الصفحة 61
أن يقال في مفطريّة مثله: إ نّه على تقديرها لا يكون من مصاديق الشرب ، بل من أشباه الغبار الداخل في الحلق الذي هو أجزاء دقيقة من التراب وشبهه ، فانتظر .
ثمّ إنّه لا فرق في مفطريّة الأكل والشرب بين الكثرة والقلّة ولو كانت في غايتها ، وقد ذكر السيّد في العروة أنّه لو بلّ الخيّاط الخيط بريقه أو غيره ثمّ ردّه إلى الفم وابتلع ما عليه من الرطوبة بطل صومه ، إلاّ إذا استهلك ما كان عليه من الرطوبة بريقه على وجه لا تصدق عليه الرطوبة الخارجيّة ، وكذا لو استاك وأخرج المسواك من فمه وكان عليه رطوبة ثمّ ردّه إلى الفم ; فإنّه لو ابتلع ما عليه بطل صومه إلاّ مع الاستهلاك على الوجه المذكور (1). وربما يستشكل في ذلك بمنع تحقّق الاستهلاك بعد فرض الاتّحاد في الجنس ; فأنّه إنّما يتصوّر في غير المتجانسين على ما ذكروه في الشركة ، كامتزاج التراب في الماء ، أو وقوع قطرة من البول في كرّ من الماء مثلاً ، الموجب لزوال الموضوع وانعدامه .
وأمّا المزج الحاصل في المتجانسين ـ كما في المقام ـ فهو موجب لزيادة الكمّيّة والإضافة على مقدارها ، فكأ نّ الريق أو الماء عشرة مثاقيل مثلاً ، فصار أحد عشر مثقالاً ، وإلاّ فالمزيج باق على ما كان لا أنّه زال وانعدم .
ودفعه بعض الأعلام على ما في الشرح بما يرجع إلى أنّ ما ذكر إنّما يتمّ بالنظرإلى ذات المزيج ، فلا يعقل الاستهلاك بملاحظة نفس الممتزجين المتّحدين في الجنس . وأمّا بالنظر إلى الوصف العنواني ـ الذي بملاحظته جُعِل موضوعاً لحكم من الأحكام ; بأن كان الأثر مترتّباً على صنف خاصّ من الطبيعة ـ فلا مناص من الالتزام بالاستهلاك من هذه الجهة ، فلو فرضنا أنّ ماء البئر لا يجوز التوضّؤ به ،
(1) العروة الوثقى 2 : 13 ، فصل فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات .
الصفحة 62
فمزجنا مقداراً منه بماء النهر ، فالاستهلاك بالنظر إلى ذات الماء غير متصوّر . وأ مّا بالنظر الى الخصوصيّة ـ أي الإضافة إلى البئر ـ فالاستهلاك ضروريّ ; لعدم بقاء هذه الإضافة بعد الامتزاج فيما إذا كان المزيج قليلاً ، ولا موضوع لتلك الحصّة الخاصّة ، فلا يطلق على الممتزج أ نّ هذا ماء البئر ، أو أ نّ فيه ماء البئر ، فالماء بما هو ماء وإن لم يكن مستهلكاً ، ولكن بما هو ماء البئر مستهلك بطبيعة الحال .
وقد وسّع هذا الحكم فيما لو اُخذ مقدار من الماء المغصوب واُلقي في الماء المباح، بحيث كان الأوّل يسيراً جدّاً في قبال الثاني ، كما لو اُلقي مقدار من الماء المغصوب في الكرّ أو البحر ، فهل يمكن التفوّه بعدم جواز الاستعمال من البحر أو الكرّ ، بدعوى حصول الامتزاج وامتناع الاستهلاك في المتجانسين ؟ والمقام من هذا القبيل; فإنّ الريق مادام كونه في الفم يجوز ابتلاعه ، وإذا خرج لا يجوز ، فهناك صنفان محكومان بحكمين ، فإذا امتزج الصنفان على نحو تحقّق معه الاستهلاك ـ لا بما هو ريق ، بل بما هو ريق خارجي ـ جاز ابتلاعه .
ثمّ استدلّ عليه مضافاً إلى القاعدة بالروايات الورادة في جواز السواك بالمسواك الرطب ، وفي بعضها جواز بلّه بالماء والسواك به بعد النفض(1) ، وبما ورد من جواز المضمضة بل الاستياك بنفس الماء وأ نّه يفرغ الماء من فمه ولا شيء عليه (2); فإنّه تبقى لا محالة أجزاء من الرطوبة المائيّة في الفم ، إلاّ أنّه من جهة الاستهلاك في الريق لا مانع من ابتلاعها ، انتهى(3) .
قلت : الأمر كما أفاده زيد في علوّ مقامه ، إلاّ أنّه ينبغي التنبيه على أمر ; وهو أنّ
(1) وسائل الشيعة 10: 83 و 85، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 3 و 11 .
(2) وسائل الشيعة 10:86، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 15 و 16 و ص 91 ب 31 ح 1 .
(3) المستند في شرح العروة 21 : 99 ـ 101 .
