الصفحة 701
بنفس إيجاب السؤال لا قبله حتّى لا يناسب السؤال مع وجود الامارة فتدبّر . وبالجملة فمثل هذه الرواية لا يستفاد منها أمارية العدم .
ثمّ إنّه على تقدير الاستفادة وثبوت الامارية لكلتا اليدين فالظاهر عدم كون دليلها بنحو يشمل صورة التعارض بل اللاّزم تخصيص دليل امارية يد المسلم بما إذا لم تكن مسبوقة بيد الكافر وكذا دليل أمارية يد الكافر بما إذا لم تكن مسبوقة بيد المسلم كما لا يخفى .
الثامنة : هل المصنوعية في أرض الإسلام امارة على وقوع التذكية مطلقاً ولو مع العلم بكون الصانع غير مسلم أو انّه أمارة عليه مع عدم العلم بكفر الصانع أو انّه ليس أمارة في عرض يد المسلم بل هو أمارة على الامارة كسوق المسلمين على ما عرفت من أنّه أمارة على كون البائع مسلماً وهو أمارة على التذكية؟ وجوه واحتمالات ناشئة من الاحتمالات الجارية في الرواية الواردة في هذا الباب وهي رواية إسحاق بن عمّار المعتبرة عن العبد الصالح (عليه السلام) انّه قال : لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام ، قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس .
والمراد من الجواب يحتمل أن يكون ما حكي عن الشهيد الثاني (قدس سره) من غلبة أفراد المسلمين وأكثريتهم بالإضافة إلى غير أهل الإسلام ويحتمل أن يكون غلبة المسلمين على الأرض وحكومتهم وسلطنتهم عليها كما رجّحه سيدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) مستظهراً ذلك من تعدية الغلبة بعلى .
فعلى الأوّل الذي مرجعه إلى أنّ الامارة أرض الإسلام أي ما كان تحت غلبة المسلمين ورياستهم بضميمة كون الغلبة العددية مع أفراد المسلمين تكون الامارة هي يد المسلم وما ذكر امارة على الامارة لأنّ الأكثرية طريق إلى استكشاف
الصفحة 702
مجهول الحال وإلاّ لا يترتّب عليها ثمرة ، فعلى ما قاله الشهيد لا تكون أرض الإسلام أمارة في رديف يد المسلم أصلا .
وعلى الثاني إن كان المراد هو كون المصنوعية في أرض الإسلام أمارة على التذكية ولو مع العلم بكون الصانع غير مسلم تصير المصنوعية أمارة مستقلّة في مقابل يد المسلم ، وإن كان المراد هو انّ المصنوعية فيها أمارة على كون الصانع مسلماً لأنّه يبني على إسلام من كان مجهول الحال في أرض الإسلام فيرجع أيضاً إلى اعتبار يد المسلم وكونها أمارة على التذكية ، غاية الأمر انّ الامارة على الامارة على هذا هو مجرّد المصنوعية في أرض الإسلام وعلى ما قاله الشهيد هو ذلك بضميمة كون الغلبة مع أفراد المسلمين كما لا يخفى .
هذا والظاهر ما قاله الشهيد لأنّ الظاهر دلالة الجواب على اعتبار أمر زائد على عنوان أرض الإسلام وإذا فسّرناه بغيره ينطبق على معنى أرض الإسلام ولا يكون أمراً زائداً عليها لأنّ معناها كما عرفت هو كون الغلبة والسلطنة عليها للمسلمين فلا يكون الجواب دالاًّ على أمر آخر بوجه .
وبعبارة اُخرى الضمير في قوله : إذا كان الغالب عليها ، يرجع إلى أرض الإسلام لا مطلق الأرض ولا معنى لتقييد أرض الإسلام بما يرجع إلى تفسيرها وحمل الجواب على التوضيح والتفسير مستبعد جدّاً ، بل الظاهر كونه ناظراً إلى اعتبار أمر زائد وهو لا ينطبق إلاّ على تفسير الشهيد وقد عرفت انّ مقتضاه انّه لا أصالة للمصنوعية في أرض الإسلام بل هي بضميمة الغلبة أمارة على كون الصانع مسلماً ، نعم مقتضى ذلك اعتبار إسلام الصانع من دون فرق بين أن يكون البائع أيضاً مسلماً وبين أن لا يكون كذلك .
التاسعة : هل المطروحة في أرض الإسلام أمارة على وقوع التذكية على
الصفحة 703
المطروح أو على الامارة عليه أو انّها لا تكون امارة أصلا إلاّ إذا كان عليه أثر استعمال المسلم وجريان يده عليه ، ومن المعلوم انّه ـ حينئذ ـ يرجع إلى اعتبار يد المسلم وأماريتها .
والدليل في هذا البحث رواية السكوني المتقدّمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن ، قيل له : يا أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال : هم في سعة حتى يعلموا .
ويجري في معنى الرواية احتمالات :
أحدها : أن تكون الرواية بصدد بيان أصالة الطهارة عند الشكّ في النجاسة ومنشأ الشكّ عدم العلم بكون السفرة لمسلم أو مجوسي من جهة ملاقاة المجوسي ، وعليه فالمراد بقوله (عليه السلام) : هم في سعة حتّى يعلموا ، هو التوسعة من جهة الطهارة إلى حصول العلم بالنجاسة .
ثانيها : أن تكون الرواية بصدد بيان أمارة المطروحية في أرض الإسلام على وقوع التذكية على الحيوان المأخوذ منه اللحم الموجود في السفرة ومنشأ الشكّ احتمال كونها لمجوسي وهو لا يراعي شرائط التذكية المعتبرة في الإسلام ولا يجتمع هذا الاحتمال مع ذكر مثل الخبز والبيض في رديف اللحم لعدم الشكّ فيه من هذه الجهة كما هو ظاهر .
