جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصلاة « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

الصفحة 681

به في الإضافة إلى مالكه فثمرة الشجرة لمالكها وولد الحيوان لمالكه ولا فرق في ذلك بين العين والأثر فلا فرق بين مثل اللون كالبياض والسواد وبين مثل طحن الحنطة وغزل الصوف وأشباههما فاللون في المقام أثر الجوهر الذي كان ملكاً لمالكه وصار مغصوباً فلا تجوز الصلاة في الثوب الملوّن به .

ثمّ إنّهم ذكروا انّ الغاصب إذا أحدث في العين صفة محضة كانت الصياغة أو عينية كاللون فليس له مطالبة المالك بشيء وكذا المفلس إذا اشترى عيناً فأحدث فيها صفة محضة أو عينية ثمّ فلس جاز للبائع أخذها وليس للغرماء فيها شيء والظاهر انّه لا فرق عندهم فيما ذكر بين أن لا تكون الصفة المذكورة موجبة لزيادة القيمة وبين أن تكون كذلك بل ربّما قيل بأنّ عدم الاستحقاق في الصورة الاُولى ينبغي أن يعدّ من الضروريات واستظهر من الجواهر الاتفاق على عدم الاستحقاق في الصورة الثانية أيضاً وانّ الاستحقاق يختص بصورة كون الزيادة عيناً محضة كالزرع والشجر .

ومقتضى ما ذكر معاملة التلف في مثل اللون لأنّ نفي جواز مطالبة المالك بشيء وإن كان ظاهره عدم استحقاق شيء من المالية إلاّ انّ الظاهر كون مرادهم عدم ثبوت إضافة ملكية للغاصب في العين التي أحدثت فيها الصفة فيجوز للمالك التصرّف فيه بأيّ نحو شاء وهذا لا ينطبق إلاّ على فرض تحقّق التلف وصيرورة مال الغاصب تالفاً بالصبغ ، كما انّ نفي ثبوت حقّ للغرماء في العبارة المذكورة في مورد المفلس مرجعه إلى عدم ثبوت حقّ وإضافة فيه أصلا ولو بالنسبة إلى المفلس فتدبّر .

هذا ولكن استظهر في تقريرات صلاة المحقّق النائيني (قدس سره) من الأصحاب انّهم ذكروا فيما إذا أحدث الغاصب زيادة عينية موجبة لزيادة القيمة كالصبغ يستحق

الصفحة 682

بقدر تفاوت قيمة الثوب الناشئ من تفاوت زيادة العين لا الصفة فلو كان قيمة الثوب عشرة دراهم وكان قيمة الصبغ درهماً وصار قيمة الثوب بعد الصبغ أربعة عشر درهماً فيلقى ثلاثة دراهم التي هي بإزاء الصفة ولا يستحقّها الغاصب ويصير الغاصب شريكاً مع المالك في الثوب بنسبة درهم إلى مجموع قيمته .

ومقتضى هذا الاستظهار ثبوت حق للغاصب مع المالك للصبغ بل ثبوت الشركة في ملكية العين وهذا يغاير ما استظهر من الجواهر ممّا مرّ من الاتفاق على عدم الاستحقاق في مثل هذه الصورة .

وكيف كان فالظاهر هنا كما في المتن من حكم العرف بتحقّق التلف وعدم بقاء شيء ممّا يتعلّق بمالك الصبغ بعد تحقّق الصبغ في هذا الفرض .

الفرع الثاني : هذه الصورة مع بقاء الجوهر الذي صبغ به في الثوب وحكمه حكم الفرع الثالث الآتي .

الثالث : ما إذا خيّط الثوب بخيوط مغصوبة ، قال العلاّمة في محكي القواعد في هذه المسألة : «ولو طلب المالك نزعها وإن أفضى إلى التلف وجب ثمّ يضمن الغاصب النقص ولو لم يبق لها قيمة عزم جميع القيمة» وعطف على ذلك في محكي جامع المقاصد قوله : «ولا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك كما سبق من أنّ جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين ولو استوعب القيمة أخذها ولم تدفع العين» وعن المسالك في هذه المسألة «انّه إن لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة ولا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق فيجمع بين العين والقيمة» .

لكن عن مجمع البرهان في هذه المسألة اختيار عدم وجوب النزع بل قال : «يمكن أن لا يجوز ويتعيّن القيمة لكونه بمنزلة التلف و ـ حينئذ ـ يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخاط إذ لا غصب فيه يجب ردّه كما قيل بجواز المسح بالرطوبة الباقية

الصفحة 683

من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد إكمال الغسل وقبل المسح» .

واستجوده صاحب الجواهر (قدس سره) في هذه المسألة من كتاب الغصب معلّلا له باقتضاء ملك المالك القيمة خروج المغصوب عن ملكه لكونها عوضاً شرعياً عنه .

ومن العجيب تصريح صاحبي جامع المقاصد والمسالك بعدم خروج الخيوط عن ملك المالك وتصريح صاحب الجواهر بخلافه وان ملك القيمة يقتضي خروج المغصوب عن ملكه مع حكمهم بخلاف ذلك في مسألة بدل الحيلولة حيث إنّه يظهر من الأوّلين خروجه عن ملك مالك المبدل ومن الأخير الخلاف . قال المحقّق الثاني في محكي جامعه : «انّ هنا إشكالا فإنّه كيف يجب القيمة ويملكها الأخذ ويبقى العين على ملكه وجعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتّضح معناه» .

