(الصفحة 221)
ماء الاستنجاء
لا إشكا ل ولا خلاف ـ نصّاً وفتوى ـ في أ نّـه لابأس بماء ا لاستنجاء إجمالاً ، وإنّما وقع ا لإشكا ل وا لخلاف في بعض خصوصيّات ا لمسأ لـة :
هل الماء الاستنجاء طاهر أو معفوّ عنه؟
منها :أ نّـه هل يكون ماء ا لاستنجاء مستثنىً من أدلّـة انفعا ل ا لماء ا لقليل ; بمعنى أ نّـه يكون طاهراً ، أو يكون معفوّاً عنـه ؟ وجهان ، بل قولان .
وا لمهمّ في هذا ا لمقام ا لأخبار ا لواردة في ا لمسأ لـة ، فلابدّ من نقلها حتّى يظهر مدلولها ، فنقول :
منها : روايـة ا لأحول ، قا ل : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أخرج من ا لخلاء فأستنجي با لماء ، فيقع ثوبي في ذلك ا لماء ا لذي استنجيت بـه ؟ قا ل : «لابأس بـه»(1) .
وا لظاهر من نفي ا لبأس إنّما هي ا لطهارة ، كما هو ا لمتفاهم عند ا لعرف من هذه ا لجملـة في أمثا ل ا لمقام ، خصوصاً بعد ظهور أنّ مراد ا لسائل إنّما هو ا لسؤال عن ا لنجاسـة وا لطهارة ، كما يشهد بذلك ا لتعبير بنفي ا لبأس في كثير من ا لأخبار ا لتي لا إشكا ل في أنّ ا لمراد بنفي ا لبأس ا لوارد فيها أي ا لطهارة ، وكذلك عبارة ا لأصحاب ، فإنّ من تتبّعها لايكاد يشكّ في أنّ ا لمقصود من هذا ا لتعبير ، إنّما هو
1 ـ ا لكافي 3 : 13 / 5 ، ا لفقيـه 1 : 41 / 162 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 85 / 223 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 221 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 13 ، ا لحديث 1 .
(الصفحة 222)
بيان ا لطهارة ، لا مجرّد ا لعفو ، فراجع .
ومنها : روايـة ثانيـة للأحول ; حيث قا ل لأبي عبدالله (عليه السلام) في حديث : ا لرجل استنجى ، فوقع ثوبـه في ا لماء ا لذي استنجى بـه ؟ فقا ل : «لابأس» . فسكت ، فقا ل : «أوتدري لم صار لابأس بـه ؟» قا ل : قلت : لا والله . فقا ل : «إنّ ا لماء أكثر من ا لقذر»(1) .
ولايخفى أ نّـه لو لم تكن ا لروايـة مجهولـة من حيث ا لسند(2) ، ولم يكن ا لأخذ بعموم ا لتعليل مخا لفاً للقواعد ا لشرعيّـة ، لكانت دلالةُ ا لتعليل على أنّ ا لمراد بنفي ا لبأس هي ا لطهارة ، تامّةً غير قابلة للمناقشة ; وذلك لأ نّـه لو كان ا لماء نجساً ـ غايـة ا لأمر أ نّـه معفوّ عنـه ـ لكان ا لتعليل بأكثريّتـه من ا لقذر في غايـة ا لسخافـة ، كما هو واضح .
ومنها : روايـة محمّد بن ا لنعمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : قلت لـه : أستنجي ثمّ يقع ثوبي فيـه وأنا جُنُب ؟ فقا ل : «لابأس بـه»(3) .
وقد تقدّم ا لكلام في معنى ا لروايـة سابقاً(4) ، فراجع .
ومنها : رواية عبدا لكريم بن عتبـة ا لهاشمي ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن ا لرجل ; يقع ثوبه على ا لماء ا لذي استنجى بـه ، أينجّس ذلك ثوبـه ؟ قا ل : «لا»(5) .
1 ـ علل ا لشرائع : 287 / 1 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 222 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 13 ، ا لحديث 2 . 2 ـ تقدّم سندها في ا لصفحـة 67 ، 210 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 86 / 227 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 222 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 13 ، ا لحديث 4 . 4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 211 . 5 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 86 / 228 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 223 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 13 ، ا لحديث 5 .
(الصفحة 223)
وا لظاهر أنّ عدم ا لتنجيس إنّما هو لعدم كونـه نجساً حتّى يؤثّر فيـه ; لما هو ا لمرتكز في أذهان ا لمتشرّعـة من أنّ ا لنجس يكون منجّساً ، فإذا لم يكن ا لشيء منجّساً لدلالـة ا لدليل عليـه ، فيفهمون من ذلك عدم كونـه بذاتـه نجساً ; للملازمـة ا لمعهودة عندهم بين نجاسـة ا لشيء ونجاسـة ملاقيـه ، ولذا لو علموا من ا لدليل نجاسـة شيء لايتردّدون في نجاسـة ملاقيـه ، ولايتوقّفون عن ا لحكم إ لى أن يقوم ا لدليل عليـه بالإضافـة إ لى ا لملاقي ، وليس ذلك إلاّ لثبوت ا لملازمـة ، فبارتفاع أحد طرفيها يستكشفون ارتفاع ا لطرف ا لآخر أيضاً ، كما لايخفى على من تتبّع طريقتهم . ولهذه ا لملازمـة تخصّص قاعدة «ا لنجس منجّس» ; حيث إنّ ا لبناء على ا لطهارة يستلزم أن لايكون ا لبول وا لغائط موثّراً في تنجيس ا لماء ا لملاقي معـه .
إن قلت : إنّ ا لبناء على ا لطهارة ـ كما هو ا لمفروض ـ يستلزم تخصيص عموم أدلّـة انفعا ل ا لماء ا لقليل أيضاً .
قلت : إنّ هذه ا لقاعدة ليست قاعدة مستقلّـة في مقابل قاعدة «ا لنجس منجِّس» ، لا في عرضها ، ولا في طولها ، بل هي من أفراد تلك ا لقاعدة ومصاديقها ، فليست هنا قاعدتان مستقلّتان ; حتّى يكون ا لحكم بطهارة ماء ا لاستنجاء تخصيصاً با لنسبـة إ لى كليهما ، كما هو واضح .
