة عن تمليك عين مجّاناً وبلا عوض ، وهذا هو المعنى الأعمّ منها الشامل للصدقة التي يعتبر فيها قصد القربة ، ولغيرها من أخواتها التي يعتبر في كلّ واحدة منها خصوصية زائدة . وأمّا إضافة التمليك إلى العين ، فسيأتي في المسألة الثانية إن شاء الله تعالى أنّ تمليك المنافع لا يعدّ هبة ، بل لا تصحّ بهذا العنوان ، بل لابدّ من الصلح ونحوه . وهي عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول ، ويكفي في كلّ منهما ما يدلّ على المقصود ولو كان بغير العربية ، بل لا يحتاج إلى اللفظ ، ويجزئ فيها المعاطاة بتسليم العين بعنوان الهبة وتسلّمها كذلك . (الصفحة470) مسألة 1 : يشترط في كلّ من الواهب والموهوب له القابل : البلوغ والعقل والقصد والاختيار . نعم ، يصحّ قبول الولي عن المولّى عليه الموهوب له . وفي الموهوب له أن يكون قابلاً لتملّك العين الموهوبة ، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر . وفي الواهب كونه مالكاً لها ، فلا تصحّ هبة مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته ، وعدم الحجر عليه بسفه أو فلس ، وتصحّ من المريض بمرض الموت وإن زاد على الثلث1. مسألة 2 : يشترط في الموهوب أن يكون عيناً ، فلا تصحّ هبة المنافع . وأمّا الدَّين ، فإن كانت لمن عليه الحقّ صحّت بلا إشكال ، ويعتبر فيها القبول على الأقوى ، وأفادت فائدة الإبراء وليست به ، فإنّها تمليك يحتاج إلى القبول ويترتّب عليها السقوط ، وهو إسقاط لما في الذمّة . وإن كانت لغير من عليه الحقّ 1 ـ يعتبر في كلّ من الواهب الموجب والموهوب له القابل : البلوغ والعقل والقصد والاختيار كما في سائر العقود . نعم ، فيما إذا كان الموهوب له صغيراً كالولد جديد الولادة المتعارف في زماننا إهداء الهدايا إليه يصحّ قبول الولي عن المولّى عليه ، خصوصاً إذا كان غير قابل للقبول ، كأوائل ولادته . ويعتبر في الموهوب له أن يكون قابلاً لتملّك العين الموهوبة ، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر أو العبد المسلم له . ويعتبر في الواهب كونه مالكاً للعين الموهوبة ، فلا تصحّ هبة مال الغير إلاّ مع الإذن والإجازة . وكذا يعتبر عدم المحجوريّة لسفه أو مرض . وأمّا المريض بمرض الموت فقد تقدّم حكم منجّزاته التبرّعية في كتاب الحَجر(1) ، وتصحّ هبة الصغير بإذن الولي إذا كانت فيها المصلحة . (1) تقدّم في ص338 ـ 346 . (الصفحة471) فالأقوى صحّتها أيضاً ، ويكون قبض الموهوب بقبض مصداقه1. 1 ـ يشترط في الموهوب كما في المتن أن يكون عيناً ، فلا تصحّ هبة المنافع ، ولكن ذكر السيّد في الملحقات أنّه يمكن أن يُقال بصحّة هبة المنافع وهبة الحقوق القابلة للنقل وإن لم تكن من الهبة المصطلحة ولم تشمله أخبار الباب ; لكفاية العمومات في صحّتها (1) . أقول : لعلّ المنافع كانت أولى من الدَّين الذي على عهدة الغير; سواء كانت لمن عليه الحقّ أو لغير من عليه الحقّ; لوجودها في الخارج وإن كانت تدريجيّة ، بخلاف الدّين . وأمّا الدَّين فقد حكم في المتن بصحّة هبته مطلقاً ، غاية الأمر الافتقار إلى القبول، وحينئذ فإن كانت لمن عليه الحقّ فبعد قبول المديون يترتّب عليها فائدة الإبراء وليست به ، فإنّها عقد