وقال الشهيد الثاني (قدس سره) : «إنّ هذا لا يخلو عن إشكال من حيث اجتماع العوض والمعوض على ملك المالك من دون دليل واضح ولو قيل بحصول الملك لكلّ منهما متزلزلا وتوقّف تملّك المغصوب منه للبدل على اليأس من العين وإن جاز له التصرّف كان وجهاً في المسألة» .

وقال صاحب الجواهر بعد حكاية الكلامين : «لكنّه مخالف لما عرفته من الإتفاق المؤيّد بمعلومية عدم اعتبار توقّف ملكية المالك القيمة على الغاصب على خروج المغصوب عن قابلية التملّك إلى أن قال : فالقيمة المدفوعة ـ حينئذ ـ مملوكة والعين باقية على الملك للأصل ولأنّها مغصوبة وكلّ مغصوب مردود وأخذ القيمة غرامة للدليل الشرعي لا ينافي ذلك إلى أن قال في الاستدلال على ذلك : مضافاً إلى أصالة بقائه على ملكه وإلى ما عرفته من الاتفاق عليه ولذا لم يذكروا خلافاً بل ولا إشكالا في ملك نمائه المنفصل له ودعوى انّه من الجمع بين العوض والمعوض عنه الممنوع عنه شرعاً واضحة الفساد» .

الصفحة 684

وكيف كان فمسألة صحّة الصلاة في الثوب المخيط بخيط مغصوب وبطلانها يبتني على بقاء الخيط على ملك مالكه وعدمه وصيرورته تالفاً عرفاً والعمدة في هذه الجهة ملاحظة انّ أدلّة لزوم الغرامة هل تقتضي ثبوت معاوضة شرعية قهرية أم لا؟ والظاهر هو الثاني لظهور دليل الغرامة في لزوم تدارك ما فات عن المالك بسبب التصرّف في العين المغصوبة أو كونها بيده ، ومن الواضح انّ ما فات عن المالك في مسألة الخيوط ليس إلاّ الأوصاف التي لها دخل في المالية ، وامّا الملكية فهي باقية بحالها ضرورة عدم دورانها مدار المالية فملكية المغصوب منه للقيمة بدلا لا تقتضي زوال ملكيته عن الخيوط المغصوبة بل هي بعد باقية على ملكها ويدلّ على عدم كون الغرامة ملازمة لتحقّق المعاوضة وضوح ثبوتها مع التلف الحقيقي للعين مع أنّه لا يعقل هناك معاوضة فالغرامة لا دلالة لها على المعاوضة وأدلّة نفي الضرر بناء على ارتباطها بباب الأحكام الشرعية قاصرة عن إفادة الملكية خصوصاً مع كون مقتضى الأصل أيضاً البقاء على ملك المالك فالإنصاف هو البطلان في مسألة الصلاة .

الرابع : الفروع التي نفى الإشكال عن الصحّة فيها في المتن والوجه في الحكم بها واضح لأنّ منع الأجير كالصبّاغ والخيّاط عن أجرته لا يوجب حقّاً له في العين أصلا وهكذا سائر الفروض .

الصفحة 685

الثالث : أن يكون مذكّى من مأكول اللحم فلا تجوز الصلاة في جلد غير مذكّى ولا في سائر أجزائه التي تحلّه الحياة ولو كان طاهراً من جهة عدم كونه ذا نفس سائلة كالسمك على الأحوط ، ويجوز فيما لا تحلّه الحياة من أجزائه كالصوف والشعر والوبر ونحوها 1 .

1 ـ ظاهر المتن انّ اعتبار التذكية في لباس المصلّي وكونه من غير ما يحرم أكل لحمه يرجع إلى اعتبار أمر واحد ومدخلية شيء فارد مع أنّ الظاهر من كلمات الأصحاب(قدس سرهم) انّ هنا أمرين : أحدهما اعتبار التذكية في مثل الجلد الذي يتّخذ لباساً ويصلّى فيه ، والآخر عدم كونه من غير المأكول ولو لم يعرض له الموت كما إذا صلّى في وبره أو شعره مثلا ولأجله نتكلّم نحن في أمرين :

الأوّل : اعتبار عدم كونه من أجزاء الميتة ولا إشكال في أصل الحكم ولا خلاف ظاهراً ، بل عن كثير من الكتب الفقهية دعوى الإجماع عليه ولم ينقل الخلاف فيه من أحد ولو بنحو الإجمال ولأجله اعترض على الشهيد في الذكرى حيث استثنى «من شذ» بأنّه لم يعلم المراد منه للاتفاق على عدم جواز الصلاة في أجزاء الميتة حتّى ممّن قال بطهارة الجلد بالدباغ خلافاً للعامة القائلين بجواز استعمالها والانتفاع بها في غير حال الصلاة وبصحّة الصلاة فيها إذا كانت مدبوغة والأخبار الواردة في هذه المسألة بالغة حدّ الاستفاضة بل ربّما ادّعى تواترها ولأجله لا حاجة إلى ذكرها للاستدلال بها فأصل الحكم يكون كالمسلّم بينهم فاللاّزم التكلّم في الجهات الاُخر :

منها : انّ اعتبار هذا الأمر في الصلاة هل هو بعنوان شرطية التذكية أو على نحو مانعية الميتة؟ ظاهر المتن الأوّل ولابدّ لتحقيق هذه الجهة من ملاحظة معنى المذكّى والميتة أوّلا فنقول : لا إشكال في أنّ التذكية عبارة عن الأمر الوجودي العارض

الصفحة 686

لبعض الحيوانات حينما يزهق روحه ولا فرق في ذلك بين أن يقال : بأنّها عبارة عن مجرّد فري الأوداج الأربعة مع سائر الشرائط من الاستقبال والتسمية وغيرهما ، وبين أن يقال : بأنّها عبارة عن الأمر المتحصّل من ذلك بضميمة وجود القابلية المتحقّقة في خصوص ما يتّصف بكونه مذكّى من الحيوانات فإنّه على كلا التقديرين تكون التذكية من الاُمور الوجودية بلا إشكال .

