صفحه 241
نفسك من ذلك بمنزلة المنصف (النصف خ ل) المتعفّف، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف، وتكسب ما لابدّ للمؤمن منه ، إنّ الذين اُعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال لهم(1) .
وغير ذلك من الروايات(2) التي تدلّ على ما ذكر . ومن المعلوم أنّه لا حاجة إلى ملاحظة أسانيدها بعد وجود قاعدة التسامح في أدلّة السنن المحرّرة في الاُصول .
ويدلّ على استحباب الإقالة رواية هارون بن حمزة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : أيّما عبد أقال مسلماً في بيع، أقاله الله عثرته يوم القيامة(3) .
ومرسلة الصدوق عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : أيّما مسلم أقال مسلماً بيع ندامة أقاله الله ـ عزّوجلّ ـ عثرته يوم القيامة(4) .
وغير ذلك من الروايات التي ورد في بعضها إقالة النادم من دون التقييد
(1) الكافي 5: 81 ح8 ، تهذيب الأحكام 6: 322 ح882، وعنهما وسائل الشيعة 17: 48، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب13 ح3 والوافي 17: 53 ح16848. وفي مرآة العقول 19: 27 ح8 عن الكافي. وفي بحار الأنوار 103: 33 ح63 عن تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1: 13، وفي ص36 ح75 عن التمحيص :54 ح107. (2) وسائل الشيعة 17: 48 ـ 51، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب13 والوافي 17: 51 ـ 57 ب5 وبحار الأنوار 103: 18 ـ 40 ب2. (3) الكافي 5: 153 ح16، الفقيه 3: 122 ح526، مصادقة الإخوان 178 ب31 ح1، تهذيب الأحكام 7: 8 ح26، وعنها وسائل الشيعة 17: 386، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب3 ح2. وفي الوافي 17: 440 ح17595 عن الكافي والتهذيب والفقيه. (4) المقنع: 299، وعنه وسائل الشيعة 17: 387، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب3 ح4.
صفحه 242
بالمسلم(1) ، كما أنّ التقييد بالبيع كما في المتن وإن كان موجوداً في أكثر الروايات، إلاّ أنّ بعضها خال عنه .
ويدلّ على استحباب التسوية بين المتبايعين من دون فرق بين المماكس وغيره، رواية عامر بن جذاعة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال في رجل عنده بيع فسعّره سعراً معلوماً، فمن سكت عنه ممّن يشتري منه باعه بذلك السعر ، ومن ماكسه وأبى أن يبتاع منه زاده، قال: لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس، فأمّا أن يفعله بمن أبى عليه وكايسه ويمنعه من لم يفعل فلايعجبني إلاّ أن يبيعه بيعاً واحداً(2).
واستدرك في المتن ما إذا كان الفرق وعدم التسوية لأجل الفضل أو الدِّين أو السيادة أو الفقر أو مثلها دون المماكسة ، والوجه فيه: رجحان ملاحظة هذه الاُمور في نفسها .
ويدلّ على استحباب الأخير رواية السكوني، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : مرَّ أمير المؤمنين(عليه السلام) على جارية قد اشترت لحماً من قصّاب وهي تقول : زدني ، فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام) : زدها فإنّه أعظم للبركة(3) .
(1) الخصال: 224 ح55، وعنه وسائل الشيعة 17: 387، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب3 ح5، وج20: 46، كتاب النكاح، أبواب مقدّماته وآدابه ب12 ح4، وبحار الأنوار 7: 269 ح48، وج75: 19 ح13، وج103: 96 ح24، وج104: 193 ح3. (2) الكافي 5: 152 ح10، تهذيب الأحكام 7: 8 ح25، وعنهما وسائل الشيعة 17: 398، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب11 ح1. وفي الوافي 17: 456 ح17628 ومرآة العقول 19: 136 ح10 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 10: 465 ح25 عن التهذيب. (3) الكافي 5: 152 ح8، تهذيب الأحكام 7: 7 ح20، الفقيه 3: 122 ح524، وعنها وسائل الشيعة 17: 392، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب7 ح1، والوافي 17: 485 ح17687، وروضة المتّقين 7: 19. وفي بحار الأنوار 41: 129 ح39 ومرآة العقول 19: 136 ح8 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 10: 463 ح20 عن التهذيب.
صفحه 243
ومرسلة إسحاق بن عمّار قال : قال: من أخذ الميزان بيده فنوى أن يأخذ لنفسه وافياً لم يأخذ إلاّ راجحاً ، ومن أعطى فنوى أن يُعطي سواء، لم يعط إلاّ ناقصاً(1) . وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال (2)، فراجع .
