جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ كتاب الحج ـ الجزء 5 « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة221)



سواد وينظر في سواد، فإذا لم يجدوا من ذلك شيئاً، فالله أولى بالعذر.
وأورد عليه بعض الأعلام (قدس سرهم) بأن ما نقله من صحيح محمد بن مسلم قد سهى في نقل متنه وخلط بين روايتين لمحمد بن مسلم وليس فيهما هذه الجملة ـ أي المشتملة على عدم الإجزاء ـ بل الموجود في الصحيحة أجزأت عنه. فالإستدلال بالصحيحة ساقط بالمرة.
والاعتراض عليه بأنه قد سهى في نقل متنه، وإن كان صحيحاً وارداً إلاّ أنه ليس لمحمد بن مسلم روايتان، بل رواية واحدة مفصلة قد قطعها صاحب الوسائل وأورد كل قطعة في الباب المناسب. وهي ما رواه في التهذيب بعد قوله في الاذن: والجذع من الضأن يجزي والثنى من المعز، والفحل من الضأن خير من الموجوء، والموجوء خير من النعجة، والنعجة خير من المعز. فقال: وإن اشترى اُضحية وهو ينوي انها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، وإن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، وأن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز عنه، وقال: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يضحي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد وينظر في سواد، فإذا لم تجدوا من ذلك شيئاً فالله أولى بالعذر. وقال: الأناث والذكور خير من الإبل، والبقر يجزي، وسألته أيضحى بالخصي؟ فقال: لا(1).
وأما انسياق ما بعد الذبح من الوجدان فممنوع جدّاً، وإن كان ربما يؤيده أن المعيار في السمن على ما تقدم هو وجود الشحم على الكلية، وهو لا يعلم نوعاً إلاّ بعد الذبح، إلاّ أنه ليس بمثابة توجب الإنصراف فالإطلاق ثابت في النصوص

(1) التهذيب: ج1، ص 505.

(الصفحة222)



كالفتاوى.
الفرع الثالث: ما لو تخيل الهزال فتبين عدمه، وفيه صورتان أيضاً:
الاُولى: ما لو تخيل الهزال فذبح برجاء السمن بقصد القربة فتبين عدمه، وقد حكم في المتن في هذه الصورة بالكفاية والإجزاء الثانية ما لو لم يحتمل السمن أو احتمله لكن ذبح من غير مبالاة لا برجاء الإطاعة، وقد حكم فيه في هذه الصورة بعدم الكفاية. والأصل في هذا الفرع روايات متعددة أكثرها صحاح، مثل:
صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام) : وإن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، ورواية منصور المتقدمة أيضاً المشتملة على قوله (عليه السلام) ومن اشترى هدياً وهو يرى أنه مهزول فوجده سميناً أجزأ عنه.
وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، وأن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فانها لا تجزي عنه(1).
وصحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) وإن اشتريته مهزولا فوجدته سميناً أجزأك(2).
وبملاحظة هذه الروايات لا موقع للاشكال في أصل الحكم، إنما الإشكال في أنه إذا كان وجدان الخلاف وتبين كونه سميناً قبل الذبح يتمشى منه قصد القربة حال الذبح الذي يكون من مناسك الحج ويكون عبادة يعتبر فيها قصد القربة كما سيأتي

(1) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 5.
(2) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 6.

(الصفحة223)



في بعض المسائل الآتية. وأما إذا لم يتبين الخلاف قبل الذبح بل بعده فكيف يتمشى منه قصد القربة مع اعتقاد الهزال، والعلم باعتبار عدمه في الهدي ولأجله حكى خلاف المشهور عن العماني، حيث إنه لم يقل بالإجزاء في أصل هذا الفرع.
وكيف كان فالروايات المتقدمة الظاهرة في الإجزاء هل تكون مخصصة لدليل عبادية الذبح في بعض الموارد وتكون حاكمة بعدم اعتبار قصد القربة في تلك الموارد؟ أو أنه لا مجال لدعوى عدم اعتبار العبادية ولو في بعض الموارد؟ والظاهر هو الثاني وعليه فكيف يجمع بين العبادية وبين الروايات الظاهرة في الإجزاء؟ يظهر من المتن إنه لابد من التصرف في مورد هذه الروايات، والحكم بأن موردها ما إذا اجتمع هناك خصوصيتان: إحديهما: عدم الاعتقاد الكامل بالهزال بحيث كان عالماً به من غير احتمال خلاف ولو كان ضعيفاً. ثانيتهما: الذبح برجاء المطلوبية الراجع الى الاكتفاء به على تقدير السمن وذبح هدي آخر على تقدير عدمه. ومع إنتفاء إحدى الخصوصيتين أو كلتيهما لا يحكم بالإجزاء، بل يجب هدي آخر.
ويمكن التصرف في الروايات بالحمل على صورة الإنكشاف قبل الذبح. لكن هذا التفصيل مخالف لجميع الفتاوى في هذا الفرع.
الفرع الرابع: ما لو اعتقد الهزال اعتقاداً يقينياً وذبح جهلا بالحكم، وانه يعتبر عدم المهزولية في الهدي ثم انكشف الخلاف وانه كان سميناً، وقد احتاط في المتن وجوباً بالاعادة وتكرار الهدي. والظاهر أنه لا سبيل إلى الإحتياط الوجوبي، بل لا يزيد عن الإحتياط الإستحبابي. وذلك لأن الخارج من مورد الروايات المتقدمة بعد انكشاف الخلاف وعدم الهزال ما لو كان الذبح الصادر فاقداً لوصف العبادية

