صفحه 326
بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ووضِع مكانه بعض آخر ، ففي الحقيقة تدلّ على وقوع الزيادة والنقيصة معاً; الزيادة من جهة الوضع ، والنقيصة من ناحية الحذف .
1 ـ ما رواه عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قرأ : اهدنا الصراط المستقيم ، صراط من أنعمت عليهم وغير المغضوب عليهم ولا (وغير خ ل) الضالّين (1) .
2 ـ ما عن العيّاشي عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله ـ تعالى ـ : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا) (2) ؟ فقال: هو آل إبراهيم وآل محمّد على العالمين ، فوضعوا اسماً مكان اسم (3) .
3 ـ ما رواه ربعي بن حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قرأ : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْر وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) (4) ضعفاء ، وما كانوا أذلّة ورسول الله فيهم ، عليه وعلى آله الصلاة والسلام (5) .
4 ـ ما رواه محمد بن جمهور ، عن بعض أصحابنا قال : تلوت بين يدي
(1) تفسير القمّي : 1 / 29 ، وعنه البرهان في تفسير القرآن 1: 107 ح274 ، وبحار الأنوار 24: 20 ح24 وج92: 230 ح6 . (2) سورة آل عمران 3: 33 . (3) تفسير العيّاشي: 1 / 168 ح 30 ، وعنه تفسير الصافي 1: 305 ، والبرهان في تفسير القرآن 1: 614 ح1667 وبحار الأنوار 23: 225 ح45 ، وتفسير كنز الدقائق 2: 62 . (4) سورة آل عمران 3: 123 . (5) تفسير العياشي: 1 / 196 ح 135 ، وعنه البرهان في تفسير القرآن 1: 679 ح1899 ، وبحار الأنوار 19: 284 ح23 ، وفيه: ربعي ، عن حريز . وفي تفسير الصافي 1: 348 ، والبرهان في تفسير القرآن 1: 679 ح1896 و 1899 ، وتفسير كنز الدقائق 2: 217ـ 218 عنه وعن تفسير القمّي 1: 122 . وفي بحار الأنوار 19: 243 ح1 عن تفسير القمّي .
صفحه 327
أبي عبدالله (عليه السلام) هذه الآية: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَْمْرِ شَىْءٌ) (1) فقال : بلى ، وشيء وشيء ، وهل الأمر كلّه إلاّ له (صلى الله عليه وآله) ، ولكنّها نزلت: «ليس لك من الأمر شيء إن تبت عليهم أو تعذّبهم فإنّهم ظالمون» ، وكيف لايكون له من الأمرشيء والله ـ عزّوجلّ ـ يقول : (مَآ ءَاتَـئـكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَـئـكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (2) . وقال ـ عزّوجلّ ـ : (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَـكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (3) إن عليك إلاّ البلاغ (4) .
ومنها غير ذلك من الروايات الواردة الدالّة على وقوع التغيير وحذف شيء ووضع آخر مكانه .
مناقشة الطائفة الرابعة
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة ـ مضافاً إلى اختلال سند أكثرها ، وإلى مخالفتها للكتاب ، وشمول أخبار العرض على الكتاب لها بالتقريب المتقدّم في الجواب عن الطائفة الثانية ـ أ نّها مخالفة للإجماع ; لانعقاده من المسلمين على عدم وقوع التحريف بالزيادة في القرآن بوجه ، وأ نّ الكتاب الموجود كلّه قرآن من دون زيادة حرف فيه أصلاً .
مضافاً إلى أنّ التغيير في مثل الآية الواقعة في الرواية الاُولى لا يترتّب عليه فائدة ; لأنّ الآية الأصليّة ـ على هذا الفرض ـ لا تكون منافية لغرض المحرِّف ، ولاموجبة للإيراد على الكتاب من الجهات الأدبيّة وغيرها من الجهات ، ولا سبباً
(1) سورة آل عمران 3: 128 . (2) سورة الحشر 59 : 7 . (3) سورة النساء 4: 80 . (4) التنزيل والتحريف للسيّاري: 15 ـ 16 (مخطوط) .
