(الصفحة161)
الاحوط إذا أتى به بقصد الخصوصيّة ، فلو شرع في الذكر قبل الوضع أو الاستقرار عمداً بطل وأبطل ، وإن كان سهواً وجب التدارك إن تذكّر قبل رفع الرأس . وكذا لو أتى به حال الرفع أو بعده ولو كان بحرف واحد منه، فإنّه مبطل إن كان عمداً ، ولا يمكنه التدارك إن كان سهواً ، إلاّ إذا ترك الاستقرار وتذكّر قبل رفع الرأس .
الرابع: رفع الرأس منه .
الخامس: الجلوس بعده مطمئنّاً ثمّ الانحناء للسجدة الثانية .
السادس: كون المساجد في محالّها حال الذكر ، فلو رفع بعضها عمداً حال الذكر بطل وأبطل ، وإن كان سهواً وجب تداركه ، فإذا أراد رفع شيء منها سكت إلى أن يضعه ، ثمّ يرجع إلى الذكر .
السابع: مساواة موضع الجبهة للموقف; بمعنى عدم علوّه أو انخفاضه أزيد من مقدار لبنة موضوعة على أكبر سطوحها ، أو أربع أصابع مضمومات ، ولا بأس بالمقدار المذكور ، ولا فرق في ذلك بين الانحدار والتسنيم ، ولا ينبغي ترك الاحتياط في الانحدار اليسير ، والأقوى عدم اعتبار ذلك في باقي المساجد لا بعضها مع بعض ، ولا بالنسبة إلى الجبهة ، فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه ما لم يخرج به السجود عن مسمّـاه .
الثامن: وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه من الأرض وما نبت منها غير المأكول والملبوس على ما مرّ في بحث المكان .
التاسع: طهارة محلّ وضع الجبهة .
العاشر: المحافظة على العربيّة والترتيب والموالاة في الذكر .
(مسألة663): إذا وضع جبهته من غير عمد أو معه بشرط أن لا يكون بعنوان الصلاة على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر كأربع أصابع مضمومات ، فإن كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفاً جاز رفعها ووضعها ثانياً ، كما
(الصفحة162)
يجوز جرّها . وإن كان بمقدار يصدق معه السجود عرفاً فالأحوط الجرّ ، لصدق زيادة السجدة مع الرفع ، ولو لم يمكن الجرّ فالأحوط الإتمام والإعادة .
(مسألة664): لو وضع جبهته على ما لا يصحّ السجود عليه يجب عليه الجرّ ، ولا يجوز رفعها ، لاستلزامه زيادة السجدة ، ولا يلزم من الجرّ ذلك ، ومن هنا يجوز له ذلك مع الوضع على ما يصحّ أيضاً لطلب الأفضل أو الأسهل ونحو ذلك ، وإذا لم يمكن إلاّ الرفع فالأحوط الإتمام ثمّ الإعادة .
(مسألة665): إذا ارتفعت جبهته عن المسجد قهراً قبل الذكر أو بعده ، فإن أمكن حفظها عن الوقوع ثانية احتسبت له ، ويسجد اُخرى بعد الجلوس معتدلا ، ويكتفي بها إن كانت الثانية . وإن وقعت على المسجد ثانياً قهراً فالمجموع سجدة واحدة فيأتي بالذكر ، وإن كان بعد الإتيان به إكتفى به .
(مسألة666): لولصقت التربة بالجبهة بعد رفع الرأس من السجدة الاولى فالأحوط رفعها و إن كان الاقوى عدم وجوبه .
(مسألة667): إذا عجز عن السجود التامّ إنحنى بالمقدار الممكن ، ورفع المسجد إلى الجبهة ووضعها عليه ، ووضع سائر المساجد في محالّها ، وإن لم يتمكّن من الانحناء أصلا أومأ برأسه ، وإن لم يتمكّن فبالعينين ، والأحوط له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكّن من وضع الجبهة عليه ، وإن لم يتمكّن من الجلوس أومأ برأسه ، وإلاّ فبالعينين ، وإن لم يتمكّن من جميع ذلك ينوي بقلبه جالساً أو قائماً إن لم يتمكّن من الجلوس ، والأحوط الإشارة باليد ونحوها مع ذلك .
(مسألة668): من كان بجبهته دمل أو غيره ، فإن لم يستوعبها وأمكن سجوده على الموضع السليم سجد عليه ، وإلاّ حفر حفيرة ليقع السليم منها على الأرض ، وإن استوعبها أو لم يمكن حفر الحفيرة أيضاً سجد على أحد الجبينين من غير ترتيب، وإن كان الأولى والأحوط تقديم الأيمن على الأيسر ، وإن تعذّر سجد على
(الصفحة163)
ذقنه ، فإن تعذّر فالأحوط تحصيل هيئة السجود بوضع شيء من وجهه أو مقدّم رأسه على مايصحّ السجود عليه. ومع التعذّر يحصّل ماهو أقرب إلى هيئة السجود.
(مسألة669): لا بأس بالسجود على غير الأرض ونحوها ، مثل الفراش في حال التقية ، ولا يجب التخلّص منها بالذهاب إلى مكان آخر . نعم، لو كان في ذلك المكان وسيلة لترك التقيّة; بأن يصلّي على البارية أو نحوها ممّا يصحّ السجود عليه وجب اختيارها .
(مسألة670): إذا نسي السجدتين أو إحداهما وتذكّر قبل الدخول في الركوع وجب العود إليها ، وإن كان بعد الركوع مضى إن كان المنسيّ واحدة ، وقضاها بعد السلام ، وتبطل الصلاة إن كان اثنتين ، وإن كان في الركعة الأخيرة يرجع ما لم يسلّم ، وإن تذكّر بعد السلام وقبل عمل المنافي رجع إلى السجدتين ، كما إذا تذكّر قبل السلام . وإن تذكّر بعد السلام وبعد الإتيان بما ينافي الصلاة عمداً أو سهواً بطلت الصلاة إن كان المنسيّ اثنتين، وإن كانت واحدة قضاها .
