أقول : ويمكن الاستدلال على ذلك بما ورد من أنّ الطواف بالبيت صلاة كما استدلّ به أيضاً على اعتبار إزالة النجاسة عن الثوب والبدن في الطواف أيضاً .
وقد أجبنا عن ذلك هناك بأنّ الظاهر انّ هذه الرواية النبوية لا دلالة لها على كون التنزيل بلحاظ الأحكام المترتّبة على الصلاة بأجمعها أو الظاهرة منها ، بل الظاهر انّ المراد منه هو التشبيه في الفضيلة والثواب نظراً إلى أنّه حيث يكون المغروس في أذهان المتشرّعة انّ تحية المسجد عبارة عن الصلاة فيه فالنبوي مسوق لبيان انّ مسجد الحرام له خصوصية وهي انّ اطواف بالبيت فيه صلاة في الفضيلة ورعاية التحيّة فتدبّر .
الصفحة 642
مسألة 2 ـ لو بدت العورة لريح أو غفلة أو كانت منكشفة من أوّل الصلاة وهو لا يعلم فالصلاة صحيحة لكن يبادر إلى الستر إن علم في الأثناء والأحوط الإتمام ثمّ الاستئناف ، وكذا لو نسى سترها في الصورتين 1 .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما إذا جهل بانكشاف العورة من أوّل الصلاة أو بظهورها في الأثناء ولم يعلم به إلى أن فرغ من الصلاة ثمّ علم به والظاهر انّه لا إشكال في الصحّة في هذه الصورة ولا خلاف إلاّ ما حكي عن ابن الجنيد من قوله : لو صلّى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد في الوقت .
والدليل على الصحّة مضافاً إلى حديث لا تعاد الحاكم بعدم وجوب الإعادة في غير الاُمور الخمسة المستثناة فيه والستر لا يكون من جملتها صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل صلّى وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال : لا إعادة عليه وقد تمّت صلاته . بناء على عدم اختصاص الحكم بخصوص مورد السؤال الذي كان المصلّي فيه واجداً للساتر ولم تكن عورته مستورة ، بل يعمّ مثله من موارد الجهل والغفلة والنسيان والسؤال عن ذلك المورد إنّما هو لشيوع هذا الفرض من بين الفروض كما لا يخفى .
الثاني : هذه الصورة ولكن كان التوجّه والعلم في الأثناء بعد أن صار مستور العورة ولو بفعل الغير كما إذا علم من إلقاء الغير الساتر على عورته انّها كانت منكشفة قبله والظاهر انّه لا مجال للإشكال في الحكم بالصحّة في هذه الصورة أيضاً لعدم اختصاص جريان حديث لا تعاد بخصوص ما إذا كان الالتفات إلى الخلل بعد الفراغ من الصلاة ، بل يشمل ما إذا كان الالتفات في الأثناء أيضاً لصدق الإعادة على الإتيان بها ثانياً بعد رفع اليد عن الاُولى والحديث يدلّ على عدم وجوبها
الصفحة 643
بعنوانها .
وامّا صحيحة علي بن جعفر فهي أيضاً تدلّ على الصحّة في هذه الصورة امّا بالإطلاق وامّا بالأولوية القطعية كما هو واضح فلا إشكال أيضاً فيها .
الثالث : هذه الصورة ولكن كان التوجّه والعلم في الأثناء في حال الانكشاف وعدم تحقّق الستر بعد وقد حكم في المتن بالصحّة فيها أيضاً وإن احتاط بالإتمام ثمّ الاستئناف ، وعن الجواهر نفي وجدان مخالف صريح فيه ، نعم ظاهر التحرير احتمال البطلان وهو الأقرب لأنّ منشأ الحكم بالصحّة كان هو إطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة فمضافاً إلى إمكان منعه لظهور مورد السؤال في كون المراد بعد الفراغ من الصلاة انّه على تقدير الإطلاق لا دلالة لها إلاّ على صحّة ما أتى به من الصلاة مع الجهل بكونه مكشوف العورة لأنّ مقتضاه ـ حينئذ ـ انّ وقوع الصلاة ـ كلاًّ أو بعضاً ـ مع هذه الحالة وهي الجهل بانكشافها لا يقدح في صحّتها ولا دلالة لها على عدم اعتبار الستر في حال التوجّه والعلم إلى حصول الستر وزمان التستّر ، واستلزام الدلالة على صحّة ما أتى به من الصلاة في حال عدم الالتفات للدلالة على صحّة باقي الأجزاء نظراً إلى اللغوية بدونها إنّما يتمّ فيما لو كان مورد الدليل الدالّ على الصحّة منحصراً بهذا الفرض; لأنّه على هذا التقدير يكون الحكم بالصحّة بالإضافة إلى ما مضى لغواً لا يترتّب عليه فائدة أصلا ، وامّا مع عدم الانحصار كما هو المفروض فلا ، خصوصاً بعد ملاحظة شمول الإطلاق لغير هذا الفرض وهي الصورة الثانية أيضاً فلا مجال لاستفادة الصحّة من إطلاق الصحيحة على فرض ثبوته .
وممّا ذكرنا يظهر انّه لا وجه للتمسّك لها بحديث لا تعاد أيضاً; لأنّ التحقيق انّه لا يشمل صورة ما لو كان الإخلال بغير الاُمور الخمسة المذكورة فيه عن التفات
الصفحة 644
وتوجّه وإن كان شموله لأثناء الصلاة وعدم اختصاصه بما بعد الفراغ ممّا لا ينبغي الإشكال فيه إلاّ انّ الظاهر خروج العالم عنه فلا دلالة له على عدم وجوب الإعادة في مثل المقام ممّا وقع الإخلال ببعض الأجزاء أو الشرائط مع التوجّه والالتفات إلى الموضوع والحكم .
وامّا الأدلّة الأوّلية فلا إشكال في اقتضائها بطلان الصلاة ووجوب الإعادة فيما إذا وقع بعض الأفعال أو الأقوال في حال الانكشاف ، وامّا إذا كان في حال عدم الاشتغال وكان متمكّناً من الستر من دون استلزامه فعل المنافي كما إذا التفت بعد إتمام الفاتحة وقبل الشروع في السورة ـ مثلا ـ وأمكن له التستّر كذلك فيبتني الحكم بالصحّة وعدمها على أنّ حقيقة الصلاة هل هي المجموع المركّب من الأفعال والأقوال المخصوصة التي تحدث وتنعدم آناً فآناً ولا يكاد يكون للمجموع وجود وتحصّل إلاّ بعد تحقّق جميع الأجزاء التي وجد كلّ منها في زمان وانعدم أو انّها عبارة عن حضور العبد في مقابل الربّ والتوجّه إليه والتخضّع والتخشّع لديه ، غاية الأمر انّه يجب عليه أن يشتغل معه ببعض الأفعال المخصوصة والأذكار المنصوصة ، وعليه فتحقّق الصلاة بمجرّد قيامه في حضور المولى وتكون باقية إلى آخرها .
فعلى الأوّل لا تكون السكوتات المتخلّلة بين الأقوال والسكوتات الواقعة بين الأفعال جزء من الصلاة وإطلاق انّه مشتغل بها في حالها مع العناية ورعاية العلاقة كإطلاق الخطيب والمتكلِّم على من تنفّس بين الخطبة والتكلّم أو اشتغل بغيرهما كشرب الماء مثلا يخاف الثاني فإنّه يصدق عليه حقيقة في كلّ آن انّه مشتغل بالصلاة ، وعليه فيقع الالتفات بأنّه مكشوف العورة في حال الاشتغال دائماً فيجب الحكم بوجوب الإعادة بخلاف الأوّل فإنّه يصدق عليه حقيقة انّه لم يكن عالماً بكشف عورته في حال الصلاة لجواز أن يسترها مع عدم تخلّل المنافي قبل الشروع
الصفحة 645
في السورة في المثال المذكور ثمّ شرع فيها فيشمله ما يدلّ على الصحّة في حال عدم الالتفات في حال الصلاة ، والظاهر هو الوجه الثاني لكونه مغروساً في أذهان المتشرّعة ويؤيّده التشبيه للصلاة في الروايات بالإحرام وانّ تحريمها التكبير وتحليلها التسليم فإنّه كما انّ الإحرام المتحقّق بالشروع أمر مستمرّ إلى أن يتحقّق التحليل بالحلق أو التقصير كذلك الصلاة التي هي إحرام صغير بلحاظ تحقّق تحريم بعض الاُمور فيها أمر مستمرّ إلى أن يقع التسليم الذي هو تحليل لها .
الرابع : صورة النسيان ، والحكم فيها ما تقدّم في صورة الجهل ويدلّ على حكمها حديث لا تعاد المتقدّم وإن كان لا يبعد دعوى دلالة الصحيحة المتقدّمة عليه أيضاً; لأنّ عدم العلم بخروج الفرج في حال الصلاة أعمّ من الجهل به قبل الصلاة أيضاً والعلم به قبله ثمّ عروض النسيان له كما لا يخفى .
الصفحة 646
مسألة 3 ـ عورة الرجل في الصلاة عورته في حرمة النظر وهي الدبر والقضيب والانثيان ، والأحوط ستر الشبح الذي يرى من خلف الثوب من غير تميز للونه . وعورة المرأة في الصلاة جميع بدنها حتى الرأس والشعر ما عدا الوجه الذي يجب غسله في الوضوء واليدين إلى الزندين ، والقدمين إلى الساقين ، ويجب عليها ستر شيء من أطراف المستثنيات مقدّمة 1 .
مسألة 4 ـ يجب عل يالمرأة ستر رقبتها وتحت ذقنها حتى المقدار الذي يرى منه عند اختمارها على الأحوط 2 .
مسألة 5 ـ الأمَة والصبية كالحرّة والبالغة إلاّ انّه لا يجب عليها ستر الرأس والشعر والعنق 3 .
1 ـ 2 ـ 3 ـ تقدّم الكلام في هذه المسائل مفصّلا في شرح المسألة الاُولى المتقدّمة من مسائل الستر والساتر فراجع .