وامّا الميتة فلا ينبغي الإشكال في أنّ معناها بحسب اللغة هو الحيوان الذي فقد وصف الحياة بعدما كان واجداً له وهو بهذا المعنى يشمل المذكّى أيضاً ، والظاهر انّ قوله تعالى : (حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلاّ ما ذكيتم . . .) ناظر إلى هذا المعنى اللغوي بناء على رجوع الاستثناء إلى جميع المذكورات التي منها الميتة ما عدى الدم ولحم الخنزير ، كما لعلّه الظاهر من الآية وقد حكي عن عليّ (عليه السلام)وابن عبّاس .

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في أنّ الميتة بحسب المعنى اللغوي مقابل الحي لا المذكّى وهذا يدلّنا على أنّ استعمالها في مقابل المذكّى في لسان الروايات إنّما هو لأجل ثبوت الحقيقة الشرعية لها فانظر إلى موثقة سماعة قال : سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال : إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده وامّا الميتة فلا . حيث جعلت الميتة مقابلة للمذكّى أي ما رمى وسمّى به .

وبعد ذلك يقع الكلام في أنّ الميتة هل هي عنوان وجودي أو عدمي وهو غير المذكّى وتظهر الثمرة فيما لو شكّ في شيء انّه ميتة أم لا ، فعلى تقدير كونها أمراً وجودياً لا يثبت باستصحاب عدم التذكية بناء على جريانه ولا يترتّب عليه أحكام الميتة بخلاف ما لو كانت أمراً عدمياً . والظاهر انّ المتبادر من الميتة عند

الصفحة 687

المتشرّعة عنوان وجودي وهو ما مات بسبب غير شرعي .

ثمّ إنّه على تقدير كون الميتة أمراً عدمياً لا مجال لاحتمال كونها مانعة لأنّ المانعية من شؤون وجود المانع وأوصافه ، وامّا على تقدير كونها أمراً وجودياً كما استظهرناه يقع الكلام في أنّها هل هي مانعة أو انّ التذكية شرط ـ كما اختاره صاحب الجواهر ـ ولا مجال لاحتمال كلا الأمرين للزوم اللغوية ضرورة والظاهر اختلاف الروايات فمن بعضها يستفاد المانعية ومن البعض الشرطية .

امّا الأوّل : فكصحيحة محمد بن مسلم قال : سألته عن الجلد الميّت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال : لا ولو دبغ سبعين مرّة . ومرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الميتة قال : لا تصلِّ في شيء منه ولا في شسع . والشسع بالكسر ما يشدّ به النعل وجه الاستفادة ظهور النهي الوارد فيهما في الإرشاد إلى المانعية كما هو شأن النواهي الغيرية المتعلّقة بالموانع .

وامّا الثاني : فكموثقة ابن بكير المعروفة الواردة في عدم جواز الصلاة في أجزاء ما يحرم أكل لحمه من الحيوانات المشتمل ذيلها على قوله (عليه السلام) : فإن كان شيء يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت انّه ذكّي وقد ذكّاه الذبح . . .

ورواية بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) أو أبا الحسن (عليه السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها ، فقال : لا تصلِّ فيها إلاّ ما كان منه ذكياً ، قال قلت : أوليس الذكي ممّا ذكي بالحديد؟ قال : بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه ، الحديث .

فإنّهما ظاهران في شرطية التذكية واعتبارها ولكن ظهور أدلّة المانعية فيها أقوى من ظهور أدلّة الشرطية فيها وذلك لاستناد الاُولى إلى النهي الذي له ظهور قوي في الإرشاد إلى المانعية فيما إذا كان غيرياً ، وامّا الثانية فليس لها مثل هذا

الصفحة 688

الظهور خصوصاً مع اشتمال رواية ابن أبي حمزة على النهي أيضاً ، وعليه فالتعبير بما هو ظاهر في الشرطية يحمل على العرضية بلحاظ ما عرفت من أنّ المذكّى والميتة من قبيل ما لا ثالث لهما كما لا يخفى .

ومنها : انّ مانعية جلد الميتة ـ مثلا ـ هل هي لنجاستها فتختصّ بما إذا كانت الميتة نجسة فيجوز الصلاة في ميتة السمك ونحوه ممّا ليس له نفس سائلة أو لأجل كونها مانعة بعنوانها فتعمّ ما إذا لم تكن نجسة كما في المثال المذكور وجهان بل قولان ظاهر كلام الأصحاب هو الثاني حيث لم يقيّدوا الميتة المانعة بالنجسة ولم يتعرّضوا لاستثناء غير ذي النفس مضافاً إلى أنّ التعرّض لاعتبار هذا الأمر بعد التعرّض لاعتبار الطهارة في لباس المصلّي ممّا يؤيّد عدم ارتباطه بمسألة الطهارة وعدم الاختصاص بالميتة النجسة ، وعن البهائي ووالده التصريح بالتعميم .

وكيف كان فوجه التعميم ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ إطلاق أدلّة المانعية وعدم وقوع التقييد فيها بالنجسة ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بينها وبين الطاهرة .

