(الصفحة341)
[3230] مسألة 1 : يعتبر فيها القربة والخلوص كما في سائر العبادات ، فمع فقدهما أو أحدهما يبطل إحرامه .
[3231] مسألة 2: يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه، فلايكفي حصولها في الأثناء، فلو تركها وجب تجديده ، ولا وجه لما قيل : من أنّ الإحرام تروك وهي لاتفتقر إلى النيّة ، والقدر المسلّم من الإجماع على اعتبارها إنّما هو في الجملة ولو قبل التحلّل ; إذ نمنع أوّلاً كونه تروكاً ، فإنّ التلبية ولبس الثوبين من الأفعال ، وثانياً اعتبارها فيه على حدّ اعتبارها في سائر العبادات في كون اللازم تحقّقها حين الشروع فيها .
[3232] مسألة 3 : يعتبر في النيّة تعيين كون الإحرام لحجّ أو عمرة ، وأنّ الحجّ تمتّع أو قران أو إفراد ، وأنّه لنفسه أو نيابة عن غيره ، وأنّه حجّة الإسلام أو الحجّ النذري أو الندبي ، فلو نوى الإحرام من غير تعيين وأوكله إلى ما بعد ذلك بطل ، فما عن بعضهم من صحّته وأنّ له صرفه إلى أيّهما شاء من حجّ أو عمرة لا وجه له ; إذ الظاهر أنّه جزء من النسك فتجب نيّته كما في أجزاء سائر العبادات ، وليس مثل الوضوء والغسل بالنسبة إلى الصلاة . نعم ، الأقوى كفاية التعيين الإجمالي حتّى بأن ينوي الإحرام لما سيعيّنه من حجّ أو عمرة ، فإنّه نوع تعيين، وفرق بينه وبين ما لو نوى مردّداً مع إيكال التعيين إلى ما بعد .
[3233] مسألة 4 : لاتعتبر فيها نيّة الوجه من وجوب أو ندب ، إلاّ إذا توقّف التعيين عليها ، وكذا لايعتبر فيها التلفّظ ، بل ولا الإخطار بالبال ، فيكفي الداعي .
[3234] مسألة 5 : لايعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرّماته ، بل المعتبر العزم على تركها مستمرّاً ، فلو لم يعزم من الأوّل على استمرار الترك بطل . وأمّا لو عزم على ذلك ولم يستمرّ عزمه ; بأن نوى بعد تحقّق الإحرام عدمه أو إتيان شيء منها لم يبطل ، فلايعتبر فيه استدامة النيّة كما في الصوم ، والفرق أنّ التروك في الصوم معتبرة في صحّته بخلاف الإحرام، فإنّها فيه واجبات تكليفيّة .
(الصفحة342)
[3235] مسألة 6 : لو نسي ما عيّنه من حجّ أو عمرة وجب عليه التجديد ، سواء تعيّن عليه أحدهما أو لا ، وقيل : إنّه للمتعيّن منهما ، ومع عدم التعيين يكون لما يصحّ منهما ، ومع صحّتهما كما في أشهر الحجّ الأولى جعله للعمرة المتمتّع بها ، وهو مشكل ; إذ لا وجه له .
[3236] مسألة 7 : لا تكفي نيّة واحدة للحج والعمرة ، بل لابدّ لكلّ منهما من نيّته مستقلاّ ; إذ كلّ منهما يحتاج إلى إحرام مستقلّ ، فلو نوى كذلك وجب عليه تجديدها ، والقول بصرفه إلى المتعيّن منهما إذا تعيّن عليه أحدهما ، والتخيير بينهما إذا لم يتعيّن ، وصحّ منه كلّ منهما كما في أشهر الحجّ لا وجه له ، كالقول بأنّه لو كان في أشهر الحجّ بطل ولزم التجديد ، وإن كان في غيرها صحّ عمرة مفردة .
[3237] مسألة 8 : لو نوى كإحرام فلان ، فإن علم أنّه لماذا أحرم صحّ ، وإن لم يعلم فقيل بالبطلان لعدم التعيين ، وقيل بالصحّة لما عن علي (عليه السلام) ، والأقوى الصحّة ; لأنّه نوع تعيين . نعم ، لو لم يحرم فلان أو بقي على الاشتباه فالظاهر البطلان ، وقد يقال : إنّه في صورة الاشتباه يتمتّع ، ولا وجه له إلاّ إذا كان في مقام صحّ له العدول إلى التمتّع .
[3238] مسألة 9 : لو وجب عليه نوع من الحجّ أو العمرة فنوى غيره بطل .
[3239] مسألة 10 : لو نوى نوعاً ونطق بغيره كان المدار على ما نوى دون ما نطق .
[3240] مسألة 11 : لو كان في أثناء نوع وشكّ في أنّه نواه أو نوى غيره بنى على أنّه نواه .
[3241] مسألة 12 : يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفّظ بالنيّة ، والظاهر تحقّقه بأيّ لفظ كان ، والأولى أن يكون بما في صحيحة ابن عمّار ; وهو أن يقول : «اللهمّ إنّي اُريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك (صلى الله عليه وآله) ، فإن عرض لي عارض يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي
(الصفحة343)
قدّرت عليّ ، الّلهّم إن لم تكن حجّة فعمرة ، اُحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخّي وعصبي من النساء والثياب والطيب ، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة» .
