(الصفحة 281)
ا لقواعد وا لاُصول ا لشرعيّـة ، بل منافياً لما يستفاد من ا لأخبار ا لحاصرة للنواقض في غير هذه ا لموارد(1) ـ دليل قطعي على أنّ ا لحكم كان كذلك في زمان ا لأئمّـة (عليهم السلام) ، وقد وصل إ لينا بتوسط ا لفقهاء ـ ا لذين هم حملـة أحكام الله ومخازن علوم ا لنبيّ وا لأئمّـة صلوات الله عليـه وعليهم ـ يداً بيد ، خَلَفاً عن سَلَف ، ولاحقاً عن سابق .
الاستدلال بالأخبار على ناقضيّة كلّ ما أزال العقل
وربّما استُدلّ(2) بصحيحـة معمّر بن خلاد قا ل : سأ لت أبا ا لحسن (عليه السلام) عن رجل بـه علّـة لايقدر على ا لاضطجاع ، وا لوضوء يشتدّ عليـه ، وهو قاعد مستند با لوسائد ، فربما أغفى وهو قاعد على تلك ا لحا ل ، قا ل : «يتوضّأ» ، قلت لـه : إنّ ا لوضوء يشتدّ عليـه لحا ل علّتـه ؟ فقا ل : «إذا خفي عليـه ا لصوت فقد وجب عليـه ا لوضوء» ا لحديث(3) .
وأنت خبير بأنّ ا لإغفاء بمعنى ا لنوم ا لخفيف ، يقا ل : أغفى ; أي نام نومـة خفيفـة ـ كما في «ا لمنجد»(4) ـ وعليـه فلايتمّ ا لاستدلال با لروايـة على ا لمطلوب .
أو قولـه (عليه السلام) : «إذا خفي عنـه ا لصوت» ، لا دلالـة فيـه على أنّ ا لعلّـة مجرّد
1 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 248 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب نواقض ا لوضوء ، ا لباب 2 ، ا لحديث 6 و 8 و 9 ، و : 252 ، ا لباب 3 ، ا لحديث 1 و 4 . 2 ـ ا لمعتبر 1 : 111 ، تذكرة ا لفقهاء 1 : 104 ، جواهر ا لكلام 1 : 409 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 28 . 3 ـ ا لكافي 3 : 37 / 14 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 9 / 14 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 257 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب نواقض ا لوضوء ، ا لباب 4 ، ا لحديث 1 . 4 ـ ا لمنجد : 556 .
(الصفحة 282)
خفاء ا لصوت ، وهو مطلق قد يتحقّق با لنوم وقد يتحقّق بغيره من إغماء أو جنون ; وذلك لأنّ ا لضمير يرجع إ لى ا لرجل ا لمحدث با لحدث ا لمعهود ; أي ا لرجل ا لذي قد أغفى ، فلا دلالـة لـه على ا لإطلاق ، مضافاً إ لى أنّ خفاء ا لصوت إنّما هو في ا لإغماء ونظائره ، دون ا لجنون وأشباهـه .
واستدلّ(1) لـه أيضاً ببعض ا لأخبار ا لواردة في ا لنوم ، ا لدالّـة على أنّ النوم ا لناقض هو ا لنوم ا لمزيل للعقل ، كما في صحيحـة زرارة ا لمتقدّمـة(2) ; بدعوى ظهورها في إناطـة ا لحكم بزوال ا لعقل ، وهو موجود في ا لجنون وا لسكر بطريق أولى ، ولكن لايخفى أنّ ا لتقييد بإزا لـة ا لعقل إنّما هو لتحديد ا لنوم ا لناقض ، فلا دلالـة فيـه ـ بل ولا إشعار ـ على ا لعلّيّـة ; وكونـه مناطاً للحكم أصلاً .
في المراد من العقل
ثمّ لايذهب عليك : أنّ ا لمراد با لعقل ا لزائل بسبب ا لنوم هو ا لإدراك وا لإحساس ، وإلاّ فا لنائم لايكون فاقداً للقوّة ا لعاقلـة ، وا لفرق بين ا لنائم وا لمجنون ـ مع اشتراكهما في عدم ا لإدراك ـ هو أنّ ا لمجنون يكون تعطيل قواه مستنداً إ لى ا لاختلال ا لحاصل فيها ، بخلاف ا لنائم ، فإنّـه لم يعرض لـه بسبب ا لنوم اختلال أصلاً ، كما هو واضح .
وحينئذ فا لمراد با لعقل ا لذي اُنيط ا لحكم بزوا لـه ـ على تقدير تسليم استفادة ا لعلّيّـة ـ هو ا لإدراك ، كما عرفت ، وذهابـه بهذا ا لمعنى إنّما يتحقّق في بعض صور ا لإغماء فقط ، ولايشمل جميع ا لفروض .
1 ـ اُنظر مدارك ا لأحكام 1 : 149 ، جواهر ا لكلام 1 : 409 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 409 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 29 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 277 .
(الصفحة 283)
وربما يستدلّ(1) أيضاً بقولـه (عليه السلام) ـ في ذيل روايـة «ا لعلل» ا لمتقدّمـة(2) ـ : «وأ مّا ا لنوم فإنّ ا لنائم إذا غلب عليـه ا لنوم يُفتح كلّ شيء منـه واسترخى ، فكان أغلب ا لأشياء عليه فيما يخرج منه ا لريح ، فوجب عليه ا لوضوء لهذه ا لعلّة» .
بدعوى : أنّ كلّ ما يوجب ذهاب ا لعقل يكون محقّقاً للعلّـة ا لموجبـة لتشريع ا لوضوء .
