(الصفحة201)
[2962] مسألة 2 : لايجب البسط على الأصناف ، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم ، وكذا لايجب استيعاب أفراد كلّ صنف ، بل يجوز الاقتصار على واحد ، ولو أراد البسط لايجب التساوي بين الأصناف أو الأفراد .
[2963] مسألة 3 : مستحقّ الخمس من انتسب إلى هاشم بالاُبوّة ، فإن انتسب إليه بالاُمّ لم يحلّ له الخمس وتحلّ له الزكاة ، ولا فرق بين أن يكون علويّاً أو عقيليّاً أو عبّاسيّاً، وينبغي تقديم(1) الأتمّ علقة بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) على غيره أو توفيره، كالفاطميّين .
[2964] مسألة 4 : لايصدّق من ادّعى النسب إلاّ بالبيّنة أو الشياع المفيد للعلم ، ويكفي الشياع(2) والاشتهار في بلده . نعم ، يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد معرفة عدالته بالتوكيل على الإيصال إلى مستحقّه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضاً ، ولكن الأولى بل الأحوط عدم الاحتيال المذكور .
[2965] مسألة 5 : في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال ، خصوصاً في الزوجة ، فالأحوط عدم دفع خمسه إليهم ; بمعنى الإنفاق عليهم محتسباً ممّا عليه من الخمس ، أمّا دفعه إليهم(3) لغير النفقة الواجبة ممّا يحتاجون إليه ممّا لايكون واجباً عليه ـ كنفقة من يعولون ونحو ذلك ـ فلا بأس به ، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم ولو للإنفاق مع فقره حتّى الزوجة إذا لم يقدر على إنفاقها .
[2966] مسألة 6 : لايجوز دفع الزائد عن مؤنة السنة لمستحقّ واحد ولو دفعة على الأحوط .
(1) قال في محكي كشف الغطاء: ليس بالبعيد تقديم الرضوي ثمّ الموسوي ثمّ الحسيني والحسني، وتقديم كلّ من كانت علاقته بالأئمّة (عليهم السلام) أكثر.
(2) أي وإن لم يفد العلم، لكن لابدّ من تقييده بما إذا أفاد الوثوق والاطمئنان.
(3) على نحو التمليك لغير الزوجة.
(الصفحة202)
[2967] مسألة 7 : النصف من الخمس الذي للإمام (عليه السلام) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه ; وهو المجتهد الجامع للشرائط ، فلابدّ من الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقّين بإذنه ، والأحوط له(1) الاقتصار على السادة مادام لم يكفهم النصف الآخر ، وأمّا النصف الآخر الذي للأصناف الثلاثة فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه، لكنّ الأحوط (2) فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه ; لأنّه أعرف بمواقعه والمرجّحات التي ينبغي ملاحظتها .
[2968] مسألة 8 : لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره إذا لم يوجد المستحقّ فيه ، بل قد يجب كما إذا لم يمكن حفظه مع ذلك ، أو لم يكن وجود المستحقّ فيه متوقّعاً بعد ذلك ، ولا ضمان(3) حينئذ عليه لو تلف ، والأقوى جواز النقل مع وجود المستحقّ أيضاً ، لكن مع الضمان لو تلف ، ولا فرق بين البلد القريب والبعيد ; وإن كان الأولى القريب إلاّ مع المرجّح للبعيد .
[2969] مسألة 9 : لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان(4) ولو مع وجود المستحقّ ، وكذا لو وكّله في قبضه عنه بالولاية العامّة ثمّ أذن في نقله .
[2970] مسألة 10 : مؤنة النقل على الناقل في صورة الجواز ، ومن الخمس في صورة الوجوب .
(1) بل الأحوط الصرف فيما يوثق فيه برضا الإمام (عليه السلام) ممّا يرجع إلى تقوية الدين وتعظيم المسلمين وإعانة المضطرّين، الذي هو الغرض المهمّ لصاحبه عليه وعلى آبائه أفضل صلوات المصلّين عجّل الله تعالى فرجهم أجمعين.
(2) لا يترك.
(3) هذا لا يلائم مع الإشكال في صحّة العزل كما سيأتي منه (قدس سره)، إلاّ أن يكون المفروض نقل مجموع المال الذي فيه الخمس.
(4) على إشكال.
(الصفحة203)
[2971] مسألة 11 : ليس من النقل لو كان له مال في بلد آخر فدفعه فيه للمستحقّ عوضاً عن الذي عليه في بلده ، وكذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر فاحتسبه(1) خمساً ، وكذا لو نقل قدر الخمس من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضاً عنه .
[2972] مسألة 12 : لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده فالأولى دفعه هناك ، ويجوز نقله إلى بلده مع الضمان .
[2973] مسألة 13 : إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصّة الإمام (عليه السلام)إليه ، بل الأقوى جواز ذلك (2) ولو كان المجتهد الجامع للشرائط موجوداً في بلده أيضاً ، بل الأولى النقل إذا كان من في بلد آخر أفضل ، أو كان هناك مرجّح آخر .
[2974] مسألة 14 : قد مرّ أنّه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له نقداً أو عروضاً(3) ، ولكن يجب أن يكون بقيمته الواقعيّة ، فلو حسب العروض بأزيد من قيمتها لم تبرأ ذمّته (4) وإن قبل المستحقّ ورضي به .
[2975] مسألة 15 : لا تبرأ ذمّته من الخمس إلاّ بقبض المستحقّ أو الحاكم ، سواء كان في ذمّته أو في العين الموجودة ، وفي تشخيصه بالعزل إشكال .