الصفحة 647
مسألة 6 ـ لا يجب التستّر من جهة التحت ، نعم لو وقف على طرف سطح أو شبّاك يتوقّع وجود ناظر تحتها بحيث ترى عورته لو كان هنا ناظر فالأحوط بل الأقوى التستّر من جهته أيضاً وإن لم يكن ناظر فعلا ، وامّا الشبّاك الذي لا يتوقّع وجود الناظر تحتها كالشبّاك على البئر فلا يجب على الأقوى إلاّ مع وجود ناظر فيه 1 .
1 ـ عن غير واحد منهم العلاّمة في التذكرة والنهاية والوحيد في حاشية المدارك وجوب التستّر من جهة التحت فيما لو كان في معرض النظر كالإمام والخلف بأن وقف على مخرم أو على طرف سطح فلابدّ من التستّر من تحت بالسراويل مثلا وإلاّ بطلت الصلاة . وعن الذكرى التردّد في الحكم فيما لو وقف على طرف سطح والجزم بالصحّة فيما لو قام على مخرم وفي المتن ـ كما في العروة ـ التفصيل بين ما إذا كان هناك توقّع وجود الناظر فيما لو وقف على طرف سطح أو شبّاك بحيث ترى عورته لو كان هنا ناظر فيجب التستّر من جهة التحت وإن لم يكن ناظر فعلا وبين الشبّاك الذي لا يتوقّع وجود الناظر تحتها كالشبّاك على البئر فلا يجب إلاّ مع وجود الناظر بالفعل .
أقول : مقتضى الجمود على ما تقتضيه عبارة النصوص عدم وجوب التستّر من جهة التحت أصلا لأنّ مفادها جواز اكتفاء الرجل في صلاته بثوب واحد أو قميص واحد ، ومن المعلوم انّ القميص المتعارف بين الأعراب كما هو المتداول بينهم في هذا الزمان لا يكون ساتراً للعورة من جهة التحت فالجمود على ما تحت عبارة الروايات ينفي اعتبار الستر من هذه الجهة رأساً . وامّا لو قلنا بأنّ مناسبة الحكم والموضوع تهدى إلى انّ موضوع الشرطية أن لا يكون المكلّف على حالة ذميمة غير مناسبة فمقتضاه انّه لا فرق في اعتبار الستر بين الجهات والاكتفاء في النصوص بالقميص إنّما هو لوقوع الصلاة على الأرض غالباً ولا يكون معه المصلّي في معرض
الصفحة 648
النظر من تحت نوعاً .
وعلى هذا الفرض ينبغي تعميم الحكم لما إذا كان هناك ناظر وما إذا لم يكن بل لما إذا كان في معرض النظر وما إذا لم يكن لأنّه على هذا التقدير ليس تمام الملاك مجرّد مستورية العورة وإلاّ لكان اللاّزم جواز الصلاة عارياً في ظلمة شديدة مانعة من الرؤية وكذا في مثلها ممّا إذا كانت الرؤية ممتنعة مع عدم وجود الساتر .
وبالجملة ملاك وجوب الستر الصلوتي يغاير ملاك وجوب الستر النفسي الذي يكون هو حفظ العورة من أن ينظر إليها ، وعليه فالمناسبة المذكورة وإن كانت مقتضية لعمومية الحكم واعتبار الستر من جهة التحت أيضاً إلاّ انّ التفصيل المذكور في المتن ممّا لا دليل عليه; لأنّ الفرق من حيث عدم تعارف وجود الناظر في البئر فيصدق الستر عرفاً ، وامّا الواقف على طرف السطح فلا يصدق عليه الستر إذا كان بحيث يرى فصلاته باطلة وإن لم يكن هناك ناظر إنّما يناسب الستر النفسي ولا شاهد عليه في الستر الشرطي فتدبّر جيّداً .
الصفحة 649
مسألة 7 ـ الستر عن النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر ولو باليد أو الطلي بالطين أو الولوج في الماء حتّى انّه يكفي الاليتان في ستر الدبر ، وامتا الستر في الصلاة فلا يكفي فيه ما ذكر حتّى حال الاضطرار . وامّا الستر بالورق والحشيش والقطن والصوف غير المنسوجين فالأقوى جوازه مطلقاً وان لا ينبغي ترك الاحتياط في تركه في الأولين ، والأقوى لمن لا يجد شيئاً يصلّي فيه حتى مثل الحشيش والورق جوز إتيان صلاة فاقد الساتر وإن كان الأحوط لمن يجد ما يطلي به الجمع بينه وبين واجده 1 .
1 ـ لا إشكال في حصول الستر النفسي بكلّ ما كان مانعاً عن تحقّق الرؤية والنظر لما عرفت من وضوح مناط الحكم فيه فيتحقّق حتّى بمثل الطلي بالطين والولوج في الماء الكدر والدخول في الحفيرة والستر بأجزاء البدن كما لو كان بيده أو يد زوجته أو أمَته بل ولو كانت يد أجنبي أو أجنبية وقد ورد في النصّ ـ كما مرّ ـ انّ الدبر مستور بالاليتين فلا إشكال فيه أصلا .
وامّا الستر الصلوتي فقد اختلفت كلماتهم في تعيينه اختياراً واضطراراً ، قال الشيخ (قدس سره) في المبسوط بعد الحكم بأنّه لا بأس بأن يصلّي الإنسان في ثوب فيه خرق لا يواري العورة وانّه إن حاذى العورة لم يجز : «وصفة الثوب أن يكون صفيقاً لا ترى ما تحته فإن ظهر البشرة من تحته لم يجز لأنّه لا يستر العورة فإن لم يجد ثوباً يستر العورة ووجد جلداً طاهراً أو ورقاً أو قرطاساً أو شيئاً يمكنه أن يستر عورته وجب عليه ذلك على ما بيّناه فإن وجد طيناً وجب أن يطيّن عورته به فإن لم يجد ووجد نقباً دخل فيه وصتلّى فيه قائماً فإن لم يجد صلّى من قعود على ما فصّلناه» وحكى نحوه عن السرائر والمنتهى والتحرير والنهاية والبيان .
وهل ظاهر مثل هذه العبارة بلحاظ تعليق إيجاب الستر بمثل الجلد والورق
الصفحة 650
والقرطاس على ما إذا لم يجد الثوب ولم يتمكّن من التستّر به هو الترتيب بين الثوب وبين الاُمور المذكورة وانّه لا يجوز التستّر بها إلاّ عند الضرورة وفقد الثوب أو انّ التعليق إنّما هو بلحاظ انّه مع وجود الثوب والتمكّن منه لا داعي إلى التستّر بغيره عند العرف لا بلحاظ عدم جواز الانتقال إليه؟ فيه وجهان ، فعن المحقّق الثاني وجماعة استظهار الوجه الأوّل وعن البحار استظهار الوجه الثاني ، وتبعه عليه في مفتاح الكرامة والجواهر بقرينة ذكر الجلد والخرق في جملة منها وهو الأقرب .
ولا يرد عليه انّ لازمه كون الطين أيضاً في رديف المذكورات في عبارة المبسوط لوجود التعبير بمثل هذا التعليق فيه أيضاً وذلك لأنّ الطين لا يكون ساتراً عنده أصلا حتّى يقع في عداد المذكورات والشاهد عليه قوله : أو شيئاً يمكنه أن يستر عورته ، فإنّ الطين لو كان داخلا في الساتر لشمله عموم الشيء المذكور ولم يحتج إلى ذكره بعده وكذا قوله : وجب أن يطين . . . فإنّ عدم التعبير بالستر فيه يؤيّد ما ذكرنا .
وكيف كان فعن الدروس وغاية المرام وحاشية الارشاد وحاشية الميسي والروض والمسالك التصريح بأنّه لا يجوز التستّر بالحشيش والورق إلاّ عند تعذّر الثوب وانّه إذا تعذّر الحشيش تعين الطين . ونحوه ما عن المدارك إلاّ انّه قال : إذا تعذّر الحشيش انتقل إلى الايماء ، ولم يجعل الطين ساتراً أصلا في جميع المراتب ، وعن المهذب البارع والموجز : انّ الحفيرة مقدّمة على الماء الكدر وهو على الطين . وعن السمالك وغيرها : تقدّم الماء الكدر على الحفيرة . وعن جامع المقاصد : احتمال التخيير واحتمال تقدّم كلّ على الآخر . وحكى غير ذلك أيضاً .
أقول : التحقيق يقتضي التكلّم في مقامين :
المقام الأوّل : فيما يستفاد من النصوص الواردة في الساتر والظاهر انّ الروايات
الصفحة 651
المتقدّمة المشتملة على الثوب والقميص والمقنعة والخمار ونحوها وإن كان مقتضى الجمود على ما تحت عبارتها عدم كفاية التستّر بغير هذه العناوين الواقعة فيها إلاّ انّ الظاهر بنظر العرف كون خصوصية هذه العناوين غير دخيلة في الحكم ولذا لا يستفاد منها عرفاً عدم جواز التستّر بمثل الجلد ممّا لا ينطبق عليه عنوان الثوب والقميص فالظاهر انّ المراد من العناوين المذكورة فيها كلّ ما يمكن أن يتّصف بعنوان الساترية فلا فرق بين الثوب والقطن والصوف غير المنسوجين بل الورق والحشيش لتقحّق هذا العنوان في جميعها ، نعم لا يستفاد منها الاكتفاء بمثل الطين لعدم كونه ساتراً عرفاً ولا يصدق عنوان الواجد للساتر على واجده والاكتفاء به في الستر الواجب النفسي على فرضه إنّما هو لأنّ الملاك فيه ـ كما عرفت ـ هو مجرّد مستورية العورة لا وجود الساتر لها ولذا يتحقّق بمثل الظلمة والولوج في الماء والدخول في الحفيرة ، وامّا في المقام فالمعتبر وجود الساتر على ما تقتضيه الروايات والطين لا يكون ساتراً عرفاً .
فالإنصاف انّ مفاد هذه الطائفة من النصوص جواز الاكتفاء بكلّ ما يصدق عليه عنوان الساتر ولكن مع ذلك لا دلالة لها على جواز الانتقال إلى غير الثوب مع التمكّن منه لعدم ثبوت الإطلاق لها لأنّها في مقام بيان كفاية الثوب الواحد للرجل والثوبين للمرأة فمحطّ النظر فيها عدم لزوم التعدّد على الرجل والزائد على الاثنين على المرأة ولا تكون في مقام البيان من جهة أنواع الساتر حتى يستدلّ بإطلاقها على عدم الترتيب فهي من هذه الجهة مجملة .