(مسألة671): يستحبّ في السجود التكبير حال الانتصاب من الركوع قائماً أو قاعداً . ورفع اليدين حال التكبير . والسبق باليدين إلى الأرض عند الهويّ إلى السجود . واستيعاب الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، والأحوط الاستيعاب العرفي للكفّين ، ويستحبّ استيعاب بقيّة المساجد ، والإرغام بالأنف على ما يصحّ السجود عليه . وبسط اليدين مضمومتي الأصابع حتّى الإبهام حذاء الاُذنين متوجّهاً بهما إلى القبلة . وشغل النظر إلى طرف الأنف حال السجود . والدعاء قبل الشروع في الذكر، بأن يقول : «اللّهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلّت، وأنت ربّي ، سجد وجهي للذي خلقه وشقّ سمعه وبصره، والحمد لله ربّ العالمين، تبارك الله أحسن الخالقين» وتكرار الذكر والختم على الوتر واختيار التسبيح من الذكر ، والكبرى من التسبيح ، وتثليثها أو تخميسها أو
(الصفحة164)
تسبيعها ، وأن يسجد على الأرض بل التراب دون مثل الحجر والخشب ، ومساواة موضع الجبهة مع الموقف، بل مساواة جميع المساجد . والدعاء في السجود أو الأخير بما يريد من حاجات الدنيا والآخرة ، وخصوص طلب الرزق الحلال بأن يقول : «ياخير المسؤولين وياخير المعطين ارزقني وارزق عيالي من فضلك، فإنّك ذو الفضل العظيم» . والتورّك في الجلوس بين السجدتين وبعدهما ; وهو أن يجلس على فخذه الأيسر جاعلا ظهر القدم اليمنى في بطن اليسرى ، وأن يقول في الجلوس بين السجدتين : «أستغفر الله ربّي وأتوب إليه» والتكبير بعد الرفع من السجدة الاُولى بعد الجلوس مطمئنّاً ، والتكبير للسجدة الثانية وهو قاعد ، والتكبير بعد الرفع من الثانية كذلك . ورفع اليدين حال التكبيرات . ووضع اليدين على الفخذين حال الجلوس ، اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى . والتجافي حال السجود; بمعنى رفع البطن عن الأرض . والتجنّح; بمعنى تجافي الأعضاء حال السجود ، بأن يرفع مرفقيه عن الأرض مفرِّجاً بين عضديه وجنبيه ، ومبعّداً يديه عن بدنه ، جاعلا يديه كالجناحين . وأن يصلّي على النبيّ وآله في السجدتين . وأن يقوم سابقاً برفع ركبتيه قبل يديه . وأن يقول بين السجدتين : «اللّهم اغفر لي وارحمني وأجرني ، وادفع عنّي فإنّي لما أنزلت إليَّ من خير فقير، تبارك الله ربّ العالمين» . وأن يقول عند النهوض للقيام : «بحول الله وقوّته أقوم وأقعد» أو يقول : «اللّهم بحولك وقوّتك أقوم وأقعد» وأن لا يعجن بيديه عند إرادة النهوض ; أي لا يقبضهما، بل يبسطهما على الأرض معتمداً عليهما للنهوض . ووضع الركبتين قبل اليدين للمرأة عكس الرجل عند الهويّ للسجود ، وكذا يستحبّ عدم تجافيها حاله ، بل تفترش ذراعيها وتلصق بطنها بالأرض وتضمّ أعضاءها ، وكذا عدم رفع عجيزتها حال النهوض للقيام ، بل تنهض وتنتصب عدلا . ويستحبّ إطالة السجود والإكثار من التسبيح والذكر . ومباشرة الأرض بالكفّين. وزيادة تمكين
(الصفحة165)
الجبهة وسائر المساجد في السجود .
ويكره الإقعاء في الجلوس بين السجدتين بل بعدهما أيضاً ، وهو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه كما فسّره به الفقهاء ، بل بالمعنى الآخر المنسوب إلى اللغويّين ، وهو أن يجلس على أليتيه وينصب ساقيه ويتساند إلى ظهره كإقعاء الكلب . ويكره أيضاً نفخ موضع السجود إذا لم يتولّد حرفان ، وإلاّ فلا يجوز، بل مبطل للصلاة . وكذا يكره عدم رفع اليدين من الأرض بين السجدتين . ويكره قراءة القرآن في السجود كما كان يكره في الركوع .
(مسألة672): الأولى و الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ، وهي الجلوس بعد السجدة الثانية في الركعة الاُولى ، والثالثة ممّا لا تشهّد فيه .
تتميم: يجب السجود عند قراءة إحدى آياته الأربع في السور الأربع، وهي : الم تنزيل عند قوله تعالى : {وَلاَيَسْتَكْبِرُونَ} وحم فصّلت عند قوله : {تَعْبُدُونَ}والنجم والعلق في آخرهما، وكذا يجب على المستمع لها بل على السامع على الأحوط إذا لم يكن في حال الصلاة ، فإن كان في حال الصلاة أومأ إلى السجود احتياطاً .
ويستحبّ في أحد عشر موضعاً : في الأعراف عند قوله تعالى : {وَلَهُ يَسْجُدُونَ}. وفي الرعد عند قوله تعالى : {وَظِلاَلُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ} . وفي النحل عند قوله تعالى : {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} . وفي بني إسرائيل عند قوله تعالى : {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً}. وفي مريم عند قوله تعالى : {خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً}. وفي سورة الحجّ في موضعين : عند قوله : {إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}. وعند قوله : {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . وفي الفرقان عند قوله : {وَزَادَهُمْ نُفُوراً} . وفي النمل عند قوله : {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}. وفي «ص» عند قوله : {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ}. وفي الانشقاق عند قوله : {لاَ يَسْجُدُونَ}. بل الأولى السجود عند كلّ آية فيها أمر بالسجود .
