في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة241)

لا  لغرض شرعي أمكن أن يقال  بعدم الصحّة ، والظاهر أنّ المناط في عدم جواز التصرّف المخرج هو التمكّن في تلك السنة ، فلو لم يتمكّن فيها ولكن يتمكّن في السنة الاُخرى لم يمنع عن جواز التصرّف ، فلايجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة ، فليس حاله حال من يكون بلده بعيداً عن مكّة بمسافة سنتين .
[3021] مسألة 24 : إذا كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو منضمّاً إلى ماله الحاضر ، وتمكّن من التصرّف في ذلك المال الغائب يكون مستطيعاً ويجب عليه الحجّ ، وإن لم يكن متمكّناً من التصرّف فيه ولو بتوكيل من يبيعه هناك فلايكون مستطيعاً إلاّ بعد التمكّن منه أو الوصول في يده. وعلى هذا فلو تلف في الصورة الاُولى بقي وجوب الحجّ مستقرّاً عليه  إن كان التمكّن في حال تحقّق سائر الشرائط ، ولو تلف في الصورة الثانية لم يستقرّ ، وكذا إذا مات مورّثه وهو في بلد آخر وتمكّن من التصرّف في حصّته أو لم يتمكّن ، فإنّه على الأوّل يكون مستطيعاً بخلافه على الثاني .
[3022] مسألة 25 : إذا وصل ماله إلى حدّ الاستطاعة لكنّه كان جاهلاً به أو كان غافلاً عن وجوب الحجّ عليه ، ثمّ تذكّر بعد أن تلف  ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين وجوده ، والجهل والغفلة لايمنعان عن الاستطاعة . غاية الأمر أنّه معذور في ترك ما وجب عليه ، وحينئذ فإذا مات قبل التلف أو بعده وجب الاستئجار عنه إن كانت له تركة بمقداره ، وكذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره بهبة أو صلح ثمّ علم بعد ذلك أنّه كان بقدر الاستطاعة . فلا وجه لما ذكره المحقّق القمّي في أجوبة مسائله من عدم الوجوب ; لأنّه لجهله لم يصر مورداً ، وبعد النقل والتذكّر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقرّ عليه ; لأنّ عدم التمكّن من جهة الجهل والغفلة لاينافي الوجوب الواقعي، والقدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي ، وهي موجودة ، والعلم شرط في التنجّز لا في

(الصفحة242)

أصل  التكليف .
[3023] مسألة 26 : إذا اعتقد أنّه غير مستطيع فحجّ ندباً ، فإن قصد امتثال الأمر  المتعلّق به فعلاً وتخيّل أنّه الأمر الندبي أجزأ عن حجّة الإسلام ; لأنّه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق ، وإن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجزئ عنها وإن كان حجّه صحيحاً ، وكذا الحال إذا علم باستطاعته ثمّ غفل عن ذلك . وأمّا لو علم بذلك وتخيّل عدم فوريّتها فقصد الأمر الندبيّ فلايجزئ ; لأنّه يرجع إلى التقييد .
[3024] مسألة 27 : هل تكفي في الاستطاعة الملكيّة المتزلزلة للزاد والراحلة وغيرهما ، كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحجّ بشرط الخيار له إلى مدّة معيّنة ، أو باعه محاباة كذلك؟ وجهان ، أقواهما العدم ; لأنّها في معرض الزوال إلاّ إذا كان واثقاً بأنّه لايفسخ ، وكذا لو وهبه وأقبضه إذا لم يكن رحماً ، فإنّه ما دامت العين موجودة له الرجوع ، ويمكن أن يقال بالوجوب هنا ، حيث إنّ له التصرّف في الموهوب فتلزم الهبة .
[3025] مسألة 28 : يشترط في وجوب الحجّ بعد حصول الزاد والراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال ، فلو تلف بعد ذلك ولو في أثناء الطريق كشف عن عدم الاستطاعة ، وكذا لو حصل عليه دين قهراً عليه ، كما إذا أتلف مال غيره خطأً . وأمّا لو أتلفه عمداً فالظاهر كونه كإتلاف الزاد والراحلة عمداً في عدم زوال استقرار الحجّ .
[3026] مسألة 29 : إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤنة عوده إلى وطنه، أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناءً على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة ، فهل يكفيه عن حجّة الإسلام أو لا ؟ وجهان ، لايبعد الإجزاء ، ويقرّبه ما ورد من أنّ من مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ، بل يمكن أن يقال بذلك إذا تلف في أثناء الحجّ أيضاً .


(الصفحة243)

