(الصفحة601)
أن يكون بين أزيد من ذلك; كأن يكون بعض البذر من واحد وبعضه الآخر من آخر ، وهكذا بالنسبة إلى العمل والعوامل ; لصدق المزارعة وشمول الإطلاقات ، بل يكفي العمومات العامّة ، فلا وجه لما في «المسالك» من تقوية عدم الصحّة بدعوى أنّها على خلاف الأصل، فتتوقّف على التوقيف من الشارع ولم يثبت عنه ذلك . ودعوى أنّ العقد لابدّ أن يكون بين طرفين موجب وقابل ، فلايجوز تركّبه من ثلاثة أو أزيد على وجه تكون أركاناً له ، مدفوعة بالمنع ، فإنّه أوّل الدعوى .
[3505] مسألة 13 : يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعته أو يزارعه في حصّته ، من غير فرق بين أن يكون البذر منه أو من المالك، ولايشترط فيه إذنه . نعم ، لايجوز تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلاّ بإذنه وإلاّ كان ضامناً ، كما هو كذلك في الإجارة أيضاً ، والظاهر(1) جواز نقل مزارعته إلى الغير بحيث يكون كأنّه هو الطرف للمالك بصلح ونحوه بعوض ولو من خارج أو بلا عوض ، كما يجوز نقل حصّته إلى الغير ، سواء كان ذلك قبل(2) ظهور الحاصل أو بعده ، كلّ ذلك لأنّ عقد
(1) إن كان المراد من نقل مزارعته إلى الغير هو إيقاع عقد مزارعة آخر معه يكون العامل فيه بمنزلة المالك في الأوّل. غاية الأمر أنّ الفرق بينه وبين الفرض المتقدّم أنّه هناك يكون العامل الثاني طرفاً للعامل الأوّل، وهنا يكون كأنّه الطرف للمالك، فالظاهر عدم الجواز; لافتقار ذلك إلى فسخ المزارعة الأولى وإيجاد مزارعة جديدة، ومع فرض الفسخ يكون العامل الأوّل أجنبيّاً محضاً. وإن كان المراد نقل حصّته وسهمه إلى الغير بصلح ونحوه بعوض أو بدونه، فهو وإن كان جائزاً إلاّ أنّه لا يصير العامل الثاني بذلك كأنّه هو الطرف للمالك، بل الطرف له هو الأوّل، ويجب عليه القيام بأمر الزراعة ولو من دون مباشرة، مضافاً إلى أنّه لا يبقى الفرق حينئذ بين هذا الفرض والفرض الآتي.
(2) في صحّة نقل الحصّة قبل ظهور الحاصل إشكال، والتعليل بأنّ عقد المزارعة موجب لنقل منفعة الأرض ـ نصفاً أو مثله ـ عليل، فإنّه لا يقتضي أزيد من ثبوت حقّ الانتفاع بالزرع من الأرض، وليست المزارعة كإجارة الأرض، كماسيأتي في المسألة الخامسة عشرة.
(الصفحة602)
المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض نصفاً أو ثلثاً أو نحوهما إلى العامل ، فله نقلها إلى الغير بمقتضى قاعدة السلطنة . ولافرق فيما ذكرنا بين أن يكون المالك شرط عليه مباشرة العمل بنفسه أو لا ، إذ لا منافاة بين صحّة المذكورات وبين مباشرته للعمل ، إذ لايلزم في صحّة المزارعة مباشرة العمل ، فيصحّ أن يشارك أو يزارع غيره ويكون هو المباشر دون ذلك الغير .
[3506] مسألة 14 : إذا تبيّن بطلان العقد، فإمّا أن يكون قبل الشروع في العمل أو بعده وقبل الزرع ; بمعنى نثر الحبّ في الأرض أو بعده وقبل حصول الحاصل ، أو بعده ، فإن كان قبل الشروع فلا بحث ولا إشكال ، وإن كان بعده وقبل الزرع ; بمعنى الإتيان بالمقدّمات من حفر النهر وكري الأرض وشراء الآلات ونحو ذلك فكذلك . نعم ، لو حصل وصف في الأرض يقابل بالعوض ـ من جهة كريها أو حفر النهر لها أو إزالة الموانع عنها ـ كان للعامل(1) قيمة ذلك الوصف ، وإن لم يكن كذلك وكان العمل لغواً فلا شيء له ، كما أنّ الآلات لمن أعطى ثمنها ، وإن كان بعد الزرع كان الزرع لصاحب البذر ، فإن كان للمالك كان الزرع له ، وعليه للعامل اُجرة عمله وعوامله(2) ، وإن كان للعامل كان له وعليه اُجرة الأرض للمالك ، وإن كان منهما كان لهما على النسبة نصفاً أو ثلثاً، ولكلّ منهما على الآخر اُجرة مثل ما يخصّه من تلك النسبة ، وإن كان من ثالث فالزرع له، وعليه للمالك اُجرة الأرض وللعامل اُجرة عمله وعوامله ، ولايجب على المالك إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل إن كان التبيّن قبله ، بل له أن يأمر بقلعه وله أن يبقي بالاُجرة إذا رضي صاحبه ، وإلاّ فليس
(1) فيه إشكال من دون فرق بين أن يكون العمل بأمر المالك أو بدونه، ومن دون فرق أيضاً بين أن يكون البطلان مستنداً إلى غير جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض، أو كان مستنداً إليه.
(2) قد مرّ الإشكال فيه وفي بعض الفروض الآتية.
(الصفحة603)
له إلزامه بدفع الاُجرة .
هذا كلّه مع الجهل بالبطلان ، وأمّا مع العلم فليس للعالم منهما (1) الرجوع على الآخر بعوض أرضه أو عمله ; لأنّه هو الهاتك لحرمة ماله أو عمله ، فكأنّه متبرّع به وإن كان الآخر أيضاً عالماً بالبطلان ، ولو كان العامل بعد ما تسلّم الأرض تركها في يده بلا زرع فكذلك يضمن اُجرتها للمالك مع بطلان المعاملة ; لفوات منفعتها تحت يده ، إلاّ في صورة علم المالك بالبطلان لما مرّ .
