قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة41)
الأمرين المتقدّمين في ضابط الموجب للقصاص ، وأنّه هل يكون قاصداً لقتل المدفوع أو الآخر أو كليهما أو غير قاصد للقتل أصلاً ، وأنّ عمله هل يكون مؤثِّراً غالباً في قتل المدفوع أو الآخر أو كلاهما أو لا يكون ، فإذا كان في مورد تحقّق واحد من الأمرين يتحقّق الضمان ، أي القصاص . وربّما يتحقّق في أحدهما أحد الأمرين ، وفي الآخر الأمر الآخر ، ومع انتفاء كلا الأمرين في كلا الرجلين تثبت الدية .
غاية الأمر أنّ ثبوتها بالإضافة إلى الرجل الذي وقع عليه المدفوع إنّما هو من قبيل دية شبه العمد مع الالتفات إلى الوقوع عليه ، ومن قبيل دية الخطأ مع عدم الالتفات ، كما لا يخفى . هذا ما تقتضيه القاعدة ، وهنا روايات ربما يظهر من بعضها خلاف ذلك .
مثل: ما رواه المشايخ الثلاثة عن عبدالله بن سنان أو عنه وابن رئاب جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل دفع رجلاً على رجل فقتله ، قال: الدية على الذي دفع على الرجل فقتله لأولياء المقتول . قال: ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه . قال: وإن أصاب المدفوع شيء فهو على الدافع أيضاً(1) .
ومورد الحكم هو ما إذا علم أنّ الرجل دفع رجلاً على رجل آخر فقتله ، غاية الأمر أنّ الجواب الدالّ على ضمان الدية قرينة على عدم كون المراد من «قتله» هو إرادة قتله لثبوت القصاص في هذه الصورة ، كما أنّه يحمل على عدم كون الدفع مؤثِّراً في القتل غالباً لما ذكرنا ، فالمراد صورة تحقّق القتل من دون إرادة ومن دون كون الدفع مؤثِّراً فيه كذلك .
(1) وسائل الشيعة: 19 / 41 ، أبواب القصاص في النفس ب21 ح 1 .
(الصفحة42)
وعليه فلا مجال لما عن كشف اللّثام(1) من الحمل على أنّه لم يعلم إلاّ وقوعه ولم يعلم تعمّده ولا دفع غيره له ، وذلك لمخالفته لما هو صريح الرواية لدلالتها كذلك على عدم كون المفروض صورة الشك بوجه ، مع انّه على هذا التقدير لا وجه لثبوت الدية أيضاً ، لأنّه بعد احتمال كون الوقوع غير مستند إلى التعمّد ولا إلى دفع الغير لم يحرزموجب ضمان الدية ، فلا محيص عن حمل الرواية على ما هو ظاهرها ممّا ذكرنا .
نعم يبقى على الرواية حينئذ أنّه لا وجه لثبوت الدية على المدفوع أوّلاً ، لعدم استناد الدفع إليه بوجه ، خصوصاً مع ملاحظة ما ذكروه في كتاب الغصب: من أنّ الضمان من أوّل وهلة على المُكْرِه دون المُكْرَه بالفتح ، وإن كان قد أتلف هو المال ولكن بالاكراه ، فإذا لم يكن المُكْرَه بالفتح ضامناً مع استناد العمل إليه ففي المقام لا يكون المدفوع ضامناً بطريق أولى ، لعدم وقوع عمل منه في الخارج ، وعليه فلابدّ من حمل الرواية على التعبّد المخالف للقواعد .
ورواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره وتعقر دابته رجلاً آخر؟ قال: هو ضامن لما كان من شيء(2) .
ورواية أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل كان راكباً على دابّة فغشى رجلاً ماشياً حتّى كاد أن يوطئه ، فزجر الماشي الدابّة عنه فخرّ عنها ، فأصابه موت أو جرح؟ قال: ليس الذي زجر بضامن ، إنّما زجر عن نفسه(3) . وفي التعليل كلام يأتي .
(1) كشف اللثام: 2 / 441 .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 42 ، أبواب القصاص في النفس ب 21 ح 2 .
(3) وسائل الشيعة: 19 / 42 ، أبواب القصاص في النفس ب 21 ، ح 3 .
(الصفحة43)
مسألة 14 ـ لو سحره فقتل وعلم سببية سحره له فهو عمد إن أراد بذلك قتله ، وإلاّ فليس بعمد بل شبهه ، من غير فرق بين القول بأنّ للسحر واقعيّة أو لا ، ولو كان مثل هذا السحر قاتلاً نوعاً يكون عمداً ولو لم يقصد القتل به1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في أنّه هل يكون للسحر واقعيّة وحقيقة موضوعية أم لا؟ فيه خلاف ، فالمحكيّ عن الشيخ الطوسي (قدس سره)(1) أنّه لا حقيقة للسحر لقوله تعالى: {وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِن أَحَد إِلاَّ بِإذنِ اللهِ}(2) . وقوله تعالى: {يُخَيَّل إِلَيهِ مِن سِحرِهِم أَنَّهَا تَسعى}(3) . وقوله تعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَاسِ}(4) . بل عن تبيانه: «كلّ شيء خرج عن العادة الجارية لا يجوز أن يتأتّى من الساحر ، ومن جوّز للساحر شيئاً من هذا فقد كفر ، لأنّه لا يمكنه مع ذلك العلم بصحّة المعجزات الدالّة على النبوّة ، لأنّه أجاز مثله من جهة الحيلة والسحر»(5) .
ولكنّه ذكر المحقّق في الشرائع (6): إنّ في الأخبار ما يدلّ على أنّ له حقيقة .