حول كلام الشيخ الأعظم في المقام
ثمّ إنّ ا لشيخ (قدس سره) في كتاب «ا لطهارة» ذكر أوّلاً : أنّ ا لمستفاد من ا لأخبار ا لمتقدّمـة إنّما هي طهارة ا لماء ، فيتعيّن تخصيص ما دلّ على انفعا ل ا لماء ا لقليل ، وهو أولى من تخصيص ا لقاعدة ا لمستفادة من تعدّي نجاسـة كلّ متنجّس .
(الصفحة 224)
ثمّ ذكر : أنّ ا لتحقيق أنّ ا لقاعدة ا لثانيـة ساقطـة ; باعتبار ا لقطع بخروج ا لفرد ا لمردّد بين ماء ا لاستنجاء وملاقيـه عن عمومها ، فتبقى أدلّـة تنجّس ا لماء ا لقليل وأدلّـة عدم ا لبأس بماء ا لاستنجاء على حا لهما من عدم ا لتعارض ; لأنّ ا لتعارض بينهما فرع شمول ا لقاعدة ا لمذكورة لهذا ا لماء ، فا لقول بأ نّـه نجس لاينجس ملاقيـه قويّ لا محيص عنـه .
ثمّ قا ل : ويمكن أن يقا ل : إنّ ا لأخبار ا لمذكورة معارِضـة بأنفسها لأدلّـة تنجّس ا لقليل ، فتخصّصها ; لأنّ ا لنجاسـة في ا لشرع : إمّا وجوب ا لاجتناب عن ا لشيء في ا لصلاة وا لأكل وما اُلحق بهما ، أو صفـة منتزعـة عن هذه ا لأحكام ، فإذا حكم ا لشارع بأ نّـه لابأس با لثوب ا لواقع في ماء ا لاستنجاء ، فهو كا لصريح بجواز ا لصلاة وا لطواف فيـه ، وإذا لم ينجس ا لطعام ا لمطبوخ جاز أكلـه ، فإذا لم يجب ا لاجتناب عنـه في ا لصلاة ولا في ا لأكل ، لم يكن نجساً ، وأ مّا سائر ا لأحكام ـ كحرمـة شربـه وإدخا لـه ا لمسجد ونحوهما ـ فإنّما جاء من أدلّـة وجوب ا لاجتناب عن ا لنجس ، وا لمفروض عدمـه(1) .
واستشكل عليـه بعض ا لأعاظم ـ في شرحـه على «ا لعروة» ـ قا ل : «ووجـه ا لإشكا ل فيـه :
أوّلاً : ما أشرنا إ ليـه : من أنّ تخصيص عموم ا لانفعا ل ليس لتقديم قاعدة نجاسـة ملاقي ا لنجس عليـه ، بل للدلالـة ا لالتزاميّـة ا لعرفيّـة .
وثانياً : أنّ عموم انفعا ل ا لماء ا لقليل في رتبـة قاعدة نجاسـة ملاقي ا لنجس ، فإذا فرض معارضـة أصا لـة ا لعموم في ا لقاعدة ـ با لنسبـة إ لى ملاقي ماء ا لاستنجاء ـ مع أصا لـة ا لعموم فيها با لنسبـة إ لى ماء ا لاستنجاء ، فهذه ا لمعارضـة
1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 343 ـ 347 .
(الصفحة 225)
بعينها حاصلة بين أصا لـة ا لعموم في ا لقاعدة في ا لأوّل ، وأصا لـة ا لعموم في عموم انفعا ل ا لماء ا لقليل في ا لثاني ، فا لعلم ا لإجما لي يوجب سقوط ا لعمومين معاً .
وثا لثاً : أنّ ا لمعارضـة بين أصا لـة ا لعموم في ا لقاعدة با لنسبـة إ لى ا لفردين ، غير ظاهرة ; لسقوط أصا لـة ا لعموم في ا لقاعدة با لنسبـة إ لى ملاقي ماء ا لاستنجاء جزماً ; للعلم ا لإجما لي با لتخصيص أو ا لتخصّص ، فتبقى أصا لـة ا لعموم في ا لقاعدة با لنسبـة إ لى ماء ا لاستنجاء ـ ا لملاقي للبول وا لغائط ـ بلا معارض ، وكذا عموم انفعا ل ا لماء ا لقليل ، بل لو فرض ملاقاة ماء ا لاستنجاء لماء آخر ، فلا معارضـة في عموم انفعا ل ا لماء ا لقليل با لنسبـة إ لى تطبيقـه ; لأنّ تطبيقـه با لنسبـة إ لى ا لماء ا لثاني معلوم ا لبطلان ; إمّا للتخصيص أو للتخصّص على نحو ما عرفت في عموم نجاسـة ملاقي ا لنجس»(1) .
أقول : لايخفى أنّ ما استشكل عليـه أوّلاً ، هو بعينـه ما ذكره ا لشيخ في ذيل كلامـه من قولـه : «ويمكن أن يقا ل . . .» إ لى آخره .
وأ مّا ا لإشكا ل ا لثاني فهو ككلام ا لشيخ مبنيّ على أن تكون هنا قاعدتان مستقلّتان ، وقد عرفت بطلانـه(2) ، وأ نّـه لايكون في ا لبين إلاّ قاعدة تأثير ا لنجس في نجاسـة ملاقيـه ; ماءً كان أو غيره ، وهي ا لمستفادة من ا لموارد ا لجزئيّـة ا لتي منها انفعا ل ا لماء ا لقليل با لملاقاة ، وقد عرفت أنّ ا لظاهر تخصيصها با لنسبـة إ لى نفس ماء ا لاستنجاء ; لأنّ ا لمستفاد من ا لأخبار طهارتـه .
وأ مّا ا لإشكا ل ا لثا لث فيدفعـه : ثبوت ا لمعارضـة وعدم انحلال ا لعلم ا لإجما لي بسبب ا لعلم ا لتفصيلي بعدم تأثير ماء الاستنجاء في تنجيس ملاقيـه ; إمّا
1 ـ مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 226 ـ 227 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 224 .
