(الصفحة101)
الأمر التاسع
ثمرة مسألـة مقدّمـة الواجب
قد عرفت أنّ ثمرة المسأ لـة الاُصوليـة هو أن تكون نتيجتها صا لحةً للوقوع في طريق استنباط الحكم الفرعي ، وهنا أيضاً كذلك ; فإنّ ثمرة القول با لملازمـة إنّما هو استكشاف وجوب المقدّمـة فيما قام الدليل على وجوب ذيها .
ولكنّـه قد اُورد على ذلك بأنّ هذا الحكم الفرعي ليس لـه أثر عملي ; لأنّ العقل حاكم بلابدّيـة الإتيان بـه بعد فرض كونـه مقدّمةً وإن لم نقل با لملازمة .
وأجاب عنـه في تقريرات بعض الأعاظم(قدس سره) : بأنّ وجوب المقدّمـة وإن لم يكن بنفسـه ذا أثر عملي بعد حكم العقل بلابدّيـة الإتيان با لمقدّمـة ، إلاّ أنّ تطبيق كبريات اُخر مستفادة من محالّها عليها تتحقّق الثمرة ، فإنّـه بعد فرض وجوب المقدّمـة يمكن تحقّق التقرّب بقصد أمرها ، فتتحقّق بذلك التوسعـة في باب التقرّب ، وكذلك إذا أمر شخص شخصاً آخر أمراً معاملياً بفعل لـه مقدّمات ، فأتى المأمور بتلك المقدّمات ولم يأت بذيها ، يكون ضامناً للشخص المأمور اُجرة المقدّمات بعد فرض كون الأمر با لفعل أمراً بمقدّماتـه .
قال : وقد ظهر بذلك أنّ الثمرة العمليـة لمسأ لـة وجوب مقدّمـة الواجب إنّما تتحقّق بضمّ نتيجتها إلى كبريات اُخر منقّحـة في مواردها . انتهى ملخّص ما في ا لتقريرات .
ولكن لايخفى أنّ الأمر المقدّمي والواجب الغيري لايصلح للداعويـة حتّى يمكن التقرّب بـه ، بل كما عرفت سابقاً أنّ الواجبات الغيريـة كلّها توصّليـة ، كما
1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 397.
(الصفحة102)
لايخفى .
وأمّا استحقاق اُجرة المقدّمات على تقدير كون الأمر بذيها أمراً بها فيرد عليـه ـ مضافاً إلى أ نّـه مناف لما اختاره من ثبوت الملازمـة با لنسبـة إلى خصوص المقدّمـة الموصلـة با لمعنى الذي نقلناه عنـه سابقاً لا مطلق المقدّمـة ـ أنّ استحقاق الاُجرة إنّما هو فيما إذا كان الباعث لـه على الإتيان با لمأمور بـه هو الأمر المتعلّق بها ، لأغراضـه النفسانيـة الاُخر ، وفي المقام ليس كذلك ، فإنّ الإتيان با لمقدّمـة ليس مسبّباً عن إتيان وجوبها ، كيف ولو لم نقل با لوجوب يأتي بها أيضاً ، بل الداعي لـه هو الأمر المتعلّق بذيها ، لا لأنّ أمره يدعو إلى غير ما تعلّق بـه أيضاً ، بل لأنّ المقصود من إتيانها إنّما هو للتوصّل إلى ذيها ، ومجرّد هذا لايصحّح استحقاق الاُجرة ، كما لايخفى ، فالإنصاف أ نّـه لا ثمرة مهمّـة مترتّبـة على وجوب المقدّمـة ، كما يظهر على مَنْ تأمّل فيما جعلوه ثمرةً للمقام .
الأمر العاشر
في الأصل عند الشكّ في الملازمـة
لايخفى أ نّـه ليس في نفس محلّ البحث ـ وهي الملازمـة وعدمها ـ أصل يوافق أحد الطرفين ، فإنّ الملازمـة وعدمها ليست لها حا لـة سابقـة ; لأنّ الملازمـة وعدمها أزليّـة .
نعم نفس وجوب المقدّمـة يكون مسبوقاً با لعدم حيث إنّـه حادث بحدوث وجوب ذيها ، فالأصل عدم وجوبها إلاّ أ نّك عرفت أ نّـه لايترتّب على وجوب المقدّمـة ثمرة عمليـة أصلاً حتّى ترتفع بالأصل إلاّ أ نّـه قد أورد عليـه بوجـه آخر ، وهو لزوم التفكيك بين الوجوبين .
وأجاب عنـه في الكفايـة بأ نّـه لاينافي الملازمـة بين الواقعين ، وإنّما ينافي
(الصفحة103)
ا لملازمـة بين الفعلين . نعم لو كانت الدعوى هي الملازمـة المطلقـة حتّى في المرتبـة الفعليـة ، لما صحّ التمسّك بالأصل .
أقول : لايخفى أ نّـه لو قلنـا با لثاني ـ كما هو ظاهر القائلين با لملازمـة ـ لصحّ التمسّك بالأصل أيضاً ، فإنّ جريان الأصل إنّما هو في مقام الشكّ في الملازمـة ، ومجرّد احتما لها لاينافي جريان الأصل ، بل المانع من جريانـه إحرازها ، كما هو واضح .
