جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ كتاب المكاسب المحرمة « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>

صفحه 61

معها، والعمل لا يناسب الأعيان، والإتيان بالجمع المفيد للعموم إنّما هو باعتبار شيوع هذا العمل القبيح بينهم، لا الإتيان بجميع الخبائث ، فتدبّر .

ومن الروايات:رواية تحف العقول المتقدِّمة(1) الدالّة على النهي عن التجارة بوجوه النجس، بدعوى كون المراد منها أعمّ من المتنجّس .

ونحن وإن ذكرنا اعتبارها مع إرسالها وعدم سلامة مضمونها ومفادها، إلاّ أنّه من الظاهر أنّ المراد من وجوه النجس الأعيان النجسة بالذات، ولا تشمل المتنجّسات التي لا يكون فيها وجه النجس، خصوصاً مع ملاحظة التعليل الواقع فيها الذي عرفت(2) مفاده ، وينبغي هنا التنبيه على أمر يحتاج إلى مقدّمة ، وهي:

أنّ الأحكام التي بيّنها الرسول(صلى الله عليه وآله) أو الإمام(عليه السلام) تارةً: تكون خالية عن ذكر العلّة، كما هو الغالب في تلك الأحكام من الواجبات والمحرّمات وغيرهما ، ومن الواضح لزوم الأخذ بها كذلك وإن لم تكن العلّة معلومة لنا; لقصور عقولنا عن الوصول إليها كما هو مقتضى القاعدة .
واُخرى: تكون مشتملة على ذكر العلّة و متضمّنة للتعليل.

وفي هذه الصورة قد تكون العلّة ارتكازيّة ومعلومة للمخاطب، كقوله(عليه السلام) : لاتشرب الخمر لأنّه مسكر(3) ; فإنّ إسكار الخمر أمر عقلائيّ معروف لدى الناس، والشارع إنّما حكم بالحرمة لأجل هذه العلّة التي يقال لها العلّة المنصوصة ،



(1) في ص11 .
(2) فى ص 11 و 32.
(3) اقتباس من الروايات الواردة في تحريم شرب الخمر، فيراجع وسائل الشيعة 25: 279، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب1 و ص296 ب9 وغيرهما.


صفحه 62

وكقوله(عليه السلام) في صحاح بعض الأخبار على ما تقدّم في بحث المياه(1): ماء البئر واسع لايفسده شيء(2); لأنّ له مادّة; فإنّ اشتمال البئر على المادّة النابعة أمر عرفيّ عقلائيّ.

وقد تكون العلّة أيضاً تعبّدية كأصل الحكم، كالتعليل بالاستصحاب في صحيحة زرارة(3) الواردة في الرجل ينام وهو على وضوء وأنّه هل توجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء أم لا ؟ فإنّ الإمام(عليه السلام) بعد أن ذكر أنّه قد تنام العين ولا ينام القلب والاُذن، حكم بعدم وجوب الوضوء عليه، معلّلاً له بالاستصحاب الذي هو أصل عمليّ تعبّديّ، لا أمارة ولا أصل عقلائيّ كأصالة الحقيقة ونحوها، وهذا بخلاف مقام الاستشهاد ببعض آيات الكتاب اللازم دلالته على ذلك المطلب عند المخاطب، خصوصاً إذا لم يكن معتقداً بحجّية أقوالهم; لأنّه لا يبقى للاستشهاد مجال بدون ذلك; لإمكان ورود الإشكال عليه بأنّ الآية لا دلالة لها على ذلك ، فمقام الاستشهاد يغاير مقام التعليل .

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ التعليل المذكور الواقع في رواية تحف العقول بالإضافة إلى عدم جواز بيع شيء من وجوه النجس، من أنّه منهيّ عن أكله وشربه وإمساكه، وأنّ جميع التقلّب فيه حرام، إن احتمل أنّه من التعليل بالعلّة الارتكازيّة كالمثالين المذكورين ، فمن الواضح العدم بالإضافة إلى المتنجّس; لعدم ثبوت الارتكاز، بل عدم ثبوت تلك الاُمور في المتنجّس; لجواز الإمساك والتقلّب واللبس في غير حال الصلاة، وإن كان تعليلاً تعبّدياً، فشموله للمتنجّس أوّل



(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، المياه: 49.
(2) وسائل الشيعة 1: 140 ـ 141، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق ب3 ح10 و 12، وص170ـ 172 ب14 ح1 ، 6 و 7.
(3) تهذيب الأحكام 1: 8 ح11، وعنه وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء ب1 ح1.


صفحه 63

الكلام; لأنّ الكلام في مقتضى الأصل الأوّلي، والعمدة ما ذكرنا من أنّ عنوان وجوه النجس لا يشمل المتنجّسات، ولذا لم يعدوها في العناوين النجسة، كما لايخفى .

ومنها : رواية السكوني الواردة في المرق المتنجّس; وهي ما رواه عن جعفر، عن أبيه(عليهما السلام)، أنّ عليّاً(عليه السلام) سُئل عن قدر طبخت وإذا في القدر فأرة ؟ قال : يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل(1) .