[3242] مسألة 13 : يستحبّ أن يشترط ـ عند إحرامه ـ على الله أن يحلّه إذا عرض مانع من إتمام نسكه من حجّ أو عمرة ، وأن يتمّ إحرامه عمرة إذا كان للحجّ ولم يمكنه الإتيان، كما يظهر من جملة من الأخبار، واختلفوا في فائدة هذا الاشتراط، فقيل : إنّها سقوط الهدي ، وقيل : إنّها تعجيل التحلّل وعدم انتظار بلوغ الهدي محلّه ، وقيل : سقوط الحجّ من قابل ، وقيل : إنّ فائدته إدراك الثواب فهو مستحبّ تعبّدي ، وهذا هو الأظهر ، ويدلّ عليه قوله (عليه السلام)في بعض الأخبار : «هو حلّ حيث حبسه، اشترط أو لم يشترط». والظاهر عدم كفاية النيّة في حصول الاشتراط ، بل لابدّ من التلفّظ ، لكن يكفي كلّ ما أفاد هذا المعنى ، فلايعتبر فيه لفظ مخصوص، وإن كان الأولى التعيين ممّا في الأخبار .
الثاني: من واجبات الإحرام التلبيات الأربع ، والقول بوجوب الخمس أو الستّ ضعيف ، بل ادّعى جماعة الإجماع على عدم وجوب الأزيد من الأربع ، واختلفوا في صورتها على أقوال :
أحدها : أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك» .
الثاني : أن يقول بعد العبارة المذكورة : «إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» .
الثالث : أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لاشريك لك لبّيك» .
الرابع : كالثالث ، إلاّ أنّه يقول : «إنّ الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبّيك» بتقديم لفظ «والملك» على لفظ «لك». والأقوى هو القول الأوّل كما هو صريح صحيحة معاوية بن عمّار ، والزوائد مستحبّة ، والأولى التكرار بالإتيان بكلّ
(الصفحة344)
من الصور المذكورة ، بل يستحبّ أن يقول كما في صحيحة معاوية بن عمّار : «لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لاشريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبّيك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك داعياً إلى دار السلام لبّيك ، لبّيك غفّار الذنوب لبّيك ، لبّيك أهل التلبية لبّيك ، لبّيك ذا الجلال والإكرام لبّيك، لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبّيك ، لبّيك تبدأ والمعاد إليك لبّيك، لبّيك كشّاف الكرب العظام لبّيك ، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك ، لبّيك ياكريم لبّيك» .
[3243] مسألة 14 : اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على قواعد العربيّة ، فلايجزئ الملحون مع التمكّن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح ، ومع عدم تمكّنه فالأحوط الجمع بينه وبين الاستنابة ، وكذا لاتجزئ الترجمة مع التمكّن ، ومع عدمه فالأحوط الجمع بينهما وبين الاستنابة ، والأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه ، والأولى أن يجمع بينهما وبين الاستنابة ، ويلبّي عن الصبي الغير المميّز وعن المغمى عليه . وفي قوله : «إنّ الحمد» الخ ، يصحّ أن يقرأ بكسر الهمزة وفتحها ، والأولى الأوّل .
و«لبّيك» مصدر منصوب بفعل مقدّر ; أي ألبّ لك إلباباً بعد إلباب ، أو لبّاً بعد لبّ ; أي إقامة بعد إقامة ، من لبّ بالمكان أو ألبّ ; أي أقام ، والأولى كونه من لبّ ، وعلى هذا فأصله لبّين لك ، فحذف اللام وأضيف إلى الكاف ، فحذف النون ، وحاصل معناه إجابتين لك ، وربما يحتمل أن يكون من لبّ بمعنى واجه ، يقال : داري تلبّ دارك ; أي تواجهها ، فمعناه مواجهتي وقصدي لك ، وأمّا احتمال كونه من لبّ الشيء ; أي خالصه ، فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد ، كما أنّ القول بأنّه كلمة مفردة نظير «على» و«لدى» فاُضيفت إلى الكاف فقلبت ألفه ياء لا وجه له ; لأنّ «على» و«لدى» إذا اُضيفا إلى الظاهر يقال فيهما بالألف كعلى زيد ، ولدى زيد ، وليس لبّى كذلك فإنّه يقال فيه : لبّي زيد بالياء .
(الصفحة345)
[3244] مسألة 15 : لاينعقد إحرام حجّ التمتّع وإحرام عمرته ، ولا إحرام حجّ الإفراد ولا إحرام العمرة المفردة إلاّ بالتلبية ، وأمّا في حجّ القران فيتخيّر بين التلبية وبين الإشعار أو التقليد ، والإشعار مختصّ بالبدن ، والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي ، والأولى في البدن الجمع بين الإشعار والتقليد ، فينعقد إحرام حجّ القران بأحد هذه الثلاثة ، ولكن الأحوط مع اختيار الإشعار والتقليد ضمّ التلبية أيضاً . نعم ، الظاهر وجوب التلبية على القارن وإن لم يتوقّف انعقاد إحرامه عليها ، فهي واجبة عليه في نفسها ، ويستحبّ الجمع بين التلبية وأحد الأمرين ، وبأيّهما بدأ كان واجباً وكان الآخر مستحبّاً .
ثمّ إنّ الإشعار عبارة عن شقّ السنام الأيمن ; بأن يقوم الرجل من الجانب الأيسر من الهدي ويشقّ سنامه من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بدمه ، والتقليد أن يعلّق في رقبة الهدي نعلاً خَلَقاً قد صلّى فيه .
[3245] مسألة 16 : لاتجب مقارنة التلبية لنيّة الإحرام ، وإن كان أحوط ، فيجوز أن يؤخّرها عن النيّة ولبس الثوبين على الأقوى .