الصفحة 63
الاستهلاك إنّما يؤثّر في المقام ، ومثله في مسألة الوضوء بالماء الذي امتزج به ماء البئر أو الماء المغصوب، كما في المثالين المذكورين . وأمّا بالنظر إلى سراية النجاسة فلا أثر للاستهلاك بوجه ، فإذا وقعت قطرة قليلة جدّاً في داخل الإناء الذي يكون فيه أقلّ من ماء الكرّ يوجب تنجّس الجميع ، ولذا ذكرنا في بحث النجاسات أنّ الرواية الواردة في هذا المورد إنّما هي في صورة العلم بإصابة الإناء ; سواء كان من داخلها أم من خارجها ، لا العلم بالإصابة من الداخل ، كما عرفت في جواب الشيخ (قدس سره) ، فراجع .
نعم ، ربما يستدلّ لهما ببعض الروايات الدالّة على أنّه لا يضرّ الصائم ما صنعإذا اجتنب ثلاث خصال أو أربع ; وهي صحيحة محمد بن مسلم ـ التي رواها المشايخ الثلاثة ـ قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لا يضرّ الصائم ما صنع إذااجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء(1) . وفي الوسائل: وفي رواية محمد بن علي بن محبوب ـ الواقع في سند آخر للرواية ـ أربع خصال (2) . ويحتمل قويّاً أن يكون الاختلاف في العدد ناشئاً عن عدّ الطعام والشراب أمراً واحداً أو أمرين .
وقد ورد في بعض الروايات أنّ حدود الصوم أربعة : أوّلها: اجتنابالأكل والشرب (3)، كما أنّه ربما يستدلّ لهما تارة اُخرى بما دلّ على نفيالبأس عن الاكتحال أو دخول الذباب في الحلق ; معلّلاً في كليهما بأنّه
(1 ، 2) تهذيب الأحكام 4 : 189 ح 535 و ص 202 ح 584 وص 318 ح 971 ، الاستبصار 2 : 80 ح 244 و ص 84 ح 261 ، الفقيه 2 : 67 ح 276 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 31 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1 .
(3) تأتي في ص112.
الصفحة 64
مسألة 2 : المدار هو على صدق الأكل والشرب ولو كانا على النحو الغير المتعارف ، فإذا أوصل الماء إلى جوفه من طريق أنفه ، صدق الشرب عليه وإن كان بنحو غير متعارف 1 .
ليس بطعام(1) .
والجواب عن الصحيحة: أ نّ الحصر إنّما هو بالإضافة إلى سائر الأفعال الخارجيّة والاُمور الصادرة من الصائم من النوم والمشي وغيرهما ، ولا دلالة فيها على اختصاص المفطريّة بما يصدق عليه الطعام والشراب ، مع احتمال أن يكون المراد هو المعنى المصدري ، ومع ذلك فلا تقاوم الاطلاقات . وعن الدليل الثاني فبالإضافة إلى الاكتحال واضح ; لأ نّ المراد أنّه لا يتحقّق به الأكل ، وبالنسبة إلى الذباب كذلك ; لأنّ موردها صورة دخول الذباب في الحلق من غير اختيار ; ضرورة أنّه لو فرض تحقّق الأكل الاختياري في مورده ـ كأكل الطين على ما عرفت ـ فلايستفاد منه عدم البطلان . فالمتحصّل أنّ الحقّ مع ما هو المشهور .
1ـ حكي عن الفاضل الايرواني (قدس سره) في رسالته العمليّة أنّه لا بأس بغير المتعارف (2)، والظاهر هو ما ورد في المتن من عدم الفرق ، كما هو كذلك بالإضافة إلى المحرّمات الاُخر ، فهل يحتمل اختصاص حرمة الخمر بما إذا دخلت من طريق الفم لا الأنف مثلاً؟! كما لا يخفى .
(1) الكافي 4: 111 ح 1 وص115 ح2، تهذيب الأحكام 4: 258 ح765 و766 وص323 ح994، الاستبصار 2: 89 ح 278 و 279، وعنها وسائل الشيعة 10: 74 و 75، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1 و 6 و ص 109 ب 39 ح2 .
(2) الحاكي هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة 21 : 92 .
الصفحة 65
الثالث : الجماع; ذكراً كان الموطوء أو اُنثى ، إنساناً أو حيواناً ، قُبلاً أو دُبراً ، حيّاً أو ميّتاً ، صغيراً أو كبيراً ، واطئاً كان الصائم أو موطوءاً . فتعمّد ذلك مبطل وإن لم يُنزل ،ولا يبطل مع النسيان أو القهر السالب للاختيار ، دون الإكراه ; فإنّه مبطل أيضاً ، فإن جامع نسياناً أو قهراً ، فتذكّر أو ارتفع القهر في الأثناء ،وجب الإخراج فوراً ، فإن تراخى بطل صومه . ولو قصد التفخيذ مثلاً فدخل بلا قصد لم يبطل ، وكذا لو قصد الإدخال ولم يتحقّق; لما مرّ من عدم مفطريّة قصد المفطر . ويتحقّق الجماع بغيبوبة الحشفة أو مقدارها ، بل لا يبعد إبطال مسمّى الدخول في المقطوع وإن لم يكن بمقدارها 1 .
1ـ في هذا الأمر جهات من الكلام :
الاُولى : في مفطريّة الجماع في الجملة ، والظاهر أنّه ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف بين المسلمين ، بل لعلّه من الضروريّات (1) ، ويدلّ عليه قبل كلّ شيء قوله ـ تعالى ـ : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآلـ ِكُمْ}(2) ، وقد وردت فيه روايات مستفيضة ، منها: صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الدالّة على أنّه من الثلاثة أو الأربعة التي يجب الاجتناب عنها للصائم .