وامّا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به
الصفحة 652
عورته أومأ وهو قائم . فقد استدلّ بها على ثبوت الترتيب بين أنواع الساتر ، وانّ الاكتفاء بالحشيش إنّما هو مع تعذّر الثوب وفقده ولكن الظاهر عدم تمامية الاستدلال لأنّ تعذّر الثوب إنّما ذكر في مفروض السؤال ولم يقع قيداً لجواز التستّر بالحشيش في كلام الإمام (عليه السلام) حتّى يستفاد منه الترتيب ويؤيّده انّه ليس المراد من الحشيش خصوص عنوانه بل كما يشهد به قوله : وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته يكون المراد به كلّ شيء يكون ساتراً للعورة فيؤيّد عدم القيدية خصوصاً بعدما عرفت من إلغاء العرف خصوصية الثوبية ولكن مع ذلك لا دلالة للرواية على عدم الترتيب ، بل تكون أيضاً من هذه الجهة مجملة فقد ظهر انّ الأدلّة اللفظية قاصرة الدلالة على الترتيب نفياً وإثباتاً فتصل النوبة إلى الاُصول العملية .
فنقول : يمكن أن يقال : بأنّ المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير نظراً إلى أنّ الأمر دائر بين تعين الثوب ونحوه والتخيير بينه وبين غيره من القطن والصوف غير المنسوجين والحشيش والورق والأصل الجاري فيه على ما هو المشهور هي أصالة الاحتياط .
ولكن الظاهر عدم تمامية ذلك في مثل الموارد المذكورة; لأنّ الشكّ فيها ليس في أصل جواز التستّر بمادّتها ضرورة انّه لا يشكّ في جواز التستّر بالقطن والصوف بعد كون المنسوج منهما منطبقاً عليه عنوان الثوب فالشكّ فيها إنّما هو في اعتبار المنسوجية وعدمه بعد الفراغ عن كفاية المادّة في الساترية ، ومن الواضح انّه شكّ في أمر زائد والمرجع فيه أصالة البراءة الجارية في موارد الشكّ في الجزئية والشرطية وهكذا الحشيش والورق فإنّه لا يشكّ في كفاية المنسوج منهما والشكّ إنّما هو في اعتبار المنسوجية والأصل البراءة .
وامّا في مثل الطين فالظاهر تمامية القول المذكور لأنّ الشكّ إنّما هو في أصل
الصفحة 653
الاكتفاء بالمادّة فالشكّ فيه إنّما هو من قبيل الشكّ بين المعيّن والمخيّر فيه والأصل فيه هي أصالة الاحتياط ، هذا بالإضافة إلى حال الاختيار .
وامّا في حال الاضطرار والانحصار بالطين ونحوه فمع قطع النظر عن النصوص الواردة في صلاة العاري يكون مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب التستّر به لأجل الصلاة للشكّ في اعتبار التستّر به في هذا الحال مع عدم كونه كافياً في حال الاختيار وعليه فتجب عليه صلاة العاري ، نعم حيث إنّه وقع التفصيل في نصوص صلاة العاري بين صورة الأمن من المطلع وغيرها بالحكم بوجوب الصلاة قائماً في الاُولى دون الثانية ولا يبعد دعوى توسعة دائرة الأمن وعدم اختصاصها بما إذا لم يكن هناك ناظر محترم كما إذا صلّى في بيت وحده وكان بابه مسدوداً بل شمولها لمثل الطلي بالطين الموجب لتحقّق الأمن وإن كان هناك ناظر فإن كان حكم العاري في هذه الصورة وجوب إتمام الركوع والسجود فاللاّزم ـ حينئذ ـ الطلي بالطين للعلم التفصيلي بوجوبه امّا لأنّه ستر صلوتي وامّا لأنّه مقدّمة لرعاية القيام بلحاظ تحقّق الأمن معه وإن قلنا بأنّ حكمه في هذه الصورة الايماء بالركوع والسجود كما هو مفاد مثل صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة فاللاّزم ـ حينئذ ـ الجمع بين الصلاة مع إتمام الركوع والسجود وبينها مع الايماء لهما للعلم الإجمالي بوجوب إحدى الكيفيتين عليه لأنّه على تقدير كونه ساتراً صلوتياً في حال الاضطرار يجب عليه بالكيفية المتعارفة وعلى تقدير عدم كونه ساتراً ولو في هذا الحال وكون المكلّف عارياً يجب عليه صلاة العاري فاللاّزم الجمع بين الكيفيتين .
ولكن ربّما يقال بانحلال العلم الإجمالي نظراً إلى أنّ موضوع صلاة العاري امّا عدم وجود الساتر الشرعي ، وامّا عدم ساترية الموجود شرعاً وكلّ منهما يمكن إثباته بالأصل وإذا تحقّق موضوع صلاة العاري ولو بالأصل ينحلّ العلم الإجمالي
الصفحة 654
لما تقرّر في محلّه من أنّ جريان الأصل المثبت للتكليف في أحد أطراف العلم الإجمالي يوجب انحلاله إلى العلم التفصيلي بثبوت التكليف في ذلك الطرف ولو ظاهراً فيرجع في الطرف الآخر إلى أصالة البراءة عن التكليف وذلك كما إذا كان أحد المائين اللذين وقع فيهما النجاسة إجمالا مستصحب النجاسة للعلم التفصيلي بنجاسته سابقاً و ـ حينئذ ـ جريان الاستصحاب المثبت للتكليف فيه يوجب الانحلال فيجري في الطرف الآخر أصالة الطهارة .
ويدفع هذا القول ـ بعد وضوح انّ موضوع صلاة العاري هو عدم وجود الساتر لأنّ المراد من العاري من لا يكون له ساتر كما هو معناه عند العرف ـ ان استصحاب عدم وجود الساتر ممّا لا مجال لجريانه لأنّ المشكوك إنّما هو وجود الساتر الشرعي في الخارج مع أنّه من الواضح انّه ليس لنا شكّ بحسب الخارج لأنّ المفروض وجود الطين فعلا والتمكّن من الطلي به كذلك وعدم وجوده في السابق فليس في الخارج أمر وقع متعلّقاً للشكّ حتّى يجري الاستصحاب والشكّ إنّما هو في أمر آخر وهو كونه ساتراً شرعاً ولا مجال لجريان الأصل فيه وهذا كما في استصحاب بقاء النهار مع الشكّ في مفهومه بعد الاستتار وقبل ذهاب الحمرة المشرقية فإنّه لا مجال لجريانه بعد كون الخارج بكلا طرفيه معلوماً غير مشكوك ، نعم لا إشكال في جريانه في الشبهة الموضوعية والتحقيق في محلّه .
فانقدح انّ مقتضى العلم الإجمالي بعد عدم انحلاله هو لزوم الجمع بين الكيفيتين .
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المستفاد من صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة عدم اعتبار الطلي بالطين أصلا وذلك لأنّ الكم بالانتقال إلى صلاة العاري بالايماء مع القيام مع عدم إصابة شيء يستر به العورة يدلّ على عدم الاعتناء بالطين لأنّه ليس ساتراً
الصفحة 655
للعورة كما تقدّم ، ولذا لا يستفاد من الرواية الاكتفاء به في حال الاختيار خصوصاً مع ملاحظة غلبة وجود الطين وإمكان تحصيله نوعاً سيما في مفروض الرواية من جهة غرق المتاع وعليه فالاحتياط بالجمع يكون استحبابياً كما في المتن .
الصفحة 656
مسألة 8 ـ يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلّي اُمور : الأوّل الطهارة إلاّ فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كما تقدّم ، الثاني الإباحة فلا يجوز في المغصوب مع العلم بالغصيبة فلو لم يعلم بها صحّت صلاته وكذا مع النسيان إلاّ في الغاصب نفسه فلا يترك الاحتياط بالإعادة 1 .
1 ـ اتفق الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ على اعتبار طهارة لباس المصلّي من كلّ نجاسة وقذارة في صحّة الصلاة وتدلّ عليه الأخبار الكثيرة المتواترة إلاّ انّ أكثرها وردت في موارد خاصّة من البول والمني والدم ، وامّا ما يمكن أن يستفاد منه حكم الصلاة في الثوب النجس ونحوه من العناوين العامّة الشاملة لجميع أنواع النجاسات ويدلّ على إثبات الحكم بنحو العموم فقليلة ولا بأس بالتيمّن بإيراد بعضها مثل : مضمرة زرارة قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني إلى أن قال : فإن ظننت انّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال : تغسل ولا تعيد الصلاة . قلت : لِمَ ذلك؟ قال : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً . الحديث . نظراً إلى رجوع الضمير في «غيره» في السؤال الأوّل إلى الدم وكونه مرفوعاً معطوفاً عليه لا إلى الرعاف وكونه مجروراً معطوفاً عليه وبناء عليه يدلّ السؤال على مفروغية مانعية مطلق النجاسة في ذهن زرارة وقد قرّره (عليه السلام) على ذلك ، ولكن هذا التقدير لا يلائمه ذكر شيء من مني بعد كلمة «غيره» وذكر الخاص بعد العام وإن كان ممّا لا مانع منها إلاّ انّه مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر لا موقع له في مثل المقام ممّا كان خاص مذكوراً أوّلا والعام غير الشامل له مذكوراً ثانياً فإنّه لا يناسبه ذكر خاصّ آخر ثالثاً فتدبّر جيّداً .
نعم يمكن الاستفادة من الصحيحة من طريق آخر وهو انّ الإمام (عليه السلام) قد عبّر في
الصفحة 657
مقام الجواب عن السؤال عن علّة عدم الإعادة في صورة عدم التيقّن بقوله (عليه السلام) : لأنّك كنت على يقين من طهارتك . وهذا التعبير بلحاظ اشتماله على كلمة الطهارة وإضافتها إلى المصلّي مع كون مورد السؤال هو الثوب يعطي انّ المعتبر في الصلاة طهارة المصلّي ، غاية الأمر انّ المراد بالمصلّي ليس خصوص بدنه بل أعمّ منه ومن الثوب الذي هو مورد السؤال فالمستفاد من الصحيحة اعتبار عنوان عام شامل لجميع النجاسات كما هو ظاهر .