(1) الكافي 5: 159 ح2، الفقيه 3: 123 ح534، تهذيب الأحكام 7: 11 ح46، وعنها وسائل الشيعة 17: 393، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب7 ح5، والوافي 17: 485 ح17681. وفي مرآة العقول 19: 147 ح2 عن الكافي. وفي روضة المتّقين 7: 25 ـ 26 عن الفقيه. وفي ملاذ الأخيار 10: 475 ح46 عن التهذيب. (2) وسائل الشيعة 17: 392 ـ 394، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب7 ، والوافي 17: 483ـ 486 ب76.
صفحه 244
وأمّا المكروهة، فأُمور:
منها : مدح البائع لمتاعه .
ومنها : ذمّ المشتري لما يشتريه .
ومنها : اليمين صادقاً على البيع والشراء .
ومنها : البيع في موضع يستتر فيه العيب .
ومنها : الربح على المؤمن إلاّ مع الضرورة، أو كان الشراء للتجارة، أو كان اشتراؤه للمتاع أكثر من مائة درهم; فإنّ ربح قوت اليوم منه غير مكروه .
ومنها : الربح على من وعده بالإحسان إلاّ مع الضرورة .
ومنها : السوم ما بين الطلوعين .
ومنها : الدخول في السوق أوّلاً والخروج منه آخراً .
ومنها : مبايعة الأدنين الذين لايبالون بما قالوا وما قيل لهم .
ومنها : التعرّض للكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة إذا لم يحسنه .
ومنها : الاستحطاط من الثمن بعد العقد .
ومنها : الدخول في سوم المؤمن على الأظهر. وقيل بالحرمة، ولا يكون منه الزيادة فيما إذا كان المبيع في المزايدة1.
1 ـ يدلّ على كراهة مدح البائع لما يبيعه وكذا ذمّ المشتري لما يشتريه روايات :
منها : رواية السكوني، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : من باع واشترى فليحفظ خمس خصال، وإلاّ فلا يشترينّ ولا يبيعنّ : الربا، والحلف، وكتمان العيب، والحمد إذا باع، والذمّ إذا اشترى(1) .
(1) الكافي 5: 150 ح2، تهذيب الأحكام 7: 6 ح18، الفقيه 3: 120 ح515، الخصال: 285 ح38، وعنها وسائل الشيعة 17: 383، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب2 ح2. وفي الوافي 17: 437 ح17586 عن الكافي والتهذيب والفقيه. وفي بحار الأنوار 103: 95 ح18 عن الخصال.
صفحه 245
والنهي محمول على الكراهة، ولايكون ذكر الربا قرينة على الحرمة، وإلاّ يلزم حرمة الحلف وإن كان صادقاً ، مع أنّه من المعلوم خلافه ، والراوي عن السكوني هو النوفلي الذي هو من ثقات تفسير عليّ بن إبراهيم .
والرواية بإطلاقها تدلّ على كراهية الحلف صادقاً في البيع والشراء ، وهنا روايات كثيرة اُخرى بعضها صريح في الحلف صادقاً وحرمة الحلف كاذباً(1) .
وأمّا البيع في موضع يستتر فيه العيب، فيدلّ على كراهته رواية هشام بن الحكم قال : كنت أبيع السابري(2) في الظلال فمرّ بي أبو الحسن الأوّل(عليه السلام) راكباً، فقال لي : يا هشام إنّ البيع في الظلال غشّ، والغشّ لا يحلّ(3) . بناءً على أنّه لا خصوصيّة للظلّ إلاّ جهة ستره .
ثمّ إنّه لا ينافي استفادة الكراهة من الرواية، مع ما مرّ منّا من دلالتها على حرمة الغشّ ; لأنّ الظاهر أنّ تطبيق عنوان الغشّ على المورد إنّما هو على سبيل المسامحة ، ولذا نقول فيها بالكراهة ، فتدبّر .
وأمّا كراهية الربح على المؤمن إلاّ في الموارد الثلاثة المذكورة في المتن، فيدلّ
(1) وسائل الشيعة 17: 382 ـ 385، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب2 وص419 ـ 421 ب25. (2) السابري: ضرب من الثياب الرِّقاق تعمل بسابور، موضع بفارس، مجمع البحرين 2: 808. (3) الكافي 5: 160 ح6، الفقيه 3: 172 ح770، تهذيب الأحكام 7: 13 ح54، وعنها وسائل الشيعة 17: 466، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب58 ح1، والوافي 17: 467 ح17650، وروضة المتّقين 7: 265. وفي مرآة العقول 19: 149 ح6 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 10: 477 ح54، عن التهذيب.
صفحه 246
عليها ـ سوى الضرورة التي لا مجال لاحتمال الكراهة فيهاـ رواية سلمان بن صالح وأبي شبل جميعاً، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : ربح المؤمن على المؤمن ربا إلاّ أن يشتري بأكثر من مائة درهم، فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة، فاربحوا عليهم وارفقوا بهم(1) .
والروايات الكثيرة الاُخرى(2) .