(مسألة673): ليس في هذا السجود تكبيرة افتتاح ولا تشهّد ولا تسليم . نعم،
(الصفحة166)
يستحبّ التكبير للرفع منه ، بل الأحوط استحباباً عدم تركه . ولا يشترط فيه الطهارة من الحدث ولا من الخبث ولا الاستقبال ولا طهارة محلّ السجود ، ولا الستر ، ولا صفات الساتر، ولا أيّ شيء آخر بعد تحقّق مسمّى السجود والنيّة . نعم ، الأحوط وجوباً فيه وضع الجبهة على الأرض أو ما في حكمها .
(مسألة674): يتكرّر السجود مع تكرّر القراءة أو السماع أو الاختلاف ، وكذا إذا قرأها شخص حين قراءته لها ، وأمّا إذا قرأها جماعة في زمان واحد فالظاهر عدم تكرّر السجود على من استمع إليها .
(مسألة675): يستحبّ السجود ـ شكراً لله تعالى ـ عند تجدّد كلّ نعمة، ودفع كلّ نقمة ، وعند تذكّر ذلك ، والتوفيق لأداء كلّ فريضة ونافلة ، بل كلّ فعل خير ، ومنه إصلاح ذات البين ، ويكفي في هذا السجود وضع الجبهة مع النيّة ، ويجوز الاقتصار على السجدة الواحدة ، والأفضل سجدتان ، فيفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين أو الجميع مقدّماً الأيمن على الأيسر ، ثمّ وضع الجبهة ثانياً ، ويستحبّ فيه افتراش الذراعين ، وإلصاق الصدر والبطن بالأرض ، وأن يمسح موضع سجوده بيده ثمّ يمرّها على وجهه ومقاديم بدنه ، وأن يقول فيه : «شكراً لله شكراً لله» أو مائة مرّة «شكراً شكراً» أو مائة مرّة «عفواً عفواً» أو مائة مرّة «الحمد لله شكراً» وكلّما قاله عشر مرّات قال «شكراً لمجيب» ثمّ يقول : «ياذا المنّ الذي لا ينقطع أبداً ولا يحصيه غيره عدداً، وياذا المعروف الذي لا ينفد أبداً، ياكريم ياكريم ياكريم» ثمّ يدعو ويتضرّع ويذكر حاجته ، وقد ورد في بعض الروايات غير ذلك ، والأحوط فيه السجود على ما يصحّ السجود عليه .
(مسألة676): يستحبّ السجود بقصد التذلّل لله تعالى، بل هو من أعظم العبادات. وقد ورد أنّه أقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى وهو ساجد ، ويستحبّ إطالته .
(الصفحة167)
الفصل السابع : التشهّد
وهو واجب في الثنائيّة مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الثانية ، وفي الثلاثيّة والرباعيّة مرّتين ، الاُولى كما ذكر ، والثانية بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الأخيرة ، وهو واجب غير ركن ، فإذا تركه عمداً بطلت الصلاة ، وإذا تركه سهواً أتى به ما لم يركع ، وإلاّ قضاه إن تذكّر بعد الدخول في الركوع مع سجدتي السهو . وكيفيّته على الأحوط «أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد» .
ويجب فيه الجلوس بمقدار الذكر ، والطمأنينة ، وأن يكون على النهج العربي الصحيح مع الموالاة بين الفقرات والكلمات والحروف ، بحيث لا يخرج عن الصدق . والعاجز عن التعلّم إذا لم يجد مَنْ يلقّنه يأتي بما أمكنه ويترجم الباقي . وإن لم يعلم شيئاً يأتي بترجمة الكلّ ، وإن لم يعلم يأتي بسائر الأذكار بقدره ، والأولى التحميد إن كان يحسنه ، وإلاّ فالأحوط الجلوس قدره مع الإخطار بالبال إن أمكن .
(مسألة677): يكره الإقعاء فيه على نحو ما مرّ في الجلوس بين السجدتين ، بل يستحبّ فيه الجلوس متورّكاً كما تقدّم فيما بين السجدتين ، وأن يقول قبل الشروع في الذكر : «الحمد لله» أو يقول : «بسم الله ، وبالله ، والحمد لله ، وخير الأسماء لله» ، أو «الأسماء الحسنى كلّها لله». وأن يجعل يديه على فخذيه منضمّة الأصابع . وأن يكون نظره إلى حجره . وأن يقول بعد قوله: «وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ، وأشهد أنّ ربّي نعم الربّ ، وأنّ محمّداً نعم الرسول». وأن يقول بعد الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله) : «وتقبّل شفاعته وارفع درجته» في التشهّد الأوّل، والأحوط عدم قصد الخصوصيّة في الثاني. وأن يقول: «سبحان الله» سبعاً بعد التشهّد الأوّل ، ثم يقوم . وأن يقول حال النهوض : «بحول الله وقوّته أقوم وأقعد» . وأن تضمّ المرأة فخذيها إلى نفسها وترفع ركبتيها عن الأرض .
(الصفحة168)
الفصل الثامن : التسليم
وهو واجب على الأقوى ، وجزء من الصلاة ، فيجب فيه جميع ما يشترطفيها من الاستقبال ، وستر العورة ، والطهارة ، وغيرها ، وبه يخرج من الصلاة وتحلّ له منافياتها . وليس ركناً ، فتركه عمداً مبطل لا سهواً ، فلو سها عنه وتذكّر بعد فوت الموالاة لا يجب تداركه . نعم، عليه سجدتا السهو للنقصان بتركه . وإن تذكّر قبل ذلك فإن لم يأت بالمنافي العمدي والسهوي أتى بالتسليم ولا شيءعليه ، إلاّ إذا تكلّم فيجب عليه سجدتا السهو ، وإن أتى بالمنافي كذلك فالظاهربطلان صلاته .