[3027] مسألة 30 : الظاهر عدم اعتبار الملكيّة في الزاد والراحلة ، فلو حصلا بالإباحة اللازمة كفى في الوجوب ; لصدق الاستطاعة ، ويؤيّده الأخبار الواردة في البذل ، فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر في ضمن عقد لازم أن يكون له التصرّف في ماله بما يعادل مائة ليرة مثلا وجب عليه الحجّ، ويكون كما لو كان مالكاً له .
[3028] مسألة 31 : لو أوصى له بما يكفيه للحجّ فالظاهر وجوب الحجّ  عليه بعد موت الموصي ، خصوصاً إذا لم يعتبر القبول في ملكيّة الموصى له ، وقلنا بملكيتّه ما لم يردّ ، فإنّه ليس له الردّ حينئذ .
[3029] مسألة 32 : إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين (عليه السلام) في كلّ عرفة ثمّ حصلت لم يجب عليه  الحجّ ، بل وكذا لو نذر إن جاء مسافره أن يعطي الفقير كذا مقداراً ، فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلّق عليه ، بل وكذا إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقدار مائة ليرة مثلا في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك ، فإنّ هذا كلّه مانع عن تعلّق وجوب الحجّ به ، وكذا إذا كان عليه واجب مطلق فوريّ قبل حصول الاستطاعة ولم يمكن الجمع بينه وبين الحجّ ، ثمّ حصلت الاستطاعة، وإن لم يكن ذلك الواجب أهمّ من الحجّ ; لأنّ العذر الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب. وأمّا لو حصلت الاستطاعة أوّلاً ثمّ حصل واجب فوريّ آخر لايمكن الجمع بينه وبين الحجّ يكون من باب المزاحمة ، فيقدّم الأهمّ منهما ، فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدّم على الحجّ ، وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحجّ فيه ، وإلاّ فلا ، إلاّ أن يكون الحجّ قد استقرّ عليه سابقاً ، فإنّه يجب عليه ولو متسكّعاً .
[3030] مسألة 33 : النذر المعلّق على أمر قسمان : تارة يكون التعليق على وجه الشرطيّة ، كما إذا قال : إن جاء مسافري فللّه عليّ أن أزور الحسين (عليه السلام) في عرفة ،

(الصفحة244)

وتارة يكون على نحو الواجب المعلّق ، كأن يقول : لله عليّ أن أزور الحسين (عليه السلام)في عرفة عند مجيء مسافري ، فعلى الأوّل يجب الحجّ إذا حصلت الاستطاعة قبل مجيء مسافره ، وعلى الثاني لايجب ، فيكون حكمه حكم النذر المنجّز في أنّه لو حصلت الاستطاعة وكان العمل بالنذر منافياً لها لم يجب الحجّ ; سواء حصل المعلّق عليه قبلها أو بعدها. وكذا لو حصلا معاً لايجب الحجّ ، من دون فرق بين الصورتين ، والسرّ في ذلك أنّ وجوب الحجّ مشروط والنذر مطلق ، فوجوبه يمنع من تحقّق الاستطاعة .
[3031] مسألة 34: إذا لم يكن له زاد وراحلة ولكن قيل له: حجّ وعليّ نفقتك ونفقة عيالك وجب عليه ، وكذا لو قال : حجّ بهذا المال وكان كافياً له ذهاباً وإياباً ولعياله ، فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما تحصل بملكها ، من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملّكها  إيّاه ، ولا بين أن يبذل عينها أو ثمنها ، ولا بين أن يكون البذل واجباً عليه بنذر أو يمين أو نحوهما أو لا ، ولا بين كون الباذل موثوقاً به  أو لا على الأقوى ، والقول بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف ، كالقول بالاختصاص بما إذا وجب عليه أو بأحد الأمرين ; من التمليك أو الوجوب ، وكذا القول بالاختصاص بما إذا كان موثوقاً به ; كلّ ذلك لصدق الاستطاعة وإطلاق المستفيضة من الأخبار ، ولو كان له بعض النفقة فبذل له البقيّة وجب أيضاً ، ولو بذل له نفقة الذهاب فقط ولم يكن عنده نفقة العود لم يجب ، وكذا لو لم يبذل نفقة عياله إلاّ إذا كان عنده مايكفيهم إلى أن يعود ، أو كان لايتمكّن من نفقتهم مع ترك الحجّ أيضاً .
[3032] مسألة 35 : لايمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذليّة . نعم ، لو كان حالاّ وكان الديّان مطالباً مع فرض تمكّنه من أدائه لو لم يحجّ ولو تدريجاً ، ففي كونه مانعاً أو لا وجهان .
[3033] مسألة 36 : لايشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذليّة .


(الصفحة245)

[3034] مسألة 37 : إذا وهبه ما يكفيه للحجّ لأن يحجّ وجب عليه القبول على الأقوى ، بل وكذا لو وهبه وخيّره بين أن يحجّ به أو لا . وأمّا لو وهبه ولم يذكر الحجّ لا تعييناً ولا تخييراً فالظاهر عدم وجوب القبول كما عن المشهور .
[3035] مسألة 38 : لو وقف شخص لمن يحجّ أو أوصى أو نذر كذلك ، فبذل المتولّي أو الوصيّ أو الناذر له وجب عليه ; لصدق الاستطاعة بل إطلاق الأخبار ، وكذا لو أوصى له بما يكفيه للحجّ بشرط أن يحجّ ، فإنّه يجب عليه بعد موت الموصي .
[3036] مسألة 39 : لو أعطاه ما يكفيه للحجّ خمساً أو زكاة وشرط عليه أن يحجّ به فالظاهر الصحّة  ووجوب الحجّ عليه إذا كان فقيراً ، أو كانت الزكاة من سهم سبيل الله .
[3037] مسألة 40 : الحجّ البذلي مجزئ عن حجّة الإسلام ، فلايجب عليه إذا استطاع مالاً بعد ذلك على الأقوى .
[3038] مسألة 41 : يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام ، وفي جواز رجوعه عنه بعده وجهان ، ولو وهبه للحجّ فقبل فالظاهر جريان حكم الهبة عليه في جواز الرجوع قبل الإقباض وعدمه بعده إذا كانت لذي رحم أو بعد تصرّف الموهوب له .
[3039] مسألة 42 : إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا وجهان .
[3040] مسألة 43 : إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية ، فلو ترك الجميع استقرّ عليهم الحجّ فيجب على الكلّ ; لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكلّ ، نظير ما إذا وجد المتيمّمون ماءً يكفي لواحد منهم ، فإنّ تيمّم الجميع يبطل .