يحتاج إلى الإيجاب الدالّ على التمليك ، والقبول الدالّ على التملّك . وأمّا الإبراء فحقيقته إسقاط ما في الذمّة ، كأنّه لم يثبت من أوّل الأمر ولا يحتاج إلى القبول ; لأنّ أقلّ آثار الحقّ جواز إسقاطه وتحقّق السقوط بعده بلا حاجة إلى القبول . وإن كانت هبة الدَّين لغير من عليه الحقّ، كماإذا وهب دينه الذي على زيد لعمرو مثلاً ، فلا مانع من صحّتها ، غاية الأمر أنّ القبض الذي هو شرط في صحّته على المشهور(2) ـ بل ادّعى الإجماع عليه كما عن التذكرة(3) والإيضاح(4) ـ يتحقّق بقبض (1) ملحقات العروة الوثقى: 2 / 163 مسألة 12 . (2) الحدائق الناضرة: 22 / 309 ، جواهر الكلام: 28 / 166 نقلاً من إيضاح النافع ، محقات العروة الوثقى: 2 / 163 مسألة 13 . (3) تذكرة الفقهاء: 2 / 417 (طبع الحجري) . (4) إيضاح الفوائد: 2 / 412 . (الصفحة472) مسألة 3 : يشترط في صحّة الهبة قبض الموهوب له ولو في غير مجلس العقد ، ويشترط في صحّة القبض كونه بإذن الواهب على الأحوط . نعم ، لو وهب ما كان في يد الموهوب له صحّ ، ولا يحتاج إلى قبض جديد ، ولا مضيّ زمان يمكن فيه القبض . وكذا لو كان الواهب وليّاً على الموهوب له ـ كالأب والجدّ للولد الصغير ـ وقد وهبه ما في يده صحّ ، وإن كان الأحوط أن يقصد القبض عنه بعد الهبة. ولو وهبه غير الوليّ فلابدّ من القبض، ويتولاّه الوليّ1. الموهوب له مصداق الموهوب ، يعني بقبض الدَّين ممّن الذي عليه بقصد أداء الدَّين ، كما لا يخفى . فهذا القبض يترتّب عليه أثران: أحدهما: تعيّن الدّين به . ثانيهما: تحقّق شرط صحّة الهبة على ما ذكر . 1 ـ قد وقع الاختلاف في أنّ القبض شرط في صحّة الهبة كما هو المشهور ، بل ادّعى الإجماع عليه كما عرفت ، أو في لزومها كما عن جماعة (1) ، وقد وردت في هذا المجال روايات مختلفة بحسب الظاهر . أمّا الروايات الدالّة على المشهور فهي كثيرة : منها : رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الهبة لا تكون أبداً هبة حتّى يقبضها ، والصدقة جائزة عليه ، الحديث(2) ، ودلالتها على اشتراط صحّة الهبة (1) المقنعة: 658 ، المبسوط: 3 / 303 ، السرائر: 3 / 173 ، المهذّب: 2 / 95 ، الوسيلة: 378 . (2) تهذيب الأحكام: 9 / 159 ح 654 ، الاستبصار: 4 / 107 ح 407 ، وعنهما الوسائل: 19 / 234 ، كتاب الهبات ب4 ح 7 . (الصفحة473) بالقبض ظاهرة; لدلالتها على كون القبض شرطاً في الماهيّة ، واحتمال كون المراد مدخلية القبض في أبديّة الهبة ودوامها ولزومها خلاف الظاهر . ومنها : موثّقة داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الهبة والنحلة ما لم تقبض حتّى يموت صاحبها ، قال : هي ميراث ، فإن كان لصبيّ في حجره فأشهد عليه فهو جائز(1) . ولعلّ دلالتها على الشرطية في الصحّة أظهر من الرواية السابقة . ومثلها مرسلة أبان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : النحل والهبة ما لم تقبض حتّى يموت صاحبها ، قال: هي بمنزلة الميراث ، وإن كان لصبيّ في حجره وأشهد عليه فهو جائز(2) . وأمّا ما يدلّ على قول الجماعة في مقابل المشهور فهي : صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض ، قسّمت أو لم تقسَّم ، والنحل لا يجوز حتّى تقبض ، وإنّما أراد الناس ذلك فأخطأوا(3) . قال في الوسائل : ولعلّ معنى آخر الحديث : أنّ الناس أحدثوا لفظ الصدقة واستعملوه في الهبة والنحلة مع عدم قصد القربة فأخطأوا . وخبر عبد الرحمن بن سيابة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا تصدّق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها ، علمت أو لم تعلم فهي جائزة(4) . (1) تهذيب الأحكام: 9 / 157 ح 648 ، الاستبصار: 4 / 107 ح 409 ، وعنهما الوسائل: 19 / 235 ، كتاب الهبات ب 5 ح 2 . (2) تهذيب الأحكام: 9 / 155 ح 637 ، وعنه الوسائل: 19 / 232 ، كتاب الهبات ب 4 ح 1 . (3) تهذيب الأحكام: 9 / 156 ح 641 ، الاستبصار: 4 / 110 ح 422 ، معاني الأخبار: 392 ح 38 ، وعنها الوسائل: 19 / 233 ، كتاب الهبات ب 4 ح 4 . (4) تهذيب الأحكام: 9 / 156 ح 640 ، الاستبصار: 4 / 110 ح 421 ، وعنهما الوسائل: 19 / 232 ، كتاب الهبات ب4 ح 3 . (الصفحة474) مسألة 4:القبض في الهبة كالقبض في البيع ،وهو في غير المنقول ـ كالدار والبستان ـ التخلية برفع يده عنه ورفع المنافيات بحيث يصير تحت استيلائه،وفي المنقول الاستيلاء والاستقلال عليه باليد أو ما هو بمنزلته;كوضعه في حجره مثلاً1. واُورد عليهما بأنّ مقتضاهما عدم شرطية القبض أصلاً لا كونه شرطاً في اللزوم ، مع أنّ ظاهرهم الإجماع على الشرطية ، واختلافهم إنّما هو في أنّه شرط في الصحّة أو اللزوم ، وأيضاً الفرق بين الهبة والنحلة خلاف الإجماع ، وقد صرّحوا بجواز الهبة بعد القبض أيضاً إلاّ في بعض الموارد ، كالهبة إلى ذي الرحم (1) . والعمدة أنّه بعد فرض التعارض لابدّ من العمل على طبق الطائفة الاُولى لموافقتها للشهرة المحقّقة ، وقد تكرّر منّا أنّها أُولى المرجّحات . ثمّ إنّه استثني صورتين من صور اشتراط القبض : إحداهما : ما إذا كان المال الموهوب في يد الموهوب له ، فإنّه لا مجال لدعوى اعتبار القبض هنا ولا مضيّ زمان يمكن فيه القبض; لتحقّقه على ما هو المفروض . ثانيتهما : ما لو كان الواهب وليّاً على الموهوب; كالأب للصغير والجدّ له ، وقد وهبه ما في يده ، فإنّه لا معنى لاعتبار القبض هنا بعد كون اللازم قبض الولي وهو حاصل . ومن هنا يظهر أنّه لو كان الواهب غير الوليّ يحتاج إلى قبضه ، كما لا يخفى . 1 ـ لا اختلاف في حقيقة القبض بين المقام وبين سائر العقود ، أعمّ ممّا يعتبر فيها القبض مطلقاً ، أو في المجلس وغيره . (1) اُنظر ملحقات العروة الوثقى: 2 / 163 ـ 164 . (الصفحة475) مسألة 5 : يجوز هبة المشاع; لإمكان قبضه ولو بقبض المجموع بإذن الشريك ، أو بتوكيل المتّهب إيّاه في قبض الحصّة الموهوبة عنه ، بل الظاهر تحقّق القبض الذي هو شرط الصحّة في المشاع باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، ويترتّب عليه الأثر وإن كان تعدّياً بالنسبة إليه في بعض الصور1. 1 ـ تجوز هبة المشاع ; لأنّ المشاعية لا تخرجه عن العينيّة المعتبرة في الهبة ، فإنّ الكسور المشاعة لا تكون أمراً آخر وراء العين ، فالنصف مثلاً عين خارجيّة وإن كان مبهماً أو كلّياً في المعيّن . وقد استدلّ على جواز هبة المشاع ـ مضافاً إلى الإجماع(1) وصحيحة أبي بصير المتقدِّمة ـ بصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن دار لم تقسّم فتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار ، فقال : يجوز ، قلت : أرأيت إن كان هبة ؟ قال : يجوز(2) . وكيف كان ، لا إشكال في جواز تعلّق الهبة بالمشاع ، إنّما الإشكال في كيفيّة القبض المعتبر في الصحّة على ما ذكرنا . وفي المتن إمكان قبض المشاع ولو بقبض المجموع بإذن الشريك ، أو بتوكيل المهتّب إيّاه في قبض الهبة الموهوبة عنه ، بل استظهر تحقّق القبض باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، كما في المنقولات ، ويترتّب عليه الأثر وإن كان تعدّياً بالنسبة إليه في بعض الصور ، والظاهر أنّ المراد من بعض الصور ما لم يأذن له الشريك في القبض ، والظاهر (1) غنية النزوع: 301 ، نهج الحقّ وكشف الصدق: 510 ، تذكرة الفقهاء: 2 / 415 ـ 416 (طبع الحجري) ، ملحقات العروة الوثقى: 2 / 167 مسألة 21 . (2) التهذيب: 9 / 133 ح 564 ، وعنه الوسائل: 19 / 194 ، كتاب الهبات ب 9 ح 1 . (الصفحة476) مسألة 6 : لا تعتبر الفورية في القبض ولا كونه في مجلس العقد ، فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير ، ولو تراخى يحصل الانتقال من حينه ، فالنماء السابق على القبض للواهب1. مسألة 7 : لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد وانتقل الموهوب إلى ورثته ، ولا يقومون مقامه في الإقباض ، وكذا لو مات الموهوب له بطل ، ولا يقومون ورثته مقامه في القبض2. الكفاية ولو كان حراماً ; لأنّ النهي لم يتعلّق بركن المعاملة ، حتّى يقال بأنّ النهي المتعلّق بالمعاملة أيضاً يقتضي فسادها ، بل بأمر خارج عن المعاملة; وهو التصرّف في مال الشريك بغير إذنه . 1 ـ لعدم الدليل على الفورية ولا على كونه في مجلس العقد ، كما في بعض أنواع البيع ، فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير ، كالإجازة في عقد الفضولي ، غاية الأمر أنّه مع تحقّق التراخي يحصل الانتقال بعد القبض ; لعدم تماميّة شرط الصحّة قبلها كالإجازة بناءً على النقل ، وعليه فالنماء المتوسّط بين الهبة والقبض للواهب ، كما لا يخفى . 2 ـ الوجه في البطلان بموت الواهب بعد العقد وقبل القبض ما عرفت من شرطية القبض في صحّة الهبة ، فلا يمكن أن تتّصف بالصحّة قبل القبض ، وقد عرفت أنّ الانتقال والتمليك إنّما يتحقّق بالقبض ، كالإجازة في الفضولي بناءً على النقل . وأمّا الروايتان المتقدِّمتان الدالّتان على الصحّة قبل القبض فقد عرفت أنّهما غير معمول بهما ; لمخالفتهما لفتوى المشهور ، وعليه فلا يقومون مقامه في الإقباض ، (الصفحة477) مسألة 8 : إذا تمّت الهبة بالقبض ، فإن كانت لذي رحم ـ أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم ـ لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، وإن كانت لأجنبي كان له الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، فإن تلفت كلاًّ أو بعضاً بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها عرفاً فلا رجوع . والأقوى أنّ الزوج والزوجة بحكم الأجنبي ، والأحوط عدم الرجوع في هبتهما للآخر . وكذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها ولو كان