(الصفحة224)



وخالياً عن قصد القربة. وأما في المقام فحيث أنه كان الذبح مقروناً بالجهل بالحكم وإن كان معتقداً للهزال، فلا مانع من تمشى قصد القربة وحصوله. وعليه فالذبح قد وقع عبادة. والمفروض كونه سميناً واقعاً، فلا مجال للإرتياب في شمول الروايات المتقدمة الدالة على الإجزاء له. واقترانه باعتقاد الهزال والجهل بالحكم لا دليل على قدحه ومانعيته عن صحة الذبح بعنوان العبادية. وعليه فالظاهر هو الإجزاء وأن كان مقتضى الإحتياط الإستحبابي الإعادة، فتدبر.
الفرع الأخير: ما لو اعتقد النقص فذبح جهلا بالحكم، فانكشف الخلاف وانه يكون تامّاً خالياً عن النقص، وقد استظهر في المتن فيه الكفاية والإجزاء والوجه فيه أن شرطية التمامية وعدم النقص وإن كانت شرطية واقعية لا اعتقادية، ولذا ذكر في الفرع الأول أنه لو ذبح فانكشف كونه ناقصاً يجب آخر، إلاّ أن المفروض في المقام تحقق هذا الشرط وكون الحيوان تاماً بحسب الواقع. وحيث إنه كان جاهلا بالحكم حال الذبح ولم يكن عالماً باعتبار التمامية، فالذبح الصادر قد تحقق متصفاً بالعبادية ومقروناً بقصد القربة فالحيوان المذبوح واجد للشرط الواقعي و ذبحه مقرون بقصد القربة، فلا وجه لعدم الإكتفاء به إلاّ مجرد اعتقاد النقص والجهل بالحكم، وهما بعد عدم دلالة دليل على قدحهما أو قدح واحد منهما يكونان كالحجر في جنب الانسان، وعليه فالظاهر هي الكفاية كما في المتن.

(الصفحة225)

في انه يعتبر أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة

مسألة 11 ـ الأحوط أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة، والأحوط عدم التأخير من يوم العيد، ولو أخّر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيام التشريق وإلاّ ففي بقية ذي الحجة، وهو من العبادات، يعتبر فيه النية ونحوها، ويجوز فيه النيابة وينوي النائب والأحوط فيه نيّة المنوب عنه أيضاً، ويعتبر كون النائب شيعياً على الأحوط، بل لا يخلو عن قوة. وكذا في ذبح الكفارات . [1]


[1] قد وقع التعرض في هذه المسألة لاُمور:
الأمر الأول: الظاهر اعتبار أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة وأن جعله في المتن مقتضى الإحتياط الوجوبي. ويدل عليه مضافاً إلى الأخبار البيانية الحاكية لعمل النبي (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع الدالة على تأخر النحر عن الرمي، مع أن الغرض من حكايته بيان الحكم بهذه الصورة لا مجرد الحكاية والنقل بعض الروايات، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو البقر وإلاّ فاجعله كبشاً سميناً فحلا... الحديث(1). فإنها ظاهرة في ترتب اشتراء الهدي الذي يكون مقدمة لذبحه أو نحره على رمي جمرة العقبة يوم النحر.
وصحيحة سعيد الأعرج في حديث، أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن النساء، قال: تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فان لم يكن

(1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن، ح4.