[2976] مسألة 16 : إذا كان له في ذمّة المستحقّ دين جاز(5) له احتسابه خمساً ، وكذا في حصّة الإمام (عليه السلام) إذا أذن المجتهد .
(1) على تقدير جواز الاحتساب، وسيأتي الإشكال فيه.
(2) أي مع الضمان، كما في حصّة السادة مع الوجود في البلد.
(3) مرّ الإشكال في غير النقد من العروض.
(4) أي بالإضافة إلى الزيادة.
(5) فيه إشكال، والأحوط الإقباض والقبض.
(الصفحة204)
[2977] مسألة 17 : إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقداً أو عروضاً (1) لايعتبر(2)فيه رضا المستحقّ ، أو المجتهد بالنسبة إلى حصّة الإمام (عليه السلام) ، وإن كانت العين التي فيها الخمس موجودة ، لكن الأولى اعتبار رضاه خصوصاً في حصّة الإمام (عليه السلام) .
[2978] مسألة 18 : لايجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس ويردّه على المالك إلاّ في بعض الأحوال ، كما إذا كان عليه مبلغ كثير ولم يقدر على أدائه ; بأن صار معسراً وأراد تفريغ الذمّة ، فحينئذ لا مانع منه إذا رضي المستحقّ بذلك .
[2979] مسألة 19 : إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممّن لايعتقد وجوبه ـ كالكافر ونحوه ـ لم يجب عليه إخراجه ، فإنّهم (عليهم السلام) أباحوا لشيعتهم ذلك ، سواء كان من ربح تجارة أو غيرها ، وسواء كان من المناكح والمساكن والمتاجر أو غيرها .
(1) مرّ الإشكال في العروض.
(2) محلّ إشكال، والأحوط رضا المجتهد وإذنه في سهم السادة كما مرّ.
(الصفحة205)
بسمه تعالى
بما أنّ كتاب الحجّ من العروة الوثقى لا يتضمّن جميع أبواب الحجّ، لذا لم يعلِّق عليه سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكراني مدّ ظلّه العالي، وطبع بلا حاشية.
ونظراً لوجود تعليقة لسماحته على كتاب الحجّ من تحرير الوسيلة فقد ألحقناها مع المتن بكتاب الحجّ من العروة الوثقى تكميلاً للفائدة.
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحجّ
[فصل في فضل الحجّ]
الذي هو أحد أركان الدين ومن أوكد فرائض المسلمين ، قال الله تعالى : {وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 3 / 97] . غير خفيّ على الناقد البصير ما في الآية الشريفة من فنون التأكيد ، وضروب الحثّ والتشديد، ولاسيّما ما عرّض به تاركه ; من لزوم كفره وإعراضه عنه بقوله عزّ شأنه : {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 3 / 97] . وعن الصادق (عليه السلام)في قوله عزّ من قائل : {وَمَنْ كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الاْخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا} [الإسراء: 17 / 72] قال: «ذلك الذي يسوّف نفسه الحجّ ; يعني حجّة الإسلام حتّى يأتيه الموت، وعنه (عليه السلام) : «من مات وهو صحيح موسر لم يحجّ فهو ممّن قال الله تعالى : {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 20 / 124] ، وعنه (عليه السلام) : «من مات ولم
(الصفحة206)
يحجّ حجّة الإسلام ; لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديّاً أونصرانيّاً» . وفي آخر : «من سوّف الحجّ حتّى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديّاً أو نصرانيّاً» . وفي آخر : «ما تخلّف رجل عن الحجّ إلاّ بذنب وما يعفو الله أكثر» . وعنهم (عليهم السلام) مستفيضاً : «بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية» .
والحجّ فرضه ونفله عظيم فضله ، خطير أجره ، جزيل ثوابه ، جليل جزاؤه ، وكفاه ما تضمّنه من وفود العبد على سيّده ، ونزوله في بيته ومحلّ ضيافته وأمنه ، وعلى الكريم إكرام ضيفه وإجارة الملتجئ إلى بيته ، فعن الصادق (عليه السلام) : «الحاجّ والمعتمر وفد الله، إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن شفّعوا شفّعهم ، وإن سكتوا ابتدأهم ، ويعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم» . وعنه (عليه السلام) : «الحجّ والعمرة سوقان من أسواق الآخرة، اللازم لهما في ضمان الله ، إن أبقاه أدّاه إلى عياله ، وإن أماته أدخله الجنّة» . وفي آخر : «إن أدرك ما يأمل غفر الله له ، وإن قصر به أجله وقع أجره على الله عزّ وجلّ» . وفي آخر : «فإن مات متوجّهاً غفر الله له ذنوبه ، وإن مات محرماً بعثه الله ملبّياً ، وإن مات بأحد الحرمين بعثه الله من الآمنين ، وإن مات منصرفاً غفر الله له جميع ذنوبه» .
وفي الحديث : «إنّ من الذنوب ما لايكفّره إلاّ الوقوف بعرفة» . وعنه (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي توفّي فيه في آخر ساعة من عمره الشريف : «يا أبا ذر اجلس بين يدي اعقد بيدك : من ختم له بشهادة أن لا إله إلاّ الله دخل الجنّة ـ إلى أن قال : ـ ومن ختم له بحجّة دخل الجنّة ، ومن ختم له بعمرة دخل الجنّة . . .» الخبر . وعنه (صلى الله عليه وآله) : «وفد الله ثلاثة : الحاجّ والمعتمر والغازي ، دعاهم الله فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم» . وسأل الصادق (عليه السلام) رجل في المسجد الحرام من أعظم الناس وزراً؟ فقال : «من يقف بهذين الموقفين: عرفة والمزدلفة، وسعى بين هذين الجبلين، ثمّ
(الصفحة207)
طاف بهذا البيت، وصلّى خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) ، ثمّ قال في نفسه وظنّ أنّ الله لم يغفر له ، فهو من أعظم الناس وزراً» .