ويدلّ على كراهية الربح على من وعده بالإحسان رواية علي بن عبدالرحيم، عن رجل، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سمعته يقول : إذا قال الرجل للرجل هلمّ أحسن بيعك، يحرم عليه الربح(3) .
وذكر صاحب الوسائل أنّه حمله بعض الأصحاب على الكراهة(4) ، وغير ذلك من الروايات(5) الاُخر .
(1) الكافي 5: 154 ح22، تهذيب الأحكام 7: 7 ح23، الاستبصار 3: 69 ح232، وعنها وسائل الشيعة 17: 396، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب10 ح1. وفي الوافي 17: 458 ح17634، ومرآة العقول 19: 140 ح22 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 10: 464 ح23 عن التهذيب. (2) وسائل الشيعة 17: 396 ـ 398، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب10. (3) الكافي 5: 152 ح9، تهذيب الأحكام 7: 7 ح21، الفقيه 3: 173 ح774، وعنها وسائل الشيعة 17: 395، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب9 ح1، والوافي 17: 457 ـ 458 ح17632 و17633، وروضة المتّقين 7: 268. وفي مرآة العقول 19: 136 ح9 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 10: 464 ح21 عن التهذيب. (4) شرائع الإسلام 2: 20، مسالك الأفهام 3: 185، الحدائق الناضرة 18: 25، رياض المسائل 8 : 160، جواهر الكلام 22: 456، ومفتاح الكرامة 12: 437. (5) وسائل الشيعة 17: 395 ـ 396، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب9.
صفحه 247
وأمّا السوم ما بين الطلوعين، فيدلّ على حكمه قول النبيّ(صلى الله عليه وآله) في مرفوعة علي ابن اسباط ونهيه عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس(1) .
وأمّا الدخول في السوق أوّلاً والخروج منه آخراً، فيدلّ على حكمه مثل مرسلة الصدوق المعتبرة قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام) : جاء أعرابيّ من بني عامر إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) فسأله عن شرّ بقاع الأرض وخير بقاع الأرض ؟
فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله) : شرّ بقاع الأرض الأسواق; وهي ميدان إبليس، يغدو برايته، ويضع كرسيّه، ويبثّ ذرّيته، فبين مطفّف في قفيز، أو سارق في ذراع، أو كاذب في سلعة ، فيقول: عليكم برجل مات أبوه وأبوكم حيّ، فلا يزال مع ذلك أوّل داخل وآخر خارج .
ثمّ قال(عليه السلام) : وخير البقاع المساجد، وأحبّهم إلى الله أوّلهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها(2) .
وأمّا كراهة مبايعة الأدنين، فلم أظفر فيها برواية دالّة عليها بعد الفحص بالمقدار اللازم في الوسائل، إلاّ أنّ الاعتبار يساعدها; لعدم الاعتماد على أقوالهم وتعهّداتهم بالنسبة إلى الثمن والمثمن، أو الجهات الاُخرى المتعلِّقة بالمبايعة، كما لايخفى .
(1) الكافي 5: 152 ح13، الفقيه 3: 122 ح529، تهذيب الأحكام 7: 8 ح28، وعنها وسائل الشيعة 17: 399، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب12 ح2، والوافي 17: 445 ح17610، وروضة المتّقين 7: 22. (2) الفقيه 3: 124 ح539، معاني الأخبار: 168 ح1، وعنهما وسائل الشيعة 5: 293، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد: ب68 ح1، وج17: 468، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب60 ح1. وفي بحار الأنوار 84 : 11 ح87 وج103: 97 ح228 عن المعاني. وفي روضة المتّقين 7: 28 ـ 36 عن الفقيه.
صفحه 248
وأمّا كراهية التعرّض للكيل أو الوزن أو مثلهما إذا لم يحسنه، فيدلّ عليه مرسلة مثنّى الحنّاط، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : رجل من نيّته الوفاء وهو إذا كال لم يحسن أن يكيل ، قال : فما يقول الذين حوله؟ قلت : يقولون: لا يوفي ، قال : هذا(1) لا ينبغي له أن يكيل(2) .
ويدلّ على كراهة الاستحطاط من الثمن بعد العقد رواية إبراهيم الكرخي (الكلابي خ ل) قال : اشتريت لأبي عبدالله(عليه السلام) جارية ، فلمّا ذهبت أنقدهم قلت : أستحطّهم؟ قال : لا ، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة(3) .
وأمّا الدخول في سوم المؤمن، فقد جعل الأظهر الكراهة ونسب الحرمة إلى القيل ، ومنشأ الخلاف ما ورد في حديث المناهي عن الصادق، عن آبائه(عليهم السلام) قال : ونهى رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم(4) .