(الصفحة246)

[3041] مسألة 44 : الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل . وأمّا الكفّارات، فإن أتى بموجبها عمداً اختياراً فعليه ، وإن أتى به اضطراراً أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد وغيره ، ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان .
[3042] مسألة 45 : إنّما يجب بالبذل الحجّ الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة ، فلو بذل للآفاقي بحجّ القران أو الإفراد أو لعمرة مفردة لايجب عليه ، وكذا لو بذل للمكّي لحجّ التمتّع لايجب عليه ، ولو بذل لمن حجّ حجّة الإسلام لم يجب عليه ثانياً ، ولو بذل لمن استقرّ عليه حجّة الإسلام وصار معسراً وجب عليه ، ولو كان عليه حجّة النذر أو نحوه ولم يتمكّن فبذل له باذل وجب عليه ، وإن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحجّ ; لشمول الأخبار  من حيث التعليل فيها بأنّه بالبذل صار مستطيعاً ، ولصدق الاستطاعة عرفاً .
[3043] مسألة 46 : إذا قال له : بذلت لك هذا المال مخيّراً بين أن تحجّ به أو تزور الحسين (عليه السلام) وجب عليه الحجّ .
[3044] مسألة 47 : لو بذل له مالاً ليحجّ بقدر ما يكفيه فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب .
[3045] مسألة 48 : لو رجع عن بذله في الأثناء وكان في ذلك المكان يتمكّن من أن يأتي ببقيّة الأعمال من مال نفسه ، أو حدث له مال بقدر كفايته وجب عليه  الإتمام ، وأجزأه عن حجّة الإسلام .
[3046] مسألة 49 : لا فرق في الباذل بين أن يكون واحداً أو متعدّداً ، فلو قالا له : حجّ وعلينا نفقتك وجب عليه .
[3047] مسألة 50 : لو عيّن له مقداراً ليحجّ به واعتقد كفايته فبان عدمها وجب عليه  الإتمام في الصورة التي لايجوز له الرجوع ، إلاّ إذا كان ذلك مقيّداً بتقدير كفايته .


(الصفحة247)

[3048] مسألة 51 : إذا قال : اقترض وحجّ وعليّ دينك ، ففي وجوب ذلك عليه نظر ; لعدم صدق الاستطاعة عرفاً . نعم ، لو قال : اقترض لي وحجّ به وجب مع وجود المقرض كذلك .
[3049] مسألة 52 : لو بذل له مالاً ليحجّ به فتبيّن بعد الحجّ أنّه كان مغصوباً ، ففي كفايته للمبذول له عن حجّة الإسلام وعدمها وجهان ، أقواهما العدم ، أمّا لو قال : حجّ وعليّ نفقتك ، ثمّ بذل له مالاً فبان كونه مغصوباً فالظاهر صحّة الحجّ ، وأجزأه عن حجّة الإسلام ; لأنّه استطاع بالبذل وقرار الضمان على الباذل في الصورتين ، عالماً كان بكونه مال الغير أو جاهلاً .
[3050] مسألة 53 : لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحجّ باُجرة يصير بها مستطيعاً وجب عليه الحجّ ، ولاينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير ; لأنّ الواجب عليه في حجّ نفسه أفعال الحجّ ، وقطع الطريق مقدّمة توصّلية بأيّ وجه أتى بها كفى ولو على وجه الحرام ، أو لا بنيّة الحجّ ، ولذا لو كان مستطيعاً قبل الإجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق ، بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صحّ أيضاً ، ولايضرّ بحجّه . نعم ، لو آجر نفسه لحجّ بلديّ لم يجز له أن يؤجر نفسه لنفس المشي، كإجارته لزيارة بلديّة أيضاً ، أمّا لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس وإن كان مشيه للمستأجر الأوّل ، فالممنوع وقوع الإجارة على نفس ما وجب عليه أصلاً أو بالإجارة .
[3051] مسألة 54 : إذا استؤجر ; أي طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعاً لايجب عليه القبول ، ولايستقرّ الحجّ عليه ، فالوجوب عليه مقيّد بالقبول ووقوع الإجارة ، وقد يقال بوجوبه إذا لم يكن حرجاً عليه ; لصدق الاستطاعة ، ولأنّه مالك لمنافعه فيكون مستطيعاً قبل الإجارة ، كما إذا كان مالكاً لمنفعة عبده أو دابّته وكانت كافية في استطاعته ، وهو كما ترى ; إذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك ،

(الصفحة248)

