الصفحة 281
مسألة 6: لو كان عليه قضاء رمضانين أو أكثر ، يتخيّر بين تقديم السابق وتأخيره . نعم ، لو كان عليه قضاء رمضان هذه السنة مع قضاء رمضان سابق ، ولم يسع الوقت لهما إلى رمضان الآتي ، يتعيّن قضاء رمضان هذه السنة على الأحوط. ولو عكس فالظاهر صحّة ماقدّمه ولزمه الكفّارة; أعني كفّارة التأخير 1.
وثانياً : أ نّ التفصيل في الصورة الثانية ـ التي لا يتّصف الواجب بأيّة خصوصيّة ـ في صقع الواقع وفي علم الله سبحانه ، بين ما لم يكن هناك امتياز من جهة أمر خارجيّ وأثر جعليّ ، وبين ما كان هناك امتياز من تلك الجهة، كما في مثال الاستدانة المذكور ـ ممّا لا يكاد يستقيم ; فإنّ الظاهر ترتّب ذلك الأمر الخارجي والأثر الجعلي في الصورة الثانية بأداء فرد من الدَين ; ضرورة أنّ أداء الدَين وإن كان من العناوين القصديّة ، إلاّ أنّ انضمام نيّة خصوص الدَين الذي وقع في مقابله الرهن لا دليل عليه ، ولذا لو دفع الدَين الواحد الواقع في مقابله الرهن مع عدم التوجّه إلى الرهن حال الأداء ، لا مجال للمناقشة في الفكّ .
وكذا الوفاء بالنذر ; فإنّه وإن كان واجباً قصديّاً ، إلاّ أنّه لا يعتبر فيه قصد القربة ، فمن نذر تطهير ثوبه من النجاسة فألقى ثوبه في الماء من دون الالتفات إليه يصير طاهراً لا محالة وإن لم يتحقّق منه التطهير مباشرة ، ولم يتحقّق منه القصد إليه ، والمقام من هذا القبيل .
فالمتحصّل أنّه لا يجب رعاية الترتيب ولا التعيين مطلقاً ، من دون فرق بين الموارد كما هو ظاهر المتن .
1 ـ أمّا التخيير بين تقديم السابق وتأخيره فلما عرفت من عدم لزوم البدار وصيرورة الوقت موسّعاً بدخول رمضان الآتي ، ففي صورة سعة الوقت لكليهما يتخيّر في القضاء بين تقديم السابق وتأخيره ، وفي صورة عدم سعة الوقت لكليهما
الصفحة 282
احتاط بلزوم تعيين قضاء رمضان هذه السنة ; نظراً إلى القول بلزوم البدار قبل مجيء رمضان الآتي ، ولكن حيث لم نقل بذلك فاللازم أن يقال بأنّ الاحتياط استحبابي .
ثمّ إنّ السيّد الطباطبائي (قدس سره) ذكر في ذيل مثل المسألة في العروة الوثقى فرعاً آخر قال : ولو أطلق في نيّته انصرف إلى السابق انتهى(1) . وقد صحّحه بعض الأعلام المتقدّم ذكره في المسألة السابقة في شرح العروة بما يرجع إلى أنّ وجه الصحّة ليس هو الانصراف على حدّ انصراف اللفظ إلى معناه ; لأنّه لا خصوصيّة لأحد الرمضانين بما هو كذلك كي تنصرف النيّة إليه ، بل لأجل أنّ الثاني يمتاز بخصوصية خارجيّة زائدة على نفس الطبيعة ; وهي التضييق على القول به أو الكفّارة ، وما لم يقصد يكون الساقط هو الطبيعي الجامع المنطبق طبعاً على الفاقد لتلك الخصوصيّة ، الذي هو الأخفّ مؤونة ; وهو رمضان الأوّل ، نظير ما تقدّم من مسألة استدانة درهم ثمّ استدانة درهم آخر وله رهن ، حيث عرفت أنّه ما لم يقصد الثاني في مقام الوفاء لا يترتّب عليه فكّ الرهن(2) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما أوردنا عليه في المسألة السابقة ـ : أنّ الانصراف إلى السابق ليس لأجل ما أفاده ، بل لأجل أنّه مع اشتغال الذمّة بأمرين سابق ولاحق مع كونهما مثلين ـ كما هو المفروض في المقام ـ يكون رفع الاشتغال عند العرف مسوقاً إلى الأمر الأوّل ، ولا حاجة إلى نيّته بهذا العنوان . نعم ، لو عيّن الثاني يكون الظاهر الصحّة مع لزوم الكفّارة ، كما في المتن .
(1) العروة الوثقى 2 : 56 مسألة 2530 .
(2) المستند في شرح العروة 22 : 178 .
الصفحة 283
مسألة 7 : لو فاته صوم شهر رمضان لمرض أو حيض أو نفاس ومات قبل أن يخرج منه ، لم يجب القضاء وإن استحبّ النيابة عنه 1 .
1ـ المقصود من الموت قبل أن يخرج من رمضان هو الموت قبل وجوب القضاء عليه ; سواء كان في رمضان أو بعده قبل الوجوب ، كما إذا مات في اليوم العيد . وذكر السيّد في العروة بعد الحكم باستحباب النيابة بأنّ الأولى إهداء الثواب إليه (1).