(الصفحة 226)
لطهارتـه أو للعفو عنـه ; وذلك لأ نّـه يستحيل أن يؤثّر ا لعلم ا لتفصيلي ا لناشئ من ا لعلم ا لإجما لي في رفعـه ، وهل هو إلاّ كتأثير ا لمعلول في رفع علّتـه ؟ ! ومن ا لواضح استحا لتـه .
توضيحـه : أنّ منشأ ا لعلم ا لتفصيلي ، ا لعلم إجمالاً بتخصيص ا لقاعدة ; إمّا با لنسبـة إ لى نفس ماء ا لاستنجاء ا لملاقي للبول أو ا لغائط ، وإمّا بالإضافـة إ لى ملاقيـه من ا لثوب أو غيره ، فلايعقل أن يؤثّر في انحلالـه إ لى علم تفصيلي وشكّ بدويّ بالإضافـة إ لى ماء ا لاستنجاء ، فيبقى فيـه أصا لـة ا لعموم بلا معارض ، فيحكم بنجاستـه ا لملازمـة لثبوت ا لتخصيص با لنسبـة إ لى ا لملاقي .
وهذا نظير ما لو علم إجمالاً بوجوب ا لوضوء ، وتردّد بين أن يكون ا لوجوب نفسيّاً أو غيريّاً ناشئاً من وجوب ا لصلاة ونظائرها ، فإنّـه لامجا ل لما قيل من انحلال ا لعلم ا لإجما لي إ لى ا لعلم ا لتفصيلي بوجوب ا لوضوء وا لشكّ ا لبدوي في وجوب ا لصلاة مثلاً ، فتجري فيـه ا لبراءة ; وذلك لأنّ جريان ا لبراءة في وجوبها ، مستلزم لعدم وجوب مقدّماتـه ا لتي منها ا لوضوء ، فلايجب ـ حينئذ ـ فكيف يعلم تفصيلاً بوجوبـه ؟ ! فا لعلم ا لتفصيلي يتوقّف على بقاء ا لعلم ا لإجما لي ; لأ نّـه مقوّم لـه ، كما هو واضح .
وا لمقام من هذا ا لقبيل ، فإنّ ا لعلم ا لتفصيلي بطهارة ا لملاقي ليس إلاّ متولّداً من ا لعلم ا لإجما لي با لتخصيص أو ا لتخصّص ، فكيف يمكن أن يؤثّر في نفي أحد طرفيـه ؟ ! وما اشتهر : من انحلال ا لعلم ا لإجما لي ـ في بعض ا لموارد ـ إ لى علم تفصيليّ وشكّ بدويّ ، فا لمراد صورة توهّم ا لعلم ا لإجما لي ، وإلاّ فكيف يمكن أن يؤثّر ما يتولّد من ا لشيء في رفعـه ؟ ! فافهم واغتنم .
(الصفحة 227)
حول كلام المحقّق الهمداني
ثمّ إنّـه ذكر ا لمحقّق ا لهمداني (قدس سره) في «مصباحـه» : أنّ تخصيص ا لقاعدة با لنسبـة إ لى ماء ا لاستنجاء وا لقول بطهارتـه ، أهون من تخصيصها با لنسبـة إ لى ا لملاقي ; وذلك لأنّ ا لتخصيص با لنسبـة إ لى ا لثاني ، مستلزم للتخصيص فيما يدلّ على حرمـة أكل ا لنجس وشربـه ، وغير ذلك ممّا يشترط با لطهارة أيضاً(1) .
وفيـه :ـ مضافاً إ لى منافاتـه لما ذكره في ذيل كلامـه : من أنّ معنى ا لعفو ، هو عدم وجوب ا لاجتناب با لنسبـة إ لى خصوص ا لملاقي ، لا عدم حرمـة ا لأكل وغير ذلك من ا لأحكام ا لمشترطـة با لطهارة ـ أنّ ترجيح ا لتخصيص ا لواحد على ا لتخصيص ا لمتعدّد ـ اثنين أو أزيد ـ لا دليل عليـه ; لسقوط أصا لـة ا لعموم با لنسبـة إ لى الجميع ، بعد العلم ا لإجما لي با لتخصيص ا لواحد أو بالأزيد ، كما هو غير خفيّ .
وا لتحقيق في ا لمقام ما عرفت : من أنّ ا لمتفاهم من ا لأخبار هي ا لطهارة ، وبها تخصّص قاعدة «تأثير ا لنجس في نجاسـة ملاقيـه» با لنسبـة إ لى ا لبول أو ا لغائط ا لملاقي مع ماء ا لاستنجاء .
ثمّ إنّ هنا جهات من ا لبحث :
عدم الفرق في ماء الاستنجاء بين المخرجين
منها : أ نّـه لا فرق في ماء ا لاستنجاء بين ا لمخرجين ، لا لأنّ لفظ ا لاستنجاء يشملهما(2) ، فإنّ شمولـه لغسل ا لبول غير معلوم ، وكلمات ا للغويّين كا لنصوص مختلفـة ،إلاّ أ نّـه حيث إنّ ا لانفكاك بينهما في غايـة ا لندرة ; إذ ا لعادة قاضيـة بنُدرة
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 328 . 2 ـ مستند ا لشيعـة 1 : 98 .
(الصفحة 228)
انفراد ا لغائط عن ا لبول ، وباجتماع غسا لتهما في محلّ واحد ، فيستفاد من ا لأخبار إطلاق ا لحكم وعدم الاختصاص بغسل ا لغائط .
وكذا لا فرق بين ا لمخرج ا لطبيعي وغيره ; سواء كان ا لمخرج غير ا لطبيعي طبيعيّاً با لنسبة إ لى مثل هذا ا لشخص ، مثل أن يكون مخرجه من حين ا لولادة على غير ما هو ا لمتعارف ، أو صار طبيعيّاً با لنسبـة إ ليـه ، لا من حين ا لولادة ، كما لو فرض أنّ مخرجـه حين ا لولادة كان كسائر أفراد طبيعـة ا لإنسان ، إلاّ أ نّـه لعروض بعض ا لحالات قد تبدّل إ لى موضع آخر ; بحيث يكون هذا ا لموضع مخرجاً طبيعيّاً با لنسبـة إ ليـه فعلاً ; وذلك لصدق ا لاستنجاء على جميع ا لفروض ، وا لحكم في ا لأخبار معلّق على نفس طبيعـة الاستنجاء .