ثالثها : أن تكون الرواية بصدد بيان انّ الحكم في مورد الشكّ في الحلّية مطلقاً هي الحلية وهو الإباحة ومنشأ الشكّ احتمال عدم رضا المالك بالتصرّف فيها .
والاستدلال بها على الامارية متوقّف على كون المراد بها هو الاحتمال الثاني ،
الصفحة 704
ومن الواضح عدم ظهور الرواية فيه لو لم نقل بظهورها في غيره لما مرّ من عدم ملائمته مع ذكر مثل الخبز والبيض إلاّ أن يقال : بأنّ السؤال الثاني في الرواية لا يرتبط بما هو محطّ النظر في السؤال الأوّل ، بل يمكن أن يكون من شخص آخر لا من السائل الأوّل ، وعليه فيمكن دعوى كون الثاني ناظراً إلى خصوص اللحم من جهة التذكية وعدمها فالحكم بالتوسعة إلى أن يعلم بكونه من مجوسي دليل على أمارية المطروحية في أرض الإسلام ولكن هذه الدعوى لا توجب ظهور الرواية فيها وإن كانت تصلح لأن يجاب بها عن الإشكال الوارد على الاحتمال الثالث وهو انّه يوجب طرح الرواية إذ لم يذهب أحد إلى الإباحة عند الشكّ فيها من هذه الجهة فإنّ الإباحة ـ حينئذ ـ إنّما هي لأجل وجود الأمارة لا لمجرّد الشكّ كما لايخفى .
العاشرة : المشهور انّ يد المسلم أمارة على التذكية مطلقاً حتّى مع العلم بكونه مستحلاًّ للميتة بالدباغ وقيل باختصاص الامارية بما إذا علم بكونه غير مستحلّ لها به ، وعن جملة من الكتب كالمنتهى ونهاية الأحكام التفصيل بين ما لم يعلم باستحلاله فتكون يده أمارة وما علم بكونه مستحلاًّ فلا تكون كذلك وهنا قول رابع وهو التفصيل بين ما إذا أخبر بالتذكية ولو كان مستحلاًّ وبين ما إذا لم يخبر فتكون يده أمارة في الأوّل دون الثاني .
ويدلّ على المشهور المطلقات المتقدّمة في السوق الناظرة إلى هذه الجهة وهي كون المسلم غير عارف مستحلاًّ للميتة نوعاً وهي كالصريحة في الشمول لذلك خصوصاً بعد ملاحظة كون منشأ الشكّ للسائل الباعث له على السؤال ذلك ومرسلة ابن الجهم المتقدّمة ناظرة إلى هذه الجهة وانّ الضيق الواقع فيه السائل وحكمه (عليه السلام)بأنّه يرغب عمّا كان يفعله إمامه (عليه السلام) إنّما هو لأجل ذلك ، هذا مضافاً إلى التصريح بعدم اعتبار المعرفة بالإمامة في رواية إسماعيل المتقدّمة فالإنصاف انّه مع
الصفحة 705
ملاحظة الروايات والتأمّل فهيا لا يبقى ارتياب في انّ أمارية يد المسلم أمارية تعبّدية مجعولة لغرض التسهيل والتوسعة وعمدة النظر فيها كون البائع مسلماً غير عارف خصوصاً في زمن الصادقين (عليهما السلام) الذي شاع فيه فتوى أبي حنيفة واستحلاله للميتة وكثر متابعوه ومع ذلك حكم في الروايات بالامارية والاعتبار .
وامّا القول الثاني فيدلّ عليه رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الفراء فقال : كان علي بن الحسين (عليه السلام) رجلا صرداً لا يدفئه فراء الحجاز لأنّ دباغها بالقرظ فكان يبعث إلى العراق فيؤتى ممّا قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه فكان يسئل عن ذلك فقال : إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميتة ويزعمون انّ دباغه زكاته .
وتقريب الاستدلال بها انّ موردها صورة الشكّ في كون البائع مستحلاًّ لظهور عدم اعتماده (عليه السلام) في هذه الجهة إلى علم الغيب الثابت له ، ومن الواضح عدم كون جميع أهل العراق مستحلّين بل كان فيهم من المسلمين العارفين أيضاً فالرواية ناظرة إلى صورة الشكّ وحاكمة بعدم جواز الاعتماد على يده لأنّه (عليه السلام) كان يلقى في حال الصلاة الفراء المأتي إليه من العراق وكذا يلقي القميص الذي يليه فالرواية دالّة على عدم الامارية مع الشكّ .
ويرد على الاستدلال بها ـ مضافاً إلى ضعف السند ـ إجمالها من حيث الدلالة لأنّه (عليه السلام) كان يجمع ـ على طبق الرواية ـ بين اللبس والانتفاع وبين الإلقاء المذكور مع أنّه على تقدير عدم الامارية لا يجوز الانتفاع به أصلا ولو في غير حال الصلاة .
ودعوى كون لبسه إنّما هو لأجل الضرورة المسوغة له كما يشعر به قوله : كان رجلا صرداً أي شديد التألّم من البرد وعدم كون فراء الحجاز دافئاً .
مدفوعة بوضوح عدم كون الضرورة بالغة إلى حدّ يجوز معه المحرم ، كما انّ
الصفحة 706
دعوى الفرق بين اللبس وبين الصلاة لأجل نفس هذه الرواية كما ربّما نسب إلى إشعار بعض الكتب مدفوعة أيضاً مضافاً إلى كونها خلاف الإجماع بأنّها توجب عدم انطباق الدليل على المدعى فالإنصاف إجمال الرواية من حيث الدلالة ولا يرفعه احتمال كون الإلقاء احتياطاً من الإمام (عليه السلام) في حال الصلاة وإن كان هذا الاحتمال مخالفاً لمدّعى المستدلّ إلاّ انّه أيضاً لا يكون صحيحاً لعدم انحصار احتياط الإمام (عليه السلام) بالصلاة كما لا يخفى .