ويجب فيه الجلوس ، والطمأنينة ، وله صيغتان ، هما : «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» و «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» فإن قدّم الصيغة الاُولى فالأحوط الإتيان بالثانية ، وإن قدّم الثانية اقتصر عليها . وأمّا «السلام عليك أيّها النبيّ» فليس من صيغ السلام ، بل هو من توابع التشهد وليس واجباً ، بل هو مستحبّ، وإن كان الأحوط عدم تركه لوجود القائل بوجوبه ، ولا يكفي على الأحوط في الصيغة الثانية «السلام عليكم» بحذف قوله «ورحمة الله وبركاته» بل الأحوط الاُولى الجمع بين الصيغتين بالترتيب المذكور . ويجب فيه المحافظة على أداء الحروف والكلمات على النهج الصحيح مع العربيّة والموالاة ، والأقوى عدم كفاية قوله «سلام عليكم» بحذف الألف واللام .
(مسألة678): إذا أحدث قبل التسليم بطلت الصلاة، وكذا إذا فعل غيره من المنافيات.
(مسألة679): إذا نسي السجدتين حتّى سلّم أعاد الصلاة إذا صدر منه ما ينافي الصلاة عمداً أو سهواً ، وإلاّ أتى بالسجدتين والتشهّد والتسليم وسجد سجدتي السهو لزيادة السلام .
(الصفحة169)
(مسألة680): يستحبّ التورّك في الجلوس حاله على نحو ما مرّ ، ووضع اليدين على الفخذين ، ويكره الإقعاء كما سبق في التشهّد .
الفصل التاسع : الترتيب
يجب الإتيان بأفعال الصلاة على حسب ما عرفت من الترتيب; بأن يقدّم تكبيرة الاحرام على القراءة ، والقراءة على الركوع ، وهكذا ، فلو خالفه عمداً بطل ما أتى به مقدّماً ، وأبطل من جهة لزوم الزيادة ، سواء كان ذلك في الأفعال أو الأقوال ، وفي الأركان أو في غيرها . وإن كان سهواً ، فإن كان في الأركان بأن قدّم ركناً على ركن ، كما إذا قدّم السجدتين على الركوع فكذلك ، وإن قدّم ركناً على غير ركن، كما إذا قدّم الركوع على القراءة ، أو قدّم غير الركن على الركن ، كما إذا قدّم التشهّد على السجدتين ، أو قدّم غير الأركان بعضها على بعض ، كما إذا قدّم السورة مثلا على الحمد ، فلا تبطل الصلاة إذا كان سهواً ، وحينئذ فإن أمكن التدارك بالعودة بأن لم يستلزم زيادة ركن وجب ، وإلاّ فلا . نعم، الأحوط استحباباً إتيان سجدتي السهو لكلّ زيادة أو نقيصة تلزم من ذلك .
الفصل العاشر : الموالاة
وهي واجبة في أفعال الصلاة; بمعنى عدم الفصل بينها على وجه يوجب محو صورة الصلاة في نظر أهل الشرع ، وهي بهذا المعنى تبطل الصلاة بفواتها عمداً أو سهواً ، ولا يضرّ فيها تطويل الركوع والسجود وقراءة السور الطوال . ولا يترك الاحتياط بمراعاة الموالاة العرفيّة ; بمعنى متابعة الأفعال بلا فصل وإن لم تمح معه صورة الصلاة ، وكذا في القراءة والأذكار .
(مسألة681): لو نذر الموالاة بالمعنى المذكور فالظاهر انعقاد نذره
(الصفحة170)
لرجحانها ولو من باب الاحتياط ، فلو خالف عصى وبطلت الصلاة علىالأحوط .
الفصل الحادي عشر : القنوت
وهي مستحبّ في جميع الصلوات ، فريضة كانت أو نافلة إلاّ في الشفع ، فالأقوى الإتيان به رجاءً . ويتأكّد استحبابه في الجهريّة خصوصاً في الصبح والمغرب والجمعة ، وفي الوتر من النوافل ، بل في مطلق الفرائض ، والمستحبّ منه بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية وقبل الركوع في الوتر إلاّ في الجمعة ، ففيه قنوتان قبل الركوع في الاُولى ، وبعده في الثانية ، وإلاّ في العيدين، ففيهما خمسة قنوتات في الاُولى وأربعة في الثانية ، وإلاّ في الآيات، فالظاهر أنّ فيها خمسة قنوتات في كلّ زوج من الركوعات قنوت .
(مسألة682): لا يشترط في القنوت قول مخصوص ، بل يكفي ما تيسّر من ذكر أو دعاء أو حمد ومناجاة وطلب حاجات، وأقلّه سبحان الله خمس مرّات ، أو ثلاث مرّات ، كما يجوز الاقتصار على الصلاة على النبيّ وآله ، ومثل «اللّهمّ اغفر لي» والأفضل قراءة المأثور من الأئمة المعصومين(عليهم السلام) ، والأفضل كلمات الفرج وهي «لا إله إلاّ الله الحليم الكريم، لا إله إلاّ الله العليّ العظيم، سبحان الله ربّ السموات السبع وربّ الأرضين السبع، وما فيهنّ وما بينهنّ وربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين».
(مسألة683): يستحبّ التكبير قبل القنوت ورفع اليدين حال التكبير ووضعهما، ثمّ رفعهما حيال وجهه ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط في أصل رفع اليدين . ويستحبّ بسطهما جاعلا باطنهما نحو السماء ، وظاهرهما نحو الأرض ، وأن تكونا منضمّتين مضمومتي الأصابع إلاّ الإبهامين ، وأن يكون نظره إلى كفّيه ، ويكره أن
(الصفحة171)
يجاوز بهما رأسه .
(مسألة684): يستحبّ الجهر بالقنوت ، سواء كانت الصلاة جهريّة أوإخفاتيّة وسواء كان إماماً أو منفرداً ، بل أو مأموماً إذا لم يسمع الإمامصوته .