والجواب عن الاستدلال بها عدم الانطباق على المدّعى، فإنّ المدّعى الدلالة على عدم جواز الانتفاع بالمتنجّس، والدليل يدلّ على عدم جواز الانتفاع بمثل المرق المتنجّس، كالسكنجبين المذكور في المتن، والوجه فيه: عدم جواز الانتفاع به بدون الطهارة وتوقّفه عليها، وخروجها عن عنوانه الأوّلي في صورة الاستهلاك في الكرّ ونحوه، كما سيأتي الكلام(2) في وجه عدم الجواز في مثل السكنجبين، فلا تعمّ جميع موارد المدّعى حتّى القابل للتطهير غير المتوقّف جواز الانتفاع به على الطهارة.

وبعبارة اُخرى: يكون مبنى الاستدلال على إلغاء الخصوصيّة من المرق بالإضافة إلى جميع المتنجّسات، مع أنّه مورد للقبول بالنسبة إلى المتنجّسات التي تكون مثل المرق من عدم القابليّة للتطهير وتوقّف جواز الانتفاع به على الطهارة، لا بالنسبة إلى الجميع كما هو المدّعى .

هذا، مضافاً إلى أنّه ربما يستشكل في اعتبار ما رواه النوفلي، عن السكوني وإن كان السكوني عامّياً ثقة وله روايات كثيرة عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) ، والظاهر أنّ أكثر رواياته بل جميعها تكون منقولة عن جعفر(عليه السلام)، ومشتملة على نقله



(1) الكافي 6: 261 ح3، تهذيب الأحكام 9: 86 ح365، الاستبصار1: 25 ح62، وعنها وسائل الشيعة 1: 206، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف والمستعمل ب5 ح3.
(2) فى ص 69.


صفحه 64

قول عليّ(عليه السلام) أو فعله، كما يظهر بالتتبّع في رواياته; واسمه إسماعيل بن أبي زياد أو مسلم .

ومنها : الروايات المتعدّدة الدالّة على أنّ الفأرة إذا ماتت في السمن الجامد ونحوه وجب أن تطرح الفأرة وما يليها من السمن المذكور; كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فإن كان جامداً فألقها وما يليها، وكل ما بقي(1) . ومثلها غيرها(2) 

وتقريب الاستدلال أنّه لو جاز الانتفاع بالمتنجّس لما أمر الإمام(عليه السلام) بطرحه لإمكان الانتفاع به في غير ما هو مشروط بالطهارة كالتدهين ونحوه .

وقد أجاب عنها الشيخ بأنّ طرحها كناية عن عدم الانتفاع به في الأكل; فإنّ مااُمر بطرحه من جامد الدهن يجوز الاستصباح به إجماعاً ، فالمراد إطراحه من ظرف الدهن وترك الباقي للأكل(3) .

ولكنّه اُورد عليه بظهور الأمر بالطرح في حرمة الانتفاع به مطلقاً ، وأمّا الاستصباح به فإنّما خرج بالنصوص الخاصّة(4).

ويمكن أن يُجاب عن الإيراد ـ مضافاً إلى أنّ كلّ دهن لا يمكن الاستصباح به، ولا مثل التدهين به ـ إنّ الظاهر خصوصاً بعد ملاحظة مقابلته(عليه السلام) بقوله : «وكلّ مابقي» هي الانتفاع في خصوص الأكل .



(1) الكافي 6: 261 ح1، تهذيب الأحكام 9: 85 ح360، وعنهما وسائل الشيعة 24: 194، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب43 ح2.
(2) وسائل الشيعة 1: 205 ـ 206 ب5، و ج17: 97 ب6، وج24: 194 ب43.
(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 85 .
(4) مصباح الفقاهة 1: 218.


صفحه 65

ودعوى(1) أنّ ما تلي الفأرة من السمن للإرشاد إلى عدم إمكان الاستصباح به ونحوه لقلّته، فتكون الرواية غريبة عن المقام، واضحة الفساد، خصوصاً مع فرض تعدّد الفأرة وعدم وحدتها، كما لايخفى .

ومنها : ما ورد في الإنائين المشتبهين من الماء، الدالّة على أنّه يهريقهما جميعاً ويتيمّم; كرواية عمّار الساباطي ـ التي هي موثّقة ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو، وليس يقدر على ماء غيرهما ؟ قال : يهريقهما جميعاً ويتيمّم(2) ; نظراً إلى أنّ الأمر بأن يهريق الإناءين ويتيمّم ظاهر في حرمة الانتفاع بالماء المتنجّس، وبضميمة عدم القول بالفصل يتمّ المطلوب .

وفيه: أنّ الظاهر أنّ الأمر بالإهراق إنّما هو للإرشاد إلى اعتبار طهارة ماء الوضوء، أو مانعيّة النجاسة فيها عنه، وإلاّ فالظاهر أنّه لا مجال لإنكار جواز الانتفاع بهما في شرب بعض الحيوانات، أو إيجاد الرطوبة الموجبة لتغيير الهواء .

وربما يحتمل أن يكون الأمر بالإهراق مولويّاً ناظراًإلى أنّه ما دام لم يتحقّق الإهراق لا يتحقّق الانتقال إلى التيمّم الذي مورده صورة فقدان الماء; لوجود الماء الطاهر عنده أيضاً، وقد حكي ذلك عن بعض الفقهاء(رحمهم الله)(3).