هذا كلّه مضافاً إلى مخالفة الرواية للمطلقات المتقدّمة الدالّة على الامارية مع العلم بالاستحلال فضلا عن الشكّ كما عرفت .
وامّا القول الثالث فعمدة الدليل عليه ، ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها : أليس هي ذكية؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكية؟ فقال : لا ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انّها ذكية ، قلت : وما أفسد ذلك؟ قال : استحلال أهل العراق للميتة وزعموا انّ دباغ جلد الميتة ذكاته ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلاّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) . فإنّ موردها صورة العلم بكون البائع مستحلاًّ و ـ حينئذ ـ فالحكم بعدم جواز البيع بشرط التذكية دليل على عدم كون يده أمارة عليها وإلاّ فلا وجه لعدم جواز البيع كذلك كما هو ظاهر .
ويرد عليه انّه لو لم تكن يده أمارة على التذكية فلم كان الاشتراء منه جائزاً كما هو المفروغ عنه عند السائل وقد قرّره الإمام (عليه السلام) على ذلك فالحكم بالجواز دليل على وجود الامارة وامّا عدم جواز الاشتراط فليس لأجل عدم ثبوت الامارة بل إنّما هو لأجل كون الامارة غير كافية في مثله لظهوره في ثبوت التذكية وجداناً
الصفحة 707
وعدم كفاية إحرازها بحكم الامارة كما في سائر الشرائط وكما في مثل الشهادة بناء على عدم جواز الاستناد فيها إلى الامارة ، نعم يبقى الإشكال في أنّ مقتضى ما ذكرنا عدم جواز الاشتراط ولو لم يكن البائع مستحلاًّ مع أنّ مقتضى ذيل الرواية انّ الموجب لعدم جواز الاشتراط استحلال البائع الأوّل للميتة فتدبّر .
وامّا القول الرابع فقد استدلّ له برواية محمد بن الحسين الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال : إذا كان مضموناً فلا بأس . والمراد من الضمان هو الاخبار والإعلام بالتذكية لا التعهّد المتضمّن لقبول الخسارة والظاهر ـ حينئذ ـ انّ عدم البأس مشروط بالإعلام .
والجواب : انّه مع ظهور الروايات المتقدّمة بل صراحة بعضها في عدم لزوم السؤال والاستعلام من البائع ، ومن الواضح انّ ذلك إنّما هو لأجل عدم اعتبار الجواب والإعلام وإلاّ فلابدّ من الاستعلام لا يبقى مجال للأخذ بهذه الرواية فلابدّ من الحمل على الاستحباب والفرق بين صورتي الإعلام وعدمه من هذه الجهة كما لا يخفى .
الصفحة 708
وامّا غير المأكول فلا تجوز الصلاة في شيء منه وإن ذكّى من غير فرق بينما تحلّه الحياة منه أو غيره ، بل تجب إزالة الفضلات الطاهرة منه كالرطوبة والشعرات الملتصقة بلباس المصلّي وبدنه 1 .
1 ـ من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي أن لا يكون من أجزاء الحيوان الذي لا يحلّ أكل لحمه واعتباره فيه من متفرّدات الإمامية خلافاً لسائر فرق المسلمين حيث لم يتعرّضوا لهذه المسألة في كتبهم مع كونها ممّا يعمّ به البلوى .
والأخبار الواردة في هذا المقام وإن كان أكثرها لا يخلو من علل الحديث من ضعف أو إرسال أو غيرهما إلاّ انّ ذلك لا يوجب الإشكال في أصل الحكم بعد ذهاب الأصحاب من السلف إلى الخلف في قبال سائر المسلمين إلى ثبوته وبعد الإجماعات المنقولة في الكتب الكثيرة عليه ، هذا مع وجود رواية معتبرة وهي موثقة ابن بكير قال : سأل زرارة أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتاباً زعم انّه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) : انّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله ، ثمّ قال : يا زرارة هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحفظ ذلك يا زرارة ، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت انّه ذكي وقد ذكّاه الذبح ، وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله فحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد ذكّاه الذبح أو لم يذكه . والظاهر كون ابن بكير ثقة وإن ضعّفه المحقّق في محكي المعتبر لتصريح الشيخ (قدس سره) به في الفهرست ، وكذا ابن شهرآشوب وقال الكشي هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، وقال الشيخ (قدس سره) في محكي العدّة : عملت الطائفة بأخباره هذا مع انّ الراوي عنه في هذه
الصفحة 709
الرواية هو ابن أبي عمير الذي اشتهر اعتبار مراسيله فضلا عن مسانيده ومع استناد الكلّ في الفتوى بهذا الحكم المخالف للقاعدة ولسائر فرق المسلمين إليها فلا يبقى موقع للإشكال في الرواية من حيث السند ، وامّا استشكال صاحب المدارك في المسألة فإنّماهو مبني على مذهبه من اختصاص حجّية الخبر الواحد بالصحيح الاعلائي وعدم حجّية غيره وإن كان موثقاً معتبراً عند غيره ، كما انّ التكرار الواقع في قوله : إنّ الصلاة . . . والحزازة الواقعة في قوله : لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي . . . وغير ذلك من الجهات المخالفة للفصاحة يشعر بأنّ الرواية منقولة بالمعنى وانّ الراوي لم يضبط الألفاظ الصادرة من الإمام (عليه السلام) ولكنّه لا يوجب إشكالا في الاستدلال بها بعد معلومية المضمون الصادر منه (عليه السلام) . وبالجملة بعد ملاحظة ما ذكرنا الاشكال في أصل المسألة ممّا لا ينبغي أن يصدر من الفقيه أصلا .