وذكر في الجواهر: بل فيها ما يدلّ على وقوعه في زمن النبيّ(صلى الله عليه وآله) حتّى قيل: إنّه سحر بحيث يخيّل إليه كأنّه فعل الشيء ولم يفعله ، وفيه نزلت المعوّذتان(7) .
والحقّ أنّه لا مجال لإنكار ثبوت الحقيقة للسحر في الجملة ، بمعنى تأثير بعض
(1) المبسوط: 7 / 260 ، الخلاف : 5 / 327 ـ 328 مسألة 14 .
(2) البقرة 2 : 102 .
(3) طه 20 : 66 .
(4) الأعراف 7 : 116 .
(5) التبيان: 1 / 374 ، بحار الأنوار: 63 / 3 .
(6) شرائع الإسلام : 4 / 973 .
(7) جواهر الكلام: 42 / 32 ـ 33 .
(الصفحة44)
أقسامه واقعاً ، وقوله تعالى: {وَمَا هُم بِضَارّينَ} لا ينافيه ، لأنّه يجوز نفي الإضرار من كلّ مضرّ مع استثناء إذن الله ، فيقال : السمّ ليس بضارّ إلاّ بإذن الله ، فلا دلالة له على عدم تأثيره حقيقة ، خصوصاً مع وقوعه عقيب قوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرءِ وَزَوجِهِ}(1) الظاهر في تأثيره في التفرقة بين الزوجين حقيقة ، وأمّا اشتباهه مع المعجزة كما استدلّ به الشيخ في عبارته فيدفعه ـ مضافاً إلى أنّ السحر ليس أمراً خارقاً للعادة ، لأنّه علم خاص يوجب العمل به ، والاستفادة منه تحقّق بعض الآثار التكوينية ، ويحصل العلم بذلك لكلّ من تعلّمه ، كعلم الطّب الّذي يختصّ بخصوص من تعلّمه وصار عارفاً به ، وربّما يترتّب عليه بعض الآثار العجيبة سيّما في هذه الأزمنة التي بلغ مثله المرتبة العالية الكمالية ـ أنّ قاعدة اللطف التي اقتضت إرسال الرسل وإنزال الكتب تقتضي بيان حال ما ظاهره الإعجاز من حيث الصدق والكذب ، وقد أوجب الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ تعلّم السحر على نحو الكفاية لغرض إبطال سحر مدّعي النبوّة الكاذبة .
ويؤيّد بل يدلّ على أنّ للسّحر واقعيّة ـ مضافاً إلى أنّه من السبع الموبقات في عداد الشّرك بالله كما في بعض الروايات(2) ـ ما يدلّ على ترتّب حدّ القتل عليه ، فإنّ ترتّب حدّ القتل لا يناسب مع الأمر الذي لا يكون له واقعية أصلاً ، بل يكون تخييلياً محضاً ، بل في بعض الروايات ترتّب حدّ القتل على مجرّد تعلّمه وإن لم يعمل شيئاً ، كما تقدّم في كتاب الحدود(3) .
نعم لا مجال لإنكار كون بعض أقسامه تخييلياً غير واقعي ، وعليه فيصير
(1) البقرة 2 : 102 .
(2) وسائل الشيعة: 11 / 261 ، أبواب جهاد النفس ، ب 46 ح34 .
(3) تفصيل الشريعة ، كتاب الحدود : 328 .
(الصفحة45)
السّحر كما في الجواهر ذات قسمين(1) .
المقام الثاني : في أنّه لو قلنا بأنّ للسّحر واقعيّة لو تحقّق السّحر وصار سبباً لقتل المسحور ، فإن كان مقروناً بقصد القتل من الساحر أو كان سحره ممّا يؤثِّر في القتل غالباً يتحقّق قتل العمد الموجب للقصاص ، ويعرف تأثيره فيه كذلك ، إمّا من ناحية إقرار السّاحر ، وإمّا من طريق البيّنة العارفة بذلك ، ولا يختصّ بالإقرار كما يظهر من صاحب المسالك(2) ، ومع عدم الأمرين يتحقّق شبه العمد مع عدم الإشتباه في المسحور والخطأ مع الاشتباه ، غاية الأمر أنّ إقراره بالخطأ لا يؤثِّر في ثبوت الدية على العاقلة لأنّه إقرار على الغير .
وأمّا لو لم نقل بأنّ للسّحر واقعيّة فقد ذكر في الشرائع: أنّه لو سحره فمات لم يوجب قصاصاً ولا دية(3) . ولكن الظاهر أنّه على تقدير هذا القول لا مجال لإنكار تأثير السحر في الموت ، ولو من جهة التخييل وإرائة غير الواقع بصورة الواقع الموجب لتحقّق الخوف المستلزم للموت ، ولا ينحصر سبب الخوف بالأمر الواقعي الحقيقي .
والعجب من صاحب الجواهر حيث اعترض على مجمع البرهان(4) الظاهر فيما ذكرنا ، بأنّه بناء على أنّه لا حقيقة له لا يؤثّر شيئاً حتّى الخوف(5) ، فإنّه يقال عليه: إنّه على تقدير عدم تأثيره في الخوف ولو من ناحية التخييل فأيّ فائدة يترتّب على
(1) جواهر الكلام : 42 / 33 .
(2) مسالك الأفهام: 15 / 77 .
(3) شرائع الإسلام: 4 / 973 .
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 167 ـ 168 .
(5) جواهر الكلام : 42 / 34 .