ويدلّ على أصل الحكم في المسألة بالإضافة إلى المريض روايات كثيرة :
منها : صحيحة منصور بن حازم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المريض في شهر رمضان فلا يصحّ حتّى يموت ؟ قال : لا يقضى عنه(2) .
ومنها : موثّقة سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام ، فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال؟ قال : لا صيام عليه ولا يُقضى عنه(3) . والمراد من الموت في شهر شوّال هو الموت مع استمرار المرض إليه وعدم وجوب القضاء عليه .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن رجل أدركه رمضان وهو مريض ، فتوفّي قبل أن يبرأ ؟ قال : ليس عليه شيء ، ولكن يُقضى عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي(4) . ومن الواضح أنّ المراد حصول البراءة بنحو
(1) العروة الوثقى 2 : 56 مسألة 2533 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 247 ح 734 ، الاستبصار 2 : 108 ح 353 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 332 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 9 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 247 ح 733 ، الاستبصار 2 : 108 ح 352 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 332 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 10 .
(4) الكافي 4 : 123 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 248 ح 738 ، الاستبصار 2 : 110 ح 359 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 330 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 2 .
الصفحة 284
يقدر معها على القضاء .
وأمّا بالإضافة إلى الحيض والنفاس : فيدلّ على الحكم ذيل صحيحتي منصور وسماعة المتقدّمتين وغيرهما ، فالحكم في أصل المسألة ممّا لا إشكال فيه .
وأمّا استحباب النيابة عنه : فالظاهر أنّ الصوم لم يكن واجباً على المنوب عنه ولا مستحبّاً عليه ; لأنّ المفروض عدم قدرته وعدم التمكّن من الصوم ، لا أداءً ولا قضاءً ، وتدلّ عليه صحيحة أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوّال، فأوصتني أن أقضي عنها ؟ قال : هل برئت من مرضها ؟ قلت : لا ماتت فيه . قال : لا يقضى(1) عنها ; فإنّ الله لم يجعله عليها . قلت : فإنّي أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك ؟ قال : كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله الله عليها ، فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم(2) . والظاهر أنّ المراد من اشتهاء الصوم عن نفسه هو ما أفاده السيّد من أنّ الأولى إهداء الثواب إليها بعد عدم ثبوت حكم القضاء عليها حتّى ينوب عنها .
ومنه يظهر أنّه لا وجه للحكم باستحباب النيابة عنها المتفرّعة على مجعوليّة الحكم على المنوب عنه ولو بنحو الاستحباب ، كما في الحجّ الذي يؤتى به نيابة عن الصاحب عجّل الله تعالى فرجه الشريف (3).
(1) في الوسائل: لا تقضي.
(2) تهذيب الأحكام 4 : 248 ح 737 ، الاستبصار 2 : 109 ح 358 ، الكافي 4 : 137 ح 8 ، علل الشرائع : 382 ح 4 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 332 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12 .
(3) الخرائج والجرائح 1 : 480 ح 21 ، وعنه فرج المهموم : 256، وبحار الأنوار 52 : 59 ح42، ومستدرك الوسائل 8 : 70 ، كتاب الحجّ، أبواب النيابة في الحجّ ب 11 ح 9098 ، وفي وسائل الشيعة 11 : 208 ، كتاب الحجّ ، أبواب النيابة في الحجّ ب 34 ح 2 وإثبات الهداة 3 : 695 ح 12 عنه مختصراً .
الصفحة 285
تتمّة : ربما يظهر من المتن اختصاص عدم الوجوب بالطوائف الثلاث المذكورة في المتن ، فلا يشمل مثل المسافر في شهر رمضان إذا مات فيه ، أو في أوّل يوم من شوّال ، أو مع استدامة سفره إلى ما بعد رمضان إلى أن مات فيه ، ولكن ربما يقال(1)بعدم الاختصاص نظراً إلى بعض الروايات ، مثل :
مرسلة ابن بكير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يموت في شهر رمضان ـ إلى أن قال : ـ فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثمّ صحّ بعد ذلك ولم يقضه ، ثمّ مرض فمات ، فعلى وليّه أن يقضي عنه ; لأنّه قد صحّ فلم يقض ووجب عليه(2) . نظراً إلى أنّ تعليل القضاء بقوله (عليه السلام) : « لأنّه قد صحّ فلم يقض » مشعر بل دالّ على أنّ مورده من كان متمكّناً من القضاء ولم يقض ، ولم يتحقّق التمكّن في الفروض المزبورة ، فلا يجب القضاء فيها .
ويرد عليه : وجود الفرق بين المريض والمسافر ، فإنّ الثاني يتمكّن من القضاء ولو بالإقامة في محلّ ، والأوّل غير متمكّن منه . وبعبارة اُخرى : يختصّ حكم الرواية بمورده ، وهو التفصيل بين المريض الذي استمرّ به المرض إلى أن مات ، وبين المريض الذي صار صحيحاً وتمكّن من القضاء ، فلا يعمّ المسافر ، مع أنّ الرواية مرسلة كما ذكرنا ، فلا يصحّ الاستدلال بها .