صفحه 328
لتنقيص مقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) .
وعليه: فيقع السؤال عن وجه التحريف وعلّة التغيير مع عدم ترتّب فائدة عليه أصلاً ، كما لا يخفى .
وإلى أنّ الآية الواقعة في الرواية الثالثة معناها عدم استقلال النبيّ (صلى الله عليه وآله) في شيء ; فإنّ مفاد «اللاّم» هو الاختصاص بمعنى الاستقلال ، كما في مثل قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّـآ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ) (1) ، ومع ثبوت الاستقلال لله وانحصاره به يصحّ نفيه عن غيره ولو كان نبيّاً ; فإنّ النبوّة لا تخرج النبيّ عن وصف الإمكان في مقابل الوجوب ،والممكن كما قد ثبت في محلّه(2) ذاته الافتقار والاحتياج والربط والاتّصال ، وبلوغه إلى أعلى مراتب الكمال لا يغيّر ذاته ، ولا يوجب ثبوت وصف الاستقلال له .
وعليه: فلا يبقى للإيراد على الآية مجال ، ولا منافاة بين هذه الآية ، وبين سائر الآيات المذكورة في الرواية ، الدالّة على وجوب الأخذ بما آتاه الرسول والانتهاء عمّا نهى عنه ، ولزوم الإطاعة له ، وأ نّ إطاعته إطاعة الله تعالى ; ضرورة أ نّ جميع هذه الخصائص لا ينافي عدم الاستقلال ، بل ربما يؤيّده ويثبته ; لأنّ هذه الامتيازات من شؤون كونه رسولاً نبيّاً مبلِّغاً عن الله تعالى ، ومرتبطاً بمبدإ الوحي ، فكيف يجتمع مع الاستقلال ؟ فتأمّل حتّى لا يختلط عليك الأمر .
الطائفة الخامسة: الروايات الدالّة على وقوع النقيصة في القرآن بتعبيرات مختلفة ومضامين متعدّدة ، فقسم منها يدلّ على أنّ عدد آيات الكتاب أزيد من العدد الموجود ، وقسم آخر يدلّ على أنّ السورة الفلانية كان عدد آياتها أزيد ممّا
(1) سورة البقرة 2: 156 . (2) كشف المراد: 78 ـ 79 ، شرح المنظومة 2: 260 ـ 265، نهاية الحكمة 1: 237 ـ 247.
صفحه 329
هي عليه من العدد فعلاً ، وقسم ثالث يدلّ على نقص الكلمة الفلانية عن الآية الفلانية ، أو الآية الفلانية عن السورة الفلانية ، في موارد كثيرة ومواضع متعدّدة .
فمن القسم الأوّل: ما رواه في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمّد (صلى الله عليه وآله) سبعة عشر ألف آية (1) .
ومن القسم الثاني: ما ذكره السيوطي في «الإتقان» ونقله عن أبي عبيد قال: حدّثنا ابن أبي مريم ، عن أبي لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت:
كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله) مائتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ ما هو الآن (2) .
وما رواه أبو علي الفارسي في كتاب الحجّة ، كما نقله عنه الشيخ الطبرسي في مجمع البيان عن زرّ بن حبيش ، أنّ أُبيّاً قال له: كم تقرأون الأحزاب؟ قال: بضعاً وسبعين آية ، قال: قد قرأتها ونحن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطول من سورة البقرة (3) .
ومن القسم الثالث: ما رواه الكليني ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ ابن أسباط ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَـطِينُ ـ بولاية الشياطين ـ عَلَى
(1) الكافي: 2 / 634 ، كتاب فضل القرآن ، باب النوادر ح28 ، وعنه الوافي 9: 1780 ح9089 ومرآة العقول 12: 525 ح28 . (2) فضائل القرآن لأبي عبيد: 320 ، الإتقان في علوم القرآن: 3 / 82 ، النوع 47 ، تنبيه ، وفي الجامع لأحكام القرآن 14: 113 باختلاف . (3) مجمع البيان 1: 303 . وروى ابن حنبل في مسنده 8 : 41 ح21264 و 21265 نحوه .