(الصفحة46)
مسألة 15 ـ لو جنى عليه عمداً فسرت فمات ، فإن كانت الجناية ممّا تسري غالباً فهو عمد ، أو قصد بها الموت فسرت فمات فكذلك ، وأمّا لو كانت ممّا لا تسري ولا تقتل غالباً ولم يقصد الجاني القتل ففيه إشكال ، بل الأقرب عدم القتل بها وثبوت دية شبه العمد1.
هذا العمل ، الذي له سابقة تاريخية ومتداول بين العقلاء ، سيما غير الملتزمين منهم بالأديان والمذاهب ، فإنّ الأمر الذي لا يترتّب عليه فائدة لا معنى لأن يكون رائجاً شائعاً بين العقلاء ، فلا محالة يكون له تأثير في الخوف ومثله ، ولو لأجل التخييل وإرائة غير الواقع بصورة الواقع .
فالإنصاف أنّه على هذا التقدير أيضاً يثبت القصاص مع تحقّق أحد الأمرين المعتبرين في موجبه على سبيل منع الخلوّ ، كما أُفيد في المتن .
ثم إنّ ما ذكر في السحر يجري في مثله من الأسباب غير المتعارفة كالعين والدّعاء والحسد ونحو ذلك ، فإنّه لو علم سببية مثله للموت وتحقّق فيه أحد الأمرين المعتبرين في موجب القصاص يتحقّق القصاص على وفق القاعدة ، وإن لم يتعارف التضمين في هذه الأسباب .
ثم إنّه قد يجتمع على الساحر حدّ القتل الذي هو من حقوق الله والقصاص الذي هو من حقوق الناس ، والظاهر تقدّم الثاني على الأوّل ، نعم لو عفى عنه أولياء المقتول أو أخذوا الدّية منه يقتل حدّاً ، كما في سائر الموارد .
1 ـ لا إشكال بملاحظة ما تقدّم من الضّابط في موجب القصاص في ثبوته في الفرضين الأوّلين; لتحقّق القصد في أحدهما ، والتأثير في القتل غالباً في الآخر . إنّما الإشكال في الفرض الثالث ، ومنشأه ما ذكره في محكيّ كشف اللّثام بعد استظهار
(الصفحة47)
مسألة 16 ـ لو قدّم له طعاماً مسموماً ممّا يقتل مثله غالباً أو قصد قتله به ، فلو لم يعلم الحال فأكل ومات فعليه القود ، ولا أثر لمباشرة المجنيّ عليه ، وكذا الحال لو كان المجنيّ عليه غير مميّز ، سواء خلطه بطعام نفسه وقدّم إليه ، أو أهداه ، أو خلطه بطعام الآكل1.
الإتّفاق عليه ، من أنّ إطلاقهم يشمل كلّ جراحة قصد بها القتل أم لا ، كانت ممّا تسري غالباً أم لا(1) .
وعليه فيحتمل ثبوت الإتفاق في هذا الفرض أيضاً ، ولكنّه حيث لم يثبت الإطلاق خصوصاً مع كون الإجماع من الأدلّة اللّبيّة التي يقتصر فيها على القدر المتيقّن فالأقرب عدم ثبوت القصاص فيه ، بل فيه دية شبه العمد .
1 ـ إلى هنا كان العنوان المشترك بين المسائل المتقدّمة هو انفراد الجاني بالتسبيب ، ومن هنا يتبدّل العنوان ويصير هو التسبيب المنضمّ إليه مباشرة المجني عليه ، بحيث لو لم تتحقّق المباشرة من ناحيته لما كان يمكن تحقّق الجناية المؤثرة في القتل .
وكيف كان ففي مفروض المسألة ـ التي يكون المقدِّم للطّعام إمّا قاصداً للقتل بتقديم الطّعام ، وإمّا عالماً بكون الطعام المقدَّم إليه مؤثِّراً في القتل غالباً ـ إذا كان الآكل جاهلاً بالحال فأكلومات يتحقّق قتل العمد من ناحية المقدِّم، فعليه القصاص ولا أثر للأكل الاختياري الصادر من المجنيّ عليه; لأنّ استناد القتل في هذا الفرض إنّماهو إلى المقدِّم ، وحكم المباشرة يسقط بالغرور ، كما صرّح به المحقّق في الشرائع(2)
(1) كشف اللثام: 2 / 441 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 973 .
(الصفحة48)
مسألة 17 ـ لو قدم إليه طعاماً مسموماً مع علم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلاً ، فأكل متعمّداً وعن اختيار فلا قود ولا دية ، ولو قال كذباً: إنّ فيه سمّاً غير قاتل وفيه علاج لكذا ، فأكله فمات فعليه القود ، ولو قال : فيه سمّ وأطلق فأكله فلا قود ولا دية1.
خلافاً للشافعي(1) حيث حكي عنه أنّه اختار نفي القود ترجيحاً للمباشرة .
وبالجملة: لا خفاء في أنّ العرف والعقلاء يرون المقدِّم قاتلاً وأنّ القتل مستند إليه ، وحيث أنّه كان المفروض تحقّق أحد الأمرين في ضابطة العمد فلا محالة يثبت القصاص ، ومنه يظهر ثبوت القصاص فيما لو كان المجنيّ عليه غير مميّز بطريق أولى ، كما لايخفى .
