(الصفحة301)
وجـه الجريان : أنّ المراد با لنسبـة إلى زيد العا لم مشكوك ، لأنّـه لايعلم أ نّـه هل يجب إكرامـه أم لا ، فلابأس با لتمسّك بأصا لـة العموم لإثبات وجوب إكرامـه ، فيترتّب عليـه حرمـة زيد الجاهل ، ويصير مدلول قولـه : لا تكرم زيداً ، مبيّناً حينئذ ; لخروجـه عن الإجمال بسبب وجوب إكرام زيد العا لم الثابت بأصا لـة العموم ، فتأمّل في الفرق بين المسأ لتين حتّى لايختلط عليك الأمر .
(الصفحة302)
الفصل الثالث
في وجوب الفحص عن المخصّص
هل يجوز التمسّك با لعامّ قبل الفحص عن المخصّص أم لا ؟ فيـه خلاف .
تقرير محطّ البحث ومحلّ النزاع
وليكن محلّ البحث ممحّضاً في أنّ أصا لـة العموم هل يكون متّبعةً مطلقاً ، أو بعد الفحص واليأس ؟ بعد الفراغ عن حجّيتها من باب الظنّ النوعي وعدم اختصاص حجّيتها با لمشافهين ، ولم يكن العامّ معلوم التخصيص تفصيلاً أو إجمالاً ، كما أنّ الظاهر اختصاصـه با لمخصّص المنفصل ، وأمّا المتّصل فلايكون احتما لـه مانعاً من التمسّك بها مطلقاً ; لأنّـه نظير قرينـة المجاز ، وقد قام الإجماع على عدم الاعتناء باحتما لها .
إذا ظهر لك ذلك ، فاعلم أنّ التحقيق يقتضي التفصيل في الموارد ، كما في الكفايـة والقول بلزوم الفحص فيما إذا كان العامّ في معرض التخصيص ، نظير
1 ـ كفايـة الاُصول: 265.
(الصفحة303)
ا لعمومات الواقعـة في القوانين التي يجعلها العقلاء لنظام اُمورهم على ما هو المتداول بينهم ، فإنّ جعل القانون يقتضي أن يجعل في الأوّل أمراً كليّاً ثمّ بيان المخصّصات والمستثنيات في الفصول المتأخّرة والقوانين الموضوعـة في الشريعـة إنّما هي على هذا المنوال ، ولم تكن مجعولةً على غير النهج المتعارف بين العقلاء المقنّنين للقوانين الدنيويـة التي يكون المقصود بها انتظام اُمورهم ، وهذا بخلاف العمومات الواقعـة في ألسنـة أهل المحاورات التي لو كان المقصود بها غير ما هو ظاهرها لاتّصل بـه ما يدلّ على ذلك نوعاً ، ولم يكن دأبهم بيان العموم ثمّ ذكر المخصّص لو كان مخصّصاً في البين ، فأصا لـة العموم في هذا النحو من العمومات متّبعـة مطلقاً ، بخلاف ما كان من قبيل الأوّل ، فإنّ جريانها فيـه مشروط با لفحص واليأس عن الظفر با لخاصّ .
ومن هنا يظهر: أنّ الفحص هنا أيضاً يكون عمّا لا حجّيـة للعامّ بدون الفحص عنـه نظيره في الاُصول العمليـة التي لم تكن حجّةً قبل الفحص أصلاً ; لما عرفت من أنّ جريانها مشروط با لفحص فقبلـه لايكون هنا حجّـة أصلاً ; لتوقّف الحجيّـة على إحراز كون مدلول الكلام مراداً جدّياً للمولى ، وهذا المعنى إنّما يثبت بعد جريان أصا لـة العموم التي تكون مشروطةً با لفحص ، فعدم جريانها قبلـه يوجب عدم حجّيـة العامّ .
فظهر أنّ العامّ قبل الفحص عن المخصّص لايكون حجّةً أصلاً ، كما أنّ الاُصول العمليـة أيضاً كذلك .
فانقدح بذلك: فساد ما في الكفايـة من الفرق بين الفحص في المقامين بأنّ الفحص هنا عمّا يزاحم الحجّيـة ، بخلافـه هناك ; فإنّـه بدونـه لا حجّـة .
1 ـ كفايـة الاُصول: 265 ـ 266.
(الصفحة304)
وجه الفساد ما عرفت من أنّ العامّ قبل الفحص أيضاً لايكون حجّةً ; لما مرّ .
ثمّ لايخفى أ نّـه وإن لم يكن حجّـة قبلـه إلاّ أنّ ظهوره في العموم قد انعقد واستقرّ ولو بعد التخصيص ، سواء كانت العمومات من قبيل الأوّل أو الثاني ; إذ مجرّد جري العادة على ذكر المخصّصات منفصلاً لايوجب إلاّ عدم حجّيـة العامّ قبل الفحص عنها ، لا عدم انعقاد ظهور لـه في العموم ، وعليـه فلو كان الخاصّ دائراً بين الأقلّ والأكثر ، لايسري إجما لـه إلى العامّ أصلاً بل يرفع اليد عن ذلك الظهور با لمقدار الذي يكون الخاصّ فيـه حجّةً ، ويحكم في الباقي بتطابق الإرادة الجدّية مع الاستعما ليـة .