القول في أدلّـة القائلين بالملازمـة
ذكر في الكفايـة ـ بعد الاعتراض على الأفاضل المتصدّين لإقامـة البرهان على الملازمـة بأ نّـه ما أتى منهم بواحد خال عن الخلل ـ أنّ الأولى إحا لـة ذلك إلى الوجدان حيث إنّـه أقوى شاهد على أنّ الإنسان إذا أراد شيئاً لـه مقدّمات أراد تلك المقدّمات لو التفت إليها بحيث ربّما يجعلها في قا لب الطلب مثلـه ، ويقول مولويّاً : ادخل السوق واشتر اللحم ، مثلاً ، بداهـة أنّ الطلب المنشأ بخطاب «ادخل» مثل المنشأ بخطاب «اشتر» في كونـه بعثاً مولويّاً ، وأ نّـه حيث تعلّقت إرادتـه بإيجاد عبده الاشتراء ترشّحت منها إرادة اُخرى بدخول السوق بعد الالتفات إليـه ، وأ نّـه يكون مقدّمـة لـه ، كما لايخفى . انتهى موضع الحاجـة .
واستدلّ في التقريرات على الملازمـة بأنّ الإرادة التشريعيـة تابعـة للإرادة التكوينيّـة إمكاناً وامتناعاً ووجوداً وعدماً ، فكلّ ما أمكن تعلّق الإرادة التكوينيـة
1 ـ كفايـة الاُصول: 156.
2 ـ نفس المصدر: 156 ـ 157.
(الصفحة104)
بـه أمكن تعلّق التشريعيـة بـه ، وكلّ ما استحال تعلّق الاُولى استحال أن يكون متعلّقاً للتشريعيـة ، وهكذا كلّ ما يكون مورداً للإرادة التكوينيـة عند تحقّقـه من نفس المريد يكون مورداً للتشريعيـة عند صدوره من غير المريد ، ومن الواضح أنّ المريد لفعل بإرادة تكوينيّـة تتعلّق إرادتـه أيضاً با لتبع بإيجاد مقدّماتـه وإن كان غافلاً عن مقدّميتها لذلك الفعل ، ولازم ذلك بمقتضى التبعيّـة المتقدّمـة أن يكون تعلّق الإرادة التشريعيـة من الآمر بفعل مستلزماً لتعلّق الإرادة التشريعيّـة التبعيّـة بمقدّمات ذلك الفعل . انتهى موضع الحاجـة .
أقول: لايخفى أنّ قياس الإرادة التشريعيـة بالإرادة التكوينيـة في غير محلّـه ، فإنّـه إذا أراد الشخص الإتيان بفعل بنفسـه ، فلا محا لـة تتعلّق إرادة اُخرى بإتيان المقدّمات ; لأنّ المفروض استحا لـة الإتيان بـه بدونها ، وهو إنّما يريد أن يأتي بـه بنفسـه ولا محا لـة يريد المقدّمات ، لا نقول بأنّ إرادتـه للمقدّمات معلولـة لإرادة ذلك الفعل مترشّحـة عنها صادرة عنها قهراً ، فإنّ ذلك باطل ، كما مرّ مراراً ، بل نقول : كما تتوقّف إرادة الفعل على مبادئها ، كذلك تتوقّف إرادة مقدّماتـه على سنخ مبادئ إرادة الفعل ، غايـة الأمر أنّ محبوبيّـة الفعل وتعلّق الاشتياق إليـه إنّما هو لنفسـه ، ومحبوبيّـة المقدّمات إنّما هو للوصول إليـه .
هذا في الإرادة التكوينيـة .
وأمّا الإرادة التشريعيـة: فحيث إنّ المطلوب فيها صدور المراد من الغير ، فلا استحا لـة في عدم تعلّق الإرادة با لمقدّمات ، وامتناع تحقّقـه بدونها إنّما يوجب أن تتعلّق إرادة الأمر بها أيضاً ، فلايلزم بل لا وجـه لـه أصلاً ; لأنّك عرفت عدم الفرق بين إرادة الفعل وإرادة المقدّمات في توقّف كلٍّ منهما على مبادئها ، ومن
1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 399 / السطر 13.
(الصفحة105)
ا لمعلوم عدم تحقّق المبادئ با لنسبـة إلى المقدّمات في الإرادة التشريعيّـة ، فإنّ من جملتها التصديق بفائدتها ، والحال أ نّـه لا فائدة لها با لنسبـة إلى الأمر حتّى يريد صدورها من الغير ، فإنّ المأمور إذا أراد الامتثال فلا محا لـة يأتي با لمقدّمات وإن لم تكن مورداً لإرادة الآمر ، وإذا لم يكن قاصداً لامتثال الأمر با لفعل فتعلّق الإرادة با لمقدّمات لغو غير مؤثّر .
نعم لو قلنا بترشّح إرادتها من إرادتـه بحيث لا تتوقّف إرادة المقدّمات على مباد أصلاً ، لكان لما ذكر وجـه ; لأنّ العلّـة يترتّب عليها المعلول قهراً إلاّ أ نّك عرفت أنّ هذا الكلام بمكان من البطلان ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه استدلّ أبو الحسن البصري لثبوت الملازمـة بما يرد عليـه ـ مضافاً إلى النقض با لمتلازمين في الوجود إذا وجب أحدهما دون الآخر ـ ما أورد عليـه في الكفايـة ، فراجعها .
تذنيب: حول التفصيل بين السبب والشرط الشرعي وغيرهما
ثمّ إنّـه قد يفصّل بين السبب وغيره وتقدّم الكلام فيـه سابقاً ، فراجع .
كما أ نّـه قد يفصّل بين الشرط الشرعي وغيره ، ويقال با لوجوب في الأوّل دون غيره ; نظراً إلى أ نّـه لولا وجوبـه شرعاً لما كان شرطاً حيث إنّـه ليس ممّا لابدّ منـه عقلاً أو عادةً .
1 ـ المعتمد: 95، راجع مناهج الوصول 1: 413، الهامش 4.