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الفرع الأوّل: ما لو قدّم إليه طعاماً مسموماً وعلم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلاً فأكل متعمّداً وعن اختيار فلا ضمان فيه على المقدِّم ، لا بعنوان القصاص ولا بعنوان الدية ، لاستناد القتل في هذه الصورة إلى نفس الآكل ، ولا أثر للتقديم في هذه الجهة وإن كان لا يختار الآكل مع عدمه ، إلاّ أنّ اختياره مع وجوده يمنع عن الاستناد إلى غيره ، فهو كتقديم السكّين إلى من يريد قتل نفسه اختياراً ، فإنّ هذا العمل وإن كان يمكن أن يقال بحرمته وعدم المشروعية مع العلم بترتّب القتل عليه ، إلاّ أنّ الحرمة أمر وكونه القاتل أمراً آخر; لأنّه من الواضح عدم كون المقدِّم قاتلاً في المثال ، فكذا المقام .
ثمّ إنّه حكي عن مجمع البرهان للمقدس الأردبيلي أنّه قال: لو قدّم شخص إلى
(1) الأم: 6 / 43 ، المجموع: 20 / 49 ـ 50 .
(الصفحة49)
غيره طعاماً مسموماً فأكله ذلك الغير عالماً بالسمّ وكونه قاتلاً ، لا شيء على المقدِّم من القصاص والدية ، لأنّه السبب القوي بل المباشر ، فهو القاتل نفسه لا غير ، وإن جهل أحدهما يكون المقدِّم قاتل عمد ، فعليه القصاص مع علمه بهما والدية عليه مع جهله بأحدهما(1) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى اضطراب عبارة الذيل الظّاهرة في ثبوت قتل العمد مع الدية أيضاً ، إلاّ أن يقال: بأنّ مراده الأعمّ من العمد ومن شبه العمد ـ أنّ الظاهر إنّ قوله: «وإن جهل أحدهما» له مصداقان : أحدهما العلم بكونه سمّاً والجهل بكونه قاتلاً نوعاً ، وثانيهما العلم بكونه قاتلاً مع الجهل بكون سببه السمّ الموجود فيه .
ومن الواضح إسناد القتل في المصداق الثاني إلى الآكل دون المقدِّم; لأنّ مجرّد العلم بكونه قاتلاً وإن لم يعلم سببه يكفي في عدم صحّة الإضافة إلى المقدِّم . إلاّ أن يقال بخروج هذا المورد عن كلامه كما لا تبعد دعويه . وأمّا المصداق الأوّل فيمكن المناقشة فيه أيضاً بأنّه مع احتمال كون السمّ الموجود فيه المعلوم عنده قاتلاً ، يمكن أن يقال: بأنّ إقدامه حينئذ على الأكل يوجب انتساب القتل إليه لا إلى المقدِّم .
وأمّا قوله في الذيل: «والدية عليه مع جهله بأحدهما» فالظاهر عدم تمامية الإطلاق فيه ، فإنّه يكون الثابت في بعض فروض الجهل هو القصاص لا الدية ، وفي بعض الفروض لا مجال لثبوت الدية أيضاً فضلاً عن القصاص ، نعم تثبت الدية فقط في بعض الفروض الاُخر .
أمّا ما كان الثابت فيه هو القصاص ، فإنّه لو كان المقدِّم جاهلاً بوجود السمّ في الطعام ، ولكنّه كان عالماً بكون الطعام مؤثِّراً في القتل غالباً ، ومع ذلك قدّم الطّعام
(1) مجمع الفائدة والبرهان: 13 / 385 .
(الصفحة50)
إليه وفرض جهل الآكل بكلا الأمرين ، فالظّاهر فيه ثبوت القصاص ، لتحقّق الضابطة في قتل العمد فيه بعد ضعف المباشرة بالغرور وجهل الآكل ، والجهل بالسمّ لا تأثير له في ارتفاع هذا العنوان بوجه ، لأنّ الملاك هو العلم بتأثيره في القتل لا العلم بعنوانه .
كما أنّه لو كان جاهلاً بكون السمّ المعلوم له مؤثراً في القتل غالباً ولكنه كان التقديم مقروناً بقصد القتل ، فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا ثبوت القصاص فيه أيضاً .
وأمّا ما لا مجال للحكم بثبوت الدية فيه أيضاً فهو ما إذا كان المقدِّم جاهلاً بكلا الأمرين وكان وضع السمّ في الطعام فعلاً لغيره ، أو كان الطعام صار مسموماً بسبب الفساد الناشيء من حرارة الهواء أو غيرها ، فإنّه مع جهل المقدِّم بهما وجهل الآكل أيضاً كما هو المفروض لا ترجيح للحكم باستناد القتل إلى المقدِّم بعد كونه مسبَّباً عن التقديم المقرون بالجهل والأكل كذلك ، لو لم نقل بأولويّة المباشر مع التساوي لكونه الجزء الأخير لتحقّق القتل .
فالمقام ـ كما في الجواهر(1) ـ نظير ما ذكروه من الحكم بعدم ضمان الدافع الجاهل لشخص إذا وقع في البئر المحفورة في الطريق عدواناً ، بل المقام أولى من ذلك ، لأنّ الدفع في المثال مؤثِّر في القتل من دون واسطة فعل اختياري من المقتول ، وفي المقام تكون الواسطة متحقّقة ، فإذا لم يضمن فيه فهنا لا يكون ضمان بطريق أولى .
ولا وجه لتنظير المقام بما ذكره جماعة من الأصحاب كالمحقّق(2) والعلاّمة(3)وجمع آخر من ثبوت الدية على من حفر بئراً في داره فدعا غيره فوقع في البئر ،
(1) جواهر الكلام : 42 / 37 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 1028 .
(3) قواعد الأحكام: 2 / 317 ، تحرير الأحكام: 2 / 266 .