ولكـن لايخفـى أنّ ا لعلّـة إنّما تكـون حكمـة ونكتـة للتشريع وا لجعل ; بمعنى أنّ إيجاب ا لوضـوء عليـه إنّما هـو لكونـه فـي معـرض خـروج ا لريح منـه ، فلايستفاد منها كـون ا لمجعول دائراً ـ وجوداً وعدماً ـ مـدار تلك ا لعلّـة ، مضافاً إ لى وضـوح أنّ ا لعلّة لاتجـري فـي جميع صـور ا لمسأ لة ، فإنّ ا لجنون ونظائره لاتوجب ا لاسترخاء .
وا لذي يسهّل ا لخطب ما عرفت : من كون ا لمسأ لـة إجماعيّـة ; بحيث لم ينقل ا لخلاف فيـه من أحد من ا لأصحاب ، بل ومن ا لعامّـة .
السادس : الاستحاضة
وهي في ا لجملـة من الأحداث الموجبة للوضوء وسيأتي ا لبحث عنها في باب ا لدماء ا لثلاثـة إن شاء الله تعا لى .
ثمّ لايخفى أنّ ا لجنابـة وإن كانت ناقضـة للوضوء مبطلـة لـه ، إلاّ أ نّها ليست من ا لأحداث ا لموجبـة للوضوء ; لأ نّها موجبـة للغسل ، كما سيأتي .
1 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 410 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 30 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 273 ـ 274 .
(الصفحة 285)
المسألة الثالثة
في أحكام الخَلْوة
وهي ثلاثـة :
الأوّل: في كيفيّة التخلّي
وفيها حكمان :
ا لحكم ا لأوّل : وجوب ستر ا لعورة : وهو ـ أي وجوب ا لستر ـ مطلقاً في ا لتخلّي وغيره ، وكذا وجوب حفظ ا لنظر عن عورة من يجب عليـه ا لتستّر عنـه ، ممّا لا خلاف فيـه(1) ولا إشكا ل ، بل ربما يعدّ من ضروريّات ا لدين(2) .
الاستدلال بآية الغضّ على وجوب ستر العورة
ويدلّ عليـه من ا لكتاب قولـه تعا لى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ . . .) ا لآيـة(3) .
1 ـ مفتاح ا لكرامـة 1 : 49 / ا لسطر 1 ـ 4 ، جواهر ا لكلام 2 : 2 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 43 ، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 2 : 185 . 2 ـ جواهر ا لكلام 2 : 2 . 3 ـ ا لنور (24) : 30 .
(الصفحة 286)
بتقريب : أنّ ا لمراد من غضّ ا لبصر ليس غضّـه عن كلّ شيء ، وكذا ليس ا لمراد غضّ ا لبصر عن ا لمحرّمات ; بمعنى غمض ا لعين وا لاجتناب عنها ، بل ا لمراد منـه غضّ ا لبصر عن فروج ا لغير ، كما يدلّ عليـه ذكر ا لفروج في قولـه : (وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) وعليـه فيكون ا لمراد من قولـه : (وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) هو حفظ ا لفرج من أن ينظر إ ليـه بملاحظـة ا لسياق ، فالآيـة ا لشريفـة بظاهرها تدلّ على ا لحكمين من دون حاجـة ـ في مقام ا لاستدلال بها ـ إ لى ما ورد في تفسيرها ممّا رواه ا لصدوق ، أ نّـه سُئل ا لصادق (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : (قُلْ لِلْمُؤْمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) ؟ فقا ل :«كُلّ ما كان في كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ من حفظ ا لفرج فهو من ا لزنا إلاّ في هذا ا لموضع ، فإنّـه للحفظ من أن يُنظر إ ليـه»(1) .
وممّا عن تفسير ا لنعماني ، عن عليّ (عليه السلام) في قولـه تعا لى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) : معناه لاينظر أحدُكم إ لى فرج أخيـه ا لمؤمن ، أو يُمكّنـه من ا لنظر إ لى فرجـه ، ثمّ قا ل : (قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) أي ممّن يلحقهنّ ا لنظر ، كما جاء في حفظ ا لفروج ، فا لنظر سبب إيقاع ا لفعل من ا لزنا وغيره(2) .
ولايخفى أ نّـه لو لم نقل بظهور ا لآيـة بنفسها في ذلك ، فإثبات ا لحكم بها ـ ولو بمعونـة ما ورد في تفسيرها ـ مشكل ; لكون ا لروايتين مرسلتين ، ولايجوز ا لاعتماد عليهما .
1 ـ ا لفقيـه 1 : 63 / 235 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 300 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب1 ، ا لحديث 3 . 2 ـ ا لمحكم وا لمتشابـه : 64 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 300 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 1 ، ا لحديث 5 .
(الصفحة 287)
ويدلّ على ا لحكم ا لمذكور أيضاً ا لأخبار ا لكثيرة ا لمستفيضـة(1) .
وبا لجملـة : لاينبغي ا لإشكا ل في أصل ا لحكم بنحو ا لإجما ل .
وإنّما ا لكلام في إطلاقـه با لنسبـة إ لى ا لمسلم وا لكافر وا لصغير وا لكبير وا لمميِّز وغير ا لمميِّز ، فنقول :
ظاهر ا لآيـة ا لشريفـة ـ وأكثر ا لنصوص ا لواردة في ا لمسأ لـة ـ إطلاق ا لحكم بالإضافـة إ لى ا لجميع إلاّ غير ا لمميّز ، فإنّ ا لظاهر عدم ا لشمول لـه ; لأ نّـه لايُفهم عرفاً من وجوب ا لتستّر إلاّ وجوبـه عمّن لـه إدراك وشعور ، كما يظهر بمراجعـة ا لعرف ، ولذا لايُفهم من ذلك وجوب ا لتستّر عن ا لبهائم وا لحيوانات ، فضلاً عن غيرها ، كما لايخفى .