ولكن لاينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره ، كما إذا كان من عادته إجارة نفسه للأسفار .
[3052] مسألة 55 : يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير ، وإن حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدّم الحجّ النيابي ، فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه ، وإلاّ فلا .
[3053] مسألة 56 : إذا حجّ لنفسه أو عن غيره تبرّعاً أو بالإجارة مع عدم كونه مستطيعاً لايكفيه عن حجّة الإسلام ، فيجب عليه الحجّ إذا استطاع بعد ذلك ، وما في بعض الأخبار من إجزائه عنها محمول على الإجزاء ما دام فقيراً ، كما صرّح به في بعضها الآخر، فالمستفاد منها أنّ حجّة الإسلام مستحبّة  على غير المستطيع ، وواجبة على المستطيع ، ويتحقّق الأوّل بأيّ وجه أتى به ، ولو عن الغير تبرّعاً أو بالإجارة ، ولايتحقّق الثاني إلاّ مع حصول شرائط الوجوب .
[3054] مسألة 57 : يشترط في الاستطاعة مضافاً إلى مؤنة الذهاب والإياب وجود ما يموّن به عياله حتّى يرجع ، فمع عدمه لايكون مستطيعاً ، والمراد بهم من يلزمه نفقته لزوماً عرفيّاً، وإن لم يكن ممّن يجب عليه نفقته شرعاً على الأقوى ، فإذا كان له أخ صغير أو كبير فقير لايقدر على التكسّب وهو ملتزم بالإنفاق عليه، أو كان متكفّلاً لإنفاق يتيم في حجره ولو أجنبيّ يعدّ عيالاً له ، فالمدار على العيال العرفي .
[3055] مسألة 58 : الأقوى وفاقاً لأكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية ; من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له ; من بستان أو دكّان أو نحو ذلك ، بحيث لايحتاج إلى التكفّف ، ولايقع في الشدّة والحرج ، ويكفي كونه قادراً على التكسّب اللائق به أو التجارة باعتباره ووجاهته، وإن لم يكن له رأس مال يتّجر به . نعم، قد مرّ عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذليّة ، ولايبعد عدم اعتباره أيضاً فيمن يمضي

(الصفحة249)

أمره بالوجوه اللائقة به، كطلبة العلم من السادة وغيرهم ، فإذا حصل لهم مقدار مؤنة الذهاب والإياب ومؤنة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم ، بل وكذا الفقير الذي عادته وشغله أخذ الوجوه ولايقدر على التكسّب إذا حصل له مقدار مؤنة الذهاب والإياب له ولعياله ، وكذا كلّ من لايتفاوت حاله قبل الحجّ وبعده إذا صرف ما حصل له من مقدار مؤنة الذهاب والإياب من دون حرج عليه .
[3056] مسألة 59 : لايجوز للولد أن يأخذ من مال والده ويحجّ به ، كما لايجب على الوالد أن يبذل له ، وكذا لايجب على الولد بذل المال لوالده ليحجّ به ، وكذا لايجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحجّ ، والقول بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف ، وإن كان يدلّ عليه صحيح سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يحجّ من مال ابنه وهو صغير؟ قال : «نعم يحجّ منه حجّة الإسلام» . قال : وينفق منه؟ قال : «نعم» . ثمّ قال : «إنّ مال الولد لوالده ، إنّ رجلاً اختصم هو ووالده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقضى أنّ المال والولد للوالد» . وذلك لإعراض الأصحاب عنه ، مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله مع استطاعته من مال نفسه ، أو على ما إذا كان فقيراً وكانت نفقته على ولده ولم يكن نفقة السفر إلى الحجّ أزيد من نفقته في الحضر ; إذ الظاهر الوجوب حينئذ .
[3057] مسألة 60 : إذا حصلت الاستطاعة لايجب أن يحجّ من ماله ، فلو حجّ في نفقة غيره لنفسه أجزأه ، وكذا لو حجّ متسكّعاً ، بل لو حجّ من مال الغير غصباً صحّ وأجزأه . نعم ، إذا كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه من المغصوب لم يصحّ ، وكذا إذا كان ثمن هديه غصباً .
[3058] مسألة 61 : يشترط في وجوب الحجّ الاستطاعة البدنيّة ، فلو كان مريضاً لايقدر على الركوب ، أو كان حرجاً عليه ولو على المحمل أو الكنيسة لم يجب ، وكذا لو تمكّن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مؤنته ، وكذا لو احتاج إلى خادم

(الصفحة250)

ولم يكن عنده مؤنته .
[3059] مسألة 62 : ويشترط أيضاً الاستطاعة الزمانيّة ، فلو كان الوقت ضيّقاً لايمكنه الوصول إلى الحجّ أو أمكن لكن بمشقّة شديدة لم يجب ، وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب، وإلاّ فلا .
[3060] مسألة 63 : ويشترط أيضاً الاستطاعة السربيّة ; بأن لايكون في الطريق مانع لايمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال، وإلاّ لم يجب ، وكذا لو كان غير مأمون ; بأن يخاف على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله ، وكان الطريق منحصراً فيه أو كان جميع الطرق كذلك ، ولو كان هناك طريقان أحدهما أقرب لكنّه غير مأمون وجب الذهاب من الأبعد المأمون ، ولو كان جميع الطرق مخوفاً إلاّ أنّه يمكنه الوصول إلى الحجّ بالدوران في البلاد ; مثل ما إذا كان من أهل العراق ولايمكنه إلاّ أن يمشي إلى كرمان ، ومنه إلى خراسان ، ومنه إلى بخارا ، ومنه إلى الهند ، ومنه إلى بوشهر ، ومنه إلى جدّة مثلا ، ومنه إلى المدينة ، ومنها إلى مكّة ، فهل يجب أو لا ؟ وجهان ، أقواهما عدم الوجوب ; لأنّه يصدق عليه أنّه لايكون مخلّى السرب .
[3061] مسألة 64 : إذا استلزم الذهاب إلى الحجّ تلف مال له في بلده معتدّ به لم يجب ، وكذا إذا كان هناك مانع شرعيّ من استلزامه ترك واجب فوريّ سابق على حصول الاستطاعة، أو لاحق مع كونه أهمّ من الحجّ كإنقاذ غريق أو حريق ، وكذا إذا توقّف على ارتكاب محرّم ، كما إذا توقّف على ركوب دابّة غصبيّة أو المشي في الأرض المغصوبة .
[3062] مسألة 65 : قد علم ممّا مرّ أنّه يشترط في وجوب الحجّ ـ مضافاً إلى البلوغ والعقل والحرّيّة ـ الاستطاعة الماليّة والبدنيّة والزمانيّة والسربيّة ، وعدم استلزامه الضرر ، أو ترك واجب ، أو فعل حرام ومع فقد أحد هذه لايجب . فبقي