(مسألة685): لو نسي القنوت ، فإن تذكّر قبل الوصول إلى حدّ الركوعقام وأتى به، وإن تذكّر بعد الدخول في الركوع قضاه بعد الرفع منه ، وكذالو تذكّر بعد الهوي للسجود قبل وضع الجبهة، وإن كان الأحوط ترك العودإليه ، وإن تذكّر بعد الدخول في السجود أو بعد الصلاة قضاه بعد الصلاة وإن طالتالمدّة .
(مسألة686): الأحوط ترك الدعاء الملحون مادّةً أو إعراباً في القنوت، وإن لم يكن لحنه فاحشاً ولا مغيّراً للمعنى ، ولا يترك هذا الاحتياط خصوصاً في الملحون مادّةً . ويجوز الدعاء بغير العربيّة وإن كان الأحوط تركه ، ولا تؤدّي وظيفة القنوت إلاّ بالعربيّة .
(مسألة687): تستحبّ إطالة القنوت خصوصاً في صلاة الوتر ، فعن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أطولكم قنوتاً في دار الدنيا أطولكم راحةً يوم القيامة في الموقف» .
الفصل الثاني عشر : التعقيب
وهو الاشتغال بعد الفراغ من الصلاة بالذكر والدعاء ، ومنه أن يكبّر ثلاثاً بعد التسليم رافعاً يديه على هيئة غيره من التكبيرات ، ومنه ـ وهو أفضله ـ تسبيح الزهراء(عليها السلام) وهو التكبير أربعاً وثلاثين ، ثمّ الحمد لله ثلاثاً وثلاثين ، ثم التسبيح ثلاثاً وثلاثين ، ومنه قراءة الحمد وآية الكرسي وآية شهد الله ، وآية الملك ، ومنه غير ذلك ممّا هو كثير مذكور في الكتب المعدّة .
(الصفحة172)
المبحث الثالث : صلاة الجمعة
(مسألة688): تجب صلاة الجمعة في هذه الأعصار مخيّراً بينها وبين صلاة الظهر ، والجمعة أفضل ، والظهر أحوط ، وأحوط من ذلك الجمع بينهما ، فمن صلّى الجمعة سقطت عنه صلاة الظهر على الأقوى ، لكنّ الأحوط الإتيان بالظهر بعدها ، وهي ركعتان كالصبح .
(مسألة689): من ائتمّ بإمام في الجمعة جاز الاقتداء به في العصر ، لكن لو أراد الاحتياط أعاد الظهرين بعد الائتمام ، إلاّ إذا احتاط الامام بعد صلاة الجمعة قبل العصر بأداء الظهر، وكذا المأموم ، فيجوز الاقتداء به في العصر ويحصل به الاحتياط .
(مسألة690): يجوز الاقتداء في الظهر الاحتياطي ، فإذا صلّوا الجمعة جاز لهم صلاة الظهر جماعة احتياطاً ، ولو ائتمّ بمن يصلّيها احتياطاً من لم يصلّ الجمعة لا يجوز له الاكتفاء بها ، بل تجب عليه إعادة الظهر .
شرائط صلاة الجمعة
وهي اُمور:
الأوّل: العدد ، وأقلّه خمسة نفر أحدهم الإمام ، فلا تجب ولا تنعقد بأقلّ منها ، وقيل : أقلّه سبعة نفر ، والأشبه ما ذكرناه ، فلو اجتمع سبعة نفر وما فوق تكون الجمعة آكد في الفضل .
الثاني: الخطبتان ، وهما واجبتان كأصل الصلاة ، ولا تنعقد الجمعة بدونهما .
الثالث: الجماعة ، فلا تصحّ الجمعة فرادى .
الرابع: أن لا يكون هناك جمعة اُخرى وبينهما دون ثلاثة أميال ، فإذا كان
(الصفحة173)
بينهما ثلاثة أميال صحّتا جميعاً ، والميزان هو البعد بين الجمعتين ، لا البلدين اللذين ينعقد فيهما الجمعة ، فجازت إقامة جمعات في بلاد كبيرة تكون طولها فراسـخ .
(مسألة691): لو اجتمعت خمسة نفر للجمعة، فتفرّقوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل الصلاة ولم يعودوا ولم يكن هناك عدد بقدر النصاب، تعيّن على كلّ صلاة الظهر .
(مسألة692): لو تفرّقوا في أثناء الخطبة ثمّ عادوا ، فإن كان تفرّقهم بعد تحقّق مسمّى الواجب فالظاهر عدم وجوب إعادتها ولو طالت المدّة ، كما أنّه كذلك لو تفرّقوا بعدها فعادوا . وإن كان قبل تحقّق الواجب منها، فإن كان التفرّق للانصراف عن الجمعة فالأحوط استئنافها مطلقاً ، وإن كان لعذر كمطر مثلا ، فإن طالت المدّة بمقدار أضرّ بالوحدة العرفيّة فالظاهر وجوب الاستئناف ، وإلاّ بنوا عليها وصحّت .
(مسألة693): لو انصرف بعضهم قبل الإتيان بمسمّى الواجب ورجع من غير فصل طويل ، فإن سكت الإمام في غيبته اشتغل بها من حيث سكت ، وإن أدامها ولم يسمعها الغائب أعادها من حيث غاب ولم يدركها ، وإن لم يرجع إلاّ بعد فصل طويل يضرّ بوحدة الخطبة عرفاً أعادها ، وإن لم يرجع وجاء آخر يجب استئنافها مطلقاً .
(مسألة694): لو زاد العدد على نصاب الجمعة لا يضرّ مفارقة بعضهم مطلقاً بعد بقاء مقدار النصاب .