وصحيحة أبي بصير المتقدّمة ; نظراً إلى أنّ مقتضى عموم التعليل فيها الشمول للفروض المذكورة ; لأنّه لم يجعل القضاء عليه في تلك الفروض .
ويرد على الاستدلال بالصحيحة وبالتعليل الواقع فيها بقوله (عليه السلام) : «فإنّ الله
(1) اُنظر المستند في شرح العروة 22 : 183 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 249 ح 739 ، الاستبصار 2 : 110 ح 360 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 333 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 13 .
الصفحة 286
مسألة 8 : لو فاته صوم شهر رمضان أو بعضه لعذر واستمرّ إلى رمضان آخر ، فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه وكفّر عن كلّ يوم بمدّ ، ولا يجزئ لم يجعله عليها» أ نّه يجري في التعليل احتمالان :
أحدهما : أنّ مرجع الضمير هو أصل الصوم ، ومعناه حينئذ أنّ كلّ من لم يجعل الله عليه الصوم لا يجب عليه القضاء ، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به ; لأنّ كثيراً ممّن لايجب عليه الصوم يجب عليه القضاء، كالمريض مع التمكّن من الصيام بعد رمضان ، والمسافر إذا أقام ، أو رجع عن السفر بعد شوّال .
ثانيهما : أن يكون مرجع الضمير في التعليل هو القضاء ، ولعلّه الظاهر من الاحتمالين ، فيختصّ مورده بما إذا لم يكن القضاء مجعولا عليه كالحائض . ودعوى كون عدم الجعل عليه في الصور الثلاث مطلقاً ممنوعة أوّل الكلام ، مع أنّ هنا روايات تدلّ على التفصيل بين المريض والطامث ، وبين المسافر ، مثل :
موثّقة محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت ، فماتت قبل أن يخرج رمضان ، هل يقضى عنها؟ فقال: أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم(1) .
وصحيحة أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت ، فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يقضى عنها ؟ قال : أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم(2) .
(1) تهذيب الأحكام 4 : 249 ح 741 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 334 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 16 .
(2) الكافي 4 : 137 ح 9 ، الفقيه 2 : 94 ح 423 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 330 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 4 .
الصفحة 287
القضاء عن التكفير . وإن كان العذر غير المرض كالسفر ونحوه ،فالأقوى وجوب القضاء فقط . وكذا إن كان سبب الفوت هو المرضوسبب التأخير عذراً آخر أو العكس ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمعبين القضاء والمدّ ، خصوصاً إذا كان العذر هو السفر ، وكذا في الفرعالأخير 1 .
1ـ في المسألة فروع متعدّدة :
الأوّل : ما لو فاته شهر رمضان أو بعضه واستمرّ إلى رمضان آخر ، وكان العذر هو المرض ، فالمعروف والمشهور(1) كما في المتن من سقوط القضاء ولزوم التكفير عن كلّ يوم بمدّ ; للروايات الكثيرة الدالّة على كلا الحكمين ، ولم يستبعد صاحب الجواهر البلوغ إلى حدّ التواتر (2)، مثل :
صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) قال : سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّى أدركه رمضان آخر ؟ فقالا : إن كان برأ ثمّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه ، وتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين ، وعليه قضاؤه . وإن كان لم يزل مريضاً حتّى أدركه رمضان آخر ، صام الذي أدركه ، وتصدّق عن الأوّل لكلّ يوم مدّاً على مسكين ، وليس عليه قضاؤه(3) .
(1) مختلف الشيعة 3 : 382 مسألة 111 ، رياض المسائل 5 : 432 ، مستند الشيعة 10 : 442 ، جواهر الكلام 17 : 24 ـ 25 ، المستند في شرح العروة 22 : 185 .
(2) جواهر الكلام 17 : 25 .
(3) الكافي 4 : 119 ح 1 ، تهذيب الأحكام 4 : 250 ح 743 ، الاستبصار 2 : 110 ح 361 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 335 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 1 .
الصفحة 288
وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض ، ولا يصحّ حتّى يدركه شهر رمضان آخر ، قال : يتصدّق عن الأوّل ويصوم الثاني(1) . وغيرهما من الروايات الدالّة على ذلك ، مثل صحيحة عليّ بن جعفر(2) وغيرها ، المفصّلة بين القضاء والتكفير بعدم وجوب الأوّل ، ووجوب الثاني بالصراحة أو بالدلالة العرفية (3) .
والآية الشريفة الواردة في الصوم ، الدالّة على أنّ { مَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّام أُخَرَ}(4) يكون موردها ـ كما يظهر من الحكم بإيجاب القضاء ـ هي صورة التمكّن من الصوم في تلك الأيّام التي يكون المتبادر منها هي الأيّام بين الرمضانين ، فلا تشمل مثل هذا الفرع الذي يكون عذر المرض مستمرّاً إلى الرمضان الثاني ، فهي قاصرة عن الحكم بوجوب القضاء في مثل الفرع ، كمالايخفى ، وعلى تقدير العموم أو الإطلاق فاللازم التخصيص أو التقييد بمثل الروايات المتقدّمة بعد جواز التخصيص والتقييد بخبر الواحد المعتبر ، فضلا عن المتواتر كما لا يخفى .