نعم لايبعد أن يقا ل : بعدم ا لشمول لما لو تبدّل مخرجـه ا لطبيعي إ لى موضع آخر موقّتاً ; لعدم صدق ا لاستنجاء عليـه ، كما أ نّـه لايشمل من لامخرج لـه أصلاً ، بل يقيء كلّ ما يأكل ويشرب .
وبالجملة : فالمناط صدق الاستنجاء ; لأنّ الحكم مترتّب على طبيعته ، لا على الأفراد حتّى يشكّ في ا لشمول للأفراد غير ا لمتعارفـة ، وكيف كان ، فلو شكّ في مورد في صدق ا لاستنجاء فا لواجب ترتيب أحكام ا لنجاسـة عليـه ، كما لايخفى .
المراد من العفو عن ماء الاستنجاء
ثمّ إنّ ا لمراد با لعفو هل ا لعفو عن خصوص ا لملاقي ; بمعنى عدم تأثير ماء ا لاستنجاء في تنجيس ملاقيـه ، وأ مّا سائر ا لأحكام ا لمترتّبـة على ا لنجس ، كحرمـة ا لأكل وا لشرب ، فيترتّب عليـه أيضاً(1) ، أو ا لمراد ا لعفو عن ا لأحكام
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 330 .
(الصفحة 229)
ا للازمـة ; لعدم صدق ا لعفو في غيرها(1) ، أو ا لعفو عن جميع ا لأحكام(2) ؟
وجوه بل أقوال .
ولكنّـه لايخفى أ نّـه لو قلنا با لعفو ، فلا محيص عن أن يكون ا لمراد بـه هو ا لمعنى ا لأوّل ; وذلك لوضوح أ نّـه لم يرد في ا لروايات كلمـة «ا لعفو» حتّى يقا ل بعدم صدقـه إلاّ في ا لأحكام ا للازمـة ، أو بشمولـه لجميع ا لأحكام ، بل ا لروايات يدلّ بعضها على نفي ا لبأس(3) ، وبعضها على عدم تنجيسـه(4) ا لثوب ، ومن ا لمعلوم أنّ ا لضمير في قولـه : «لابأس بـه» ، يرجع إ لى ا لثوب ا لذي وقع على ماء ا لاستنجاء ، لا إ لى نفس ا لماء ، فيصير مفاد مجموع ا لروايات عدم وجوب ا لاجتناب عن ا لملاقي ، بعد إ لغاء خصوصيّـة ا لثوبيّـة ، وأ مّا ارتفاع سائر ا لأحكام ا لموضوعـة على ا لنجس ا لمترتّبـة عليـه ، فلا دليل عليـه أصلاً .
في تغيّر ماء الاستنجاء بنجاسة المحلّ
ومنها : لو تغيّر أحد ا لأوصاف ا لثلاثـة لماء الاستنجاء بنجاسـة ا لمحلّ ـ ا لذي انفصل عنـه ا لماء ـ فا لظاهر عدم كونـه طاهراً حينئذ ; وذلك لأنّ ا لسؤال في ا لأخبار ، إنّما هو عن حيثيّـة كونـه ملاقياً للنجس ; بمعنى أ نّـه هل يكون ماء
1 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 125 ، جواهر ا لكلام 1 : 355 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 349 ، ا لطهارة (تقريرات ا لمحقّق ا لحائري) ا لأراكي 1 : 249 . 2 ـ جامع ا لمقاصد 1 : 130 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 348 . 3 ـ ا لكافي 3 : 13 / 5 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 221 ـ 223 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 13 ، ا لحديث 1 و 2 و 3 و 4 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 86 / 228 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 223 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 13 ، ا لحديث 5 .
(الصفحة 230)
ا لاستنجاء كسائر ا لمياه ا لقليلـة ، ا لمنفعلـة بمجرّد ا لملاقاة مع ا لنجاسـة ، أو لـه خصوصيّـة فلاينفعل بذلك ؟
فمحطّ نظر ا لسائل إنّما هو هذه ا لحيثيّـة ، فا لحكم با لطهارة من هذه ا لجهـة لاينافي ا لنجاسـة من حيث ا لتغيّر ، ففي ا لحقيقـة لا منافاة بين أدلّـة طهارة ماء ا لاستنجاء ، وبين ما يدلّ على ا لانفعا ل عند عروض ا لتغيّر ، مثل قولـه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «خلق الله ا لماء طهوراً إلاّ ما غيّر لونـه أو طعمـه»(1) ا لحديث ، فإنّ أخبار ماء ا لاستنجاء إنّما هي متعرّضـة للطهارة من حيث مجرّد ا لملاقاة ، وا لنبوي يدلّ على ا لنجاسـة من حيث ا لتغيّر ، فلا منافاة بينهما ، كما هو واضح .
ثمّ إنّـه لو سلّمنا شمول أدلّـة ا لاستنجاء لصورة ا لتغيّر ، فلا مجا ل لادّعاء ا لانصراف أصلاً ; لأنّ مورده ما إذا أوجب تقييداً في ا لدليل حتّى لايجوز ا لتمسّك بإطلاقـه ، وثبوتـه في ا لمقام محتاج إ لى ا لدليل .
وحينئذ فتقع ا لمعارضـة بين ا لأدلّـة ; لشمول أدلّـة ا لاستنجاء لصورة ا لتغيّر ـ كما هو ا لمفروض ـ وشمول ا لنبوي لها ، ولكن لايخفى أنّ كلا ا لشمولين إنّما هو بالإطلاق ، ومع ذلك فا لترجيح مع ا لنبوي ; لضعف شمول أخبار ا لاستنجاء لهذا ا لفرد ، خصوصاً بعد ملاحظـة نجاسـة ا لكُرّ وا لجاري ـ وغيرهما من ا لمياه ا لمعتصمـة ـ بمجرّد ا لتغيّر ، كما لايخفى .