وإنّما الإشكال في فروع المسألة وانّه هل يكون اعتبار هذا الأمر منحصراً بلباس المصلّي وهو ما يلبسه المصلّي ويكون محيطاً به كالقميص وغيره أو يشمل مثل التكة والجورب والقلنسوة ونحوها ممّا يصدق عليه اللباس ولا يكون محيطاً بالشخص اللاّبس له ، أو يعمّ ما ذكر وما إذا لم يكن لباساً ولكن كان لباسه ملاصقاً وملابساً معه كما إذا كان على ثوبه رطوبة غير المأكول أو بعض شعراته ، أو يعمّ ما ذكر وما إذا كان محمولا للمصلّي ومستصحباً له أيضاً؟ وجوه والمحكي عن ظاهر المشهور هو الأخير وعن الشهيدين اختصاص المنع بما إذا كان لباس المصلّي من أجزائه بل نقل عنهما انّ عدم شمول دليل المنع لما إذا صلّى في الثوب الذي القي عليه شعراته وجواز الصلاة فيه من المقطوع به .
ويدلّ على المشهور الموثقة المتقدّمة نظراً إلى صدق الصلاة في أجزاء غير المأكول في جميع الفروض .
الصفحة 710
واستشكل عليهم بأنّ ظاهر كلمة «في» في قوله (صلى الله عليه وآله) : فالصلاة في وبره . . . هي الظرفية كما هو الأصل في معنى الكلمة ولازمه كون أجزاء غير مأكول اللحم بحيث يكون ظرفاً للمصلّي ومحيطاً به وهو لا يصدق فيما إذا ألقى على ثوبه وبره أو شعره فضلا عمّا إذا كان مستصحباً لهذه الاُمور من دون لبس .
وعن البهبهاني (قدس سره) انّه أجاب عن هذا الإشكال بما حاصله : انّ كلمة «في» في الرواية ليست للظرفية لامتناع اعتبار كون البول والروث ظرفاً للمصلّي فلابدّ من أن يراد منها المصاحبة ومعه يتمّ الاستدلال ثمّ أورد على نفسه بأنّ اعتبار الظرفية في الروث والبول إنّما هو بملاحظة تلطّخ الثوب أو البدن بواحد منهما فكأنّه قيل الصلاة في الثوب المتلطّخ بأحدهما فاسدة ، وعليه فلا يشمل ما إذا كان شيء من أجزاء غير المأكول محمولا للمصلّي ولا يدلّ على المنع فيه ثمّ أجاب بأنّ ذلك المعنى مستلزم للاضمار والحذف بخلاف ما ذكرنا في معناه فإنّه مستلزم للمجازية وقد قرّر في الاُصول تقدّم الثاني على الأوّل فيما إذا دار الأمر بينهما .
وربما احتمل أن يقال بإمكان اعتبار الظرفية فيما إذا تلطّخ الثوب بهما بملاحظة ملابسة الثوب معهما فكأنّهما صارا جزئين للثوب فهو نظير ما إذا كان بعض الثوب من أجزاء غير المأكول دون البعض الآخر .
والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ ظهور كلمة «في» في الموثقة في الظرفية كما هو الأصل في معناها باق على حاله من دون تصرّف فيه ولا استحالة ولكن لابدّ من ملاحظة انّ المظروف هل هي الصلاة أو المصلّى والاعضال والإشكال في المقام إنّما نشأ من تخيّل الثاني ولزوم اعتبار كون جزء غير المأكول ظرفاً للمصلّي ولأجله حكم بالامتناع لعدم إمكان مثل الروث والبول ظرفاً للمصلّي أو باتساع دائرة الظرفية وثبوت المراتب لها كما في تقريرات المحقّق النائيني (قدس سره) مع انّ الرواية ظاهرة
الصفحة 711
في تعلّق الظرفية بالصلاة حيث قال : إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله . . . والظاهر انّ الظرفية للصلاة أوسع من الظرفية للمصلّي الظاهرة في الاشتمال عليه فإنّ لا يعتبر في الظرفية للصلاة الاشتمال والإحاطة بوجه والشاهد على ذلك مضافاً إلى وضوحه في نفسه وثبوت الفرق بين الظرفيتين ملاحظة الروايات الواردة في الموارد المختلفة حيث استعمل فيها كلمة الظرفية من دون ثبوت اشتمال أصلا كما في الرواية الواردة في الصلاة في السيف إذ لم ير فيه دم فإنّها ظاهرة في كون السيف ظرفاً للصلاة مع عدم كونه ظرفاً للمصلّي وكما في الرواية الواردة فيما لا تتمّ فيه الصلاة في مسألة النجاسة وهي مرسلة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك . فإنّه مع كون المفروض في الموضوع هو كلّ ما كان على الإنسان أو معه قد عبّر في الحكم بنفي البأس عن الصلاة فيه وجعل الكلّ ظرفاً للصلاة فيستفاد منه سعة دائرة الظرفية فيما إذا كان المظروف هي الصلاة وكذلك الروايات الاُخر .
فانقدح ممّا ذكرنا ظهور الموثقة في مذهب المشهور واعتبار عدم كون ما على اللباس من أجزاء غير المأكول أيضاً وكذلك ما مع المصلّي ممّا يكون مستصحباً ومحمولا ، ويؤيّده بل يدلّ عليه أيضاً التعبير في الموثقة بعد الوبر والبول والشعر والروث والجلد بكلّ شيء منه ، ومن الواضح شمول العموم لمثل العظم أيضاً مع أنّ الصلاة في عظم غير المأكول لا يتصوّر إلاّ بأن يكون محمولا للمصلّي امّا في يده مثلا أو في كيسه وليس العظم مثل الروث والبول حتى يجري فيه احتمال كون تلطّخ الثوب بهما موجباً لصدق الاشتمال والظرفية كما لا يخفى ، فالإنصاف تمامية دلالة الموثقة على مذهب المشهور .