لكن بإزاء القول المشهور قولان :
أحدهما : ما عن ابن أبي عقيل وابن بابويه(5) وبعض آخر(6) من وجوب القضاء
(1) الكافي 4 : 119 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 250 ح 744 ، الاستبصار 2 : 111 ح 362 ، الفقيه 2 : 95 ح 429 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 335 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح2 .
(2) قرب الإسناد : 232 ح 910 ، مسائل عليّ بن جعفر : 105 ح 7 ، وعنهما وسائل 10 : 338 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 9 ، وفي البحار 96 : 331 ملحق ح 2 عن قرب الإسناد .
(3) وسائل الشيعة 10 : 335 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 .
(4) سورة البقرة 2 : 185 .
(5) حكى عنهما في مختلف الشيعة 3 : 382 مسألة 111 وص387 مسألة 113 .
(6) الخلاف 2 : 206 مسألة 63 ، السرائر 1 : 395 ـ 396 ، الكافي في الفقه : 184 ، غنية النزوع : 141 ، تحرير الأحكام الشرعيّة 1 : 499 ـ 500 .
الصفحة 289
عليه بعد الرمضان الثاني دون الكفّارة ، ومستنده ظاهراً رواية أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ، ثمّ أدركه شهر رمضان قابل ؟ قال : عليه أن يصوم وأن يطعم كلّ يوم مسكيناً ، فإن كان مريضاً فيما بين ذلك حتّى أدركه شهر رمضان قابل ، فليس عليه إلاّ الصيام إن صحّ ، وإن تتابع المرض عليه فلم يصحّ فعليه أن يطعم لكلّ يوم مسكيناً(1) .
نظراً إلى أنّ الإمام (عليه السلام) قسّم المكلّف ثلاثة أقسام : قسم يجب عليه القضاء والفداء ، وقسم يجب عليه القضاء خاصّة ; وهو الذي استمرّ به المرض إلى رمضان قابل ، وقسم يجب عليه الفداء فقط ; وهو الذي تتابع ـ أي استمرّ ـ به المرض سنين عديدة ، والمقام من القسم الثاني الذي يجب عليه القضاء فقط .
ويرد على الاستدلال بها :
أوّلا : أنّها ضعيفة السند ; لأنّ بعض رواتها مشترك بين الضعيف والثقة ، ولا قرينة على كونه هو الثاني ، وإن حكي عن جامع الرواة ذلك(2) .
وثانياً : ليس في الرواية دلالة على أنّ العذر المجوّز للإفطار في الرمضان هو المرض ، بل فرض المرض إنّما هو بالنسبة إلى ما بعد الرمضان الأوّل .
وثالثاً : قصور الدلالة في الرواية ; لتوقّفها على أن يكون المراد من قوله (عليه السلام) : «فإن كان مريضاً فيما بين ذلك» هو استمرار المرض إلى الرمضان الثاني ، مع أنّ مقتضى المقابلة بين الشرطيتين المذكورتين في الجواب ـ اللتين فصّل بينهما وحكم
(1) الكافي 4 : 120 ح 3 ، تهذيب الأحكام 4 : 251 ح 745 ، الاستبصار 2 : 111 ح 363 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 336 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 3 .
(2) جامع الرواة 2 : 177 .
الصفحة 290
في إحداهما بأنّه ليس عليه إلاّ الصيام ، وفي الأُخرى بتعيّن الإطعام ، ووضوح كون المراد بالتتابع هو الاستمرار ـ هو أن يكون مورد الشرطيّة الأُولى عدم الاستمرار ، ومورد الشرطيّة الثانية هو الاستمرار ، ولذا حكي عن صاحب المدارك(1)الاستدلال بالرواية لنظر المشهور والحكم بسقوط القضاء وتعيّن الكفّارة (2).
ثانيهما : ما حكي عن ابن الجنيد من وجوب(3) القضاء والكفّارة معاً(4) .
ويمكن أن يستدلّ له بموثّقة سماعة قال : سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك لم يصمه ؟ فقال : يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام ، وليصم هذا الذي أدرك . فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ; فإنّي كنت مريضاً فمرّ عليَّ ثلاث رمضانات لم أصحّ فيهنّ ، ثمّ أدركت رمضاناً آخر فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّ من طعام ، ثمّ عافاني الله ـ تعالى ـ وصمتهنّ(5) . نظراً إلى فعل الإمام (عليه السلام) .
ولكن حملها الشيخ (رحمه الله) على الاستحباب جمعاً بينها ، وبين صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من أفطر شيئاً من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر وهو مريض ، فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم ، فأمّا أنا فإنّي صمت وتصدّقت(6) ; فإنّها ظاهرة في أنّ قضاء الإمام (عليه السلام) كان أمراً مستحبّاً ، ولا بأس بل لا محيص إلاّ عن
(1) مدارك الأحكام 6 : 213 ـ 214 .