وامّا وجه الفرق فاُمور :

الأوّل : انصراف الأخبار المانعة عن الصلاة في جلد الميتة عن ميتة غير ذي النفس; لأنّ مورد السؤال في أكثرها هو المصنوع منها كالجلد والفرو والخف ونحوها ، ومن المعلوم بحسب الارتكاز انّ مثل ذلك إنّما يكون مأخوذاً من جلود ذي النفس لعدم تعارف أخذ اللباس من جلد السمك ونحوه حتّى في زماننا هذا أيضاً ، مضافاً إلى أنّ الظاهر هو كونها مسوقة في مقام الردّ على العامّة القائلين بطهارة جلد الميتة بالدفاغ وجواز الانتفاع به مطلقاً معه كما يدلّ عليه التعبير بحرمة استعمالها ولو دبغ سبعين مرّة ، ومن المعلوم انّ ما هو المتعارف فيه الدفاغ من الجلود غير جلد الميتة التي لا نفس لها مع أنّ التعرّض لفرض الدباغ إنّما هو بملاحظة تغيّر

الصفحة 689

الحكم بسببه ، ومن الواضح انّ ما يجري فيه احتمال التغيير بالدباغ هي الميتة النجسة بدونه لأنّ الميتة الطاهرة لا معنى لأن يكون الدباغ مغيّراً لحكمه أصلا .

الثاني : الإجماع المنقول عن المعتبر على ما حكاه المحقّق الثاني وإن لم يوجد ذلك في المعتبر لعدم قدحه بعدما كان الناقل مثله ، ويمكن أن يكون اشتبه في تعيين الكتاب ولكنّه لا يشتبه في النقل عن كتاب معتبر وإن لم يكن كتاب المعتبر .

الثالث : دعوى السيرة القطعية على الصلاة في نحو القمل والبق والبرغوث كما ادّعاها صاحب الجواهر (قدس سره) .

أقول : هذه الوجوه وإن كانت مردودة من جهة منع دعوى الانصراف لأنّ منشأه كثرة الاستعمال لا كثرة الوجود فعدم تعارف أخذ اللباس من جلد مثل السمك لا يصحّح دعوى الانصراف بالإضافة إلى المطلقات على تقدير وجودها والإجماع المنقول مع قطع النظر عن عدم ثبوت النسبة لا يكون بحجّة والصلاة في مثل القمل خارجة عن محلّ البحث لأنّ مورده ميتة غير ذي النفس من الحيوان الذي يقع عليه التذكية وتؤثّر في حلية لحمها كالسمك لا الحشرات التي لا تقبل التذكية لعدم صدق كونها ذات لحم إلاّ انّ العمدة في المقام عدم ثبوت الإطلاق الشامل لغير ذي النفس فإنّ ما يتوهّم فيه الإطلاق صحيحة محمد بن مسلم ومرسلة ابن أبي عمير ورواية ابن أبي حمزة المتقدّمة ، ومن الواضح عدم دلالتها على الإطلاق لأنّ الصحيحة مسوقة لنفي كون الدباغ موجباً لجواز الصلاة في جلد الميتة والمرسلة ظاهرة في تعميم الحكم بالإضافة إلى أجزاء الميتة دون افرادها ويؤيّده الضمير المذكّر الظاهر في كون المفروض ميتاً خاصّاً من الحيوان مذكّراً ، نعم لو كان مفادها التعميم بالنسبة إلى الأفراد كان ظاهرها عدم الفرق بينها ولكنّه خلاف الظاهر ، ورواية ابن أبي حمزة مضافاً إلى أنّ مورد السؤال فيها هو لباس

الصفحة 690

الفراء وهو لا يتّخذ إلاّ من الحيوان ذي النفس يكون ذكر التذكية فيها قرينة على الاختصاص بالحيوان ذي النس فالأظهر بمقتضى ما ذكرنا جواز الصلاة في ميتة غير ذي النفس وإن كان الأحوط خلافه .

ومنها : انّه يجوز الصلاة في الأجزاء التي لا تحلّها الحياة من الميتة كالصوف والشعر والوبر امّا على تقدير كون علّة المنع في الميتة هي النجاسة فلأنّ هذه الأجزاء لا تكون نجسة كما مرّ البحث فيها في باب الميتة ، وامّا على تقدير كون العلّة هي نفس عنوان الميتة فمضافاً إلى إمكان دعوى عدم كون هذه الأجزاء ميتة لعدم كونها محلاًّ للحياة حتّى يعرض لها الموت وإن ناقشنا في هذه الدعوى سابقاً نظراً إلى أنّ الحياة التي لم تحلّ في هذه الأجزاء هي الحياة الحيوانية لا الحياة النباتية مع أنّ العرف يطلقون عنوان الميتة على جميع أجزائها من دون فرق نقول : ظاهر النصوص الواردة في هذا الباب عدم كون هذه الأجزاء ميتة بل بعضها يصرّح بجواز الصلاة فيها وهي الصحيحة عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة انّ الصوف ليس فيه روح . ومقتضى التعليل عمومية الحكم لكلّ ما يماثل الصوف في أنّه ليس من شأنه أن يكون فيه روح حتى حال حياة الحيوان .