ثمّ إنّ ا لمراد با لتغيّر ـ في ا لمقام ـ إنّما هو تغيّره بعد ا لانفصا ل عن ا لمحلّ وا لاجتماع في موضع واحد ، وأ مّا مجرّد تغيّر أوّل جزء منـه ا لزائل بعد ا لاجتماع ، أو قبل ا لوصول إ لى ا لمحلّ ا لذي يجتمع فيـه ماء ا لاستنجاء ، فلايوجب ا لنجاسـة
1 ـ ا لمعتبر 1 : 40 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 135 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 1 ، ا لحديث 9 .
(الصفحة 231)
أصلاً ; لنُدرة فرض ما لو لم يتغيّر شيء من أجزائـه بوجـه ، فلو حمل ا لأخبار عليـه يلزم طرحها غا لباً .
طهارة ماء الاستنجاء من حيث هو
ومنها : أنّ مقتضى ا لأدلّـة ا لمتقدّمـة إنّما هو طهارة ماء الاستنجاء من حيث هو ، فلاينافيها ا لحكم با لنجاسـة فيما لو كان ا لمحلّ متنجّساً بنجاسـة اُخرى داخليّـة كانت أو خارجيّـة ; كانت ملاقاة ا لمحلّ لها قبل انفعا لـه با لنجاسـة ا لتي يستنجي منها ، أو معـه أو بعده .
كما أ نّـه لاينافي نجاستـه لو لاقتـه نجاسـة من ا لخارج ; لأنّ ا لأدلّـة متعرّضـة لحكم هذا ا لعنوان ـ عنوان ماء ا لاستنجاء ـ فطهارتـه لاتستلزم ا لطهارة حتّى لو انطبق عليـه بعض ا لعناوين ا لموضوعـة للحكم با لنجاسـة ، كغسا لـة ا لدم ونحوه . وهذا واضح جدّاً .
ولو خرج من ا لمحلّ مع ا لغائط بعض ا لأجسام ا لطاهرة فلا أثر لـه في نجاسـة ا لماء ; نظراً إ لى أنّ ملاقاة ا لمحلّ لها ليست إلاّ كملاقاتـه للمتنجّس ا لخارجي ; وذلك لعدم كون هذه ا لأشياء ملحوظـة بنظر ا لعرف ، كما أ نّـه لو أصاب ا لمحلّ جسم طاهر فتأثّر منـه ، فإنّ ا لعرف لايتعقّلون تأثيره في نجاسـة ا لمحلّ ا لمتأثّر هو منـه أوّلاً ، نعم لو أصابـه فتأثّر ثمّ رجع ثمّ أصابـه ثانياً ، فا لظاهر تأثيره في نجاسـة ا لماء ; لصدق كونها نجاسـة خارجيّـة .
ثمّ إنّ ما ذكره بعضهم : من استثناء ما لو بقي عين ا لنجس في ا لماء ; بحيث يُرى ويُشاهد بعد ا لانفصا ل(1) ، لانفهم لـه وجهاً ، وتنزيلـه منزلـة ا لنجاسـة
1 ـ ا لعروة ا لوثقى 1 : 48 .
(الصفحة 232)
ا لخارجيّـة ا لواصلـة(1) ، غير واضح بعد كون هذا ا لفرد من ا لأفراد ا لمتعارفـة ، لا ا لنادرة حتّى يُدّعى ا لانصراف .
ثمّ إنّـه لو تعدّى ا لنجاسـة عن ا لمحلّ ; بحيث خرج عن صدق ا لاستنجاء ، بل صدق عليـه عنوان غسل ا لنجاسـة ، فا لظاهر ا لنجاسـة ، كما لايخفى وجهـه .
استعمال ماء الاستنجاء في رفع الحدث والخبث
ومنها : لو قلنا بطهارة ماء ا لاستنجاء ـ كما هو ا لأقوى ـ فهل يجوز استعما لـه في رفع ا لخبث وا لحدث معاً ، أو في ا لأوّل دون ا لثاني ، أو لايجوز مطلقاً ؟ فيـه وجوه .
ولكن لايخفى انصراف أدلّـة ا لوضوء وا لغسل ـ ا لمشروعين لحصول ا لتنظيف مقدّمـة لعبادة ا لمعبود جلّ شأ نّـه ـ عن ا لوضوء وا لغسل بماء ا لاستنجاء ، بل تنكر ا لمتشرّعـة على ا لقائل بـه بحيث يجعلونـه كالأحكام ا لمبتدعـة .
كما أ نّـه لايبعد أن يقا ل : بانصراف ا لأدلّـة ا لواردة في ا لتطهير من ا لنجاسات عن ا لتطهير بمثل هذا ا لماء ، فتدبّر .
1 ـ مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 238 .
(الصفحة 233)
حول رفع الخبث والحدث بالماء المستعمل في رفع الحدث
قا ل ا لمحقّق (قدس سره) في «ا لشرائع» : «وا لماء ا لمستعمل في ا لوضوء طاهر ومطهّر ، وما استعمل في رفع ا لحدث ا لأكبر طاهر ويرفع بـه ا لحدث»(1) .
أقول: أ مّا طهارة ا لماء ا لمستعمل في رفع ا لحدث مطلقاً وجواز إزا لـة ا لخبث بـه ، فمورد وفاق بين علمائنا(2) . نعم حُكي(3) عن أبي حنيفـة ا لحكم بنجاسـة ا لمستعمل في ا لوضوء نجاسـة مغلّظـة ; حتّى لو كان في ا لثوب منـه أكثر من قدر ا لدرهم لم تجز ا لصلاة بـه(4) .
وكذلك لا إشكا ل ولا خلاف في جواز استعما ل ا لماء ا لمستعمل في ا لوضوء في رفع ا لحدث مطلقاً(5) . نعم وقع ا لخلاف في جواز استعما ل ا لماء ا لمستعمل في رفع ا لحدث ا لأكبر في رفع ا لحدث مطلقاً على قولين(6) .