(مسألة695): إن دخل الإمام في الصلاة وانفضّ الباقون قبل تكبيرهم ولم يبق إلاّ الإمام فالظاهر عدم انعقاد الجمعة ، وهل له العدول إلى الظهر ، أو يجوز إتمامها ظهراً من غير نيّة العدول ، بل تكون ظهراً بعد عدم انعقاد الجمعة فيتمّها أربع ركعات؟ فيه إشكال ، والأحوط الأولى نيّة العدول وإتمامها ثمّ الإتيان بالظهر ،
(الصفحة174)
وأحوط منه إتمامها جمعة ثمّ الإتيان بالظهر وإن كان الأقرب بطلانها ، فيجوز رفع اليد عنها والإتيان بالظهر .
(مسألة696): إن دخل العدد أي أربعة نفر مع الإمام في صلاة الجمعة ولو بالتكبير وجب الإتمام ولو لم يبق إلاّ واحد على قول معروف ، والأشبه بطلانها ، سواء بقي الإمام وانفضّ الباقون أو بعضهم ، أو انفضّ الإمام وبقي الباقون أو بعضهم ، وسواء صلّوا ركعة أو أقلّ ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتمام جمعة ، ثمّ الإتيان بالظهر . نعم، لا يبعد الصحّة جمعةً إذا انفضّ بعض في أخيرة الركعة الثانية ، بل بعد ركوعها ، والاحتياط بإتيان الظهر مع ذلك بعدها لا ينبغي تركه .
(مسألة697): يجب في كلّ من الخطبتين التحميد ، ويعقّبه بالثناء عليه تعالى على الأحوط ، والأحوط أن يكون التحميد بلفظ الجلالة، وإن كان الأقوى جوازه بكلّ ما يعدّ حمداً له تعالى ، والصلاة على النبيّ(صلى الله عليه وآله) على الأحوط في الخطبة الاُولى ، وعلى الأقوى في الثانية ، والإيصاء بتقوى الله تعالى في الاُولى على الأقوى ، وفي الثانية على الأحوط ، وقراءة سورة صغيرة في الاُولى على الأقوى ، وفي الثانية على الأحوط ، والأحوط الأولى في الثانية الصلاة على أئمّة المسلمين (عليهم السلام) بعد الصلاة على النبيّ(صلى الله عليه وآله)، والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، والأولى اختيار بعض الخطب المنسوبة إلى أمير المؤمنين سلام الله عليه ، أو المأثورة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) .
(مسألة698): الأحوط إتيان الحمد والصلاة في الخطبة بالعربي، وإن كان الخطيب والمستمع غير عربيّ . وأمّا الوعظ والإيصاء بتقوى الله تعالى فالأقوى جوازه بغيره ، بل الأحوط أن يكون الوعظ ونحوه من ذكر مصالح المسلمين بلغة المستمعين ، وإن كانوا مختلطين يجمع بين اللغات . نعم، لو كان العدد أكثر من النصاب جاز الاكتفاء بلغة النصاب ، لكنّ الأحوط أن يعظهم بلغتهم .
(مسألة699): ينبغي للإمام الخطيب أن يذكر في ضمن خطبته ما هو من مصالح
(الصفحة175)
المسلمين في دينهم ودنياهم ، ويخبرهم بما جرى في بلاد المسلمين وغيرها من الأحوال التي لهم فيها المضرّة أو المنفعة ، وما يحتاج المسلمون إليه في المعاش والمعاد ، والاُمور السياسيّة والاقتصاديّة ممّا هي دخيلة في استقلالهم وكيانهم ، وكيفيّة معاملتهم مع سائر الملل ، والتحذير عن تدخّل الدول المستعمرة في اُمورهم سيّما السياسيّة والاقتصاديّة المنجرّ إلى استعمارهم واستثمارهم ، وبالجملة : الجمعة وخطبتاها من المواقف العظيمة للمسلمين، كسائر المواقف العظيمة مثل الحجّ والمواقف التي فيه ، والعيدين وغيرها ، ومع الأسف أغفل المسلمون عن الوظائف المهمّة السياسيّة الإسلاميّة ، فالإسلام دين السياسة بشؤونها، ويظهر لمن له أدنى تدبّر في أحكامه الحكوميّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة ، فمن توهّم أنّ الدين منفكّ عن السياسة فهو جاهل لم يعرف الإسلام ولا السياسة .
(مسألة700): يجوز إيقاع الخطبتين قبل زوال الشمس بحيث إذا فرغ منهما زالت ، والأحوط إيقاعهما عند الزوال .
(مسألة701): يجب أن تكون الخطبتان قبل صلاة الجمعة، فلو بدأ بالصلاة تبطل ، وتجب الصلاة بعدهما لو بقي الوقت ، والظاهر عدم وجوب إعادتهما إذا كان الإتيان جهلا أو سهواً ، فيأتي بالصلاة بعدهما ، ولو قيل بعدم وجوب إعادة الصلاة أيضاً إذا كان التقديم عن غير عمد وعلم لكان له وجه .
(مسألة702): يجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراد الخطبة ، ويجب وحدة الخطيب والإمام ، فلو عجز الخطيب عن القيام خطب غيره وأمّهم الذي خطبهم ، ولو لم يكن غير العاجز فالظاهر الانتقال إلى الظهر . نعم، لو كانت الجمعة واجبة تعييناً خطبهم العاجز عن القيام جالساً ، والأحوط الإتيان بالظهر بعد الجمعة ، ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة .
(مسألة703): الأحوط لو لم يكن الأقوى وجوب رفع الصوت في الخطبة
(الصفحة176)
بحيث يسمع العدد ، بل الظاهر عدم جواز الإخفات بها ، بل لا إشكال في عدم جواز إخفات الوعظ والإيصاء ، وينبغي أن يرفع صوته بحيث يسمع الحضّار ، بل هو أحوط ، أو يخطب بواسطة السمّـاعات إذا كانت الجماعة كثيرة لإبلاغ الوعظ والترغيب والترهيب والمسائل المهتمّ بها .