[3507] مسألة 15 : الظاهر(2) من مقتضى وضع المزارعة ملكيّة العامل لمنفعة الأرض بمقدار الحصّة المقرّرة له ، وملكيّة المالك للعمل على العامل بمقدار حصّته ، واشتراك البذر بينهما على النسبة ، سواء كان منهما أو من أحدهما أو من ثالث ، فإذا خرج الزرع صار مشتركاً بينهما على النسبة ، لا أن يكون لصاحب البذر إلى حين ظهور الحاصل ، فيصير الحاصل مشتركاً من ذلك الحين ، كما ربما يستفاد من بعض الكلمات ، أو كونه لصاحب البذر إلى حين بلوغ الحاصل وإدراكه ، فيصير مشتركاً في ذلك الوقت ، كما يستفاد من بعض آخر . نعم، الظاهر جواز إيقاع العقد على أحد هذين الوجهين مع التصريح والاشتراط به من حين العقد .
ويترتّب على هذه الوجوه ثمرات : منها : كون التبن(3) أيضاً مشتركاً بينهما على
(1) قد مرّ عدم مدخلية العلم في رفع الضمان وسقوط المال، أو العمل عن الحرمة وصيرورة الفاعل متبرّعاً.
(2) بل الظاهر أنّ مقتضى وضعها استحقاق كلّ منهما على الآخر بذل ما جعله على نفسه والتزم به من حوائج الزراعة، والعامل لا يكون له إلاّ حقّ الانتفاع بالأرض، ولا يكون مالكاً إلاّ لإلزام المالك بتسليم الأرض، والمالك ليس له إلاّ حقّ الانتفاع بالعمل، ولا يكون مالكاً إلاّ لإلزام العامل بالعمل وغير ذلك، ومع ذلك فالشركة بينهما لا تتوقّف على حصول الحاصل وبلوغه، بل تتحقّق من حين خروج الزرع إلاّ مع شرط الخلاف.
(3) لا يبعد أن يكون التبن بنفسه من الحاصل، فيكون مشتركاً بينهما على جميع الوجوه.
(الصفحة604)
النسبة على الأوّل دون الأخيرين ، فإنّه لصاحب البذر . ومنها : في مسألة الزكاة . ومنها : في مسألة الانفساخ أو الفسخ في الأثناء قبل ظهور الحاصل . ومنها : في مسألة مشاركة الزارع مع غيره ومزارعته معه . ومنها : في مسألة ترك الزرع إلى أن انقضت المدّة ، إلى غير ذلك .
[3508] مسألة 16 : إذا حصل ما يوجب الانفساخ في الأثناء قبل ظهور الثمر أو بلوغه ، كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله، أو استولى عليه ولم يمكن قطعه، أو حصل مانع آخر عامّ ، فالظاهر لحوق حكم تبيّن البطلان من الأوّل على ما مرّ ; لأنّه يكشف عن عدم قابليتها للزرع ، فالصحّة كانت ظاهريّة ، فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر ، ويحتمل بعيداً(1) كون الانفساخ من حينه، فيلحقه حكم الفسخ في الأثناء على ما يأتي ، فيكون مشتركاً بينهما على النسبة .
[3509] مسألة 17 : إذا كان العقد واجداً لجميع الشرائط وحصل الفسخ في الأثناء إمّا بالتقايل ، أو بخيار الشرط لأحدهما ، أو بخيار الاشتراط بسبب تخلّف ما شرط على أحدهما ، فعلى ما ذكرنا من مقتضى وضع المزارعة ـ وهو الوجه الأوّل من الوجوه المتقدّمة ـ فالزرع الموجود مشترك بينهما على النسبة ، وليس(2)لصاحب الأرض على العامل اُجرة أرضه، ولا للعامل اُجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى ; لأنّ المفروض صحّة المعاملة وبقاؤها إلى حين الفسخ . وأمّا بالنسبة إلى
(1) هذا الاحتمال قريب جدّاً في مفروض المسألة، الذي هو ما إذا حصل الموجب بعد خروج الزرع، فإنّ الزرع الخارج مشترك بينهما ـ على ما اختاره واخترناه ـ من عدم توقّف تحقّق الشركة على ظهور الحاصل أو بلوغه. نعم، لو كان حصول الموجب قبل خروج الزرع فالظاهر تحقّق الانفساخ من الأصل.
(2) قد تقدّم منه (قدس سره) في المسألة التاسعة أنّ مقتضى الفسخ رجوع مالك الأرض إلى اُجرة المثل لها، والمفروض هناك وإن كان صورة حصول الفسخ بعد بلوغ الحاصل، إلاّ أنّه لا فرق بين المسألتين من هذه الجهة، والحقّ ما هناك.
(الصفحة605)
الآتي فلهما التراضي على البقاء إلى البلوغ بلا اُجرة أو معها ، ولهما التراضي على القطع قصيلاً ، وليس للزارع الإبقاء إلى البلوغ بدون رضا المالك ولو بدفع اُجرة الأرض ، ولا مطالبة الأرش إذا أمره المالك بالقلع ، وللمالك مطالبة القسمة وإبقاء حصّته في أرضه إلى حين البلوغ وأمر الزارع بقطع حصّته قصيلاً .
هذا ، وأمّا على الوجهين الآخرين فالزرع الموجود لصاحب البذر(1) ، والظاهر عدم ثبوت شيء عليه من اُجرة الأرض أو العمل ; لأنّ المفروض صحّة المعاملة إلى هذا الحين ، وإن لم يحصل للمالك أو العامل شيء من الحاصل فهو كما لو بقي الزرع إلى الآخر ولم يحصل حاصل من جهة آفة سماويّة أو أرضيّة ، ويحتمل(2)ثبوت الاُجرة عليه إذا كان هو الفاسخ .