[3246] مسألة 17 : لاتحرم عليه محرّمات الإحرام قبل التلبية وإن دخل فيه بالنيّة ولبس الثوبين ، فلو فعل شيئاً من المحرّمات لايكون آثماً ، وليس عليه كفّارة ، وكذا في القارن إذا لم يأت بها ولا بالإشعار أو التقليد ، بل يجوز له أن يبطل الإحرام ما لم يأت بها في غير القارن، أو لم يأت بها ولا بأحد الأمرين فيه . والحاصل أنّ الشروع في الإحرام وإن كان يتحقّق بالنيّة ولبس الثوبين، إلاّ أنّه لا تحرم عليه المحرّمات ، ولايلزم البقاء عليه إلاّ بها أو بأحد الأمرين، فالتلبية وأخواها بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة .
[3247] مسألة 18 : إذا نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها، وإن لم يتمكّن أتى بها في مكان التذكّر ، والظاهر عدم وجوب الكفّارة عليه إذا كان آتياً بما
(الصفحة346)
يوجبها ; لما عرفت من عدم انعقاد الإحرام إلاّ بها .
[3248] مسألة 19 : الواجب من التلبية مرّة واحدة . نعم ، يستحبّ الإكثار بها وتكريرها ما استطاع ، خصوصاً في دبر كلّ صلاة فريضة أو نافلة ، وعند صعود شرف أو هبوط واد ، وعند المنام ، وعند اليقظة ، وعند الركوب ، وعند النزول ، وعند ملاقاة راكب ، وفي الأسحار ، وفي بعض الأخبار : «من لبّى في إحرامه سبعين مرّة إيماناً واحتساباً أشهد الله له ألف ألف ملك براءة من النار، وبراءة من النفاق». ويستحبّ الجهر بها خصوصاً في المواضع المذكورة للرجال دون النساء ، ففي المرسل : «أنّ التلبية شعار المحرم ، فارفع صوتك بالتلبية» وفي المرفوعة : لمّا أحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال : «مر أصحابك بالعجّ والثجّ» ، فالعجّ رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ نحر البدن .
[3249] مسألة 20 : ذكر جماعة أنّ الأفضل لمن حجّ على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقاً كما قاله بعضهم ، أو في خصوص الراكب كما قيل ، ولمن حجّ على طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلاً ، ولمن حجّ من مكّة تأخيرها إلى الرقطاء كما قيل ، أو إلى أن يشرف على الأبطح ، لكن الظاهر ـ بعد عدم الإشكال في عدم وجوب مقارنتها للنيّة ولبس الثوبين ـ استحباب التعجيل بها مطلقاً ، وكون أفضليّة التأخير بالنسبة إلى الجهر بها ، فالأفضل أن يأتي بها حين النيّة ولبس الثوبين سرّاً ، ويؤخّر الجهر بها إلى المواضع المذكورة . والبيداء : أرض مخصوصة بين مكّة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكّة . والأبطح : مسيل وادي مكّة ، وهو مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، أوّله عند منقطع الشعب بين وادي منى ، وآخره متّصل بالمقبرة التي تسمّى بالمعلّى عند أهل مكّة ، والرَقطاء : موضع دون الردم يسمّى مَدعى ، ومدعى الأقوام مجتمع قبائلهم ، والردم حاجز يمنع السيل عن البيت ، ويعبّر عنه بالمدعى .
(الصفحة347)
[3250] مسألة 21 : المعتمر عمرة التمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة في الزمن القديم ، وحدّها لمن جاء على طريق المدينة عقبة المدنيّين ، وهو مكان معروف ، والمعتمر عمرة مفردة عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم ، وعند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من مكّة لإحرامها ، والحاجّ ـ بأيّ نوع من الحجّ ـ يقطعها عند الزوال من يوم عرفة ، وظاهرهم أنّ القطع في الموارد المذكورة على سبيل الوجوب، وهو الأحوط ، وقد يقال : بكونه مستحبّاً .
[3251] مسألة 22 : الظاهر أنّه لايلزم في تكرار التلبية أن يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام ، بل ولا بإحدى الصور المذكورة في الأخبار ، بل يكفي أن يقول : «لبّيك اللهمّ لبّيك». بل لايبعد كفاية تكرار لفظ «لبّيك» .
[3252] مسألة 23 : إذا شكّ بعد الإتيان بالتلبية أنّه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحّة .
[3253] مسألة 24 : إذا أتى بالنيّة ولبس الثوبين وشكّ في أنّه أتى بالتلبية أيضاً حتّى يجب عليه ترك المحرّمات أو لا ، يبني على عدم الإتيان لها ، فيجوز له فعلها ولا كفّارة عليه .
[3254] مسألة 25 : إذا أتى بما يوجب الكفّارة وشكّ في أنّه كان بعد التلبية حتّى تجب عليه أو قبلها ، فإن كانا مجهولي التاريخ أو كان تاريخ التلبية مجهولاً لم تجب عليه الكفّارة ، وإن كان تاريخ إتيان الموجب مجهولاً فيحتمل أن يقال بوجوبها ; لأصالة التأخّر ، لكن الأقوى عدمه ; لأنّ الأصل لايثبت كونه بعد التلبية .
الثالث : من واجبات الإحرام لبس الثوبين بعد التجرّد عمّا يجب على المحرم اجتنابه ، يتّزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ، والأقوى عدم كون لبسهما شرطاً في تحقّق الإحرام ، بل كونه واجباً تعبّديّاً ، والظاهر عدم اعتبار كيفيّة مخصوصة في لبسهما ، فيجوز الاتّزار بأحدهما كيف شاء ، والارتداء بالآخر أو التوشّح به أو غير
(الصفحة348)
ذلك من الهيئات ، لكن الأحوط لبسهما على الطريق المألوف ، وكذا الأحوط عدم عقد الإزار في عنقه ، بل عدم عقده مطلقاً ولو بعضه ببعض ، وعدم غرزه بإبرة ونحوها ، وكذا في الرداء الأحوط عدم عقده ، لكن الأقوى جواز ذلك كلّه في كلّ منهما ما لم يخرج عن كونه رداءً أو إزاراً .