(الصفحة226)



عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن(1). وهي أيضاً ظاهرة في تأخر الذبح عن رمي الجمرة وانه مع عدم وجوبه تصل النوبة إلى التقصير.
وكذا الروايات الدالة على أن عدم رعاية الترتيب في صورة العذر لا يكون قادحاً في الصحة بوجه، وعليه فاعتباره إنما هو بنحو الفتوى.
الأمر الثاني: في جواز التأخير عن يوم العيد وعدمه وقد احتاط في المتن وجوباً بعدم التأخير، وأضاف اليه قوله «ولو أخّر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيام التشريق، وإلاّ ففي بقية ذي الحجة».
قال المحقق في الشرايع: ويجب ذبحه يوم النحر مقدماً على الحلق ولو أخّره أثم وأجزأ. وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز.
وقد ذكر في الجواهر في شرح الفقرة الاُولى: أن المسلّم منه كونه بمعنى عدم جواز تقديمه على يوم النحر الذي يمكن تحصيل الاجماع عليه كما ادعاه بعضهم. امّا عدم جواز تأخيره عنه فهو وإن كان مقتضى العبادة، لكن ستعرف القائل بالجواز صريحاً وظاهراً.
والقائل بالجواز صريحاً على ما ذكره بعده صاحب المصباح ومختصره حيث إن فيهما أن الهدي الواجب يجوز ذبحه ونحره طول ذي الحجة، ويوم النحر أفضل. والقول به ظاهراً محكي عن النهاية والغنية والسرائر، حيث عبّروا بالجواز الظاهر في الحكم التكليفي، ويحتمل أن يراد منه الإجزاء كما في الشرايع.
وكيف كان فالقائل بالتعين لا يقول به بنحو وحدة المطلوب، بل بنحو التعدد،

(1) وسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح2.

(الصفحة227)



ولازمه أن الاخلال بالذبح يوم النحر ولو كان عن عمد واختيار لا يوجب سقوط أصل التكليف بالذبح. ولازمه حصول الإمتثال بعد يوم النحر أيضاً.
وقد استدل له أولا بالتأسي وقد أورد عليه مضافاً إلى المناقشة في الكبرى بأنه لم يعلم كون ذبحه في ذلك اليوم نسكاً ضرورة احتياج الذبح إلى وقت.
وثانياً ببعض الروايات، مثل: صحيحة سعيد الأعرج المتقدمة في الأمر الأول فانها ظاهرة بحسب المتفاهم العرفي في أن الإنتقال إلى التقصير ووصول النوبة اليه إنما هو بعد الذبح في مورد ثبوته ووجوبه.
ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رخّص رسول الله (صلى الله عليه وآله) للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل، وأن يرموا الجمار بليل، وأن يصلوا الغداة في منازلهم فإن خفن الحيض مضين إلى مكة ووكّلن من يضحي عنهن(1). نظراً إلى أن لزوم التوكيل والاستنابة في الذبح عليهن مع خوف الحيض المقتضي لتعجيل الطواف وصلاته دليل على تعين وقوعه يوم النحر. وإلاّ فمع جواز التأخير يؤخرن الذبح إلى بعده من دون لزوم التوكيل.
هذا ولكن الظاهر أن لزوم التوكيل لأجل ترتب الطواف على الذبح ولزوم تأخره عنه لا لأجل التعين المذكور. ولا أقل من احتمال كلا الأمرين. فلا مجال للإستدلال بها على التعين.
ورواية عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر الباب السابع عشر، ح3.

(الصفحة228)



واغتسل وقلم أظفارك وخذ من شاربك(1). بناء على لزوم وقوع الحلق أو التقصير يوم النحر.
وبملاحظة هذه الروايات يظهر أن لزوم وقوع الذبح أو النحر يوم النحر لو لم يكن أقوى يكون مقتضى الإحتياط الوجوبي كما في المتن.
وأما ما يدل على الإجزاء في أيام التشريق ثم في بقية ذي الحجة فقط في الجملة أو مطلقاً، فعدة من الروايات، مثل:
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث، قال: وقال إذا وجد الرجل هدياً ضالاًّ فليعرّفه يوم النحر والثاني والثالث، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث(2).
وصحيحة حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم، قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه وهو يجزي عنه. فإن مضى ذو الحجة، أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة(3).
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل نسى أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة ثم ذبح، قال: لا بأس قد أجزأ عنه(4).
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: أربعة أيام، وسألته عن الأضحى في غير منى، فقال: ثلاثة أيام،

(1) وسائل: أبواب الحلق والتقصير الباب الأول ح1.
(2) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن والعشرون، ح1.
(3) وسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع والأربعون، ح1.
(4) وسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح5.