(الصفحة51)
وإن كان ناسياً ، للفرق بأنّ الحافر في المثال إنّما هو الفاعل للسبب وإن كان قد نسيه ، وفي المقام لم يتحقّق من المقدِّم مثله ، بل وقع عمل مقرون بالجهل ليس استناد القتل إليه بأولى من الإستناد إلى التناول الذي هو عمل الآكل كما عرفت .
ودعوى أنّ هذه الصورة خارجة عن مفروض كلام المحقّق الأردبيلي; لأنّ المفروض في كلامه صورة الجهل بأحد الأمرين وهذه صورة الجهل بكليهما ، مدفوعة بأنّ الظاهر أنّ مراده الجهل بأحد الأمرين أو كليهما ، وإلاّ يلزم عدم اشتمال كلامه على التعرّض لهذه الصورة بعد التعرّض لصورة العلم بهما وصورة الجهل بأحدهما . وبعبارة أُخرى ظاهر كلامه أنّ المراد بالجهل هو ما يقابل صورة العلم بكلا الأمرين ، فيشمل كلتا الصورتين ، فتدبّر .
وأمّا ما تثبت فيه الدية فهو غير الفرضين اللّذين ذكرنا ، كما إذا جهل بكون السمّ في الطعام مؤثِّراً في القتل ، ولم يكن قاصداً للقتل أيضاً ، فإنّ الظاهر فيه ثبوت الدية ، كما لايخفى .
الفرع الثاني: ما لو قال المقدِّم كذباً ـ أي مع علمه بخلافه ـ أنّ فيه سمّاً غير قاتل وفيه علاج لكذا ، فأكله فمات . وقد حكم في المتن بثبوت القصاص عليه ، والوجه فيه هو الوجه في ثبوته في المسألة السادسة عشر ، وهو ضعف المباشرة بسبب الغرور الناشئ عن التقديم المقرون بإظهار الكذب ، وإعلام أنّ فيه سمّاً غير قاتل ، مع علمه بكونه قاتلاً غالباً ، وليس مجرّد الإعلام بثبوت السمّ فيه رافعاً لاستناد القتل إليه عمداً ، بعد توصيفه بأنّه مداو ومعالج ، ولا يتحقّق فيه وصف القاتلية بوجه .
وبالجملة: اسناد القتل إليه عند العقلاء وكذا كونه من مصاديق قتل العمد ممّا لا خفاء فيه أصلاً .
(الصفحة52)
مسألة 18 ـ لو قدّم إليه طعاماً فيه سمّ غير قاتل غالباً ، فإن قصد قتله ولو رجاء فهو عمد لو جهل الآكل ، ولو لم يقصد القتل فلا قود1.
مسألة 19 ـ لو قدّم إليه المسموم بتخيّل أنّه مهدور الدم فبان الخلاف لم يكن قتل عمد ولا قود فيه2.
الفرع الثالث: ما لو قال المقدِّم أنّ فيه سمّاً وأطلق ، فأكله فمات ، والحكم فيه كما في المتن أنّه لا قود فيه ولا دية . والوجه فيه عدم تحقّق الغرور الموجب لضعف المباشرة ، فإنّه مع الإعلام باشتمال الطّعام على السمّ واحتمال الآكل كون السمّ قاتلاً لا يستند القتل إلاّ إلى المباشر ، ولا يكون من ناحية المقدِّم ما يوجب الضعف ، ولا يجب عليه شرعاً توصيف السمّ بكونه قاتلاً وإن كان ذلك معلوماً له ، فليس المقدِّم قاتلاً أصلاً حتى يتّصف قتله بالعمد أو بغيره ، فلا يكون في البين ضمان مطلقاً .
1 ـ الوجه في هذه المسألة في كلا فرضيها واضح ، لثبوت ضابطة قتل العمد مع قصد القتل ولو رجاءً ، وعدم ثبوتها مع عدمه بعد كون المفروض أنّ السمّ لا يقتل بحسب الغالب .
2 ـ الوجه في عدم ثبوت قتل العمد الموجب للقصاص في هذا الفرض ما مرّ في تعريف الموجب من لزوم وقوع القتل بنحو العدوان ، وبعبارة أُخرى تجب أن تكون النفس معصومة ، فإذا اعتقد عدم كونها كذلك وأنّها مهدورة الدم لا مجال لثبوت القصاص ، وقد مر نظيره في بعض مسائل المرتدّ(1) ، وذكرنا هناك أنّ مقتضى مسألة
(1) تفصيل الشريعة ، كتاب الحدود : 560 ـ 561 .
(الصفحة53)
20 ـ لو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل فأكله صاحب المنزل من غير علم به ، فمات فعليه القود لو كان ذلك بقصد قتل صاحب المنزل ، وأمّا لو جعله بقصد قتل كلب مثلاً فأكله صاحب المنزل فلا قود ، بل الظاهر أنّه لا دية أيضاً ، ولو علم أنّ صاحب المنزل يأكل منه فالظاهر أنّ عليه القود1.
القاعدة عدم ثبوت القصاص . نعم الظاهر كما يشعر به عبارة المتن هنا ووقع التصريح به في تلك المسألة ثبوت الدية عليه ، لعدم بطلان دم محقون الدّم ، غاية الأمر أنّ اعتقاد خلافه يرفع القصاص .
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: ما لوجعل السمّ في طعام صاحب المنزل فأكله من غير علم فمات ، وكان المقصود من الجعل قتل صاحب المنزل . هكذا عنون في المتن . والظاهر أنّه ليس المراد من السمّ المفروض إلاّ ما كان قاتلاً غالباً ، وعليه فيظهر من المتن ثبوت كلتا الضابطتين لقتل العمد ، وهما : قصد القتل وكون السمّ قاتلاً غالباً في هذا الفرع . مع أنّ الظاهر أنّ المفروض في كلمات الأصحاب وجود إحداهما . ويمكن أن يكون قوله في الذيل: «ولو علم» قرينة على خلاف ما هو ظاهر الصدر من اعتبار كلتيهما .