صفحه 330
مُلْكِ سُلَيْمَـنَ) (1) (2) .
وما رواه السيّاري ، عن محمّد بن عليّ بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن عليّ بن يزيد ، عن جابر الجعفي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ ـ في عليّ ـ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ) (3) (4) .
وما رواه الكليني أيضاً ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل بهذه الآية على محمّد (صلى الله عليه وآله) هكذا: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْابِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ ـ في عليّ ـ بَغْيًا) (5) (6) .
وما رواه السيّاري أيضاً عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَـتِ وَ الْهُدَى ـ في عليّ ـ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَـبِ أُولَـئـِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـعِنُونَ ) (7) .
وما رواه العيّاشي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في
(1) سورة البقرة 2: 102 . (2) الكافي: 8 / 290 ح 440 ، وعنه بحار الأنوار: 92 / 58 ، كتاب القرآن ب 7 ح 39 . (3) سورة البقرة 2: 91 . (4) التنزيل والتحريف للسياري: 7 . (5) سورة البقرة 2: 90 . (6) الكافي: 1 / 417 ، كتاب الحجّة ب 108 ح 25 ، وعنه بحار الأنوار 23: 372 ح51 . وفي تفسير الصافي 1: 146 والبرهان في تفسير القرآن 1: 278 ح555 و 556 عنه وعن تفسير العيّاشي 1: 50 ح70 باختلاف . وفي بحار الأنوار 36: 98 قطعة من ح38 عن تفسير العيّاشي . (7) التنزيل والتحريف للسياري: 9 ، والآية في سورة البقرة: 2 / 159 .
صفحه 331
قوله ـ عزّوجلّ ـ : (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الاَْرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَـ بظلمه وسوء سريرته ـ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ ) (1) (2) .
وما رواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاوس في «فلاح السائل»: رويت عن محمّد ابن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كتبت امرأة الحسن (عليهما السلام) مصحفاً ، فقال الحسن (عليه السلام) للكاتب لمّا بلغ هذه الآية (حَـفِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى ـ : وصلاة العصر ـ وَقُومُوا لِلَّهِ قَـنِتِينَ ) (3) .
وما رواه الشيخ الطوسي(قدس سره) في «التهذيب» بإسناده عن يونس بن عبدالرحمن ، عن عبدالله بن سنان قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) :
الرجم في القرآن قوله ـ تعالى ـ : إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة ; فإنّهما قضيا الشهوة (4) .
وما ذكره الراغب الأصبهاني في «المحاضرات» من أنّه روي أنّ عمر قال: لولا أن يقال: زاد عمر في كتاب الله ـ تعالى ـ لأثبتّ في المصحف ، فقد نزلت : الشيخ
(1) سورة البقرة 2: 205 . (2) تفسير العياشي: 1 / 101 ح 390 ، وعنه بحار الأنوار: 9 / 189 ، الاحتجاج ب 1 ح 24 ، وج75: 315 ح37 . وفي تفسير الصافي 1: 220 ، والبرهان في تفسير القرآن 1: 440ـ 441 ح1063 و 1067 عنه وعن الكافي 8 : 289 ح435 . وفي تفسير كنز الدقائق 1: 498 عن الكافي . (3) فلاح السائل: 186 فصل 15 ح 93 ، وعنه بحار الأنوار: 82 / 289 ، كتاب الصلاة ب 9 ملحق ح 17 ، والآية في سورة البقرة 2: 238 . (4) تهذيب الأحكام: 10 / 3 ، كتاب الحدود ب 1 ح 3 ، وعنه ملاذ الأخيار 16: 10 ح7 . وفي الوافي 15: 238 ح14959 ، ووسائل الشيعة 28: 62 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح4 عنه وعن الكافي 7: 177 ح3 . وفي الوافي 15: 238 ح14961 ، ووسائل الشيعة 28: 67 ب1 ح18 عن الفقيه 4: 17 ح32 .
صفحه 332
والشيخة إذا زنيا فارجمُوُهما البتّة نكالاً من الله والله شديد العذاب (1) .