أدلّة المنع من رفع الحدث بالماء المستعمل في رفع الأكبر
وعُمدة ما يمكن أن يستدلّ بـه للقول با لمنع من ا لأخبار : روايـة ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : لا بأس بأنّ يتوضّأ با لماء ا لمستعمل ، فقا ل : ا لماء ا لذي
1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 8 . 2 ـ ا لسرائر 1 : 61 ، نهايـة ا لإحكام 1 : 241 ، جامع ا لمقاصد 1 : 127 ، مدارك ا لأحكام 1 : 126 ، مفتاح ا لكرامـة 1 : 87 ، جواهر ا لكلام 1 : 358 . 3 ـ ا لخلاف 1 : 172 ، تذكرة ا لفقهاء 1 : 34 ، جواهر ا لكلام 1 : 359 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 336 . 4 ـ ا لمبسوط ، ا لسرخسي 1 : 46 . 5 ـ راجع ماتقدّم في ا لهامش 2 . 6 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 126 ، جواهر ا لكلام 1 : 361 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 338 .
(الصفحة 234)
يغسل بـه ا لثوب أو يغتسل بـه ا لرجل من ا لجنابـة لايجوز أن يتوضّأ منـه وأشباهـه ، وأ مّا ا لذي يتوضّأ ا لرجل بـه ، فيغسل بـه وجهـه ويده في شيء نظيف ، فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ بـه(1) .
وفي ا لسند ـ كما مرّ سابقاً ـ أحمد بن هلال ، ا لذي قد تقدّم : أ نّـه ورد فيـه ا لطعن برميـه با لغلوّ تارة ، وبا لنصب اُخرى ، بل ورد فيـه ا للعن من ا لناحيـة ا لمقدّسـة(2) .
وتقدّم أيضاً : أنّ ما اعتمد عليـه ا لشيخ ا لأعظم ـ في «كتاب ا لطهارة» ـ في تصحيح سند ا لروايـة من ا لقرائن ، لايكاد يمكن ا لاعتماد عليـه ; لعدم تماميّـة شيء منها ; لأنّ عمدتها ما حكاه عن ابن ا لغضائري : من أنّ ا لأصحاب لم يعتمدوا على روايات ابن هلال إلاّ على ما يرويـه من كتاب ا لمشيخـة لابن محبوب أو ا لنوادر لابن أبي عمير مع استظهاره ان ا لروايـة مأخوذة من كتاب ا لمشيخـة(3) .
ولكن يرد عليـه : ـ مضافاً إ لى أ نّا لم نفهم وجـه ا لاستظهار ـ عدمُ حجّيّـة قول ا لغضائري ، وكونـه طاعناً فيمن لايطعن فيـه غيره لايوجب حجّيّـة قولـه ، كما هو غير خفيّ .
وبا لجملـة:فا لقرائن ا لمذكورة في كلامـه ـ ا لمتقدّمـة سابقاً ـ غير تامّـة من حيث ا لقرينيّـة .
ولكن ا لإنصاف : أ نّـه لو اُغمض ا لنظر عن سند ا لروايـة ، تكون دلالتها على ا لمنع في ا لمقام ظاهرة ، بتقريب : أنّ ا لمراد من قولـه (عليه السلام) : «ا لماء ا لذي يُغسل بـه
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 221 / 630 ، الاستبصار 1 : 27 / 71 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 215 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 9 ، ا لحديث 13 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 218 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 218 ـ 220 .
(الصفحة 235)
ا لثوب» هو غسل ا لثوب من ا لنجاسـة ا لحاصلـة فيـه ; فإنّ ا لمنصرف من لفظ «ا لغسل» ا لوارد في ا لأخبار هو هذا ا لمعنى ـ وإن كان بحسب معناه ا للغـوي أعمّ منـه ـ وهذا بخلاف لفظ «ا لمستعمل» في قولـه : «لابأس بأن يتوضّأ با لماء ا لمستعمل» ، فإنّـه ليس لـه حقيقـة خاصّـة في اصطلاح ا لشرع ، بل ا لمراد معناه ا للغوي .
وا لمراد من قولـه : «أو يغتسل بـه ا لرجل من ا لجنابـة» ظاهره ا لذي هو عبارة عن ا لماء ا لمستعمل في رفع حدث ا لجنابـة ، لا ما يغسل بـه ا لمنيّ ; نظراً إ لى ا لملازمـة ا لعاديّـة بين حدوث ا لجنابـة ونجاسـة ا لبدن با لمنيّ واجتماع غسا لتهما ـ نوعاً ـ في مكان واحد .
وذلك ـ مضافاً إ لى منع ا لملازمـة ـ لأنّ ا لحكم مترتّب على هذا ا لعنوان ; أي ما يستعمل في رفع حدث ا لجنابـة ، فمجرّد ا لملازمـة لايوجب صرف ا لحكم عنـه إ لى عنوان آخر . وهذا واضح جدّاً .
مضافاً إ لى أ نّـه لو كان ا لمراد غُسا لـة ا لمنيّ لم يكن وجـه لتخصيصـه با لذكر ، بعد ذكر غسا لـة ا لنجاسات قبلـه ، كما لايخفى .
فحاصل مـدلـول ا لـروايـة : عـدم جـواز ا لتـوضّي بغسـا لة ا لنجاسـات ، ولا با لماء ا لمستعمل فـي رفـع حـدث ا لجنابـة أو ما يعمّها ـ بناءً على أن يكـون قولـه : «وأشباهـه» معطـوفاً على ا لضمير ا لمجـرور فـي قولـه : «يتوضّأ منـه» حتّى يكون مكسوراً ـ وأ مّا ا لتوضّي با لماء ا لمستعمل فـي ا لوضوء ـ إذا اجتمع في محلّ نظيف لم يكن نجساً ـ فهو جائز صحيح ، وفيـه إشعار على خلاف ما زعمـه أبو حنيفـة من نجاسـة ماء ا لوضوء كما تقدّم . فتصير ا لـروايـة ـ بناءً على ما ذكر ـ متعرّضـة لحكم ثلاث مسائل :
ا لتوضّي بغُسا لـة ا لنجاسات ، وبا لماء ا لمستعمل في رفع ا لحدث ا لأكبر ،
(الصفحة 236)
وبا لماء ا لمستعمل في ا لوضوء .