الثانية : الظاهر أنّه لا فرق في مفطريّة الجماع بين الموارد المذكورة في المتن وإن كان ربما يتخيّل ـ لأجل التعبير بالنساء في الصحيحة المتقدّمة ـ الاختصاص بإتيان الأهل ، لا لأنّها محلّلة في نفسها ، بل لأنّها اُنثى أوّلاً ، ولعلّ الظاهر صورة وطء المرأة قبلاً ، بل ولعلّه يختصّ بصورة الإنزال ، مع أنّ الظاهر العموميّة في الجانبين ،
(1) المعتبر 2 : 653 ، رياض المسائل 5 : 310 ، جواهر الكلام 16 : 219 ، مستمسك العروة 8 : 239 ، المستند في شرح العروة 21 : 111 .
(2) سورة البقرة 2 : 187 .
الصفحة 66
خصوصاً مع ملاحظة التعبير عنه بالجنابة المتحقّقة في الصورتين ، كما في رواية أبي سعيد القمّاط، أنّه سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح ؟ قال : لا شيء عليه ، وذلك أ نّ جنابته كانت في وقت حلال(1) .
ومن مثل هذه الرواية يستفاد أنّه لا خصوصيّة في الوطء قبلاً ، كما أنّه لا خصوصيّة لصورة الإنزال ; لعدم الفرق في الجنابة بين الصورتين ، كما أنّه يستفاد من هذا التعبير عدم الفرق بين أن يكون الصائم واطئاً أو موطوءاً ; لإطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب .
الثالثة: ظاهر المتن التفصيل في مفطريّة الجماع بين صورة النسيان أو القهر الموجب لسلب الاختيار ، وبين فرض الإكراه ، فحكم بالعدم في الاُولى وبثبوت البطلان في الثانية . أمّا في القهر الموجب لسلب الاختيار ; لأنّ القهر الكذائي يوجب سلب الإسناد المعتبر في مفطريّة المفطر وإبطاله للصوم. وأمّا الفرق بين النسيان والإكراه مع اشتراكهما في حديث الرفع(2) المشتمل على رفع الاُمور التسعة المعروفة ، فهو أنّ الحديث المزبور لا يرفع الحكم الوضعي وهي المفطريّة ، غاية الأمر أنّه في صورة الإكراه غير البالغ حدّ القهر المذكور ، حيث إنّ إسناد الفعل إلى المكره ـ بالفتح ـ صحيح ، وهو فاعل له بالاختيار ، غاية الأمر عدم الحرمة بالإضافة إليه لصدوره كذلك ; لأجل عدم تحقّق التوعيد الذي وعد به ، فلا محالة المفطريّة باقية في هذه الصورة وإن كان الارتكاب جائزاً شرعاً .
وأمّا في صورة النسيان ، فلأ نّ الحكم ـ كما يأتي ـ مورده التعمّد ، وهو لا يجتمع
(1) الفقيه 2 : 74 ح 322 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 57 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح1 .
(2) تقدّم في ص 37 .
الصفحة 67
مع النسيان ، كما إذا جامع في حال النوم مثلاً .
ثمّ إنّه يتفرّع على هذه الجهة أنّه لو جامع نسياناً فتذكّر في الأثناء ، أو قهراً وارتفع القهر في الأثناء ، يجب عليه الإخراج فوراً ، وإن تراخى بطل صومه ; لأنّه مع التراخي يتحقّق عنوان المفطر ، ولا ملازمة بين الحدوث والدوام ، كما هو واضح ، كما أنّه يترتّب على ما ذكرنا أنّه لو قصد التفخيذ مثلاً فقط بدون قصد الدخول أصلاً ، ثمّ تحقّق الدخول لا يبطل صومه ; لعدم تعمّده في ذلك .
الرابعة : لو قصد الإدخال ولم يتحقّق فالظاهر أ نّ صحّة الصوم وبطلانه مبنيّان على أنّ نيّة القاطع مفطرة وإن لم يرتكبه، أو لا وقد مرّ سابقاً العدم ، إلاّ مع تعلّق القصد استقلالاً بالقطع ، فراجع .
الخامسة : أ نّه لا إشكال في تحقّق الجماع بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها مثلاً ، ونفى البعد في المتن عن إبطال مسمّى الدخول في المقطوع وإن لم يكن بمقدارها . هذا ، ولكن في العروة(1) : ويتحقّق بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها ، فلا يبطل بأقلّ من ذلك ، بل لو دخل بجملته ملتوياً ولم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل وإن كان لو انتشر كان بمقدارها ، ومبنى المسألة هو أنّ الاعتبار بنفس الجنابة الموجبة للغسل ، وقد مرّ في بحث الأغسال أ نّ المحقّق للجنابة إنّما هو دخول الحشفة، فلا يجب الغسل بإدخال الأقلّ من ذلك، فلايبطل الصوم أيضاً ، وإن قلنا أنّ الاعتبار بعنوان الجماع ، أو إتيان النساء ، أو إتيان الأهل ، فالظاهر أنّها أعمّ.
والثمرة تظهر بالإضافة إلى مقطوع الحشفة . وأمّا بالنسبة إلى من لم تقطع حشفتهفلا شبهة ظاهراً في الاكتفاء بإيلاجها ، ويبقى الفرع المذكور في كلام السيّد (قدس سره) ،
(1) العروة الوثقى 2 : 14 ـ 15 ، الأمر الثالث .