الصفحة 712
ويدلّ عليه أيضاً في الجملة ما رواه الشيخ (قدس سره) باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عمر بن علي بن عمر بن يزيد عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب : لا تجوز الصلاة فيه . ورواية محمد بن أحمد بن يحيى عن عمر المذكور يكفي في وثاقته بعد عدم كونه ممّن استثناه القمّيون ممّن روى عنه محمد كما هو ظاهر .
ولا يعارض هذه الرواية صحيحة محمد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكياً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله . لأنّه ليس المراد بالذكي الذي قيد به الوبر هو كون الوبر مأخوذاً من الحيوان المذكّى في مقابل الميتة لما عرفت من جواز الصلاة فيما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة والوبر ممّا لا تحلّ بلا إشكال ، كما انّه ليس المراد به هي الطهارة في مقابل النجاسة للفرق في باب مانعية النجاسة بين ما تتمّ الصلاة فيه وحده وما لا تتمّ والقلنسوة من الثاني وإن كان جميعها من الوبر على خلاف ما هو ظاهر السؤال فاللاّزم أن يكون المراد بالذكي هو المذكّى المتّصف بكونه من مأكول اللحم ويؤيّده رواية علي بن أبي حمزة المتقدّمة المشتملة على قوله : قلت : أوليس الذكي ما ذكّي بالحديد؟ قال : بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه . بناء على كون القيد داخلا في معنى الذي لا معتبراً زائداً على التذكية وعلى هذا المعنى لا تكون الصحيحة معارضة للموثقة والمكاتبة لكن يبعد هذا المعنى انّ الجواب بالحلّية فيما إذا كان الوبر من المأكول مع كون السؤال عن وبر غير المأكول لا يناسب السؤال خصوصاً مع كون الجواب في الحرير إنما هو بالنفي ، إلاّ أن يقال : إنّ ذكر الأرانب في السؤال مع التصريح بالعموم قبله يشعر بعدم وضوح حكمها للسائل
الصفحة 713
ولعلّه يحتمل فيها الكراهة دون الحرمة فتأمّل .
وكيف كان فعلى تقدير ظهور الصحيحة في خلاف ما تدلّ عليه الموثقة والمكاتبة لابدّ من الأخذ بهما دونها لموافقتهما لفتوى المشهور ومخالفتهما للعامة كما عرفت .
بقي في هذا المقام اُمور :
الأوّل : نقل العلاّمة في محكي المختلف عن الشيخ (قدس سره) انّه خصّ المنع عن الصلاة في أجزاء غير المأكول بما إذا كان ما يصلّي فيه ممّا تتمّ الصلاة فيه منفرداً خلافاً لما اختاره في النهاية م التعميم وعدم الفرق بينه وبين ما لا تتمّ فيه الصلاة كذلك ، واستدلّ على التخصيص بأنّه قد ثبت للتكة والقلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصلاة فيهما وإن كانا نجسين أو من حرير محض فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب وغيره .
وظاهر كلامه وإن كان هو الاستدلال بالقياس الذي ليس من مذهب الإمامية وأجمعوا على عدم اعتباره إلاّ انّه يجري فيه احتمالان آخران :
أحدهما : أن يكون مراده الاستدلال بالاستقراء بتقريب انّ مراجعة الأدلّة المانعة عن الصلاة في النجس أو في الحرير المحض الشاملة بإطلاقها لجميع الموارد بعد قيام القرينة المنفصلة على الاختصاص بما تتمّ فيه الصلاة منفرداً تقتضي الحكم بأنّ مراد الشارع من المطلقات الواردة في غير النجس والحرير هو المقيّد فلا دلالة لها على المنع في غير ما تتمّ .
والجواب : انّ الاستقراء لا يكون حجّة ما لم يفد القطع لافتقار الظنّ إلى قيام الدليل على حجّيته كما حقّق في محلّه مع أنّ تحقّقه غير معلوم; لأنّ التفصيل في الميتة غير متحقّق وفي الحرير محلّ البحث كما سيأتي إن شاء الله تعالى فأين يتحقّق الاستقراء؟
الصفحة 714
ثانيهما : أن يكون مراده الاستدلال بما ورد في الحرير الدالّ على الفرق بينهما في الحكم ، الشامل بعمومه للمقام وهو ما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب عن كتاب سعيد بن عبدالله الأشعري عن موسى بن الحسن ـ وهو من أكابر أصحاب الحديث من الطبقة الثامنة ـ عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الابريسم والقلنسوة والخفّ والزنار يكون في السراويل ويصلّى فيه . بناء على أن يكون قوله (عليه السلام) : مثل التكة الابريسم كما يكون مثالا لما لا تتمّ الصلاة فيه وحده كذلك يكون مثالا للمانع من دون أن يختص ذلك بالابريسم ففي الحقيقة يكون المراد أن كلّ ما يكون مانعاً من الصلاة فيما تتمّ الصلاة فيه من كونه نجساً أو حريراً محضاً أو من أجزاء غير المأكول فهو لا يكون مانعاً بالإضافة إلى ما لا تتمّ فالرواية تدلّ على قاعدة كلّية وضابطة عامّة .