(الصفحة229)



فقلت: فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين، أله أن يضحي في اليوم الثالث؟ فقال: نعم(1).
وموثقة عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الأضحى بمنى، فقال: أربعة أيام، وعن الأضحى في سائر البلدان، فقال: ثلاثة أيام(2).
ورواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: النحر بمنى ثلاثة أيام. فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام. والنحر بالأمصار يوم، فمن أراد أن يصوم صام من الغد(3). لكن التفريع من جهة الصوم ربما يشعر بل يدل على أن المراد بكون الأضحى بمنى ثلاثة أيام، هي من جهة الصوم لا من جهة زمان الذبح أو النحر. فإن للأضحى خصوصيتين: الظرفية الزمانية للذبح أو النحر، وعدم جواز الصوم فيه.
نعم هنا رواية ربما يكون ظاهرها خلاف الروايات المتقدمة، وهي رواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت(4).
واحتمل صاحب الجواهر فيها إرادة يوم النفر من مكة، وقد كان بعد ذي الحجة. ولعله لأن حملها على إرادة يوم النفر من منى إلى مكة الذي هو اليوم الثاني عشر نوعاً لا يجتمع مع مضي الأيام بصيغة الجمع، لأن أقلّها الثلاثة مع أنه حينئذ لم يمض إلاّ يومان لا الثلاثة. وحكي عن الشيخ أنه حملها على من صام ثلاثة أيام فمضى

(1) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح1.
(2) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح2.
(3) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح5.
(4) وسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع والأربعون، ح3.

(الصفحة230)



أيامه بمعنى مضيّ زمان أسقطه عنه للصوم فيه، وهو في غاية البعد. وحمل صاحب الجواهر أقرب. لأن ظهور الجمع في الثلاثة فما فوق أزيد من ظهور يوم النفر في يوم النفر من منى لا من مكة، كما هو ظاهر.
الأمر الثالث: في كون الذبح أو النحر عبادة. ولأجلها يعتبر فيه ما يعتبر في سائر أجزاء الحج من النية المشتملة على قصد القربة وغيره مما مر البحث عنه مفصلا في الطواف وما يترتب عليه والوقوفين وما بعدهما ولا حاجة إلى الإعادة.
الأمر الرابع: في جريان النيابة في الذبح ونحوه ولو مع عدم الضرورة وفقدان العذر. والكلام في هذا الأمر يقع في مقامين:
المقام الأول: في أصل جريان النيابة فيه مطلقاً. والدليل عليه وجوه:
أحدها: استمرار السيرة العملية من المتشرعة المتصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) على الإستنابة في الذبح ونحوه مطلقاً. والمعاملة مع الذبح معاملة خاصة مغايرة لسائر أجزاء الحج. حيث إننا نرى وقوع الإستنابة من أكثر الحجاج. بل لا يتصدى له بنحو المباشرة، إلاّ قليل منهم. بخلاف ساير الأجزاء.
ثانيها: كون مسألة الذبح حتى في الغنم فضلا عن البقر وكذا النحر بطريق آكد مسألة فنية لا يعرفه إلاّ القليل من الناس، فإن المتصدين لذلك أفراد خاصة معدودون. وفي مثل هذا الأمر لو فرض توجه التكليف إليه من الشارع لا يكاد يفهم منه، إلاّ أن مقصود الشارع تحقق الفعل من المكلف، لا بنحو المباشرة فقط، بل أعم منها ومن الإستنابة المتعقبة للصدور من النائب. وهذا بخلاف مثل الرمي والطواف والسعي ونحوها من الأفعال التي يمكن صدورها بنحو المباشرة من أغلب

(الصفحة231)



الناس، لعدم كونها من الأفعال الفنية. ففي مثل المقام لا حاجة إلى اقامة دليل خاص على مشروعية النيابة، ولو في حال الإختيار بل المتفاهم العرفي من نفس التكليف أعم من المباشرة، فتدبر.
ثالثها: دلالة روايات كثيرة، مثل:
صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) للنساء والضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل، وأن يرموا الجمرة بليل. فإذا أرادوا أن يزوروا البيت وكّلوا من يذبح عنهن (عنهم خل)(1). وظاهرها أن جواز التوكيل في الذبح للنساء معلّق على مجرد إرادة زيارة البيت وطوافه والتعجيل فيه. كما ورد هذا التعبير في النقل الآخر لأبي بصير. لكن في النقل الثالث التعليق على خوف الحيض، كما تقدم.
وصحيحة حريز المتقدمة في الأمر الثاني، نظراً إلى أن عدم لزوم بقائه في مكة للتصدي لأمر الذبح، ظاهر في جواز الاستنابة فيه مطلقاً وغير ذلك من الروايات التي تشعر بل تدل على الجواز مطلقاً، فلا شبهة حينئذ في هذا المقام.
المقام الثاني: في المتصدي للنية المعتبرة في عبادية الذبح أو النحر، وانه هل هو النائب الذابح أو المنوب عنه أو كلاهما؟ قال المحقق في الشرايع: والنية شرط في الذبح ويجوز أن يتولاها عنه الذابح. وقال في الجواهر بعده: «بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عن بعض الإجماع عليه، بل في كشف اللثام الاتفاق على توليه لها مع غيبة المنوب عنه، لأنه الفاعل. فعليه نيته. فلا يجزي حينئذ نية