فالإنصاف : أنّ دلالـة ا لروايـة على ا لمنع ـ في مسأ لتنا ـ تامّـة ، إلاّ أ نّك عرفت ضعف سندها ; بحيث لايجوز ا لاعتماد عليها بوجـه .
وقد يستدلّ أيضاً بأخبار اُخر
منها :روايـة ابن مسكان ، قا ل : حدّثني صاحب لي ثقـة : أ نّـه سأل أباعبدالله (عليه السلام) عن ا لرجل ينتهي إ لى ا لماء ا لقليل في ا لطريق ، فيريد أن يغتسل وليس معـه إناء ، وا لماء في وَهْدة ، فإن هو اغتسل رجع غسلـه في ا لماء ، كيف يصنع ؟ قا ل : «ينضح بكفّ بين يديـه ، وكفّاً من خلفـه ، وكفّاً عن يمينـه ، وكفّاً عن شما لـه ، ثمّ يغتسل»(1) .
فإنّ ا لظاهر من تقرير ا لإمام (عليه السلام) وأمره با لنضح ـ ا لذي هو مانع من رجوع ا لغُسا لـة إ لى ا لماء ; لأنّ ا لظاهر أنّ ا لمراد با لنضح هو ا لنضح على ا لأرض ، لا على ا لبدن ، وا لنضح على ا لأوّل يوجب رطوبتها ، وهي تمنع من جريان ا لماء على ا لوَهْدة ـ أنّ دخول ا لماء ا لمستعمل في رفع ا لحدث ا لأكبر في ا لماء ا لذي يغتسل منـه مانع عن صحّـة ا لغسل بـه .
ولكن دلالة ا لروايـة على ا لمنع غير واضحـة ; لعدم ا لدليل على أنّ المحذور ا لـذي قـرّره ا لإمام (عليه السلام) ، هـي حرمـة الاستعما ل ، فلعـلّ ا لسائل يرى كراهتـه .
ويؤيّده : وضوح أنّ ا لعلاج بما ذُكر مبنيّ على ا لمسامحـة .
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 417 / 1318 ، الاستبصار 1 : 28 / 72 ، ا لمستطرفات ، ضمن ا لسرائر 3 : 555 ، ا لمعتبر 1 : 88 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 217 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 10 ، ا لحديث 2 .
(الصفحة 237)
هذا مضافاً إ لى أ نّـه يمكن أن يكون ما توهّمـه ا لسائل ، محذورَ غُسا لـة ا لنجاسـة ; لاشتما ل بدن ا لجنب عليها غا لباً .
كما أ نّـه غير خفيّ أنّ ا لنضح بالأكفّ ، لايصير مانعاً عن جريان ا لماء مطلقاً لو سلّم أصل ا لمانعيّـة ، فا لظاهر أنّ استحبابـه نفسيّ ، كما ورد في بعض ا لأخبار ا لأمر بـه أيضاً(1) .
ومنها :روايـة حمزة بن أحمد ، عن أبي ا لحسن ا لأوّل (عليه السلام) ، قا ل : سأ لتـه أو سأ لـه غيري عن ا لحمّام ؟ قا ل : «اُدخلـه بمئزر ، وغضّ بصرك ، ولاتغتسل من ا لبئر ا لتي تجتمع فيها ماء ا لحمّام ، فإنّـه يسيل فيها ما يغتسل بـه ا لجنب ، وولد ا لزنا ، وا لناصب لنا أهل ا لبيت ، وهو شرّهم»(2) .
فإنّ ا لظاهر أنّ كلّ واحد من ا لثلاثـة مستقلّ في ا لنهي عن ا لاغتسا ل بـه .
ولكن يرد على ا لاستدلال بها ـ مضافاً إ لى جها لـة بعض ا لرواة(3) ـ أ نّـه لايتمّ مع اشتما لها على ا لنهي عن ا لاغتسا ل بغسا لـة ولد ا لزنا ; لقيام ا لإجماع على طهارتـه(4) ، فا لواجب حمل ا لنهي على ا لكراهـة ، مضافاً إ لى عدم خُلُوّ غُسا لـة ا لجُنُب ـ غا لباً ـ عن غُسا لـة نجاسـة بدنـه .
1 ـ ا لكافي 3 : 3 / 1 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 408 / 1283 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 218 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 10 ، ا لحديث 3 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 373 / 1143 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 218 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 11 ، ا لحديث 1 . 3 ـ رواها ا لشيخ بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن محمّد بن عبدا لحميد ، عن حمزة بن أحمد . وحمزة بن أحمد مجهول . اُنظر رجا ل ا لطوسي : 335 / 13 . 4 ـ جواهر ا لكلام 6 : 68 .
(الصفحة 238)
ومنها :صحيحـة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) عليهما ا لسلام ، قا ل : سأ لتـه عن ماء ا لحمّام ، فقا ل : «اُدخلـه بإزار ، ولاتغتسل من ماء آخر إلاّ أن يكون فيهم جُنُب أو يكثر أهلـه فلايدرى فيهم جنب أم لا»(1) .
بتقريب : أنّ ا لنهـي فـي ا لمستثنى منـه لايـدلّ علـى ا لحرمـة ; حتّى يكـون ا لاستثناء منهـا دليـلاً علـى جـواز ا لمستثنى ; للقطع بعـدم حرمـة ا لاغتسا ل مـن ماء آخر .
وتوجيـه ا لنهي : بأ نّـه مناف للتقيّـة ، يدفعـه ا لاستثناء ; لأنّ ا لتقيّـة لا استثناء فيها .
وأنت خبير : بأ نّـه ـ مضافاً إ لى أنّ عطف صورة ا لشكّ على صورة ا لعلم ، يدلّ على عدم حرمـة ا لاغتسا ل بماء ا لحمّام ; للإجماع على جواز ا لاغتسا ل بغُسا لـة ا لمشكوك جنابتـه ـ يكون ا لنهي لاشتما ل بدن ا لجُنُب على ا لنجاسـة غا لباً .