وهذا الاحتمال بعيد جدّاً ; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ لازمه وجوب جعل الشخص نفسه فاقداً للماء في هذه الصورة لأن ينتقل تكليفه إلى التيمّم وهو في غاية البُعد ـ



(1) المدّعي هو السيّد الخوئي على ما في مصباح الفقاهة 1: 218.
(2) تهذيب الأحكام 1: 248 ح712 وص407 ح1281، وعنه وسائل الشيعة 1: 155، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق ب8 ح14.
(3) الحاكي هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 219.


صفحه 66

خلاف ظاهر الرواية .

وربما يناقش في الإرشاد الذي ذكرناه(1) بما هو ببالي من سابق الزمان ـ وإن كان يحتمل أن يكون من الغير ـ من إمكان الوضوء بالمائين المشتبهين، خصوصاً إذا كان كثيراً كالحوضين المشتملين على ما دون الكرّ، وصيرورة أحدهما لا على التعيين متنجّساً بملاقات النجاسة; بأن يتوضّأ بأحدهما ثمّ يطهّر مواضع الوضوء بالماء الآخر ثمّ يتوضّأ بالآخر، فإذا فعل ذلك يعلم بتحقّق الوضوء بالماء الطاهر وإن كان يجري استصحاب الطهارة واستصحاب النجاسة بالنسبة إلى الأعضاء; لأنّ غاية الأمر وقوع التعارض بين الاستصحابين وتساقطهما، والمرجع حينئذ أصالة الطهارة أي قاعدتها ، فالمقام كمجهولي التاريخ من حيث تساقط الأصلين الجاريين فيهما أو عدم جريانه أصلاً، والتحقيق في محلّه .

ويمكن الجواب عن المناقشة بأنّه ـ مضافاً إلى أنّه لا يمكن إجراء ذلك بالإضافة إلى جميع الموارد، لإمكان أن يكون الماءان في غاية القلّة بحيث لا يكون قادراً على ذلك ـ لا إشكال في صعوبة ذلك بل حرجيّته في بعض الموارد، خصوصاً مع كون المفروض في السؤال الإناءين، ولا يكون لهما الظرفيّة إلاّ بمقدار قليل كما هو الغالب . وعليه: فالظاهر أنّ الأمر بالإهراق المذكور لا يكون إلاّ للإرشاد .

ومنها : الروايات الدالّة على إهراق الماء المتنجّس; كصحيحة أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل أصبعه فيه ؟ قال : إن كانت يده قذرة فأهرقه، الحديث(2) ; نظراً إلى أنّ الأمر بالإهراق ظاهر في



(1) تفصيل الشريعة فى شرح تحرير الوسيلة، أحكام التخلّى و الوضوء: 193 ـ 207.
(2) تهذيب الأحكام 1: 38 ح103، الاستبصار 1: 20 ح46، مستطرفات السرائر: 27 ح9، وعنها وسائل الشيعة 1: 154، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق ب8 ح11، وفي بحارالأنوار 2: 273 ح14 عن التهذيب، وفي ج80 : 17 ح6 عن مستطرفات السرائر.


صفحه 67

عدم جواز الانتفاع بالماء المتنجّس مطلقاً ولو في غير ما هو مشروط بالطهارة .

ويظهرالجواب عن الاستدلال بمثلها مع تعدّدها وكثرتها، من أنّ الأمر بالإهراق إنّما هو للإرشاد إلى اعتبار الطهارة فيما يغتسل به أو يتوضّأ، كما لايخفى .

ومنها : الروايات التي توصف بالاستفاضة عند الخاصّة(1) والعامّة(2) الدالّة على جواز الاستصباح بالدهن المتنجّس ; نظراً إلى ظهورها في انحصار جواز الانتفاع بهابالاستصباح والإسراج، وهوظاهر في عدم جوازالانتفاع بغيره كالتدهين وغيره.

واُورد عليه(3) بأنّ النفع الظاهر للدهن هو الأكل والإسراج، فإذا كان الأوّل حراماً بمقتضى التنجّس لعدم جواز أكل المتنجّس، اختصّ الانتفاع به بالاستصباح والإسراج، على أنّه يظهر من بعض نفس هذه الروايات جواز الانتفاع به في غير الإسراج أيضاً; لعطف كلمة «ونحوه» على الإسراج(4)، أو صراحة بعضها في جواز صرفه في عمل الصابون(5) ونحوهما .



(1) وسائل الشيعة 17: 97-99، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب6، وج 24: 194-195، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب43، ومستدرك الوسائل 17: 71، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب19.
(2) السنن الكبرى للبيهقي 14: 374 ـ 375 ح20179 ـ 20183.
(3) المورد هو السّيد الخوئى فى مصباح الفقاهة 1:221.
(4) قرب الإسناد : 274 ح1090، مسائل عليّ بن جعفر: 133 ح128 باختلاف، وعنهما وسائل الشيعة 24: 198، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب45 ح2 وبحار الأنوار 80 : 58 ح11.
(5) الجعفريات:26، النوادرللراوندي: 220 ح445 ، وعنهما مستدرك الوسائل 2: 578 و579، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات والأواني ب27 ح2775 وملحق ح2781، وج13: 72 و 73، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب6 ح14781 و 14786، وفي بحارالانوار 66: 52 ملحق ح12 وج80 : 79 ملحق ح7 عن النوادر.