ثمّ إنّه لو شكّ في جلد انّه من المذكّى أو الميتة فإن قلنا : بأنّ التذكية شرط في لباس المصلّي فلا تجوز الصلاة في ذلك الجلد لعدم إحراز الشرط واللاّزم إحرازه في جميع الموارد وإن قلنا : بأنّ الميتة مانعة عن صحّة الصلاة وانطباق عنوانها على المأتي به من الأفعال المخصوصة والأقوال كذلك فإن قلنا بأنّها أمر وجودي وهو ما زهق روحه بسبب غير شرعي فلا طريق لإثباته لأنّ استصحاب عدم التذكية على تقدير جريانه لا يثبت الأمر الوجودي لعدم حجّية الاُصول المثبتة على ما قرّر

الصفحة 691

في محلّه ، وامّا إن قلنا بأنّها أمر عدمي والعدم يصلح لأن يتعلّق به الحكم الشرعي من المانعية وغيرها فالمشهور ظاهراً جريان استصحاب عدم التذكية وترتيب الآثار عليه ، وكلام الفاضل التوني (قدس سره) في الإشكال عليه معروف مذكور في رسالة الشيخ الأعظم (قدس سره) مع جوابه ولكن العمدة في الإشكال على هذا الاستصحاب انّ عدم التذكية المأخوذة في متعلّق الحكم الشرعي إن كان بنحو يصدق مع انتفاء الموصوف وهو زهاق الروح وتحقّق الموت فلا يعقل أن يتعلّق به الحكم الشرعي; لأنّ عدمها الصادق مع عدم الموضوع ليس بشيء حتّى يترتّب عليه أثر من دون فرق بين أن يكون الأثر شرعياً أو غيره وإن كان بنحو لا يتحقّق إلاّ مع وجود الموصوف وفرض تحقّقه بحيث كان المتعلّق هو زهاق الروح المتصف بكونه بغير طريق شرعي بنحو يكون الوصف أمراً عدمياً فهو وإن كان يعقل تعلّق الحكم به إلاّ انّه ليس له حالة سابقة ضرورة انّه لم يكن زهاق الروح مع هذا الوصف متيقّناً في زمان فلا يجري استصحابه أصلا .

ثمّ إنّ صاحب المدارك (قدس سره) بعدما حكى عن جمع من الأصحاب انّ الصلاة كما تبطل في الجلد مع العلم بكونه ميتة أو في يد كافر كذا تبطل مع الشكّ في تذكيته لاصالة عدم التذكية قال : «وقد بيّنا فيما سبق انّ أصالة عدم التذكية لا تفيد القطع بالعدم لأنّ ما يثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم فلابدّ لدوامه من دليل سوى دليل الثبوت إلى أن قال : وقد ورد في عدّة أخبار الإذن في الصلاة في الجلود التي لا يعلم كونها ميتة وهو مؤيّد لما ذكرناه» .

والظاهر انّ مراده من الأخبار مثل موثقة سماعة بن مهران انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء والكيمخت فقال : لا بأس ما لم تعلم انّه ميتة .

الصفحة 692

وموثقة علي بن أبي حمزة انّ رجلا سأل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه؟ قال : نعم ، فقال الرجل : إنّ فيه الكيمخت قال : وما الكيمخت؟ قال : جلود دواب منه ما يكون ذكياً ومنه ما يكون ميتة فقال : ما علمت انّه ميتة فلا تصلِّ فيه .

وما رواه الصدوق باسناده عن جعفر بن محمد بن يونس أن أباه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الفرو والخف ألبسه واُصلّي فيه ولا أعلم انّه ذكي فكتب : لا بأس به .

ورواية السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن ، قيل له : يا أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال : هم في سعة حتّى يعلموا .

والظاهر انّ الروايات الدالّة على اعتبار يد المسلم أو سوق المسلمين خارجة عن محطّ نظره ، وامّا جعل هذه الأخبار مؤيّدة لا دليلا فلأجل عدم كونها واجدة لشرائط ما هو الصحيح بنظره وهو الصحيح الاعلائي الذي كان كلّ واحد من رواة سنده مذكّى بتذكية عدلين .

واستشكل بعض الأعلام ـ على ما في تقريراته ـ على الاستشهاد بمثل موثقة ابن أبي حمزة بأنّ غاية ما يستفاد منها انّ العلم بالميتة قد أخذ في موضوع الحكم بالنجاسة وحرمة الأكل وغيرهما من الأحكام إلاّ انّه علم طريقي قد أخذ في الموضوع منجّزاً للأحكام لا موضوعاً لها نظير أخذ التبيّن في موضوع وجوب الصوم في قوله تعالى : (كلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط

الصفحة 693

الأسود من الفجر) . والاستصحاب بأدلّة اعتباره صالح لأن يقوم مقام العلم الطريقي كالبيّنة والأمارات .

ولا يخفى انّه لا محيص عن الاعتراف بالموضوعية فيما إذا أخذ العلم في ظاهر الدليل قيداً للموضوع ودخيلا فيه ولا مجال لدعوى كونه علماً طريقياً لا مدخلية له في الموضوع بحيث يكون ذكره كعدمه ، غاية الأمر انّ العلم المأخوذ في الموضوع تارة يؤخذ فيه بما انّه صفة خاصّة من الصفات النفسانية ، واُخرى بما انّه طريق إلى الواقع وكاشف عنه والفرق بين الصورتين إنّما هو في قيام البيّنة والاستصحاب ونحوهما مقامه في الصورة الثانية وعدمه في الصورة الاُولى والمقام إنّما هو من قبيل الصورة الثانية . وإن شئت قلت : إنّ العلم المذكور في موضوعات الأحكام بما انّه طريق إلى الواقع وكاشف عنه لا يكون المراد به هو العلم الوجداني بل الحجّة الشرعية وذكر العلم إنّما هو بعنوان المثال ، وامّا التبيّن في آية الصوم فقد مرّ البحث فيه وانّه يظهر من المحقّق الهمداني (قدس سره) ومن الماتن ـ دام ظلّه العالي ـ انّه هو الفجر الواقعي لا انّ الفجر شيء والتبيّن شيء آخر ، نعم يكون العلم أمارة لهذا التبيّن النفس الأمري وقد تقدّم منّا ما يتعلّق بهذا الكلام فراجع .