كما انّه يمكن استفادة ذلك من السؤال في بعض الروايات بلحاظ دلالته على مفروغية اعتبار الخلوّ عن النجاسة ـ بعنوانها العام ـ في صحّة الصلاة عند السائل وتقرير الإمام (عليه السلام) له على ذلك ففي رواية أبي العلاء عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر انّه لم يكن غسله أيعيد الصلاة؟ قال : لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له .
كما انّه يمكن الاستفادة من بعض الروايات الواردة فيما لا تتمّ الصلاة فيه وحده المشتملة على لفظ «القذر» الظاهرة في اعتبار إزالته في غيره ممّا لا يجوز الصلاة فيه منفرداً ففي رواية إبراهيم بن أبي البلاد عمّن حدّثهم عن أبي عبدالله (عليه السلام) : لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيب القذر مثل القلنسوة والتكة والجورب .
ويدلّ عليه أيضاً رواية عبدالله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر : انّي أعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم انّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرد علي فأغسله قبل أن اُصلّي فيه؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : صلِّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن انّه نجّسه فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن انّه نجّسه . ودلالتها على اعتبار طهارة الثوب وعدم كونه نجساً ظاهرة .
الصفحة 658
وامّا استفادته من حديث «لا تعاد» المشتمل على لفظ «الطهور» أو مثل قوله (عليه السلام) : لا صلاة إلاّ بطهور فمورد الإشكال بل المنع ، نعم يمكن الاستناد إلى صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لا صلاة إلاّ بطهور ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنّة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وامّا البول فإنّه لابدّ من غسله . فإنّ الظاهر بقرينة الذيل عدم اختصاص الطهور بما يوجب الطهارة من الاحداث بل تعمّ الطهارة من مطلق الخبائث ولكن مقتضاها اعتبار طهارة البدن ، وامّا استفادة اعتبار طهارة الثوب أيضاً فمشكلة لكن عرفت انّ أصل الحكم في المقام ممّا لا إشكال كما انّه لا خلاف فيه أيضاً هذا بالنسبة إلى الثوب .
وامّا بالإضافة إلى المحمول فلا يبعد أن يقال بدلالة صحيحة زرارة المتقدّمة على ذلك لما عرفت من أنّه وإن كان مورد السؤال فيها هو ظنّ إصابة الدم أو المني الثوب إلاّ انّ اسناد الطهارة إلى نفس السائل لا إلى ثوبه كما فعله الإمام (عليه السلام) في الجواب حيث قال : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ربّما يدلّ على أنّ المعتبر في صحّة الصلاة هو كون المصلّي طاهراً ، غاية الأمر انّ صدقه يتوقّف على طهارة بدنه وثوبه معاً ، وعليه فنجاسة الثوب موجبة لعدم كون المصلّي طاهراً ، ومن المعلوم انّه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان ثوبه نجساً أو كان ما استصحبه كذلك إذا الوجه في صحّة هذا الإطلاق هو كون المصلّي ملابساً له بلا خصوصية للثوب أصلا فلو كان محموله نجساً لا يصحّ اسناد الطهارة إليه أيضاً هذا مضافاً إلى أنّ العرف إذا ألقى إليه هذا المعنى وهو اعتبار الطهارة في الثوب لا يفهم منه الاختصاص وتكون خصوصية الثوبية ملغاة بنظره .
ويدلّ على عموم الحكم أيضاً مرسلة عبدالله بن سنان عمّن أخبره عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا
الصفحة 659
بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك . فإنّ مفهومها يدلّ على ثبوت الباس فيما إذا كان المحمول أيضاً قذر إذا كان ممّا تتمّ فيه الصلاة وحده ، هذا ولكنّه أفاد بعض الأعلام في شرح العروة كلاماً في هذا المقام لا بأس بالتعرّض لخلاصته وما يرد عليه فنقول : قال : إنّ المستفاد من الأخبار الواردة في موارد مختلفة انّ الصلاة في النجس غير جائزة وإن كانت هذه الجملة غير واردة فيها إلاّ انّه لا إشكال فيها ولا كلام إنّما الكلام فيما ينطبق عليه هذا العنوان مع أنّ الصلاة في النجس لا معنى له بظاهره; لأنّ الصلاة نظير سائر أفعال المكلّفين لا يكون لها إلاّ ظرفان ظرف زمان وظرف مكان وليست النجاسة في الثوب والبدن ظرف مكان للصلاة ولا ظرف زمان كما انّها لا تكون ظرفاً لسائر الأفعال فكما لا يصحّ أن يقال : زيد أكل في النجس إذا كان ثوبه نجساً كذلك لا يصحّ أن يقال : زيد صلّى في النجس في تلك الحال فاسناد الظرفية إلى النجس في أمثال المقام غير صحيح على وجه الحقيقة ، نعم لا بأس باسنادها إليه على وجه العناية فيما إذا كان الفاعل لابساً للنجس بأن يكون الفاعل مظروفاً والنجس ظرفاً له فإنّ مثله من العلاقات المصحّحة لاسناد الظرفية إلى النجس ، وامّا إذا لم يكن النجس ظرفاً للمصلّي وإنّما كان موجوداً عنده ومعه كما إذا كان في جيبه فاسناد الظرفية إلى النجس لا يمكن أن يكون حقيقياً ولا مجازياً ، نعم قد ورد في بعض الأخبار جواز الصلاة في السيف ما لم ترَ فيه دم ، كما انّه ورد في موثقة ابن بكير المعروفة انّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسدة ، مع أنّ السيف والبول والروث والألبان ممّا لا يؤكل لحمه أمور مقارنة للصلاة لا انّها ظرف لها ولا للفاعل وقد مرّ انّ اسناد الظرفية ـ حينئذ ـ لا يمكن أن يكون حقيقياً ولا مجازياً ولابدّ في مثله من رفع اليد
الصفحة 660
عن ظهور كلمة «في» في الظرفية وحملها على معنى «مع» والمقارنة ولكن قيام القرينة على ذلك في مثله لا يوجب الحمل على خلاف الظاهر فيما لم يكن هناك قرينة كما في المقام فلا مقتضى لرفع اليد فيه عن ظهور الكلمة في الظرفية فمعنى الصلاة في النجس كون النجس ظرفاً لها وهذا لا يتحقّق إلاّ بلبسه وامّا فيما كان المتنجّس محمولا فلا تصدق الصلاة في النجس عليه فالمقتضى لبطلان الصلاة مع المحمول المتنجّس قاصر في نفسه .
أقول : يكفي في صحّة اسناد الظرفية إلى المحمول ـ مضافاً إلى وضوح عدم خصوصية للسيف ولا للاُمور المذكورة في موثقة ابن بكير من هذه الجهة ـ مرسلة عبدالله بن سنان المتقدّمة فإنّه مع كون المفروض في موضوعه هو كلّ ما كان على الإنسان أو معه قد عبّر فيها بأنّه لا بأس بالصلاة فيه وكذا توصيفه بأنّه لا تجوز الصلاة فيه وحده فاسند الظرفية إلى المحمول كاسنادها إلى ما كان على الإنسان من دون فرق بينهما أصلا فمن هذا يستكشف شمول ما دلّ على عدم جواز الصلاة في النجس لما إذا كان المحمول نجساً أيضاً فتدبّر .
ثمّ إنّه بناء على ما ذكرنا من أنّ المعتبر في صحّة الصلاة هو كون المصلّي طاهراً أو متّصفاً بهذه الصفة وانّ طهارة الثوب من مراتب طهارة نفسه يمكن القول ببطلان صلاة المضطجع والمستلقي الذي يصلّي على شيء نجس أو كان عليه شيء نجس ممّا لا يعدّ ثوباً كاللحاف وقد فصل فيه في العروة بين ما إذا كان متستّراً به وبين صورة عدم التستّر به باشتراط طهارته في الصورة الاُولى دون الثانية وفي شرح العروة لبعضالأعلام تفصيل آخر لعلّه أوفق وأقرب وهو انّ المصلّي مضطجعاً إن كان قد لبس اللحاف بأن لفّه على بدنه بحيث صدق عرفاً انّه لبسه فلا مناص من أن يشترط فيه الطهارة لأنّه لباس والطهارة معتبرة فيه بلا فرق في ذلك بين أن يكون
الصفحة 661
له ساتر آخر غير اللحاف وعدمه . وامّا إذا لم يلبس اللحاف ولم يلفّه على بدنه كما إذا ألقاه على رأسه أو منكبيه على ما هو المتعارف في مثله فلا تعتبر فيه الطهارة بوجه لعدم كونه لباساً للمصلّي على الفرض إلاّ انّه لو صلّى معه ولم يكن له ساتر آخر بطلت صلاته لأنّه صلّى عارياً كما لا يخفى .
تتمّة
قد عرفت انّ اعتبار الطهارة في الصلاة ممّا قام عليه الإجماع وتدلّ عليه الروايات الكثيرة ولكن ذلك إنّما هو بالنسبة إلى ما تتمّ الصلاة فيه وحده ، وامّا في غيره ممّا لا تجوز الصلاة فيه منفرداً فالظاهر عدم اعتبار طهارته والنصوص والفتاوى متطابقتان على ذلك وقد جمع نصوصها في الوسائل في الباب الواحد والثلاثين من أبواب النجاسات وهي كثيرة :
منها : موثقة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال : كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة والتكة والجورب .
ومنها : مرسلة حمّاد بن عثمان عمّن رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي في الخفّ الذي قد أصابه القذر فقال : إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة فلا بأس .
ومنها : رواية زرارة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمّ صلّيت فقال : لا بأس .
ومنها : مرسلة إبراهيم بن أبي البلاد عمّن حدّثهم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيب القذر مثل القلنسوة والتكة والجورب .
ومنها : مرسلة عبدالله بن سنان المتقدّمة في بحث المحمول .
الصفحة 662
فأصل الحكم ممّا لا إشكال فيه وإنّما الكلام في المراد ممّا لا تتمّ فيه الصلاة وحده ويجري فيه احتمالات :
الأوّل : أن يكون المراد منه هو عدم تمامية الصلاة فيه لأجل عدم كونه ساتراً للعورة بوجه ولو مع تغيّر هيئة وتبديل مكانه بل ولو مع الاستعانة بخيط ونحوه .