ويرد على الاستدلال بالرواية أوّلا : انّها ضعيفة من حيث السند لاشتماله على أحمد بن هلال الذي ضعفه كثير من علماء الرجال وقد ورد في مذمّته التوقيع من الناحية المقدّسة بقوله (عج) : اخذروا الصوفي المتصنّع . . . ولا يقاوم ما ذكر وقوعه في بعض أسانيد تفسير علي بن إبراهيم الذي التزم مؤلّفه بعدم النقل فيه إلاّ عن المشايخ والثقات من الأصحاب لعدم مقاومة التوثيق العام مع الجرح الخاص فضلا عن الجروح المتعدّدة والتضعيفات المتكثّرة فالرواية من حيث السند غير معتبرة .
وثانياً : انّها معارضة ـ مضافاً إلى الموثقة المتقدّمة الظاهرة بل الصريحة في المنع عن الصلاة فيما إذا كان مع المصلّي بول غير المأكول أو روثه والقول بالمنع فيه والجواز فيما إذا كان القلنسوة بأجمعها من أجزائه ممّا لا يحتمله أحد ، وكيف يحتمل الفرق بين القلنسوة الكذائية وبين ما إذا كان على القلنسوة المصنوعة من أجزاء
الصفحة 715
المأكول وبر من غيره بجواز الصلاة في الاُولى دون الثانية مع الروايات التي تدلّ بعضها على المنع في خصوص الحرير وبعضها الآخر عليه في جزء غير المأكول ولنقتصر منها على روايتين إحداهما واردة في الحرير والاُخرى في المقام .
امّا الاُولى فهي رواية محمد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض .
وامّا الثانية فهي ما رواه علي بن مهزيار قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب : لا تجوز الصلاة فيها .
وقد ظهر ممّا ذكرنا انّهه لا مجال لهذا التفصيل وانّ المنع عن الصلاة في أجزاء غير المأكول عام يشمل ما لا تتمّ أيضاً .
الثاني : انّه لا إشكال في عدم اختصاص المنع عن الصلاة في أجزاء غير المأكول بالاجزاء التي تحلّها الحياة للتصريح في الموثقة وغيرها بالمنع عن الصلاة في الوبر والشعر وغيرهما من الأجزاء التي لا تحلّها الحياة بل بالمنع عن الصلاة في روثه وبوله مع انّهما خارجان عن الحياة النباتية أيضاً .
كما انّه لا إشكال في عدم اختصاص المنع بالحيوان الذي كان له جميع المذكورات في الموثقة من الوبر والشعر وغيرهما بحيث لو لم يكن لبعض ما لا يحلّ أكله وبر مثلا لم يكن هنا مانع من الصلاة في أجزائه ضرورة انّه لا دلالة لذكرها في الموثقة على الانحصار بل ولا يحتمله العرف الذي هو الحاكم في بيان مفاد الخطابات الشرعية .
وكذا لا يختص المنع بالحيوان الذي قد يزهق روحه بالتذكية وقد يزهق بغيرها كما ربّما يمكن أن يتوهّم من قول الإمام (عليه السلام) في الموثقة : ذكّاه الذبح أو لم يذكه وذلك
الصفحة 716
لظهورها في أنّ المناط مجرّد كونه جزء لغير المأكول وصلاحيته للتذكية لا دخالة لها في هذا المناط لو لم نقل بعدم ملائمتها له مع أنّ صلاحية التذكية إنّما تتحقّق على القول بأنّ التذكية عبارة عن الاُمور المعروفة بضميمة القابلية المتحقّقة في بعض الحيوانات وهو غير ثابت بل الظاهر انّها عبارة عن نفس تلك الاُمور ولا فرق بين الحيوانات من هذه الجهة والتحقيق في محلّه .
الثالث : هل المنع عن الصلاة في أجزاء غير المأكول يختص بما إذا كان له نفس سائلة أو يعمّ ما لا نفس له أيضاً وجهان ظاهر الفتاوى هو الثاني حيث لم يتعرّضوا للاختصاص مع كون ما لا نفس له أيضاً مورداً للابتلاء كالحيتان المحرّمة خصوصاً مع التعرّض له في مسألة النجاسة وكذا في مسألة الميتة وإن كانت مورداً للاختلاف على ما تقدّم ويدلّ على التعميم إطلاق موثقة ابن بكير التي هي الأصل في هذا المانع ودعوى انصرافه إلى خصوص ما له نفس خالية عن الشاهد ، نعم ربّما يناقش في الإطلاق من جهة اُخرى مذكورة في المستمسك بقوله : «وفيه انّ الإطلاق الذي يصحّ الاعتماد عليه غير متحصّل إذ العمدة في النصوص الموثق وما في ذيله من قوله (عليه السلام) : ذكّاه الذبح أو لم يذكه يصلح قرينة على اختصاصه بما له نفس لاختصاصه بتذكية الذبح ، واحتمال كون المراد التعميم لغير ذي النفس يعني سواء كانت تذكيته بالذبح أم بغيره مندفع بأنّ الظاهر من مقابلة هذه الفقرة بما قبلها من قوله (عليه السلام) : إذا علمت انّه ذكى قد ذكاه الذبح أن يكون المراد ذبح أم لم يذبح فظهور اختصاص هذه الفقرة بما يكون ذكاته بالذبح لا ينبغي أن ينكر فلا يصلح ما قبلها لإثبات الحكم» .
ويدفع هذه المناقشة وضوح كون الذبح المأخوذ في ناحية المأكول مذكوراً بعنوان المثال ضرورة جواز الصلاة في المأكول المذكّى بالنحر أو بغيره كإخراجه من الماء حيّاً وموته خارج الماء وقرينة المقابلة تقتضي أن يكون المراد بالذبح في
الصفحة 717
قوله : ذكّاه الذبح أم لم يذكه أيضاً كذلك ، فالمراد من هذا القول هو ذكي أم لم يذك والوجه في اختيار الذبح بعنوان المثال إنّما هو غلبة كون التذكية به وكونه مورداً للابتلاء فإطلاق الموثقة باق على حاله وليس فيها ما يوجب التزلزل فيه أصلا .