فما في الدّرر ـ من أنّ حال المخصّص المنفصل في كلام المتكلّم الذي جرت عادتـه على بيان الخاصّ منفصلاً حال المخصّص المتّصل في كلام غيره ، فيسري إجما لـه في الفرض المذكور إلى العامّـ محلّ نظر بل منع ، فتدبّر .
الاستدلال على لزوم الفحص بالعلم الإجمالي
ثمّ إنّك عرفت أنّ محلّ النزاع في هذا المقام هو ما إذا لم يكن العامّ من أطراف ما عُلم إجمالاً بتخصيصـه ، ولكن بعضهم عمّموا النزاع ، واستدلّوا على لزوم الفحص با لعلم الإجما لي بورود المخصّصات على العمومات .
وتقريبـه: أ نّا نعلم إجمالاً بوجود مقيّدات ومخصّصات للعمومات والإطلاقات فيما بأيدينا من الكتب بل مطلق الجوامع ولو ما لم يصل منها إلينا ، كما هو معلوم لكلّ مَنْ راجعها ، ومن المعلوم عدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجما لي كما قد قرّر في محلّـه .
1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 223.
(الصفحة305)
الإشكال في الاستدلال بانحلال العلم الإجمالي
وقد استشكل في جعل مدرك لزوم الفحص هو العلم الإجما لي بما حاصلـه : أنّ العلم الإجما لي بذلك وإن اقتضى عدم جريان الأصل قبل الفحص إلاّ أ نّـه بعد الفحص والعثور على المقدار المتيقّن من المخصّصات يصير العلم الإجما لي منحلاّ ، كما هو الحال في كلّ علم إجما لي تردّدت أطرافـه بين الأقلّ والأكثر ، فإنّـه بعد العثور على الأقلّ ينحلّ العلم الإجما لي ويكون الأكثر شبهـة بدويّـة يجري فيـه الأصل ، ولابدّ أن يكون في المقام مقدار متيقّن للعلم الإجما لي بوجود المخصّصات في الكتب ; إذ لايمكن أن لايكون لـه مقدار متيقّن ، فمع العثور على ذلك المقدار ينحلّ العلم ، وحينئذ فلايجب الفحص في سائر الشبهات ; لجريان الاُصول اللفظيّـة فيها مع أ نّـه لايقول بـه أحد .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الفحص في الكتب التي بأيدينا لايوجب جواز إجراء الاُصول ; لأنّ دائرة العلم الإجما لي أوسع من هذه الكتب ، فلازم ذلك عدم جواز التمسّك با لعمومات ولو بعد الفحص أيضاً .
جواب المحقّق النائيني عن انحلال العلم الإجمالي
وأجاب المحقّق النائيني عن الانحلال ـ على ما في التقريرات ـ بما حاصلـه : أنّ المعلوم بالإجمال تارةً يكون مرسلاً غير معلّم بعلامـة يشار إليـه بها ، واُخرى يكون معلّماً بعلامـة يشار إليـه بها ، وانحلال العلم الإجما لي با لعثور على المقدار المتيقّن إنّما يكون في الصورة الاُولى ، وأمّا الصورة الثانيـة فلاينحلّ
1 ـ اُنظر فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 543.
(الصفحة306)
بذلك ، بل حا لـه حال دوران الأمر بين المتبائنين .
وضابط القسمين: أنّ العلم الإجما لي كليّاً إنّما يكون على سبيل المنفصلـة المانعـة الخلوّ المنحلّـة إلى قضيّـتين حمليّـتين ، وهاتان القضيّـتان :
تارة: تكون إحداهما من أوّل الأمر متيقّنـة والاُخرى مشكوكـة بحيث يكون العلم الإجما لي ناشئاً منهما ، ويكون العلم الإجما لي عبارة عن ضمّ القضيّـة المتيقّنـة إلى المشكوكـة ، كما إذا علم إجمالاً بأ نّـه مديون لزيد : وتردّد بين أن يكون خمسـة دراهم أو عشرة ، فإنّ هذا العلم الإجما لي ليس إلاّ عبارة عن قضيـة متيقّنـة وهي كونـه مديوناً لزيد : بخمسـة دراهم ، وقضيـة مشكوكـة ، وهي كونـه مديوناً لـه بخمسـة زائدة على الخمسـة المتيقّنـة ، ففي مثل هذا العلم الإجما لي ينحلّ قهراً با لعثور على المقدار المتيقّن ; إذ لا علم حقيقـة إلاّ بذلك المقدار ، والزائد كان مشكوكاً من أوّل الأمر ، ولم يكن من أطراف العلم .