وعنهم (عليهم السلام) : «الحاجّ مغفور له وموجوب له الجنّة ، ومستأنف له العمل، ومحفوظ في أهله وماله ، وأنّ الحجّ المبرور لا يعدله شيء ولا جزاء له إلاّ الجنّة ، وأنّ الحاجّ يكون كيوم ولدته اُمّه ، وأنّه يمكث أربعة أشهر تكتب له الحسنات ، ولا تكتب عليه السيّئات إلاّ أن يأتي بموجبه ، فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط بالناس ، وأنّ الحاجّ يصدرون على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته اُمّه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، فذلك أدنى ما يرجع به الحاجّ . وأنّ الحاجّ إذا دخل مكّة وكّل الله به ملكين يحفظان عليه طوافه وصلاته وسعيه ، فإذا وقف بعرفة ضربا على منكبه الأيمن ثمّ قالا : أمّا ما مضى فقد كفيته ، فانظر كيف تكون فيما تستقبل» . وفي آخر : «وإذا قضوا مناسكهم قيل لهم : بنيتم بنياناً فلا تنقضوه ، كفيتم ما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون» . وفي آخر : «إذا صلّى ركعتي طواف الفريضة يأتيه ملك فيقف عن يساره ، فإذا انصرف ضرب بيده على كتفه فيقول : يا هذا أمّا ما قد مضى فقد غفر لك ، وأمّا ما يستقبل فجدّ» . وفي آخر : «إذا أخذ الناس منازلهم بمنى نادى مناد : لو تعلمون بفِناء مَن حللتم لأيقنتم بالخلف بعد المغفرة» . وفي آخر : «إن أردتم أن أرضى فقد رضيت» .
وعن الثمالي قال: قال رجل لعليّ بن الحسين (عليهما السلام): تركت الجهاد وخشونته ولزمت الحجّ ولينه ، قال: وكان متّكئاً فجلس وقال : «ويحك أما بلغك ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع ; إنّه لمّا وقف بعرفة وهمّت الشمس أن تغيب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا بلال قل للناس : فلينصتوا ، فلمّا أنصتوا قال : إنّ ربّكم تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم ، وشفّع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفوراً لكم» . وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله)لرجل مميّل فاته الحجّ والتمس منه ما به ينال أجره : «اُنظر إلى
(الصفحة208)
أبي قبيس، فلو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله تعالى ما بلغت ما يبلغ الحاجّ» ، ثمّ قال : «إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً ولم يضعه إلاّ كتب الله له عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات ، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّاً ولم يضعه إلاّ كتب الله له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه» . قال : فعدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)كذا وكذا موقفاً إذا وقفها الحاجّ خرج من ذنوبه ، ثمّ قال : «أنّى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاجّ» .
وقال الصادق (عليه السلام) : «إنّ الحجّ أفضل من عتق رقبة ، بل سبعين رقبة». بل ورد أنّه «إذا طاف بالبيت وصلّى ركعتيه كتب الله له سبعين ألف حسنة ، وحطّ عنه سبعين ألف سيّئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وشفّعه في سبعين ألف حاجة ، وحسب له عتق سبعين ألف رقبة ، قيمة كلّ رقبة عشرة آلاف درهم ، وأنّ الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من سبيل الله تعالى ، وأنّه أفضل من الصيام والجهاد والرباط ، بل من كلّ شيء ما عدا الصلاة» . بل في خبر آخر «أنّه أفضل من الصلاة أيضاً» ولعلّه لاشتماله على فنون من الطاعات لم يشتمل عليها غيره حتّى الصلاة التي هي أجمع العبادات ، أو لأنّ الحجّ فيه صلاة ، والصلاة ليس فيها حجّ ، أو لكونه أشقّ من غيره وأفضل الأعمال أحمزها ، والأجر على قدر المشقّة .
ويستحبّ تكرار الحجّ والعمرة وإدمانهما بقدر القدرة ، فعن الصادق (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خبث الحديد» . وقال (عليه السلام) : «حجج تترى وعمر تسعى يدفعن عيلة الفقر وميتة السوء» . وقال عليّ بن الحسين (عليه السلام) : «حجّوا واعتمروا تصحّ أبدانكم وتتّسع أرزاقكم ، وتكفون مؤنات عيالكم» .
(الصفحة209)
وكما يستحبّ الحجّ بنفسه كذا يستحبّ الإحجاج بماله ، فعن الصادق (عليه السلام) أنّه كان إذا لم يحجّ أحجّ بعض أهله أو بعض مواليه ، ويقول لنا : «يا بنيّ إن استطعتم فلايقف الناس بعرفات إلاّ وفيها من يدعو لكم ، فإنّ الحاجّ ليشفّع في ولده وأهله وجيرانه» . وقال الصادق (عليهما السلام) لإسحاق بن عمّار لمّا أخبره أنّه موطّن على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسه أو برجل من أهله بماله : «فأيقن بكثرة المال والبنين ، أو أبشر بكثرة المال» . وفي كلّ ذلك روايات مستفيضة يضيق عن حصرها المقام ، ويظهر من جملة منها أن تكرارها ثلاثاً أو سنة وسنة لا إدمان ، ويكره تركه للموسر في كلّ خمس سنين ، وفي عدّة من الأخبار : «أنّ من أوسع الله عليه وهو موسر ولم يحجّ في كلّ خمس ـ وفي رواية أربع ـ سنين إنّه لمحروم» ، وعن الصادق (عليه السلام) : «من حجّ أربع حجج لم تصبه ضغطة القبر أبداً» .