وكيف كان فقد حكى المحقّق في الشرائع عن الشيخ في الخلاف(1) والمبسوط(2)ثبوت القود في هذا الفرع ، وقال بعده: «وفيه إشكال»(3) ، والوجه في ثبوت القود ما مرّ في مثله من ضعف المباشرة بالغرور ، واستناد قتل العمد إلى الجاعل ، وعدم
(1) الخلاف: 5 / 171 مسألة 32 .
(2) المبسوط : 7 / 46 .
(3) شرائع الإسلام: 4 / 973 .
(الصفحة54)
كون التقديم الموجب للقصاص في بعض المسائل المتقدّمة له موضوعية وخصوصية ، فأيّ فرق بين المقام وبين صورة التقديم؟
هذا ، مضافاً إلى ما في محكيّ مجمع البرهان: من أنّه لو لم يكن مثل هذا موجباً [للقود] للزم منه وجود قتل كثير من عدم القصاص(1) .
والوجه في استشكال المحقّق هو قوّة المباشرة وعدم كون الأكل إلاّ صادراً عن الاختيار ، والمفروض أنّه لا يكون في البين تقديم للطعام . ولكنّ الظّاهر ما ذكرنا من أنّه لا موضوعية للتقديم ، والملاك هو استناد القتل العمدي إلى الجاعل المتحقّق في المقام ، نعم بناء على عدم ثبوت القصاص لا مجال للإشكال في ثبوت الدية على الجاعل بوجه ، لما مرّ من أنّه «لا يبطل دم امرئ مسلم»(2) .
الثاني: ما لو جعله بقصد قتل كلب مثلاً ، مع عدم العلم بأنّ صاحب المنزل يأكل منه ، ولكنّه أكله صاحب المنزل فمات ، وقد حكم فيه في المتن بأنّه لا قود فيه ، واستظهر عدم ثبوت الدية أيضاً . والوجه فيه عدم استناد القتل إلى الجاعل بوجه ، ولكنه يتمّ في صورة العلم بعدم أكل صاحب المنزل منه ، وأمّا في صورة الاحتمال كما إذا كان الطعام بكيفية وفي محلّ يمكن أن يأكل منه صاحب المنزل لعدم عروض الفساد عليه وكونه بمرئى ومنظر منه ، فالحكم فيه محل اشكال . ومجرّد عدم كون المقصود إلاّ قتل الكلب مثلاً لا يوجب عدم استناد القتل إليه ، فلا أقلّ من ثبوت الدية لو لم نحكم فيه ثبوت القود ، فتدبّر .
الثالث: الفرض الثاني مع العلم بأنّ صاحب المنزل يأكل منه، فالظاهرفيه ثبوت
(1) مجمع الفائدة والبرهان: 13 / 386 .
(2) وسائل الشيعة : 18 / 258 ، كتاب الشهادات ، ب24 ، ح1 . وج19/109 ، وكتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب6 ، ح1 .
(الصفحة55)
مسألة 21 ـ لوكان في بيته طعام مسموم فدخل شخص بلا إذنه فأكل ومات فلا قود ولا دية، ولو دعاه إلى داره لا لأكل الطعام فأكله بلاإذن منهوعدواناًفلا قود1.
القود كما في المتن لاستناد القتل إليه ، وكون السم مؤثّراً في القتل غالباً كما هو المفروض. فيتحقّق قتل العمد ، وقد مرّ أنّ الحكم بثبوت القود في هذه الصورة قرينة على عدم اعتبار كلا الأمرين في الفرض الأوّل ، وإلاّ يلزم التهافت ، كما لايخفى .
1 ـ الوجه في عدم ثبوت الضمان قوداً ودية في الفرض الأوّل أنّ الآكل متعدّ بالدخول بلا اذن والأكل من الطعام ، والظاهر ثبوت الحكم حتى مع العلم بدخول الشخص كذلك وأكله من الطعام ، فإنّ مجرّد العلم بذلك لا يوجب أن يستند القتل إليه ، بداهة أنّ العرف لا يرون استناد القتل إلاّ إلى الداخل الآكل . والفرق بين هذا الفرض وبين الفرع الثالث في المسألة المتقدّمة واضح ، لأنّ المفروض فيه جعل السمّ في الطعام الذي هو لصاحب المنزل ، فإذا علم بأنّه يأكل منه يتحقّق قتل العمد ولو لم يقصد قتله أصلاً . وأمّا المفروض هنا دخول الآكل بلا إذن وأكله كذلك ، فالعلم بذلك لا يوجب الاستناد إليه أصلاً .
بل في الجواهر: لو قصد قتله بذلك لم يكن عليه شيء ، مثل أن يعلم أنّ ظالماً يريد هجوم دار ، فيترك السم في الطعام ليقتله ، مع فرض توقف دفعه على ذلك(1) .
ويرد عليه إنّ عدم ثبوت شيء عليه في المثال إنّما هو لتوقّف دفعه على ذلك ، والمفروض كونه ظالماً يريد الهجوم ، وهذا لا يلازم نفي الضمان مطلقاً فيما إذا كان الغرض من دخوله غيرالمشروع مجرّدالأكل من طعامه ، كما لو فرض اطّلاعه على أنّ لصاحب البيت ضيوفاًفدخل هومعهموفرض أنّ الطعام الذي صارباختياره مسموماً،
(1) جواهر الكلام: 42 / 39 .