ويكفي فيهما المسمّى ، وإن كان الأولى بل الأحوط أيضاً كون الإزار ممّا يستر السرّة والركبة ، والرداء ممّا يستر المنكبين ، والأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتّزر ببعضه ويرتدي بالباقي إلاّ في حال الضرورة ، والأحوط كون اللبس قبل النيّة والتلبية ، فلو قدّمهما عليه أعادهما بعده ، والأحوط ملاحظة النيّة في اللبس ، وأمّا التجرّد فلايعتبر فيه النيّة ، وإن كان الأحوط والأولى اعتبارها فيه أيضاً .
[3255] مسألة 26 : لو أحرم في قميص عالماً عامداً أعاد ، لا لشرطيّة لبس الثوبين ; لمنعها كما عرفت ، بل لأنّه مناف للنيّة ، حيث إنّه يعتبر فيها العزم على ترك المحرّمات التي منها لبس المخيط ، وعلى هذا فلو لبسهما فوق القميص أو تحته كان الأمر كذلك أيضاً ; لأنّه مثله في المنافاة للنيّة ، إلاّ أن يمنع كون الإحرام هو العزم على ترك المحرّمات ، بل هو البناء على تحريمها على نفسه ، فلا تجب الإعادة حينئذ . هذا ، ولو أحرم في القميص جاهلاً ، بل أو ناسياً أيضاً نزعه وصحّ إحرامه ، أمّا إذا لبسه بعد الإحرام فاللازم شقّه وإخراجه من تحت ، والفرق بين الصورتين من حيث النزع والشقّ تعبّد ، لا لكون الإحرام باطلاً في الصورة الاُولى كما قد قيل .
[3256] مسألة 27 : لايجب استدامة لبس الثوبين ، بل يجوز تبديلهما ونزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير ، بل الظاهر جواز التجرّد منهما مع الأمن من الناظر ، أو كون العورة مستورة بشيء آخر .
[3257] مسألة 28 : لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام وفي الأثناء للاتّقاء عن البرد والحرّ ، بل ولو اختياراً .
(الصفحة349)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحجّ من تحرير الوسيلة
لسماحة آية الله العظمى الإمام الخميني قدّس سرّه الشريف
مع تعليقات سماحة آيةاللهالعظمى الشيخ محمّدالفاضل اللنكراني(مدّظلّه العالي)
وهو من أركان الدين، وتركه من الكبائر، وهو واجب على كلّ من استجمع
الشرائط الآتية.
مسألة 3257 : لا يجب الحجّ طول العمر في أصل الشرع إلاّ مرّة واحدة، ووجوبه
مع تحقّق شرائطه فوريّ، بمعنى وجوب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة،
ولا يجوز تأخيره، وإن تركه فيه ففي الثاني وهكذا.
مسألة 3258 : لو توقّف إدراكه على مقدّمات بعد حصول الاستطاعة من السفر
وتهيئة أسبابه وجب تحصيلها على وجه يدركه في ذلك العام، ولو تعدّدت الرفقة
وتمكّن من المسير بنحو يدركه مع كلّ منهم فهو بالتخيير، والأولى اختيار أوثقهم
سلامة وإدراكاً، ولو وجدت واحدة(1) ولم يكن له محذور في الخروج معها
(1) أي بالفعل فلا ينافي التعدّد، كما يظهر من استثناء صورة الوثوق به.
(الصفحة350)
لايجوز(1) التأخير إلاّ مع الوثوق بحصول أُخرى.
مسألة 3259 : لو لم يخرج مع الأُولى مع تعدّد الرفقة في المسألة السابقة أو مع
وحدتها، واتّفق عدم التمكّن من المسير أو عدم إدراك الحج بسبب التأخير،
استقرّ(2) عليه الحج وإن لم يكن آثماً. نعم، لو تبيّن عدم إدراكه لو سار معهم أيضاً لم
يستقر، بل وكذا لو لم يتبيّن إدراكه لم يحكم بالاستقرار.
القول في شرائط وجوب حجّة الإسلام
وهي أُمور:
أحدها: الكمال بالبلوغ والعقل، فلا يجب على الصبي وإن كان مراهقاً، ولا
على المجنون وإن كان أدواريّاً; إن لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال مع مقدّماتها
الغير الحاصلة، ولو حجّ الصبي المميّز صحّ لكن لم يجزئ عن حجّة الإسلام، وإن
كان واجداً لجميع الشرائط عدا البلوغ، والأقوى عدم اشتراط صحّة حجّه بإذن
الولي، وإن وجب الاستئذان في بعض الصور.
مسألة 1 : يستحبّ للولي أن يحرم بالصبي غيرالمميّز، فيجعله محرماً ويلبسه
ثوبي الإحرام، وينوي عنه، ويلقّنه التلبية إن أمكن، وإلاّ يلبّي عنه ويجنّبه عن
محرّمات الإحرام، ويأمره بكلّ من أفعاله، وإن لم يتمكّن شيئاً منها ينوب عنه،
ويطوف به(3)، ويسعى به، ويقف به في عرفات ومشعر ومنى، ويأمره بالرمي، ولو
لم يتمكّن يرمي عنه، ويأمره بالوضوء وصلاة الطواف، وإن لم يقدر يصلّي عنه،
(1) لكن لا بنحو يترتّب عليه استحقاق العقوبة على نفس التأخير.
(2) في الاستقرار إشكال، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
(3) بعد أن يتوضّأ هو والطفل، أو يوضّأه احتياطاً.