(الصفحة251)

الكلام في أمرين :
أحدهما : إذا اعتقد تحقّق جميع هذه مع فقد بعضها واقعاً، أو اعتقد فقد بعضها وكان متحقّقاً، فنقول : إذا اعتقد كونه بالغاً أو حرّاً مع تحقّق سائر الشرائط فحجّ ثمّ بان أنّه كان صغيراً أو عبداً ، فالظاهر بل المقطوع عدم إجزائه عن حجّة الإسلام . وإن اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً مع تحقّق سائر الشرائط وأتى به أجزأه عن حجّة الإسلام كما مرّ سابقاً ، وإن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجّة فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه ، فإن فقد بعض الشرائط بعد ذلك ، كما إذا تلف ماله وجب عليه الحجّ ولو متسكّعاً . وإن اعتقد كونه مستطيعاً مالاً وأنّ ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحجّ ، ففي إجزائه عن حجّة الإسلام وعدمه وجهان ; من فقد الشرط واقعاً ، ومن أنّ القدر المسلّم من عدم إجزاء حجّ غير المستطيع عن حجّة الإسلام غير هذه الصورة .
وإن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال، وكان في الواقع كافياً وترك الحجّ فالظاهر الاستقرار عليه . وإن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحجّ فبان الخلاف فالظاهر كفايته . وإن اعتقد المانع من العدوّ أو الضرر أو الحرج فترك الحجّ فبان الخلاف ، فهل يستقرّ عليه الحجّ أو لا ؟ وجهان ، والأقوى عدمه ; لأنّ المناط في الضرر الخوف وهو حاصل، إلاّ إذا كان اعتقاده على خلاف رويّة العقلاء وبدون الفحص والتفتيش . وإن اعتقد عدم مانع شرعي فحجّ فالظاهر الإجزاء إذا بان الخلاف . وإن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف فالظاهر الاستقرار .
ثانيهما : إذا ترك الحجّ مع تحقّق الشرائط متعمّداً ، أو حجّ مع فقد بعضها كذلك ، أمّا الأوّل فلا إشكال في استقرار الحجّ عليه مع بقائها إلى ذي الحجّة ، وأمّا الثاني فإن حجّ مع عدم البلوغ أو عدم الحرّيّة فلا إشكال في عدم إجزائه ، إلاّ إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين على إشكال في البلوغ قد مرّ . وإن حجّ مع عدم

(الصفحة252)

الاستطاعة الماليّة فظاهرهم مسلّمية عدم الإجزاء، ولا دليل عليه  إلاّ الإجماع ، وإلاّ فالظاهر أنّ حجّة الإسلام هو الحجّ الأوّل ، وإذا أتى به كفى ولو كان ندباً ، كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر مستحبّاً ـ بناءً على شرعيّة عباداته ـ فبلغ في أثناء الوقت ، فإنّ الأقوى عدم وجوب إعادتها ، ودعوى أنّ المستحبّ لايجزئ عن الواجب ، ممنوعة بعد اتّحاد ماهيّة الواجب والمستحبّ . نعم ، لو ثبت تعدّد ماهيّة حجّ المتسكّع والمستطيع تمّ ما ذكر ، لا لعدم إجزاء المستحبّ عن الواجب ، بل لتعدّد الماهيّة ، وإن حجّ مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحّة البدن مع كونه حرجاً عليه ، أو مع ضيق الوقت كذلك ، فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب .
وعن «الدروس» الإجزاء إلاّ إذا كان إلى حدّ الإضرار بالنفس وقارن  بعض المناسك ، فيحتمل عدم الإجزاء ، ففرق بين حجّ المتسكّع وحجّ هؤلاء ، وعلّل الإجزاء بأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط فإنّه لايجب ، لكن إذا حصّله وجب ، وفيه : أنّ مجرّد البناء على ذلك لايكفي في حصول الشرط ، مع أنّ غاية الأمر حصول المقدّمة التي هو المشي إلى مكّة ومنى وعرفات ، ومن المعلوم أنّ مجرّد هذا لايوجب حصول الشرط الذي هو عدم الضرر ، أو عدم الحرج . نعم ، لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط، ولم يكونا حين الشروع في الأعمال تمّ ما ذكره ، ولا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة .
هذا ، ومع ذلك فالأقوى ما ذكره في «الدروس» لا لما ذكره ، بل لأنّ الضرر  والحرج إذا لم يصلا إلى حدّ الحرمة إنّما يرفعان الوجوب والإلزام لا أصل الطلب ، فإذا تحمّلهما وأتى بالمأمور به كفى .
[3063] مسألة 66 : إذا حجّ مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرّم لم يجزه  عن حجّة الإسلام ، وإن اجتمع سائر الشرائط ، لا لأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه; لمنعه أوّلاً ، ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانياً ; لأنّ النهي متعلّق بأمر