2 ـ كفايـة الاُصول: 157 ـ 158.
3 ـ بدائع الأفكار، المحقّق الرشتي: 355 / السطر 1، كفايـة الاُصول: 159، شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب: 90 / السطر 21.
(الصفحة106)
ومدّعاه في غير الشرط الشرعي حقّ ، وأمّا الشرط الشرعي فيرد على الاستدلال لوجوبـه بما ذكر : أ نّـه إن كان المراد توقّف الشرطيـة على تعلّق الوجوب ، ففيـه : أنّ من الواضح أنّ الوجوب لايتعلّق إلاّ بما هو شرط واقعاً ، فا لحكم متأخّر عن الواقع ، لا أنّ الواقع متوقّف عليـه .
وإن أراد أ نّـه بدون الوجوب لا نستكشف الشرطيـة ; لأنّ الشرط الشرعي ليس كا لشرائط العقليـة والعاديـة المعلومـة ، بل هو محتاج إلى دلالـة الدليل عليـه ، فا لوجوب كاشف عن شرطيتـه ، ففيـه : أنّ الوجوب الغيري لايمكن أن يكون كاشفاً ، فإنّ الملازمـة إن كانت بين إرادة الفعل وإرادة مقدّماتـه ، فالإرادة التبعيـة با لمقدّمات متوقّفـة على إحراز مقدّميتها حتّى يحكم العقل بتعلّق الإرادة بها تبعاً لإرادة ذيها ، وكذلك لو كانت الملازمـة العقليـة بين البعث المتعلّق با لفعل والبعث المتعلّق با لمقدّمات ، فإنّ حكم العقل بتعلّق البعث بها تبعاً لبعث ذيها متوقّف على إحراز مقدّميتها ، وبدونـه كيف يحكم بتعلّق البعث بها .
فظهر أنّ طريق إحراز الشرط منحصر بالأمر النفسي المتعلّق با لفعل المقيّد ببعض القيود كمثل قولـه : «صلِّ مع الطهارة» وأمّا الأمر الغيري الذي يكون الحاكم بـه العقل ، ومن المعلوم توقّف حكمـه على إحراز موضوعـه ، كما هو واضح ، فلايمكن أن يكون كاشفاً ، كما عرفت ، فتأمّل جيّداً .
تتميم: في مقدّمـة المستحب والمكروه والحرام
لايخفى أنّ جميع ما ذكر في مقدّمـة الواجب يجري في مقدّمـة المستحبّ طابق النعل با لنعل ، وحيث إنّك عرفت أنّ الأقوى في الاُولى عدم ثبوت الملازمـة كما حقّقناه ، فا لحكم في الثانيـة أيضاً كذلك بلا تفاوت ، كما هو واضح .
ثمّ إنّـه هل تكون مقدّمـة الحرام كمقدّمـة الواجب ، فتكون محرّمةً مطلقاً ،
(الصفحة107)
أو لا تكون حراماً كذلك ، أو يفصّل بين المقدّمات التي تكون من قبيل الأسباب التوليديّـة فتحرم ، وبين غيره فلا تحرم ، أو بين المقدّمـة الموصلـة وغيرها ، أو بين ما قصد التوصّل بـه إلى الحرام وغيره ؟ وجوه يظهر ثا لثها من المحقّق الخراساني في الكفايـة .
وحاصل ما ذكر في وجهـه وجود الفرق بين مقدّمات الواجب وبين مقدّمات الحرام ، فإنّـه حيث يكون المطلوب في الأوّل وجود المراد ، وهو متوقّف عليها ، فلا محا لـة تتعلّق بها الإرادة ، وأمّا المطلوب في الثاني ترك الشيء ، وهو لايتوقّف على ترك جميع المقدّمات بحيث لو أتى بواحد منها لما كان متمكّناً من الترك ، فإنّـه يتمكّن منـه ولو أتى بجميع المقدّمات ، لتوسط الإرادة بينها وبينـه ، وهي لايمكن أن يتعلّق بها الطلب بعثاً أو زجراً ، لعدم كونها من الاُمور الاختياريـة .
نعم لو كان الفعل بحيث لم يتمكّن من تركـه بعد الإتيان ببعض المقدّمات ; لعدم توسط الإرادة بينها وبينـه ، تكون تلك المقدّمـة المترتّبـة عليها الفعل قهراً محرّمـة دون سائر المقدّمات . انتهى ملخّص ما أفاده في الكفايـة .
ولكن لايخفى أنّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو وجد في الأفعال الخارجيـة شيء منها تكون الإرادة متوسطـة بينها وبين المقدّمات بحيث يكون الموجد للفعل والمؤثّر فيـه نفس الإرادة من دون توقّف على حصول شيء آخر بعدها مع أ نّا لم نظفر بمثل هذا الفعل ، فإنّ جميع الأفعال الاختياريـة يكون الجزء الأخير لحصولها غير الإرادة بمعنى أ نّـه لايترتّب عليها الفعل بمجرّدها من دون توسيط بعض الأفعال الاُخر أيضاً ، فإن تحقّق الشرب في الخارج يتوقّف ـ بعد تعلّق الإرادة بـه ـ على مثل تحريك العضلات ، ونحو الإناء الموجود فيـه الماء مثلاً
1 ـ كفايـة الاُصول: 159 ـ 160.
(الصفحة108)
وأخذه با ليد وجعلـه محاذياً للفم وإ لقائـه فيـه ، وبعد تحقّق جميع هذه المقدّمات يتوقّف على إعمال الآلات المعدّة لبلعـه الذي عبارة عن الشرب .