(الصفحة351)
وإن كان الأحوط إتيان الطفل صورة الوضوء والصلاة أيضاً، وأحوط منه توضّؤه
لو لم يتمكّن من إتيان صورته.
مسألة 2 : لا يلزم أن يكون الولي محرماً في الإحرام بالصبي، بل يجوز ذلك
وإن كان مُحلاًّ.
مسألة 3 : الأحوط أن يقتصر في الإحرام بغير المميّز على الولي الشرعي;
من الأب والجدّ والوصي لأحدهما والحاكم وأمينه أوالوكيل منهم والأُمّ، وإن
لمتكن ولياً، والإسراء إلىغيرالولي الشرعي ممّن يتولّى أمر الصبي ويتكفّله
مشكل، وإن لا يخلو من قرب(1).
مسألة 4 : النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي إلاّ إذا
كان حفظه موقوفاً على السفر به(2)، فمؤنة أصل السفر حينئذ على الطفل، لا مؤنة
الحجّ به لو كانت زائدة.
مسألة 5 : الهدي على الولي، وكذا كفّارة الصيد، وكذا سائر الكفّارات على
الأحوط.
مسألة 6 : لو حجّ الصبي المميّز وأدرك المشعر بالغاً، والمجنون وعقل قبل
المشعر، يُجزئهما عن حجّة الإسلام على الأقوى، وإن كان الأحوط الإعادة بعد
ذلك مع الاستطاعة.
مسألة 7 : لو مشى الصبي إلى الحجّ فبلغ قبل أن يحرم من الميقات وكان
مستطيعاً ولو من ذلك الموضع فحجّه حَجة الإسلام.
مسألة 8 : لو حجّ ندباً باعتقاد أنـّه غير بالغ فبان بعد الحج خلافه، أو
(1) بل في غاية البعد.
(2) أو كان السفر مصلحة له.
(الصفحة352)
باعتقاد عدم الاستطاعة فبان خلافه، لا يجزئ عن حجّةالإسلام على الأقوى، إلاّ
إذا أمكن الاشتباه في التطبيق.
ثانيها: الحرّية.
ثالثها: الاستطاعة من حيث المال، وصحّة البدن وقوّته، وتخلية السرب
وسلامته، وسعة الوقت وكفايته.
مسألة 9 : لا تكفي القدرة العقلية في وجوبه، بل يشترط فيه الاستطاعة
الشرعيّة; وهي الزاد والراحلة وسائر ما يعتبر فيها، ومع فقدها لا يجب ولا يكفي
عن حجّة الإسلام، من غير فرق بين القادر عليه بالمشي مع الاكتساب بين
الطريق، وغيره، كان ذلك مخالفاً لزيّه وشرفه أم لا، ومن غير فرق بين القريب(1)
والبعيد.
مسألة 10: لا يشترط وجود الزاد والراحلة عنده عيناً، بل يكفي وجود ما
يمكن صرفه في تحصيلهما من المال، نقداً كان أو غيره من العروض.
مسألة 11 : المراد من الزاد والراحلة ما هو المحتاج إليه في السفر بحسب حاله
قوّةً وضعفاً وشرفاً وضعةً، ولا يكفي ما هو دون ذلك، وكلّ ذلك موكول إلى
العرف، ولو تكلّف بالحج مع عدم ذلك لايكفي عن حجّةالإسلام، كما أنـّه لو كان
كسوباً قادراً على تحصيلهما في الطريق لا يجب ولا يكفي عنها.
مسألة 12 : لا يعتبر الاستطاعة من بلده ووطنه، فلو استطاع العراقيّ أو
الإيراني وهو في الشام أو الحجاز وجب، وإن لم يستطع من وطنه، بل لو مشى إلى
قبل الميقات متسكّعاً أو لحاجة، وكان هناك جامعاً لشرائط الحج وجب، ويكفي
عن حجّةالإسلام، بل لو أحرم متسكّعاً فاستطاع وكان أمامه ميقات آخر يمكن
(1) اعتبار الراحلة في القريب محل إشكال، بل عدمه لا يخلو عن قوّة.
(الصفحة353)
القول(1) بوجوبه، وإن لا يخلو من إشكال.
مسألة 13 : لو وجد مركب كسيّارة أو طائرة ولم يوجد شريك للركوب، فإن لم
يتمكّن من أُجرته لم يجب عليه، وإلاّ وجب، إلاّ أن يكون حرجيّاً عليه، وكذا
الحال في غلاء الأسعار في تلك السّنة، أو عدم وجود الزاد والراحلة إلاّ بالزيادة
عن ثمن المثل، أو توقّف السير على بيع أملاكه بأقلّ منه.
مسألة 14 : يعتبر في وجوب الحج وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده، أو إلى
ما أراد التوقف فيه بشرط أن لا تكون نفقة العود إليه أزيد من العود إلى وطنه، إلاّ
إذا ألجأته الضرورة إلى السكنى فيه(2).
مسألة 15 : يعتبر في وجوبه وجدان نفقة الذهاب والإياب زائداً عمّا يحتاج
إليه في ضروريّات معاشه، فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله، ولا ثياب تجمّله،
ولاأثاث بيته، ولا آلات صناعته، ولا فرس ركوبه، أو سيّارة ركوبه، ولا سائر
ما يحتاج إليه بحسب حاله وزيّه وشرفه، بل ولا كتبه العلمية المحتاج إليها في
تحصيل العلم(3)، سواء كانت من العلوم الدينية أو من العلوم المباحة المحتاج إليها في
معاشه وغيره، ولايعتبر في شيء منها الحاجة الفعلية، ولو فرض وجود المذكورات
أو شيء منها بيده(4) من غير طريق الملك ـ كالوقف ونحوهـ وجب(5) بيعها للحج
بشرط كون ذلك غير مناف لشأنه، ولم تكن المذكورات في معرض الزوال.