الصفحة 68
الرابع : إنزال المني باستمناء ، أو ملامسة ، أو قُبلة ، أو تفخيذ ، أو نحو ذلك من الأفعال التي يُقصد بها حصوله ، بل لو لم يقصد حصوله وكان من عادته ذلك بالفعل المزبور ، فهو مبطل أيضاً . نعم ، لو سبقه المنيّ من دون إيجاد شيء يترتّب عليه حصوله ـ ولو من جهة عادته من دون قصد له ـ لم يكن مبطلاً 1 .
وهو أنّه لو دخل بجملته متلوياً ولم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل وإن كان لو انتشر كان بمقدارها(1) ، والظاهر البطلان في الفرع المذكور ; لأنّ المفروض فيه إدخال الذكر بأجمعه ، فهل يحتمل عدم الاكتفاء به وإن كان ملتوياً غير منتشر ؟
1ـ لا إشكال في مفطريّة الإنزال بأيّ سبب تحقّق ، وعلى أيّ فعل ترتّب إذا كان المقصود من إيجاده إنزال المني ، من دون فرق بين الأسباب المذكورة في المتن وغيرها حتى النظر إلى الأهل إذا قصد به ذلك وإن كان نادراً ، فما حكي عن بعض كالمحقّق(2) من عدم البأس بالنظر وإن أنزل ، محمول على عدم كون قصده من النظر الإنزال كما هو الغالب فيه ، وإلاّ فلا فرق بين النظر وغيره أصلاً . نعم ، قد عرفت أنّه لا يلزم في الجماع الإنزال ; لأنّه مفطر مستقلّ في مقابل الإنزال وغيره من المفطرات .
وكيف كان ، ففي الروايات الكثيرة الواردة في هذه المسألة غنى وكفاية ، مثل :
صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني؟ قال: عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع(3).
(1) العروة الوثقى 2: 15 ذ الأمر الثالث.
(2) شرائع الإسلام 1: 192 .
(3) الكافي 4 : 102 ح 4 ، تهذيب الأحكام 4 : 206 ح 597 و ص 273 ح 826 ، الاسبتصار 2 : 81 ح 247 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 39 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 1.
الصفحة 69
والظاهر أنّ قوله (عليه السلام) : «حتّى يمني» يكون المراد به صورة قصد الإمناء والإنزال لا خروج المني وإن لم يكن يترتب عليه نوعاً ، كما عرفت في مثال النظر ، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من الجواب ثبوت البطلان أيضاً للصوم لا مجرّد تحقّق الكفّارة . هذا ، وقد نقله في الوسائل في باب واحد مرّتين ، والظاهر الاتّحاد وعدم التعدّد كما نبّهنا عليه مراراً .
وموثقة سماعة المضمرة قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : عليه إطعام ستّين مسكيناً ، مدّ لكلّ مسكين (1) . والتعبير بالفاء في قوله «فأنزل » في السؤال ظاهر فيما ذكرنا من كون قصده من إدامة اللزوق الإنزال وتحقّقه ، كما أ نّ الحكم بثبوت الكفّارة ظاهر في البطلان على ما هو المتفاهم عند العرف .
وصحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه سئل عن رجل يمسّ من المرأة شيئاً أيفسد ذلك صومه أو ينقضه ؟ فقال : إنّ ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني(2) .
وغير ذلك من الروايات(3) التي يستفاد منها حكم المقام .
نعم ، في المتن أنّه لو لم يقصد من الفعل الإنزال أصلاً ولكن كان من عادته ذلك فهو أيضاً مبطل وإن لم يكن الإنزال مقصوداً له بنفسه ; لأنّ تعلّق القصد والاختيار بإيجاد الفعل الذي يترتّب عليه الإنزال قهراً مع التوجّه والالتفات إلى ذلك ، يوجب سوق القصد إلى الإنزال لا محالة ، فإذا علم أنّ لعبه بامرأته يوجب خروج المني
(1) تهذيب الأحكام 4 : 320 ح 980 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 4 .
(2) الكافي 4 : 104 ح 1 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 97 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب33 ح1 .
(3) وسائل الشيعة 10 : 97 ب 33 .
الصفحة 70
مسألة 3 : لا بأس بالاستبراء بالبول أو الخرطات لمن احتلم في النهار; وإن علم بخروج بقايا المنيّ الذي في المجرى إذا كان ذلك قبل الغُسل من الجنابة . وأمّا الاستبراء بعده فمع العلم بحدوث جنابة جديدة به فالأحوط تركه ، بل لايخلو لزومه من قوّة ، ولا يجب التحفّظ من خروج المنيّ بعد الإنزال إن استيقظ قبله ، خصوصاً مع الحرج والإضرار 1 .
عادة ويترتّب عليه الإنزال قهراً ، فإيجاده عن اختيار لا ينفك عن قصد الإنزال لا محالة . نعم ، لو سبقه المني من دون إيجاد شيء يترتّب عليه حصوله ولو من جهة عادته ولم يقصد الإنزال بوجه لم يكن مبطلاً ; لأنّ المفروض سبقة المني وعدم وجود القصد إلى حصوله من جهة العادة ، فالخروج حينئذ لا يستند إليه بوجه ، فلا يكون مبطلاً أصلاً .
ومن هنا لا يكون الاحتلام في النهار مبطلاً وإن علم أنّه لو نام احتلم، أو كان من عادته ذلك بعد النوم; لعدم كون الاحتلام محرّماً وعدم صدق الإسناد إليه بوجه وإن إحتاط السيّد في العروة استحباباً بالترك في الصورة المزبورة ، ولكنّه استظهر الجواز خصوصاً إذا كان الترك موجباً للحرج(1) .