ويظهر من ا لمحكيّ عن ا لصدوق : عدم حرمـة ا لنظر إ لى عورة ا لكُفّار(2) ; تمسّكاً بما رواه في ا لفقيـه عن ا لصادق (عليه السلام) ، أ نّـه قا ل : «إنّما أكره ا لنظر إ لى عورة ا لمسلم ، وأ مّا ا لنظر إ لى عورة من ليس بمسلم مثل ا لنظر إ لى عورة ا لحمار»(3) .
وبمرسلـة ابن أبي عُمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : «ا لنظر إ لى عورة من ليس بمسلم مثل ا لنظر ا لى عورة ا لحمار»(4) .
هذا ، ولكن إعراض ا لأصحاب عنهما يخرجهما عن الاعتبار فلايجوز ا لاعتماد عليهما .
1 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 299 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 5 ، مستدرك ا لوسائل 1 : 248 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 1 . 2 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 421 . 3 ـ ا لفقيـه 1 : 63 / 236 ، وسائل ا لشيعـة 2 : 36 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب آداب ا لحمّام ، ا لباب 6 ، ا لحديث 2 . 4 ـ ا لكافي 6 : 501 / 27 ، وسائل ا لشيعـة 2 : 35 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب آداب ا لحمّام ، ا لباب 6 ، ا لحديث 1 .
(الصفحة 288)
حدود العورة الواجب سترها
ثمّ إنّ ا لمراد با لعورة ا لتي يجب سترها ، ويحرم ا لنظر إ ليها ، هي ا لقُبُل وا لدُبُر وا لبيضتان ; لدلالـة ا لعرف عليـه ، وللآيـة ا لشريفـة(1) ا لدالّـة على وجوب ستر الفرج وتحريم ا لنظر إ ليـه ; لأنّ ا لفرج لايشمل أزيد من ذلك قطعاً .
ويدلّ عليـه أيضاً : مرسلـة أبي يحيى ا لواسطي ، عن بعض أصحابـه ، عن أبي ا لحسن ا لماضي (عليه السلام) ، قا ل : «ا لعورة عورتان : ا لقُبُل وا لدُّبُر ، وا لدُّبُر مستور بالإليتين ، فإذا سترت ا لقضيب وا لبيضتين فقد سترت ا لعورة»(2) .
وما رواه ا لشيخ بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن ا لعبّاس عن علي بن إسماعيل ، عن محمّد بن حكيم ، قا ل ا لميثمي : لا أعلمـه إلاّ قا ل : رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) أو من رآه(3) متجرّداً وعلى عورتـه ثوب ، فقا ل : «إنّ ا لفخذ ليست من ا لعورة»(4) .
ومرسلـة ا لصدوق ، قا ل : قا ل ا لصادق (عليه السلام) : «ا لفخذ ليس من ا لعورة»(5) .
ولايخفـى أنّ إسناد ا لصـدوق ا لحكم ا لمذكور إ لى ا لإمام (عليه السلام) ـ مـن دون
1 ـ ا لنور (24) : 30 . 2 ـ ا لكافي 6 : 501/ 26 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 374 / 1151 ، وسائل ا لشيعـة 2 : 34 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب آداب ا لحمّام ، ا لباب 4 ، ا لحديث 1 . 3 ـ هكذا في ا لتهذيب وهو ا لصحيح وفي ا لوسائل(ط . الإسلامية) : رآها . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 374 / 1150 ، وسائل ا لشيعـة 2 : 34 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب آداب ا لحمّام ، ا لباب 4 ، ا لحديث 1 . 5 ـ ا لفقيـه 1 : 67 / 253 ، وسائل ا لشيعـة 2 : 35 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب آداب ا لحمّام ، ا لباب 4 ، ا لحديث 4 .
(الصفحة 289)
أن يروي عنـه ـ يشعر بل يدلّ على اعتماده على ا لروايـة وكونها معتبرة عنده ، ففي ا لحقيقـة يصير ذلك بمنزلـة ا لشهادة على صدورها ; لكون رواتها موثّقين بنظره ، فلا مجا ل للإشكا ل على ا لاستدلال بها بمثل ا لإرسا ل ; لأنّ هذا ا لنحو من ا لإرسا ل ـ في قبا ل ما إذا أسنده إ لى ا لروايـة ، فقا ل ـ مثلاً ـ : روي كذا وكذا ـ لايضرّ بالاعتماد على ا لروايـة .
ويؤيّد ا لحكم ا لمذكور : ما رواه ا لصدوق بإسناده عن عبدالله ا لمرافقي «أ نّـه دخل حمّاماً با لمدينـة ، فأخبره صاحب ا لحمّام : أنّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يدخلـه فيبدأ فيطلي عانتـه وما يليها ، ثمّ يلفّ إزاره على أطراف إحليلـه ، ويدعوني فاُطلي سائر بدنـه» ا لحديث(1) .