مقدّمة
في آداب السفر ومستحبّاته لحجّ أو غيره
وهي اُمور :
أوّلها ـ ومن أوكدها ـ : الاستخارة ; بمنى طلب الخير من ربّه ، ومسألة تقديره له عند التردّد في أصل السفر أو في طريقه أو مطلقاً ، والأمر بها للسفر وكلّ أمر خطير أو مورد خطر مستفيض ، ولاسيّما عند الحيرة والاختلاف في المشورة ، وهي الدعاء لأن يكون خيره فيما يستقبل أمره ، وهذا النوع من الاستخارة هو الأصل فيها ، بل أنكر بعض العلماء ما عداها ممّا يشتمل على التفأل والمشاورة بالرِقاع والحَصَى والسبحة والبُندُقة وغيرها ; لضعف غالب أخبارها ; وإن كان العمل بها للتسامح في مثلها لا بأس به أيضاً ، بخلاف هذا النوع ; لورود أخبار كثيرة بها في
(الصفحة210)
كتب أصحابنا ، بل في روايات مخالفينا أيضاً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) الأمر بها والحثّ عليها .
وعن الباقر والصادق (عليهما السلام) : «كنّا نتعلّم الاستخارة كما نتعلّم السورة من القرآن» . وعن الباقر (عليه السلام) : «أنّ عليّ بن الحسين (عليهما السلام) كان يعمل به إذا همّ بأمر حجّ أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق» . بل في كثير من رواياتنا النهي عن العمل بغير استخارة ، وأنّه من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلي لم يؤجر . وفي كثير منها : «ما استخار الله عبد مؤمن إلاّ خار له ، وإن وقع ما يكره» ، وفي بعضها : «إلاّ رماه الله بخيرة الأمرين» ، وفي بعضها : «استخر الله مائة مرّة ومرّة ، ثمّ انظر أحزم الأمرين لك فافعله ، فإنّ الخيرة فيه إن شاء الله تعالى» ، وفي بعضها : «ثمّ انظر أيّ شيء يقع في قلبك فاعمل به» ، وليكن ذلك بعنوان المشورة من ربّه ، وطلب الخير من عنده ، وبناء منه أنّ خيره فيما يختاره الله له من أمره .
ويستفاد من بعض الروايات أن يكون قبل مشورته ; ليكون بدء مشورته منه سبحانه، وأن يقرنه بطلب العافية، فعن الصادق (عليه السلام) : «ولتكن استخارتك في عافية، فإنّه ربّما خير للرجل في قطع يده وموت ولده وذهاب ماله» ، وأخصر صورة فيها أن يقول : «أستخير الله برحمته» ، أو «أستخير الله برحمته خيرة في عافية» ، ثلاثاً أو سبعاً أو عشراً أو خمسين أو سبعين أو مائة مرّة ومرّة ، والكلّ مرويّ ، وفي بعضها في الاُمور العظام مائة، وفي الاُمور اليسيرة بما دونه ، والمأثور من أدعيته كثيرة جدّاً.
والأحسن تقديم تحميد وتمجيد وثناء وصلوات وتوسّل وما يحسن من الدعاء عليها ، وأفضلها بعد ركعتين للاستخارة أو بعد صلوات فريضة أو في ركعات الزوال ، أو في آخر سجدة من صلاة الفجر ، أو في آخر سجدة من صلاة الليل ، أو في سجدة بعد المكتوبة ، أو عند رأس الحسين (عليه السلام) ، أو في مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله)والكلّ مرويّ . ومثلها كلّ مكان شريف قريب من الإجابة ، كالمشاهد المشرّفة ، أو حال أو زمان كذلك ، ومن أراد تفصيل ذلك فليطلبه من مواضعه ، كـ «مفاتيح الغيب»
(الصفحة211)
للمجلسي (قدس سره) ، و«الوسائل» و«مستدركه» .
وبما ذكر من حقيقة هذا النوع من الاستخارة وأنّها محض الدعاء والتوسّل وطلب الخير وانقلاب أمره إليه ، وبما عرفت من عمل السجاد (عليه السلام) في الحجّ والعمرة ونحوهما يعلم أنّها راجحة للعبادات أيضاً ، خصوصاً عند إرادة الحجّ ، ولايتعيّن فيما يقبل التردّد والحيرة ، ولكن في رواية اُخرى : «ليس في ترك الحجّ خيرة» . ولعلّ المراد بها الخيرة لأصل الحجّ أو للواجب منه .
ثانيها : اختيار الأزمنة المختارة له من الاُسبوع والشهر ، فمن الاُسبوع يختار السبت ، وبعده الثلاثاء والخميس ، والكلّ مرويّ ، وعن الصادق (عليه السلام) : «من كان مسافراً فليسافر يوم السبت ، فلو أنّ حجراً زال عن جبل يوم السبت لردّه الله إلى مكانه» . وعنهم (عليهم السلام) : «السبت لنا والأحد لبني اُميّة» . وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «اللهمّ بارك لاُمّتي في بكورها يوم سبتها وخميسها» .