1ـ من احتلم في النهار واستبرأ بالبول أو الخرطات ، فإن كان ذلك قبل الغسل للجنابة الحاصلة بالاحتلام فالظاهر أنّه لا مانع منه ; سواء علم بخروج بقايا المني الذي في المجرى أم لم يعلم بذلك . أمّا في صورة عدم العلم فواضح ; لعدم خروج المني منه على سبيل الجزم ، واللازم في المفطريّة الإحراز . وأمّا في صورة العلم ; فلأنّ المفروض أ نّ خروج البقايا قبل الغسل لايوجب جنابة جديدة ، ولا يجدي
(1) العروة الوثقى 2 : 16 مسألة 2397 .
الصفحة 71
الخامس : تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر في شهر رمضان وقضائه . بل الأقوى في الثاني البطلان بالإصباح جُنُباً وإن لم يكن عن عمد . كما أنّ الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلاً ـ قبل الفجر ـ حتّى مضى عليه يوم أو أيّام ، بل الأحوط إلحاق غير شهر رمضان ـ من النذر المعيّن ونحوه ـ به وإن كان الأقوى خلافه إلاّ في قضاء شهر رمضان ، فلا يترك الاحتياط فيه . وأمّاغير شهر رمضان وقضائه من الواجب المعيّن والموسّع والمندوب ، ففي بطلانهفي ذلك الفرق بين الخروج بالاحتلام الذي هو أمر غير اختياري ، وبين إخراج البقايا اختياراً ; وذلك لما عرفت من عدم تكثّر الجنابة وعدم تعدّدها .
وأمّا إن كان ذلك ـ أي الاستبراء ـ بعد الغسل ، فإن لم يعلم بحدوث جنابة جديدة فواضح لما عرفت ، وأمّا مع العلم بحدوث جنابة جديدة فبما أنّ المفروض العلم بالخروج وكون الاستبراء بعد الغسل فقد إحتاط وجوباً الترك ، بل نفى خلوّ لزومه عن القوّة ; وذلك لأنّ الجنابة الحاصلة جنابة جديدة حاصلة بالاختيار ; أي الاستبراء ، ومع ذلك ربما يحتمل الجواز نظراً إلى عدم كون المنيّ الخارج معدوداً أمراً مستقلاً ، بل من بقايا المني الخارج قبل ذلك بالاحتلام ، وقد تعرّض في المتن في ذيل المسألة لفرع آخر ; وهو أنّه هل يجب التحفّظ من خروج المني بعد الإنزال إن استيقظ قبله ؟ فحكم فيه بعدم الوجوب ، خصوصاً مع الحرج والإضرار .
قلت : إن كان مراده التحفّظ من خروج المني بعد الإنزال ومرجعه إلى إرادة عدم الاستدامة بعد أصل الخروج ، فالحكم فيه واضح يظهر وجهه ممّا مرّ . وإن كان المراد التحفّظ من أصل الخروج ـ وإن تحقّق النوم الذي هو سبب لخروجه عادة ـ فالظاهر اللزوم في صورة عدم الحرج والإضرار; لأ نّه إنزال اختياريّ ومفطر عمديّ . نعم ، لا مانع منه في الصورة المذكورة; للزوم الحرج، كما هو المفروض .
الصفحة 72
بسبب تعمّد البقاء على الجنابة إشكال ، الأحوط ذلك خصوصاً في الواجب الموسّع ، والأقوى العدم خصوصاً في المندوب 1 .
1ـ مفطريّة هذا الأمر هو المشهور ، بل إدّعي عليه الإجماع(1) ، وإن نسب الخلاف إلى جماعة كالصدوق والأردبيلي والكاشاني وبعض آخر(2) ، لكن قد إدّعى في محكي الرياض(3) تواتر الأخبار بذلك .
ومن الروايات الدالّة على هذا الأمر بالمطابقة صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح ، قال : يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً . قال : وقال : إنّه حقيق (لخليق خ ل) أن لا أراه يدركه أبداً(4) ; فإنّ المتفاهم العرفي من إيجاب كفّارة من تعمّد الإفطار في شهر رمضان هو البطلان ، ولا مجال لاحتمال الصحّة مع ثبوت الكفّارة تعبّداً .
ومن هذا القبيل رواية سليمان بن جعفر (حفص خ ل) المروزي ، عن الفقيه (عليه السلام) قال : إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه(5) ، وهي أظهر من
(1) رياض المسائل 5 : 316 ، جواهر الكلام 16 : 236 ، مستمسك العروة 8 : 274 ، المستند في شرح العروة 21 : 185 .
(2) المقنع : 189 ، مجمع الفائدة والبرهان 5 :36 ، مفاتيح الشرائع 1 : 247، الحدائق الناضرة 13 : 113 ـ 114 .
(3) رياض المسائل 5 : 316 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 212 ح 616 ، الاستبصار 2 : 87 ح 272 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 63 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2 .
(5) تهذيب الأحكام 4 : 212 ح 617 ، الاستبصار 2 : 87 ح 273 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 64 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 3 .