وقد يستدلّ على أنّ ا لعورة ما بين ا لسرّة وا لرُكبـة(2) : بما رواه بشير ا لنبّا ل ، قا ل : سأ لت أبا جعفر (عليه السلام) عن ا لحمّام فقا ل (عليه السلام) : «تريد ا لحمّام ؟» قلت : نعم فأمر بإسخان ا لماء ثمّ دخل فاتّزر بإزار ، فغطّى ركبتيـه وسُرّتـه . . . إ لى أن قا ل : ثمّ قا ل : «هكذا فافعل»(3) .
وفيـه ـ مضافاً إ لى ما في سنده من ا لإرسا ل وغيره ـ ما لايخفى من عدم ا لدلالـة ، كما هو ظاهر .
وبما رواه في محكيّ «قرب ا لإسناد» عن ا لحسن بن ظريف ، عن ا لحسين بن علوان ، عن جعفر ، عن أبيـه ، أ نّـه قا ل : «إذا زوّج ا لرجل أمتـه فلاينظرنّ إ لى
1 ـ ا لفقيـه 1 : 65 / 250 ، وسائل ا لشيعـة 2 : 53 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب آداب ا لحمّام ، ا لباب 18 ، ا لحديث 1 . 2 ـ ا لحدائق ا لناضرة 7 : 6 . 3 ـ ا لكافي 6 : 501 / 22 ، وسائل ا لشيعـة 2 : 35 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب آداب ا لحمّام ، ا لباب 5 ، ا لحديث 1 .
(الصفحة 290)
عورتها ، وا لعورة ما بين ا لسُرّة وا لرُكبـة»(1) .
ولايخفى أ نّـه لا دلالـة لها على أنّ ا لعورة مطلقاً كذا ، بل ظاهرها أنّ ا لمراد بعورة ا لأمـة ا لمزوّجـة با لغير ـ ا لتي يحرم ا لنظر إ ليها ـ هو ما بين ا لسُرّة وا لركبـة ، غايتها أن يكون ا لمراد بعورة ا لنساء هو ما ذكر ، لا أن تكون ا لعورة مطلقاً بهذا ا لمعنى ا لمذكور .
وبا لجملـة : فلا ينبغي ا لإشكا ل في أنّ ا لعورة لاتشمل أزيد من ا لقُبُل وا لدُبُر وا لبيضتين ، ولعلّـه يجيء تفصيلـه في كتاب ا لصلاة .
ثمّ إنّـه لا إشكا ل في وجوب ا لتستّر فيما لو علم وجود ا لناظر با لفعل ، وا لظاهر أ نّـه لا إشكا ل أيضاً في ا لوجوب فيما لو علم بتجدّده على تقدير كشفها ، كما لو علم بوجود ا لناظر في ا لحمّام فدخلـه مكشوف ا لعورة .
كما أنّ ا لظاهر حرمـة ا لدخول فيـه ; إذا علم بأ نّـه يقع نظره إ لى عورة ا لغير على تقدير ا لدخول فيـه ; وذلك لأ نّـه يصدق عليـه أ نّـه فعل ذلك اختياراً وإن كان شيء من ا لنظر وعدم ا لتستّر ليس في نفسـه أمراً اختياريّاً .
ثمّ إنّ ا لواجب في باب ستر ا لعورة ، إنّما هو إخفاؤها عن ا لغير بثوب أو يد أو غيرهما من ا لأشياء ا لحائلـة بينها وبين ا لنظر ; لأنّ ا لغرض إنّما هو حفظها عن ا لناظرين ، وهو يحصل بكلّ ما يوجب اختفاءها عن نظر ا لغير ، ولايجب سترها بحيث لايرى حجمها ; لعدم ا لدليل على حفظ ا لحجم أيضاً . نعم لا عِبْرة با لحاجب ا لذي يحكي مـا وراءه لرقّتـه ; لأ نّـه لايصدق عليـه «ا لساتر» بنظر ا لعرف ، كما هـو ظاهر .
1 ـ قرب ا لإسناد : 103 / 345 ، وسائل ا لشيعـة 21 : 148 ، كتاب ا لنكاح ، أبواب نكاح ا لعبيد وا لإماء ، ا لباب 44 ، ا لحديث 7 .
(الصفحة 291)
الحكم الثاني: حرمة استقبال القبلة واستدبارها
كما هو ا لمشهور بين أصحابنا ا لإماميّـة(1) ـ رضوان الله عليهم ـ من دون فرق بين ا لصحاري وا لأبنيـة .
وحكي عن ظاهر سلاّر ا لتفصيل بين ا لصحاري وا لأبنيـة ; بحرمـة ا لاُولى وكراهـة ا لثانيـة(2) .
وعن ا لمفيد إباحتها(3) ، مثل ما يقولـه ا لشافعي(4) .
وعن ابن ا لجُنيد استحباب ترك ا لاستقبا ل في ا لصحراء ، ولم يتعرّض لحكم ا لاستدبار فيها ، ولا لحكم ا لبنيان أصلاً(5) .
وعن بعض ا لعامّـة ا لتفصيل بين ا لاستقبا ل وا لاستدبار(6) .
وعن بعضهم ا لجواز فيهما ; أي في ا لصحاري وا لأبنيـة جميعاً(7) .
وكيف كان ، فا لعمدة في إثبات ا لحكم في ا لمقام هي ا لشهرة ا لعظيمـة ا لمحقّقـة ; لأنّ ا لأخبار ا لواردة في هذا ا لباب غير قابلـة للاستناد إ ليها ; لضعف سندها ، ولاشتما لها على ما لايلتزم به أحد مثل حرمة استقبا ل ا لريح واستدبارها .