واُخرى: لاتكون القضيّتان على هذا النحو ، بل تعلّق العلم بالأطراف على وجـه تكون جميع الأطراف ممّا تعلّق العلم بها بوجـه بحيث لو كان الأكثر هو الواجب ، لكان ممّا تعلّق بـه العلم وتنجّز بسببـه ، وليس الأكثر مشكوكاً من أوّل الأمر ، وذلك في كلّ ما يكون المعلوم بالإجمال معلّماً لعلامـة كان قد تعلّق العلم بـه بتلك العلامـة ، فيكون كلّ ما اندرج تحتها ممّا تعلّق بـه العلم بلا فرق بين الأقلّ والأكثر .
مثالـه: ما إذا علمت بأ نّك مديون لزيد بما في الدفتر ، فإنّ جميع ما فيـه من دين لـه قد تعلّق العلم بـه ، سواء كان دينـه خمسـة أو عشرة ، بخلاف الصورة الاُولى ، فإنّ قضيّـة كونـه مديوناً لزيد بعشرة كانت مشكوكـة من أوّل الأمر ، وفي مثل هذا ليس لـه الاقتصار على المتيقّن ; إذ لا مؤمّن لـه على تقدير ثبوت الأكثر في الواقع بعدما نالَـه العلم وأصابـه ، فحال العلم الإجمالي في مثل هذا الأقلّ
(الصفحة307)
وا لأكثر حا لـه في المتبائنين في وجوب الاحتياط .
وإن شئت قلت : إنّ هنا علمين : علم إجما لي بكونـه مديوناً لزيد بجميع ما في الدفتر وعلم إجما لي آخر بأنّ دينـه عشرة أو خمسـة ، وانحلال الثاني الغير المقتضي لوجوب الاحتياط با لنسبـة إلى العشرة لاينافي العلم الإجما لي الأوّل المقتضي للاحتياط با لنسبـة إليها ; لعدم التزاحم بين اللاّ مقتضي والمقتضي .
إذا عرفت ذلك ، فنقول : ما نحن فيـه من قبيل الثاني ; لأنّ العلم قد تعلّق بأنّ في الكتب التي بأيدينا مقيّدات ومخصّصات ، فيكون نظير تعلّقـه بأ نّـه مديون لزيد بما في الدفتر ، وقد عرفت عدم الانحلال في هذا النحو با لعثور على المقدار المتيقّن ، بل لابدّ فيـه من الفحص التامّ في جميع ما بأيدينا من الكتب . انتهى .
أقول: الظاهر عدم تماميّـة هذا الكلام، فإنّـه يرد عليـه:
أوّلاً: النقض بجميع الموارد التي تردّد الأمر فيها بين الأقلّ والأكثر ; لأنّـه فيها وإن كان المعلوم بالإجمال مردّداً بينهما إلاّ أ نّـه تعلّق علم آخر بشيء من المقارنات ، فمقتضى ما ذكره إصابـة العلم با لنسبـة إلى الأكثر أيضاً ، فيجب الاحتياط .
مثلاً : إذا دار دين زيد بين خمسـة أو عشرة ، ولكنّـه يعلم بأنّ دينـه كان في الكيس ، أو كان في اليوم الفلاني ، أو في المجلس الفلاني ، فإنّ دينـه وإن كان مردّداً بينهما ، ولكنّـه يعلم بأنّ دينـه هو ما في الكيس ، أو ما أدّاه إليـه في اليوم الفلاني ، أو المجلس الفلاني ، ومن المعلوم بناءً عليـه إصابـة العلم با لنسبـة إلى الأكثر ، فيجب الاحتياط مع أ نّـه لم يقل بـه أحد ، ولايلتزم القائل بـه أيضاً .
وثانياً: الحلّ ، وتوضيحـه : أنّ العناوين التي يتعلّق بها العلم على قسمين :
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 543 ـ 546.
(الصفحة308)
قسم يكون ذلك العنوان بنفسـه موضوعاً للأثر الشرعي ، وقسم لايكون كذلك ، بل يكون من المقارنات .
وعلى الأوّل فتارة يكون ذلك العنوان أمراً بسيطاً ومصاديقـه المتحقّقـة في الخارج محصّلات لـه ، كا لطهور بناءً على أن يكون عبارةً عمّا يحصل من الوضوء أو الغسل مثلاً ، واُخرى يكون أمراً مركّباً ، كإكرام العا لم .
ولا إشكال في وجوب الاحتياط في الأوّل لو دار أمر المحصّل لذلك العنوان بين الأقلّ والأكثر ; لأنّ الصلاة مثلاً مشروطـة بتحقّق الطهور ، وقد تعلّق العلم باشتراطها بهذا العنوان ، ومع الإتيان بالأقلّ لايعلم بحصولـه ، مع أ نّـه شرط فيها .
وعلى الثاني ففي وجوب الاحتياط فيـه خلاف ، ويأتي تحقيقـه في محلّـه .
هذا في العناوين التي تكون بنفسها موضوعةً للآثار الشرعية ، وأمّا العناوين التي لا تكون كذلك ، مثل عنوان ما في الدفتر وما في الكيس وغيرهما من العناوين التي لا تكون بنفسها مترتّبـة عليها الأحكام بل تكون من الاُمور المقارنـة للموضوع للحكم الشرعي والملازمـة لـه في الخارج ، فلا وجـه لوجوب الاحتياط فيها ، بل اللاّزم ملاحظـة ما هو الموضوع للأثر الشرعي ، والمفروض أنّ أمره دائر بين الأقلّ والأكثر ، والأصل يجري با لنسبـة إلى الأكثر ، كما اعترف بـه .