(الصفحة56)
مسألة 22 ـ لو حفر بئراً ممّا يقتل بوقوعه فيها ودعا غيره الذي جهلها بوجه يسقط فيها بمجيئه ، فجاء فسقط ومات فعليه القود ، ولو كانت البئر في غير طريقه ودعاه لا على وجه يسقط فيها ، فذهب الجائي على غير الطريق فوقع فيها لا قود ولا دية1.
فأراد صاحب المنزل قتله بذلك ، فالظّاهر أنّ الحكم بنفي الضمان فيه مشكل جدّاً .
وأمّا الحكم بعدم ثبوت القود بل الدّية ـ كما هو ظاهر المتن وإن لم يقع التصريح بنفي الدية في الفرض الثاني ـ فالوجه فيه: أنّه أيضاً يكون متعدّياً بالأكل وإن كان الدخول مجازاً ، بل عن كشف اللّثام(1) تعميم الحكم لمن يجوز له الأكل من بيوتهم وهم الطوائف المذكورون في الآية الشريفة(2) ، ولكنّه محلّ نظر كما في الجواهر(3) ; لعدم تحقّق التعدّي في هذه الصورة .
1 ـ الحكم بثبوت القود في الصّورة الأولى إنّما هو لتحقّق موجبه وهو قتل العمد ، لأنّه بعد فرض كون البئر المحفورة ممّا يقتل الوقوع فيها بحسب الغالب ، وكون حفرها في الطريق الذي يسلكه مثل المدعوّ نوعاً بنحو يتحقّق السقوط فيها لا محالة مع الجهل بها ، فالقتل يكون مستنداً إلى الحافر ، لأنّ عمله المشتمل على الخصوصيات المذكورة لا يقصر عن تقديم الطعام المسموم إلى الآكل الذي تقدّم ثبوت القود فيه ، والعمدة ثبوت الاستناد وتحقّق ضابطة وصف العمد الّتي تقدّمت .
وأمّا الصورة الثانية فظاهر الجواهر(4) ثبوت الدية فيه ، واستظهر من إطلاق
(1) كشف اللثام: 2 / 442 .
(2) النور 24 : 61 .
(3 و 4) جواهر الكلام : 42 / 39 .
(الصفحة57)
مسألة 23 ـ لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمّيّ مجهز بحيث يستند القتل إليه لا إلى الجرح لا قود في النفس ، وفي الجرح قصاص إن كان ممّا يوجبه ، وإلاّ فأرش الجناية ، ولو لم يكن مجهّزاً لكن اتّفق القتل به وبالجرح معاً سقط ما قابل فعل المجروح ، فللوليّ قتل الجارح بعد ردّ نصف ديته1.
عبارة الشرائع ثبوت القود ، مع أنّ التأمّل فيها يقضي بعدم تعرّضها إلاّ للصورة الاُولى ، حيث قال: «لو حفر بئراً بعيدة في طريق ودعا غيره مع جهالته ، فوقع فمات ، فعليه القود لأنّه ممّا يقصد به القتل غالباً»(1) .
فإنّ المراد من الطريق هو الطريق الذي يسكله المدعوّ معمولاً ، والمفروض كون البئر بعيدة عميقة من جهة ، وكون المدعوّ جاهلاً من جهة أُخرى .
هذا ، مضافاً إلى أنّ التعليل المذكور في العبارة لا ينطبق إلاّ على الصورة الأُولى ، لعدم تحقّق القتل إلاّ بهذه الكيفية ، كما لايخفى .
والظّاهر عدم ثبوت الدية أيضاً ، لعدم استناد القتل في الصورة الثانية إلى الحافر أصلاً ، لأنّ حفر البئر في غير الطريق المسلوك بحسب المتعارف لا يوجب الاستناد ، ولو مع فرض جهل المدعوّ ، لأنّ الجهل لا يلزم أن يكون مستنداً بغيره .
فالظاهر حينئذ ما في المتن ، وإن كان يظهر من الجواهر(2) أنّه القدر المتيقّن من الضمان في المقام ، فتدبّر .
1 ـ الظّاهر أنّ المفروض في هذه المسألة صورة الجرح لا بقصد القتل ، بل كان
(1) شرائع الإسلام: 4 / 973 .
(2) جواهر الكلام : 42 / 39 .
(الصفحة58)
المقصود مجرّد تحقّق الجرح . فما في بعض الكلمات(1) من التقييد بصورة قصد القتل خارج عمّا هو المفروض في كلمات الأصحاب ، وما هو محطّ البحث في هذه المسألة .
فنقول: إنّ الجرح يتصوّر فيه فروض ثلاثة:
الأوّل: ما فرضه في المسالك من قوله: إن كان الجرح الأوّل متلفاً وقد انتهى المجروح إلى حركة المذبوح فالأوّل هو القاتل(2) . ومرجعه إلى عدم كون التداوي مؤثِّراً ومانعاً عن تحقّق التلف ، بل كان الجرح سبباً تامّاً لتحقّق التلف . ولا إشكال في ثبوت القود في هذا الفرض ، لكون الفعل مؤثِّراً في القتل وإن لم يقصد القتل ، كما هو المفروض .
الثاني: ما لو كان المؤثِّر في القتل هو التداوي بدواء سمّي مجهز ، ولم يكن الجرح مؤثِّراً فيه بوجه ، ولا خفاء في عدم ثبوت القصاص في النفس هنا بعد عدم استناد القتل إلاّ إلى ذلك الدواء ، وتفرّع التداوي به على الجرح لا يوجب الاستناد إلى الجارح ، وأمّا القصاص في الطرف فيثبت إن كان في الجرح قصاص ، وإلاّ فأرش الجناية .