صفحه 68

هذه هي الآيات والروايات التي استدلّ بها على أنّ الأصل في كلّ متنجّس عدم جواز الانتفاع به، وقد عرفت عدم تماميّة الاستدلال بشيء منها .

وأمّا الإجماع، فالمحصّل منه غير حاصل، والمنقول منه فاقد للاعتبار كما حقّق في محلّه ، مع أنّه على تقديره يكون بالقطع أو الاطمئنان أو الاحتمال القويّ مستنداً إلى بعض من الآيات والروايات المتقدّمة، فهي الأصل دون الإجماع; لأنّ الملاك هو المستند كما لايخفى ، مع أنّه أفاد الشيخ الأعظم : والذي أظنّ ـ وإن كان الظنّ لايغني لغيري شيئاً ـ أنّ كلمات القدماء ترجع إلى ما ذكره المتأخّرون، وأنّ المراد بالانتفاع في كلمات القدماء: الانتفاعات الراجعة إلى الأكل والشرب، وإطعام الغير، وبيعه على نحو بيع ما يحلّ أكله (1)، انتهى .

ويرد عليه: أنّ الأمر وإن كان كذلك، إلاّ أنّ ظنّه لا يغني لنفسه أيضاً; لأنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً(2)، إلاّ أن يريد منه الاطمئنان الذي هو حجّة عقلائيّة، كما مرّ منّا مكرّراً .

إذا عرفت ما ذكرنا من أنّه لا دليل على أنّ الأصل الأوّلي في مطلق المتنجّس هو عدم جواز الانتفاع به، بل مقتضى أصالة الحلّية الجواز، يظهر لك وجه التفصيل بين صور المسألة المذكور في المتن; لأنّه في صورة القابليّة للتطهير، وكذا في صورة عدم توقّف جواز الانتفاع على الطهارة ـ كلبس الثوب النجس في غير حال الصلاة ـ لاوجه للحكم بالعدم; لأنّه في الصورة الاُولى يتحقّق البيع ثمّ يقع التطهير لفرض



(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 91.
(2) سورة يونس 10: 36.


صفحه 69

القابليّة له، وفي الصورة الثانية كما إذا اشترى الثوب النجس للّبس ولو فرض فيه عدم القابليّة فضلاً عن صورة القابليّة .

وأمّا الصورة الأخيرة التي حكم فيها بعدم الجواز كمثال السكنجبين، فالوجه فيه ما ذكرنا(1) من أنّه لا يمكن بقاء السكنجبين بعنوانه مع تحقّق الطهارة له بالاتّصال بالكرّ ونحوه; لتوقّف الطهارة على الامتزاج الموجب للاستهلاك، وقد ذكرنا سابقاً في كتاب الطهارة اعتبار الامتزاج(2) لو اُريد تطهير الماء المتنجّس فضلاً عن مثل السكنجبين، ولأجله ذكرنا فيه أنّه لا يقبل التطهير; لأنّه ما دام كونه كذلك لا يطهر، و في فرض الطهارة يخرج عن العنوان المزبور ، فوجه الفرق بين الصور الثلاثة ظاهر.

هذا كلّه بالإضافة إلى المتنجّس . وأمّا الكلام في نجس العين من حيث أصالة حلّ الانتفاع به في غير ما ثبتت حرمته، أو أصالة العكس. فاعلم أنّه قد استظهر الشيخ الأعظم(قدس سره) من الأكثر أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين(3)، بل عن صاحب الحدائق نسبة ذلك إلى الأصحاب(4)، بل عن بعض الإجماع على ذلك(5) .

أقول : الأدلّة الواردة في خصوص نجس العين التي يمكن الاستدلال بها في بادئ



(1) في ص 56.
(2) تفصيل الشريعة فى شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، المياه: 75 ـ 76 و 175 ـ 177.
(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 97.
(4) الحدائق الناضرة 18: 89 .
(5) الخلاف 6: 91 ـ 92 مسألة 19، غنية النزوع: 213، تذكرة الفقهاء 10: 25 و 31، التنقيح الرائع 2: 5، وحكاه في مفتاح الكرامة 12: 44 ومكاسب الشيخ عنها وعن حاشية الإرشاد لفخر الدِّين، ولكن لم نعثر عليه في الحاشية المطبوعة. نعم، جاء في هامش مفتاح الكرامة: حاشية إرشاد الأذهان في التجارة ص44 س12 (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم 2474).


صفحه 70

النظر لهذا القول، هي الآية الدالّة على تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير  الآية(1)، وقد عرفت(2) أنّ قوله ـ تعالى ـ : {ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَـلـِثَ} وإن كان لا يشمل المتنجّس، إلاّ أنّ المراد هو تحريم الأكل للمقابلة ، ورواية تحف العقول المتقدّمة(3)الدالّة على النهي عن بيع شيء من وجوه النجس; أي العنوانات النجسة مشتملاً على التعليل المتقدّم(4).

وقد مرّ أنّ المستفاد من الآية المذكورة تحريم ما يراد غالباً من تلك العناوين من أكل الميتة وشرب الدم وأكل لحم الخنزير ومثلها، وإلاّ فالانتفاع بالدم بمثل ما هو المتداول في زماننا من تزريقه إلى من يحتاج إلى التزريق من المرضى، أو من عرض له اصطدام مثل السيّارة، فلا يستفاد تحريمه من الآية بوجه ، فلا مجال لأن يقال: إنّ التحريم المتعلّق بالذوات يعمّ جميع الأفعال المرتبطة بها، بل المتفاهم العرفي هو خصوص الفعل المناسب لها، كما أنّ تحريم الاُمّهات والبنات ومثلهما لا يستفاد منه إلاّ تحريم النكاح معهنّ، لا النظر ومثله .