(1) في الفقيه: هو ممّن، بدل «هذا». (2) الكافي 5: 159 ح4، تهذيب الأحكام 7: 12 ح47، الفقيه 3: 123 ح533، وعنها وسائل الشيعة 17: 394، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب8 ح1، والوافي 17: 484 ح17683 و 17684، وروضة المتّقين 7: 24 ـ 25. (3) الكافي 5: 286 ح1، تهذيب الأحكام 7: 80 ح345 وص233 ح1017، الاستبصار 3: 73 ح343، الفقيه 3: 145 ح641، وعنها وسائل الشيعة 17: 452، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب44 ح1، وروضة المتّقين 7: 143. وفي الوافي 17: 471 ح17660 عن الكافي والتهذيب والفقيه. وفي مرآة العقول 19: 383 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 11: 450 ـ 451 عن التهذيب. (4) الفقيه 4: 3 ح1، وعنه وسائل الشيعة 17: 459، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب49 ح3، وروضة المتّقين 9: 340. وفي بحارالأنوار76:329 قطعة منح1،وج103: 80 صدر ح1 عن أمالي الصدوق:510 قطعة من ح707. ورواه في مكارم الأخلاق 2: 307 قطعة من ح2655.
صفحه 249
والنهي وإن كان ظاهراً في الحرمة، إلاّ أنّه حيث لا يكون حديث المناهي نقيّ السند، فلا مجال لأزيد من الحكم بالكراهة، كما لايخفى ، ثمّ إنّ مورد الحكم ما إذا لم يكن البيع بالمزايدة، وإلاّ فلا كراهة فضلاً عن الحرمة .
صفحه 250
ومنها : تلقّي الركبان والقوافل واستقبالهم للبيع عليهم أو الشراء منهم قبل وصولهم إلى البلد . وقيل : يحرم وإن صحّ البيع والشراء، وهو الأحوط وإن كان الأظهر الكراهة، وإنّما يكره بشروط :
أحدها : كون الخروج بقصد ذلك .
ثانيها : تحقّق مسمّى الخروج من البلد .
ثالثها : أن يكون دون الأربعة فراسخ ، فلو تلقّى في الأربعة فصاعداً لم يثبت الحكم، بل هو سفر تجارة . والأقوى عدم اعتبار كون الركب جاهلاً بسعر البلد ، وهل يعمّ الحكم غير البيع والشراء، كالإجارة ونحوها ؟ وجهان1.
1 ـ قد نقل صاحب الوسائل في الباب الذي عقده لذلك روايات متعدّدة، أربعة منها عن منهال القصّاب، ومن الظاهر أنّ الجميع رواية واحدة، غاية الأمر الاكتفاء في البعض على البعض، ولم أجد المنهال المزبور في الموثّقين بالخصوص، أو بالعموم، كالوقوع في أسناد كامل الزيارات، أوتفسير علي بن إبراهيم ، وأجمعها من حيث المتن قوله : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : لا تلقّ، فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نهى عن التلقّي ، قال : وما حدّ التلقّي؟ قال: مادون غدوة أو روحة.قلت: وكم الغدوةوالرّوحة؟ قال: أربعة فراسخ.
قال ابن أبي عمير ـ الراوي عن المنهال بواسطة ـ : وما فوق ذلك فليس بتلقّ(1) .
وبعض الروايات الاُخرى(2) أيضاً فاقدة من حيث الاعتبار سنداً بل
(1) الكافي 5: 169 ح4، تهذيب الأحكام 7: 158 ح699، وعنهما وسائل الشيعة 17: 442، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب36 ح1، والوافي 17: 401 ح17518. وفي مرآة العقول 19: 161 ح4 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 11: 264 ـ 265 عن التهذيب. (2) وسائل الشيعة 17: 442 ـ 444، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب36، ومستدرك الوسائل 13: 280ـ281 ب29.
صفحه 251
ودلالةً، فراجع.
ولأجل ما ذكرنا جعل الأظهر في المتن الكراهة وإن احتاط بالحرمة، ولكن لايخفى أنّ المعاملة مع تلقّي الركبان غير باطلة; سواء كان بيعاً أو شراءً ; لعدم دليل على البطلان مطلقاً ، مع أنّه لم يقل بالفساد إلاّ الإسكافي(1) ، وعن ظاهر المنتهى الاتّفاق على خلافه (2)، ويعتبر في ثبوت الحكم اُمور :
الأوّل : كون قصده من ذلك الخروج للاستفادة من التجارة معهم لأجل عدم اطّلاعهم نوعاً على قيمة الأشياء ، والوجه في اعتبار هذا الأمر ـ مضافاً إلى أنّه القدر المتيقّن ـ انصراف كلمة التلقّي المذكورة نصّاً وفتوى إلى هذه الصورة .
الثاني : أن يكون دون الأربعة فراسخ الموجب لعدم تحقّق السفر الشرعي ولو رجع ليومه كما هو المتعارف ، وقد صرّح باعتبار هذا الأمر في رواية المنهال المتقدّمة ، فإذا بلغ أربعة فراسخ فهو سفر، والسفر للتجارة لا كراهة فيه .