ويمكن أن يستدلّ على ا لمنع أيضاً : بروايـة ا لفضيل بن يسار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في ا لرجل ا لجُنُب يغتسل فينتضح من ا لماء في ا لإناء ؟ فقا ل : «لابأس ما جعل عليكم في ا لدين من حرج»(2) .
فإنّ انتضاح ا لماء في ا لإناء يعمّ بإطلاقـه صورة الانتضاح من ا لبدن إ ليـه من دون توسّط ا لأرض أيضاً ، وحينئذ فتعليل نفي ا لبأس بعدم مجعوليّـة ا لحرج في ا لدين ، يدلّ على أنّ ا لقطرة أو ا لقطرات ا لمنتضحـة في ا لإناء ، كانت مُقتضيـة لعدم
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 379 / 1175 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 149 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 7 ، ا لحديث 5 . 2 ـ ا لكافي 3 : 13 / 7 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 86 / 224 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 212 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 9 ، ا لحديث 5 .
(الصفحة 239)
جواز ا لاستعما ل من ا لماء ا لموجود في ا لإناء ، إلاّ أ نّـه مرفوع للزوم ا لحرج ، فيدلّ على أنّ ا لماء ا لمستعمل لو كان جارياً في ا لإناء لايجوز الاغتسا ل بـه أصلاً ، وا لقائل با لمنع أيضاً يقول باستثناء ا لقطرة وا لقطرات ، كما سيأتي(1) .
وا لذي يوهن ا لتمسّك با لروايـة : أنّ هذه ا لروايـة رواها ا لشيخ (قدس سره) بعينها عن فضيل بن يسار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) (2) ، إلاّ أ نّـه ذكر فيها بدل «ينتضح من ا لماء» «ينتضح من ا لأرض» ، وحينئذ فتعليل نفي ا لبأس بنفي ا لحرج ، إنّما هو لاحتما ل نجاسـة ا لأرض ، فيصير مدلول ا لروايـة : أنّ ا لنكتـة في ا لحكم بطهارتها في مورد ا لشكّ ، إنّما هو لزوم ا لحرج ، فا لروايـة ـ حينئذ ـ أجنبيّـة عن ا لمقام .
أدلّة جواز رفع الحدث بالماء المستعمل في رفع الأكبر
ثمّ إنّ من أدلّـة ا لقائلين با لجواز : صحيحـة عليّ بن جعفر ، عن أبي ا لحسن ا لأوّل (عليه السلام) ، قا ل : سأ لتـه عن ا لرجل يصيب ا لماء في ساقيـة أو مستنقع ، أيغتسل منـه للجنابـة ، أو يتوضّأ منـه للصلاة ؟ إذا كان لايجد غيره ، وا لماء لايبلغ صاعاً للجنابـة ، ولا مدّاً للوضوء ، وهو متفرّق ، فكيف يصنع ، وهو يتخوّف أن تكون ا لسباع قد شربت منـه ؟ فقا ل : «إن كانت يده نظيفـة فليأخذ كفّاً من ا لماء بيد واحدة فلينضحـه خلفـه ، وكفّاً أمامـه ، وكفّاً عن يمينـه ، وكفّاً عن شما لـه ، فإن خشي أن لايكفيـه غسل رأسـه ثلاث مرّات ثمّ مسح جلده بيده ، فإنّ ذلك يجزيـه ، وإن كان ا لوضوء غسل وجهـه ، ومسح يده على ذراعيـه ورأسـه
1 ـ يأتي في ا لصفحـة 244 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 86 / 225 .
(الصفحة 240)
ورجليـه ، وإن كان ا لماء متفرّقاً فقدر أن يجمعـه ، وإلاّ اغتسل من هذا ومن هذا ، وإن كان في مكان واحد وهو قليل لايكفيـه لغسلـه ، فلا عليـه أن يغتسل ، ويرجع ا لماء فيـه ، فإنّ ذلك يجزيـه»(1) .
فإنّ قولـه (عليه السلام) في ذيل ا لروايـة : «فلا عليـه أن يغتسل . . .» إ لى آخره ، يدلّ على كفايـة ا لاغتسا ل با لماء ولو رجع فيـه غُسا لـة بعض ا لأعضاء ، كما لايخفى .
ولكن دلالـة ا لروايـة على ا لمنع وا لاستدلال بها عليـه ، أوضح من دلالـة سائر روايات ا لمنع ، وأولى منها للاستدلال بها عليـه ، فإنّ حكمـه (عليه السلام) با لنضح با ليد إ لى ا لجهات ا لأربع ، ليس إلاّ لعلاج رجوع ا لماء ا لمستعمل فيـه ، وهو لاينافي ا لحكم بالإجزاء في ا لذيل ، فإنّ ذلك يختصّ بحا ل ا لضرورة . فا لروايـة تدلّ على ا لمنع كسائر ما يدلّ عليـه بل أوضح منها ، كما عرفت .
هذا ، ولكنّ ا لإنصاف : أنّ ا لنضح ليس لعلاج رجوع ا لماء ; بتقريب : أنّ رشّ ا لأرض يوجب سرعـة جذب ا لماء ، فإنّ ذلك مخا لف للوجدان قطعاً ، فإنّ رشّها لو لم يكن مانعاً عن جذب ا لماء ، لايكون موجباً للسرعـة ضرورةً ، وكذلك ا لنضح ليس نضحاً على ا لبدن ـ كما قيل(2) ـ فإنّ ذلك مناف للأمر بـه في ا لوضوء أيضاً ، كما في روايـة ا لكاهلي ، قا ل : سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول : «إذا أتيت ماء وفيـه قلّـة ، فانضح عن يمينك وعن يسارك وبين يديك وتوضّأ»(3) .
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 367 / 1115 ، و : 416 / 1315 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 216 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 10 ، ا لحديث 1 . 2 ـ ذكرى ا لشيعـة 1 : 103 ، اُنظر ا لحدائق ا لناضرة 1 : 463 . 3 ـ ا لكافي 3 : 3 / 1 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 408 / 1283 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 218 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمضاف ، ا لباب 10 ، ا لحديث 3 .
|