الثاني : أن يكون المراد هو عدم تمامية الصلاة فيه من دون تصرّف فيه بتغيير الهيئة وتبديل المكان أصلا .
الثالث : أن يكون المراد ذلك من دون تغيير للهيئة ولو مع تبديل المكان الذي جعل ذلك لباساً له .
والاحتمال الأوّل مستلزم لعدم كون كثير من الاُمور المذكورة في الروايات مثالا لما لا تتمّ مصداقاً له أصلا كالخف والجورب بل التكة في بعض الموارد والقلنسوة ضرورة أن تغيير الهيئة في مثلها وتبديل مكانه يوجب أن يصير ساتراً للعورة .
كما انّ الاحتمال الثاني مستلزم لعدم كون القميص القصير المتداول بين الأعاجم الذي لا يكون ساتراً للعورة داخلا فيما تعتبر طهارته لعدم كونه ممّا تتمّ الصلاة فيه وحده بناء على هذا الاحتمال كما انّه يوجب أن يكون الخفّ ممّا لا يتمّ دائماً مع أنّ مرسلة حمّاد المتقدّمة تدلّ على أنّ الخفّ على قسمين قسم تتمّ فيه الصلاة وقسم لا تتمّ مع أنّ الظاهر انّ الخف لا يستر أزيد من الساق .
فيتعيّن الاحتمال الثالث الذي مرجعه إلى أنّ المراد بما لا تتمّ الصلاة فيه وحده هو ما لا يكون ساتراً للعورة مع هيئته الفعلية ولو مع تبديل موضعه الذي جعل ذلك لباساً له إنّما الإشكال في مثل العمامة الملفوفة التي تستر العورة إذا فلّت فقد صرّح الصدوق (قدس سره) في محكي كلامه بجواز الصلاة في العمامة المتنجّسة معلّلا بأنّه ممّا لا تتمّ فيه الصلاة ونقله عن أبيه ويدلّ عليه صريحاً رواية الفقه الرضوي ولكن في العروة
الصفحة 663
التصريح بعدم العفو إلاّ إذا خيطت بعد اللفّ بحيث تصير مثل القلنسوة ووجهه بعد عدم حجّية الفقه الرضوي عدم دلالة الروايات المتقدّمة على جواز الصلاة في العمامة المتنجّسة لعدم كونها ممّا لا تتمّ لأنّ العمامة المتعارفة في حدّ ذاتها ثوب تجوز فيه الصلاة سواء لفّت على الرأس ليصدق عليه العمامة أم لم تلفّ بل شدّ على الوسط ليصدق عليه اسم الازار والمئزر والفل والفك لا تخرجان العمامة عن موضوع اللباس وبهذا تفترق عن التكة والجورب ونحوهما حيث لا تتمّ فيه الصلاة إلاّ بالعلاج بالخياطة أو غيرها ممّا يخرجهما عن عنوان التكة والجورب .
هذا ولا يبعد أن يقال بناء على الاحتمال الثالث المتقدّم في معنى ما لا تتمّ بأنّ العمامة أيضاً من مصاديق ما لا تتمّ لأنّها عنوان للثوب الملفوف بالكيفية الخاصة ضرورة انّ الثوب قبل اللف لا يصدق عليه العمامة أصلا فهي عبارة عن الهيئة المخصوصة وهي مع عدم تغيّرها لا تكون ساترة للعورة نوعاً ، وسهولة تغيير الهيئة وكذا إيجادها لا توجب الفرق بينها وبين القلنسوة أو العمامة فيما إذا كانت مخيّطة كما انّه لا استبعاد في الفرق بينها وبين الثوب قبل اللف في جواز الصلاة فيها متنجّسة وعدمه كما لا يخفى ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه .
ثمّ إنّ التفصيل بين ما تتمّ وما لا تتمّ بعدم اعتبار طهارة الثاني في صحّة الصلاة لا يختص بالثوب بل يجري في المحمول أيضاً بناء على اعتبار طهارته سواء كان المستند فيه مرسلة عبدالله بن سنان المتقدّمة المصرّحة بالتفصيل في كلّ ما كان على الإنسان أو معه أو كان المستند صحيحة زرارة المتقدّمة باعتبار إسناد الإمام (عليه السلام)الطهارة إلى نفس المصلّي أو كان المستند إلغاء العرف خصوصية الثوبية أو كان المستند صدق عنوان الصلاة في النجس لعدم الفرق في شيء من ذلك بين الثوب والمحمول أصلا ، هذا مضافاً إلى أنّ موثقة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّ كلّ ما كان
الصفحة 664
لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء عامّة تدلّ بعمومها على حكم المحمول أيضاً بعد صدق الصلاة فيه عليه أيضاً كما عرفت فالتفصيل لا يختص بالثوب .
نعم يظهر من الحلّي في السرائر الاختصاص وانّ المحمول لا تجوز الصلاة فيه مطلقاً إذا كان متنجّساً مستدلاًّ بعدم ثبوت إجماع الفرقة على التفصيل فيه ، ولكن هذا إنّما يتمّ على مبناه من عدم حجّية خبر الواحد مطلقاً ، وامّا بناءً على ما هو المشهور من الحجّية فلا ، فالمحمول أيضاً على قسمين ، نعم لو قلنا بالاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاثة الجارية في معنى ما لا تتمّ لكان المحمول مطلقاً ممّا لا تتمّ فيه الصلاة لأنّ صفة المحمولية لا تجتمع مع التمامية كما لا يخفى ولكن عرفت عدم تمامية هذا الاحتمال .
الأمر الثاني من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي الإباحة بأن يكون اللباس مملوكاً للمصلّي عيناً أو منفعة أو كان مأذوناً من قبل المالك في التصرّف فيه وقد فرع عليه في المتن ككثير من العبارات عدم جواز الصلاة في المغصوب وظاهره انحصار مورد عدم ثبوت الإباحة بصورة الغصب مع أنّه قد تتحقّق الحرمة من دون غصب لأنّ الغصب عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدواناً ولو لم يكن هناك تصرّف والتصرّف في مال الغير بدون إذنه حرام ولو لم يكن هناك غصب واستيلاء لأجل عدم التسلّط عليه ، بل يمكن أن يقال : إنّ حرمة تصرّف الغاصب إنّما هي لأجل ذلك وهي حرمة التصرّف بدون إذن المالك لا لأجل كونه تصرّف الغاصب ، وعليه فالغاصب المتصرّف يستحقّ عقوبتين إحداهما للاستيلاء والتسلّط على مال الغير عدواناً والاُخرى للتصرّف في مال الغير بدون إذن المالك ، ومن ذلك يظهر انّ تفريع الغصب غير صحيح بل اللاّزم تفريع عدم جواز الصلاة في
الصفحة 665
الثوب الذي يحرم التصرّف فيه وثبوت الغصب وعدمه لا مدخل له في ذلك أصلا .
وكيف كان فالظاهر انّ اعتبار هذا الأمر في لباس المصلّي لا يكون مستنداً إلى نص لعدم وجود النص في المسألة وعدم كونها مذكورة في الجوامع الأوّلية المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة بعين الألفاظ الصادرة عن العترة الطاهرة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ كما انّ ظاهر الشيخ (قدس سره) في كتاب الخلاف ذلك أيضاً حيث استدلّ لاعتبار الاباحة في قبال العامّة القائلين بأجمعهم بجواز الصلاة في الثوب المغصوب بغير الإجماع والاخبار كما سيأتي دليله .
نعم ربّما استدلّ ببعض الروايات الضعيفة أو غير الدالّة ولعلّه يأتي التعرّض له ، وممّا ذكرنا يظهر انّه لا يجوز الاستناد إلى الإجماع في المقام وإن ادّعاه في الجملة في محكي الناصريات والغنية ونهاية الاحكام والتذكرة والذكرى وكشف الالتباس وغيرها لأنّه مضافاً إلى عدم تمسّك الشيخ (قدس سره) به في كتاب الخلاف مع كون دأبه فيه في أكثر المسائل التمسّك بإجماع الفرقة وأخبارهم نقول : إنّه من المحتمل بل المعلوم استناد المجمعين إلى الوجوه الآتية فلابدّ من ملاحظتها وانّها هل تصلح لإثبات اعتبار هذا الأمر أم لا؟ فنقول :
الأوّل : قاعدة الاشتغال وقد استند إليها الشيخ (قدس سره) في الكتاب المزبور قال : «طريقة براءة الذمّة تقتضي وجوب إعادتها لأنّ الصلاة في ذمّته واجبة بيقين ولا يجوز أن يبرئها إلاّ بيقين ولا دليل على برائتها إذا صلّى في الدار والثوب المغصوبين» .
والجواب انّ المقام من موارد جريان أصالة البراءة لأنّه قد شكّ فيه في شرطية أمر زائد وهي إباحة اللباس والمرجع في مثله أصالة البراءة الجارية في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين سواء كان المشكوك هي الجزئية أو
الصفحة 666
الشرطية فلا مجال لقاعدة الاشتغال .
الثاني : ما استدلّ به الشيخ (قدس سره) أيضاً في الكتاب المذكور من أنّ الصلاة تحتاج إلى نيّة بلا خلاف ولا خلاف انّ التصرّف في الدار المغصوبة والثوب المغصوب قبيح ولا تصحّ نية القربة فيما هو قبيح .
وأوضحه سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره) على ما أوردته في تقريرات بحثه بأنّ صحّة العبادة متوقّفة على صلاحيتها للتقرّب بها مع قصده أيضاً وإذا اتّحدت مع عنوان محرم لا تكون العبادة صالحة لذلك ولا يتمشّى قصد التقرّب بها من الملتفت إلى حرمته لأنّ الفعل الصادر عن المكلّف عصياناً للمولى وطغياناً عليه لا يعقل أن يكون مقرّباً له اخليه وهذا لا فرق فيه بين أن نقول بجواز اجتماع الأمر والنهي كما هو مقتضى التحقيق أو نقول بامتناعه لأنّ المقربية والمبعدية من شؤون الموجود في الخارج والمفروض انّه واحد ليس بمتعدّد فإذا فرض كونه مبعداً لتنجّز الحرمة على ما هو المفروض فلا معنى لاتصافه بالمقرّبية ومعه لا يصلح لأن يقع عبادة كما هو ظاهر .