وبالجملـة: فجميع الأفعال الاختياريـة إنّما يتوقّف بعد تعلّق الإرادة بها على بعض الاُمور الجزئيـة التي يؤثّر في حصولها ، فلا فرق بينها وبين الأفعال التوليديـة أصلاً ، فإنّ الإرادة لا مدخليـة لها في التأثير في حصول الفعل ، كيف وهي من الاُمور التجرّديـة التي يمتنع أن تؤثّر في المادّيات بحيث كانت مفيضةً لها ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه ذكر في الدّرر أنّ العناوين المحرّمـة على ضربين:
أحدهما: أن يكون العنوان بما هو مبغوضاً من دون تقييده بالاختيار .
ثانيهما: أن يكون الفعل الصادر عن إرادة واختيار مبغوضاً بحيث لو صدر من غير اختياره لم يكن منافياً لغرض المولى ، فعلى الأوّل علّـة الحرام هي المقدّمات الخارجيـة من دون مدخليـة الإرادة ، بل هي علّـة لوجود علّـة الحرام ، وعلى الثاني تكون الإرادة من أجزاء العلّـة التامّـة .
ثمّ ذكر أنّ المراجعـة إلى الوجدان تقضي بتحقّق الملازمـة بين كراهـة الشيء وكراهـة العلّـة التامّـة لـه ، وفي القسم الثاني لمّا كانت العلّـة التامّـة مركّبـة من الأجزاء الخارجيـة ومن الإرادة ، ولايصحّ استناد الترك إلاّ إلى عدم الإرادة ; لأنّـه أسبق رتبةً من سائر المقدّمات ، فلايتّصف الأجزاء الخارجية با لحرمة أصلاً . انتهى موضع الحاجـة من ملخّص كلامـه .
وأنت خبير: بأ نّـه لو كان المبغوض عبارةً عن الفعل الصادر عن إرادة واختيار ، فالإرادة لها مدخليـة في نفس الحرام ، لا أن تكون من أجزاء العلّـة
1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 130 ـ 132.
(الصفحة109)
ا لتامّـة ، فإنّ المحرّم هو الفعل الإراديّ بما أ نّـه إراديّ ، فلابدّ من ملاحظـة مقدّمات هذا العنوان المقيّد ، وليست الإرادة من جملتها ، فلا فرق بين هذا القسم والقسم الأوّل أصلاً ، فلابدّ أن تكون إحدى المقدّمات على سبيل التخيير محرّمةً إلاّ مع وجود باقي الأجزاء ، وانحصار الاختيار في واحدة منها ، فتحرم شخصاً كا لقسم الأوّل .
وا لتحقيق أ نّـه لو قلنا با لملازمـة في مقدّمـة الواجب ، فا لتحريم ـ الذي عبارة عن الزجر عن المحرّم ـ إنّما يختصّ با لمقدّمـة الأخيرة التي يترتّب عليها ذوها من دون فصل في جميع الأفعال ; إذ قد عرفت أ نّـه لايوجد في الأفعال الخارجيـة فعل توسّطت الإرادة بينـه وبين مقدّماتـه بأن تكون هي المؤثّر في تحقّقـه .
هذا ، مضافاً إلى ما عرفت فيما تقدّم من أنّ الإرادة أيضاً قابلـة لتعلّق التكليف بها ; لكونها من الاُمور الاختياريّـة ، ولكن هذا كلّـه إنّما هو على تقدير القول با لملازمـة في مقدّمات الواجب ، ولكن قد عرفت سابقاً أنّ مقتضى التحقيق خلافـه .
هذا تمام الكلام في مبحث المقدّمـة .
(الصفحة110)
الفصل الخامس
في اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه
وتنقيح البحث فيـه يستدعي تقديم اُمور :
الأمر الأوّل: هل هذه المسألـة اُصوليّـة أم لا؟
ذكر في التقريرات (ا لمحقّق النائيني) أ نّـه لا إشكال في كون المسأ لـة من المسائل الاُصوليّـة ; لأنّ نتيجتها تقع في طريق الاستنباط ، وكذا في عدم كونها من المباحث اللفظيـة ; لوضوح أنّ المراد من الأمر في العنوان الأعمّ من اللفظي واللبّي المستكشف من الإجماع ونحوه ، وذكر أيضاً أنّ المراد من الاقتضاء في العنوان الأعمّ من كونـه على نحو العينيّـة أو التضمّن أو الالتزام با لمعنى الأخصّ أو الأعمّ ، لأنّ لكلٍّ وجهاً بل قائلاً .
أقول: أمّا كون المسأ لـة من المسائل الاُصوليّـة : فقد ذكرنا في مسأ لـة دلالـة الأمر على الوجوب أو الاستحباب أنّ نظائر هذه المسأ لـة من المسائل
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 301.
(الصفحة111)
ا للغويـة ، لأنّـه لا فرق بين النزاع في مدلول لفظ «ا لصعيد» الوارد في آيـة التيمّم أ نّـه هل هو التراب الخا لص أو مطلق وجـه الأرض مثلاً ، وبين النزاع في مدلول الأمر مثلاً من حيث دلالتـه على الوجوب ، وكذا من حيث دلالتـه على النهي عن الضدّ ، كما لايخفى .
بل نقول : إنّ كثيراً من المسائل اللغويـة تكون من المسائل الاُصوليـة ، وذكر بعضها في الاُصول إنّما هو لشدّة الاحتياج بـه ، كما لايخفى .
وأمّا كونها من المباحث العقليـة : فلايخفى أنّ الجمع بينها وبين تفسير الاقتضاء بما يعمّ العينيّـة والجزئيّـة اللّتين هما من الدلالات اللفظيـة عندهم وإن كان يمكن المناقشـة في الثاني كا لجمع بين المتضادّين .