(الصفحة253)

خارج ، بل لأنّ الأمر مشروط بعدم المانع، ووجوب ذلك الواجب مانع ، وكذلك النهي المتعلّق بذلك المحرّم مانع ومعه لا أمر بالحجّ . نعم ، لو كان الحجّ مستقرّاً عليه وتوقّف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة ، وأمكن أن يقال بالإجزاء ; لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه ، ومنع كون النهي المتعلّق بأمر خارج موجباً للبطلان .
[3064] مسألة 67 : إذا كان في الطريق عدوّ لايندفع إلاّ بالمال ، فهل يجب بذله ويجب الحجّ أو لا ؟ أقوال ، ثالثها : الفرق بين المضرّ بحاله وعدمه ، فيجب في الثاني دون الأوّل .
[3065] مسألة 68 : لو توقّف الحجّ على قتال العدوّ لم يجب حتّى مع ظنّ الغلبة عليه والسلامة ، وقد يقال بالوجوب في هذه الصورة .
[3066] مسألة 69 : لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلاّ مع خوف الغرق أو المرض خوفاً عقلائيّاً ، أو استلزامه الإخلال بصلاته ، أو إيجابه لأكل النجس أو شربه ، ولو حجّ مع هذا صحّ حجّه ; لأنّ ذلك في المقدّمة ، وهي المشي إلى الميقات ، كما إذا ركب دابّة غصبيّة إلى الميقات .
[3067] مسألة 70 : إذا استقرّ عليه الحجّ وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها ، ولايجوز له المشي إلى الحجّ قبلها ، ولو تركها عصى ، وأمّا حجّه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمّته لا في عين ماله ، وكذا إذا كانت في عين ماله ولكن كان ما يصرفه في مؤنته من المال الذي لايكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما ، أو كان ممّا تعلّق به الحقوق ولكن كان ثوب إحرامه  وطوافه وسعيه وثمن هديه من المال الذي ليس فيه حقّ ، بل وكذا إذا كانا ممّا تعلّق به الحقّ من الخمس والزكاة إلاّ أنّه بقي عنده مقدار ما فيه منهما ; بناءً على ما هو الأقوى  من كونهما في العين على نحو الكلّي في المعيّن لا على وجه الإشاعة .


(الصفحة254)

[3068] مسألة 71 : يجب على المستطيع الحجّ مباشرة ، فلا يكفيه حجّ غيره عنه تبرّعاً أو بالإجارة إذا كان متمكّناً من المباشرة بنفسه .
[3069] مسألة 72 : إذا استقرّ الحجّ عليه ولم يتمكّن من المباشرة لمرض لم يرج زواله ، أو حصر كذلك ، أو هرم بحيث لايقدر ، أو كان حرجاً عليه ، فالمشهور وجوب الاستنابة عليه ، بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه وهو الأقوى ، وإن كان ربما يقال بعدم الوجوب ، وذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب . وأمّا إن كان موسراً من حيث المال ولم يتمكّن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة وعدمه قولان ، لايخلو أوّلهما  عن قوّة ; لإطلاق الأخبار المشار إليها ، وهي وإن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال وعدمه لكن المنساق من بعضها ذلك ، مضافاً إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال ، والظاهر فوريّة الوجوب كما في صورة المباشرة ، ومع بقاء العذر إلى أن مات يجزئه حجّ النائب ، فلايجب القضاء عنه وإن كان مستقرّاً عليه.
وإن اتّفق ارتفاع العذر بعد ذلك فالمشهور أنّه يجب عليه مباشرة وإن كان بعد إتيان النائب ، بل ربّما يدّعى عدم الخلاف فيه ، لكن الأقوى عدم الوجوب ; لأنّ ظاهر الأخبار أنّ حجّ النائب هو الذي كان واجباً على المنوب عنه ، فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجباً عليه ، ولا دليل على وجوبه مرّة اُخرى ، بل لو قلنا باستحباب الاستنابة فالظاهر كفاية فعل النائب بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه ، ومعه لا وجه لدعوى أنّ المستحبّ لايجزئ عن الواجب ، إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحبّ نفس ما كان واجباً ، والمفروض في المقام أنّه هو ، بل يمكن أن يقال : إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب  ـ بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب ـ إنّه يجب عليه الإتمام ويكفي عن المنوب عنه ، بل يحتمل ذلك وإن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام .


(الصفحة255)