فذلكة
قد تبيّن ممّا ذكرنا في طيّ المسائل المذكورة أنّ هاهنا صوراً :
الاُولى : وقوع العقد صحيحاً جامعاً للشرائط والعمل على طبقه إلى الآخر ، حصل الحاصل أو لم يحصل ; لآفة سماوية أو أرضيّة .
الثانية : وقوعه صحيحاً مع ترك الزارع للعمل إلى أن انقضت المدّة ، سواء زرع غير ما وقع عليه العقد أو لم يزرع أصلاً .
الثالثة : تركه العمل في الأثناء بعد أن زرع اختياراً أو لعذر خاصّ به.
الرابعة: تبيّن البطلان من الأوّل.
الخامسة: حصول الانفساخ في الأثناء لقطع الماء أونحوه من الأعذار العامّة .
(1) لابدّ من تقييده بما إذا كان قبل ظهور الحاصل بالنسبة إلى أوّل الوجهين.
(2) على بُعد.
(الصفحة606)
السادسة : حصول الفسخ بالتقايل أو بالخيار في الأثناء ، وقد ظهر(1) حكم الجميع في طيّ المسائل المذكورة، كما لايخفى .
[3510] مسألة 18 : إذا تبيّن بعد عقد المزارعة أنّ الأرض كانت مغصوبة فمالكها مخيّر بين الإجازة فتكون الحصّة له ـ سواء كان بعد المدّة أو قبلها ، في الأثناء أو قبل الشروع بالزرع ـ بشرط أن لايكون هناك قيد أو شرط لم يكن معه محلّ للإجازة ، وبين الردّ ، وحينئذ فإن كان قبل الشروع في الزرع فلا إشكال ، وإن كان بعد التمام فله اُجرة المثل لذلك الزرع وهو لصاحب البذر . وكذا إذا كان في الأثناء ويكون بالنسبة إلى بقيّة المدّة الأمر بيده ، فإمّا يأمر بالإزالة ، وإمّا يرضى بأخذ الاُجرة بشرط رضا صاحب البذر ، ثمّ المغرور من المزارع والزارع يرجع فيما خسر على غارّه ، ومع عدم الغرور فلا رجوع ، وإذا تبيّن كون البذر مغصوباً فالزرع لصاحبه، وليس(2) عليه اُجرة الأرض ولا اُجرة العمل . نعم ، إذا كان التبيّن في الأثناء كان لمالك الأرض الأمر بالإزالة .
هذا إذا لم يكن محلّ للإجازة ; كما إذا وقعت المعاملة على البذر الكلّي لا المشخّص في الخارج أو نحو ذلك ، أو كان ولم يجز ، وإن كان له محلّ وأجاز يكون هو الطرف(3) للمزارعة ويأخذ الحصّة التي كانت للغاصب ، وإذا تبيّن كون العامل
(1) لم يظهر حكم الصورة الثالثة في المسائل السابقة، وإن ظهر بعض أحكامها منها، فإنّ الظاهر أنّها من جهة ضمان الاُجرة ومثلها وعدمه حكمها حكم الصورة الثانية، وأمّا من جهة ضمان البذر لو كان للمالك وكان ترك العمل موجباً لتلفه رأساً فيفترق عنها.
(2) بل على الزارع اُجرة الأرض إن كان هو الغاصب للبذر بشرط جهل المالك، وعلى المزارع اُجرة العمل إن كان غاصباً.
(3) فيما إذا كان صاحب البذر طرفاً مستقلاًّ للمزارعة بهذا العنوان، وأمّا إذا كان صاحب البذر هو العامل أو المالك فلا موقع للإجازة، ومنه يظهر أنّ الحصّة التي يأخذها هي التي لصاحب البذر بعنوانه.
(الصفحة607)
عبداً غير مأذون فالأمر إلى مولاه ، وإذا تبيّن كون العوامل أو سائر المصارف مغصوبة فالمزارعة صحيحة، ولصاحبها اُجرة المثل أو قيمة الأعيان التالفة ، وفي بعض الصور يحتمل جريان الفضوليّة وإمكان الإجازة، كما لايخفى .
[3511] مسألة 19 : خراج الأرض على صاحبها ، وكذا مال الإجارة إذا كانت مستأجرة ، وكذا ما يصرف في إثبات اليد عند أخذها من السلطان وما يؤخذ لتركها في يده ، ولو شرط كونها على العامل بعضاً أو كلاّ صحّ، وإن كانت ربما تزاد وربما تنقص على الأقوى ، فلايضرّ (1) مثل هذه الجهالة ; للأخبار . وأمّا سائر المؤن; كشقّ الأنهار وحفر الآبار وآلات السقي وإصلاح النهر وتنقيته، ونصب الأبواب مع الحاجة إليها، والدولاب ونحو ذلك ممّا يتكرّر كلّ سنة أو لايتكرّر، فلابدّ من تعيين كونها على المالك أو العامل ، إلاّ إذا كان هناك عادة ينصرف الإطلاق إليها ، وأمّا ما يأخذه المأمورون من الزارع ظلماً من غير الخراج فليس على المالك(2)، وإن كان أخذهم ذلك من جهة الأرض .
[3512] مسألة 20 : يجوز لكلّ من المالك والزارع أن يخرص على الآخر بعد إدراك الحاصل بمقدار منه بشرط القبول والرضا من الآخر لجملة من الأخبار هنا وفي الثمار ، فلايختصّ ذلك بالمزارعة والمساقاة، بل مقتضى الأخبار جوازه في كلّ زرع مشترك أو ثمر مشترك، والأقوى لزومه بعد القبول وإن تبيّن بعد ذلك زيادته أو نقيصته ; لبعض تلك الأخبار ، مضافاً إلى العمومات العامّة، خلافاً لجماعة ، والظاهر أنّه معاملة مستقلّة وليست بيعاً ولا صلحاً معاوضيّاً ، فلايجري فيها إشكال اتّحاد العوض والمعوّض ، ولا إشكال النهي عن المحاقلة والمزابنة ، ولا
(1) فيه إشكال بل منع.