الصفحة 73
الرواية المتقدّمة بلحاظ إيجاب صوم يوم واحد ، وظاهره أنّه قضاء ذلك اليوم ، وهو لا ينطبق إلاّ على البطلان ، ومع ذلك تكون أضعف منها بلحاظ عدم التعرّض لتمام الكفّارة من عتق الرقبة ، أو إطعام ستّين مسكيناً ، كما لا يخفى .
ومن الروايات الدالّة على مفطريّة التعمّد ما ورد فيمن نسي غسل الجنابة حتى مضى عليه يوم أو أيّام ممّا يدلّ على وجوب القضاء عليه ، أو فيما إذا اغتسل للجمعة يجب عليه قضاء ما قبلها من الأيّام(1) ; فإنّه لولا أنّ التعمّد مفطر لا يكون مجال لوجوب القضاء في صورة النسيان ، كما لا يخفى .
ومنها : ما ورد فيمن تعمّد النوم جنباً حتى مطلع الفجر ممّا يدلّ على وجوب القضاء بل الكفّارة عليه (2); فإنّها تدلّ على البطلان في المقام ، وقد نفى البعد بعض الأعلام (قدس سره) في الشرح بلوغ الروايات حدّ التواتر ولو إجمالاً (3).
وبإزاء ما ذكر قد ورد بعض ما يتوهّم فيه المعارضة لما مرّ من الروايات ، مثل :
صحيحة حبيب الخثعمي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثمّ يجنب، ثمّ يؤخّر الغسل متعمّداً حتى يطلع الفجر(4) .
ورواية العيص بن القاسم ، أنّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل ؟ قال : لا بأس(5). وقد رواه في
(1) وسائل الشيعة 2: 258 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ب 39 ح 1، و ج 10 : 65 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 17 ح 1 و ص 237 ـ 238 ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 30 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 61 ـ 65، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 و 16 .
(3) المستند في شرح العروة 21 : 185 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 213 ح 620 ، الاستبصار 2 : 88 ح 277 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 64 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 5 .
(5) الفقيه 2 : 75 ح 325 ، وعنه وسائل الشيعة 10 :57 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 2 .
الصفحة 74
الوسائل في باب واحد مرّتين .
ورواية إسماعيل بن عيسى قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمداً حتى يصبح ، أيّ شيء عليه ؟ قال : لا يضرّه هذا ولا يفطر ولا يبالي ; فإنّ أبي (عليه السلام) قال : قالت عائشة : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصبح جنباً من جماع غير احتلام ، قال : لا يفطر ولا يبالي . ورجل أصابته جنابة فبقي نائماً حتى يصبح ، أيّ شيء يجب عليه ؟ قال : لا شيء عليه ، يغتسل... الحديث(1) .
هذا ، ولكنّ الظاهر عدم إمكان الالتزام بمفاد الاُولى الظاهر في عدم صدور هذا الأمر منه مرّة أو مرّتين ; للتعبير بكلمة «كان» الظاهر في الاستمرار والتكرّر مرّات ، ومن المعلوم عدم ملائمته لشأن النبي (صلى الله عليه وآله) . ودعوى كونه من خصائص النبي (صلى الله عليه وآله) ممنوعة جدّاً ، فلابدّ من ردّ علمه إلى أهله .
والروايتان الأخيرتان ـ مع أنّ الثانية منهما مشتملة على الاستشهاد بكلام عائشة وهو ظاهر في التقيّة ، بل في كلام المحقّق العراقي(2) الجزم بكونه من مفتريات عائشة ـ لا تصلحان للمعارضة ; لما سيأتي في بحث هذا الفرع من فروع هذا الأمر من الفرق بين النومة الاُولى وغيرها ; لأنّه لا أقلّ من المخالفة للشهرة التي هي أوّل المرجّحات ، كما مرّ مراراً .
ومن هذا القبيل ما رواه في المقنع ، عن حمّاد بن عثمان ، أ نّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل وأخّر الغسل حتى يطلع الفجر ؟ فقال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجامع نساءه من أوّل الليل ثمّ يؤخّر الغسل حتى يطلع
(1) تهذيب الأحكام 4 : 210 ح 610 ، الاستبصار 2 : 85 ح 266 وص 88 ح 275 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 59 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 6 .
(2) شرح تبصرة المتعلّمين 3 : 150 .
الصفحة 75
الفجر ، ولا أقول كما تقول هؤلاء الأقشاب : يقضي يوماً مكانه(1) ، مع أنّ الروايةمرسلة; لعدم إمكان أن يرويها الصدوق عن حمّاد من دون واسط ، ويرد على دلالتها ما مرّ ، ومن أنّ التعبير بقوله : «حتى يطلع الفجر» ظاهر في التأخير العمدي ، بخلاف قوله : «حتى طلع الفجر» كما في بعض الروايات (2).
وبالجملة : لا ينبغي الإشكال بملاحظة النصّ والفتوى أ نّ تعمّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر مفطر في الجملة بالإضافة إلى شهر رمضان الذي يكون الصوم متعيّناً بالتعيّن الزماني .
وأمّا القضاء، فقد وردت فيها روايات خاصّة ، مثل :
صحيحة عبدالله بن سنان ، أ نّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتى يجيء آخر الليل وهو يرى أنّ الفجر قد طلع ؟ قال : لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره(3) ، ورواه في الوسائل في الباب الواحد مرّتين .
وموثقة سماعة بن مهران قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان، فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى أدركه الفجر ؟ فقال (عليه السلام) : عليه أن يتمّ صومه ويقضي يوماً آخر ، فقلت : إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي رمضان ؟ قال : فليأكل يومه ذلك وليقض ; فإنّه لا يشبه رمضان شيء من الشهور(4) .