1 ـ تذكرة ا لفقهاء 1 : 117 ، جواهر ا لكلام 2 : 8 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 427 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 51 . 2 ـ ا لمراسم : 32 ، مختلف ا لشيعـة 1 : 99 ، مفتاح ا لكرامـة 1 : 49 / ا لسطر14 . 3 ـ ا لمقنعـة : 41 ، اُنظر تذكرة ا لفقهاء 1 : 118 . 4 ـ ا لخلاف 1 : 102 ، تذكرة ا لفقهاء 1 : 118 ، ا لاُمّ 1 : 23 ، ا لمجموع 2 : 81 . 5 ـ اُنظر ا لمعتبر 1 : 122 ، مختلف ا لشيعـة 1 : 99 . 6 ـ ا لخلاف 1 : 102 ، تذكرة ا لفقهاء 1 : 119 ، ا لمجموع 2 : 81 . 7 ـ ا لخلاف 1 : 102 ، ا لمغني ، ابن قدامـة 1 : 153 ، ا لمجموع 2 : 81 .
(الصفحة 292)
ولكن يقع ا لكلام : في أنّ ا لشهرة هل تكون مستندة إ لى تلك ا لأخبار ; بمعنى أنّ ا لمشهور اعتمدوا عليها في مقام ا لإفتاء بهذا ا لحكم ; بحيث تكون ا لشهرة جابرة لضعفها ، فتصير ا لروايات كالأخبار ا لصحيحـة ; حتّى يجب ا لنظر في مدلولها ، وا لحكم على طبق مضمونها ولو لم يقل بـه ا لمشهور ، أو أنّ ا لمدار على ا لشهرة ، فكلّ مورد تحقّقت فيـه ا لشهرة تجب متابعـة ا لمشهور ، دون ما لم تتحقّق فيـه ؟
وا لثمرة بينهما تظهر فيما بعد .
الروايات التي قد يستند إليها في المقام
وكيف كان ، فلا بأس بذكر ا لروايات ا لواردة في ا لباب ، فنقول :
منها :ما رواه ا لكليني ، عن عليّ بن إبراهيم رفعـه ، قا ل : خرج أبو حنيفـة من عند أبي عبدالله (عليه السلام) ـ وأبو ا لحسن موسى (عليه السلام) قائم وهو غلام ـ فقا ل لـه أبوحنيفـة : أين يضع ا لغريب ببلدكم ؟ فقا ل : «اجتنب أفنيـة ا لمساجد ، وشطوط ا لأنهار ، ومساقط ا لثمار ، ومنازل ا لنُزّال ، ولاتستقبل ا لقبلـة بغائط ولا بول ، وارفع ثوبك ، وضع حيث شئت»(1) .
ومنها :ما رواه أيضاً عن محمّد بن يحيى بإسناده رفعـه ، قا ل : سئل أبو ا لحسن (عليه السلام) ، ما حدّ ا لغائط ؟ قا ل : «لاتستقبل ا لقبلـة ولاتستدبرها ، ولاتستقبل ا لريح ولاتستدبرها»(2) .
1 ـ ا لكافي 3 : 16 / 5 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 30 / 79 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 301 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 2 ، ا لحديث 1 . 2 ـ ا لكافي 3 : 15 / 3 ، ا لفقيـه 1 : 18 / 12 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 26 / 65 ، و : 33 / 88 ، ا لاستبصار 1 : 47 / 131 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 301 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 2 ، ا لحديث 2 .
(الصفحة 293)
ومنها :روايـة حسين بن زيد ، عن ا لصادق عن آبائـه (عليهم السلام) : «أنّ ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قا ل في حديث ا لمناهي : إذا دخلتم ا لغائط فتجنّبوا ا لقبلـة»(1) .
ومنها :مرسلـة ا لصدوق ، قا ل : «ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن استقبا ل ا لقبلـة ببول أو غائط»(2) .
ومنها :روايـة عيسى بن عبدالله ا لهاشمي ، عن أبيـه ، عن جدّه ، عن علي (عليه السلام) ، قا ل : قا ل ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إذا دخلت ا لمخرج فلاتستقبل ا لقبلـة ولاتستدبرها ، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا»(3) .
ومنها :مرفوعـة عبدا لحميد بن أبي ا لعلاء وغيره ، قا ل : سئل ا لحسن بن علي (عليهما السلام) : ما حدّ ا لغائط ؟ قا ل : «لاتستقبل ا لقبلـة ولاتستدبرها ، ولاتستقبل ا لريح ولاتستدبرها»(4) .
وبا لجملـة : فلاينبغي ا لإشكا ل في ا لحكم على نحو ا لإجما ل .
في حقيقة الاستقبال والاستدبار
وإنّما ا لكلام في أنّ ا لمحرّم ، هل هو ا لاستقبا ل أو ا لاستدبار با لبدن في حا ل ا لبول أو ا لغائط ، أو أنّ ا لمحرّم هو ا لاستقبا ل وا لاستدبار بنفس ا لبول وا لغائط ؟
1 ـ ا لفقيـه 4 : 3 / 3 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 302 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 2 ، ا لحديث 3 . 2 ـ ا لفقيـه 1 : 180 / 11 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 302 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 2 ، ا لحديث 4 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 25 / 64 ، الاستبصار 1 : 47 / 130 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 302 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 2 ، ا لحديث 5 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 26 / 65 ، و : 33 / 88 ، الاستبصار 1 : 47 / 131 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 302 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 2 ، ا لحديث 6 .
(الصفحة 294)
وتظهر ا لثمرة فيما لو استقبل ا لقبلـة بمقاديم بدنـه ، وحرّف بولـه عنها إ لى ا لمشرق أو ا لمغرب ، فيحرم على ا لأوّل دون ا لثاني ، وفيما لو استقبل ا لمشرق أو ا لمغرب با لمقاديم وحرّف بولـه نحو ا لقبلـة ، فيحرم على ا لثاني دون ا لأوّل .