(2) إلاّ إذا كان معدوداً في العرف جزءاً من الخراج، بحيث كانت العادة موجبة لانصراف الإطلاق إلى المالك.
(الصفحة608)
إشكال الربا ولو بناءً على ما هو الأقوى من عدم اختصاص حرمته بالبيع وجريانه في مطلق المعاوضات ، مع أنّ حاصل الزرع والشجر قبل الحصاد والجذاذ ليس من المكيل والموزون ، ومع الإغماض عن ذلك كلّه يكفي في صحّتها الأخبار الخاصّة ، فهو نوع من المعاملة عقلائيّة ثبت بالنصوص ولتسمَّ بالتقبّل ، وحصر المعاملات في المعهودات ممنوع .
نعم ، يمكن أن يقال : إنّها في المعنى راجعة إلى الصلح الغير المعاوضي ، فكأنّهما يتسالمان على أن يكون حصّة أحدهما من المال المشترك كذا مقداراً والبقيّة للآخر، شبه القسمة أو نوع منها ، وعلى ذلك يصحّ إيقاعها(1) بعنوان الصلح على الوجه المذكور مع قطع النظر عن الأخبار أيضاً على الأقوى من اغتفار هذا المقدار من الجهالة فيه إذا ارتفع الغرر بالخرص المفروض ، وعلى هذا لايكون من التقبيل والتقبّل . ثمّ إنّ المعاملة المذكورة لا تحتاج إلى صيغة مخصوصة ، بل يكفي كلّ لفظ دالّ على التقبّل ، بل الأقوى عدم الحاجة إلى الصيغة أصلاً ، فيكفي(2) فيها مجرّد التراضي كما هو ظاهر الأخبار ، والظاهر اشتراط كون الخرص بعد بلوغ الحاصل وإدراكه ، فلايجوز قبل ذلك ، والقدر المتيقّن من الأخبار كون المقدار المخروص عليه من حاصل ذلك الزرع ، فلايصحّ الخرص وجعل المقدار في الذمّة من جنس ذلك الحاصل . نعم ، لو أوقع المعاملة بعنوان الصلح على الوجه الذي ذكرنا لا مانع من ذلك فيه ، لكنّه كما عرفت خارج(3) عن هذه المعاملة .
ثمّ إنّ المشهور بينهم أنّ قرار هذه المعاملة مشروط بسلامة الحاصل ، فلو تلف
(1) محلّ إشكال مع قطع النظر عن الأخبار.
(2) الظاهر عدم الكفاية، بل لابدّ من الإنشاء، سواء كان باللفظ أو بغيره.
(3) وصحّتها أيضاً مشكلة كما عرفت.
(الصفحة609)
بآفة سماويّة أو أرضيّة كان عليهما، ولعلّه لأنّ(1) تعيين الحصّة في المقدار المعيّن ليس من باب الكلّي في المعيّن ، بل هي باقية على إشاعتها . غاية الأمر تعيينها في مقدار معيّن . مع احتمال أن يكون ذلك من الشرط الضمني بينهما ، والظاهر أنّ المراد من الآفة الأرضيّة ما كان من غير الإنسان ، ولايبعد(2) لحوق إتلاف متلف من الإنسان أيضاً به ، وهل يجوز خرص ثالث حصّة أحدهما أو كليهما في مقدار ؟ وجهان ، أقواهما العدم .
[3513] مسألة 21 : بناءً على ما ذكرنا من الاشتراك من أوّل الأمر في الزرع يجب على كلّ منهما الزكاة إذا كان نصيب كلّ منهما بحدّ النصاب ، وعلى من بلغ نصيبه إن بلغ نصيب أحدهما . وكذا إن اشترطا الاشتراك حين ظهور الثمر ; لأنّ تعلّق الزكاة بعد صدق الاسم وبمجرّد الظهور لايصدق . وإن اشترطا الاشتراك بعد صدق الاسم أو حين الحصاد والتصفية فهي على صاحب البذر منهما ; لأنّ المفروض أنّ الزرع والحاصل له إلى ذلك الوقت ، فتتعلّق الزكاة في ملكه .
[3514] مسألة 22 : إذا بقي في الأرض أصل الزرع بعد انقضاء المدّة والقسمة فنبت بعد ذلك في العام الآتي ، فإن كان البذر لهما فهو لهما ، وإن كان لأحدهما فله إلاّ مع الإعراض(3) ، وحينئذ فهو لمن سبق ، ويحتمل أن يكون لهما مع عدم الإعراض مطلقاً ; لأنّ المفروض شركتهما في الزرع وأصله(4)، وإن كان البذر لأحدهما أو
(1) هذا التعليل عليل، فإنّ ظاهر النصّ والفتوى عدم بقاء الحصّة على الإشاعة، بل يختصّ المجموع بالمتقبّل، وله التصرّف فيه كيف شاء من دون حاجة إلى إذن الآخر، بل له إتلاف ما عدا المقدار المخروص، فالدليل على شرطية السلامة الإجماع، واستقرار العمل الكاشف عن تقيّد تعهد المتقبّل والتزامه بالسلامة وحساب التالف عليهما.
(2) غير معلوم.
(3) بناءً على كون الإعراض موجباً للخروج عن الملك.
(4) وإن كانت الشركة في الأصل أيضاً متوقّفة على خروج الزرع.