(2) المراد منها : الفدية .
(3) أي الاحتياط الوجوبي على ما في المختلف ورياض المسائل .
(4) حكى عنه في مختلف الشيعة 3 : 386 مسألة 113 ورياض المسائل 5 : 433 .
(5) تهذيب الأحكام 4 : 251 ح 747 ، الاستبصار 2 : 112 ح 366 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 336 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 5 .
(6) تهذيب الأحكام 4 : 252 ح 848 ، الاستبصار 2 : 112 ح 367 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 336 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 4 .
الصفحة 291
حمل الروايات المتقدّمة النافية للقضاء على عدم وجوبه وإن كان أمراً مستحبّاً .
فانقدح أنّ المتّبع في المسألة هو النظر المشهور ، وأنّه لا مجال لشيء من القولين في مقابله .
الفرع الثاني : ما إذا كان العذر المستمرّ غير المرض ، كالسفر في رمضان المستمرّ إلى الرمضان الثاني مع عدم تخلّل المرور إلى الوطن ، أو الإقامة الموجبة للإتمام ولصحّة الصيام في محلّ من بلد أو قرية ، وقد قوّى في المتن وجوب القضاء عليه فقط وإن احتاط في العروة بالجمع بينه وبين المدّ (1). والظاهر أنّ الاحتياط وجوبيّ وإن كان يمكن أن يقال بأنّه استحبابي ; لظهور كلامه في تعيّن القضاء عليه ، فتدبّر .
وكيف كان ، فمقتضى القاعدة ثبوت القضاء في هذا الفرع ، كما أنّ مقتضاها في الفرع الأوّل أيضاً ذلك ، إلاّ أنّه قد وردت روايات معتبرة على سقوط القضاء في المرض المستمرّ، كما عرفت .
وأمّا في المقام: فلم ترد رواية على اتّحاد حكم السفر والمرض عدا رواية الفضل ابن شاذان ، عن الرضا (عليه السلام) ، المرويّة في علل الصدوق وعيونه ـ قال في حديث طويل : ـ إن قال : فلِمَ إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره ، أو لم يقو من مرضه حتّى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأوّل وسقط القضاء ، وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه الفداء والقضاء ؟ . . . إلخ(2) ; فإنّ ظاهرها مفروغيّة اشتراك السفر مع المرض في صورة
(1) العروة الوثقى 2 : 57 مسألة 2534 .
(2) علل الشرائع : 271 ح 9 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 117 ح 1 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 337 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8 .
الصفحة 292
الاستمرار في سقوط القضاء ، وقد وصفها في الجواهر بالحجّية والصحّة (1)، غير أنّها ساقطة عن الاعتبار من أجل هجر الأصحاب وإعراضهم عنها ; لأنّه لم يقل بمضمونها أحد منّا ، فهي مهجورة متروكة ، وإلاّ فهي نفسها صحيحة واجدة لشرائط الحجّية .
أقول : ذكر بعض الأعلام المتخصّص في علم الرجال أيضاً : لا أدري كيف وصفها ـ يعني صاحب الجواهر ـ بالصحّة ، مع أنّ الرواية ضعيفة السند جدّاً حتّى مع الغض عن الهجر(2) .
وعليه : فالقاعدة المقتضية للزوم القضاء باقية على حالها في السفر وإن خرج عنها بالإضافة إلى المرض، كما عرفت .
الفرع الثالث : ما إذا كان سبب الفوت المجوّز له هو المرض ، وسبب التأخير عذراً آخر كالسفر أو العكس ، وظاهر المتن وجوب القضاء فقط في كلتا الصورتين وإن قال : «لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القضاء والمدّ ، خصوصاً إذا كان العذر هو السفر ، وكذا في الفرع الأخير ».
أقول : الدليل على وجوب القضاء ما عرفت من أنّه مقتضى القاعدة في جميع الموارد ، غاية الأمر الخروج عنها فيما إذا كان العذر هو المرض وقد استمرّ إلى رمضان آخر; للروايات المتقدّمة . وأمّا في غيره فالقاعدة باقية بحالها .
ولكن ذكر بعض الأعلام (قدس سره) في شرح العروة أنّه لو كان سبب الإفطار هو السفر ، وسبب التأخير هو استمرار المرض بين رمضانين ، فالظاهر سقوط القضاء حينئذ
(1) جواهر الكلام 17 : 32 ـ 33 .
(2) المستند في شرح العروة 22 : 191 .
الصفحة 293
والانتقال إلى الفداء ; فإنّ النصوص المتقدّمة من صحاح محمّد بن مسلم وزرارة وعليّ بن جعفر وإن لم تشمل هذه الصورة ; إذ موردها ما إذا كان العذر هو المرض حدوثاً وبقاءً ، فلا تشمل ما لو كان الاستمرار مستنداً إليه دون الإفطار ، ولعلّ في سببيّته للإفطار مدخلا في الحكم .