الأمر الثاني: معنى الاقتضاء في عنوان المسألـة
ثمّ تفسير الاقتضاء ـ الذي هو عبارة عن التأثير والسببيـة ـ بما يعمّهما تفسير بارد ، ولا مناسبـة بين معناه الحقيقي وبين هذا المعنى أصلاً .
فالأولى في التعبير عن عنوان النزاع ـ بعد إسقاط القول با لعينيـة وبا لجزئيـة لكونهما ممّا لا إشكال في بطلانهما ـ أن يقال : هل الأمر با لشيء يلازم النهي عن ضدّه أم لا ؟ غايـة الأمر أنّ عمدة النزاع في الملازمـة ينشأ من توقّف الشيء على ترك ضدّه بأن يكون ترك الضدّ مقدّمةً لفعل الضدّ الآخر ، فتصير المسأ لة من صغريات مبحث المقدّمـة ، كما لايخفى .
ثمّ إنّ المراد با لضدّ أعمّ من الضدّ الخاصّ ، فيشمل الضدّ العامّ الذي بمعنى النقيض أيضاً .
1 ـ النساء (4): 43، المائدة (5): 6.
(الصفحة112)
إذا عرفت ذلك ، فنقول : هل الأمر با لشيء يستلزم النهي عن الضدّ مطلقاً ، أو لايستلزم كذلك ، أو يستلزم با لنسبـة إلى الضدّ العامّ دون الخاصّ ؟ وجوه بل أقوال .
الأمر الثالث: المهمّ من الأقوال في المسألـة
وحيث إنّ العمدة في استدلال القائلين بالاقتضاء في الضدّ الخاصّ إنّما هو إثبات المقدّميـة بين ترك الضدّ ووجود الضدّ الآخر ، فلابأس بالإشارة إلى ما هو الحقّ في هذا الباب .
وليعلم أوّلاً أنّ إثبات الاقتضاء في الضدّ الخاصّ لايتوقّف على مجرّد إثبات المقدّميـة ، بل بعد ثبوت ذلك يتوقّف على القول با لملازمـة في مقدّمـة الواجب وإثبات كونها واجبةً بعد وجوب ذيها ، ثمّ بعد ذلك على إثبات أنّ وجوب الترك ملازم لحرمـة الفعل ، وهذا يرجع إلى إثبات الاقتضاء با لنسبـة إلى الضدّ العامّ أيضاً .
الاستدلال على الاقتضاء في الضدّ الخاصّ من طريق المقدّميّـة
فتحصّل أنّ القول بالاقتضاء في الضدّ الخاصّ يتوقّف على اُمور :
الأوّل: كون ترك أحد الضدّين مقدّمةً لوجود الآخر .
الثاني: القول با لملازمـة .
الثالث: القول بالاقتضاء في الضدّ العامّ أيضاً .
ولايخفى أنّ هذه المقدّمات الثلاث كلّها محلّ منع ، أمّا الثانيـة : فقد عرفت ما هو الحقّ فيها في مسأ لـة مقدّمـة الواجب ، فراجع ، وأمّا الأخير : فسيجيء ، والعمدة هي الاُولى .
(الصفحة113)
فنقول : حكي عن بعض : ثبوت المقدّميـة من الجانبين ، وعن بعض آخر : ثبوت المقدّميـة با لنسبـة إلى ترك الضدّ ، وعن ثا لث : عكس ذلك ، وعن رابع : التفصيل بين الضدّ الموجود ، فيتوقّف على رفعـه وجود الضدّ الآخر ، وبين الضدّ المعدوم ، فلايتوقّف عليـه وجود الضدّ الآخر ، وعن خامس : إنكار المقدّميـة مطلقاً !
إنكار المحقّق الخراساني المقدّميّـة مطلقاً
ثمّ إنّ من القائلين با لقول الخامس المنكرين للمقدّميـة : المحقّق الخراساني في الكفايـة ، بل يظهر من بعض عباراتـه كون الشيء وترك ضدّه في رتبـة واحدة حيث قال في مقام الجواب عن توهّم المقدّميـة : إنّ المعاندة والمنافرة بين الشيئين لا تقتضي إلاّ عدم اجتماعهما في التحقّق ، وحيث لا منافاة أصلاً بين أحد العينين وما هو نقيض الآخر وبديلـه بل بينهما كمال الملائمـة ، كان أحد العينين مع ما هو نقيض الآخر وبديلـه في مرتبـة واحدة من دون أن يكون في البين ما يقتضي تقدّم أحدهما على الآخر ، كما لايخفى .
هذا ، وأنت خبير بأنّ مجرّد أن يكون بينهما كمال الملائمـة لايقتضي ثبوت التقارن ، كيف ومن الواضح أن يكون بين المعلول وعدم العلّـة كمال الملائمـة ، مع أنّ فرض التقارن بينهما يقتضي كون المعلول مع العلّـة أيضاً كذلك ; لأنّ النقيضين في رتبـة واحدة بلا إشكال ، كما صرّح بـه في الكفايـة بعد هذه العبارة .
ويمكن توجيـه هذا الكلام بأ نّـه كما يصدق على الضدّ ما يكون ذلك من
1 ـ اُنظر بدائع الأفكار، المحقّق الرشتي: 372 / السطر 17.
2 ـ كفايـة الاُصول: 161.