الثالث : كون الركب جاهلاً بسعر البلد، وقد قوّى في المتن عدم اعتباره ، والوجه فيه إطلاق الدليل وعدم ما يدلّ على التقييد ، وهل يعمّ الحكم غير البيع والشراء كالإجارة ونحوها ؟ فقد احتمل وجهين في هذه الجهة: من إطلاق التلقّي المنهيّ عنه كما في الرواية ، ومن أنّ الظاهر خصوص البيع والشراء; لإمكان وقوعهما نوعاً في خارج المصر بخلاف غيرهما ، فتدبّر .
نعم ، لا يبعد إلحاق غير البيع ممّا هو مثله به، كالصلح مع العوض بخلاف الإجارة .
(1) حكى عنه في مختلف الشيعة 5: 74 مسألة 37. (2) منتهى المطلب 2: 1005 ـ 1006، الطبعة الحجريّة.
صفحه 252
حرمة الاحتكار
مسألة 23 : يحرم الاحتكار ; وهو حبس الطعام وجمعه يتربّص به الغلاء، مع ضرورة المسلمين وحاجتهم وعدم وجود من يبذلهم قدر كفايتهم . نعم ، مجرّد حبس الطعام انتظاراً لغلوّ السعر مع عدم ضرورة الناس ووجود الباذل، ليس بحرام وإن كان مكروهاً، ولو حبسه في زمان الغلاء لصرفه في حوائجه لا للبيع فلا حرمة فيه ولا كراهة . والأقوى عدم تحقّقه إلاّ في الغلاّت الأربع والسمن والزيت . نعم ، هو أمر مرغوب عنه في مطلق ما يحتاج إليه الناس ، لكن لا يثبت لغير ما ذكر أحكام الاحتكار، ويجبر المحتكر على البيع، ولا يعيّن عليه السعر على الأحوط ، بل له أن يبيع بما شاء إلاّ إذا أجحف، فيجبر على النزول من دون تسعير عليه ، ومع عدم تعيينه يعيّن الحاكم بما يرى المصلحة1.
1 ـ قد تعرّض الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) لمسألة الاحتكار في أواخر كتاب البيع من مكاسبه(1) قبل الورود في بحث الخيارات ، وتحقيق البحث فيه يستدعي التكلّم في مقامات :
الأوّل : أنّه قد حكي عن الصحاح والمصباح(2) أنّ معنى الاحتكار هو جمع الطعام وحبسه يُتربّص به الغلاء وعلوّ القيمة، وفي سعة معناه وضيقه كلام سيأتي إن شاء الله تعالى .
الثاني : في حكمه من جهة الحرمة والكراهة بعد أنّه لا خلاف في مرجوحيّته ،
(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 363 ـ 374. (2) الصحاح 1: 524، المصباح المنير: 145، النهاية في غريب الحديث والأثر 1: 417.
صفحه 253
فالمحكي عن جمع من الكتب الفقهيّة الكراهة(1) ، وعن جمع كثير من الكتب الاُخرى الحرمة(2) .
ويدلّ على التحريم في الجملة ـ مع أنّه خلاف الأصل، وخلاف قاعدة السلطنة على الأموال ـ روايات :
منها : صحيحة أبي الفضل سالم الحنّاط قال : قال لي أبو عبدالله(عليه السلام) : ما عملك؟ قلت : حنّاط، وربما قدمت على نفّاق، وربما قدمت على كساد فحبست ، قال : فما يقول من قبلك فيه؟ قلت : يقولون: محتكر ، فقال : يبيعه أحدٌ غيرك؟ قلت : ما أبيع أنا من ألف جزء جزءاً ، قال : لا بأس، إنّما كان ذلك رجل من قريش يقال له: حكيم بن حزام ، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه ، فمرّ عليه النبيّ(صلى الله عليه وآله)فقال : يا حكيم بن حزام إيّاك أن تحتكر(3) ، فإنّ التحذير عن الاحتكار لا يلائم إلاّ مع حرمته.
(1) المقنعة: 616 ، المبسوط في فقه الإماميّة 2: 195، الكافي في الفقه: 283، المراسم العلويّة: 171، شرائع الإسلام 2: 21، المختصر النافع: 201، مختلف الشيعة 5: 69 مسألة 31، اللمعة الدمشقيّة: 61، جواهر الكلام 22: 477 ـ 481. (2) المقنع: 372، الاستبصار 3: 115 ذح 408، المهذّب 1: 346، السرائر 2: 238ـ 239، تحرير الأحكام 2: 254، منتهى المطلب 2: 1006، إيضاح الفوائد 1: 409، الدروس الشرعيّة 3: 180، جامع المقاصد 4: 40، مسالك الأفهام 3: 191، الروضة البهيّة 3: 218 و 298، التنقيح الرائع 2: 42، رياض المسائل 8 : 171ـ 172، مفتاح الكرامة 12: 353ـ 354، مستند الشيعة 14: 44 ـ 48، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 363 ـ 367. (3) الكافي 5: 165 ح4، تهذيب الأحكام 7: 160 ح707، الاستبصار 3: 115 ح410، الفقيه 3: 169 ح747، وعنها وسائل الشيعة 17: 428، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب28 ح3، وروضة المتّقين 7: 244. وفي الوافي 17: 391 ح17493 عن الكافي والتهذيب والفقيه. وفي مرآة العقول 19: 155 ح4 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 11: 268 ح12 عن التهذيب.