(الصفحة610)
لثالث، وهو الأقوى . وكذا إذا بقي في الأرض بعض الحبّ فنبت، فإنّه مشترك بينهما مع عدم الإعراض . نعم ، لو كان الباقي حبّ مختصّ بأحدهما اختصّ به ، ثمّ لايستحقّ(1) صاحب الأرض اُجرة لذلك الزرع النابت على الزارع في صورة الاشتراك أو الاختصاص به وإن انتفع بها، إذ لم يكن ذلك من فعله ولا من معاملة واقعة بينهما .
[3515] مسألة 23 : لو اختلفا في المدّة وأنّها سنة أو سنتان مثلا فالقول قول منكر الزيادة ، وكذا لو قال أحدهما : إنّها ستّة أشهر ، والآخر قال : إنّها ثمانية أشهر . نعم ، لو ادّعى المالك مدّة قليلة لا تكفي لبلوغ الحاصل ولو نادراً ففي تقديم قوله إشكال ،ولو اختلفا في الحصّة قلّة وكثرة فالقول قول صاحب البذر المدّعي للقلّة . هذا إذا كان نزاعهما في زيادة المدّة أو الحصّة وعدمها ، وأمّا لو اختلفا في تشخيص ما وقع عليه العقد وأنّه وقع على كذا أوكذا فالظاهر التحالف (2). وإن كان خلاف إطلاق كلماتهم ، فإن حلفا أو نكلا فالمرجع أصالة عدم الزيادة .
[3516] مسألة 24 : لواختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على أيّهما فالمرجع التحالف ، ومع حلفهما أو نكولهما تنفسخ(3) المعاملة .
[3517] مسألة 25 : لو اختلفا في الإعارة والمزارعة ، فادّعى الزارع أنّ المالك
(1) لكنّه يجوز له القلع ومطالبة الاُجرة بالنسبة إلى بقائه لو أراد الآخر ذلك.
(2) قد مرّ في كتاب الإجارة أنّه إن كان المناط في تشخيص المدّعي والمنكر هو محطّ الدعوى ومصبّ النزاع، فاللازم في مثل المقام التحالف. وإن كان المناط هو الغرض والمقصود، فاللازم تقديم قول من يدّعي القلّة مع يمينه، إلاّ إذا كان الغرض متعلّقاً بخصوصية العقد من حيث هو، فيلزم التحالف أيضاً.
(3) ويحتمل غير بعيد أن لا يكون نتيجة التحالف هو الانفساخ كما في الفرض السابق، بل يرجع إلى القرعة في التعيين.
(الصفحة611)
أعطاه الأرض عارية للزراعة ، والمالك ادّعى المزارعة ، فالمرجع التحالف(1)أيضاً ، ومع حلفهما أو نكولهما تثبت اُجرة المثل للأرض ، فإن كان بعد البلوغ فلا إشكال ، وإن كان في الأثناء فالظاهر جواز الرجوع للمالك ، وفي وجوب إبقاء الزرع إلى البلوغ عليه مع الاُجرة إن أراد الزارع ، وعدمه وجواز أمره بالإزالة وجهان(2) ، وإن كان النزاع قبل نثر الحبّ فالظاهر الانفساخ بعد حلفهما أو نكولهما .
[3518] مسألة 26 : لو ادّعى المالك الغصب والزارع ادّعى المزارعة فالقول قول المالك (3) مع يمينه على نفي المزارعة .
[3519] مسألة 27 : في الموارد التي للمالك قلع زرع الزارع هل يجوز له ذلك بعد تعلّق الزكاة وقبل البلوغ ؟ قد يقال بعدم الجواز إلاّ أن يضمن حصّتها للفقراء ; لأنّه ضرر عليهم، والأقوى الجواز، وحقّ الفقراء يتعلّق بذلك الموجود وإن لم يكن بالغاً.
[3520] مسألة 28 : يستفاد من جملة من الأخبار أنّه يجوز لمن بيده الأرض الخراجية أن يسلّمها إلى غيره ليزرع لنفسه ويؤدّي خراجها عنه ، ولا بأس به .
مسائل متفرّقة
[3521] الاُولى : إذا قصّر العامل في تربية الزرع فقلّ الحاصل فالظاهر ضمانه التفاوت(4) بحسب تخمين أهل الخبرة، كماصرّح به المحقّق القمّي (قدس سره) في أجوبة مسائله.
(1) يجري فيه ما ذكرناه.
(2) والثاني لا يخلو عن قوّة.
(3) أي في عدم ثبوت المزارعة لا في ثبوت عنوان الغصب حتّى يترتّب عليه آثاره.
(4) إن كان المراد بالتفاوت هو التفاوت بين حاصله الموجود، وما كان يحصل مع فرض عدم التقصير، فهو يلائم الوجه الرابع من الوجوه الستّة المتقدّمة في مسألة ترك الزارع الزرع رأساً، ولا يلائم ما اختاره فيها من الوجه الخامس. وإن كان المراد به هو التفاوت بين المنفعة المستوفاة، ومقدار حصّة المالك من منفعة الأرض، ومن قيمة عمل الزارع فهو وإن كان ملائماً لما اختاره هناك، إلاّ أنّ إجراء حكم الترك على التقصير غير ظاهر، والمسألة محلّ إشكال.
(الصفحة612)
[3522] الثانية : إذا ادّعى المالك على العامل عدم العمل بما اشترط في ضمن عقد المزارعة من بعض الشروط ، أو ادّعى عليه تقصيره فى العمل على وجه يضرّ بالزرع، وأنكر الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصير فيه فالقول قوله ; لأنّه مؤتمن في عمله ، وكذا لو ادّعى عليه التقصير في حفظ الحاصل بعد ظهوره وأنكر .
[3523] الثالثة : لو ادّعى أحدهما على الآخر شرطاً متعلّقاً بالزرع وأنكر أصل الاشتراط فالقول قول المنكر .
[3524] الرابعة : لو ادّعى أحدهما على الآخر الغبن في المعاملة فعليه إثباته ، وبعده له الفسخ .