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح6.

(الصفحة232)



المنوب عنه وحدها. لأن النية إنما تعتبر من المباشر...».
وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سرهم) في هذا المقام كلاماً محصلّه: «إن باب الوكالة غير باب النيابة، فإن الفعل قد يصدر من المباشر ولكن ينسب إلى الأمر والسبب من دون دخل قصد قربة العامل فيه أصلا. كبناء المساجد وإعطاء الزكاة بالواسطة. حيث إن المعتبر فيه قصد قصد قربة الأمر ومن يجب عليه الزكاة. وقد يصدر من نفس النائب ويكون العمل عمله دون المنوب عنه. ولكن يوجب سقوط ذمة المنوب عنه بالدليل الشرعي، مثل موارد مشروعية النيابة، فإن النائب هو الذي يقصد القربة ويقصد الأمر المتوجه إلى نفسه لأن قصد القربة بالأمر المتوجه إلى الغير أمر غير معقول، فلابد من فرض توجه الأمر إلى شخص النائب، سواء كان الأمر وجوبياً، كالأمر المتوجه إلى الولد الأكبر بالنسبة إلى قضاء ما فات عن أبيه. أو أمراً استحبابياً تبرعياً فيتقرب النائب بالأمر المتوجه إليه وبه يسقط ما في ذمة المنوب عنه. فلو لم ينو يقع العمل باطلا فلا يوجب فراغ ذمة المنوب عنه وبه يظهر أن مورده ما إذا ثبتت مشروعية النيابة وتوجه الأمر إلى النائب. وأما الموارد التي لم تشرع فيها النيابة، فلا معنى لنية العامل كاعطاء الزكاة من الواسطة. والذبح في المقام من هذا القبيل، لأن الذبح المباشر لا أمر له ولم يرد في النصوص أنه يذبح عنه. فالنيابة غير مشروعة فيه. بل الذابح حاله حال العامل في بناء المساجد من توجه الأمر العبادي إلى شخص الآمر لا العامل».
ويرد عليه في أصل النيابة المشروعة في مواردها، انّ الظاهر كون النائب في عمله العبادي النيابي بقصد تقرب المنوب عنه لا تقرب نفسه. وهذا وأن كان على خلاف

(الصفحة233)



القاعدة، إلاّ أن النيابة كما ذكرنا في فصل الحج النيابي أمر على خلاف القاعدة مطلقاً ولا يكاد يصار إليها إلاّ في مورد ثبوت المشروعية ونهوض الدليل. لكن كون شيء خلاف القاعدة أمر، وكونه أمراً غير معقول أمر آخر. فالنائب يقصد تقرب المنوب عنه لا تقرب نفسه، وهذا هو الذي يساعده الاعتبار أيضاً، حتى فيما لو كان المنوب عنه ميتاً أو مغمى عليه وغير قابل لصدور قصد القربة منه.
وما أفاده من توجه الأمر الوجوبي أو الإستحبابي الشرعي إلى النائب مطلقاً يرد عليه أن العمل الصادر من النائب الأجير لا يكاد يصدر منه إلاّ بعنوان الوفاء بعقد الإجارة الذي هو وجوب توصلي لا يتوقف سقوطه على تحقق قصد القربة. وفي هذه الصورة لا يتحقق العمل من الأجير بقصد الأمر الإستحبابي التبرعي، وإن كان ثابتاً في مورده مع قطع النظر عن الإستيجار. بل ربما يوجد بعض الموارد التي لا يكون التبرع فيه مشروعاً بوجه، كالنيابة التبرعية عن الحي في الحج مع استقرار الحج عليه وكونه غير قادر على الإتيان به لهرم أو مرض لا يرجى زواله على ما تقدم البحث فيه مفصلا. ففي هذا الفرض لا يكون الأمر الإستحبابي التبرعي ثابتاً بوجه، بل اللازم الاستنابة الملازمة لثبوت الاُجرة نوعاً.
ويرد على ما أفاده في خصوص الذبح في المقام، أن دعوى أنه لم يرد في النصوص انه يذبح عنه ممنوعة جداً. فإنك عرفت في الأمر الثاني المتقدم دلالة طائفة من الروايات الواردة في الضعفاء والنساء والخائف والذي يكون واجداً للثمن ولم يجد الهدي على أن الوكيل يذبح عنه بعين التعبير الوارد في سائر أجزاء الحج، مثل الطواف والرمي وغيرهما. فدعوى عدم مشروعية النيابة في الذبح غير مسموعة