(1) المقنع : 189 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 57 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 3 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 58 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 4 و 5 .
(3) الفقيه 2 : 75 ح 324 ، تهذيب الأحكام 4 : 277 ح 837 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 67 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 1 .
(4) تهذيب الأحكام 4 : 211 ح 611 ، الاستبصار 2 : 86 ح 267 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 67 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 3 .
الصفحة 76
وظاهر المتن أنّ الأقوى في قضاء شهر رمضان البطلان بالإصباح جنباً وإن لم يكن عن عمد ، خلافاً لظاهر العروة (1) ، ولعلّ الوجه فيه إطلاق الروايتين ، بل ظهور الثانية في صورة عدم التعمّد .
بقي في المسألة فروع متعددة :
الأوّل : من مضى عليه صوم يوم أو أيّام من شهر رمضان ونسي غسل الجنابة ، وقد قوّى في المتن فيه البطلان للروايات الواردة في هذا المجال ، مثل :
رواية إبراهيم بن ميمون ـ التي رواها المشايخ الثلاثة ـ قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى تمضي لذلك جمعة ، أو يخرج شهر رمضان ؟ قال : عليه قضاء الصلاة والصوم(2) .
ورواية الحلبي قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان؟ قال : عليه أن يقضي الصلاة والصيام(3) .
ويدلّ عليه في خصوص الصلاة حديث «لا تعاد»(4) المعروف ; لأنّ الطهور أحد الخمسة المستثناة فيه ، كما لا يخفى .
الثاني : الفرض بالإضافة إلى غير شهر رمضان من النذر المعيّن وقضاء شهر رمضان ، وقد قوّى في المتن عدم اللحوق مع النهي عن ترك الاحتياط في قضاء
(1) العروة الوثقى 2 : 22 ، الأمر الثامن .
(2) الفقيه 2: 74 ح 320، الكافي 4 : 106 ح5 ، تهذيب الأحكام 4: 332 ح 1043، وعنهاوسائل الشيعة 10 : 65، كتاب الصوم، أبواب مايمسك عنه الصائم ب17 ح1، و ص 238، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 30 ح1 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 311 ح 938 وص 322 ح 990 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 238 ، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 30 ح 3 .
(4) الفقيه 1 : 181 ح 857 ، تهذيب الأحكام 2 : 152 ح 597 ، وعنهما وسائل الشيعة 4 : 312 ، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب 9 ح 1 .
الصفحة 77
ما ذكر ، والوجه في عدم لحوق النذر المعيّن ومثله بشهر رمضان، عدم الدليل عليه بعد ما عرفت من ورود الروايتين في رمضان ، وأمّا النهي عن ترك الاحتياط في القضاء بالنسبة إلى من نسي غسل الجنابة ، فلما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) ممّا يرجع إلى أنّ التعدّي عن الأداء إلى القضاء مبنيّ على أحد أمرين : إمّا دعوى تبعيّة القضاء للأداء استناداً إلى اتّحاد المقضي وقضائه في الخصوصيّات ، أو دعوى دخول النسيان في صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة في القضاء ، وأجاب عن كلا الأمرين بما حاصله : أنّ الأوّل لا دليل فيه على التبعيّة إلاّ في الخصوصيّات المعتبرة في أصل الطبيعة ، والثاني قاصر عن الشمول لصورة النسيان ولا ملازمة أصلاً(1) .
أقول : وإن كان الأمران المذكوران يكون الجواب عنهما هو ما أفاده ، إلاّ أنّه مع ذلك يكون ترك الاحتياط في القضاء منهيّاً عنه .
الثالث : غير شهر رمضان وقضائه من الواجب المعيّن والموسّع والمندوب من حيث مفطريّة تعمّد البقاء وعدمها، وقد استشكل فيها في المتن أوّلاً ثمّ قال : «الأحوط ذلك خصوصاً في الواجب الموسّع ، والأقوى العدم خصوصاً في المندوب» ، فظاهره كون الاحتياط في الجميع استحبابياً ، وأ نّ الأقوى فيه العدم وإن كان بينهما اختلاف في مرتبة الاحتياط .
أقول : مضافاً إلى أنّه لا دليل فيها على الإلحاق ، قد وردت في الفرع بعض الروايات ، مثل :
رواية حبيب الخثعمي قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني عن التطوّع وعن [صوم] هذه الثلاثة الأيّام إذا أجنبتُ من أوّل الليل فأعلم أنّي أجنبتُ فأنام متعمّداً
(1) المستند في شرح العروة 1 : 212 .
الصفحة 78
مسألة 4 : من أحدث سبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل ولا التيمّم مع علمه بذلك ، فهو كمتعمّد البقاء عليها ، ولو وسع التيمّم خاصّة عصى وصحّ صومه المعيّن ، والأحوط القضاء 1 .
حتّى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ قال: صم(1) .
ورواية ابن بكير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتى يصبح ، أيصوم ذلك اليوم تطوّعاً ؟ فقال : أليس هو بالخيار ما بينه ونصف النهار؟ الحديث(2) . ودلالتهما على عدم مفطريّة البقاء على الجنابة متعمّداً في المندوب واضحة ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين النوم مع الجنابة مع البناء على الاغتسال قبل طلوع الفجر ، وبينه مع العلم بأنّه ينام إلى الطلوع . وأمّا صوم الثلاثة الأيّام فالظاهر أنّ المراد به هو الصوم الواجب بدلاً عن الهدي الواجب في حجّ التمتّع لمن لا يقدر عليه ، فهو أيضاً من أفراد الواجب المعيّن، نظير رمضان وقضائه في صورة التضيّق .