وغير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في هذا القسم .
مناقشة الطائفة الخامسة
أوّلاً: أ نّها بجميع أقسامها مخالفة للكتاب ، وقد اُمرنا بالإعراض عنها وضربها على الجدار ; لأ نّها زخرفة وباطلة(2) ، وقد تقدّم تقريب ذلك في الجواب عن الاستدلال بالطائفة الثانية ، فراجع .
مضافاً إلى ما ذكرنا(3) في الجواب عن الاستدلال بالروايات الدالّة على اشتمال الكتاب على اسم عليّ والأ ئـمّة من ولده ـ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ـ من وجود قرائن قطعيّة كثيرة على عدم وقوع التصريح بأسمائهم المقدّسة في ألفاظ القرآن الكريم وآياته العزيزة وكلماته الشريفة .
وإلى ما ذكرناه في أوائل بحث التحريف(4) في مقام الجواب عن توهّم كون حكم الرجم مذكوراً في الكتاب ، وأ نّه كانت هناك آية معروفة بآية الرجم رواها من لاحجّية لقوله ولا اعتبار لفعله إلاّ من جهة دلالتها على كون الحقّ في جانب الخلاف ، وفقدان الرشد والصواب في ناحية الوفاق .
وإلى معارضة ما دلّ منها على كون آيات الكتاب زائدة على المقدار الذي هو الآن ـ وهو القسم الأوّل من الأقسام الثلاثة من هذه الطائفة ـ بما رواه الطبرسي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أ نّه قال: سألت النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن ثواب القرآن ؟ فأخبرني
(1) محاضرات الاُدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء 4: 168 ، ممّا جاء في مبدأ القرآن ونزوله وفضيلته . (2) يراجع ص173، 237 و 325. (3) في ص318 ـ 323. (4) في ص210 ـ 212.
صفحه 333
بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء ـ إلى أن قال ـ : ثمّ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : جميع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة ، وجميع آيات القرآن ستّة آلاف آية ومائتا آية وست وثلاثون آية ، وجميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وواحد وعشرون ألف حرف ومائتان وخمسون حرفاً (1) .
وثانياً: اشتمال سند كثير من روايات هذه الطائفة على أحمد بن محمّد بن السيّار، الذي اتّفق على فساد مذهبه وكونه كاذباً جاعلاً ، وقد ادّعى بعض المتتبّعين(2) أ نّه تتبّع روايات التحريف ، التي جمعها المحدّث المعاصر في كتابه الموضوع في هذا الباب ، فوجد اشتمال سند مائة وثماني وثمانين منها على هذا الرجل الفاسد .
ومنه يمكن أن يقال بحصول الاطمئنان للإنسان بكون الرجل معانداً منافقاً ، أو مأموراً من قبل المعاندين على أن يجعل روايات كاذبة ، ويفتري على كتاب الله الذي هو المعجزة الوحيدة الخالدة ; لغرض تنقيصه وإسقاطه عن الاعتبار ، وإردافه بالإنجيل والتوراة المحرّفين لئلاّ يبقى للمسلمين امتياز وخصوصيّة ، ولم يكن لهم لسان على اليهود والنصارى بكون كتابيهم غير معتبرين ، سيّما مع ملاحظة قلّة روايات الرجل في غير هذه المسألة من المسائل الفقهيّة والأحكام العمليّة ، ولابأس بنقل عبارة بعض أئمّة علم الرجال في حقّ الرجل ، فنقول:
قال الشيخ(قدس سره) في محكيّ «الفهرست»: أحمد بن محمّد بن سيّار أبو عبدالله الكاتب ، بصريّ ، كان من كتّاب آل طاهر في زمن أبي محمّد (عليه السلام) ، ويعرف بالسيّاري ، ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية ، كثير المراسيل ، وصنّف
(1) مجمع البيان في تفسير القرآن: 10 / 188 ـ 189 تفسير سورة الإنسان ، وعنه بحار الأنوار: 35 / 256 ب 6 . (2) وهو الشيخ ميرزا مهدي البروجردي ، مؤلّف كتاب (برهان روشن): 70 .