واُجيب عن هذا الوجه بأنّ نيّة القربة المعتبرة في الصلاة إنّما هي في أفعال الصلاة لا في التصرّف في الثوب ، والتستّر بالثوب وإن كان تصرّفاً فيه إلاّ انّه ليس من أفعال الصلاة بل من شرائطها ولذا لا إشكال ظاهراً في صحّة الصلاة مع الغفلة عن التستّر أصلا والقصد شرط في صحّة العبادة .
والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّه بناء على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي يكون المجمع صحيحاً ولو كانت عبادة كما في مثل المقام وذلك لأنّ المبعدية والمقرّبية وإن كان من شؤون الموجود في الخارج ضرورة انّ المأمور به ما لم يتحقّق في الخارج لا يكون مقرّباً والمنهي عنه ما لم يوجد فيه لا يكون مبعّداً ، كما انّه لا شكّ في
الصفحة 667
وحدة الموجود في الخارج إلاّ انّه لابدّ من ملاحظة انّ الموجود في الخارج هل يكون اتصافه بالمقرّبية والمبعّدية لأجل نفسه أو لأجل انطباق عنوان المأمور به وكذا المنهي عنه عليه فالموجود من الصلاة في الخارج مقرب لأجل كونه مصداقاً لهذه الطبيعة الكلّية ومنطبقاً عليه هذا العنوان وكذا في جانب المنهي عنه فإذا فرض انطباق عنوانين على الوجود الخارجي الواحد والمفروض ثبوت التكليفين وفعلية الحكمين فما المانع من أن يكون ذاك الموجود الخارجي مقرّباً ومبعّداً معاً فمن جهة انطباق عنوان الصلاة يكون مقرّباً ومن جهة انطباق عنوان الغصب يكون مبعّداً والمفروض انّ قصد التقرّب من المكلّف الملتفت إنّما هو من الجهة الاُولى فأركان صحّة العبادة تامّة فهذا الوجه أيضاً لا يصحّ الاتّكال عليه .
الثالث : ما حكاه صاحب المدارك (قدس سره) عنهم من أنّه مأمور بإبانة المغصوب عنه وردّه إلى مالكه فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادّاً للصلاة والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه فيفسد لأنّ النهي المتعلّق بالعبادات يقتضي الفساد .
ويرد عليه أوّلا : انّه لم يثبت توجّه تكليف وجوبي إلى الغاصب متعلّق بعنوان الردّ والإبانة بل غاية ما هناك انّ الغاصب في كلّ آن وزمان مرتكب للمحرم ومستول على مال الغير عدواناً والعقل يحكم عليه بالخروج عن دائرة العصيان وترك مخالفة الرحمن والخروج إنّما يتحقّق بالردّ إلى المالك وإعادة استيلائه عليه ، وامّا ثبوت حكم شرعي وجوبي ما عدى التكليف التحريمي الثابت في كلّ زمان ولحظة فلم يدلّ عليه دليل ولذا لا يستحقّ إلاّ عقوبة مخالفة التكليف التحريمي لا عقوبتين ، ودعوى انّ حكم العقل بلزوم الردّ يستتبع بالملازمة حكم الشرع باللزوم ، مدفوعة بعدم كون الأحكام العقلية الثابتة في موارد العصيان والإطاعة وشؤونهما مستلزمة للحكم الشرعي بوجه وإلاّ يلزم التسلسل كما حقّق في محلّه .
الصفحة 668
وبالجملة فالظاهر انّ وجوب الردّ شرعاً غير ثابت .
وثانياً : انّه على تقدير تسليم الوجوب الشرعي فقد يكون الردّ متعذّراً لغيبة المالك مثلا ، ومن المعلوم سقوط الوجوب ـ حينئذ ـ لتعذّر متعلّقه فيلزم جواز الصلاة في الثوب المغصوب في هذه الصورة مع أنّ المدّعى عام .
وثالثاً : انّه قد لا يكون الردّ متوقّفاً على فعل تكون الصلاة مضادّة له كما إذا كان المالك أو وكيله حاضراً ـ مثلا ـ .
ورابعاً : انّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضدّ خصوصاً فيما إذا كان الأمر غيرياً كما انّ اقتضاء النهي الغيري للفساد محلّ بحث وإشكال .
وخامساً : انّ لازم هذا الدليل بطلان الصلاة مطلقاً ولو في غير الثوب المغصوب إذا كان المصلّي غاصباً لشيء آخر لا ربط له بالصلاة ولكن كان ردّه متوقّفاً على اُمور مضادّة للصلاة لأنّها في هذه الصورة أيضاً تصير منهياً عنها فتفسد ولا يلتزم بذلك أحد .
الرابع : ما حكى عن المعتبر من أنّ النهي عن المغصوب نهي عن وجوه الانتفاع به والحركات فيه انتفاع فتكون محرّمة منهياً عنها ومن الحركات القيام والقعود والركوع والسجود وهي أجزاء الصلاة فتكون منهياً عنها فتفسد .
وأجاب عنه في المستمسك : بأنّ كون القيام والقعود والركوع والسجود من قبيل الحركات لا يخلو عن تأمّل أو منع فإنّ المفهوم منها عرفاً انّها من قبيل الهيئة القائمة بالجسم فتكون من مقولة الوضع لا من قبيل الحركة لتكون من مقولة الفعل ، نعم الحركة من قبيل المقدّمة لوجودها وحرمة المقدّمة لا توجب النهي عن ذيها ولا فساده قال : وما ذكرنا هو المطابق للمرتكز العقلائي فإنّ التذلّل والخضوع واستشعار مشاعر العبودية إنّما يكون بالهيئة الخاصّة التي يكون عليها العبد في مقام
الصفحة 669
عبادة مولاه لا بالحركة المحصلة لها كما لا يخفى .
والتحقيق في الجواب انّه على تقدير كون مثل الركوع والسجود من قبيل الحركات أيضاً لا يتعدّى النهي في باب الغصب عن عنوان متعلّقه إلى عنوان الركوع والسجود ضرورة انّ الحرمة في ذلك الباب متعلّقة بعنوان التصرّف في مال الغير ـ على ما يدلّ عليه الرواية ـ فالمنهي عنه نفس عنوان التصرّف ولا يتعدّى النهي عنه إلى غيره ، وامّا ما هو جزء للعبادة فعنوان الركوع والسجود وأشباههما ومن الواضح مغايرة العنوانين واختلاف المتعلّقين وإن اتّحدا في الوجود الخارجي والتحقّق في العين ولكن الاتحاد الخارجي لا يقتضي سراية الحكم من أحد المتعلّقين إلى الآخر كما في جميع موارد اجتماع الأمر والنهي وقد ذكرنا انّه على القول بجواز الاجتماع ـ كما هو مقتضى التحقيق ـ بكون اللاّزم صحّة المجمع إذا كان عبادة فالجزء المتّحد مع التصرّف في الثوب المغصوب لا يكون فاسداً فلا تكون العبادة فاسدة .
وامّا ما أفاده في المستمسك فقد اُجيب عنه بأنّ الظاهر كون الركوع الذي هو جزء من الصلاة هو الذي يكون من مقولة الفعل ، والشاهد عليه كون القيام المتصل بالركوع ركناً لأنّ المراد به هو القيام المتعقب بالركوع الذي لا يكون بينه وبينه فصل فمنأوّل انهدام القيام إلى البلوغ إلى حدّ الركوع يكون كلّها ركوعاً ومن أفعال الصلاة ضرورة انّ تعقّب القيام بالركوع المحصل للقيام المتصل بالركوع هو بأن يركع عن قيام . كما انّ الظاهر انّ السجود عبارة عن وضع الجبهة على الأرض بحيث يكون أوّل جزء من الوضع بنيّة سجود الصلاة فلو وضع جبهته على الأرض بلا نية السجود لم يجز الاكتفاء به بل قيل إنّه لو وضع ثمّ نوى سجود الصلاة كان ذلك موجباً لزيادة السجدة لأنّه بمجرّد الوضع تحقّق السجود وحيث لم يكن بنيّة
الصفحة 670
الصلاة لم يكن معدوداً من أفعالها فهو سجود خارج عنها وهذا معنى الزيادة .
وكيف كان فلابدّ من النية قبل وضع الجبهة حتى يكون أوّل جزء منه مع النيّة ، ومن المعلوم انّ المقدار المتّصل بالوضع من الحركة المتصلة به المحقّقة له يكون من أفعال الصلاة ، نعم رفع الرأس منهما لا يكون معدوداً من أفعال الصلاة .
ثمّ إنّه أفاد في المستمسك أيضاً وقال : «انّه لو تنزّلنا عن ذلك وقلنا إنّ الواجب الصلوتي نفس الحركة من أوّل الانحناء عن القيام إلى أن ينتهي إلى حدّ الركوع وهكذا في غير الركوع فلا وجه للالتزام بأنّ المقام من صغريات مسألة الاجتماع ضرورة انّ الحركة الصلواتية الواجبة قائمة بالبدن والحركة الغصبية المحرّمة قائمة بالمغصوب فيكون إحداهما غير الاُخرى في الخارج ضرورة انّ تباين المغصوب وبدن المكلّف يستلزم تباين الحركة القائمة بالآخر فيمتنع أن تكون الحركة الصلواتية عين التصرّف في المغصوب في الخارج كي يكون المقام من صغريات مسألة الاجتماع ، نعم حركة البدن الصلوتية علّة لحركة المغصوب والتصرّف فيه نظير حركة اليد التي هي علّة لحركة المفتاح فإذا قلنا بأنّ علّة الحرام حرام تكون الحركة الصلوتية محرّمة بالتحريم الغيري إلى أن قال : فهذا هو العمدة في البناء على بطلان الصلاة في الثوب المغصوبة» .