ودعوى أنّ جواز النيابة ما دامي كما ترى ، بعد كون الاستنابة بأمر الشارع ، وكون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها ، خصوصاً إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك ، ولا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض وغيره ، وبين من كان معذوراً خلقة ، والقول بعدم الوجوب في الثاني وإن قلنا بوجوبه في الأوّل ضعيف ، وهل يختصّ الحكم بحجّة الإسلام، أو يجري في الحجّ النذري والإفسادي  أيضاً؟ قولان ، والقدر المتيقّن هو الأوّل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة . وإن لم يتمكّن المعذور من الاستنابة ولو لعدم وجود النائب ، أو وجوده مع عدم رضاه إلاّ بأزيد من اُجرة المثل ولم يتمكّن من الزيادة ، أو كانت مجحفة  سقط الوجوب ، وحينئذ فيجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقرّاً عليه ، ولايجب مع عدم الاستقرار ، ولو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناءً على الوجوب ، ووجب القضاء عنه مع الاستقرار ، وهل يجب مع عدم الاستقرار أيضاً أو لا ؟ وجهان ، أقواهما نعم ، لأنّه استقرّ عليه بعد التمكّن من الاستنابة .
ولو استناب مع كون العذر مرجوّ الزوال لم يجز عن حجّة الإسلام، فيجب عليه بعد زوال العذر ، ولو استناب مع رجاء الزوال وحصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية ، وعن صاحب «المدارك» عدمها ووجوب الإعادة ; لعدم الوجوب مع عدم اليأس، فلايجزئ عن الواجب ، وهو كما ترى ، والظاهر كفاية حجّ المتبرّع  عنه في صورة وجوب الاستنابة ، وهل يكفي الاستنابة من الميقات كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ وجهان ، لايبعد الجواز حتّى إذا أمكن ذلك في مكّة مع كون الواجب عليه هو التمتّع ، ولكن الأحوط خلافه ; لأنّ القدر المتيقّن من الأخبار الاستنابة من مكانه ، كما أنّ الأحوط عدم كفاية التبرّع عنه لذلك أيضاً .
[3070] مسألة 73 : إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق، فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ، فلايجب القضاء عنه ، وإن مات

(الصفحة256)

قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى ، خلافاً لما عن الشيخ وابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضاً ، ولا دليل لهما على ذلك إلاّ إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي ، حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم : «وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجّة الإسلام» ، فإنّ مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم ، لكنّه معارض بمفهوم صدرها ، وبصحيح ضريس وصحيح زرارة ومرسل «المقنعة» ، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله : «قبل أن يحرم» قبل أن يدخل في الحرم ، كما يقال : «أنجد» أي دخل في نجد ، و«أيمن» أي دخل اليمن ، فلاينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام ، كما لايكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام ، كما إذا نسيه في الميقات ودخل الحرم ثمّ مات ; لأنّ المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام ، ولايعتبر دخول مكّة وإن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك ; لإطلاق البقيّة في كفاية دخول الحرم .
والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال ، كما إذا مات بين الإحرامين ، وقد يقال بعدم الفرق أيضاً بين كون الموت في الحلّ أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام ودخول الحرم ، وهو مشكل ; لظهور الأخبار في الموت في الحرم ، والظاهر عدم الفرق بين حجّ التمتّع والقران والإفراد ، كما أنّ الظاهر أنّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّه أيضاً ، بل لايبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حجّ القران أوالإفرادعن عمرتهماوبالعكس، لكنّه مشكل; لأنّ الحجّ والعمرة فيهما عملان مستقلاّن بخلاف حجّ التمتّع ، فإنّ العمرة فيه داخلة في الحجّ ، فهما عمل واحد.
ثمّ الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجّة الإسلام، فلايجري الحكم في حجّ النذر والإفساد  إذا مات في الأثناء ، بل لايجري في العمرة المفردة أيضاً ، وإن احتمله بعضهم .


(الصفحة257)

وهل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحجّ عليه، فيجزئه عن حجّة الإسلام إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم ، ويجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟ وجهان ، بل قولان ; من إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور ، ومن أنّه لا وجه لوجوب القضاء عمّن لم يستقرّ عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانيّة ، ولذا لايجب إذا مات في البلد قبل الذهاب ، أو إذا فقد بعض الشرائط الاُخر مع كونه موسراً ، ومن هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقرّ عليه ، وربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقرّ عليه وحمل الأمر بالقضاء على الندب ، وكلاهما مناف لإطلاقها ، مع أنّه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقرّ عليه بلا دليل ، مع أنّه مسلّم بينهم .
والأظهر الحكم بالإطلاق ، إمّا بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق ـ كما عليه جماعة ـ وإن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط ، أو الموت وهو في البلد ، وإمّا بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك، واستفادة الوجوب فيمن استقرّ عليه من الخارج ، وهذا هو الأظهر ، فالأقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقرّ عليه أيضاً ، فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين ، واستحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك .
[3071] مسألة 74 : الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع ; لأنّه مكلّف بالفروع لشمول الخطابات له أيضاً ، ولكن لايصحّ منه ما دام كافراً كسائر العبادات، وإن كان معتقداً لوجوبه وآتياً به على وجهه مع قصد القربة ; لأنّ الإسلام شرط في الصحّة ، ولو مات لايقضى عنه ; لعدم كونه أهلاً للإكرام والإبراء ، ولو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه ، وكذا لو استطاع بعد إسلامه ، ولو زالت استطاعته ثمّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى ; لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله ، كقضاء الصلوات والصيام ، حيث إنّه واجب عليه حال كفره كالأداء ، وإذا أسلم سقط عنه .