ويتجنّب ما أمكنه صبيحة الجمعة قبل صلاتها، والأحد ، فقد روي : «أنّ له حدّاً كحدّ السيف» ، والاثنين فهو لبني اُميّة ، والأربعاء فإنّه لبني العبّاس ، خصوصاً آخر أربعاء من الشهر ، فإنّه يوم نحس مستمرّ ، وفي رواية ترخيص السفر يوم الاثنين مع قراءة سورة «هل أتى» في أوّل ركعة من غداته ، فإنّه يقيه الله به من شرّ يوم الاثنين ، وورد أيضاً اختيار يوم الاثنين وحملت على التقيّة.
وليتجنّب السفر من الشهر والقمر في المحاق ، أو في برج العقرب أو صورته ، فعن الصادق (عليه السلام) : «من سافر أو تزوّج والقمر في العقرب لم ير الحسنى» . وقد عدّ أيّام من كلّ شهر وأيّام من الشهر منحوسة يتوقّى من السفر فيها ، ومن ابتداء كلّ عمل بها ، وحيث لم نظفر بدليل صالح عليه لم يهمّنا التعرّض لها ، وإن كان التجنّب منها ومن كلّ ما يتطيّر بها أولى ، ولم يعلم أيضاً أنّ المراد بها شهور الفرس أو العربيّة ، وقد يوجّه كلّ بوجه غير وجيه ، وعلى كلّ حال فعلاجها لدى الحاجة
(الصفحة212)
بالتوكّل والمضي ، خلافاً على أهل الطيرة ، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «كفّارة الطيرة التوكّل» . وعن أبي الحسن الثاني (عليه السلام) : «من خرج يوم الأربعاء لايدور خلافاً على أهل الطيرة وقي من كلّ آفة ، وعوفي من كلّ عاهة، وقضى الله حاجته» . وله أن يعالج نحوسة ما نحس من الأيّام بالصدقة ، فعن الصادق (عليه السلام) : «تصدّق واخرج أيّ يوم شئت». وكذا يفعل أيضاً لو عارضه في طريقه ما يتطيّر به الناس ووجد في نفسه من ذلك شيئاً ، وليقل حينئذ : «اعتصمت بك يا ربّ من شرّ ما أجد في نفسي فاعصمني». وليتوكّل على الله وليمض خلافاً لأهل الطيرة .
ويستحبّ اختيار آخر الليل للسير ، ويكره أوّله ، ففي الخبر : «الأرض تطوى من آخر الليل» . وفي آخر : «إيّاك والسير في أوّل الليل، وسر في آخره» .
ثالثها ـ وهو أهمّها ـ : التصدّق بشيء عند افتتاح سفره ، ويستحبّ كونها عند وضع الرجل في الركاب ، خصوصاً إذا صادف المنحوسة أو المتطيّر بها من الأيّام والأحوال ، ففي المستفيضة رفع نحوستها بها ، وليشتري السلامة من الله بما يتيسّر له ، ويستحبّ أن يقول عند التصدّق : «اللهمّ إنّي اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة سفري ، اللهمّ احفظني واحفظ ما معي ، وسلّمني وسلّم ما معي ، وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل» .
رابعها : الوصيّة عند الخروج ، لاسيّما بالحقوق الواجبة .
خامسها : توديع العيال ; بأن يجعلهم وديعة عند ربّه ويجعله خليفةً عليهم ، وذلك بعد ركعتين أو أربع يركعها عند إرادة الخروج، ويقول : «اللهمّ إنّي أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذرّيتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي» . فعن الصادق (عليه السلام) : «ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل منها ، ولم يدع بذلك الدعاء إلاّ أعطاه ـ عزّ وجلّ ـ ما سأل» .
سادسها : إعلام إخوانه بسفره ، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «حقّ على المسلم إذا أراد
(الصفحة213)
سفراً أن يعلم إخوانه ، وحقّ على إخوانه إذا قدم أن يأتوه» .
سابعها : العمل بالمأثورات ; من قراءة السور والآيات والأدعية عند باب داره ، وذكر الله والتسمية والتحميد وشكره عند الركوب ، والاستواء على الظهر ، والإشراف والنزول ، وكلّ انتقال وتبدّل حال ، فعن الصادق (عليه السلام) : «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفره إذا هبط سبّح ، وإذا صعد كبّر». وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «من ركب وسمّى ردفه ملك يحفظه ، ومن ركب ولم يسمّ ردفه شيطان يمنّيه حتّى ينزل» .
ومنها : قراءة «القدر» للسلامة حين يسافر ، أو يخرج من منزله ، أو يركب دابّته ، و«آية الكرسيّ» و«السخرة» و«المعوّذتين» و«التوحيد» و«الفاتحة» والتسمية وذكر الله في كلّ حال من الأحوال .
ومنها : ما عن أبي الحسن (عليه السلام) «أنّه يقوم على باب داره تلقاء ما يتوجّه له ، ويقرأ «الحمد» و«المعوّذتين» و«التوحيد» و«آية الكرسي» أمامه، وعن يمينه وعن شماله ، ويقول : «اللهمّ احفظني واحفظ ما معي، وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل» يحفظ ويبلغ ويسلم هو وما معه .
ومنها : ما عن الرضا (عليه السلام) : «إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل : بسم الله وبالله توكّلت على الله ، ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، تضرب به الملائكة وجوه الشياطين ، وتقول : ما سبيلكم عليه وقد سمّى الله وآمن به وتوكّل عليه» .