(الصفحة234)



بوجه.
ويترتب على ما ذكرنا أنه لو كانت النيابة في الذبح على نحو النيابة في الطواف والرمي بنحو كان المتصدي للنية وقصد التقرب هو النائب الذابح، لكان اللازم اعتبار الايمان أيضاً مضافاً إلى الإسلام. أما الإسلام فلإعتباره في صحة الذبح وترتب حلية اللحم عليه واما الايمان فلما عرفت في فصل الحج النيابي من إعتبار الإيمان في النائب لعدم صحة عبادة غير المؤمن العارف بالإمامة.
ولو كانت النيابة في أصل ايجاد الذبح لابوصف العبادية والجزئية للحجّ بنحو كان المتصدى للنية وقصد التقرب هو المنوب عنه دون النائب، لايكون اعتبار الايمان فيه لازماً، لأن العبادية لاتكون مرتبطة بالنائب، بل لايكون النائب متصدياً الا للذبح فقط. و هو لايعتبر فيه الزائد عن الإسلام. فاللازم حينئذ التفصيل في الاعتبار، أى اعتبار كون الذابح شيعيّاً، كمالايخفى.

(الصفحة235)



تتمّة

كان المناسب بل اللازم أن يقع التعرض في المتن لمكان الذبح الواجب و لعلّه اكتفى بعنوان كون واجبات منى ثلاثة، فإن الإضافة المذكورة ظرفية مكانية، ولكن هذا المقدار لايكفي خصوصاً بلحاظ الفرع الحادث في الأزمنة الأخيرة. و هو كون المذبح المقرر من قبل السلطة الحاكمة واقعاً بأجمعه أو بكثيره في خارج منى. و هو وادى محسّر. و خصوصاً مع تعرض مثل المحقق له في الشرايع. فنقول: قال فيها: ويجب ذبحه بمنى و ذكر بعده صاحب الجواهر: عند علمائنا في محكّى المنتهى و التذكرة و عندنا في كشف اللثام، و هذا الحكم مقطوع في كلام الاصحاب فى المدارك.
و حكى عن العامة جوازه في أىّ مكان من الحرم، بل جوازه في الحلّ إذا فرّق لحمه في الحرم.
و يدل على ما ذهب اليه اصحابنا، قوله تعالى: (ولاتحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محلّه) . فإن ظاهره انّ لطبيعة الهدي لاخصوص الهدي الواجب في صورة الإحصار الذى هو الموضوع في هذه الأية في هذه الفقره محلّ خاص و مكان مخصوص. و من المعلوم إنّ ذلك المحلّ بحسب ارتكاز المتشرعة ليس الاّ منى. فتدل الآية بنفسها على كون منى محل الذبح و إن ابيت عن ذلك، فهنا رواية واردة فى تفسير الآية دالة على هذا المعنى و هى مضمرة رزعة، قال: سألته عن رجل، أحصر في الحج، قال: فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه و محلّه أن يبلغ الهدى محلّه، و محلّه منى يوم النحر إذا كان في الحج، و إن كان في عمرة سخر بمكّة فإنما عليه أن يعدهم

(الصفحة236)



لذلك يوماً، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره ان شاءالله تعالى.(1)
و يدّل على مذهبهم ايضاً روايات مثل:
صحيحة منصور بن خادم عن ابى عبدالله (عليه السلام) فى رجل يضلّ هديه فوجده رجل آخر فينحره، فقال: إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذى ضلّ عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه.(2) فإنها تدل على عدم الإجزاء في صورة الإختيار بطريق أولى.
ولكن المناقشة فيها إنّها تدل على إجزاء التبرع مكان الإستنابة، و هو محلّ الكلام.
و رواية ابراهيم الكرخي عن ابى عبدالله (عليه السلام) في رجل قدم بهديه مكّة في العشر فقال: إن كان هدياً واجباً فلاينحره إلا بمنى، و إن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء، و إن كان قد أشعره أو قلّده فلاينحره إلاّ يوم الأضحى.(3)
ولكن ابراهيم الكرخى ضعيف.
و رواية عبدالأعلى، قال: قال ابوعبدالله (عليه السلام) لاهدي إلاّ من الإبل، ولاذبح الاّ بمنى.(4)
والمناقشة في سندها من جهة تردد عبدالأعلى بين عبدالأعلى بن أعين العجلى