ولسان ا لأخبار من هذه ا لجهـة مختلف فظاهر مرفوعـة علي بن إبراهيم(1)ا لثاني كذيل روايـة حسين بن زيد(2) ، وظاهر صدرها هو ا لأوّل كسائر ا لروايات .
ودعوى : أنّ ا لمحرّم إنّما هو ا لاستقبا ل بمقاديم ا لبدن ، وا لتعبير بالاستقبا ل با لغائط وا لبول إنّما هو للملازمـة ا لعاديّـة بينهما ; لأنّ ا لغا لب عدم انفكاك ا لثاني عن ا لأوّل(3) .
مدفوعـة : باحتما ل ا لعكس ; وكون ا لمحرّم هو ا لاستقبا ل با لبول وا لغائط ، وا لتعبير بالاستقبا ل بمقاديم ا لبدن لعدم انفكاكـه عادة عن ا لأوّل .
كما أنّ دعوى : ثبوت ا لحكمين وتحقّق ا لتحريمين ; لأنّ ا لنسبـة بين ا لأدلّـة عموم من وجـه ، ولا منافاة بينها حتّى ترجّح إحداهما ـ في مورد ا لاجتماع ـ على ا لاُخرى . ويؤيّدها ا لجمع بينهما في روايـة ا لحسين بن زيد ، فإنّـه لو كان هنا حكم واحد لكان ا لمناسب بيانـه فقط ، مع أ نّـه (عليه السلام) ذيّل كلامـه بنهي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن استقبا ل ا لقبلـة ببول أو غائط ، وليس ذلك إلاّ لكون ا لمقصود بيان ا لحكمين إلاّ أن يقا ل باحتما ل كون ا لذيل روايـة مستقلّـة قد نقلها ا لراوي في ذيل هذه ا لروايـة لا أن يكون ا لمجموع كلاماً واحداً(4) .
مدفوعـة : بأنّ ا لظاهر ـ بل ا لمقطوع ـ عدم ثبوت ا لحكمين وعدم تحقّق
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 292 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 293 . 3 ـ ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 428 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 56 . 4 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 56 .
(الصفحة 295)
ا لتحريمين ، وحينئذ فمع كلا ا لاحتما لين لا دليل على حرمـة ا لاستقبا ل با لمقاديم فقط ، ولا على حرمـة ا لاستقبا ل با لبول أو ا لغائط فقط ، فإنّ ا لقدر ا لمتيقّن هي حرمـة ا لاستقبا ل وا لاستدبار بهما دون أحدهما ، وثبوتها في غيره مشكوك ، فتجري فيـه ا لبراءة .
ثمّ لايخفى أ نّـه لو قلنا بثبوت ا لحكمين ، فهو إنّما يكون با لنسبـة إ لى ا لاستقبا ل فقط ; لأنّ لسان ا لأخبار فيـه مختلف ، وأ مّا الاستدبار فليس في ا لأدلّـة ما يدلّ على تحريمـه ببول أو غائط ، بل ظاهرها تحريمـه بمقاديم ا لبدن ، فتعميم ا لحكم با لنسبـة إ ليهما في غير محلّـه .
نعم روى ا لشيخ في «ا لخلاف» بطريق عامّيّ عن ا لنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يدلّ على تحريم ا لاستقبا ل أو ا لاستدبار ببول أو غائط(1) ، ولكنّها روايـة عامّيّـة لايجوز ا لاعتماد عليها .
ثمّ لايخفى أنّ عبارات ا لأصحاب ـ كمدلول ا لروايات ـ مختلفـة : فعن بعضهم تظهر حرمـة ا لاستقبا ل وا لاستدبار ، ا لظاهرة في ا لاستقبا ل وا لاستدبار با لمقاديم(2) ، وعن بعض آخر ا لتصريح بذلك(3) ، وعن ثا لث حرمـة ا لاستقبا ل وا لاستدبار با لبول وا لغائط(4) .
وبالجملة : فالشهرة ليست قائمة على خصوص أحد الاحتمالين ; حتّى يعتمد عليها في ا لحكم با لتحريم من دون ا لاحتياج إ لى ا لأخبار ا لواردة في ا لمسأ لـة .
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 25 / 64 ، ا لخلاف 1 : 103 . 2 ـ نهايـة ا لإحكام 1 : 79 ، راجع مفتاح ا لكرامـة 1 : 49 ـ 50 . 3 ـ كشف ا للثام 1 : 215 . 4 ـ ا لخلاف 1 : 101 ، ا لمبسوط 1 : 16 ، ا لسرائر 1 : 95 ، تحرير ا لأحكام 1 : 7 / ا لسطر13 ، مفتاح ا لكرامـة 1 : 50 / ا لسطر 9 ـ 10 .
(الصفحة 296)
حرمة الاستقبال والاستدبار في الصحاري والأبنية
ثمّ إنّ ظاهر ا لروايات كا لفتاوي إطلاق ا لحكم للصحاري وا لأبنيـة ، وقد يستدلّ(1) على ا لتفصيل بينهما بحسنـة ابن بزيع قا ل : دخلت على أبي ا لحسن ا لرضا (عليه السلام) وفي منزلـه كنيف مستقبل ا لقبلـة ، وسمعتـه يقول : «من با ل حذاء ا لقبلـة ، ثمّ ذكر فانحرف عنها إجلالاً للقبلـة وتعظيماً لها ، لم يقم من مقعده ذلك حتّى يغفر لـه»(2) .