ومنها : كان الصادق (عليه السلام) إذا وضع رجله في الركاب يقول : {سُبْحانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 43 / 13] ، ويسبّح الله سبعاً ، ويحمد الله سبعاً، ويهلّل الله سبعاً». وعن زين العابدين (عليه السلام): «أنّه لو حجّ رجل ماشياً وقرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر ما وجد ألم المشي» . وقال : «ما قرأه أحد حين يركب دابّته إلاّ نزل منهاسالماًمغفوراًله، ولقارئهاأثقل على الدوابّ من الحديد». وعن أبي جعفر (عليه السلام): «لوكان شيء يسبق القدر لقلت: قارئ إنّا أنزلناه في ليلة القدر حين يسافر أو يخرج
(الصفحة214)
من منزله سيرجع» . والمتكفّل لبقيّة المأثور منها ـ على كثرتها ـ الكتب المعدّة لها .
وفي وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «يا عليّ إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها : اللهمّ إنّي أسألك خيرها ، وأعوذ بك من شرّها ، اللهمّ حبّبنا إلى أهلها ، وحبّب صالحي أهلها إلينا» . وعنه (صلى الله عليه وآله) : «يا عليّ إذا نزلت منزلاً فقل : اللهمّ أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين; ترزق خيره ويدفع عنك شرّه». وينبغي له زيادة الاعتماد والانقطاع إلى الله سبحانه ، وقراءة ما يتعلّق بالحفظ من الآيات والدعوات، وقراءة ما يناسب ذلك كقوله تعالى : {كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 26 / 62] . وقوله تعالى : {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة: 9 / 40] . ودعاء التوجّه ، وكلمات الفرج ونحو ذلك ، وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «يسبّح تسبيح الزهراء (عليها السلام) ويقرأ آية الكرسي عندما يأخذ مضجعه في السفر ، يكون محفوظاً من كلّ شيء حتّى يصبح» .
ثامنها : التحنّك بإدارة طرف العمامة تحت حنكه ، ففي المستفيضة عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) : «الضمان لمن خرج من بيته معتمّاً تحت حنكه أن يرجع إليه سالماً ، وأن لايصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق» .
تاسعها : استصحاب عصاً من اللوز المرّ ، فعنه (عليه السلام) : «من أراد أن تطوى له الأرض فليتّخذ النقد من العصا» ، والنقد : عصا لوز مرّ ، وفيه نفي للفقر ، وأمان من الوحشة والضواري وذوات الحمّة . وليصحب شيئاً من طين الحسين (عليه السلام) ليكون له شفاء من كلّ داء، وأماناً من كلّ خوف ، ويستصحب خاتماً من عقيق أصفر مكتوب على أحد جانبيه : «ما شاء الله ، لا قوّة إلاّ بالله ، أستغفر الله» . وعلى الجانب الآخر : «محمّد وعليّ». وخاتماً من فيروزج مكتوب على أحد جانبيه : «الله الملك» وعلى الجانب الآخر : «الملك لله الواحد القهّار» .
عاشرها : اتّخاذ الرفقة في السفر ، ففي المستفيضة الأمر بها والنهي الأكيد
(الصفحة215)
عن الوحدة ، ففي وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) : «لاتخرج في سفر وحدك ، فإنّ الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد» . و«لعن ثلاثة : الآكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده ، والراكب في الفلاة وحده» . وقال : «شرّ الناس من سافر وحده ، ومنع رفده ، وضرب عبده» ، و«أحبّ الصحابة إلى الله تعالى أربعة ، وما زاد على سبعة إلاّ كثر لَغَطُهُم» أي تشاجرهم ، ومن اضطرّ إلى السفر وحده فليقل : «ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، اللهمّ آنس وحشتي ، وأعنّي على وحدتي ، وأدّ غيبتي» . وينبغي أن يرافق مثله في الإنفاق ، ويكره مصاحبته دونه أو فوقه في ذلك ، وأن يصحب من يتزيّن به ، ولايصحب من يكون زينته له ، ويستحبّ معاونة أصحابه وخدمتهم ، وعدم الاختلاف معهم ، وترك التقدّم على رفيقه في الطريق .
الحادي عشر : استصحاب السفرة والتنوّق فيها ، وتطييب الزاد والتوسعة فيه ، لاسيّما في سفر الحجّ ، وعن الصادق (عليه السلام) : «إنّ من المروءة في السفر كثرة الزاد وطيبه ، وبذله لمن كان معك». نعم، يكره التنوّق في سفر زيارة الحسين (عليه السلام)، بل يقتصر فيه على الخبز واللبن لمن قرب من مشهده ، كأهل العراق لا مطلقاً في الأظهر ، فعن الصادق (عليه السلام) : «بلغني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين (عليه السلام) حملوا معهم السفرة فيها الجداء والأخبصة وأشباهه ، لو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم هذا» ، وفي آخر : «تالله إنّ أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً وتأتونه أنتم بالسفر ، كلاّ حتّى تأتونه شعثاً غبراً» .
الثاني عشر : حسن التخلّق مع صحبه ورفقته ، فعن الباقر (عليه السلام) : «ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال : خلق يخالق به من صحبه ، أو حلم يملك به غضبه ، أو ورع يحجزه عن معاصي الله» . وفي المستفيضة : «المروءة في السفر ببذل الزاد ، وحسن الخلق ، والمزاح في غير المعاصي» . وفي بعضها : «قلّة
(الصفحة216)
الخلاف على من صحبك ، وترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم» . وعن الصادق (عليه السلام) : «ليس من المروءة أن يحدّث الرجل بما يتّفق في السفر من خير أو شرّ» . وعنه (عليه السلام) : «وطّن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن خلقك ، وكفّ لسانك ، واكظم غيظك ، وأقلّ لغوك ، وتفرش عفوك ، وتسخو نفسك» .