(الصفحة114)
أفراده حقيقـة با لحمل الشائع الذاتي الذي مرجعـه إلى كون المصداق داخلاً في حقيقـة المحمول ، كذلك يصدق عليـه عدم الضدّ الآخر با لحمل الشائع العرضي الذي يرجع إلى ثبوت المحمول لـه با لعرض ، فا لشيء الواحد يكون مصداقاً لشيء با لذات ولشيء آخر با لعرض ، فيستلزم ذلك كون المتصادقين في رتبـة واحدة ; لأنّ المفروض كون المصداق لهما شيئاً واحداً ، كما هو واضح .
ولكن لايخفى أنّ حمل العدم على الوجود ليس حملاً حقيقيّاً راجعاً إلى كون ذلك الوجود واجداً لذلك العدم ، ككونـه واجداً للصفات الوجوديـة ، كيف ومعنى الواجديـة كون شيء مرتبطاً مع شيء آخر ، مع أنّ العدم مطلقاً ليس بشيء حتّى يكون شيء آخر واجداً لـه .
وتقسيم القضايا إلى قضيّـة موجبـة وسا لبـة محصّلـة وموجبـة سا لبـة المحمول وسا لبـة معدولـة لايدلّ على إمكان حمل السلب والعدم على شيء ; لأنّ ذلك إنّما هو على سبيل المسامحـة ، بل ما عدا الأوّل يرجع إلى نفي الربط بين الموضوع ، وذلك الحكم المسلوب ، لا إلى ثبوت الربط بينهما ، كيف والعدم ليس بشيء حتّى تحقّقت الرابطـة بينـه وبين موجود آخر ، وصدق القضايا السلبيـة ليس بمعنى مطابقتها للواقع حتّى يكون لها واقع يطابقـه ، بل صدقـه بمعنى خلوّ الواقع عن الارتباط ، وثبوت المحمول للموضوع ، كما لايخفى ، كما أنّ ما اشتهر من أنّ عدم العلّـة علّـة للعدم إنّما هو على نحو المسامحـة قياساً إلى الوجود وتشبيهاً بـه ، والتعبير عمّا من شأنـه أن يكون لـه وجود بعدم الملكـة ليس المراد منـه أنّ العدم فيـه الشأنيـة لكذا ، كيف وهي من الحيثيّات الثبوتيّـة الممتنعـة الاجتماع مع الحيثيّات السلبيـة .
وبا لجملـة ، فكون العدم مقابلاً للوجود خارجاً عن حيطـة الشيئيـة ممّا لاينبغي الارتياب فيـه ، فكلّ ما يوهم بظاهره الخلاف من ثبوتـه لشيء أو ثبوت
(الصفحة115)
شيء لـه فيجب تأويلـه ، كما هو واضح .
فانقدح من جميع ما ذكرنا: أنّ عدم الضدّ ليس بشيء حتّى يصدق على شيء آخر ، كيف ولو قلنا بذلك لايرتفع الإشكال المتقدّم ، فإنّ المعلول كما يصدق عليـه ماهيّتـه صدقاً حقيقيّاً كذلك يصدق عليـه عدم العلّـة صدقاً عرضياً ، فيلزم أن يكون المعلول في رتبـة العلّـة لكونـه في رتبـة عدمها الذي هو في رتبـة وجودها ، كما هو المفروض في النقيضين .
فتحصّل أنّ ما ذكره في الكفايـة لم ينهض حجّةً على اتّحاد رتبة الشيء وترك ضدّه ، كما عرفت .
ثمّ إنّـه(قدس سره) ـ بعد العبارة المتقدّمـة التي كان غرضـه منها إثبات التقارن بينهما ـ صار بصدد تشبيـه الضدّين با لنقيضين ، فقال : فكما أنّ قضيّـة المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي تقدّم ارتفاع أحدهما في ثبوت الآخر كذلك في المتضادّين .
ما أفاده المحقّق القوچاني في المقام
وا لمستفاد ممّا ذكره بعض الأعاظم من تلامذتـه (هو الشيخ علي القوچاني(قدس سره)) في حاشيتـه على الكفايـة في شرح مراد العبارة : أنّ مقصوده من هذه العبارة أيضاً إثبات كون الشيء وترك ضدّه في مرتبـة واحدة حيث قال ما ملخّصـه : إنّـه لا إشكال في أنّ بين كلّ متقابلين من أقسام التقابل اتّحاد وتكافؤ في المرتبـة ، أمّا المتناقضين : فلأنّ النقيض للوجود هو العدم البدلي الكائن في رتبتـه لولاه الغير المجتمع معـه لا السابقي ولا اللاّحقي المجتمع معـه في دار التحقّق ،
1 ـ كفايـة الاُصول: 161.
(الصفحة116)
فا لنقيض لوجود زيد هو عدمـه في مدّة وجوده الكائن مقامـه لولاه ، وإلاّ فا لعدم قبل وجوده أو بعد وجوده ليس نقيضاً لـه مع اجتماعـه مع وجوده في دار التحقّق .
وهكذا في السابق واللاّحق بحسب الرتبـة ، فإنّ النقيض للمعلول هو عدمـه في رتبـة وجوده ، لا العدم في رتبـة العلّـة المجامع معـه في التحقّق ، وإلاّ لزم ارتفاع النقيضين في مرتبـة سلب أحدهما مقدّمـة للآخر ، ولما كان الوجود عين الرفع لعدمـه النقيض ، كما لايخفى ، ولما كان متنافياً معـه في التحقّق ذاتاً .