وبا لجملـة ، فا لعلم المتعلّق بهذا العنوان لايعقل أن يصير سبباً لتنجّز الحكم بعد عدم كون ذلك العنوان موضوعاً لـه .
فدعوى أنّ ذلك العلم يقتضي التنجّز ولو كان متعلّقاً بالأكثر ، ممنوعـة جدّاً ، ومسأ لتنا من هذا القبيل ; ضرورة أنّ العلم الموجب للتنجّز هو العلم بوجود المخصّصات والمقيّدات لابما أ نّها موجودة في الكتب والجوامع ; لأنّ هذا العنوان
(الصفحة309)
من المقارنات التي لايضرّ عدمها ، ولاينفع وجودها ، كما هو واضح ، فينحصر العلم المنجّز بما يكون معلومـه من أوّل الأمر مردّداً بين الأقلّ والأكثر ، وهو مجرى البراءة .
نعم ، في المثال الذي ذكره يجب الاحتياط ، لا لتعلّق العلم بذلك العنوان ; لوجوبـه في شبهاتـه البدويّـة أيضاً على ما ذكروه في مبحث البراءة من أنّ جريان الأصل في الشبهات الموضوعيـة مشروط بأن لايكون قادراً على إحراز الواقع بمجرّد أدنى تفحّص ، فإذا شكّ في أ نّـه مديون لزيد ، فلايجوز لـه إجراء البراءة بعد العلم بأ نّـه بمراجعـة الدفتر يظهر لـه الحال .
نعم عمّموا جريانها في بعض الشبهات الموضوعيـة ، كا لشبهـة من حيث النجاسـة ; لورود النصّ فيها .
وكيف كان فما ذكره من وجوب الاحتياط في القسم الثاني من جهـة العلم الإجما لي ممّا لايتمّ أصلاً ، كما عرفت ، فبقي الإشكال على حا لـه .
نعم ، ما ذكره جواباً على ذيل الإشكال الراجع إلى منع كون دائرة العلم أوسع ممّا بأيدينا من الكتب والجوامع ، ممّا لايبعد الالتزام بـه ، كما أنّ صاحب المقالات أجاب عنـه بمثل ما ذكره حيث ذكر أنّ بعد الفحص وعدم الظفر با لمعارض يستكشف خروج هذا المورد عن دائرة العلم ; لأنّ أطرافـه هي المعارضات التي لو تفحّص عنها لظفر بـه ، فعدم الظفر يكشف عن خروجـه عن أطراف العلم .
جواب آخر عن انحلال العلم الإجمالي
وأمّا ما أجاب بـه عن الانحلال ممّا هذه عبارتـه : إنّ مقدار المعلوم كمّاً وإن كان بالأخرة معلوماً بحيث ينتهي الزائد منـه إلى الشكّ البدوي ، ولكن هذا المقدار
(الصفحة310)
إذا كان مردّداً بين محتملات متبائنات منتشرات في أبواب الفقـه من أوّلـه إلى آخره ، يصير جميع الشكوك في تمام الأبواب طرف هذا العلم ، فيمنع عن الأخذ بـه قبل فحصـه ، وفي هذه الصورة لايفيد الظفر با لمعارض بمقدار المعلوم ; إذ مثل هذا العلم الحاصل جديداً بكون المعلوم بالإجمال في غير هذه الشكوك الباقيـة التي كانت ظرفاً من الأوّل للاحتمال في المتبائنات نظير العلوم الحاصلـة بعد العلم الإجما لي غير قابلـة للانحلال ، فقهراً الاحتمال القائم في المورد الموجب لكونـه من الأوّل طرفاً للعلم منجّز للواقع بمقدار استعداده ، فلا محيص أن يفحص كي يعدم ظفره با لمخصّص بكشف خروجـه عن دائرة العلم المزبور من الأوّل ، وهذه الجهـة هي النكتـة في أخذ هذا القيد في دائرة العلم ، وإلاّ فيلزم عدم الاكتفاء با لفحص ولو ظفرنا بمقدار المعلوم فضلاً عمّا لو لم نظفر كما هو ظاهر . انتهى .
فيرد عليـه: أ نّـه إذا ظفرنا بعد التفحّص با لمخصّصات المنتشرة في أبواب الفقـه بمقدار المعلوم يقيناً ، فلا وجـه لعدم انحلال العلم الإجما لي بسبب ذلك ; لأنّـه يصير كا لعلم تفصيلاً بنجاسـة أحد من الإناءين اللذين علم بنجاسـة أحدهما إجمالاً ; إذ بعده يصير الإناء الآخر مشكوك النجاسـة التي هي مجرى قاعدة الطهارة ; لكون الشكّ في نجاستـه شكّاً بدويّاً .
نعم لو علم تفصيلاً بنجاسـة حادثـة غير النجاسـة المعلومـة بالإجمال ، لايرتفع أثر العلم الإجما لي با لنسبـة إلى الطرف الآخر بذلك ، ولكنّ المقام من قبيل الصورة الاُولى كما هو واضح .