ولا دلالـة لها على جواز ا لاستقبا ل في ا لأبنيـة ; لأنّ مجرّد كون ا لكنيف مستقبل ا لقبلـة لايدلّ على جواز ا لاستقبا ل في حا ل ا لبول وا لغائط إلاّ أن يكون بناؤه بأمر ا لإمام (عليه السلام) ، ولم يعلم ذلك من ا لروايـة ، بل ا لظاهر عدمـه ; لأنّ كراهتـه ممّا لا إشكا ل فيـه ، ومجرّد ذكر ا لثواب دون ا لعقاب لايدلّ على عدم وجوب ا لانحراف واستحبابـه ; لما تراه من ذكر ا لثواب في ا لأخبار ا لكثيرة(3) على فعل بعض ا لواجبات .
ثمّ إنّـه لا إشكا ل في ا لحرمـة فيما لو استقبل ا لقبلـة أو استدبرها قائماً أو جا لساً ، وأ مّا ا لمستلقي فا لظاهر عدم تحقّق عنوان ا لاستقبا ل وا لاستدبار في حقّـه ; لأ نّـه لايعقل أن يكون ا لإنسان في آن واحد مستقبلاً لجهتين متخا لفتين أو مستدبراً لهما ، فمع كونـه مستقبلاً لما فوقـه أو ما تحتـه أو مستدبراً لواحد منهما ، كيف يمكن أن يكون مستقبلاً للقبلـة أو مستدبراً لها ، وا لأخبار ا لواردة في
1 ـ مختلف ا لشيعـة 1 : 100 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 26 / 66 ، الاستبصار 1 : 47 / 132 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 303 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 2 ، ا لحديث 7 . 3 ـ ثواب ا لأعما ل : 57 / 3 ، و : 69 / 2 ، و : 70 .
(الصفحة 297)
ا لمحتضر ا لدالّـة على وجوب جعلـه نحو ا لقبلـة(1) ، لايُستفاد منها كون ا لاستقبا ل في نظر ا لشارع أعمّ ممّا هو بنظر ا لعرف ، وأ نّـه يصدق على ا لمستلقي ـ ا لذي يكون رجلاه إ لى ا لقبلـة ـ أ نّـه مواجـه لها حقيقـة .
ثمّ إنّ ا لظاهر اختصاص ا لحكم بحا لـة ا لبول وا لتغوّط ولايشمل حا ل ا لاستنجاء .
نعم لايبعد شمولـه لحا لـة ا لاستبراء ا لمستلزم لخروج قطرة أو قطرات ; لأ نّـه لا مدخليّـة للكثرة في ذلك ا لحكم أصلاً .
وقد يتشبّث(2) لشمولـه لحا لـة ا لاستنجاء بروايـة عمّار ا لساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قا ل : قلت لـه : ا لرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد ؟ قا ل : «كما يقعد للغائط» ، قا ل :«وإنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه ، وليس عليه أن يغسل باطنه»(3) .
وفيـه : أنّ ا لمراد ـ بقرينـة ا لذيل ـ ا لردّ على ا لعامّـة ; حيث إنّهم يقعدون للاستنجاء نحواً آخر من زيادة ا لتفريج وإدخا ل ا لانملـة .
فرع: صور اشتباه القبلة وأحكامها
لو اشتبهت ا لقبلـة : فإمّا أن تردّد بين ا لجهتين ا لمتخا لفتين ا لمتقابلتين ، فيجب عليـه أن لايستقبلهما ولايستدبرهما بالاستقبا ل إ لى غيرهما ، ولو تردّدت بين ا لجهتين غير ا لمتقابلتين ، فإن قلنا بأنّ ا لجهات لاتزيد على أربع ، فا لحكم كما لو اشتبهت وتردّدت بين جميع تلك ا لجهات ، وإن قلنا : إنّ ا لجهات ثمانيـة
1 ـ وسائل ا لشيعـة 2 : 452 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لاحتضار ، ا لباب 35 . 2 ـ مدارك ا لأحكام 1 : 159 . 3 ـ ا لكافي 3 : 18 / 11 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 355 / 1061 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 360 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 37 ، ا لحديث 2 .
(الصفحة 298)
فا لواجب عليـه استقبا ل غير ا لجهتين ا لمحتملتين ، ولو تردّدت بين ا لجهات ا لثمانيـة فا لذي يظهر من «ا لمصباح» : أنّ ا لحكم كما في ا لشبهـة غير ا لمحصورة ، ا لتي قام ا لنصّ(1) وا لإجماع(2) على عدم وجوب الاحتياط فيها(3) .
ولكن لايخفى أ نّـه لايكون ا لمقام من مصاديق ا لشبهـة غير ا لمحصورة ; لعدم إضافـة ا لجهات على ا لثمانيـة ، وحينئذ فيصير ا لمقام كا لخمر ا لمردّد بين ثمانيـة إناءات ، ولاسبيل لأحد إ لى ا لالتزام بعدم وجوب ا لاحتياط فيها ، كما هو ظاهر ، وعلى هذا فا للازم ا لفحص عن ا لقبلـة عند إرادة ا لتخلّي لئلاّ يستقبلها أو يستدبرها ، وما ادّعاه (قدس سره) من كون طريقـة ا لمتشرّعـة على عدم ا لفحص عنها عند إرادة ا لتخلّي(4) ، ممنوع جدّاً .