الثالث عشر : استصحاب جميع ما يحتاج إليه من السلاح والآلات والأدوية ، كما في ذيل ما يأتي من وصايا لقمان لابنه، وليعمل بجميع ما في تلك الوصيّة .
الرابع عشر : إقامة رفقاء المريض لأجله ثلاثاً ، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «إذا كنتم في سفر ومرض أحدكم فأقيموا عليه ثلاثة أيّام» . وعن الصادق (عليه السلام) : «حقّ المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض ثلاثاً» .
الخامس عشر : رعاية حقوق دابّته ، فعن الصادق (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «للدابّة على صاحبها خصال : يبدأ بعلفها إذا نزل ، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به ، ولايضرب وجهها فإنّها تسبّح بحمد ربّها ، ولايقف على ظهرها إلاّ في سبيل الله ، ولايحملها فوق طاقتها ، ولايكلّفها من المشي إلاّ ما تطيق» . وفي آخر : «ولا تتورّكوا على الدوابّ ، ولا تتّخذوا ظهورها مجالس» . وفي آخر : «ولايضربها على النفار ، ويضربها على العثار ، فإنّها ترى ما لاترون» .
ويكره التعرّس على ظهر الطريق ، والنزول في بطون الأودية ، والإسراع في السير ، وجعل المنزلين منزلاً إلاّ في أرض جدبة ، وأن يطرق أهله ليلاً حتّى يعلمهم ، ويستحبّ إسراع عوده إليهم ، وأن يستصحب هديّة لهم إذا رجع إليهم ، وعن الصادق (عليه السلام) : «إذا سافر أحدكم فقدم من سفره فليأت أهله بما تيسّر ولو بحجر . . .» الخبر .
ويكره ركوب البحر في هيجانه ، وعن أبي جعفر (عليه السلام) : «إذا اضطرب بك البحر
(الصفحة217)
فاتّكئ على جانبك الأيمن وقل : بسم الله اسكن بسكينة الله ، وقرّ بقرار الله، واهدأ بإذن الله، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله». ولينادي إذا ضلّ في طريق البرّ : «يا صالح أو يا أبا صالح أرشدونا إلى الطريق رحمكم الله» . وفي طريق البحر : «يا حمزة». وإذا بات في أرض قفر فليقل : {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضَ ـ إلى قوله : ـ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}» [الأعراف: 7 / 54] .
وينبغي للماشي أن ينسل في مشيه ; أي يسرع ، فعن الصادق (عليه السلام) : «سيروا وانسلوا فإنّه أخفّ عنكم» . وجاءت المشاة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)فشكوا إليه الإعياء ، فقال : «عليكم بالنَسَلان» ففعلوا فذهب عنهم الإعياء . وأن يقرأ سورة «القدر» لئلاّ يجد ألم المشي كما مرّ عن السجّاد (عليه السلام) ، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «زاد المسافر الحداء والشعر ما كان منه ليس فيه خناء» . وفي نسخة : «جفاء» وفي اُخرى «حنان». وليختر وقت النزول من بقاع الأرض أحسنها لوناً ، وألينها تربة ، وأكثرها عشباً .
هذه جملة ما على المسافر . وأمّا أهله ورفقته، فيستحبّ لهم تشييع المسافر وتوديعه وإعانته والدعاء له بالسهولة والسلامة ، وقضاء المآرب عند وداعه ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «من أعان مؤمناً مسافراً فرّج الله عنه ثلاثاً وسبعين كربة ، وأجاره في الدنيا والآخرة من الغمّ والهمّ ، ونفّس كربه العظيم يوم يغصّ الناس بأنفاسهم» ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا ودّع المؤمنين قال : «زوّدكم الله التقوى ، ووجّهكم إلى كلّ خير ، وقضى لكم كلّ حاجة، وسلّم لكم دينكم ودنياكم ، وردّكم سالمين إلى سالمين» . وفي آخر : «كان (صلى الله عليه وآله) إذا ودّع مسافراً أخذ بيده ثمّ قال : أحسن الله لك الصحابة ، وأكمل لك المعونة ، وسهّل لك الحزونة ، وقرّب لك البعيد ، وكفاك المهمّ ، وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، ووجّهك لكلّ خير ، عليك بتقوى الله ، استودع الله نفسك ، سر على بركة الله عزّ وجلّ» .
(الصفحة218)
وينبغي أن يقرأ في اُذنه : {إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد} [القصص: 28 / 85] إن شاء الله ثمّ يؤذّن خلفه وليقم كما هو المشهور عملاً ، وينبغي رعاية حقّه في أهله وعياله وحسن الخلافة فيهم ، لاسيّما مسافر الحجّ ، فعن الباقر (عليه السلام) : «من خلف حاجّاً بخير كان له كأجره كأنّه يستلم الأحجار» . وأن يوقّر القادم من الحجّ ، فعن الباقر (عليه السلام) : «وقّروا الحاجّ والمعتمر ، فإنّ ذلك واجب عليكم» . وكان عليّ بن الحسين (عليهما السلام) يقول : «يا معشر من لم يحجّ استبشروا بالحاجّ وصافحوهم وعظّموهم ، فإنّ ذلك يجب عليكم، تشاركوهم في الأجر» . وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول للقادم من مكّة : «قبل الله منك ، وأخلف عليك نفقتك ، وغفر ذنبك» .