[3525] الخامسة : إذا زارع المتولّي للوقف الأرض الموقوفة بملاحظة مصلحة البطون إلى مدّة لزم ولا تبطل بالموت ، وأمّا إذا زارع البطن المتقدّم من الموقوف عليهم الأرض الموقوفة ثمّ مات في الأثناء قبل انقضاء المدّة فالظاهر بطلانها من ذلك الحين ; لانتقال الأرض إلى البطن اللاحق ، كما أنّ الأمر كذلك في إجارته لها ، لكن استشكل فيه المحقّق القمّي (قدس سره) بأنّ عقد المزارعة لازمة ولا تنفسخ إلاّ بالتقايل أو ببعض الوجوه التي ذكروها ، ولم يذكروا في تعدادها هذه الصورة ، مع أنّهم ذكروا في الإجارة بطلانها إذا آجر البطن المتقدّم ثمّ مات في أثناء المدّة، ثمّ استشعر عدم الفرق بينهما بحسب القاعدة ، فالتجأ إلى أنّ الإجارة أيضاً لا تبطل بموت البطن السابق في أثناء المدّة، وإن كان البطن اللاحق يتلقّى الملك من الواقف لا من السابق،
(الصفحة613)
وأنّ ملكيّة السابق كانت إلى حين موته ، بدعوى أنّه إذا آجر مدّة لاتزيد على عمره الطبيعي، ومقتضى الاستصحاب بقاؤه بمقداره ، فكما أنّها في الظاهر محكومة بالصحّة كذلك عند الشارع وفي الواقع ، فبموت السابق ينتقل ما قرّره من الاُجرة إلى اللاحق لا الأرض بمنفعتها، إلى آخر ما ذكره من النقض والإبرام، وفيه ما لايخفى ، ولاينبغي الإشكال في البطلان بموته في المقامين .
[3526] السادسة : يجوز مزارعة الكافر مزارعاً كان أو زارعاً .
[3527] السابعة : في جملة من الأخبار النهي عن جعل ثلث للبذر وثلث للبقر وثلث لصاحب الأرض ، وأنّه لاينبغي أن يسمّي بذراً ولا بقراً، فإنّما يحرّم الكلام ، والظاهر كراهته، وعن ابن الجنيد وابن البرّاج حرمته، فالأحوط (1) الترك .
[3528] الثامنة : بعد تحقّق المزارعة على الوجه الشرعي يجوز لأحدهما بعد ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصّته بمقدار معيّن ; من جنسه أو غيره بعد التخمين بحسب المتعارف ، بل لا بأس به(2) قبل ظهوره أيضاً ، كما أنّ الظاهر جواز مصالحة أحدهما مع الآخرعن حصّته في هذه القطعة من الأرض بحصّة الآخر في الاُخرى ، بل الظاهر جواز تقسيمهما بجعل إحدى القطعتين لأحدهما والاُخرى للآخر ، إذ القدر المسلّم لزوم جعل الحصّة مشاعة من أوّل الأمر وفي أصل العقد .
[3529] التاسعة : لايجب في المزارعة على أرض إمكان زرعها من أوّل الأمر وفي السنة الاُولى ، بل يجوز المزارعة على أرض بائرة لايمكن زرعها إلاّ بعد إصلاحها وتعميرها سنة أو أزيد . وعلى هذا إذا كانت أرض موقوفة وقفاً عامّاً أو خاصّاً وصارت بائرة يجوز للمتولّي أن يسلّمها إلى شخص بعنوان المزارعة إلى عشر
(1) لا يترك.
(2) مشكل.
(الصفحة614)
سنين أو أقلّ أو أزيد، حسب ما تقتضيه المصلحة على أن يعمرها ويزرعها إلى سنتين مثلا لنفسه ، ثمّ يكون الحاصل مشتركاً بالإشاعة بحصّة معيّنه .
[3530] العاشرة : يستحبّ للزارع كما في الأخبار الدعاء عند نثر الحبّ ; بأن يقول : «اللّهمّ قد بذرنا وأنت الزارع، فاجعله حبّاً متراكماً». وفي بعض الأخبار : «إذا أردت أن تزرع زرعاً فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة وقل : {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ* ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 56 / 63 و64] ثلاث مرّات، ثمّ تقول : بل الله الزارع، ثلاث مرّات ، ثمّ قل : اللّهمَّ اجعله حبّاً مباركاً وارزقنا فيه السلامة ، ثمّ انثر القبضة التي في يدك في القراح». وفي خبر آخر : «لمّا اُهبط آدم (عليه السلام) إلى الأرض احتاج إلى الطعام والشراب فشكى ذلك إلى جبرئيل (عليه السلام) فقال له جبرئيل : يا آدم كن حرّاثاً ، فقال (عليه السلام) : فعلّمني دعاء، قال : قل : اللّهمّ اكفني مؤنة الدّنيا وكلّ هول دون الجنّة، وألبسني العافية حتّى تهنئني المعيشة» .
(الصفحة615)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المساقاة
[فصل
في معنى المساقاة وشرائطها وأحكامها]
وهي معاملة على اُصول ثابتة بحصّة من ثمرها ، ولا إشكال في مشروعيّتها في الجملة ، ويدلّ عليها مضافاً إلى العمومات خبر يعقوب بن شعيب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : سألته عن الرّجل يعطي الرجل أرضه وفيها رمّان أو نخل أو فاكهة ويقول : اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج؟ قال : «لا بأس». وجملة من أخبار خيبر ، منها : صحيح الحلبي قال: أخبرني أبو عبدالله (عليه السلام) «أنّ أباه حدّثه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطى خيبر بالنصف أرضها ونخلها، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبدالله بن رواحة . . . » الخ . هذا، مع أنّها من المعاملات العقلائيّة ولم يرد نهي عنها، ولا غرر فيها حتّى يشملها النهي عن الغرر .