(1) وسائل: ابواب الاحصار والصّد، الباب الثانى، ح 3 .
(2) وسائل: ابواب الذبح، الباب الثامن و العشرون، ح 2 .
(3) وسائل: ابواب الذبح، الباب الرابع، ح 1 .
(4) وسائل: ابواب الذبح، الباب الرابع، ح 6 .

(الصفحة237)



الذى هوثقة، و بين عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام و هو لم تثبت وثاقته، و في دلالتها باعتبار كون الفقرة الأولى مرتبطة بنفي الكمال لصحة الهدي من غير الابل. وعليه فالظاهر بلحاظ وحدة السياق كون الفقرة الثانية ايضاً ناظرة إلى نفي الكمال، فلا دلالة لها على عدم إجزاء الذبح في غير منى.
و رواية مسمع التى في سندها الحسن اللؤلؤى عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: منى كلّه منحر، و أفضل المنحر كلّه المسجد.(1) و المناقشة في سندها من جهة الحسن بن الحسين اللؤلؤى حيث إن جماعة من الأجلاء قد ضعفوه و إن كان النجاشى وثّقه. و فى دلالتها من جهة عدم ظهورها في اختصاص النّحر بمنى. و يحتمل أن يكون المراد به ثبوت المزية لمنى من جهة ان كلّه منحر، فتدبر. و فى مقابل هذه الروايات، روايتان:
إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبى عبدالله (عليه السلام) إنّ أهل مكّة أنكروا عليك إنّك ذبحت هديك فى منزلك بمكة، فقال: إن مكّة كلّها منحر.(2)
ثانيتهما: صحيحة أخرى لمعاوية و إن جعلها في الجواهر صحيحة عمار عن ابى عبدالله (عليه السلام) في رجل نسى أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكّة ثم ذبح، قال: لابأس قد أجزاء عنه.(3)
و قد حملهما في الجواهر على غير الهدى الواجب. كما انّ الشيخ حمل الأولى على ذلك واستشكال الشهيد على الثانية بأن المراد منها الذبح في غير المحلّ المعدّ للذبح

(1) وسائل: ابواب الذبح، الباب الرابع، ح 7 .
(2) وسائل: ابواب الذبح، الباب الرابع، ح 1 .
(3) وسائل: ابواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح 5 .

(الصفحة238)



بمنى، مدفوع بصراحتها في الذبح بغير منى.
و إن ابيت عن الحمل المذكور و بنيت على المعارضة، فمقتضى كون اوّل المرجحات هي الشهرة الفتوائية ثبوت الترجيح مع الطائفة الأولى، فانقدح انّ محل الذبح أو النحر هو منى من دون فرق بين أبعاضه.
إذا عرفت ذلك يقع الكلام في المذبح الجديد الذّى عرفت انه بجميعه أو بكثير أبعاضه واقع فى خارج منى، و هو وادي محسّر تارة من جهة اجزاء الذبح فيه و كفايته في مقام إمتثال الأمر به. وأخرى من جهة تعين وقوع الذبح فيه بالإضافة إلى الأمكنة البعيدة عن منى و عدم التعين، و جواز الذبح فى تلك الامكنة، غاية الأمر بسبب الإستنابة و المواعدة على وقوع الذبح في زمان خاص متأخر عن رمى جمرة العقبة و متقدم على الحلق أو التقصير. فنقول:
أمّا من جهة الإجزاء فإن قلنا بأنّ في منى أيضاً يوجد بعض المذابح القديمة التى يمكن الذبح فيها من دون عسر و حرج و خوف و خطر كما ربما يقال، فلا إشكال في لزوم الذبح فيها و عدم جواز الإكتفاء بالذبح في المذبح الجديد اصلاً أو في الأجزاء الخارجة منه عن منى، لما عرفت من قيام الدليل من الكتاب و السنة و اتفاق الفتاوى على كون منى ظرفاً مكانيّاً للذبح بنحو اللزوم.
كما أنه لو قلنا بأن جزء من المذبح الجديد واقعاً في منى و يمكن تشخيصه اوّلاً و الذبح فيه ثانياً من دون ممانعة أو عسر و مشقة، فلاشبهة في لزوم الذبح في خصوص ذلك الجزء و عدم جواز الإكتفاء بالذبح في غيره.
و أمّا لو قلنا بأنه بجميع أجزائه يكون واقعاً فى خارج منى، أو بعدم إمكان