ولنتبرّك بختم المقام بخير خبر تكفّل مكارم أخلاق السفر بل والحضر ، فعن الصادق (عليه السلام)قال : «قال لقمان لابنه : يا بنيّ إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك واُمورهم، وأكثر التبسّم في وجوههم ، وكن كريماً على زادك ، وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم ، واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابّة أو ماء أو زاد ، وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثمّ لا تعزم حتّى تتثبّت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتّى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلّي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك ، فإنّ من لم يمحّض النصح لمن استشاره سلبه الله رأيه ، ونزع منه الأمانة .
وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، وإذا تصدّقوا وأعطوا قرضاً فأعط معهم ، واسمع لمن هو أكبر منك سنّاً ، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئاً فقل : نعم ، ولا تقل : لا ، فإنّ لا عيّ ولؤم ، وإذا تحيّرتم في الطريق فانزلوا ، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتؤامروا ، وإذا رأيتم شخصاً واحداً
(الصفحة219)
فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه ، فإنّ الشخص الواحد في الفلاة مريب ، لعلّه يكون عين اللصوص ، أو يكون هو الشيطان الذي حيّركم ; واحذروا الشخصين أيضاً، إلاّ أن تروا ما لا أرى ، فإنّ العاقل إذا أبصر بعينه شيئاً عرف الحقّ منه ، والشاهد يرى ما لايرى الغائب .
يا بنيّ إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشيء ، صلّها واسترح منها فإنّها دين ، وصلّ في جماعة ولو على رأس زجّ ، ولا تنامنّ على دابّتك، فإنّ ذلك سريع في دبرها ، وليس ذلك من فعل الحكماء، إلاّ أن تكون في محمل يمكنك التمدّد لاسترخاء المفاصل ، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك وابدأ بعلفها قبل نفسك ، فإنّها نفسك ، وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لوناً ، وألينها تربة ، وأكثرها عشباً ، وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس ، وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض ، وإذا ارتحلت فصلّ ركعتين ، ثمّ ودّع الأرض التي حللت بها ، وسلّم عليها وعلى أهلها ، فإنّ لكلّ بقعة أهلاً من الملائكة ، فإن استطعت أن لا تأكل طعاماً حتّى تبدأ فتصدّق منه فافعل ، وعليك بقراءة كتاب الله ـ عزّوجلّ ـ ما دمت راكباً ، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملاً عملاً ، وعليك بالدعاء ما دمت خالياً ، وإيّاك والسير في أوّل الليل ، وسر في آخره ، وإيّاك ورفع الصوت في مسيرك ، يا بنيّ سافر بسيفك وخفّك وعمامتك وحبالك وسقائك وخيوطك ومخرزك ، وتزوّد معك من الأدوية ما تنتفع به أنت ومن معك ، وكن لأصحابك موافقاً إلاّ في معصية الله عزّوجلّ» .
هذا ما يتعلّق بكلّي السفر ، ويختصّ سفر الحجّ باُمور اُخر :
منها : اختيار المشي فيه على الركوب على الأرجح ، بل الحَفاء على الانتعال، إلاّ أن يضعّفه عن العبادة أو كان لمجرّد تقليل النفقة ، وعليهما يحمل ما يستظهر منها أفضليّة الركوب ، وروي : «ما تقرّب العبد إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ بشيء أحبّ إليه
(الصفحة220)
من المشي إلى بيته الحرام على القدمين ، وأنّ الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة» . و«ما عُبد الله بشيء مثل الصمت والمشي إلى بيته» .
ومنها : أن تكون نفقة الحجّ والعمرة حلالاً طيّباً ، فعنهم (عليهم السلام) : «إنّا أهل بيت حجّ صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا» . وعنهم (عليهم السلام) : «من حجّ بمال حرام نودي عند التلبية : لا لبّيك عبدي ولا سعديك» . وعن الباقر (عليه السلام) : «من أصاب مالاً من أربع لم يقبل منه في أربع : من أصاب مالاً من غلول أو ربا أو خيانة أو سرقة لم يقبل منه في زكاة ولا صدقة ولا حجّ ولا عمرة» .
ومنها : استحباب نيّة العود إلى الحجّ عند الخروج من مكّة ، وكراهة نيّة عدم العود ، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «من رجع من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره ، ومن خرج من مكّة ولايريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه» . وعن الصادق (عليه السلام) مثله مستفيضاً ، وقال (عليه السلام) لعيسى بن أبي منصور : «يا عيسى إنّي اُحبّ أن يراك الله فيما بين الحجّ إلى الحجّ، وأنت تتهيّأ للحجّ» .
ومنها : أن لايخرج من الحرمين الشريفين بعد ارتفاع النهار إلاّ بعد أداء الفرضين بهما .
ومنها : البدأة بزيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لمن حجّ على طريق العراق .
ومنها : أن لايحجّ ولايعتمر على الإبل الجلاّلة ، ولكن لايبعد اختصاص الكراهة بأداء المناسك عليها ، ولايسري إلى ما يسار عليها من البلاد البعيدة في الطريق ، ومن أهمّ ما ينبغي رعايته في هذا السفر احتسابه من سفر آخرته بالمحافظة على تصحيح النيّة ، وإخلاص السريرة ، وأداء حقيقة القربة ، والتجنّب عن الرياء ، والتجرّد عن حبّ المدح والثناء ، وأن لايجعل سفره هذا على ما عليه كثير من مترفي عصرنا من جعله وسيلة للرفعة والافتخار ، بل وصلة إلى التجارة والانتشار ومشاهدة البلدان وتصفّح الأمصار ، وأن يراعي أسراره الخفيّة ودقائقه
|