(مسألة704): الأحوط بل الأوجه وجوب الإصغاء إلى الخطبة ، بل الأحوط الإنصات وترك الكلام بينها ، وإن كان الأقوى كراهته . نعم، لو كان التكلّم موجباً لترك الاستماع وفوات فائدة الخطبة لزم تركه . والأحوط الأولى استقبال المستمعين الإمام حال الخطبة، وعدم الالتفات زائداً على مقدار الجواز في الصلاة ، وطهارة الإمام حال الخطبة عن الحدث والخبث ، وكذا المستمعين . والأحوط الأولى للإمام أن لا يتكلّم بين الخطبة بما لا يرجع إلى الخطابة ، ولا بأس بالتكلّم بعد الخطبتين إلى الدخول في الصلاة ، وينبغي أن يكون الخطيب بليغاً مراعياً لمقتضيات الأحوال بالعبارات الفصيحة الخالية عن التعقيد ، عارفاً بما جرى على المسلمين في الأقطار سيّما قطره ، عالماً بمصالح الإسلام والمسلمين ، شجاعاً لا يلومه في الله لومة لائم ، صريحاً في إظهار الحقّ وإبطال الباطل حسب المقتضيات والظروف ، مراعياً لما يوجب تأثير كلامه في النفوس ; من مواظبة أوقات الصلوات ، والتلبّس بزيّ الصالحين والأولياء، وأن يكون أعماله موافقاً لمواعظه وترهيبه وترغيبه، وأن يجتنب عمّا يوجب وهنه ووهن كلامه حتى كثرة الكلام والمزاح وما لا يعني . كلّ ذلك إخلاصاً لله تعالى وإعراضاً عن حبّ الدنيا والرئاسة ـ فإنّه رأس كلّ خطيئة ـ ليكون لكلامه تأثير في النفوس . ويستحبّ له أن يتعمّم في الشتاء والصيف ، ويتردّى ببرد يمني أو عدني ، ويتزيّن ، ويلبس أنظف ثيابه متطيّباً ، على وقار وسكينة ، وأن يسلّم إذا صعد المنبر ، واستقبل الناس بوجهه ، ويستقبلونه بوجوههم ، وأن يعتمد على شيء من قوس أو عصا أو سيف ، وأن يجلس على
(الصفحة177)
المنبر أمام الخطبة حتى يفرغ المؤذّنون .
(مسألة705): قد مرّ اعتبار الفاصلة بين الجمعتين بثلاثة أميال ، فإن اُقيمت جمعتان دون الحدّ المعتبر ، فإن اقترنتا بطلتا جميعاً ، وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخّرة ، سواء كان المصلّون عالمين بسبق جمعة أم لا ، وصحّت المتقدّمة ، سواء علم المصلّون بلحوق جمعة أم لا . والميزان في الصحّة تقدّم الصلاة لا الخطبة ، فلو تقدّم إحدى الجمعتين في الخطبة والاُخرى في الصلاة بطلت المتأخرة في الشروع في الصلاة .
(مسألة706): الأحوط عند إرادة إقامة جمعة في محلّ إحراز أن لا جمعة هناك ـ دون الحدّ المقرّر ـ مقارنة لها أو منعقدة قبلها ; وإن كان الأشبه جواز الانعقاد وصحّة الجمعة ما لم يحرز انعقاد جمعة اُخرى مقارنة لها أو مقدّمة عليها ، بل الظاهر جواز الانعقاد لو علم بانعقاد اُخرى وشكّ في مقارنتها أو سبقها .
(مسألة707): لو علموا بعد الفراغ من الصلاة بعقد جمعة اُخرى واحتمل كلّ من الجماعتين السبق واللحوق، فالظاهر عدم وجوب الإعادة عليهما ، لا جمعةً ولا ظهراً وإن كان الوجوب أحوط . ويجب على الجماعة التي لم يحضروا الجمعتين إذا أرادوا إقامة جمعة ثالثة إحراز بطلان الجمعتين المتقدّمتين ، ومع احتمال صحّة إحداهما لا يجوز إقامة جمعة اُخرى .
من تجب عليه صلاة الجمعة
(مسألة708): يشترط في وجوبها اُمور : التكليف ، والذكورة ، والحريّة ، والحضر ، والسلامة من العمى والمرض ، وأن لا يكون شيخاً كبيراً ، وأن لا يكون بينه وبين محلّ إقامة الجمعة أزيد من فرسخين ، فهؤلاء لا يجب عليهم السعي إلى الجمعة لو قلنا بالوجوب التعييني ، ولا تجب عليهم ولو كان الحضور لهم غير
(الصفحة178)
حرجيّ ولا مشقّة فيه .
(مسألة709): كلّ هؤلاء إذا اتّفق منهم الحضور أو تكلّفوه صحّت منهم وأجزأت عن الظهر ، وكذا كلّ مَنْ رُخّص له في تركها لمانع من مطر ، أو برد شديد ، أو فقد رجل ونحوها ممّا يكون الحضور معه حرجاً عليه . نعم، لا تصحّ من المجنون ، وصحّت صلاة الصبيّ ، وأمّا إكمال العدد به فلا يجوز ، وكذا لا تنعقد بالصبيان فقط .
(مسألة710): يجوز للمسافر حضور الجمعة ، وتنعقد منه وتجزئه عن الظهر ، لكن لو أراد المسافرون إقامتها من غير تبعيّة للحاضرين لا تنعقد منهم ، وتجب عليهم صلاة الظهر ، ولو قصدوا الإقامة جازت لهم إقامتها ، ولا يجوز أن يكون المسافر مكمّلا للعدد .
(مسألة711): يجوز للمرأة الدخول في صلاة الجمعة ، وتصحّ منها وتجزئها عن الظهر إن كان عدد الجمعة ـ أي خمسة نفر ـ رجالا ، وأمّا إقامتها للنساء أو كونها من جملة الخمسة فلا تجوز ، ولا تنعقد إلاّ بالرجال .