كما أنّ اشتمال رواية تحف العقول على التعليل بقوله(عليه السلام) : «فجميع تقلّبه فى ذلك حرام» لا يدلّ على حرمة الانتفاع بالعناوين النجسة بجميع الانتفاعات، ولوبملاحظة ما قدّمنا من أنّ العلّة المذكورة للأحكام لا تلزم أن تكون ارتكازيّة، بل يمكن أن تكون تعبّدية كما مثّلنا لذلك سابقاً(5) ، خصوصاً مع الاحتمال الذي ذكره



(1) سورة البقرة 2: 173.
(2) في ص 59 ـ 60.
(3) في ص 11.
(4) في ص11، 32 و 61.
(5) في ص 61.


صفحه 71

الشيخ من أن يكون المراد من «جميع التقلّب» الذي هو حرام، جميع أنواع التعاطي لا الاستعمالات(1) .

وظاهر المتن في المسألة الاُولى من مسائل المكاسب المحرّمة، أنّ أصل الانتفاع بالعذرة في التسميد لا مانع منه وإن استشكل في جواز بيعه لذلك ، وقد حكي عن مبسوط الشيخ الطوسي(قدس سره) أنّ سرجين ما لا يؤكل لحمه وعذرة الإنسان وخرء الكلاب لايجوز بيعها، ويجوز الانتفاع بها في الزروع والكروم و اُصول الشجر بلا خلاف(2) . وعن العلاّمة في كتابيه التذكرة والقواعد جواز اقتناء الأعيان النجسة لفائدة(3).

هذا، ويرد على الإجماع المدّعى في المقام ما أوردناه على دعوى الإجماع بالإضافة إلى المتنجّس .

وعليه: فلا مجال للحكم بأنّ الأصل الأوّلي في الأعيان النجسة هي حرمة الانتفاع، بل الظاهر هي الحلّية في غير ما ثبتت حرمته، كالمتنجّس على ماعرفت(4) .



(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 101.
(2) المبسوط 2: 167.
(3) تذكرة الفقهاء 12: 138، قواعد الأحكام 2: 6.
(4) في ص 56 ـ 69.


صفحه 72

بيع الترياق و الهرّة و ما كان آلة للحرام

مسألة 6 : لا بأس ببيع الترياق المشتمل على لحوم الأفاعي مع عدم ثبوت أنّها من ذوات الأنفس السائلات، ومع استهلاكها فيه ـ كما هو الغالب بل المتعارف ـ جاز استعماله وينتفع به . وأمّا المشتمل على الخمر فلايجوز بيعه; لعدم قابليّته للتطهير، وعدم حلّية الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار ـ الذي هو المدار ـ لا الجواز عند الاضطرار1.

1 ـ قال في مجمع البحرين : الترياق ما يستعمل لدفع السُمّ من الأدوية والمعاجين، وهو روميّ معرَّب .

ويقال : الدِّرياق . وقيل : مأخوذ من الريق، والتاء زائدة، ووزنه «تفعال» بكسر التاء; لما فيه من ريق الحيّات(1) ، انتهى .

ويظهر منه أنّه يكون من المأكولات، وجوّز في المتن بيعه وإن كان مشتملاً على لحوم الأفاعي بشرطين :

أحدهما : عدم ثبوت أنّ الأفاعي من ذوات الأنفس السائلات; لما مرّ(2) من اختصاص حرمة الميتة ونجاستها بما إذا كانت له نفس سائلة، فاللازم في الحكم بالجواز عدم إحراز كونها من ذوات الأنفس السائلات حتّى لا تحرز نجاستها .

ثانيهما : استهلاك المقدار المأخوذ من الأفاعي لئلاّ يتحقّق أكل الخبيث المحرّم وإن لم يكن نجساً ، فمع وجود هذين الشرطين لا مانع من جواز بيعه; لوجود المنفعة المحلّلة المقصودة فيه; وهو دفع السمّ كما عرفت .



(1) مجمع البحرين: 1 / 224.
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 55 ـ 56، المسألة الثالثة.


صفحه 73

نعم ، ما كان منه مشتملاً على الخمر التي تكون نجسة من دون فرق بين قليلها وكثيرها فلايجوز بيعه; لعدم وجود العلّة المذكورة فيه; لعدم قابليّته للتطهير وعدم حلّية الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار ـ الذي هو المدار ـ لا الجواز عند الاضطرار. وقد تقرّر في محلّه(1) من كتاب النجاسات أنّ استهلاك العين النجسة ولو كانت في غاية القلّة لايوجب بقاء المتنجّس بها على الطهارة .