ولكن إطلاق صحيحة عبدالله بن سنان غير قاصر الشمول للمقام ، فقد روى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من أفطر شيئاً من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر وهو مريض ، فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم ، فأمّا أنا فإنّي صمت وتصدّقت(1) ; فإنّ العذر يعمّ المرض وغيره بمقتضى الإطلاق ، كما أنّ ظاهرها ـ ولو بمعونة عدم التعرّض لحصول البرء في البين ـ استمرار المرض بين الرمضانين ، ومع الغضّ والتنزّل عن هذا الاستظهار فغايته الإطلاق لصورتي استمرار المرض وعدمه ، فيقيّد بما دلّ على وجوب القضاء لدى عدم الاستمرار ، فلا جرم تكون الصحيحة محمولة بعد التقييد على صورة الاستمرار . ثمّ قال :
فإن قلت : إطلاق الصحيحة من حيث شمول العذر للسفر وغيره معارض بإطلاق الآية المباركة الدالّة على وجوب القضاء على المسافر ; سواء استمرّ به المرض إلى رمضان قابل أم لا ؟ فكيف يمكن الاستناد إليها ؟
قلت : كلاّ ، لا معارضة بينهما وإن كانت النسبة بين الإطلاقين عموماً من وجه ; إذ الصحيحة ناظرة إلى الآية المباركة، فهي حاكمة عليها شارحة للمراد منها ، لا من قبيل الحكومة المصطلحة ، بل بمعنى صلاحيّتها للقرينيّة بحيث لو اجتمعا في كلام واحد لم يبق العرف متحيّراً في المراد ، فلو فرضنا أنّ الصحيحة كانت جزءاً من
(1) تقدّمت في ص292.
الصفحة 294
الآية المباركة ـ بأن كانت هكذا : « فإن كنتم مرضى أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر ، ومن كان معذوراً فأفطر ثمّ استمرّ به المرض إلى رمضان آخر فليتصدّق» ـ لم يتوهّم العرف أيّة معارضة بين الصدر والذيل ، بل جعل الثاني قرينة للمراد من الأوّل ، وأ نّ وجوب القضاء خاصّ بغير المعذور الذي استمرّ به المرض ، أمّا هو فعليه الفداء ليس إلاّ .
وهذا هو المناط الكلّي في تشخيص الحكومة وافتراقها عن باب المعارضة، كما نبّهنا عليه في بعض مباحثنا الأُصوليّة(1) ، فإذا لم يكن تعارض لدى الاتّصال وفي صورة الانضمام ، لم يكن مع الانفصال أيضاً (2). انتهى موضع الحاجة .
أقول : إنّه وإن كان قد أجاد فيما أفاد من ضابطة الحكومة والفرق بينها وبين المعارضة ، إلاّ أنّك عرفت أنّ المتبادر من قوله ـ تعالى ـ : { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّام أُخَرَ}(3)هي الأيّام الواقعة بين الرمضانين ، التي انقطع فيها العذر وهو متمكّن من القضاء ، فلا تشمل الآية صورة استمرار المرض أو السفر إلى الرمضان الثاني ، خصوصاً مع ندرته في نفسه ; فإنّهما لا يبقيان نوعاً خصوصاً الثاني .
وأمّا صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة فموردها ـ كما هو المتبادر منها ـ صورة كون العذر هو المرض ، ولا إطلاق لها ليشمل السفر أيضاً . ويؤيّد ما ذكرنا من عدم دلالة الآية على حكم صورة استمرار العذر ولو بالإضافة إلى المرض ، التعرّض فيها لثبوت الفدية في الذين يطيقونه ; سواء قلنا بأنّ المراد منه لا يطيقونه ، أو أنّ المراد إعمال شدّة الطاقة كما تقدّم .
(1) مصباح الاُصول 3: 248 ـ 250.
(2) المستند في شرح العروة 22 : 192 ـ 194 .
(3) سورة البقرة 2 : 185 .
الصفحة 295
مسألة 9 : لو فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر، بل متعمّداً ولم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر ، وجب عليه ـ مضافاً إلى كفّارة الإفطار العمدي ـ التكفير بمدّ بدل كلّ يوم والقضاء فيما بعد . وكذا يجب التكفير بمدّ لو فاته لعذر ولم يستمرّ ذلك العذر ولم يطرأ عذر آخر ، فتهاون حتّى جاء رمضان آخر . ولو كان عازماً على القضاء بعد ارتفاع العذر ، فاتّفق عذر آخر عند الضيق ، فالأحوط الجمع بين الكفّارة والقضاء 1 .
كما أنّك عرفت(1) أنّ الحكم في صحيحة عبدالله بن سنان هو اختصاص الإمام بالجمع بين القضاء والإطعام ، وأ نّ الشيخ (قدس سره) قد حملها على الاستحباب ، وهي قرينة على أنّ المراد بالأخبار الظاهرة في عدم القضاء هو عدم وجوبها وإن كانت مستحبّة ، فالظاهر ما عليه المتن في المقام وإن قال بأنّه «لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القضاء والمدّ»، وهو في محلّه .