ثمّ إنّـه لو تعارض ا لاستقبا ل وا لاستدبار ودار الأمر بينهما ، فلاوجـه لترجيح ا لثاني على ا لأوّل ; إذ لم يعلم أنّ ا لمناط توهين ا لقبلـة ا لمتحقّق في ا لأوّل دون ا لثاني ، وإلاّ يلزم عدم حرمـة ا لثاني ، بل حرمـة غيره من ا لجهتين ا لاُخريين ; إذ ا لاستدبار أقلّ توهيناً من غيره . نعم لو دار ا لأمر بينهما وبين مقابلـة ناظر محترم يجب تقديمهما عليها ; للقطع بكون مراعاة ا لثاني أهمّ في نظر ا لشارع ، كما يظهر بملاحظـة ا لأخبار ا لواردة فيـه(5) ، فتتبّع .
1 ـ ا لمحاسن : 495 / 597 ، وسائل ا لشيعـة 25 : 119 ، كتاب ا لأطعمـة وا لأشربـة ، أبواب ا لأطعمـة ا لمباحـة ، ا لباب 61 ، ا لحديث 5 ، اُنظر فرائد ا لاُصول 2 : 432 . 2 ـ فرائد ا لاُصول 2 : 430 . 3 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 58 . 4 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 58 ـ 59 . 5 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 299 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 1 ، و 2 : 37 و38 و42 ، أبواب آداب ا لحمّام ، ا لباب 8 و 9 و 11 .
(الصفحة 299)
الثاني من أحكام الخلوة: الاستنجاء
قا ل ا لمحقّق في «ا لشرائع» : «ويجب غسل موضع ا لبول با لماء ، ولايجزي غيره مع ا لقدرة»(1) .
أقول : يدلّ على لزوم غسل ا لبول با لماء ا لأخبار ا لكثيرة ا لتي بعضها صريح في ذلك :
منها :صحيحـة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قا ل : «لا صلاة إلاّ بطهور ، ويُجزيك عن ا لاستنجاء ثلاثـة أحجار ، بذلك جرت ا لسنّـة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأ مّا ا لبول فإنّـه لابدّ من غسلـه»(2) .
ومنها :روايـة بريد بن معاويـة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أ نّـه قا ل : «يُجزي من ا لغائط ا لمسح بالأحجار ، ولايجزي من ا لبول إلاّ ا لماء»(3) .
ومنها :روايـة يونس بن يعقوب ، قا ل : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ا لوضوء ا لذي افترضـه الله على ا لعباد لمن جاء من ا لغائط أو با ل ؟ قا ل : «يغسل ذكره ، ويذهب ا لغائط ، ثمّ يتوضّأ مرّتين مرّتين»(4) .
ومنها :صحيحـة عيص بن ا لقاسم ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن رجل
1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 10 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ، الاستبصار 1 : 55 / 160 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 315 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 9 ، ا لحديث 1 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 50 / 147 ، الاستبصار 1 : 57 / 166 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 316 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 9 ، ا لحديث 6 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 47 / 134 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 316 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 9 ، ا لحديث 5 .
(الصفحة 300)
با ل في موضع ليس فيـه ماء ، فمسح ذكره بحجر ، وقد عرق ذكره وفخذاه ؟ قا ل قا ل : «يغسل ذكره وفخذيـه»(1) . وغير ذلك من ا لروايات .
ثمّ إنّـه قد يستدلّ على ا لخلاف ببعض ا لأخبار(2) ، كروايـة عبدالله بن بكير ، قا ل : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ا لرجل يبول ولايكون عنده ا لماء ، فيمسح ذكره با لحائط ؟ قا ل : «كلّ شيء يابس زكيّ»(3) .
وروايـة سماعـة قا ل : قلت لأبي ا لحسن موسى(عليه السلام) : إنّي أبول ثمّ أتمسّح بالأحجار ، فيجيء منّي ا لبلل ما يفسد سراويلي ؟ قا ل : «ليس بـه بأس»(4) .
وروايـة حنّان بن سدير ، قا ل : سمعت رجلاً سأل أباعبدالله (عليه السلام) فقا ل : إنّي ربما بلت فلا أقدر على ا لماء ، ويشتدّ ذلك عليّ ؟ فقا ل : «إذا بلت وتمسّحت فامسح ذكرك بريقك ، فإن وجدت شيئاً فقل : هذا من ذاك»(5) .
وأنت خبير : بأ نّـه لا دلالـة للروايـة ا لاُولى على مطلوبهم ، فإنّ ا لظاهر أنّ ا لمراد با لزكي هو ا لطاهر ; من حيث عدم تأثيره في تنجيس ملاقيـه ، لا مع ا لرطوبـة . وا لقرينـة على ذلك ا لعموم ا لمدلول عليـه بلفظـة «كلّ» ، ا لشامل
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 421 / 1333 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 350 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 31 ، ا لحديث 2 . 2 ـ منتهى ا لمطلب 1 : 43 / ا لسطر 30 ، اُنظر جواهر ا لكلام 2 : 16 ، مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 2 : 63 . 3 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 49 / 141 ، الاستبصار 1 : 57 / 167 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 351 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب أحكام ا لخلوة ، ا لباب 31 ، ا لحديث 5 . 4 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 51 / 150 ، الاستبصار 1 : 56 / 165 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 283 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب نواقض ا لوضوء ،ا لباب 13 ، ا لحديث 4 . 5 ـ ا لكافي 3 : 20 / 4 ، ا لفقيـه 1 : 41 / 160 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 353 / 1050 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 284 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب نواقض ا لوضوء ، ا لباب 13 ، ا لحديث 7 .
|