صفحه 334
كتباً كثيرة .
منها : كتاب ثواب القرآن ، كتاب الطبّ ، كتاب القراءة ، كتاب النوادر ، أخبرنا بالنوادر خاصّة الحسين بن عبيدالله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى قال : حدّثنا أبي قال: حدّثنا السيّاري ، إلاّ بما كان فيه من غلوّ أو تخليط .
وأخبرنا بالنوادر وغيرها جماعة من أصحابنا ، منهم: الثلاثة الذين ذكرناهم ، عن محمد بن أحمد بن داود قال: حدّثنا سلامة بن محمّد قال: حدّثنا عليّ بن محمّد الجبائي قال : حدّثنا السيّاري(1) .
وقال النجاشي : أحمد بن محمّد بن سيّار أبو عبدالله الكاتب ، بصريّ ، كان من كتّاب آل طاهر في زمن أبي محمّد (عليه السلام) ، ويعرف بالسيّاري ، ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيدالله ، مجفوّ الرواية ، كثير المراسيل .
له كتب وقع إلينا منها: كتاب ثواب القرآن ، كتاب الطبّ ، كتاب القراءات ، كتاب النوادر ، كتاب الغارات . أخبرنا الحسين بن عبيدالله قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى . وأخبرنا أبو عبدالله القزويني قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه قال: حدّثنا السيّاري ، إلاّ ما كان من غلوّ وتخليط(2) .
ومع ذلك فقد رام المحدّث المعاصر إصلاح حاله واعتبار مقاله وحجّية روايته ; نظراً:
إلى أنّ مستند التضعيف هو تضعيف ابن الغضائري (3) ، والمعروف ضعف تضعيفاته .
وإلى رواية شيخ القمّيين محمّد بن يحيى العطّار الثقة الجليل عنه .
(1) الفهرست ، للشيخ الطوسي: 66 ، الرقم 70 . (2) رجال النجاشي: 80 ، الرقم 192 . (3) مجمع الرجال للقهبائي: 1 / 149 .
صفحه 335
وإلى اعتماد الكليني عليه ، حيث عبّر عنه ببعض أصحابنا (1) ، الظاهر في مشايخ الإماميّة ، أو مشايخ أرباب الرواية والحديث ، المعتبرة رواياتهم .
وإلى ماذكره الشيخ محمّدبن إدريس في آخركتاب السرائرممّالفظه:باب الزيادات وهو آخر أبواب هذا الكتاب ، ممّا استنزعته واستطرفته من كتب المشيخة المصنّفين والرواة المحصّلين ، وستقف على أسمائهم إن شاء الله تعالى ـ إلى أن قال ـ : ومن ذلك مااستطرفناه من كتاب السيّاري ،واسمه أبوعبدالله صاحب موسى والرضا (عليهما السلام) (2) ،(3).
أقول: أ مّا كون مستند التضعيف هو قول ابن الغضائري فقط ، فيردّه ما قاله المتتبّع الخبير في كتابه «قاموس الرجال» : من أنّ هذا الرجل قد طعن فيه ـ غير الكشّي(4) وابن الغضائري والنجاشي والشيخ في الفهرست ورجاله(5) ـ الشيخ في استبصاره (6) ، ومحمّد بن عليّ بن محبوب على نقل ابن الغضائري (7)، والحسين بن عبيدالله ، وأحمد بن محمّد بن يحيى ، ومحمّد بن يحيى على نقل الفهرست والنجاشي عنهم ، ونصر بن الصباح على نقل الكشّي ، وكذا باقي من في إسناده : من طاهر الورّاق ، وجعفر بن أيّوب ، والشجاعي ، وإبراهيم بن حاجب ، وكذا القميّون ; وهم :ابن الوليد ، وابن بابويه ، وابن نوح على نقل ابن الغضائري هنا(8) ، ونقل النجاشي والفهرست في محمّد بن أحمد بن يحيى(9) (10) .