(1) ولكن هذا القول ضعيف، وعلى تقديره لافرق بين ما إذا كان أمامه ميقات آخر وما إذا لم يكن.
(2) بل إلى العود إليه للسكنى، لا مجرّد السكنى فيه.
(3) أو العمل.
(4) أو أمكنه تحصيلها.
(5) بمعنى صيرورته مستطيعاً، لا وجوب البيع بنفسه.
(الصفحة354)
مسألة 16: لو لم يكن المذكورات زائدة على شأنه عيناً لا قيمة يجب تبديلها
وصرف قيمتها في مؤنة الحج أو تتميمها، بشرط عدم كونه حرجاً ونقصاً ومهانةً
عليه، وكانت الزيادة بمقدار المؤنة أو متمّمة لها ولو كانت قليلة.
مسألة 17 : لو لم يكن عنده من أعيان ما يحتاج إليه في ضروريّات معاشه
وتكسّبه، وكان عنده من النقود ونحوها مايمكن شراؤها يجوز صرفها في ذلك، من
غير فرق بين كون النقد عنده ابتداءً أو بالبيع بقصد التبديل أو لا بقصده، بل لو
صرفها في الحج ففي كفاية حجّه عن حجّةالإسلام إشكال، بل منع. ولو كان عنده
ما يكفيه للحجّ ونازعته نفسه للنكاح جاز صرفه فيه، بشرط كونه ضروريّاً
بالنسبة إليه، إمّا لكون تركه مشقّة عليه أو موجباً لضرر أو موجباً(1) للخوف في
وقوع الحرام، أو كان تركه نقصاً ومهانة عليه. ولو كانت عنده زوجة ولا يحتاج
إليها وأمكنه طلاقها وصرف نفقتها في الحج لا يجب ولا يستطيع.
مسألة 18 : لو لم يكن عنده ما يحجّ به، ولكن كان له دين على شخص بمقدار
مؤنته أو تتميمها يجب اقتضاؤه إن كان حالاًّ، ولو بالرجوع إلى حاكم الجور مع
فقد حاكم الشرع أو عدم بسط يده. نعم، لو كان الاقتضاء حرجيّاً أو المديون
معسراً لم يجب(2)، وكذا لو لم يمكن إثبات الدين. ولو كان مؤجّلا والمديون باذلا
يجب أخذه وصرفه فيه، ولا يجب في هذه الصورة مطالبته، وإن علم(3) بأدائه لو
طالبه. ولو كان غير مستطيع وأمكنه الاقتراض للحج والأداء بعده بسهولة لم يجب
ولا يكفي(4) عن حجّةالإسلام، وكذا لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج
(1) جواز الصرف في النكاح في هذا الفرض محلّ إشكال.
(2) إلاّ إذا أمكن بيعه بأقلّ نقداً وكان الأقلّ كافياً.
(3) عدم الوجوب في صورة العلم محل إشكال بل منع.
(4) يجري فيهالتفصيل الآتيفيالدين،فلاوجهللحكم بعدمالكفاية بنحوالإطلاق.
(الصفحة355)
فعلا، أو مال حاضر كذلك، أو دين مؤجّل لا يبذله المديون قبل أجله، لا يجب
الاستقراض والصرف في الحج، بل كفايته على فرضه عن حجّة الإسلام مشكل،
بل ممنوع(1).
مسألة 19 : لوكان عنده ما يكفيه للحج وكان عليه دين، فإن كان مؤجّلاً وكان
مطمئنّاً بتمكّنه من أدائه زمان حلوله مع صرف ما عنده وجب، بل لا يبعد وجوبه
مع التعجيل ورضا دائنه بالتأخير مع الوثوق بإمكان الأداء عند المطالبة، وفي غير
هاتين الصورتين لا يجب(2). ولا فرق في الدين بين حصوله قبل الاستطاعة أو
بعدها، بأن تلف مال الغير على وجه الضمان عنده بعدها. وإن كان عليه(3) خمس أو
زكاة وكان عنده مايكفيه للحج لولا هما فحالهما حال الدين مع المطالبة، فلا
يكون(4) مستطيعاً، والدين المؤجّل بأجل طويل جدّاً كخمسين سنة، وما هو مبنيّ
على المسامحة وعدم الأخذ رأساً، وما هو مبنيّ على الإبراء مع الاطمئنان بذلك، لم
يمنع(5) عن الاستطاعة.
مسألة 20: لو شك في أنّ ماله وصل إلى حدّ الاستطاعة، أو علم مقداره وشك
في مقدار مصرف الحج وأنّه يكفيه، يجب عليه الفحص على الأحوط.
مسألة 21 : لو كان مابيده بمقدار الحج وله مال لو كان باقياً يكفيه في رواج
(1) قد مرّ الإشكال في إطلاقه في الحاشية السابقة.
(2) بل يجب تخييراً.
(3) أي كان على ذمّته، وأمّا لو كان متعلّقاً بالعين فلا إشكال في تقدّمه على الحج، وكذا على سائر الديون، وهكذا في الزكاة.
(4) بناءً على تقدّم الدّين، وكون الوجه فيه هو عدم الاستطاعة.
(5) بل يمنع في بعض الصور، وعلى مبنى التزاحم كما هو الحقّ يقع التزاحم في ذلك البعض أيضاً.
(الصفحة356)
أمره بعد العود وشك في بقائه، فالظاهر وجوب الحج، كان المال حاضراً عنده أو
غائباً.