الثالث: ما لو كان القتل مسبَّباً عن الجرح والتداوي بذلك الدواء معاً ، والظاهر فيه ثبوت القصاص كما في جميع موارد الشركة في القتل ، ومرجعه إلى أنّ المراد من الضابطة المذكورة في قتل العمد بملاحظة تأثير الفعل في القتل غالباً ليس هو التأثير بنحو الانفراد والاستقلال ، وإلاّ يلزم عدم ثبوت القصاص في موارد الشركة أصلاً; لأنّ القتل فيها لا يكون مستنداً إلى عمل كلٍّ من الشريكين مثلاً ، بل إلى مجموع
(1) مباني تكملة المنهاج: 2 / 9 مسألة 10 .
(2) مسالك الأفهام: 15 / 79 .
(الصفحة59)
مسألة 24 ـ لو ألقاه في مسبعة كزبية الأسد ونحوه ، فقتله السباع فهو قتل عمد عليه القود ، وكذا لو ألقاه إلى أسد ضار فافترسه إذا لم يمكنه الاعتصام منه بنحو ولو بالفرار ، ولو أمكنه ذلك وترك تخاذلاً وتعمّداً لا قود ولا دية ، ولو لم يكن الأسد ضارياً فألقاه لا بقصد القتل ، فاتّفق أنّه قتله لم يكن من العمد ، ولو ألقاه برجاء قتله فقتله فهو عمد عليه القود ، ولو جهل حال الأسد فألقاه عنده فقتله فهو عمد إن قصد قتله ، بل الظاهر ذلك لو لم يقصده1.
العملين ، فالمراد هو التأثير فيه نوعاً ولو لم يكن بنحو الاستقلال . والمقام من هذا القبيل ، كما أنّ الخصوصية الموجودة في موارد الشركة من جهة التنصيف مثلاً موجودة هنا ، فلا يلاحظ نسبة التأثير ، بل إذا كان هناك شخصان يحسب النصف على كلّ واحد منهما ، ولو كان مقدار تأثير عمله أزيد أو أقل .
وعليه فإذا أراد الولي في المقام القصاص يجب عليه أن يردّ نصف الدية ، كما أنّه إذا أراد أخذ الدية لا يجوز له إلاّ أخذ نصف الدية ، كما في سائر المقامات .
1 ـ هذه المسألة شروع في البحث عن عنوان ثالث من الجناية الموجبة لتحقّق الموت ، وهو ما لو انضمّ إلى عمل الجاني فعل من الحيوان ، وصار ذلك موجباً لتحقّق القتل ، فالإلقاء من الجاني والإفتراس من السبع الضاري مثلاً . وعليه فلو ألقى إنساناً في مسبعة كزبية الأسد ونحوه فقتله سبع من السباع فهو قتل عمد ، لاستناد القتل إلى الملقي ، وكون الحيوان المباشر بمنزلة الآلة كالسيف ونحوه ، وحيث يكون ذلك موجباً لتحقّق القتل غالباً فهو قتل العمد ، وإن لم يكن مقروناً بقصد القتل أصلاً .
وهكذا لو ألقاه إلى أسد ضار ولو لم يكن في مسبعة ، فإنّه مع العلم بكونه ضارياً
(الصفحة60)
مسألة 25 ـ لو ألقاه في أرض مسبعة متكتّفاً ، فمع علمه بتردّد السباع عنده فهو قتل عمد بلا إشكال ، بل هو من العمد مع احتمال ذلك وإلقائه بقصد الافتراس ولو رجاء ، نعم مع علمه أو اطمئنانه بأنّه لا يتردّد السباع ، فاتّفق ذلك لا يكون من العمد ، والظاهر ثبوت الدية1.
مفترساً إذا جعل إنساناً في اختياره يستند القتل إلى الجاعل لا محالة . نعم لابدّ من التقييد بما إذا لم يمكنه الإعتصام منه بنحو ولو بالفرار ، فإنّه مع إمكانه وتركه تخاذلاً وتعمّداً يستند إلى التارك المتعمّد ، كالملقى في النار إذا اختار البقاء فيها تعمّداً ، على ما مرّ(1) .
وأمّا مع العلم بعدم كونه ضارياً وعدم قصد القتل ، فاتّفق أنّه قتله بعد الإلقاء ، لا يتحقّق قتل العمد ، بل هو شبه العمد عليه الدية . نعم لو كان في هذه الصورة قصد القتل فهو عمد لثبوت إحدى ضابطتيه .
وأمّا لو كان حال الأسد مجهولاً من جهة كونه ضارياً وعدمه ، فإن قصد قتله فلا خفاء في تحقّق العمد ، ومع عدمه فقد استظهر في المتن تحقّقه أيضاً . والوجه فيه أنّ احتمال عدم كونه ضارياً احتمال ينافيه طبع مثل الأسد من جهة الافتراس والسبعية ، فإنّ السباع من شأنها كذلك ، وإذا لم يكن بعض أفرادها ضارياً مفترساً فهو على خلاف الطبع الأوّلي ، وعليه ففي صورة الجهل بحاله يستند العرف والعقلاء القتل إلى الملقي ، فيتحقّق قتل العمد وإن لم يكن مقروناً بقصد القتل .
1 ـ أمّا ثبوت العمد مع العلم بتردّد السباع عنده ، فلوضوح كون التردّد المعلوم والتكتّف المانع عن الفرار ونحوه يوجب كون الفعل ممّا يؤثِّر في القتل غالباً ، وقد مرّ مسألة
(1) في ص33 .
|
|