(1) الكافي 1 : 543 ، كتاب الحجة ، باب الفي والأنفال ح 5 . (2) السرائر 3 : 549 و 568 ، المستطرفات . (3) خاتمة مستدرك الوسائل 1: 112 ـ 113 ، الفائدة الثانية ، الرقم 23 ، فصل الخطاب: 228ـ 229 ، الدليل الثاني عشر . (4) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي» 606، الرقم 1128
(5) رجال الشيخ: 384، الرقم 5650 و ص398، الرقم 5819
(6) الاستبصار: 1 / 237 ب 138 ذ ح 846 .
(7، 8) مجمع الرجال 1: 149 ـ 150، وكذا نقل العلاّمة في الخلاصة: 321 ذيل الرقم 1259.
(9) رجال النجاشي: 348، الرقم 939، الفهرست للطوسي: 222، الرقم 622
(10) قاموس الرجال: 1 / 611 ، ترجمة أحمد بن محمد بن سيّار السيّاري الرقم 549 .
صفحه 336
وأمّا رواية مثل شيخ القمّيين عنه ، فالجواب أ نّ روايته منحصرة بما كان خالياً من غلوّ وتخليط ، وكان هذا دأب القدماء في روايات الضعفاء ، حيث يعملون بسليمها ويعرضون عن سقيمها ; لوجود القرائن الكثيرة عندهم .
وأمّا اعتماد الكليني عليه ، فيردّه:
أوّلاً: أ نّ التعبير بـ «بعض أصحابنا» ليس إلاّ في قبال كونه عامّياً ، ولا دلالة فيه على المدح واعتبار الرواية بوجه .
وثانياً: أ نّ الاعتماد إنّما هو بالإضافة إلى ما كان خالياً من الغلوّ والتخليط .
وثالثاً: أ نّه لا يقاوم تلك التصريحات الكثيرة الدالّة على قدح الرجل وضعف روايته وفساد مذهبه .
وأمّا ما ذكره الحلّي في «المستطرفات» ، فيردّه ، مضافاً إلى عدم دلالة عبارته على كون من يروي عنه فيها من الثقات والممدوحين:
أوّلاً: أ نّ هذا الرجل اسمه أحمد لا أبو عبدالله ، وبعض الناس وإن كانت كنيتهم اسمهم ، إلاّ أ نّ هذا الرجل ليس منهم .
وثانياً: أ نّه كان في زمن أبي محمّد (عليه السلام) كما عرفت التصريح به من الفهرست والنجاشي ، ولم يكن معاصراً لموسى والرضا (عليهما السلام) أصلاً .
وثالثاً: أنّه على تقدير المعاصرة ، توصيفه بأنّه من أصحابهما واضح الفساد ; لأنّ الرجل مذموم قطعاً ، فكيف يكون صاحباً لهما (عليهما السلام) ؟
وإذن فلا يبقى ارتياب في عدم جواز الاعتماد على رواية الرجل بوجه ، لو لم نقل بقيام القرينة التي عرفتها على كذبها .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا بطلان الاستدلال بالروايات ، الذي كان هو العمدة للقول بالتحريف ; لعدم تماميّة الدلالة وعدم الاعتبار والحجّية .
صفحه 337
الشبهة الخامسة
للقائل بالتحريف ما سمّي ـ كما في كلام بعض(1) ـ بدليل الاعتبار ، والغرض منه أ نّ الاعتبار يساعد على التحريف; نظراً إلى أنّ ملاحظة بعض الآيات،وعدم ارتباط أجزائها ـ صدرها وذيلها ، أو شرطها وجزائها ـ تشعر بل تدلّ على وقوع التحريف وتحقّق النقص بين الأجزاء ; لوضوح أ نّه لا يمكن الالتزام بعدم الارتباط بين أجزاء آية واحدة ، فعدمه يكشف لا محالة عن نقص كلمة أو جملة مصحّحة للارتباط ومكمّلة للتناسب بين الأجزاء ، والتلائم بين الصدر والذيل أو الشرط والجزاء .
ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَـمَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَـثَ وَرُبَـعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَ حِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـنُكُمْ ذَ لِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) (2); فإنّ خوف عدم رعاية القسط في اليتامى لا يرتبط بنكاح النساء وتعدّد الأزواج بوجه ، فلابدّ من الالتزام بوقوع السقط بين هذا الشرط والجزاء .
ويؤيّده ما رواه في الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب الزنديق الذي سأله عن ذلك ، قال (عليه السلام) : وأ مّا ظهورك على تناكر قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ . . .) الآية . وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ، ولا كلّ النساء أيتام ، فهو ممّا قدّمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن ، وبين القول في اليتامى ، وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن . . .(3) .
(1) كفاية الاُصول: 284 ـ 285 ، حجّية ظاهر الكتاب . (2) سورة النساء 4 : 3 . (3) الاحتجاج 1 : 598 ، وعنه بحار الأنوار 92: 47 وج93: 107ـ 121 . وانظر فصل الخطاب للمحدّث النوري ، الورقة السادسة ما قبل نهاية كتابه هذا: 369 ، حيث يقول: ولنختم الكتاب بذكر كلام إلخ، ثمّ أورد هذه الشبهة.
صفحه 338
والجواب عن هذه الشبهة: يظهر بالمراجعة إلى التفاسير ; فإنّه بسببها يظهر أنّه لم ينقل عن أحد من المفسِّرين من الصدر الأوّل إلى الأزمنة المتأخّرة إنكار الارتباط في مثل الآية المذكورة ، وينبغي نقل ما أفاده الطبرسي في «مجمع البيان» في شأن نزول الآية ، وكيفيّة الارتباط بين صدرها وذيلها وشرطها وجزائها ممّا نقله عن أعلام المفسّرين .
فنقول: قال فيه:
«اختلف في سبب نزوله وكيفيّة نظم محصوله واتّصال فصوله على أقوال:
أحدها: أ نّها نزلت في اليتيمة تكون في حِجر وليّها ، فيرغب في مالها وجمالها ، ويريد أن ينكحها بدون صداق مثلها ، فنُهوا أن ينكحوهنّ إلاّ أن يقسطوا لهنّ في إكمال مهور أمثالهنّ ، واُمروا أن ينكحوا ما سواهنّ من النساء إلى أربع ، عن عائشة.
وروي ذلك في تفسير أصحابنا وقالوا: إنّها متّصلة بقوله: ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَآءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَـبِ فِى يَتَـمَى النِّسَآءِ الَّـتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ(1)* وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوافِى الْيَتَـمَى) الآية ، وبه قال الحسن والجبائي والمبرّد .
ثانيها: أ نّها نزلت في الرجل منهم كان يتزوّج الأربع أو الخمس أو الستّ والعشر ويقول : ما يمنعني أن أتزوّج كما يتزوّج فلان ، فإذا فني مالُه مالَ على مال اليتيم الذي في حجره فأنفقه ، فنهاهم الله عن أن يتجاوزوا الأربع لئلاّ يحتاجوا إلى أخذ مال اليتيم ، وإن خافوا ذلك مع الأربع أيضاً اقتصروا على واحدة ، عن ابن عبّاس وعكرمة .
(1) سورة النساء 4: 127 .
صفحه 339
ثالثها : أ نّهم كانوا يشدّدون في أموال اليتامى ولا يشدّدون في النساء ، ينكح أحدهم النسوة فلا يعدل بينهنّ ، فقال ـ تعالى ـ : كما تخافون ألاّ تعدلوا في اليتامى فخافوا في النساء فانكحوا واحدة إلى أربع ، عن سعيد بن جبير والسدّي وقتادة والربيع والضحّاك ، وفي إحدى الروايتين عن ابن عبّاس .
رابعها : أ نّهم كانوا يتحرّجون من ولاية اليتامى وأكل أموالهم إيماناً وتصديقاً ، فقال ـ سبحانه ـ : إن تحرّجتم من ذلك فكذلك تحرّجوا من الزناء وانكحوا النكاح المباح من واحدة إلى أربع ، عن مجاهد .