هذا ، وأمّا إذا ظفرنا بعد التفحّص بمقدار المعلوم إجمالاً في بعض الأبواب
1 ـ مقالات الاُصول 1: 455 ـ 456.
(الصفحة311)
فقط ، فلا محا لـة يكشف ذلك إمّا عن بطلان العلم بالانتشار في جميع الأبواب الذي أوجب الفحص في الجميع ، وإمّا عن كون مقدار المعلوم بالإجمال أزيد ممّا ظفرنا بـه من المخصّصات ; إذ مع اجتماع العلم بالانتشار والعلم بذلك المقدار يمتنع الظفر بـه في خصوص بعض الأبواب ، فإذا بطل الأوّل ، فلايبقى مجال للفحص في الزائد عنـه ، وإذا بطل الثاني بحدوث علم آخر ، فيقع الإشكال في الزائد عن ذلك المقدار الذي لابدّ أن يكون مقداراً معيّناً ; إذ حينئذ يصير الشكّ في الزائد شكّاً بدويّاً ، فتدبّر جيّداً .
فالإنصاف أنّ هذا الجواب نظير سابقـه في الضعف .
ثمّ إنّ مقدار الفحص اللاّزم ـ بناء على الاستدلال عليـه بما ذكره في الكفايـة واخترناه تبعاً لها ـ هو الفحص بمقدار يخرج معـه العامّ عن معرضيـة ا لتخصيص با ليأس عن الظفر بـه ، وأمّا بناء على الاستدلال با لعلم الإجما لي ، فا لمقدار اللازم منـه هو الذي خرج معـه المورد عن أطرافـه ، كما لايخفى .
1 ـ كفايـة الاُصول: 265.
(الصفحة312)
الفصل الرابع
في عموم الخطابات الشفاهيّـة لغير الحاضرين
هل الخطابات الشفاهيـة تختصّ با لموجودين في زمن الخطاب بل الحاضرين مجلس التخاطب ، أو يعمّ المعدومين فضلاً عن الغائبين عنـه ؟
ولايخفى عدم اختصاص النزاع بما يتضمّن خطاباً ، بل يجري في جميع الأحكام الموضوعـة على العناوين الكلّيـة ولو لم يكن بلسان الخطاب ، مثل قولـه تعا لى :(وللّـه على الناس حجّ البيت من استطاع إليـه سبيلاً) لجريان ا لملاك فيـه أيضاً ، كما سيأتي .
تقرير محلّ النزاع
ثمّ إنّـه لابدّ قبل الخوض في تحقيق المقام من بيان ما يمكن أن يكون محلاّ للبحث بين الأعلام ، فنقول : ذكر في الكفايـة أ نّـه يمكن أن يكون النزاع في صحّـة تعلّق التكليف با لمعدومين أو في صحّـة المخاطبـة معهم أو في صيرورة
1 ـ آل عمران (3): 97.
(الصفحة313)
عموم المتعلّق قرينـة على التصرّف في أدوات الخطاب والعكس ، فا لنزاع على الأوّلين عقلي ، وعلى الأخير لغوي .
أقول: أمّا النزاع على الوجهين الأوّلين : فلايعقل وقوعـه بين الأعلام بعد وضوح استحا لـة بعث المعدوم أو زجره ، وكذا توجيـه الخطاب إليـه .
وأمّا النزاع على الوجـه الأخير الذي يرجع إلى أمر لغوي ، فهو مستبعد جدّاً ; لأنّ الظاهر كون النزاع بينهم إنّما هو في أمر عقلي .
والحقّ أن يقال: إنّ النزاع إنّما هو في أنّ شمول الخطابات القرآنيّـة وا لأحكام المتعلّقـة با لعناوين الكلّيـة الواردة فيها للمعدومين هل يستلزم تعلّق التكليف بهم والمخاطبـة معهم الممتنع عقلاً بداهةً ، أو لايستلزم ذلك الأمر المستحيل ؟ فا لنزاع إنّما هو في الملازمـة بين الأمرين التي هي أمر عقلي .
وا لتحقيق عدم الاستلزام ; لأنّ تلك الأحكام موضوعـة على المكلّفين بنحو
1 ـ كفايـة الاُصول: 266.
2 لايخفى أنّ المراد من هذه العبارة هو عدم اختصاص تلك الخطابات والأحكام بالموجودين حال التخاطب، لاشمولها للمعدومين في حال العدم أيضاً، كما أنّ جعل النزاع في هذا المعنى إنّما هو بملاحظـة أنّ ما يمكن أن يكون نزاعاً معقولا في هذا المقام وينبغي البحث فيـه هو ما ذكرنا وإلاّ فظاهر بعض الاستدلالات هو كون النزاع في صحـة تكليف المعدوم ومخاطبتـه في حال العدم، كما حكاه في الفصول(أ) عن بعض الحنابلـة من القول بذلك، استدلالا بقولـه تعالى: (إنّما أمرهُ إذا أرادَ شيئاً أن يقولَ لهُ كُنْ فيكون) (ب) فإنّ ظاهره الخطاب إلى المعدوم، وأمره بالكون، فيستفاد منـه الجواز مطلقاً.