وما تقدّم من الشيخ الطوسي في الدم من التفصيل بين ما تراه العين وما لاتراه، قد مرّ عدم دلالة مستنده على ذلك(2) ، غاية الأمر عدم دلالته على لزوم الاجتناب عن الذي علم بملاقاته للنجاسة ، واحتمل أن تكون الملاقاة بالإضافة إلى خارج الظرف، الذي هو خارج عن محلّ الابتلاء بالنسبة إلى ما في الظرف من المائع أكلاً، أو وضوءاً أو غيرهما، وإلاّ ففي صورة العلم بالوقوع في داخل الظرف يتنجّس ما فيه من المائع; سواء كان الدم مرئياً فيه أو مستهلكاً، والظاهر أنّ الشيخ غير قائل بهذا التفصيل في مطلق النجاسات، بل في خصوص الدم لاختصاص دليله به .

وفي المقام إذا كان الترياق مشتملاً على الخمر ولو كانت في غاية القلّة يكون نجساً، ولايجوز الأكل بوجه إلاّ في صورة الاضطرار، كما ربما حكي ذلك بالإضافة إلى بعض الأشربة المستعملة بعنوان الدواء للحلقوم; فإنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز في صورة الاختيار; لاشتماله على مقدار من الخمر ولو كان في غاية القلّة .

وأمّا الترياق المتداول في هذه الأزمنة، فلايكون مشتملاً على لحوم الأفاعي، بل مأخوذاً من جلد ما يسمّى في الفارسية بالخشخاش ولا يكون من المأكولات، بل يستفاد من دخانه بمعونة بعض الآلات المعدّة لذلك، وبيعه وإن لم يكن غير جائز



(1،2) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 109ـ 111.


صفحه 74

بحسب الحكم الأوّلي، إلاّ أنّه لا يبعد أن يقال بالحرمة بالعنوان الثانوي، كبيع السلاح من أعداء الدِّين على ما سيأتي إن شاء الله(1) ; نظراً إلى أنّ عالم الاستكبار حيث يكون بصدد هدم الإسلام وتضعيف المسلمين، يكون في الباطن مروّجاً لإشاعته، خصوصاً بين الشباب لتخديرهم ومنعهم من ممارسة دورهم في التصدّي لما يسعى الاستعمار إليه من نهب ثرواتهم والسيطرة على بلدانهم الإسلامية، ووضع اليد على كلّ ما وهبهم الله تعالى من خيرات وما منَّ عليهم من بركات ، وإن كان بحسب الظاهر ينادي بأعلى صوته بالمخالفة معه في جميع الأبعاد من الزرع والتهيئة والحمل والنقل إلى الممالك المختلفة، لكنّه مخالفة ظاهريّة لا جدّية .

ولذلك نرى على ما نقل الموثّقون المطّلعون أنّ قيمة السكائر في البلدان المترقّية تكون أكثر من قيمتها في بلدان غيرها بكثير ، بحيث لا يمكن شراء مقدار منه في الاُولى بأضعاف القيمة الرائجة في الثانية .

ومن هذا يعلم أنّ غرضهم إشاعة هذه الاُمور جدّاً بين المسلمين ليسهل عليهم الوصول إلى أغراضهم الفاسدة التي يكون هدم أساس الإسلام في أولويّاتها ، خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بعد مجاهدات كثيرة و تحمّل مشقّات عديدة من مؤسّسها الإمام الماتن(قدس سره)، ومن تبعه من الناس أعمّ من الروحاني وغيره .



(1) ص128 ـ 138، مسألة 11.


صفحه 75

مسألة 7 : يجوز بيع الهرّة ويحلّ ثمنها بلا إشكال . وأمّا غيرها من أنواع السباع، فالظاهر جوازه إذاكان ذامنفعة محلّلة مقصودة عندالعقلاء.وكذا الحشرات بل المسوخ أيضاً إذا كانت كذلك، فهذا هو المدار في جميع الأنواع، فلا إشكال في بيع العلق الذي يمصّ الدم الفاسد، ودود القزّ، ونحل العسل وإن كانت من الحشرات، وكذا الفيل الذي ينتفع بظهره وعظمه وإن كان من المسوخ1.

1 ـ في هذه المسألة فروع :

الأوّل : بيع الهرّة التي تكون من السباع وإن كانت كثيرة في المنازل وغيرها، والظاهر أنّه لا مانع من الجواز فيه; لعدم كونها من الأعيان النجسة، وثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة لها، وقد نفى الإشكال في المتن عن جواز بيعها ، ويدلّ عليه بعض الروايات، مثل:

موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: . . . ولا بأس بثمن الهرّ(1) .

الثاني : غير الهرّة من أنواع السباع ، وقد استظهر في المتن الجواز إذا كان ذا منفعة محلّلة مقصودة عند العقلاء ، والظاهر أنّه لا مانع من جواز بيعها، خصوصاً جلود بعضها على ما سيجيء من دلالة بعض الروايات عليه، مثل:

صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال : سألته عن جلود السباع وبيعها وركوبها أيصلح ذلك؟ قال : لا بأس ما لم يسجد عليها(2) ، مضافاً إلى أنّه



(1) تهذيب الأحكام 6: 356 ح1017، وعنه وسائل الشيعة 17: 119، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب14 ح3.
(2) مسائل عليّ بن جعفر: 189 ح382، وعنه وسائل الشيعة 17: 172، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب37 ح5.


صفحه 76

مقتضى القاعدة .