وهكذا الكلام في المتضادّين ، فإنّ المضادّة إنّما هو بين الوجودين في رتبـة واحدة ، فا لضدّ للوجود هو الوجود البدلي الثابت في رتبتـه لولاه ، فإذا ثبت ذلك في المتناقضين والمتضادّين يثبت اتّحاد الرتبـة في المقام ، فإنّـه إذا كان نقيض أحد الضدّين في رتبـة وجوده الذي هو في رتبـة وجود الضدّ الآخر ، فا للاّزم كونـه في رتبـة وجود الضدّ الآخر ، وهو المطلوب . انتهى ملخّص كلامـه(قدس سره) .
ولكن لايخفى بطلان جميع المقدّمات الثلاثـة .
أمّا ما ذكره في المتناقضين: فلأنّ النقيض للوجود في زمان مخصوص ليس عدمـه في ذلك الزمان بأن يكون الظرف قيداً للعدم والرفع حتّى يوجب ذلك كون العدم مقيّداً بذلك الوقت ، فيكون في مرتبـة الوجود فيـه ، بل نقيض الوجود في زمان مخصوص هو عدم هذا المقيّد على أن يكون القيد قيداً للمرفوع لا للرفع ، كيف ومعنى تقييد العدم يرجع إلى الموجبـة المعدولـة ، فتصير القضيـة كاذبةً ، فإنّ قولنا : ليس الوجود المقيّد بهذا الزمان متحقّقاً ، قضيّـة صادقـة ، بخلاف قولنا : الوجود في هذا الزمان ليس في هذا الزمان ، على أن يكون الظرف قيداً للسلب الراجع إلى حمل السلب المقيّد على الوجود كذلك ، كما هو واضح ، فلابدّ من أن
1 ـ حاشيـة كفايـة الاُصول، القوچاني: 112.
(الصفحة117)
يكون على نحو السا لبـة المحصّلـة ، ومعـه لايثبت اتّحاد الرتبـة أصلاً ، كما لايخفى .
وأمّا ما ذكره في المتضادّين: فكون التضادّ بين الوجودين في زمان واحد في محلّ واحد مسلّم ، ولكن لايثبت بذلك اتّحاد رتبتهما ، كيف والحكم باتّحاد الرتبـة وعدمـه من الأحكام العقليـة المتوقّفـة على إحراز ملاك التقدّم وصاحبيـه ، ومجرّد التقارن في الخارج لايقتضي اتّحاد رتبتهما بحسب العقل ، كيف والمعلول مقارن لوجود العلّـة في الخارج مع اختلافهما بحسب الرتبـة ، كما هو واضح .
وبا لجملـة ، فا لتقدّم والتأخّر والتقارن بحسب الخارج لا ربط لشيء منها با لرتب العقليـة أصلاً .
ثمّ إنّـه لو سلّم اتّحاد رتبـة المتناقضين والمتضادّين فذلك لايستلزم اتّحاد رتبـة نقيض الشيء مع الضدّ بقياس المساواة ، فإنّـه فيما إذا كان الملاك في الثا لث موجوداً ، وقد عرفت أنّ حكم العقل باتّحاد الرتبـة متوقّف على إحراز ملاكـه ، ككونهما معلولين لعلّـة واحدة مثلاً ، أمّا مجرّد كون نقيض الشيء متّحداً معـه في الرتبـة وهو مع ضدّه أيضاً كذلك ، فلايستلزم كون النقيض مع الضدّ الآخر متّحداً في الرتبـة مع عدم ملاك لـه ، كما لايخفى .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أ نّـه لم يقم دليل تامّ على اتّحاد رتبـة الضدّ مع نقيض ضدّه الآخر ، ولنا أن نقول : بقيام الدليل على العدم ; لأنّ العدم ليس بشيء حتّى يحكم عليـه بحكم إيجابي ، وهو اتّحاد رتبتـه مع الوجود ، كما أ نّـه ليس في رتبـة متقدّمـة ولا متأخّرة ، لأنّ كلّ ذلك من الأحكام الايجابيـة المبتنيـة على ثبوت الموضوع لقاعدة الفرعيـة المسلّمـة عند العقل والعقلاء ، فعدم الضدّ لايكون متأخّراً عن الضدّ ولا متقدّماً عليـه ولا مقارناً معـه .
(الصفحة118)
ولايخفى أنّ حكمنا بنفي التأخّر وقسيميـه إنّما هو على نحو السا لبـة المحصّلـة الصادقـة مع انتفاء الموضوع ، كقولنا : شريك الباري ممتنع ، ونظائره ، وإ لى هذه ـ أي القضيـة السا لبـة المحصّلـة ـ يرجع كلّ ما ورد في الكتب العقليـة ممّا يوهم بظاهره أنّ العدم لـه تقرّر ، ويكون من الاُمور النفس الأمريـة ، مثل قولهم : عدم العلّـة علّـة للعدم ، وكذا عدم المانع مصحّح لفاعليـة الفاعل ، أو قابليـة القابل ، وأشباههما ، فإنّـه لاينبغي الاغترار بظاهر هذه الجملات بعد كون الأمر في محلّـه واضحاً ضروريّاً ، فإنّ التعبير بأمثال هذه العبارات إنّما وقع على سبيل المسامحـة قياساً إلى الوجود وتشبيهاً بـه ، والغرض منـه تسهيل الأمر على المتعلّمين اتّكالاً على ما أوضحوه في محلّـه ، كما لايخفى .
وبا لجملـة ، فا لعدم ليس لـه تقرّر وواقعيّـة حتّى يؤثّر في شيء أو يتأثّر من شيء ، ومعـه فلايبقى مجال للنزاع في مقدّميـة عدم الضدّ لوجود الضدّ الآخر وعدمها أصلاً ، كما لايخفى .