(مسألة712): تجب الجمعة على أهل القرى والسواد، كما تجب على أهل المدن والأمصار مع استكمال الشرائط ، وكذا تجب على ساكني الخيم والبوادي إذا كانوا قاطنين فيها .
(مسألة713): تصحّ الجمعة من الخنثى المشكل ، ولا يصحّ جعله إماماً أو مكمّلا للعدد ، فلو لم يكمل إلاّ به لا تنعقد الجمعة وتجب الظهر .
وقت صلاة الجمعة
(مسألة714): يدخل وقتها بزوال الشمس ، فإذا زالت فقد وجبت ، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين عند الزوال فشرع فيها صحّت . وأمّا آخر وقتها بحيث تفوت بمضيّه ففيه خلاف وإشكال ، والأحوط عدم التأخير عن الأوائل العرفية من
(الصفحة179)
الزوال ، وإذا أُخّرت عن ذلك فالأحوط اختيار الظهر .
(مسألة715): لا يجوز إطالة الخطبة بمقدار يفوت وقت الجمعة إذا كان الوجوب تعيينيّاً ، فلو فعل أثم ووجبت صلاة الظهر، كما تجب الظهر في الفرض على التخيير أيضاً ، وليس للجمعة قضاء بفوات وقتها .
(مسألة716): لو دخلوا في الجمعة فخرج وقتها ، فإن أدركوا منها ركعة في الوقت صحّت وإلاّ بطلت على الأشبه ، والأحوط الإتمام جمعة ثمّ الإتيان بالظهر ، ولو تعمّدوا إلى بقاء الوقت بمقدار ركعة ، فإن قلنا بوجوبها تعييناً أثموا وصحّت صلاتهم ، وإن قلنا بالتخيير ـ كما هو الأقوى ـ فالأحوط اختيار الظهر ، بل لا يترك الاحتياط بإتيان الظهر في الفرض الأوّل أيضاً مع القول بالتخيير .
(مسألة717): لو تيقّن أنّ الوقت يتّسع لأقلّ الواجب من الخطبتين وركعتين خفيفتين تخيّر بين الجمعة والظهر ، ولو تيقّن بعدم الاتّساع لذلك تعيّن الظهر ، ولو شكّ في بقاء الوقت صحّت ، ولو انكشف بعدُ عدم الاتّساع حتى لركعة يأتي بالظهر ، ولو علم مقدار الوقت وشكّ في اتّساعه لها يجوز الدخول فيها ، فإن اتّسع صحّت ، وإلاّ يأتي بالظهر ، والأحوط اختيار الظهر ، بل لا يترك في الفرع السابق مع الاتّساع لركعة .
(مسألة718): لو صلّى الإمام بالعدد المعتبر في اتّساع الوقت ولم يحضر المأموم ـ من غير العدد ـ الخطبة وأوّل الصلاة ، ولكنّه أدرك مع الإمام ركعة صلّى جمعة ركعة مع الإمام وأضاف ركعة اُخرى منفرداً ، وصحّت صلاته . وآخِرُ إدراك الركعة إدراك الإمام في الركوع ، فلو ركع والإمام لم ينهض إلى القيام صحّت صلاته، والأفضل لمن لم يدرك تكبيرة الركوع الإتيان بالظهر أربع ركعات . ولو كبّر وركع ثمّ شكّ في أنّ الإمام كان راكعاً وأدرك ركوعه أو لا لم تقع صلاته جمعة ، وهل تبطل أو تصحّ ويجب الإتمام ظهراً؟ فيه إشكال ، والأحوط إتمامها ظهراً ثمّ إعادتها .
(الصفحة180)
فـروع :
الأوّل: شرائط الجماعة في غير الجمعة معتبرة في الجمعة أيضاً ; من عدم الحائل وعدم علوّ موقف الإمام ، وعدم التباعد وغيرها ، وكذا شرائط الإمام في الجمعة هي الشرائط في إمام الجماعة ; من العقل ، والإيمان ، وطهارة المولد ، والعدالة . نعم، لا يصحّ في الجمعة إمامة الصبيان ولا النساء، وإن قلنا بجوازها لمثلهما في غيرها .
الثاني: الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة محرّمة ، وهو الأذان الذي يأتي المخالفون به بعد الأذان الموظّف ، وقد يطلق عليه الأذان الثالث ، ولعلّه باعتبار كونه ثالث الأذان والإقامة ، أو ثالث الأذان للإعلام والأذان للصلاة ، أو ثالث باعتبار أذان الصبح والظهر ، والظاهر أنّه غير الأذان للعصر .
الثالث: لا يحرم البيع ولا غيره من المعاملات يوم الجمعة بعد الأذان في أعصارنا ممّا لا تجب الجمعة فيها تعييناً .
الرابع: لو لم يتمكّن المأموم لزحام ونحوه من السجود مع الإمام في الركعة الاُولى التي أدرك ركوعها معه ، فإن أمكنه السجود واللحاق به قبل الركوع أو فيه فعل وصحّت جمعته ، وإن لم يمكنه ذلك لم يتابعه في الركوع ، بل اقتصر على متابعته في السجدتين ، ونوى بهما للاُولى ، فيكمل له ركعة مع الإمام ، ثمّ يأتي بركعة ثانية لنفسه ، وقد تمّت صلاته ، وإن نوى بهما الثانية قيل : يحذفهما ويسجد للاُولى ويأتي بالركعة الثانية وصحّت صلاته . وهو مرويّ ، وقيل : تبطل الصلاة . ويحتمل جعلهما للاُولى إذا كانت نيّته للثانية لغفلة أو جهل وأتى بالركعة الثانية كالفرض الأوّل ، والمسألة لا تخلو من إشكال ، فالأحوط الإتمام بحذفهما والسجدة للاُولى والإتيان بالظهر . وكذا لو نوى بهما التبعيّة للإمام .
الخامس: صلاة الجمعة ركعتان ، وكيفيّتها كصلاة الصبح ، ويستحبّ فيها
|