أ ـ الفصول الغرويّـة: 179 / السطر 38.
ب ـ يس (36): 82.
(الصفحة314)
ا لقضايا الحقيقيّـة لا الخارجيـة ، وتوضيح ذلك يتوقّف على بيان المراد منهما .
تحقيق: في القضايا الحقيقيّـة
فنقول: القضايا الحقيقيـة هي القضايا التي يكون الحكم فيها مترتّباً على جميع أفراد الطبيعـة من غير اختصاص بالأفراد الموجودة خارجاً ، بل كلّ فرد وُجد مصداقاً لها يترتّب عليـه الحكم ، فإذا قال : كلّ نار حارّة ، فقد جعل الموضوع هو جميع أفراد النار أعمّ من الموجودة والمعدومـة ، وذلك لما عرفت سابقاً من أنّ لفظـة «ا لنار» وكذا سائر الأسماء الموضوعـة للطبيعـة المطلقـة إنّما تدلّ با لوضع على نفس الطبيعـة الموضوعـة بإزائها . وكما لايمكن أن تكون الطبيعـة مرآةً للأفراد والخصوصيّات ، كذلك لايحكي اللّفظ الموضوع بإزائها إلاّ عن نفس الطبيعـة ا لمجرّدة عن القيود التي منها نفس الوجود ، فكلمـة «ا لنار» حاكيـة عن نفس ماهيّتها التي هي مقسم للموجوديـة والمعدوميـة .
وأمّا كلمـة «كلّ» المضافـة إليها : فقد عرفت سابقاً أ نّها موضوعـة لإفادة استيعاب أفراد مدخولها ، ولا دلالـة لها على خصوص الأفراد الموجودة ، بل مدلولها هو استيعاب الأفراد التي تقبل الاتّصاف با لوجود تارةً وبا لعدم اُخرى ، وبهما ثا لثةً ، فيقال : أفراد الطبيعة بعضها موجود وبعضها معدوم ، فظهر عدم اختصاص مدلولها أيضاً بالأفراد الموجودة ، ومن المعلوم أنّ إضافـة كلمـة «كلّ» إلى اللّفظ الموضوع لنفس الطبيعـة المطلقـة لا تدلّ على أمر وراء استيعاب أفراد تلك الطبيعـة الواقعـة مدخولـة لها ، فا لموضوع في أمثال تلك القضايا إنّما هو جميع أفراد الطبيعـة بما أ نّها مصداق لها ، فقولـه : أكرم كلّ عا لم ، يكون الموضوع فيـه هو إكرام كلّ عا لم بما أ نّـه مصداق لطبيعـة لابما أ نّـه زيد أو عمرو أو بكر مثلاً .
(الصفحة315)
ولذا قد اشتهر بين أهل الفن أنّ القضيّـة الحقيقيّـة برزخ بين الطبيعـة الصرفـة والكثرة المحضـة ; إذ لايكون الموضوع فيها هي نفس الطبيعـة ; لوضوح الفرق بينها وبين القضيّـة الطبيعيّـة ، ولا الكثرة المحضـة ; لعدم ملاحظـة الكثرات ، بل لايعقل ذلك في جميع أفراد الطبيعـة ، كما هو واضح ، بل الموضوع فيها هو عنوان كلّ عا لم مثلاً ، الذي هو عنوان إجما لي لأفراد طبيعـة العا لم .
هذا، ولايتوهّم ممّا ذكرنا: من أنّ الحكم على جميع الأفراد أعمّ من الموجودة والمعدومـة أنّ ذلك مستلزم لإثبات شيء على المعدوم في حال عدمـه ; لأنّ المعدوم لايكون شيئاً حتّى يكون فرداً للماهيـة ، فما دام لم تنصبغ الماهيّـة بصبغـة الموجود لا تكون ماهيّةً أصلاً ، فا لنار المعدوم با لفعل لا تكون ناراً حتّى يترتّب عليها الحكم المترتّب على جميع أفراد النار ، فاعتبار الوجود في ترتّب الحكم عليـه إنّما هو لعدم كونـه مصداقاً لها بدون ذلك ، لا لكون الاتّصاف بـه مأخوذاً في الموضوع ، كيف وقد عرفت أ نّـه ليس في الموضوع ما يدلّ على الاختصاص بالأفراد الموجودة .
وممّا ذكرنا ظهر: أنّ ما وقع في التقريرات المنسوبـة إلى المحقّق النائيني من تفسير القضيّـة الحقيقيـة بما إذا لوحظ الأفراد المعدومـة بمنزلـة الأفراد الموجودة تنزيلاً للمعدوم منزلـة الموجود ثمّ جعلها موضوعاً للحكم ، ممّا لايرتبط بمعنى القضيّـة الحقيقيّـة المذكورة في فنّها ، بل الوجدان أيضاً يأبى عن ذلك ; لأنّا لا نرى في أنفسنا حين إلقاء هذا النحو من القضايا فرض المعدومين بمنزلـة الموجودين ، وتنزيلهم منزلتهم ، كما لايخفى .