مقالـة المحقّق الأصفهاني في المقام
وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره بعض المحقّقين من محشّي الكفايـة ، فإنّـه(قدس سره) بعد ذكر التقدّم با لعلّيـة والتقدّم الطبعي وبيان الفرق بينهما وأنّ ما فيـه التقدّم في الثاني هو الوجود ، وفي الأوّل وجوب الوجود ، وذكر أنّ منشأ التقدّم الطبعي تارة كون المتقدّم من علل قوام المتأخّر ، كا لجزء والكلّ ، واُخرى كون المتقدّم مؤثّراً ، فيتقوّم بوجوده الأثر ، كا لمقتضي بالإضافـة إلى المقتضى ، وثا لثـة كون المتقدّم مصحّحاً لفاعليّـة الفاعل ، كا لوضع والمحاذاة با لنسبـة إلى إحراق النار ، أو متمّماً لقابليـة القابل ، كخلوّ المحلّ عن الرطوبـة وخلوّ الموضوع عن السواد عند عروض البياض ، وبعد الاستشكال في الدور الذي ذكره في
(الصفحة119)
ا لكفايـة بأنّ عدم اتّصاف الجسم با لسواد لايحتاج إلى فاعل وقابل كي يحتاج إ لى مصحّح فاعليّـة الفاعل ومتمّم قابليـة القابل كي يتوهّم توقّف عدم الضدّ على وجود الضدّ أيضاً وبعد بيان أنّ الصلاة والإزا لـة لهما التأخّر والتقدّم با لطبع ، فإنّـه لا وجود للإزا لـة إلاّ والصلاة غير موجودة ، فكذا العكس .
قال: وأمّا ما يقال من أنّ العدم لا ذات لـه فكيف يعقل أن يكون شرطاً ; لأنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت لـه ، فمدفوع بأنّ القابليات والاستعدادات والإضافات وأعدام الملكات كلّها لا مطابق لها في الخارج ، بل شؤون وحيثيّات انتزاعيـة لاُمور موجودة ، فعدم البياض في الموضوع الذي هو من أعدام الملكات كقابليـة الموضوع من الحيثيات الانتزاعيـة منـه ، فكون الموضوع بحيث لابياض لـه هو بحيث يكون قابلاً لعروض السواد ، فمتمّم القابليـة كنفس القابليـة حيثيّـة انتزاعيـة وثبوت شيء لشيء لايقتضي أزيد من ثبوت المثبت لـه بنحو يناسب ثبوت الثابت . انتهى موضع الحاجـة من كلامـه ، زيد في علوّ مقامـه .
والعجب منـه(قدس سره) مع كونـه من مهرة الفنّ أ نّـه كيف يمكن تشبيـه أعدام الملكات با لقابليات والاستعدادات والإضافات ، مع أ نّها من مراتب الوجـود وإن لم تكن بحيث يمكن الإشارة إليها والأعدام مطلقاً مقابل للوجود لا حظّ لها منـه أصلاً ، كما هو واضح .
وقضيّـة كون الموضوع بحيث لابياض لـه قضيّـة سا لبـة محصّلـة لا موجبـة معدولـة حتّى تشابهت قضيّـة كون الموضوع قابلاً ، كما هو واضح .
وبا لجملـة ، فالأعدام مطلقاً خارجـة عن حمى الوجود وحيطـة الشيئيّـة ،
1 ـ كفايـة الاُصول: 161.
2 ـ نهايـة الدرايـة 2: 180 ـ 183.
(الصفحة120)
فلايترتّب عليها شيء من الآثار الوجوديـة من قبيل الشرطيـة واتّحاد الرتبـة ونظائرهما .
فتلخّص من جميع ذلك، بطلان المقدّمـة الاُولى من المقدّمات الثلاثـة المبتنيـة عليها القول بالاقتضاء في الضدّ الخاصّ .
وأمّا المقدّمـة الثانيـة ـ التي هي عبارة عن الملازمـة في مقدّمـة الواجب ـ فقد عرفت سابقاً بطلانها بما لا مزيد عليـه .
وأمّا المقدّمـة الثا لثـة الراجعـة إلى اقتضاء الأمر با لشيء للنهي عن الضدّ العامّ الذي بمعنى النقيض ، فربّما قيل فيها بالاقتضاء بنحو العينيّـة ، وإنّ الأمر با لصلاة مثلاً عين النهي عن تركها ، فلا فرق بين أن يقول : صلّ ، وبين أن يقول : لا تترك الصلاة ، فإنّهما يكونان بمنزلـة الإنسان والبشر لفظين مترادفين .
هذا ، ولكن لايخفى فساده ، فإنّ هيئـة الأمر موضوعـة للبعث ، وهيئـة النهي موضوعـة للزجر ، ولا معنى لاتّحادهما مفهوماً وإن كان الثاني متعلّقاً إلى ترك المبعوث إليـه .
وبا لجملـة ، فمعنى الاتّحاد المفهومي يرجع إلى اتّحاد المعنى الموضوع لـه ، مع أنّ هيئـة الأمر موضوعـة للبعث ، والنهي للزّجر ، ومتعلّقـه في الأوّل هو الفعل ، وفي الثاني هو الترك ، ولا وضع لمجموع الهيئـة المتعلّقـة با لمادّة .
ودعوى أنّ المراد اتّحاد البعث عن الشيء والزجر عن تركـه معنىً ومفهوماً ، يدفعـه وضوح فساده .
وممّا ذكرنا يظهر: بطلان القول با لجزئيـة ; فإنّ معنى الأمر هو البعث ، وهو أمر بسيط لا تركّب فيـه أصلاً ، وأمّا دعوى اللزوم با لمعنى الأخص فيظهر من
1 ـ مطارح الأنظار: 17 / السطر الأخير.
|