صفحه 254
والظاهر أنّ المراد من قوله : «ما أبيع أنا من ألف جزء جزءاً» هو الكناية عن تعدّد من يبيع بحيث تكون النسبة بينه، وبين غيره من البايعين كالواحد أو أقلّ بالإضافة إلى الألف ، كما أنّ التحذير عن الاحتكار لا يرجع إلى تحقّقه مع اشتراء طعام المدينة بمجرّد دخوله ، بل مرجعه إلى إمكان تحقّق الاحتكار بعد ذلك ، فتدبّر .
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يحتكر الطعام ويتربّص به هل يصلح ذلك؟قال: إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلابأس به، وإن كان الطعام قليلاً لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام(1) ; فإنّ الظاهر أنّ المراد بالكراهة الحرمة لا الكراهة المصطلحة في مقابلها .
ويؤيّده تقييد الكراهة بصورة كون الطعام قليلاً لا يسع الناس ، مع أنّ الكراهة الاصطلاحية مطلقة كما سيجيء إن شاء الله تعالى .
ومثلها : صحيحة اُخرى للحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سُئل عن الحكرة؟ فقال : إنّما الحكرة أن تشتري طعاماً وليس في المصر غيره فتحتكره، فإن كان في المصر طعام أو متاع (يباع خ ل) غيره فلا بأس أن تلتمس بساحتك (بسلعتك خل) الفضل(2) .
(1) الكافي 5: 165 ح5، تهذيب الأحكام 7: 160 ح708، الاستبصار 3: 115 ح411، وعنها وسائل الشيعة 17: 424، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح2. وفي الوافي 17: 391 ح17494 عن الكافي والتهذيب. وفي مرآة العقول 19: 156 ح5 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 11: 268 ح13 عن التهذيب. (2) الفقيه3: 168 ح746، التوحيد: 389 ح36، الكافي5: 164 ح3، تهذيب الأحكام7: 160 ح706، الاستبصار 3: 115 ح409، وعنها وسائل الشيعة 17: 427ـ 428، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب28 ح1 و2. وفي الوافي 17: 390 ح17492 عن الكافي والفقيه والتهذيب. وفي مرآة العقول 19: 155 ح3 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 11: 267 ح11 عن التهذيب.
صفحه 255
ولا تكون هذه الصحيحة متّحدة مع ما قبلها بعد اختلاف السؤال وكونه في إحداهما من الحلبي وفي الثانية من غيره ولو فرض وحدة الحلبي فيهما .
ومنها: مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ(1).
ومنها : ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في كتابه إلى مالك الأشتر قال : فامنع من الاحتكار; فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) منع منه ، وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكِّل به وعاقبه في غير إسراف(2) .
ومنها : رواية أبي مريم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : أيّما رجل اشترى طعاماً فكبسه أربعين صباحاً يريد به غلاء المسلمين ثمّ باعه فتصدّق بثمنه لم يكن كفّارة لما صنع(3) .
(1) الفقيه 3: 169 ح749، تهذيب الأحكام 7: 159 ح701، الاستبصار 3: 114 ح403، وعنها وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح8 و 12، وروضة المتّقين 7: 246. وفي الوافي 17: 394 ح 17501، وملاذ الأخيار 11: 265 ح6 عن التهذيب. وفي مستدرك الوسائل 13: 274 ح15336 عن دعائم الإسلام 2: 35 ح77. (2) نهج البلاغة لصبحي صالح: 438 قطعة من كتاب 53، وعنه وسائل الشيعة 17: 427، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح13، وبحار الأنوار 33: 607 قطعة من ح744، وج103: 89 ذح9، ومستدرك الوسائل 13: 275 ح15339. وفي بحار الأنوار 77: 258 ـ 259 قطعة من ح1 عن تحف العقول: 140ـ 141. (3) الأمالي للطوسي: 676 ح1427، وعنه وسائل الشيعة 17: 425، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح6، وبحار الأنوار 103: 89 ح10.
صفحه 256
قال الشيخ الأعظم(قدس سره) بعد ذكر الرواية : وفي السند بعض بني فضّال ، والظاهر أنّ الرواية مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري(عليه السلام) عند سؤاله عنها : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا(1) ، ففيه دليل على اعتبار ما في كتبهم، فيستغنى بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند ، وقد ذكرنا أنّ هذا الحديث أولى بالدلالة على عدم وجوب الفحص عمّا قبل هؤلاء من الإجماع الذي ادّعاه الكشّي(2) على تصحيح ما يصحّ عن جماعة(3) ، انتهى .