إذا عرفت ذلك: فاعلم أنّ القوانين المجعولـة في العا لم التي يوضعها العقلاء
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 550.
(الصفحة316)
ا لمقنّنين لها إنّما هو على هذا النحو الذي عرفت ; لأنّ بناءهم على جعلها ليعمل بها الأفراد ، وأكثرها خا ليـة عن المخاطبـة ، والقانون الإسلامي المجعول في شريعتنا إنّما هو على هذا النحو مع خصوصيّـة زائدة ، وهو عدم إمكان المخاطبـة فيـه با لنسبـة إلى الناس ، ضرورة عدم قابليّـة البشر العادي لأن يصير مخاطباً للّـه تعا لى ; إذ طريق ذلك الوحي ، وهو منحصر بالأنبياء العظام (عليهم السلام) وباقي الناس أبعد من هذه المرحلـة بمراحل ، وإظهار الوحي الجاري بلسان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما هو على طريق التبليغ لابنحو المخاطبـة ، فا لخطاب بنحو (يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) مثلاً لايكون المخاطب فيها أحد من المؤمنين أصلاً ، بل إنّما هو خطاب كتبي حفظ با لكتب ليعمل بـه كلّ مَنْ نظر إليـه ، نظير الخطابات الواقعـة في قوانين العقلاء المكتوبـة المنتشرة بين الناس ليطّلعوا عليها فيعملوا بها .
ومن هنا يظهر: أنّ هذه الخطابات الواقعـة في الشريعـة لاتشمل الحاضرين أيضاً بنحو يكونوا هم المخاطبين فضلاً عن أن تكون منحصرةً بهم أو عامّةً لجميع المكلّفين ، والتعبير با لخطابات الشفاهية أيضاً مسامحة ; لما عرفت من عدم كون واحد من المكلّفين مخاطباً بها أصلاً ، بل إنّما هي قوانين كلّيـة بصورة المخاطبـة أوحى اللّه تعا لى بها نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بلّغها إلى الناس كما اُنزلت على قلبه(صلى الله عليه وآله وسلم) .
تنبيـه: في كيفيـة القوانين الواردة في الشريعـة
وتلخّص ممّا ذكرنا أنّ القوانين الواردة في الشريعـة على قسمين : قسم لايكون مشتملاً على الخطاب ، بل إنّما جعل الحكم على العناوين الكلّيـة ، مثل : وجوب الحجّ الموضوع على عنوان المستطيع ، وقسم يشتمل على الخطاب ، مثل
1 ـ المائدة (5): 1.
(الصفحة317)
ا لمثال المتقدّم .
أمّا القسم الأوّل: فالإشكال المتقدّم الذي يرجع إلى استلزام عدم الاختصاص با لحاضرين في زمان صدوره لتكليف المعدوم المستحيل بداهـة يندفع بما ذكرناه من كون العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام إنّما اُخذت على سبيل القضيّـة الحقيقيـة با لمعنى الذي تقدّم ، وهذا المعنى لايستلزم أن يكون المعدوم في حال العدم مكلّفاً ; لأنّ عنوان المستطيع إنّما يصدق على خصوص المكلّف الموجود الحاصل لـه الاستطاعـة ، فكما أ نّـه لايصدق على المكلّف الغير المستطيع كذلك لايصدق على المعدوم بطريق أولى ; لأنّـه ليس بشيء ، نعم بعد الوجود وصيرورتـه متّصفاً بذلك الوصف يتحقّق مصداق لذلك العنوان ، فيشملـه الحكم ، كما عرفت تفصيلـه .
وأمّا القسم الثاني: فالإشكال الراجع إلى استحا لـة المخاطبـة مع المعدوم لايندفع بما ذكر من كون الموضوع على نحو القضيّـة الحقيقيـة ; لأنّ الخطاب با لعنوان الذي جعل موضوعاً فيها غير معقول ; إذ لا معنى للخطاب بأفراد الطبيعـة أعمّ من الموجودة والمعدومـة ، فلابدّ إمّا من الالتزام بتنزيل المعدومين منزلـة الموجودين ، وإمّا من الالتزام بما ذكر من كون هذه الخطابات خطابات كتبيـة ، والأوّل لا دليل عليـه ، كما اعترف بـه الشيخ ، ومعـه لايمكن القول با لتعميم ، فلابدّ من الجواب بنحو ما ذكر ; لما عرفت من استحا لـة أن يكون الناس مخاطباً للّـه تعا لى ، بل المخاطب فيها هو الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وحكايتـه(صلى الله عليه وآله وسلم) على الناس إنّما وقعت على سبيل التبليغ وحكايـة الوحي ، ولا تكون خطاباً منـه(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الناس ، كما هو واضح .
1 ـ اُنظر مطارح الأنظار: 204 / السطر 32.