مسألة 22 : لوكان عنده ما يكفيه للحجّ، فإن لم يتمكّن من المسير لأجل عدم
الصحّة في البدن، أو عدم تخلية السرب فالأقوى جواز التصرّف فيه بما يخرجه عن
الاستطاعة، وإن كان لأجل عدم تهيئة الأسباب أو فقدان الرفقة فلا يجوز، مع
إحتمال الحصول فضلاً عن العلم به، وكذا(1) لا يجوز التصرّف قبل مجيء وقت
الحج، فلو تصرّف استقرّ عليه لو فرض رفع العذر فيما بعد في الفرض الأوّل، وبقاء
الشرائط في الثاني، والظاهر جواز التصرّف لو لم يتمكّن في هذا العام، وإن علم
بتمكّنه في العام القابل فلا يجب إبقاء المال إلى السنين القابلة.
مسألة 23: إن كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو مع غيره، وتمكّن
من التصرّف فيه ولو بالتوكيل يكون مستطيعاً وإلاّ فلا، فلو تلف في الصورة الأُولى
بعد مضيّ الموسم، أو كان التلف بتقصير منه ولو قبل أوان خروج الرفقة استقرّ
عليه الحج على الأقوى، وكذا الحال لو مات مورِّثه وهو في بلد آخر.
مسألة 24: لو وصل ماله بقدر الاستطاعة وكان جاهلاً به، أو غافلا عن
وجوب الحج عليه، ثمّ تذكّر بعد تلفه بتقصير منه ولو قبل أوان خروج الرفقة، أو
تلف ولو بلا تقصير منه بعد مضيّ الموسم، استقرّ عليه مع حصول سائر الشرائط
حال وجوده.
مسألة 25: لو اعتقد أنـّه غير مستطيع فحجّ ندباً، فإن أمكن فيه الاشتباه في
التطبيق صحّ وأجزأ عن حجّة الإسلام، لكن حصوله مع العلم والالتفات بالحكم
والموضوع مشكل، وإن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد لم يجزئ عنه، وفي
(1) لم يعلم المراد من هذا الفرض.
(الصفحة357)
صحّة حجّه تأمّل، وكذا لو علم باستطاعته ثمّ غفل عنها، ولو تخيّل عدم فوريّته
فقصد الندب لا يجزئ، وفي صحّته تأمّل.
مسألة 26 : لايكفي(1) في وجوب الحج الملك المتزلزل، كما لو صالحه شخص
بشرط الخيار إلى مدّة معيّنة إلاّ إذا كان واثقاً بعدم فسخه، لكن لو فرض فسخه
يكشف عن عدم استطاعته.
مسألة 27: لو تلفت بعد تمام الأعمال مؤنة عوده إلى وطنه، أو تلف ما به
الكفاية من ماله في وطنه، بناءً على اعتبار الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة لا
يجزئه(2) عن حجّة الإسلام، فضلاً عمّا لو تلف قبل تمامها، سيّما إذا لم يكن له مؤنة
الإتمام.
مسألة 28 : لو حصلت الاستطاعة بالإباحة اللازمة وجب الحج، ولو أوصي
له بما يكفيه له فلا يجب عليه بمجرّد موت الموصي، كما لا يجب عليه القبول.
مسألة 29 : لو نذر قبل حصول الاستطاعة زيارة أبي عبدالله الحسين(عليه السلام)مثلاً
في كلّ عرفة، فاستطاع يجب عليه الحج بلا إشكال، وكذا الحال لو نذر أو عاهد
مثلا بما يضادّ الحج، ولو زاحم الحج واجب، أو استلزمه فعل حرام يلاحظ الأهمّ
عند الشارع الأقدس.
مسألة 30 : لو لم يكن له زاد و راحلة ولكن قيل له: حجّ وعليّ نفقتك ونفقة
عيالك، أو قال: حجّ بهذا المال، وكان كافياً لذهابه و إيابه ولعياله(3) وجب عليه،
من غير فرق بين تمليكه للحجّ أو إباحته له، ولا بين بذل العين أو الثمن، ولابين
(1) الظاهر هو الكفاية ولايعتبر الوثوق.
(2) محل إشكال.
(3) اعتبار نفقة العيال محلّ إشكال.
(الصفحة358)
وجوب البذل وعدمه، ولا بين كون الباذل واحداً أو متعدّداً. نعم، يعتبر الوثوق(1)
بعدم رجوع الباذل، ولو كان عنده بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضاً، ولو لم
يبذل تمام النفقة أو نفقة عياله لم يجب، ولا يمنع الدين(2) من وجوبه، ولو كان حالاًّ
والدائن مطالباً وهو متمكّن من أدائه لو لم يحج ففي كونه مانعاً وجهان(3)، ولا
يشترط الرجوع إلى الكفاية فيه. نعم، يعتبر أن لا يكون الحج موجباً لاختلال
أُمور معاشه فيما يأتي لأجل غيبته.
مسألة 31 : لو وهبه ما يكفيه للحج لأن يحجّ وجب عليه القبول على الأقوى،
وكذا لو وهبه وخيّره بين أن يحجّ أو لا. وأمّا لو لم يذكر الحج بوجه فالظاهر عدم
وجوبه. ولو وقف شخص لمن يحجّ، أو أوصى، أو نذر كذلك، فبذل المتصدّي
الشرعي وجب. وكذا لو أوصى له بما يكفيه بشرط أن يحجّ فيجب بعد موته. ولو
أعطاه خمساً أو زكاة وشرط عليه الحج لغى الشرط ولم يجب. نعم، لو أعطاه من
سهم سبيل الله ليحجّ لا يجوز(4) صرفه في غيره، ولكن لايجب عليه القبول،
ولايكون من الاستطاعة المالية ولا البذلية، ولو استطاع بعد ذلك وجب عليه
الحج.