الثالث : الحشرات بل المسوخ أيضاً إذا كانت لها منفعة محلّلة مقصودة كما في المتن ، وعليه: فيجوز بيع العلق الذي يمصّ الدم الفاسد، ودود القزّ ونحل العسل، وكذا الفيل الذي ينتفع بظهره وعظمه كصنع المشط منه; لأنّه ـ مضافاً إلى جريان سيرة المتشرّعة عليه ـ يكون على طبق القاعدة ومقتضاها ، وما عن الشيخ في المبسوط(1) من دعوى الإجماع على عدم جواز بيع المسوخ وحرمة الانتفاع بها غير ثابتة. وشبهة النجاسة في الجميع مندفعة كمانعيّة مجرّد النجاسة عن جواز البيع.

و هنا روايات دالّة على الجواز في بعضها، مثل :

رواية عبدالحميد بن سعد قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن عظام الفيل يحلّ بيعه أوشراؤه الذي يجعل منه الأمشاط؟فقال:لابأس، قدكان لأبي منه مشط أو أمشاط(2).

والظاهر أنّ الراوي هو عبد الحميد بن سعد; وهو من رجال صفوان، وقد وثّقهم جماعة، مثل رجال البزنطي وابن أبي عمير وإن كان الجميع قابلاً للمناقشة; لأنّ الوثاقة عندهم لا تدلّ على الثبوت واقعاً، وقد ناقشنا(3) فيما اشتهر في باب أصحاب الإجماع من تصحيح ما يصحّ عنهم، وقلنا بأنّ العبارات الواردة في شأنهم لا تدلّ على أزيد من الإجماع على وثاقة أنفسهم، ولا دلالة في شيء منها على تصحيح مايصحّ عنهم بوجه .

نعم ، قد مرّ في صحيحة ابن أبي يعفور المعروفة الواردة في بحث العدالة المذكورة



(1) المبسوط: 2 / 166.
(2) الكافي 5: 226 ح1، تهذيب الأحكام 6: 373 ح1083 و ج7: 133 ح585، وعنهما وسائل الشيعة 17: 171، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب37 ح2.
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحدود: 448 ـ 452.


صفحه 77

في باب الاجتهاد والتقليد(1) وبعض الأبواب الاُخر أنّ أحمد بن محمد بن يحيى العطار وإن لم يصرّح بوثاقته في الكتب الرجاليّة، إلاّ أنّ رواية جمع كثير من أعاظم الرواة وثقاتهم عنه أمارة على وثاقة الرجل وصحّة روايته، وقد حكينا ذلك عن سيّدنا الاُستاذ المحقّق البروجردي(قدس سره) في مجلس العزاء الذي أقامه في بيته الشريف ، فراجع .

لكنّ الذي يسهّل الخطب في المقام أنّ الحكم لا يكون على خلاف القاعدة حتّى يحتاج إلى إقامة دليل معتبر .

نعم، في بعض الروايات النهي بالنسبة إلى القرد; وهي رواية مسمع، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نهى عن القرد أن يُشترى وأن يُباع(2) .

ثمّ إنّ الظاهر أنّ تقييد الحكم بالجواز في صحيحة عليّ بن جعفر(عليه السلام) المتقدّمة بصورة عدم السجود على جلود السباع، يكون المراد به عدم إيقاع الصلاة فيها مطلقاً لا مجرّد نفي السجود عليها; لأنّ الصلاة في أجزاء غير مأكول اللحم ولو كانت شعرة منه غير صحيحة، والسباع محرّمة الأكل ظاهراً، فلابدّ من أن يكون المراد ماذكرنا، فتدبّر .

كما أنّ الظاهر أنّ النهي المحكيّ عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في رواية مسمع شامل للتجارة بأجزاء القرد أيضاً، ولا يختصّ بالمجموع أو بحال الحياة .



(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الاجتهاد والتقليد: 313 ـ 316.
(2) الكافي 5: 227 ح7، تهذيب الأحكام 6: 374 ح1086 وج7: 134 ح594، وعنهما وسائل الشيعة 17: 171، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب37 ح4.


صفحه 78

مسألة 8 : يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام بحيث كانت منفعته المقصودة منحصرة فيه، مثل آلات اللّهو كالعيدان والمزامير والبرابط ونحوها، وآلات القمار كالنرد والشطرنج ونحوهما ، وكما يحرم بيعها وشراؤها يحرم صنعتها
والاُجرة عليها ، بل يجب كسرها وتغيير هيئتها . نعم ، يجوز بيع مادّتها من الخشب والصفر مثلاً بعد الكسر، بل قبله أيضاً إذا اشترط على المشتري كسرها، أو بيع المادّة ممّن يثق به أنّه يكسرها. ومع عدم ما ذكر ففيه إشكال. ويجوز بيع أواني الذهب والفضّة للتزيين والاقتناء
1.

1 ـ يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام محضاً بحيث كانت منفعته المقصودة العقلائية منها منحصرة في الحرام، مثل آلات اللهو كالأمثلة المذكورة في المتن، وكآلات القمار لا مثل السيف الذي يمكن استعماله في الحلال ويمكن استعماله في الحرام; فإنّ بيعه جائز مع عدم اشتراط استفادة خصوص الحرام منه، كما سيأتي(1) في مسألة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً.