(الصفحة239)



تشخيص الجزء الواقع أو كون الذبح في ذلك الجزء مقروناً بالمنع الحكومي أو العسر و الحرج، فإن لم يمكن الذبح في منى و لو مع التأخير عن يوم النحر كأيام التشريق فاللازم الإلتزام بإجزاء الذبح في المذبح الجديد، و الإكتفاء به لسقوط الشرطية المكانية بلحاظ عدم التمكن من رعاية الشرط و عدم القدرة عليها. و لامجال لتوهم سقوط أصل التكليف بالذبح بعد كون قيد المكان كالزمان مأخوذاً بنحو تعدّد المطلوب لاوحدته كما مرّ، فمع عدم القدرة على رعاية منى تسقط الشرطية المكانية، فيجوز الذبح في المذبح الجديد.
و إن امكن الذبح في منى مع التأخير عن يوم العيد، فإن قلنا بأن عدم التأخير عن اليوم المذكور يكون إعتباره بنحو الإحتياط الوجوبى ـ كما اختاره الماتن (قدس سره)  ـ فاللازم هو التأخير لاالذبح يوم العيد في المذبح الجديد. لان الأمر دائر بين رعاية ظرف الزمان التي يكون إعتبارها بنحو الإحتياط و بين رعاية ظرف المكان التي يكون إعتبارها مسلّماً لدى الأصحاب. و من الواضح ان الترجيح من الثاني.
و إن قلنا بأن عدم التأخير عن اليوم المذكور انما يكون اعتباره بنحو الفتوى ـ كما اخترناه ـ فالأمر يدور بين رعاية أحد الظرفين، ولاترجيح في البين، فيكون مخيّراً بين الأمرين. هذا من جهة الإجزاء.
و أمّا من جهة التعين بالمعنى الذي ذكر، فربما يقال انه بعد سقوط لزوم رعاية شرطيّة الظرف المكاني بسبب عدم التمكن و القدرة ـ كما هو المفروض ـ لامجال لدعوى التعين بالمعنى المذكور، لأنه لاخصوصية للمذبح الجديد و ما يشابهه في الخصوصية، فيكون المكلف مخيراً بين المذبح الجديد و بين ساير الأمكنة و لو كانت

(الصفحة240)



بعيدة، بل فى غاية البعد. غاية الأمر بنحو الإستنابة و المواعدة المذكورتين لكنه مبنى اوّلاً على دعوى انتفاء إحتمال لزوم رعاية الأقرب فالأقرب إلى منى بعد عدم إمكان الذبح في منى، و ثانياً على عدم دلالة الدليل على لزوم وقوعه بصورة الإجتماع، و كلاهما ممنوعان.
أمّا الأوّل فلوجود هذا الإحتمال و عدم كون منى مثل المسجد الذي إذا نذر أن يصلى فيه فلم يتمكن من الصلاة فيه، لاينتقل الحكم إلى الأقرب إلى المسجد فالأقرب و مع وجوده يدور الأمر بين التعيين و التخيير، و إصالة الإحتياط في مثله تقتضى التعيين.
و أمّا الثاني فيستفاد من قوله تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائرالله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صوافّ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها و اطعموا القانع و المعتر...) (1) إنّ البدن قد جعلها الله من شعائرالله. والظاهر إن هذا العنوان ينطبق على الأعمال العبادية الإجتماعية كصلاة الجماعة ـ كما انه يستفاد منه ـ انه بعد ما وجبت جنوبها و تحقق النحر يتحقق التمكن من الأكل و الإطعام و الصدقة، سواء كانت هذه الأمور واجبة أو مستحبة. ـ كما يأتى البحث فيه ان شاءالله تعالى ـ .
و هذا الأمران لايتحققان إلاّ في الذبح في المذبح الجديد أو مثله من الأمكنة المتصلة بمنى الواقع فيها الذبح بنحو العموم والجماعة، و هذه الجهة مما يساعدها الإعتبار الدالّ على أن اجتماع حجاج المسلمين للذبح بمقدار يتجاوز عن الف الف من الأنعام الثلاثة يكشف عن شدة إتصالهم بالمسائل الشرعية و إعتقادهم بالأمور

(1) سورة الحج، الآية 36 .

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>