مسألة 32 : يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام، وكذا بعده
(1) اعتبار الوثوق محلّ إشكال، سواء أُريد به الاعتبار بالإضافة إلى الحكم الواقعي، أو أُريد به الحكم الظاهري.
(2) فيما إذا كان المبذول تمام النفقة، وأمّا إذا كان البعض فيجري في غير المبذول حكم الدين المذكور في الاستطاعة المالية.
(3) ويجري ذلك فيما إذا كان الدين مؤجّلاً، ولكن كان البقاء في المحلّ موجباً للتمكّن من أدائه، ولو تدريجاً.
(4) أي إذا قبل، وفي ترتيب العبارة مسامحة واضحة.
(الصفحة359)
على الأقوى، ولو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم سائر الهبات عليه، ولو
رجع عنه في أثناء الطريق فلا يبعد أن يجب عليه نفقة عوده، ولو رجع بعد الإحرام
فلا يبعد(1) وجوب بذل نفقة(2) إتمام الحج عليه.
مسألة 33 : الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل(3)، وأمّا الكفّارات فليست على
الباذل، وإن أتى بموجبها اضطراراً أو جهلاً أو نسياناً، بل على نفسه.
مسألة 34 : الحج البذليّ مجزئ عن حجّة الإسلام، سواء بذل تمام النفقة أو
متمّمها(4)، ولو رجع عن بذله في الأثناء وكان في ذلك المكان متمكِّناً من الحج من
ماله وجب(5) عليه، ويجزئه عن حجّة الإسلام إن كان واجداً لسائر الشرائط قبل
إحرامه، وإلاّ فإجزاؤه محلّ إشكال.
مسألة 35 : لو عيّن مقداراً ليحجّ به واعتقد كفايته فبان عدمها فالظاهر عدم
وجوب الإتمام عليه، سواء جاز الرجوع له أم لا. ولو بذل مالاً ليحجّ به فبان بعد
الحج أنـّه كان مغصوباً فالأقوى عدم كفايته عن حجّة الإسلام. وكذا لو قال:
«حَجِّ وعليّ نفقتك» فبذل مغصوباً.
مسألة 36: لو قال: «اقترض وحجِّ وعليّ دينك» ففي وجوبه عليه نظر. ولو
(1) على تقدير وجوب الإتمام وهو محل تأمّل.
(2) وكذا نفقة العود.
(3) أي ضمانه عليه بناءً على وجوب الإتمام وكون نفقته على الباذل فيما إذا كان رجوعه بعد الإحرام، كما مرّ في المسألة السابقة، أو يجب عليه مطلقاً إذا كان البذل واجباً بالنذر أو شبهه، أو إذا قال في مقام البذل «حجِّ و عليّ نفقتك» لا ما إذا قال: «حجِّ بهذا المال».
(4) بشرط أن يكون المتمم (بالفتح) واجداً لخصوصية الاستطاعة المالية; وهي أن يكون زائداً على مايحتاج إليه في معاشه من الدار والثياب ونحوهما.
(5) وكذا إذا لم يكن متمكّناً من ماله. ولكن قيل بوجوب الإتمام عليه، وثبوت نفقته على الباذل، وتحقّق الإنفاق خارجاً، ولا يعتبر في هذا الفرض وجود سائر الشرائط.
(الصفحة360)
قال: «إقترض لي وحَجِّ به» وجب مع وجود المقرض كذلك.
مسألة 37 : لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأُجرة يصير بها مستطيعاً
وجب عليه الحج. ولو طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير مستطيعاً لايجب
عليه القبول. ولو آجر نفسه للنيابة عن الغير فصار مستطيعاً بمال الإجارة قدّم
الحجّ النيابي إن كان الاستئجار للسنة الأُولى، فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل
وجب عليه الحج لنفسه. ولو حجّ بالإجارة، أو عن نفسه أو غيره تبرّعاً مع عدم
كونه مستطيعاً لا يكفيه عن حجّة الإسلام.
مسألة 38 : يشترط في الاستطاعة وجود ما يموّن به عياله حتى يرجع، والمراد
بهم من يلزمه نفقته لزوماً عرفياً، وإن لم يكن واجب النفقة شرعاً على الأقوى.
مسألة 39 : الأقوى اعتبار الرجوع إلى الكفاية; من تجارة، أو زراعة، أو
صنعة، أو منفعة ملك; كبستان ودكّان ونحوهما، بحيث لايحتاج إلى التكفّف،
ولايقع في الشدّة والحرج، ويكفي كونه قادراً على التكسّب اللائق بحاله أو
التجارة باعتباره ووجاهته، ولايكفي(1) أن يمضي أمره بمثل الزكاة والخمس، وكذا
من الاستعطاء، كالفقير الّذي من عادته ذلك ولم يقدر على التكسّب، وكذا من
لايتفاوت حاله قبل الحج وبعده على الأقوى، فإذا كان لهم مؤنة الذهاب والإياب
ومؤنة عيالهم لم يكونوا مستطيعين، ولم يجزئ حجّهم عن حجّة الإسلام.
مسألة 40 : لايجوز لكلّ من الولد والوالد أن يأخذ من مال الآخر ويحجّ به،
ولا يجب على واحد منهما البذل له، ولايجب عليه الحج، وإن كان فقيراً وكانت
نفقته على الآخر ولم يكن نفقة السفر أزيد من الحضر على الأقوى.
مسألة 41 : لو حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحجّ من ماله، فلو حجّ متسكّعاً
(1) الظاهر هو الكفاية في الفروض الثلاثة.
|