أقول : الظاهر انّ تغاير الإضافة في باب الحركة لا توجب تعدّد الحركة فإنّ قيام إحدى الحركتين بالمغصوب والاُخرى بالبدن إنّما يوجب التغاير بحسب العنوان ، وامّا بحسب الوجود الخارجي فهما واحد من الجهة الراجعة إلى فعل المكلّف وما يوجد منه في الخارج ضرورة انّ ما هو الصادر منه في الخارج إنّما هي حركة واحدة لها إضافة إلى البدن وإضافة إلى الثوب ، وامّا وصف المتحرّكية فلا خفاء في تعدّده لأنّه تابع للموصوف ولكنّه ليس بحرام بل الحرام فعل المكلّف وما يصدر منه في
الصفحة 671
الخارج وهو ليس بمتعدّد ولو بتعدّد العلية والمعلولية فتدبّر . وتبعية الثوب للبدن مقتضاها حصول وصف التحرّك له تبعاً للبدن لا كون عمل المكلّف متعدّداً . وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية هذا الوجه أيضاً .
الخامس : الإجماع الذي ادّعاه جمع من الأصحاب والجواب انّ الإجماع في مثل هذه المسألة لا حجّية فيه كما ذكرناه في صدر المسألة ويؤيّد عدم ثبوت الإجماع التفصيل الذي استقر به في المعتبر وقوّاه جمع من المحقّقين المتأخّرين عنه وسيأتي البحث عنه فإنّه مع ثبوت الإجماع لا يبقى للتفصيل سبيل أصلا .
السادس : بعض الروايات مثل ما رواه الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام) : لو انّ الناس أخذوا ما أمرهم الله فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم حتّى يأخذوه من حقّ وينفقوه في حقّ . ورواه الكليني عن إسماعيل بن جابر عنه (عليه السلام) مسنداً .
وما رواه في تحف العقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لكميل قال : يا كميل انظر فيما تصلّي وعلى ما تصلّي إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول . ورواه الطبرسي في محكي بشارة المصطفى مسنداً .
والجواب عن الرواية الاُولى انّها وإن كانت معتبرة من حيث السد إلاّ انّ كلمة الإنفاق فيها ظاهرة في غير المقام فإنّ الصلاة في المغصوب لا يعبّر عنها بإنفاق المغصوب فيها فإنّ الإنفاق مرجعه إلى رفع اليد عن المال وصرفه فهو يناسب صرف المغصوب في الاحسان إلى الغير ـ مثلا ـ مع أنّ الكلام في نفي الصحّة والرواية ظاهرة في نفي القبول وبهذا يجاب عن الرواية الثانية مضافاً إلى ضعف السند فيها وعدم الانجبار لكونه متوقّفاً على الاستناد ولا يتحقّق بمجرّد موافقة فتوى المشهور مع رواية ضعيفة كما لا يخفى .
الصفحة 672
السابع : بعض الوجوه الضعيفة الاُخرى التي لا مجال للاستدلال بها أصلا وصرف النظر عن التعرّض لها أولى .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لم ينهض دليل على اعتبار إباحة التصرّف في الثوب في صحّة الصلاة وانّ العمدة من الوجوه المتقدّمة ما كان مبتنياً على مسألة اجتماع الأمر والنهي وقد مرّ انّ القول بالجواز فيها لا يستلزم بطلان المجمع إذا كانت عبادة بل الظاهر صحّته كذلك وإن أبيت إلاّ عن الاستلزام نقول بعدم كون المقام من صغريات تلك المسألة لا لما أفاده في المستمسك ممّا تقدّم لعدم تماميته كما عرفت ، بل لما أفاده شيخنا المحقّق الحائري (قدس سره) في كتابه في الصلاة من أنّ المحرم إنّما هو التصرّف في اللباس من جهة لبسه ، وامّا تغيير هيئته بتبع حركات اللاّبس بمشيه أو قيامه أو قعوده أمثال ذلك ممّا لا يكون انتفاعاً آخر به سوى اللبس ولا يكون موجباً لتلفه واندراسه فلا يكون مبغوضاً آخر للمالك حتّى يتبعه النهي الشرعي ضرورة انّ المبغوض للمالك في حالات اللاّبس من قيامه وقعوده وانحنائه شيء واحد وهو كونه لابساً والثاني وجود هيئة خاصة حاصلة للملبوس من جهة قيامه وكذا في حال الانحناء ، فعلى هذا يكون المحرم أمراً واحداً في محموع الحالات وهو التصرّف اللبسي وكونه لابساً شيء والركوع والسجود والقيام شيء آخر مقارن له فلا يلزم من كونه محرماً تحريم ما هو من أجزاء الصلاة .
بقي الكلام في التفصيل الذي ذكره المحقّق في المعتبر قال : «والأقرب إن كان ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة لأنّ جزء الصلاة يكون منهياً عنه وتبطل الصلاة بفواته ، امّا إذا لم يكن كذلك لم تبطل وكان كلبس خاتم مغصوب» وفي المدارك : انّه المعتمد . وعن الذكرى وجامع المقاصد وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلّية والروض وكشف اللثام انّه قوى .
الصفحة 673
أقول : امّا الفرض الأوّل وهو ما إذا ستر به العورة فالظاهر عدم جريان التعليل فيه; لأنّ الظاهر كون التستّر وعدم انكشاف العورة معتبراً في الصلاة بنحو الشرطية لا الجزئية ولذا تصحّ الصلاة مع الغفلة عن تحقّقه مع أنّه لو كان جزء لكان اللاّزم رعاية النيّة فيه ولو ارتكازاً مضافاً إلى أنّه على تقدير الجزئية لا يثبت المطلوب أيضاً لعدم كون النهي متعلّقاً بعنوان التستّر بل بعنوان التصرّف فهنا عنوانان أحدهما متعلّق للأمر ومتّصف بالجزئية والآخر متعلّق للنهي وقد عرفت عدم استلزام ذلك للبطلان .
وامّا الفرض الثاني فالجزئية فيه وإن كانت مسلمة لأنّ السجدة على ما يصحّ السجود عليه من أجزاء الصلاة بلا إشكال إلاّ انّه لا يستلزم البطلان كما مرّ .
وامّا الفرض الثالث فيمكن فيه منع الجزئية كالفرض الأوّل لعدم الدليل على اعتباره كذلك كما انّه يمكن أن يقال : إنّ الجزء إنّما هو القيام وامّا وقوعه على شيء فهو خارج عن دائرة الجزئية وليس هذا مثل السجود فانّه يعتبر في حقيقته وضع الجبهة على شيء ومن الممكن أن يكون القيام جزء للصلاة ووقوعه على المغصوب محرماً فلا يتحد الجزء مع ما هو المحرم وهذا بخلاف الصلاة في المكان المغصوب فإنّ اتحاد الغصب فيها مع الصلاة ليس لأجل وقوع القيام المعتبر فيها عليه ، بل لأجل كونه شاغلا ومتصرّفاً في الهواء والفضاء فتدبّر . ثمّ على تقدير الجزئية يجري فيه الجواب المذكور في الفرضين الأوّلين ويتحصّل ممّا ذكر عدم تمامية التفصيل أيضاً .
ثمّ انّه بناء على بطلان الصلاة في الثوب المغصوب لو كان المصلّي عالماً بكونه مغصوباً وبأنّه يحرم التصرّف في العين المغصوبة وبأنّه لا يجوز الصلاة فيه فلا إشكال في البطلان ـ حينئذ ـ .
وامّا لو كان جاهلا بالموضوع فقد صرّح الأصحاب (رض) بصحّة صلاته فيه
الصفحة 674
وهو مبني على ما حقّق في محلّه من كون مورد مسألة اجتماع الأمر والنهي ما إذا كان ملاك الحكمين ومناطهما موجوداً في مادّة الاجتماع ومورد التصادق فيكون من باب التزاحم لا التعارض الذي مورده ثبوت أحد الملاكين فقط في محلّه فإنّ لازم التزاحم انّه لو فرض عدم بلوغ النهي إلى مرتبة الفعلية والتنجّز للجهل ـ مثلاـ فلا مانع من تأثير الملاك الآخر الموجود في ثبوت مقتضاه ، وعليه فالمجمع إذا كان عبادة يكون صحيحاً لوجود الملاك وثبوت الأمر لا يكون التكليف التحريمي منجّزاً حتّى يقدم على التكليف الوجوبي بناءاً على الامتناع وتقديم جانب النهي أو يقال إنّ ثبوت النهي يمنع عن صحّة العبادة بناء على الاجتماع أيضاً كما مرّ .
وامّا لو لم يكن الملاكان موجودين فعدم تنجّز التكليف التحريمي لعدم ثبوت شرائطه لا يقتضي صحّة العبادة لخلوّها عن الملاك والأمر فلا مجال للصحّة ولو قيل بكفاية الملاك فيها كما لا يخفى .
وبالجملة فالحكم بصحّة صلاة الجاهل إنّما هو لما ذكر من كون مورد تلك المسألة ما إذا كان من باب التزاحم لا التعارض .
وامّا الناسي للموضوع فحكمه حكم الجاهل بل أولى منه لاستحالة تعلّق الخطاب بالناسي لعدم التفاته إلى وصف كونه ناسياً وإلاّ يرتفع النسيان منه بخلاف الجاهل فإنّه ملتفت إلى وصفه ولأجله يمكن توجيه الخطاب إليه فإذا كان التكليف في حقّ الجاهل غير منجّز فبالنسبة إلى الناسي يكون غير منجّز بطريق أولى هذا إذا كان الناسي غير الغاصب .
وامّا لو كان الناسي هو الغاصب فقد صرّح بالحكم بالبطلان فيه في جملة من كلمات الأصحاب والظاهر انّ المراد هو الغاصب الذي عرض له النسيان من جهة عدم المبالاة بالغصب وجعله المغصوب في عداد أمواله واتفق له النسيان حال
الصفحة 675
الصلاة .
وامّا لو كان تائباً وعازماً على ردّ المال إلى مالكه ومتحفّظاً لعدم التصرّف فيه فعرضه الغفلة فهو خارج عن مورد كلامهم وإن كان بعض ما استدلّ به على البطلان من الوجوه يشمل هذا الفرض أضاً . وكيف كان فقد استدلّ للبطلان في الغاصب الناسي بوجوه :
الأوّل : انصراف حديث الرفع المشتمل على رفع الخطأ والنسيان عن نسيان الغاصب الناشئ عن عدم المبالاة وترك التحفّظ .