هذا مع أنّ استشكاله لا يجري في مثل موثقة سماعة; لأنّه قد حكم فيها بنفي البأس ما لم يعلم انّه ميتة ضرورة انّه على التقدير الذي أفاده لا يبقى مورد للحكم بعدم البأس فإنّ حمله على صورة العلم بوقوع التذكية لا يناسب السؤال الظاهر في مورد الشكّ خصوصاً مع تفسير الكيمخت في موثقة ابن أبي حمزة بما يرجع إلى أنّه مشكوك لعدم العلم بكونه ذكياً أو ميتة ولا يجري هذا الإشكال بناء على ما ذكرنا لعدم جريان الاستصحاب في مورد الشكّ امّا لكون الميتة أمراً وجدياً لا يثبت به ، وامّا لعدم جريان استصحاب عدم التذكية في نفسه لما عرفت والذي ينبغي أن يقال

الصفحة 694

في جواب صاحب المدارك أوّلا انّه كما انّ العلم بالميتة قد أخذ موضوعاً للحكم بالنجاسة وعدم جواز الصلاة فيه كذلك العلم بالمذكّى قد أخذ في موضوع الحكم بجواز الصلاة فيه لقوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير : فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت انّه ذكي ذكاة الذبح . ومقتضاه عدم جواز الصلاة مع الشكّ في التذكية فيعارض مع الروايات المتقدّمة ولا ترجيح لها عليه .

وثانياً : انّه لا يبعد دعوى كون مورد السؤال فيها هو ما يتهيّؤ من سوق المسلمين ويشترى منه لأنّ مورد ابتلائهم في تلك الأعصار هو المأخوذ من سوق المسلمين لأنّ المجلوب من بلاد الكفّار الذي هو مورد الابتلاء في هذه الأعصار لم يكن محلاًّ لحاجتهم وابتلائهم في زمان السؤال ومنشأ الشكّ لهم امّا اختلاط أهل الذمّة بالمسلمين في السوق أو غلبة العامة في أسواقهم المستحلّين لذبائح أهل الكتاب والقائلين بطهارة الجلد بالدباغ أو عدم المبالاة في بعض من القصابين والبائعين ، وعليه فهذه الروايات لا إطلاق لها تشمل صورة عدم وجود أمارة شرعية على تحقّق التذكية .

وثالثاً : انّه على تقدير الإطلاق لابدّ من تقييد هذه الروايات بما ورد ممّا يدلّ على أنّ المشكوك إذا أخذ من سوق المسلمين يجوز التصرّف والصلاة فيه وهي كثيرة :

منها : صحيحة الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم انّهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصّابون ، فقال : كلّ إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه .

والظاهر انّ المراد من سوق المسلمين هو السوق الذي كان أكثر أهله مسلماً وإن كان منعقداً في بلد الكفر لا السوق المنعقد في البلد الذي يكون تحت سلطنة

الصفحة 695

الإسلام وحكومة المسلمين ولو كان جميع أهله أو أكثره مشركاً .

وأيضاً الظاهر انّ اعتبار السوق إنّما هو بالنسبة إلى من كان مجهول الحال ولا يعلم انّه مسلم أو كافر فإنّه يبنى على إسلامه لمكان غلبة المسلمين فيه ويكون إسلامه أمارة على وقوع التذكية الشرعية على الحيوان وإلاّ فلو علم بكفر البائع والذابح أو بكفر الأوّل فقط مع الشكّ في كفر الثاني فلا يؤثّر في حلّية اللحم المشترى منه كون أكثر أهل السوق مسلماً ، وعليه فيرجع اعتبار السوق إلى اعتبار يد المسلم ، غاية الأمر انّه لا فرق بين ما إذا أحرز إسلامه بالقطع أو بنى عليه للغلبة ونحوها .

ومنها : صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخفّاف التي تباع في السوق فقال : اشتر وصلِّ فيها حتى تعلم انّه ميتة بعينه . والظاهر انّ السوق إشارة إلى المعهود وهو سوق المدينة الذي كان سوق المسلمين .

ومنها : صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلّي فيها؟ فقال : نعم ليس عليكم المسألة انّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم انّ الدين أوسع من ذلك .

ومنها : صحيحته الاُخرى عن الرضا (عليه السلام) قال : سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلّي فيه؟ قال : نعم أنا أشتري الخفّ من السوق ويصنع لي واُصلّي فيه وليس عليكم المسألة . والظاهر اتحاد الروايتين وإن جعلهما في الوسائل متعدّداً والاختلاف في بعض الاُمور لا يضرّ بالوحدة .

ومنها : مرسلة الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : اعترض السوق

الصفحة 696

فاشتري خفّاً لا أدري أذكي هو أم لا؟ قال : صلِّ فيه ، قلت : فالنعل ؟ قال : مثل ذلك قلت : إنّي أضيق من هذا قال : أترغب عمّا كان أبو الحسن يفعله .