ويؤيّد التعميم استثناء الخز ممّا لا يؤكل لحمه مع أنّه من الحيوانات البحرية التي ليس لها نفس سائلة لما نقله الشهيد الثاني (قدس سره) من أنّ الحيوانات المائية كلّها ممّا لا نفس لها إلاّ التمساح فاستثناء الخز دليل على شمول المستثنى منه لما لا نفس له أيضاً لظهوره في كونه على سبيل الاستثناء المتصل فالإنصاف انّه لا مجال للتشكيك في التعميم .
الرابع : هل المنع المذكور يختص بذوات اللحم من غير المأكول أو يشمل ما لا لحم له أصلا كالبق والقمل والذباب والبرغوث ونحوها وجهان : من ثبوت الإطلاق في الموثقة المتقدّمة ودعوى انّه لا إطلاق لها لقوله (عليه السلام) فيها : فإن كان ممّا يؤكل لحمه فإنّه يصلح قرينة على اختصاص قوله (عليه السلام) : حرام أكله ، وقوله (عليه السلام) : ممّا قد نهيت عن أكله بما كان له لحم ، مدفوعة بأنّ الموثقة متضمّنة لنقل كلام النبي (صلى الله عليه وآله)على ما في كتابه ولكلام الإمام (عليه السلام) عقيبه بصورة التفريع بكلمة فاء التفريعية ، ومن المعلوم ثبوت الإطلاق في كلام النبي (صلى الله عليه وآله) في كلتا الجهتين : المأكول وغيره ومفاده انّ المناط في إحدى الجهتين : المأكول وغيره ومفاده انّ المناط في الجهتين حرمة أكل الحيوان سواء كان ذا لحم أم لم يكن وفي الجهة الاُخرى حليته كذلك ولا وجه لتقييده بالأوّل بعد تعارف أكل الثاني أيضاً كما في الجراد وغيره ، وامّا كلام الإمام (عليه السلام) فقد تضمّن ذكر اللحم في خصوص محلّل الأكل وهو لا يصلح لرفع اليد عن الإطلاق ولا يوجب تقييده لعدم وجود قرينة على كون بيان الإمام (عليه السلام) ناظراً إلى جميع ما تضمّنه كلام النبي (صلى الله عليه وآله) والتفريع لا يستلزم ذلك خصوصاً مع عدم
الصفحة 718
التعرّض فيما هو محلّ الكلام لذكر اللحم فالإطلاق من هذه الناحية لا مجال للمناقشة فيه بل من الناحية الاُخرى أيضاً وذكر اللحم إنّما هو لأجل الغلبة لا للاختصاص .
ومن وضوح جواز الصلاة في موارد كثيرة ممّا لا لحم له والالتزام بكون الجواز فيها على خلاف القاعدة مشكل جدّاً فقد قامت السيرة القطعية على الصلاة في القمل ونحوه من هوام البدن وعلى عدم الاجتناب فيها عن دم البق والبرغوث وعلى عدم المواظبة على أن لا يجلس عليه الذباب في حال الصلاة وعلى عدم الاجتناب فيها عن العسل مع انّه جزء من حيوان غير مأكول ليس له لحم وقد دلّ الدليل على جواز صلاة الرجال في الحرير الممتزج والنساء فيه وإن كان خالصاً مع أنّه هو الابريسم الذي يكون جزء من حيوانه ، ومن المعلوم انّه لا فرق في المقام بين الرجل والمرأة كما انّه لا فرق فيه بين الخالص والممزوج وقد ورد في بعض الاُمور المذكورة النص أيضاً ، ففي صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال : لا وإن كثر . . . وفي صحيحة علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الصلاة في القرمز وانّ أصحابنا يتوقّفون عن الصلاة فيه فكتب : لا بأس به مطلق والحمد لله . وقال الصدوق بعد نقل الرواية : وذلك إذا لم يكن القرمز من ابريسم محض والذي نهى عنه ما كان من ابريسم محض .
وبالجملة فالالتزام بأنّ الجواز في مثل الاُمور المذكورة إنّما هو لقيام الدليل على خلاف القاعدة في غاية الإشكال فالإنصاف عدم كون الحكم ثابتاً بنحو الإطلاق من الأوّل وانّ الحكم يختص بذوات اللحم من غير المأكول .
الخامس : لا إشكال في جواز الصلاة مع الفضلات الطاهرة من الإنسان فيما إذا
الصفحة 719
كان لنفس المصلّي كشعره المنفصل عنه وظفره وسنّه ولعابه كذلك امّا لثبوت الانصراف في مثل الموثقة من الأدلّة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول بدعوى انّ موضوعها الحيوان وهو يغاير الإنسان عرفاً وإن كان نوعاً منه عقلا ، وامّا للسيرة القطعية القائمة على عدم اجتناب المصلّي عن أجزاء نفسه المنفصلة عنه ، وامّا لما رواه الصدوق باسناده عن علي بن الريان بن الصلت انّه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره ثمّ يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه ، فقال : لا بأس .
وبالجملة فالإشكال في هذا الفرض ممّا ليس له مجال .
وامّا إذا كان من غير المصلّي فالظاهر فيه الجواز أيضاً لجريان الانصراف المذكور فيه وثبوت السيرة على مباشرة النساء لفضلات الأطفال بالرضاع وغيره والصلاة في الثوب المستعار مع عدم انفكاكه غالباً من عرق لابسه أو لعابه ونحوه خصوصاً في الصيف ، والروايات الواردة في موارد مختلفة الدالّة على عدم البأس مثل ما ورد في البزاق يصيب الثوب قال : لا بأس به بناء على اقتضاء إطلاقه للشمول لبزاق الغير أيضاً وما دلّ على أنّه لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلّي أو ترضعه وهي تشهد وما دلّ على جواز أخذ سنّ الميّت وجعله مكان سنّه وما ورد في القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن من أنّه لا بأس به على المرأة ما تزيّنت به لزوجها ، وفي خبر آخر يكره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها ، وفي ثالث : إن كان صوفاً فلا بأس وإن كان شعراً فلا خير فيه من الواصلة والموصولة .