ويشترط فيها اُمور :
الأوّل : الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على المعنى المذكور ماضياً كان أو مضارعاً أو أمراً ، بل الجملة الاسميّة مع قصد الإنشاء بأيّ لغة كانت ، ويكفي
(الصفحة616)
القبول الفعلي(1) بعد الإيجاب القولي، كما أنّه يكفي المعاطاة .
الثاني : البلوغ والعقل والاختيار .
الثالث : عدم(2) الحجر لسفه أو فلس .
الرابع : كون الاُصول مملوكة عيناً ومنفعة ، أو منفعة فقط ، أو كونه نافذ التصرّف فيها لولاية أو وكالة أو تولية .
الخامس : كونها معيّنة عندهما معلومة لديهما .
السادس : كونها ثابتة مغروسة ، فلاتصحّ في الوديّ ; أي الفسيل قبل الغرس .
السابع : تعيين المدّة بالأشهر والسنين وكونها بمقدار يبلغ فيه الثمر غالباً . نعم ، لايبعد(3) جوازها في العام الواحد إلى بلوغ الثمر من غير ذكر الأشهر ; لأنّه معلوم بحسب التخمين، ويكفي ذلك في رفع الغرر ، مع أنّه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب المتقدّمة .
الثامن : أن يكون قبل ظهور الثمر أو بعده وقبل البلوغ، بحيث كان يحتاج بعد إلى سقي أو عمل آخر . وأمّا إذا لم يكن كذلك ففي صحّتها إشكال، وإن كان محتاجاً إلى حفظ أو قطوف أو نحو ذلك .
التاسع : أن يكون الحصّة معيّنه مشاعة ، فلا تصحّ مع عدم تعيينها إذا لم يكن هناك انصراف ، كما لا تصحّ إذا لم تكن مشاعة; بأن يجعل لأحدهما مقداراً معيّناً
(1) مرّ الإشكال فيه في كتاب المزارعة.
(2) هذا إنّما يعتبر بالإضافة إلى المالك دون العامل إذا لم يستلزم تصرّفاً ماليّاً، كما مرّ في كتاب المزارعة.
(3) إذا كان المبدأ معلوماً ولو للانصراف إلى الشروع من حين العقد أو بحسب العرف والعادة.
(الصفحة617)
والبقيّة للآخر . نعم ، لايبعد (1) جواز أن يجعل لأحدهما أشجاراً معلومة وللآخر اُخرى ، بل وكذا لو اشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والاشتراك في البقيّة ، أو اشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقيّة إذا علم كون الثمر أزيد من ذلك المقدار وأنّه تبقى بقيّة .
العاشر : تعيين ما على المالك من الاُمور وما على العامل من الأعمال إذا لم يكن هناك انصراف .
[3531] مسألة 1 : لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر ، كما لا خلاف في عدم صحتها بعد البلوغ والإدراك بحيث لايحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف ، واختلفوا في صحّتها إذا كان بعد الظهور قبل البلوغ ، والأقوى كما أشرنا إليه صحّتها، سواء كان العمل ممّا يوجب الاستزادة أولا(2) ، خصوصاً إذا كان في جملتها بعض الأشجار التي بعد لم يظهر ثمرها .
[3532] مسألة 2 : الأقوى جواز المساقاة على الأشجار التي لا ثمر لها وإنّما ينتفع بورقها ، كالتوت والحنّاء ونحوهما .
[3533] مسألة 3 : لايجوز عندهم المساقاة على اُصول غير ثابتة، كالبطّيخ والباذنجان والقطن وقصب السكّر ونحوها، وإن تعدّدت اللّقطات فيها كالأوّلين ، ولكن لايبعد(3) الجواز للعمومات، وإن لم يكن من المساقاة المصطلحة ، بل لايبعد الجواز في مطلق الزرع كذلك ، فإنّ مقتضى العمومات الصحّة بعد كونه من
(1) الظاهر عدم الجواز كما اختاره في المزارعة. نعم، لو حملت العبارة على الاشتراك في الباقي ـ كما هو خلاف ظاهرها ـ يمكن القول بالجواز، مع أنّه أيضاً مشكل كما في الفرضين التاليين، إلاّ إذا كانت الأشجار المعيّنة خارجة عن المساقاة.
(2) فيه بل في الفرض الأوّل أيضاً إشكال.
(3) محلّ إشكال، وأولى منه مطلق الزرع.
(الصفحة618)
المعاملات العقلائيّة، ولايكون من المعاملات الغرريّة عندهم . غاية الأمر أنّها ليست من المساقاة المصطلحة .
[3534] مسألة 4 : لا بأس بالمعاملة على أشجار لا تحتاج إلى السقي; لاستغنائها بماء السماء أو لمصّ اُصولها من رطوبات الأرض، وإن احتاجت إلى أعمال اُخر(1) ، ولايضرّ عدم صدق المساقاة حينئذ ، فإنّ هذه اللفظة لم ترد(2) في خبر من الأخبار وإنّما هي من اصطلاح العلماء ، وهذا التعبير منهم مبنيّ على الغالب ، ولذا قلنا(3)بالصحّة إذا كانت المعاملة بعد ظهور الثمر واستغنائها من السقي ، وإن ضويق نقول بصحّتها وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة .
[3535] مسألة 5 : يجوز المساقاة على فسلان مغروسة وإن لم تكن مثمرة إلاّ بعد سنين ، بشرط تعيين مدّة تصير مثمرة فيها ولو بعد خمس سنين أو أزيد .
[3536] مسألة 6 : قد مرّ أنّه لا تصحّ المساقاة على وديّ غير مغروس ، لكن الظاهر جواز إدخاله في المعاملة على الأشجار المغروسة ; بأن يشترط على العامل غرسه في البستان المشتمل على النخيل والأشجار ودخوله في المعاملة بعد أن يصير(4) مثمراً ، بل مقتضى العمومات صحّة (5) المعاملة على الفسلان الغير المغروسة إلى مدّة تصير مثمرة، وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة .
[3537] مسألة 7 : المساقاة لازمة لا تبطل إلاّ بالتقايل ، أو الفسخ بخيار الشرط ،
(1) موجبة للاستزادة، وإلاّ فمحلّ إشكال.
(2) نعم، ورد في خبر يعقوب بن شعيب المتقدّم التعبير بلفظ «اسق» ولعلّ مثله هي العلّة للتعبير من العلماء ـ رضوان الله عليهم ـ وجرى اصطلاحهم على ذلك.
(3) الاستغناء من السقي أمرٌ وظهور الثمر أمرٌ آخر، ولا ملازمة بين القول بالجواز في الأوّل والقول به في الثاني.
(4) في العبارة مسامحة.
(5) محلّ إشكال.
(الصفحة619)
أو تخلّف بعض الشروط ، أو بعروض مانع عامّ موجب للبطلان ، أو نحو ذلك .
[3538] مسألة 8 : لا تبطل بموت أحد الطرفين، فمع موت المالك ينتقل الأمر إلىوارثه ، ومع موت العامل يقوم مقامه وارثه ، لكن لايجبر على العمل ، فإن اختار العمل بنفسه أو بالاستئجار فله ، وإلاّ فيستأجر الحاكم من تركته من يباشره إلى بلوغ الثمر ثمّ يقسّم بينه وبين المالك . نعم ، لو كانت المساقاة مقيّدة بمباشرة العامل تبطل بموته ، ولو اشترط عليه المباشرة لا بنحو التقييد فالمالك مخيّر بين الفسخ لتخلّف الشرط ، وإسقاط حقّ الشرط والرضا باستئجار من يباشر .
[3539] مسألة 9 : ذكروا أنّ مع إطلاق عقد المساقاة جملة من الأعمال على العامل وجملة منها على المالك ، وضابط الاُولى ما يتكرّر كلّ سنة ، وضابط الثانية ما لايتكرّر نوعاً وإن عرض له التكرّر في بعض الأحوال ، فمن الأوّل : إصلاح الأرض بالحفر فيما يحتاج إليه ، وما يتوقّف عليه من الآلات ، وتنقية الأنهار ، والسقي ومقدّماته ـ كالدلو والرشا ـ وإصلاح طريق الماء واستقائه إذا كان السقي من بئر أو نحوه ، وإزالة الحشيش المضرّة ، وتهذيب جرائد النخل والكرم ، والتلقيح واللقاط، والتشميس ، وإصلاح موضعه ، وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة .
ومن الثاني : حفر الآبار والأنهار، وبناء الحائط والدولاب والدالية، ونحو ذلك ممّا لايتكرّر نوعاً ، واختلفوا في بعض الاُمور أنّه على المالك أو العامل; مثل البقر الذي يدير الدولاب ، والكشّ للتلقيح ، وبناء الثلم ، ووضع الشوك على الجدران وغير ذلك ، ولا دليل على شيء من الضابطين ، فالأقوى أنّه إن كان هناك انصراف في كون شيء على العامل أو المالك فهو المتّبع ، وإلاّ فلابدّ من ذكر مايكون على كلّ منهما رفعاً للغرر ، ومع الإطلاق وعدم الغرر يكون عليهما معاً ; لأنّ المال مشترك بينهما ، فيكون ما يتوقّف عليه تحصيله عليهما .
[3540] مسألة 10 : لو اشترطا كون جميع الأعمال على المالك فلاخلاف بينهم في
(الصفحة620)
البطلان ; لأنّه خلاف وضع المساقاة . نعم ، لو أبقى العامل شيئاً من العمل عليه واشترط كون الباقي على المالك ، فإن كان ممّا يوجب زيادة الثمرة فلا إشكال في صحّته ، وإن قيل بالمنع من جواز جعل العمل على المالك ولو بعضاً منه ، وإلاّ كما في الحفظ ونحوه ففي صحّته قولان ، أقواهما(1) الأوّل . وكذا الكلام إذا كان إيقاع عقد المساقاة بعد بلوغ الثمر وعدم بقاء عمل إلاّ مثل الحفظ ونحوه، وإن كان الظاهر في هذه الصورة عدم الخلاف في بطلانه كما مرّ .
[3541] مسألة 11 : إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال ، فإن لم يفت وقته فللمالك إجباره على العمل ، وإن لم يمكن فله الفسخ ، وإن فات وقته فله الفسخ بخيار تخلّف الشرط ، وهل له أن لايفسخ ويطالبه باُجرة العمل بالنسبة إلى حصّته ; بمعنى أن يكون مخيّراً بين الفسخ وبين المطالبة بالاُجرة ؟ وجهان ، بل قولان ; أقواهما ذلك(2) ، ودعوى أنّ الشرط لايفيد تمليك العمل المشروط لمن له على وجه يكون من أمواله ، بل أقصاه التزام من عليه الشرط بالعمل وإجباره عليه والتسلّط على الخيار بعدم الوفاء به ، مدفوعة بالمنع من عدم إفادته التمليك ، وكونه قيداً في المعاملة لا جزءاً من العوض يقابل بالمال لاينافي إفادته لملكيّة من له الشرط إذا كان عملاً من الأعمال على من عليه ، والمسألة سيّالة في سائر العقود ، فلو شرط في عقد البيع على المشتري مثلا خياطة ثوب في وقت معيّن وفات الوقت فللبائع الفسخ أو المطالبة باُجرة الخياطة وهكذا .
[3542] مسألة 12 : لو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه معه صحّ ، أمّا لو شرط أن يكون تمام العمل على غلام المالك فهو كما لو شرط أن يكون تمام العمل على المالك ، وقد مرّ عدم الخلاف في بطلانه ; لمنافاته لمقتضى وضع المساقاة . ولو
(1) بل الأقرب الثاني، وكذا في الفرع التالي.
(2) محلّ تأمّل، بل منع مطلقاً.
|