1ـ في هذه المسألة أيضاً فروع متعدّدة :
الأوّل : ما لو فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر بل متعمّداً ولم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر ; أي مع التمكّن من القضاء وتركه عمداً ، ففي المتن وجب عليه ـ مضافاً إلى كفّارة الإفطار العمدي ـ التكفير بمدّ بدل كلّ يوم والقضاء فيما بعد .
أقول : أمّا ثبوت كفّارة الإفطار العمدي; فلأنّ المفروض في هذا الفرع أنّ الفوت كان متعمّداً لا لعذر وفيه الكفّارة المخصوصة . وأمّا ثبوت القضاء فلهذه الجهة أيضاً ; لأنّك عرفت سقوطه وثبوت الكفّارة بمدّ فيما لو كان الفوت مستنداً إلى المرض ، وقد استمرّ المرض إلى رمضان آخر ، وفي المقام لا يكون كذلك .
(1) في ص 292 .
الصفحة 296
وأمّا ثبوت التكفير بمدّ بدل كلّ يوم أيضاً فلصحيحة زرارة المشتملة على قوله (عليه السلام) : فإن كان صحّ فيما بينهما ولم يصم حتّى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعاً ويتصدّق عن الأوّل(1) .
ولصحيحة محمّد بن مسلم المتضمّنة لقوله (عليه السلام) : إن كان برأ ثمّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه ، وتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين ، وعليه قضاؤه(2) . وبمثلها يقيّد إطلاق التصدّق في مثل الرواية الأُولى ; فإنّ المستفاد منهما أنّه مع التمكّن من القضاء لو تركها ولم يأت بها يجب عليه التكفير بمدّ في جميع الموارد الذي يجب القضاء .
الفرع الثاني : ما لو فاته لعذر ولم يستمرّ ذلك العذر إلى الرمضان الآتي ، بل صار متمكّناً من القضاء ، ومع ذلك لم يصم تهاوناً وتسامحاً ، فإنّ ظاهر المتن وجوب التكفير عليه ; أي بمدّ لكلّ يوم ، وثبوت القضاء لأجل عدم الإتيان به مع التمكّن منه ; لأنّ المفروض عدم استدامة العذر وعدم استمراره وإن كان سقوط القضاء في خصوص ما كان العذر المستمرّ هو المرض .
وكيف كان ، فالقدر المتيقّن من مورد الصحيحتين المذكورتين في الفرع الأوّل هي هذه الصورة ، ومن الواضح دلالتهما على ثبوت كفّارة المدّ مضافاً إلى القضاء .
الفرع الثالث : هي الصورة المتقدّمة مع عزمه على القضاء بعد ارتفاع عذره فاتّفق عذر آخر عند الضيق ; أي ضيق الوقت عن القضاء ، وقد احتاط في المتن وجوباً بالجمع بين الكفّارة والقضاء وإن نفى البعد عن كفاية القضاء
(1) الكافي 4 : 119 ذ ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 250 ذ ح 744 ، الاستبصار 2 : 111 ذ ح 362 ، الفقيه 2 : 95 ح 429 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 335 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 2 .
(2) تقدمت في ص 289 .
الصفحة 297
مسألة 10 : لا يتكرّر كفّارة التأخير بتكرّر السنين ، فإذا فاته ثلاثة أيّام من ثلاث رمضانات متتاليات ولم يقضها ، وجب عليه كفّارة واحدة للأوّل ، وكذا للثاني ، والقضاء فقط للثالث إذا لم يتأخّر إلى رمضان الرابع 1 .
صاحب العروة (1) ، مع أنّك عرفت أنّ مقتضى القاعدة ثبوت القضاء ، وسقوطه في العذر المستمرّ إذا كان مرضاً إنّما هو لأجل الدليل ، والوجه في ثبوت الكفّارة إطلاق الصحيحتين المتقدّمتين، خصوصاً صحيحة زرارة .
نعم ، في رواية أبي بصير : فإن تهاون به وقد صحّ فعليه الصدقة والصيامجميعاً... إلخ(2) ، حيث إنّ ظاهرها ثبوت الجمع في مورد التهاون لا العزم على الإتيان ثمّ طروّ العذر عند الضيق ، ولكن ـ مضافاً إلى ضعف سندها ـ يكونفي مقابلها موثّقة سماعة قال : سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبلذلك لم يصمه ؟ فقال : يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ منطعام ، وليصم هذا الذي أدركه ، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه . . .إلخ(3) .فالظاهر كما في المتن من أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي الجمع بين الكفّارةوالقضاء .
1ـ المراد من مورد المسألة العاشرة كما يظهر من التفريع ما إذا صار متمكّناً من القضاء بين الرمضانين ومع ذلك لم يقض ، كما إذا فاته ثلاثة أيّام من ثلاث
(1) العروة الوثقى 2 : 57 مسألة 2535 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 251 ح 746 ، الاستبصار 2 : 111 ح 346 ، وعنه ما وسائل الشيعة 10 : 337 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 6 .
(3) تقدّمت في ص 292 .
الصفحة 298
مسألة 11 : يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد، فلا يجب إعطاء كلّ فقير مدّاً واحداً ليوم واحد 1 .