أقول: قد مرّ منا مكرّراً أنّ الإجماع الذي ادّعاه الكشّي ومثله غايته الدلالة على كون أصحاب الإجماع مجمعين علىوثاقتهم بحيث لايكون فيهم ترديدمن هذه الجهة، وأمّا عدم لزوم رعاية حال من قبلهم في السند فلا دلالة للإجماع المذكور عليه .
والظاهر أنّ ما أفاده العسكري(عليه السلام) من القول المزبور أيضاً راجع إلى وثاقة بني فضّال في مقام نقل الرواية وحكايتها ، وأمّا عدم لزوم رعاية حال من قبلهم في السند من حيث الوثاقة وعدمها فلا ، فتدبّر .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ ملاحظة أخبار الباب وروايات المسألة تدلّ على حرمة الاحتكار في الجملة وإن كانت مخالفة لقاعدة السلطنة على الأموال ، وأمّا كون موردها خصوص ا لطعام أو الأعمّ، فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى .
كما أنّه يأتي حكم التفصيل بين الثلاثة أيّام في الغلاء، والخصب في الأربعين كما
(1) الغيبة للطوسي: 389 ح355، وعنه وسائل الشيعة 27: 142، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب11 ح13، وبحار الأنوار 2: 252 ح72 وج51: 358، وعوالم العلوم 3: 573 ح73. (2) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي»: 238، الرقم 431 وص375، الرقم 705 وص556، الرقم 1050. (3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 366 ـ 367.
صفحه 257
في رواية السكوني الآتية ، وأنّه هل للحدّين خصوصيّة، أو أنّ المناط هي الضرورة والاحتياج نفياً وإثباتاً ، فانتظر .
ثمّ إنّ هنا بعض ما يؤيّد القول بالحرمة، مثل إلزام المحتكر بالبيع; فإنّ الإلزام كما سيجيء(1) لا يلائم الكراهة; إذ لا وجه للإلزام فيها .
المقام الثالث : في مورد الاحتكار ومجراه، ظاهر عبارة بعض اللّغويّين ـ مثل ما تقدّم(2) ـ أنّ مورده الطعام ، إلاّ أن يقال : إنّ ذكره إنّما هو من باب المثال أو الغلبة ، وفي بعض الروايات عدم الاختصاص بالطعام ، ففي رواية السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه(عليهم السلام)، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال : الحكرة في ستّة أشياء: في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن والزبيب(3) .
وفي صحيحة حمّاد ـ التي هي مثل صحيحة الحلبي المتقدّمة ـ إضافة قوله : وسألته عن الزيت (الزبيب خل)؟ فقال : إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه(4) .
وفي رواية أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليهما السلام)، أنّ عليّاً(عليه السلام) كان ينهى عن الحكرة في الأمصار ، فقال : ليس الحكرة إلاّ في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن(5) .
(1) فى ص259. (2) في ص: 252. (3) الخصال: 329 ح23، وعنه وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح10 وبحار الأنوار 103: 87 ح2. (4) الكافي 5: 164 ذح 3، تهذيب الأحكام 7: 160 ذح 706، الاستبصار 3: 115 ذح409، وعنها وسائل الشيعه 17: 428، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب28 ح2. (5) قرب الإسناد : 135 ح472، وعنه وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح7 وبحار الأنوار 103: 87 ح1.
صفحه 258
ويؤيّده إطلاق بعض الروايات بالنهي عن الحكرة، مثل:
مرسلة اُخرى للصدوق معتبرة أيضاً، قال : ونهى أمير المؤمنين(عليه السلام) عن الحكرة في الأمصار(1) .
والظاهر أنّه لا مجال للإنكار في الغلاّت الأربع، وكذا الزيت والسمن(2) كما في المتن .
وأمّا الأرُز، فيمكن أن يقال بثبوت الاحتكار فيه أيضاً بالإضافة إلى البلاد التي يكون تغذّي أهلها به نوعاً ; نظراً إلى أنّ المستفاد من النصّ أنّ الملاك حاجة الناس إلى الشيءفي التغذّي،ولعلّه لذاألحق جماعة غيرقليلة الملح بالاُمورالستّة المذكورة(3)، والحصر في مثل رواية أبي البختري إضافيّ، ويؤيّده عدم ذكر الزيت أيضاً .
المقام الرابع : قد وردت في رواية السكوني، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : الحكرة في الخصب أربعون يوماً، وفي الشدّة والبلاء ثلاثة أيّام، فما زاد على الأربعين يوماً في الخصب فصاحبه ملعون، وما زاد على ثلاثة أيّام في العسرة فصاحبه ملعون(4) .