لكن لابدّ هنا من التنبيه على أمر; وهو أنّ عدم جواز بيع الآلات المذكورة إنّما هو ما دامت الصفة المذكورة المحرّمة باقية فيها غير زائلة عنها، وإلاّ فلو فرض زوال عنوان الآلية للأمرين المتقدّمين عنه رأساً بحيث فرض خروجه عن الآلية للهو رأساً، أو عن القمار طرّاً، كما ربما يدّعى ذلك بالإضافة إلى مثل الشطرنج الذي كان آلة للقمار واليوم وسيلة لتكامل الفكر، فلايكون بيعه غير جائز وإن وردت رواية خاصّة فيه، وهي:

صحيحة أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : بيع الشطرنج حرام، وأكل ثمنه



(1) في ص 91 ـ 103.


صفحه 79

سحت، واتّخاذها كفر، واللعب بها شرك، والسلام على اللاّهي بها معصية وكبيرة موبقة ، الحديث(1) . إلاّ أنّ المراد منها ظاهراً صورة البقاء على الآلية للقمار، وقد صرّح بذلك الإمام الماتن(قدس سره) في الجواب عن الاستفتاء منه(2) .

وفي بعض الروايات الواردة في تفسير الميسر التمثيل بالنرد والشطرنج، مثل:

رواية أبي الجارود ـ الذي اسمه زياد واسم أبيه المنذر ـ قال : وأمّا الميسر: فالنرد والشطرنج، وكلّ قمار ميسر، الحديث(3) . ويستفاد من مثلها أنّ حرمة الشطرنج إنّما هي بعنوان كونه آلة للقمار الذي سيجيء إن شاء الله تعالى أنّه المراهنة بالعوض .

وعليه: فلابدّ أن تكون آلته ممهّدة لذلك وممحّضة له، وقد حكى الإمام الماتن(قدس سره)عن بعض الأعاظم(4) جواز اللعب بآلات القمار مع عدم المراهنة بالعوض(5) فضلاً عن غيرها وإن كان ظاهره هنا ، وفي كتاب المكاسب المحرّمة(6) حرمة اللعب بالشطرنج وعدم جواز التجارة على مثله مستنداً إلى الروايات التي حكم بضعف إسنادها، ودعوى الإجماع ونقله مستفيضاً عن الرياض(7) .



(1) مستطرفات السرائر: 59 ح29، وعنه وسائل الشيعة 17: 323، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب103 ح4 وبحارالانوار 103: 53 ح17.
(2) استفتاءات الإمام الخميني(رحمه الله) 2: 10 سؤال 21.
(3) تفسير القمّي 1: 180 ـ 181، وعنه وسائل الشيعة 17: 321، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب102 ح12 وتفسير كنز الدقائق 3: 183 ـ 184 والبرهان في تفسير القرآن 2: 352 ح3275.
(4) جامع المدارك 3: 27 ـ 28.
(5) صحيفه امام(رحمه الله) 21: 151.
(6) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 2: 23 ـ 30.
(7) منتهى المطلب 2: 1011 و1012 (الطبعة الحجريّة) ، مجمع الفائدة والبرهان 8 : 41، ريـاض المســائل 8 :73.


صفحه 80

ويرد عليه: أنّ رواية أبي بصير المتقدّمة صحيحة غير ضعيفة السند وإن كان الباقي كذلك، حتّى رواية أبي الجارود وإن كان نفسه ثقة زيديّاً ومؤسّساً لفرقة من الزيديّة المسمّاة بالجاروديّة، لكن سند عليّ بن إبراهيم صاحب التفسير إليه غير صالح ولايكون معتبراً .

نعم ، هنا رواية صحيحة; وهي رواية معمر بن خلاد، عن أبي الحسن(عليه السلام)قال : النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر(1).

ويستفاد من المجموع أنّ اهتمام الشارع بالاجتناب عن الشطرنج إنما هو لأجل كونه من الآلة المهمّة للقمار المتداولة إلى مايقرب من زماننا هذا، فلامجال للحكم بلزوم الاجتناب عنه، ورفع اليد عن التجارة به لو كان خارجاً عن الآلية، وتداوله بهذه الجهة بين غير المسلمين من الأجانب، لايوجب الاجتناب بالإضافة إلينا، خصوصاً فيما لو كانت المراهنة به خالية عن العوض واللعب به للتكامل الفكري والرشد العقلي، كما ربما يقولون بذلك .

ومن هنا يظهر أنّه لو خرج سائر آلات القمار عن هذا العنوان لا مانع من البيع والشراء بالإضافة إليه، ولا يختصّ ذلك بالشطرنج، وسيجيء أنّ السيّد في تعليقة مكاسب الشيخ(قدس سره) فسّر زوال الصفة المحرّمة المذكور في كلام العلاّمة بزوال صفة الآلية للقمار أو اللعب وإن كانت الهيئة باقية بحالها، فتدبّر جيّداً .

وكما يحرم بيعها و شراؤها ـ أي آلات القمار ونحوها ـ والتجارة بها، تحرم صنعتها والاُجرة عليها; لعدم الماليّة لها شرعاً بعد الانحصار المذكور، بل اللاّزم



(1) الكافي 6: 435 ح1، تفسير العيّاشي 1: 339 ح182، وعنهما وسائل الشيعة 17: 167، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب35 ح11 و ص323 ب104 ح1، وفي بحارالأنوار 79: 235 ح16 عن تفسير العيّاشي.



<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>