إذا عرفت ما ورد في السوق من الروايات المتقدّمة فالكلام فيه يقع من جهات :

الاُولى : انّه لا إشكال في أنّ المستفاد من روايات السوق انّ المراد به هو سوق المسلمين بالمعنى الذي ذكرنا الذي مرجعه إلى أنّ المراد به هو مركز التجمّع للكسب والتجارة الذي كان أكثر أهله مسلماً ويشهد به إضافة السوق إليهم في رواية الفضلاء الثلاثة المتقدّمة الظاهرة في الاختصاص خصوصاً مع ملاحظة كون مورد السؤال فيها أيضاً ذلك فإنّ الظاهر انّ المراد من «الأسواق» فيه هي الأسواق المعهودة الموجودة في المدينة ومثلها من البلاد الإسلامية ومع ذلك لم يكتف الإمام (عليه السلام) في الجواب بهذا الظهور بل صرّح بإضافة السوق إلى المسلمين وعلّق الحكم بجواز الأكل عليه . وامّا إطلاق «السوق» في سائر الروايات أو ترك الاستفصال فمضافاً إلى ما عرفت من كونه إشارة إلى الأسواق المعهودة يكون تقييده بسبب رواية الفضلاء معيناً فالمستفاد من المجموع اعتبار سوق المسلمين وقد مرّ معناه .

الثانية : الظاهر انّ المستفاد من أدلّة اعتبار السوق انّ السوق بنفسه لا تكون أمارة على التذكية وكاشفة عن الطهارة والحلّية بل هو كاشف عن الامارة الحقيقية وهي يد المسلم فالسوق أمارة على الأمارة نظراً إلى أنّ الغالب في أسواق المسلمين إنّما هم المسلمون وقد جعل الشارع هذه الغلبة معتبرة والحق من يشكّ في إسلامه في أسواقهم بالمسلمين فالسوق إنّما هو كاشف عن كون البايع مسلماً وبهذا يظهر ما في كلام بعض من الاكتفاء بمجرّد الأخذ من سوق المسلمين ولو أخذ من يد الكافر في قبالالأخذ من يد الكافر كما انّه يظهر الخلل فيما اختاره في «المستمسك» من أنّ

الصفحة 697

الظاهر منه خصوص ما لو كان البائع مسلماً وانّ الداعي لذكر السوق كونه الموضع المعتاد لوقوع المعاملة فيه لا لخصوصية فيه في قبال الدار والصحراء ونحوهما ، فالمراد من الشراء من السوق الشراء من المسلم الذي هو أحد التصرّفات الدالّة على التذكية ولا خصوصية له فهو راجع إلى الاستعمال المناسب للتذكية .

وجه الخلل انّ مقتضى ما أفاده خروج عنوان السوق عن المدخلية رأساً وهو خلاف ظاهر أدلّة اعتباره جدّاً .

الثالثة : انّه لا فرق في المسلم الذي يؤخذ من يده ويكون السوق أمارة على إسلامه بين ما إذا كان عارفاً بالإمامة أو لم يكن لأنّه مضافاً إلى كون أكثر المسلمين في تلك الأزمنة غير عارفين وإلى أنّ الجمع المحلّى باللاّم في المسلمين الذي اُضيف إليه السوق في رواية الفضلاء يقتضي العموم لكلّ مسلم على ما هو المشهور يدلّ عليه رواية إسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن جلود الفراء يشريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسئل عن زكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال : عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه . وعليه فالحكم باعتبار يد المسلم ليس لكونه أمارة شرعية على كون الحيوان مذكى بالتذكية المعتبرة عند العارف وذلك لاختلافنا معهم في بعض الاُمور المعتبرة في التذكية كاجتزائهم في الصيد بإرسال غير الكلب المعلم ، وكذلك في بعض الفروع كحكمهم بطهارة جلد الميتة بالدباغ وبطهارة ذبائح أهل الكتاب وغير ذلك من الموارد فلا يكون مجرّد كونه في يده أو مع ترتيبه آثار المذكّى عليه أمارة على وقوع التذكية المعتبرة عندنا عليه ، فالحكم باعتبار يد المسلم ليس لاماريتها بل لأجل انّ الحكم بعدم الاعتبار مع أنّ الغالب في تلك الأزمنة هو كون المسلمين غير عارفين مستلزم للعسر فلذا جعل الشارع الأصل

الصفحة 698

في الحيوان التذكية تعبّداً فيما إذا لم يكن بايعه مشركاً وسيأتي تفصيل هذا البحث في الجهة العاشرة إن شاء الله تعالى .

الرابعة : انّه يستفاد من بعض الروايات الواردة في السوق اعتبار ضمان البائع واخباره بكون مبيعه من المذكّى وهي رواية محمد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر (عليه السلام) ما تقول في الفرو يشتري من السوق؟ فقال : إذا كان مضموناً فلا بأس . ولكن الظاهر انّه يتعيّن حملها على الاستحباب بقرينة رواية الفضلاء الدالّة على أنّ النهي عن السؤال عنه فإنّ المراد من النهي هو عدم الوجوب لأنّه في مقام توهّمه فالمراد عدم وجوب السؤال ، ومن الواضح انّ المراد من السؤال هو السؤال الذي يتعقّبه الجواب بوقوع التذكية فمرجع ذلك إلى عدم اعتبار الاخبار بوقوعها في جواز الأكل من اللحوم وكذا يدلّ على عدم اعتبار السؤال صحيحتا البزنطي ورواية إسماعيل بن عيسى المتقدّمة فلابدّ من حمل هذه الرواية على الاستحباب .