1ـ لا شبهة في صحّة الصلاة مع التيمّم في صورة عدم إمكان الاغتسال; لعدم وجدان الماء ومثله ممّا يوجب الرخصة في التيمّم . وأمّا صحّة الصوم فالظاهر أنّه لا ينبغي الارتياب في ذلك في الجملة ; لقيام السيرة من المتشرّعة على الإجناب الاختياري في ليالي رمضان مع العلم بوجوب الصوم عليهم، الذي يقدح فيه تعمّد البقاء على الجنابة مع عدم التمكّن من الاغتسال، ومع فرض التمكّن من التيمّم وسعة الوقت له .
(1) الفقيه 2 : 49 ح 212، وعنه وسائل الشيعة 10 : 68 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح1 .
(2) الكافي 4 : 105 ح 3 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 68 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 2 .
الصفحة 79
إنّما الإشكال في مشروعيّة الانتقال إلى التيمّم في موارد التعجيز الاختياري ، واستظهر بعض الأعلام (قدس سره) عدم المشروعيّة لقصور المقتضي ; نظراً إلى أنّ المستفاد من قوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً . . .}(1) هو عدم الوجدان بالطبع ، لا جعل الإنسان نفسه غير واجد بأن يريق الماء مثلاً . نعم ، في خصوص باب الصلاة لابدّ من الالتزام بالمشروعيّة ; لقوله (عليه السلام) : «لا تترك الصلاة بحال»(2) مع ملاحظة اشتراطها بالطهارة . وأمّا في مثل الصوم فلم يرد مثل هذا الدليل ، واستنتج من ذلك العصيان والبطلان ; لكونه من مصاديق تعمّد البقاء على الجنابة (3) .
والظاهر أنّه لا مجال للحكم بالبطلان ; لأنّ قوله (عليه السلام) : التيمّم أحد الطّهورين(4)يكون المتفاهم منه قيام التيمّم مقام الوضوء والغسل مطلقاً ، خصوصاً مع ملاحظة قوله (صلى الله عليه وآله) : يكفيك الصعيد عشر سنين(5); فإنّ الكفاية في مثل هذه المدة الطويلة مع حدوث حوادث مختلفة بالإضافة إلى الأشخاص يوجب أن يكون الصوم المذكور واجداً لوصف الصحّة ، غاية الأمر ثبوت العصيان; لأنّه كإراقة الماء عامداً في باب الوضوء الموجب للانتقال إلى التيمّم قهراً من ثبوت الصحّة للصلاة وتحقّق العصيان . نعم، لا مجال لإنكار أنّ مقتضى الاحتياط الاستحبابي في المقام قضاء ذلك الصوم .
(1) سورة المائدة 5 : 6 .
(2) لم نجد بهذا اللفظ. نعم، يستفاد من الروايات الواردة في وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب 11، و ج 2: 373، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 .
(3) المستند في شرح العروة 1 : 199 ـ 200 .
(4) الكافي 3 : 63 ح 4، تهذيب الأحكام 1: 200 ح 580، وعنهما وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم ب21 ح1.
(5) وسائل الشيعة 3 : 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم ب14 ح12.
الصفحة 80
مسألة 5 : لو ظنّ السعة وأجنب فبان الخلاف ، لم يكن عليه شيء إذا كان مع المراعاة ، وإلاّ فعليه القضاء 1 .
مسألة 6 : كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً ، كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض والنفاس إلى طلوع الفجر ، فإذا طهرتا منهما قبل الفجر وجب عليهما الغسل أو التيمّم ، ومع تركهما عمداً يبطل صومهما . وكذا يُشترط على الأقوى في صحّة صوم المستحاضة الأغسالُ النهاريّة التي للصلاة دون غيرها ، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل ـ كالمتوسّطة والكثيرة ـ فتركت الغسل بطل صومها ، بخلاف ما لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الظهرين ، فتركت الغسل إلى الغروب ; فإنّه
وممّا ذكرنا ظهر أنّ الحكم فيمن أحدث بسبب الجنابة في وقت لا يسع الغسل ولا التيمّم مع العلم بذلك هو جريان حكم تعمّد البقاء، كما لا يخفى .
1ـ لو ظنّ وتخيّل سعة الوقت وأجنب فبان الخلاف وأنّه لم يكن الوقت وسيعاً من هذه الجهة، لم يجب القضاء ولا الكفّارة ، وفي المتن قيّده بما إذا كان مع المراعاة، وإلاّ فعليه القضاء ، والظاهر أنّ مقصوده من المراعاة هو اعتبار الظن من جهة قيام البيّنة أو قول العادل الواحد على تقدير اعتباره في الموضوعات على خلاف التحقيق، كما مرّ (1)، والمقصود من ثبوت القضاء في صورة عدم المراعاة الاعتماد على الاستصحاب ثمّ انكشاف الخلاف ، وإن كان ظاهر العبارة يفيد أنّ المفروض في كلتا الصورتين الاعتماد على الظنّ ، فتأمّل فيها .
(1) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الاجتهاد والتقليد، مسألة العدالة .
|