(الصفحة318)
خاتمـة: في الثمرة بين القولين
بقي الكلام في الثمرة بين القولين ، فنقول : ربّما قيل بأ نّـه يظهر لعموم الخطابات الشفاهيـة للمعدومين ثمرتان :
الاُولى: حجّيـة ظهور خطابات الكتاب لهم كا لمشافهين .
وأورد عليـه في الكفايـة بأ نّـه مبني على اختصاص حجّيـة الظواهر با لمقصودين بالإفهام ، وقد حقّق عدم الاختصاص بهم ، ولو سلّم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع ، بل الظاهر أنّ الناس كلّهم إلى يوم القيامـة يكونون كذلك وإن لَمْ يعمّهم الخطاب كما يومئ إليـه غير واحد من الأخبار .
وذكر المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ أنّ ترتّب الثمرة لايبتنى على مقا لـة المحقّق القمّي ; فإنّ الخطابات الشفاهيـة لو كانت مقصورةً على المشافهين ولا تعمّ غيرهم ، فلا معنى للرجوع إليها وحجّيتها في حقّ الغير ، سواء قلنا بمقا لـة المحقّق القمّي أو لم نقل ، فلا ابتناء للثمرة على ذلك أصلاً .
وفيـه: أنّ معنى الرجوع إليـه وحجّيتـه في حقّ الغير ليس هو التمسّك بـه لإثبات حكم المعدومين حتّى يورد عليـه بما ذكر ، بل المراد هو التمسّك بـه لكشف حكم المشافهين بناء على الاختصاص ، ثمّ إجراء أدلّـة الاشتراك ، وحينئذ فيبتنى على مقا لـة المحقّق القمّي لو سلّم كونهم مقصودين بالإفهام ، كما ذكره في
1 ـ قوانين الاُصول 1: 233 / السطر 16.
2 ـ كفايـة الاُصول: 269.
3 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 549.
(الصفحة319)
ا لكفايـة .
الثانيـة: صحّـة التمسّك بإطلاقات الخطابات القرآنيـة بناءً على التعميم لثبوت الأحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين وإن لم يكن متّحداً مع المشافهين في الصنف ، وعدم صحّتـه على عدمـه ; لعدم كونها حينئذ متكفّلةً لأحكام غير المشافهين ، فلابدّ من إثبات اتّحاده معهم في الصنف حتّى يحكم بالاشتراك معهم في الأحكام ، ومع عدم الدليل على ذلك ـ لأنّـه منحصر بالإجماع ، ولا إجماع إلاّ فيما إذا اتّحد الصنف ـ لا مجال للتمسّك بها .
هذا ، ولاريب في ترتّب هذه الثمرة فيما إذا كان المكلّف البا لغ الآن لما كان المشافهون واجدين لـه ممّا يحتمل مدخليّتـه في ترتّب الحكم وثبوتـه ولم يكن ممّا يزول تارةً ويثبت اُخرى ، فإنّـه حينئذ يمكن أن يكون إطلاق الخطاب إليهم اتّكالاً على ثبوت القيد با لنسبـة إليهم ; إذ لا احتياج إلى التقييد بعد ثبوتـه في المخاطبين ، فا لتمسّك بتلك الخطابات متفرّع على إثبات اتّحاد الصنف ; إذ بدونـه لا معنى لجريان أدلّـة الاشتراك ، بخلاف القول با لتعميم ; فإنّـه يصحّ بناء عليـه التمسّك بها لإثبات الأحكام وإن كان الموجودون في الحال فاقدين لما يحتمل دخلـه في الحكم ; إذ مدخليّتـه ترتفع بالإطلاق ; لأنّـه لا مجال لـه اتّكالاً على وجدان الحاضرين لـه ; لعدم اختصاص الخطاب بهم ، كما لايخفى .
1 ـ كفايـة الاُصول: 269.
(الصفحة320)
الفصل الخامس
في تعقّب العامّ بضمير يرجع إلى بعض أفراده
إذا تعقّب العامّ بضمير يرجع إلى بعض أفراده ، يوجب تخصيصـه بـه أو لا ؟ فيـه خلاف .
ومحلّ النزاع ما إذا كان العامّ موضوعاً لحكم آخر غير الحكم المترتّب على البعض المدلول عليـه با لضمير الذي يرجع إليـه ، مثل قولـه تعا لى :(والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثـة قروء) إلى قولـه :(وبعولتهنَّ أحقُّ بردّهنّ) وأمّا إذا كانت هنا قضيـة واحدة ذكر فيها العامّ والضمير معاً ، مثل قولـه : «وا لمطلّقات أزواجهنّ أحقّ بردّهنّ» ، فلاشبهـة في تخصيصـه بـه ، كما هو واضح .
وهل محلّ الخلاف يختصّ بما إذا علم من الخارج بكون المراد من الضمير الواقع في القضيّـة الثانيـة هو بعض أفراد العامّ ، المذكورة في القضيّـة الاُولى ، كما في المثال المذكور ، أو يختصّ بما إذا علم لا من الخارج ، بل بمجرّد إلقاء القضيّـة الثانيـة يعلم أنّ المراد هو البعض لحكم العقل بذلك مثلاً ، كما في قولـه : أهن
1 ـ البقرة (2): 228.
|