الخامسة : الظاهر انّ يد المسلم تكون أمارة على التذكية تكون أخصّ من اليد التي تكون أمارة على الملكية لا من جهة اعتبار اسلام ذي اليد هنا دونه بل من جهة انّه لا يعتبر في الامارية هناك سوى أصل ثبوت اليد وكون المال تحت استيلاء ذي اليد وسلطنته ولا يلزم أن يتصرّف فيه تصرّفاً متوقفاً على الملكية ، وامّا في المقام فيعتبر في اليد التي تكون أمارة على التذكية التصرّف المتوقّف عليها وذلك لأنّ مورد أخبار الاشتراء من السوق وجود هذا التصرّف لأنّ نفس المعرضية للبيع كاشفة عن التذكية لعدم صدورها من المسلم بالإضافة إلى الميتة وكذلك رواية إسماعيل ظاهرة في تعليق الجواز على رؤية الصلاة فيه فمجرّد كونه تحت يد المسلم أو استعماله في شيء ما ولو لم يكن مقتضى الدواعي النوعية طهارته مثل أن

الصفحة 699

يتخذ ظرفاً للنجاسة لا دليل على اماريته على وقوع التذكية عليه .

السادسة : انّ يد المسلم هل هي أمارة على التذكية مطلقاً حتّى فيما لو علم بمسبوقيتها بيد الكافر بل وبعدم فحص المسلم لكونه ممّن لا يبالي بكونه من ميتة أو مذكّى أو يكون أمارة فيما لم يكن كذلك سواء علم بالمسبوقية بيد مسلم آخر أم لم تعلم الحالة السابقة؟ وجهان بل قولان اختار المحقّق النائيني (قدس سره) وجماعة الثاني نظراً إلى منع الإطلاق في دليل الاعتبار لا من جهة اللفظ ولا من ناحية ترك الاستفصال .

امّا الأوّل فلكونها قضايا خارجية وردت في محلّ الحاجة وهي الجواب عمّا وقع عنه السؤال من الأيدي والأسواق الخارجية في تلك الأزمنة وليست من قبيل القضايا الحقيقية التي حكم فيها بالافراد مطلقاً ولو كانت مقدرة الوجود غير محقّقة ومن المعلوم انّ مثل ذلك لا إطلاق لها ولذا لا تكون متعارفة في العلوم ولا يكون شأن العلوم هو البحث عنها لكونها في قوّة الجزئية وإن كانت مسورة بكلمة «كلّ» مثل كلّ من في البلد مات .

وامّا الثاني فلأنّ منشأ الشكّ في كون المأخوذ مذكّى هو غلبة العامة على أسواق المسلمين لا كون أيديهم مسبوقة بأيدي الكفّار إذ لم يكن جلب الجلود من بلاد الشرك معمولا في ذلك الزمان وإنّما هو أمر حدث في هذه الأعصار فهذه الجهة مغفول عنها بالكلّية عند أذهان السائلين وفي مثله لا مجال لترك الاستفصال وجعله دليلا على الإطلاق لظهور الحال .

ويمكن الإيراد عليه ـ مضافاً إلى منع كون أدلّة اعتبار السوق بأجمعها قضايا خارجية فإنّ مثل حكم الإمام (عليه السلام) في رواية الفضلاء المتقدّمة بجواز الأكل إذا كان ذلك في سوق المسلمين قضية حقيقية يكون موضوعها سوق المسلم أعمّ من

الصفحة 700

الأفراد المحقّقة والمقدّرة ولذا لا نحتاج في التمسّك به إلى دليل الاشتراك من ضرورة أو إجماع ـ بأنّه لو سلم كون ذلك على نحو القضايا الخارجية نقول منشأ الشكّ في كون المأخوذ مذكّى لا ينحصر بغلبة العامّة على أسواق المسلمين بل كما اعترف به قبل ذلك ربّما كان المنشأ اختلاط أهل الذمّة بالمسلمين من اليهود والنصارى وغيرهما المقيمين في البلاد الإسلامية ، ومن الواضح انّ هذه الجهة لا تكون بمثابة موجبة للغفلة عنها خصوصاً مع التصريح في رواية إسماعيل المتقدّمة بأنّه إذا رأيتم المشركين يبيعون . . . حيث فرض كون البائع مشركاً بل لو بنى على كفر الخوارج والنواصب والغلاة يتحقّق منشأ آخر لتداول ذبحهم للحيوانات وأكلهم لها وبيع جلودها فاحتمال سبق يد الكافر على يد المسلم من الاحتمالات العقلائية غير المغفول عنها في مورد الروايات ، وعليه فلا مانع من استكشاف الإطلاق من جهة ترك الاستفصال فتدبّر .

السابعة : انّه كما تكون يد المسلم أمارة على التذكية فهل تكون يد الكافر أمارة تعبّدية شرعية على عدم التذكية أو انّ عدم اعتبارها لأجل عدم وجود الامارة على التذكية لا ثبوت الامارة على عدمها وجهان بل قولان أيضاً استظهر في الجواهر الأوّل وجعل الحكم بطهارة ما في يد المسلم المسبوقة بيد الكافر من باب تقديم إحدى الامارتين على الاُخرى لاقوائيتها أو اقوائية دليلها ، ولكن الظاهر هو الثاني لأنّ العمدة في هذه الجهة هو قوله (عليه السلام) في رواية إسماعيل المتقدّمة : عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، ولا دلالة له على ذلك لأنّ إيجاب السؤال والفحص لا يلازم مع كونه أمارة على العدم بل يجتمع مع عدم الامارية بل ربّما يقال : ظاهر الأمر بالسؤال هو عدم كونها أمارة على شيء لأنّ السؤال يناسب الجهل وعدم الامارة ولكنّه مردود بأنّ أمارية العدم على تقديرها تكون مجعولة

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>