(الصفحة258)

ودعوى أنّه لايعقل الوجوب عليه ، إذ لايصحّ منه إذا أتى به وهو كافر، ويسقط عنه إذا أسلم ، مدفوعة بأنّه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمراً تهكّمياً ليعاقب لا حقيقيّاً ، لكنّه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به لا كافراً ولا مسلماً ، والأظهر أن يقال : إنّه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعاً وإن تركه فمتسكّعاً وهو ممكن في حقّه; لإمكان إسلامه وإتيانه مع الاستطاعة ولا معها إن ترك ، فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال ، ومأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها .
وكذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت، فيقال : إنّه في الوقت مكلّف بالأداء ، ومع تركه بالقضاء وهو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداءً ، ومع تركها قضاءً ، فتوجّه الأمر بالقضاء إليه إنّما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلّق .
فحاصل الإشكال أنّه إذا لم يصحّ الإتيان به حال الكفر ولايجب عليه إذا أسلم، فكيف يكون مكلّفاً بالقضاء ويعاقب على تركه؟ وحاصل الجواب أنّه يكون مكلّفاً بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلّق . ومع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء والقضاء ، فيستحقّ العقاب عليه ، وبعبارة اُخرى كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء ، وحينئذ فإذا ترك الإسلام ومات كافراً يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء ، وإذا أسلم يغفر له ، وإن خالف أيضاً واستحقّ العقاب .
[3072] مسألة 75 : لو أحرم الكافر ثمّ أسلم في الأثناء لم يكفه ، ووجب عليه الإعادة من الميقات ، ولو لم يتمكّن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه ، ولايكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلماً ; لأنّ إحرامه باطل .
[3073] مسألة 76 : المرتدّ يجب عليه الحجّ ، سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده ، ولا يصحّ منه ، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه ،

(الصفحة259)

ولايقضى عنه على الأقوى ; لعدم أهليّته للإكرام وتفريغ ذمّته ، كالكافر الأصلي ، وإن تاب وجب عليه وصحّ منه وإن كان فطريّاً على الأقوى من قبول توبته ; سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته ، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام ; لأنّها مختصّة بالكافر الأصلي بحكم التبادر ، ولو أحرم في حال ردّته ثمّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي ، ولو حجّ في حال إحرامه (إسلامه ظ) ثمّ ارتدّ لم يجب عليه الإعادة على الأقوى ، ففي خبر زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) : «من كان مؤمناً فحجّ ثمّ أصابته فتنة ثمّ تاب يحسب له كلّ عمل صالح عمله، ولايبطل منه شيء». وآية الحبط مختصّة بمن مات على كفره بقرينة الآية الاُخرى، وهي قوله تعالى : {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 2 / 217]. وهذه الآية دليل على قبول توبة المرتدّ الفطري ، فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لاوجه له .
[3074] مسألة 77 : لو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصحّ ، كما هو كذلك لو ارتدّ في أثناء الغسل ثمّ تاب ، وكذا لو ارتدّ في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمّ تاب قبل فوات الموالاة ، بل وكذا لو ارتدّ في أثناء الصلاة  ثمّ تاب قبل أن يأتي بشيء أو يفوت الموالاة على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتّصاليّة جزءاً فيها . نعم ، لو ارتدّ في أثناء الصوم بطل وإن تاب بلا فصل .
[3075] مسألة 78 : إذا حجّ المخالف ثمّ استبصر لايجب عليه الإعادة ; بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه ، وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا ; من غير فرق بين الفِرَق ; لإطلاق الأخبار ، وما دلّ على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله (عليه السلام) : «يقضي أحبّ إليّ» . وقوله (عليه السلام) : «والحجّ أحبّ إليّ» .
[3076] مسألة 79 : لايشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة ،

(الصفحة260)

ولايجوز له منعها منه ، وكذا في الحجّ الواجب بالنذر ونحوه إذا كان مضيّقاً ، وأمّا في الحجّ المندوب فيشترط إذنه ، وكذا في الواجب الموسّع قبل تضيّقه على الأقوى ، بل في حجّة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة مع وجود الرفقة الاُخرى قبل تضيّق الوقت ، والمطلّقة الرجعيّة كالزوجة في اشتراط إذن الزوج ما دامت في العدّة ، بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه ، وكذا المعتدّة للوفاة، فيجوز لها الحجّ واجباً كان أو مندوباً ، والظاهر أنّ المنقطعة كالدائمة في اشتراط الإذن ، ولا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعاً من الاستمتاع بها لمرض أو سفر أو لا .
[3077] مسألة 80 : لايشترط وجود المحرم في حجّ المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها ، كما دلّت عليه جملة من الأخبار ، ولا فرق بين كونها ذات بعل أو لا ، ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم ولو بالاُجرة مع تمكّنها منها ، ومع عدمه لاتكون مستطيعة ، وهل يجب عليها التزويج تحصيلاً للمحرم؟ وجهان . ولو كانت ذات زوج وادّعى عدم الأمن عليها وأنكرت قدّم قولها  مع عدم البيّنة أو القرائن الشاهدة ، والظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها إلاّ أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حقّ الاستمتاع له عليها ، بدعوى أنّ حجّها حينئذ مفوّت لحقّه مع عدم وجوبه عليها ، فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف ، وهل للزوج  مع هذه الحالة منعها عن الحجّ باطناً إذا أمكنه ذلك؟ وجهان في صورة عدم تحليفها ، وأمّا معه فالظاهر سقوط حقّه ، ولو حجّت بلا محرم مع عدم الأمن صحّ حجّها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام ، وإلاّ ففي الصحّة إشكال، وإن كان الأقوى الصحّة .
[3078] مسألة 81 : إذا استقرّ عليه الحجّ ; بأن استكملت الشرائط وأهمل حتّى زالت أو زال بعضها، صار ديناً عليه ووجب الإتيان به بأيّ وجه تمكّن ، وإن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة ، ويصحّ التبرّع عنه ، واختلفوا فيما به يتحقّق الاستقرار على أقوال ; فالمشهور مضيّ زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله
<<التالي الفهرس السابق>>