(1) الفقيه 3: 169 ح752، وعنه وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح9 وروضة المتّقين 7: 254. (2) قال به جماعة من الأصحاب، كابن إدريس في السرائر 2: 238، والفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 455، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 8 : 26 وغيرهم. (3) الدروس الشرعيّة 3:180 اللمعة الدمشقية:66، مسالك الأفهام 3: 192، الروضة البهيّة 3: 299، جامع المقاصد 4: 40. (4) الكافي 5: 165 ح7، الفقيه 3: 169 ح753، تهذيب الأحكام 7: 159 ح703، الاستبصار 3: 114 ح405، وعنها وسائل الشيعة 17: 423، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح1، وروضة المتّقين 7: 255. وفي الوافي 17: 392 ح17496 عن الكافي والتهذيب والفقيه. وفي مرآة العقول 19: 156 ح7 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 11: 266 ح8 عن التهذيب.
صفحه 259
ويؤيّدها بالإضافة إلى أربعين ، رواية أبي مريم المتقدّمة، وهل للحدّين موضوعيّة كما هو ظاهر الجمود على الرواية ، أو أنّ ذكرهما ملحوظ بالنظر إلى حاجة الناس، فلو تحقّقت الحاجة قبل الثلاثة، أو لم تتحقّق الحاجة بعد الأربعين لايتّصف صاحبه بالملعونيّة، الظاهر ـ خصوصاً بعد ملاحظة جملة كثيرة من الروايات وحكمة تحريم الاحتكار ـ هو الثاني .
المقام الخامس : ظاهر ما تقدّم من الصحاح والمصباح من أنّ الاحتكار هو حبس الطعام، أنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون حصول الحنطة مثلاً عنده بالاشتراء، أو بغيره من أسباب النقل وحصول الملكيّة له، لكن ظاهر جملة من الروايات الواردة في هذا المجال هو التعبير بالاشتراء، خصوصاً مع مقرونيّته بكلمة «إنّما» الظاهرة في الحصر، كما في صحيحة الحلبي الثانية المتقدّمة .
هذا، ولكنّ الأقوى هو الأوّل وإن كان يظهر من بعض العبارات الثاني ، والحصر المتوهّم لا يكون بهذه الملاحظة ، بل بملاحظة ما بعده .
ويؤيّده ما ذكرنا التفريع المذكور في الرواية، ورعاية نكتة حفظ الطعام وحبسه مع احتياج الناس إليه، وعدم وجود باذل غيره .
المقام السادس : في أنّه يجبر الحاكم المحتكر على البيع مطلقاً حتّى على القول بالكراهة وإن تقدّم(1) أنّ الإجبار يلائم الحرمة طبيعة ولا يناسب الكراهة ، إلاّ أنّ ظاهر الكلمات جواز الإجبار كذلك، وكأنّه مستثنى من قاعدة عدم ثبوت الإكراه في غير اللاّزم ، كما أنّ أصل جواز الإجبار مستثنى من قاعدة السلطنة ، والدليل
(1) في ص 256.
صفحه 260
عليه ثبوت الجواز بينهم بلا خلاف (1).
نعم ، الإشكال في التسعير عليه ، واحتاط في المتن وجوباً بالعدم إلاّ في صورة الإجحاف بالناس، وجعل الثمن أضعافاً مضاعفة، فيجبر على النزول عنه بحيث لم يكن في البين إجحاف عليهم، من دون التسعير في هذه الصورة أيضاً ; لعدم الدليل عليه .
ويدلّ عليه ما تقدّم ممّا كتبه أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى مالك الأشتر(2) حين ولاّه مصر .
كما أنّه يدلّ على أصل جواز الإجبار ـ مع أنّه مخالف للقاعدة ـ رواية حذيفة بن منصور، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : نفد الطعام على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فأتاه المسلمون فقالوا : يارسول الله قد نفد الطعام ولم يبق منه شيء إلاّ عند فلان ، فمره ببيعه .
قال : فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : يا فلان إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد نفذ إلاّ شيء (شيئاً خ ل) عندك فأخرجه وبعه كيف شئت ولا تحبسه(3) .
(1) المقنعة: 616، المبسوط في فقه الإماميّة 2: 195، النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: 374، السرائر 2: 239، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 260، الدروس الشرعيّة 3: 180، التنقيح الرائع 2: 42، المهذّب البارع 2: 370، الحدائق الناضرة 18: 64، رياض المسائل 8 : 175، مفتاح الكرامة 12: 361، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 373. (2) في ص: 255. (3) الكافي 5: 164 ح2، تهذيب الأحكام 7: 159 ح705، الاستبصار 3: 114 ح407، وعنها وسائل الشيعة 17: 429، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب29 ح1. وفي الوافي 17: 390 ح17491 عن الكافي والتهذيب. وفي مرآة العقول 19: 155 ح2 عن الكافي. وفي ملاذ الأخيار 11: 267 ح10 عن التهذيب.
|