مسألة 12 : يجوز الإفطار قبل الزوال في قضاء شهر رمضان ما لم يتضيّق . وأمّا بعد الزوال فيحرم ، بل تجب به الكفّارة وإن لم يجب الإمساك بقيّة اليوم رمضانات متتاليات ، ولم يقضها مع التمكّن من القضاء ووجوبها ، وقد عرفت أنّ تأخير القضاء إلى الرمضان الثاني مع التمكّن منه موجب لثبوت كفّارة التأخير ، والمقصود من المسألة أنّ هذه الكفّارة لا تتكرّر بتكرّر السنين ، ولا يتوهّم الاكتفاء بالكفّارة عن القضاء ، ولذا ذكر أنّ للثالث القضاء فقط ; بمعنى كون الثابت في الأوّلين هو القضاء والكفّارة معاً .
ونقول : يجري مثله فيما إذا لم يكن هناك قضاء أصلا، كصورة استمرار المرض إلى ثلاث سنين; فإنّ ذلك لا يوجب تكرّر الكفّارة بالنسبة إلى كلّ سنة ، بل تكفي كفّارة واحدة للأوّل ، وكفّارة ثانية للثاني ، والقضاء للثالث مع البرء بعده بحيث صار متمكّناً من القضاء ، وهكذا . وقد عنون صاحب العروة كلا الفرضين فيها ونفى لزوم التكرّر في كليهما(1) .
1ـ المستفاد من الأدلّة لزوم إعطاء الكفّارة بمدّ لكلّ يوم لعنوان الفقير ، فاللازم الإعطاء للفقير بهذا المقدار ، وأمّا احتمال لزوم الإعطاء إلى الفقراء المتعدّدين فلا وجه له ، كما أنّ عدم جواز إعطاء فقير واحد أقلّ من مدّ كذلك . فالعدد في المقام ناظرإلى كمّية الكفّارة ، ولا يلاحظ فيه عدد الفقير ، بخلاف كفّارة الإفطار العمدي ، حيث إنّ اللازم تحقّق عنوان الستّين ، فالعدد هناك ناظر إلى كمّية الفقير ، فتدبّر .
(1) العروة الوثقى 2 : 58 مسألة 2536 .
الصفحة 299
والكفّارة هنا إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام 1 .
1ـ البحث في هذه المسألة تارة: من حيث الحكم التكليفي وجواز الإفطار وعدمه . وأُخرى: من جهة الكفّارة في صورة عدم الجواز ، فنقول :
أمّا البحث من الجهة الأُولى: فقد وردت فيها روايات :
منها : صحيحة جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في الذي يقضيشهر رمضان : إنّه بالخيار إلى زوال الشمس ، فإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليلبالخيار(1) .
ومنها : موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه وبين أن تزول الشمس ، وفي التطوّع ما بينه وبين أن تغيب الشمس(2) .
ودلالة مثلهما على جواز الإفطار قبل زوال الشمس ممّا لا يكاد ينكر ، إلاّ أنّه لابدّ من التقييد بعدم صورة التضيّق ، وإلاّ فهو محرّم .
وأمّا البحث من الجهة الثانية: الراجعة إلى الكفّارة ، فيدلّ على ثبوت الكفّارة المزبورة عدّة من الروايات أيضاً :
منها : ما رواه المشايخ الثلاثة عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس
(1) تهذيب الأحكام 4 : 280 ح 849 ، الاستبصار 2 : 122 ح 396 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 16 ، كتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 4 ح 4 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 280 ح 848 ، الاستبصار 2 : 122 ح 395 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 18 ، كتاب الصوم ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 4 ح 10 .
الصفحة 300
فلاشيء عليه إلاّ يوم مكان يوم، وإن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين ، فإن لم يقدر عليه صام يوماً مكان يوم ، وصام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع(1) على اختلاف يسير بينهم .
ومنها : رواية هشام بن سالم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان ؟ فقال : إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شيء عليه ، يصوم يوماً بدل يوم ، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك(2) . وفي الوسائل : حمله الشيخ على ما يوافق الأوّل ; لدخول وقت الصلاتين عند الزوال .
ويعارضهما ظاهراً رواية زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل صامقضاءً من شهر رمضان فأتى النساء ؟ قال : عليه من الكفّارة ما علىالذي أصاب في شهر رمضان ; لأ نّ ذلك اليوم عند الله من أيّام رمضان(3) .وفي الوسائل : حمله الشيخ على الاستحباب ، وجوّز فيه الحمل على الإفطارمع الاستخفاف ، ويمكن الحمل على التشبيه في وجوب الكفّارة لا في قدرها .وكيف كان ، فالأوليان موافقتان للمشهور ، فالرواية المعارضة لابدّ من تأويلهاأو طرحها .
(1) الكافي 4 : 122 ح 5 ، الفقيه 2 : 96 ح 430 ، المقنع : 200 ، تهذيب الأحكام 4 : 278 ح 844 ، الاستبصار 2 : 120 ح 391 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 347 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 1 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 279 ح 845 ، الاستبصار 2 : 120 ح 392 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 347 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 279 ح 846 ، الاستبصار 2 : 121 ح 393 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 348 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3 .
|