يسيراً; من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة ، وبين غيره; بأن أطلق العقد لكن المتّهب أثاب الواهب وأعطاه العوض . وكذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة إلى الله تعالى1. ويظهر ممّا ذكر أنّه لو مات الموهوب له قبل القبض تكون الهبة باطلة ، ولا فرق في ذلك بين سبق الإذن في الإقباض وعدمه ; لأنّ مجرّد الإذن لا يكفي في تحقّق القبض ، ولا يقومون مقامه في القبض كما في الإقباض ، فتدبّر . هذا بناءً على القول بالشرطيّة في الصحّة ، وأمّا على القول بمدخلية القبض في اللزوم ، فالبطلان بموت أحدهما محلّ إشكال . 1 ـ في هذه المسألة فروع : الفرع الأوّل : إذا كانت الهبة المتّصفة بثبوت القبض فيها لذي رحم; أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم ، وفي المتن لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، والأخبار الواردة في هذا المجال مختلفة ، فنقول: ـ بعد بيان أنّ مقتضى القاعدة من العموم والاستصحاب عدم جواز الرجوع ; لأنّه مقتضى عموم «أوفُوا بِالعُقُود»(1)والمفروض التماميّة بالقبض ، وكذا مقتضى استصحاب ملكية المتّهب بعد رجوع (1) سورة المائدة: 5 / 1. (الصفحة478) الواهب بقاء ملكيّته ـ يدلّ على اللزوم مثل : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : الهبة والنحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز ، إلاّ لذي رحم فإنّه لا يرجع فيها(1) . ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله وعبدالله بن سليمان جميعاً قالا : سألنا أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال : تجوز الهبة لذوي القرابة ، والذي يثاب عن هبته ويرجع في غير ذلك إن شاء(2) . ومن الواضح أنّ المراد بقوله (عليه السلام) : «تجوز» هو اللزوم والنفوذ; لمقابلته مع جواز الرجوع . وأمّا ما يدلّ على عدم اللزوم فمثل : رواية داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته هل لأحد أن يرجع في صدقة أو هبة؟ قال : أمّا ما تصدّق به لله فلا ، وأمّا الهبة والنحلة فإنّه يرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن كانت لذي قرابة(3) . وإطلاق صحيحة جميل والحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع ، وإلاّ فليس له(4) . فإنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين (1) الكافي: 7 / 31 ح 7 ، تهذيب الأحكام: 9 / 156 ح 643 ، و ص 135 ح 569 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 410 ، و ص 101 ح 387 ، وعنها الوسائل: 19 / 237 ، كتاب الهبات ب 6 ح 2 . (2) تهذيب الأحكام: 9 / 155 ح 636 ، الاستبصار: 4 / 108 / ح 414 ، وعنهما الوسائل: 19 / 237 ، كتاب الهبات ب6 ح 1 . (3) تهذيب الأحكام: 9 / 157 ح 645 و ص 155 ح 637 ، الاستبصار: 4 / 106 ح 404 ، وعنهما الوسائل: 19 / 238 ، كتاب الهبات ب 6 ح 3 . (4) الكافي: 7 / 32 ح 11 ، تهذيب الأحكام: 9 / 153 ح 627 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 412 ، وعنها الوسائل: 19 / 241 ، كتاب الهبات ب 8 ح 1 . (الصفحة479) الرحم وغيره . وكذا إطلاق رواية المعلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : هل لأحد أن يرجع في صدقته أو هبته؟ قال : أمّا ما تصدّق به لله فلا(1) . وكذا إطلاق مفهوم صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع(2) . ويرد على هذه الطائفة ـ مضافاً إلى ما قرّرنا في محلّه من عدم ثبوت المفهوم رأساً ، ولو في القضية الشرطية ، وإلى أنّ الإطلاق صالح للتقييد وقابل له ـ أنّ استناد المشهور إلى الطائفة الاُولى(3) يوجب ترجيحها على هذه الطائفة . بقي في هذا الفرع أمران لابدّ من التنبيه عليهما : الأمر الأوّل : المراد بذي الرحم من ينسب إليه عرفاً ، قريباً أو بعيداً ، وارثاً كان أو لا ، ولا يختصّ بمن يحرم نكاحه كما قيل(4) ، فيشمل الأبوين والأولاد والإخوة ، من دون فرق بين المذكّر والمؤنّث ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى فهم العرف ، خصوصاً مع التعبير بـ«ذي القرابة» كما عرفت في بعض الروايات ـ رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : نسخت من كتاب بخطّ أبي الحسن (عليه السلام) : رجل أوصى لقرابته بألف درهم وله قرابة من قبل أبيه واُمّه ما حدّ القرابة ، يعطي من كان بينه (1) تهذيب الأحكام: 9 / 158 ح 651 ، الاستبصار: 4 / 107 ح 406 ، وعنهما الوسائل: 19 / 238 ، كتاب الهبات ب 6 ح 4 . (2) الكافي: 7 / 33 ح 19 ، تهذيب الأحكام: 9 / 154 ح 632 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 413 ، وعنها الوسائل: 19 / 242 ، كتاب الهبات ب 9 ح 1 . (3) يراجع ملحقات العروة الوثقى: 2 / 171 ، ورياض المسائل: 9 / 388 ـ 389 . (4) حكاه في الرياض: 9 / 391 ، ولعلّ مراده أبو حنيفة . الانتصار: 460 ، المبسوط للسرخسي: 12 / 49 و54 ـ 56 ، بدائع الصنائع: 5 / 190 . (الصفحة480) وبينه قرابة ، أو لها حدّ ينتهي إليه؟ فرأيك فدتك نفسي . فكتب : إن لم يسمّ أعطاها قرابته(1) . والمراد منه ظاهراً أنّه لم يعيّن حدّاً وأبقى عنوان القرابة على إطلاقه; يعطي من كان بينه وبينه قرابة ، فالمرجع هو العرف . الأمر الثاني : أنّه لا فرق بين كبار الأولاد وصغارهم ; لأنّ كلّهم ذووا قرابة ، فما عن الشيخ في المبسوط من الفرق بين كبار الأولاد وصغارهم وتخصيص عدم جواز الرجوع بالصغار(2) ، فالظاهر أنّ مراده صورة قبل القبض الذي له مدخلية في صحّة الهبة كما عرفت (3) ، فالتفصيل ناظر إلى حصول القبض قهراً ، كما يؤيّده التعبير في بعض الروايات المتقدِّمة بأنّه «في حجره» ، وعدم حصول القبض في قبض الكبير إلاّ بقبض نفسه أو وكيله مثلاً ، وكذا لا فرق بين الولد وولد الولد الذكور والإناث ، وخلاف المرتضى شاذ وإن حكي عنه الإجماع(4) عليه على عكس الواقع ، فتدبّر . الفرع الثاني : جواز الرجوع في هبة غير ذي الرحم مع فرض القبض إذا كانت العين باقية ، فإذا تلفت كلاًّ أو بعضاً بحيث يصدق معه عدم قيام العين عرفاً فلا رجوع ، والدليل عليه صحيحة جميل والحلبي المتقدّمة ، ولا فرق بين التلف السماوي أو إتلاف المتّهب أو الأجنبي ، وهذا بالنسبة إلى تلف الجميع واضح . وأمّا (1) تهذيب الأحكام: 9 / 215 ح 848 ، قرب الإسناد: 388 ح 1362 ، وعنه الوسائل: 19 / 401 ، كتاب الوصايا ب 68 ح 1 . (2) المبسوط: 3 / 309 ـ 310 . (3 ، 4) في ص 472 ـ 473 . (4) الانتصار: 460 . |