والعمدة في الروايات ما رواه الشيخ (قدس سره) باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن الريان قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) : هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه
الصفحة 720
شعر من شعر الإنسان وأظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقّع : يجوز . حيث إنّ مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين المصلّي وغيره من سائر أفراد الإنسان .
ولكن حيث إنّ الظاهر اتحاد هذه الرواية مع الرواية المتقدّمة التي رواها الصدوق بمعنى عدم كون السؤال والجواب متعدّداً بل الظاهر انّ علي بن الريان سئل عن حكم المسألة مرّة واحدة واُجيب بجواب واحد و حينئذ فيشكل التعميم لما إذا كان مع المصلّي شعر غيره لأنّه لا يعلم انّ الحكم بالجواز كان جواباً عن السؤال بهذا النحو لاحتمال كونه جواباً عن السؤال بالنحو الآخر المتضمّن لما إذا كان مع المصلّي شعر نفسه أو ظفره ولكن في بقية الأدلّة خصوصاً الانصراف كفاية .
بقي الكلام في الفرع الذي ذكره في الجواهر وحكم فيه بالمنع مع تسليم الانصراف وهو ما لو عمل من شعر الإنسان ما يصدق عليه اللباس عرفاً ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين شعر المصلّي وغيره وقد ذكر في وجهه انّ المنع ليس لأجل وجود المانع بل لانتفاء الشرط لاعتبار المأكولية فيما يصلّى فيه .
ويرد عليه بعد توضيحه بأنّ المراد من اعتبار المأكولية هو اعتبارها فيما إذا كان اللباس من أجزاء الحيوان ضرورة انّه لا مانع من الصلاة في غير أجزاء الحيوان كاللباس المأخوذ من القطن مثلا ظهور الأدلّة في المانعية كما مرّت الإشارة إليه وسيمرّ عليك تفصيلا ولا يكاد تجتمع المانعية مع الشرطية بحيث كان هناك اعتباران وجعلان من الشارع للزوم اللغوية وعدم الفائدة في أحد الاعتبارين مع انّه على تقدير تسليم إمكان الاجتماع ودلالة الدليل على تحقّقه لا وجه للتفكيك بين الأمرين من جهة الانصراف فإنّه إذا كان المراد من الحيوان في ناحية غير المأكول وهو ما عدى الإنسان يكون المراد من الحيوان في ناحية المأكول أيضاً ذلك بمعنى انّ الإنسان خارج عن المقسم رأساً فعلى تقدير اشتراط المأكولية أيضاً لا مانع من
الصفحة 721
الصلاة في أجزاء الإنسان إلاّ أن يكون مراده اشتراط المأكولية مطلقاً لا في خصوص ما إذا كان من أجزاء الحيوان ويدفعه ـ حينئذ ـ الضرورة على خلافه لجواز الصلاة في مثل القطن على ما عرفت .
وكيف كان فالظاهر جواز الصلاة في هذه الصورة أيضاً .
وقد وقع الفراغ من تأليف هذا المجلّد في اليوم السادس والعشرين من شهر رجب المكرّم من سنة 1400 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء والتحية بيد العبد المفتاق إلى رحمة ربّه الغني محمد الموحدي اللنكراني الشهير بالفاضل عفى عنه وعن والده المكرّم الفقيه الفقيد آية الله المرحوم الحاج الشيخ فاضل اللنكراني (قدس سره) ونسأل الله تعالى التوفيق للإتمام بحقّ نبيّه وعترته عليه وعليهم الصلاة والسلام .
كصاحبي الجواهر والمصباح انّها هي رواية الحلبي وقد اختاره سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره) نظراً إلى أنّ التفصيل بين ما تتمّ وما لا تتمّ مخالف لفتاوى جميعهم لأنّ المسلّم بينهم إنّما هي الحرمة التكليفية المطلقة ، وامّا بطلان الصلاة فالمعروف بينهم العدم ، نعم ذهب إليه بعضهم استناداً إلى اقتضاء النهي التكليفي له عقلا من غير فرق بين ما تتمّ وغيره فالتفصيل الذي يدلّ عليه الرواية مناف لكلا القولين وهذا بخلاف المكاتبتين فإنّ عدم حلّية الصلاة في الحرير المحض لا ينافي فتاويهم لأنّهم أيضاً يقولون بذلك ، غاية الأمر انّ النهي لا يقتضي الفساد عند كثير منهم فهما موافقتان لمذهبهم .
أقول : بناء على ما ذكرنا في مفاد المكاتبتين يكون مدلولهما أيضاً مخالفاً لمذهبهم ، غاية الأمر انّ رواية الحلبي مخالفة لجميع الفتاوى والمكاتبتان مخالفتان لفتوى الأكثر القائل بعدم البطلان فإن اُريد من مخالفة العامّة التي هي من المرجّحات المذكورة في مثل مقبولة ابن حنظلة المعروفة مخالفة الجميع فالترجيح مع رواية الحلبي وإن اُريد منها المخالفة للفتوى الشائعة الرايجة فالمكاتبتان أيضاً متّصفتان بذلك ، وعلى ما ذكر فالمسألة غير خالية عن الإشكال ومقتضى الاحتياط الاجتناب عمّا لا تتمّ أيضاً إذا كان حريراً .
|