والجواب منع دعوى الانصراف خصوصاً مع ملاحظة ما مرّ من أنّ توجّه التكليف إلى الناسي مستحيل ضرورة انّه لا فرق في استحالته بين الغاصب وغيره ، غاية ما في الباب وجوب التحفّظ عليه ورعاية لحفظ مال الغير واحترامه ، ومن المعلوم انّ مخالفة هذا التكليف الوجوبي لا تسوغ توجّه التكليف التحريمي المتعلّق بالتصرّف في مال الغير في حال النسيان حتّى يمنع عن صحّة العبادة ومقرّبيتها ، ومن الممكن المنع عن وجوب التحفّظ عليه أيضاً بدعوى انّ مفاد حديث الرفع رفع إيجاب التحفّظ في مورد النسيان لا رفع التكليف المنسي لأنّ رفعه إنّما هو بحكم العقل ولا يختص ـ حينئذ ـ بالأمة النبوية والتحقيق في محلّه .
الثاني : دعوى توجّه التكليف التحريمي بالغاصب بتركه التصرّف في المغصوب في حال تذكّره قبل طروّ النسيان نظير التكليف بعدم التصرّف في الأرض المغصوبة لمن توسطها قبل دخوله فيها .
والجواب ـ مضافاً إلى منع ذلك في المقيس عليه لأنّ المحرم فيه إنّما هو التصرّف في مال الغير وهو ثابت بعد التوسّط والدخول أيضاً لأنّ عنوان الدخول وكذا الخروج لا دخالة له في متعلّق الحكم التحريمي بل المتعلّق إنّما هو نفس عنوان
الصفحة 676
التصرّف ولا يسري الحكم عن هذا العنوان إلى شيء آخر أصلا وهذا العنوان باق بعد التوسّط والدخول وثبوت حكم تكليفي آخر متعلّق بعنوان التخلّص عن الحرام على تقديره لا يقدح في بقاء الحكم الأوّل كما انّ تصادقهما على الخروج لا يوجب ارتفاعهما أو ارتفاع واحد منهما أصلا ـ المنع في المقيس وبطلان المقايسة لأنّ منشأ النزاع هناك ثبوت الاضطرار الحاصل للمتوسط بعد الدخول وتردّد أمره بين البقاء والخروج مع كون كلّ منهما تصرّفاً في الأرض وهنا ليس كذلك لأنّه لا اضطرار للغاصب بالإضافة إلى الصلاة في الثوب المغصوب ولم يكن نسيانه سبباً للتصرّف فيه مع أنّ توجّه التكليف إلى الناسي مستحيل كما مرّ من دون فرق بين أن يكون غاصباً أو غيره .
ودعوى انّه لا مانع من حرمة جميع التصرّفات الواقعة في طول الزمان وتوجّهها إلى الغاصب حين الغصب من دون فرق في التصرّفات بين ما كان منها مقارنة لحال التذكّر وما كان مقارنة لحال النسيان .
مدفوعة بأنّ النسيان من حالات المكلّف ويستحيل أن يكون المكلّف في هذا الحال مورداً لتوجّه التكليف ولا فرق في الاستحالة من حيث زمان التكليف وحدوثه أصلا .
الثالث : استصحاب بقاء التكليف الثابت قبل النسيان بعد طروّه . وجوابه واضح ، فانقدح انّه لا فرق في الناسي بين الغاصب وغيره .
وامّا الجاهل بالحكم التكليفي فإن كان قاصراً فالظاهر صحّة صلاته لعدم تنجّز النهي وفعلية الحرمة مع هذا الجهل بمقتضى حديث الرفع وشبهه فلا مانع من وقوع العمل عبادة مقربة لما عرفت من أنّه مع عدم فعلية النهي يؤثّر ملاك الأمر في مقتضاه .
الصفحة 677
وهذا بخلاف ما إذا كان مقصراً فإنّ جهله عن تقصير لا يمنع عن الفعلية ولا يقدح في تأثير ملاك النهي في الحرمة فالمبغوضية والمبعدية متحقّقة وهي تمنع عن صلاحية المقربية بل عن تمشي قصد القربة من المكلّف .
وامّا الجاهل بالحكم الوضعي أعني بطلان الصلاة في الثوب المغصوب فالمصرّح به في جملة من الفتاوى هو البطلان وهو الظاهر لأنّه مع تنجّز الحرمة بالعلم بها وثبوت المبغوضية والمبعدية لا يبقى مجال لصحّة العبادة والجهل بالمانعية لا يصحّح العبادة وإن كان حديث الرفع لا يختص جريانه بالأحكام التكليفية بل يجري في مثل الجزئية والشرطية والمانعية من الأحكام الوضعية إلاّ انّه لا يشمل المقام لظهور انّ المانعية في المقام إنّما هي من الأحكام العقلية ولا تكون شرعية وحديث الرفع يجري بالإضافة إلى الموانع الشرعية فقط ومنه يظهر عدم جريان حديث لا تعاد في المقام لوضوح كون مورده ما كان بيانه راجعاً إلى الشارع من الأجزاء والشرائط والموانع .
وامّا الناسي للحكم سواء كان حكماً تكليفياً أو وضعياً فيجري عليه حكم الجاهل لأنّ المفروض جهله بذلك بعد حصول النسيان فتدبّر .
الصفحة 678
مسألة 9 ـ لا فرق بين كون المغصوب عين المال أو منفعة أو متعلّقاً لحقّ الغير كالمرهون ، ومن الغصب عيناً ما تعلّق به الخمس أو الزكاة مع عدم ادائهما ولو من مال آخر 1 .
1 ـ عدم الفرق بين أنواع الغصب إنّما هو لأجل ثبوت الملاك في جميعها فكما انّه إذا كانت عين المال مغصوبة يحرم التصرّف فيها وتبطل العبادة فيها لما مرّ كذلك إذا كانت المنفعة مغصوبة فإذا صلّى في ثوبه الذي أجره من الغير مع البناء على عدم إقباضه إيّاه تكون صلاته باطلة لعين الدليل المذكور وكذلك إذا كان متعلّقاً لحق الغير ولكن لابدّ من تقييده بما إذا كان الحقّ موجباً لحرمة تصرّف من عليه الحقّ كما في مثال الرهن المذكور في المتن فإنّه لا يجوز للراهن التصرّف في العين المرهونة بوجه ، وامّا إذا لم يكن الحق موجباً لحرمة التصرّف فلا مانع من صحّة الصلاة فيه كما إذا نذر التصدّق بثوبه الخاص على الفقير إذا جاء ولده من السفر ـ مثلا ـ فإن تعلّق حقّ الفقير بالثوب المنذور التصدّق به لا يستتبع حرمة التصرّف فيه بمثل الصلاة ولا يكون منافياً له فلابدّ من تقييد الحقّ وتخصيصه بالصورة الاُولى .
ثمّ إنّه لو قلنا : بأنّ تعلّق الخمس والزكاة بما يتعلّقان به إنّما هو على سبيل الإشاعة ـ كما هو ظاهر بعض الأدلّة ـ فيصير المال المتعلّق لأحدهما مع عدم الاداء ولو من مال آخر من قبيل ما تعلّق الغصب بعينه لعدم اختصاص غصب العين بغير صورة الإشاعة وجريانه فيها فيكون المالك بالإضافة إلى مقدارهما غاصباً للعين .
وامّا لو قلنا : بأنّ تعلّقهما به إنّما هو على سبيل الحقّ وانّهما حقّان ماليّان افترضهما الله على من يجبان عليه فيكون الغصب المتحقّق في المقام ـ حينئذ ـ من قبيل ما يكون المغصوب متعلّقاً لحقّ الغير كما في المرهون وعلى كلا التقديرين تكون الصلاة فيه باطلة ، امّا على التقدير الأوّل فواضح ، وامّا على التقدير الثاني فلكون الحقّ
الصفحة 679
مستتبعاً لحرمة التصرّف مطلقاً كما في حقّ الرهانة .
الصفحة 680
مسألة 10 ـ ان صبغ الثوب بصبغ مغصوب فمع عدم بقاء عين الجوهر الذي صبغ به والباقي هو اللون فقط تصحّ الصلاة فيه على الأقوى . وامّا لو بقى عينه فلا تصحّ على الأقوى ، كما انّ الأقوى عدم صحّتها في ثوب خيّط بالمغصوب وإن لم يمكن ردّه بالفتق فضلا عمّا يمكن ، نعم الإشكال في الصحّة فيما إذا اجبر الصبّاغ أو الخيّاط على عمله ولم يعط أجرته مع كون الصبغ والخيط من مالك الثوب ، وكذا إذا غسل الثوب بماء مغصوب أو أزيل وسخه بصابون مغصوب مع عدم بقاء عين منهما فيه ، أو أجبر الغاسل على غسله ولم يعط أجرته 1 .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما لو كان الثوب مصبوغاً بصبغ مغصوب مع عدم بقاء عين الجوهر الذي صبغ به وكان الباقي هو اللون فقط كما هو الغالب في موارد الصبغ وقد قوى في المتن الحكم بصحّة الصلاة فيه وهو يبتني على كونه معدوداً بحكم التالف لأنّ عدم بقاء العين كما هو المفروض يجعله بحكمه خصوصاً مع أنّ العرف ربما يساعد على ذلك نظراً إلى أنّه ليس هنا شيء يمكن ردّه إلى مالكه وبقاء اللون لا دلالة فيه على بقاء مال المالك .
وربما يناقش في ذلك بأنّه لا يصدق التلف هنا لا حقيقة ولا حكماً لأنّ ملاك الأوّل هو ارتفاع وجود الشيء في الخارج بالكلية وملاك الثاني هو انتفائه في الخارج وزواله عرفاً كالقطرة الواردة في البحر فإنّها موجودة فيه لكنّها محكومة بحكم التالف وشيء من الملاكين لا يتحقّق في المقام ضرورة وجود الصبغ في الثوب حقيقة وحكماً إلاّ انّه لا يمكن استرداده إلى مالكه وذلك لا يوجب صدق التلف عليه .
هذا مضافاً إلى أنّ الارتكاز العقلائي هو انّ تولّد شيء من شيء يوجب إلحاقه