خامسها : ما قالها الحسن : إن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتيمة المربّاة في حجوركم ، فانكحوا ما طاب لكم من النساء ممّا أحلّ لكم من يتامى قرباتكم مثنى وثلاث ورباع ، وبه قال الجبائي : الخطاب متوجّه إلى وليّ اليتيمة إذا أراد أن يتزوّجها .
سادسها : ما قاله الفرّاء: إن كنتم تتحرّجون عن مواكلة اليتامى فتحرّجوا من الجمع بين النساء وأن لا تعدلوا بين النساء ، ولا تتزوّجوا منهنّ إلاّ من تأمنون معه الجور . قال القاضي أبو عاصم: القول الأوّل أولى وأقرب إلى نظم الآية ولفظها(1) . انتهى ما في مجمع البيان .
وقد ظهر لك من ذلك اتّفاق المفسِّرين من الصدر الأوّل على تحقّق الارتباط والاتّصال بين الشرط والجزاء في الآية الكريمة ، وإن اختلفوا في وجهه وبيان كيفيّته ، ولكن أصله مفروغ عنه عندهم .
ثمّ لو سلّم عدم إحاطتنا على الارتباط بينهما ، فهو لا يلازم القول بالتحريف ، فلِمَ لا تكون الآية حينئذ من المتشابهات التي يكون علمها عند أهلها ; الذين هم
(1) مجمع البيان: 3 / 13ـ 14 .
صفحه 340
الراسخون في العلم؟ لعدم قيام دليل على كون الآية من المحكمات التي تتّضح دلالتها ويفهم مرادها ، كما لا يخفى .
فانقدح من جميع ذلك بطلان هذا الدليل الذي سُمّي بدليل الاعتبار ، بل الاعتبار يساعد بل يدلّ على عدم التحريف (1); لما مرّ مراراً(2) من أنّ القرآن هي المعجزة الخالدة الوحيدة ، وكان من حين النزول متّصفاً بهذه الصفة ، معروفاً بين المسلمين بهذه الجهة ; للتناسب بين استمرار الشريعة إلى يوم القيامة ، وبين كون المعجزة هو الكتاب الصالح للبقاء والقابل للدوام ، ومن الواضح في مثل ذلك الذي ليس له مثل ، اهتمام المسلمين بحفظه في الصدور والكتب ; ليبقى الدين ببقائه ، وتحفظ الشريعة في ظلِّه ، فكيف يمكن مع ذلك وصول يد التحريف إلى مقامه الشامخ وبلوغ الجناية إلى محلّه الرفيع ؟! بل وكيف يمكن مع حفظ الله الذي نزّله لغرض الهداية إلى يوم القيامة لجميع الاُمّة ؟! وكيف يرتضي المسلمون بذلك؟
فالاعتبار دليل قطعيّ على عدم التحريف .
النتيجة:
وقد ظهر ـ بحمد الله ـ من جميع ما ذكرنا في هذا البحث أ نّ دعوى التحريف ـ بالمعنى الذي عرفت(3) أنّه محلّ البحث ومورد الكلام ـ مع أنّها مجرّد خيال ناشئ عن الاغترار بظواهر بعض الروايات من دون التأمّل في الدلالة ، أو التتبّع والتفحّص في السند ، أو عن بعض الجهات الاُخر الذي مرّت الإشارة
(1) وقد ذكره المحدث النوري ثالث أدلّة القائلين بعدم تطرّق التغيير مطلقاً ، في الباب الثاني من كتابه بعد دليلي الآيات والأخبار[ 339 ـ 340] ، وإنّما ذكر أدلّتهم مقدّمة لردّها . (2) في ص 38 ـ 40 و 146، 149، 172 و 289. (3) في ص 199.
صفحه 341
إليه ، قد قامت الأدلّة القاطعة والحجج الواضحة والبراهين الساطعة على بطلانها .
وهنا نختم البحث في هذه المسألة مع الاطمئنان بأنّه مع ملاحظة ما ذكرنا والدقّة فيه ـ خالياً عن العناد والتعصّب ، مراعياً للمنطق والإنصاف ـ لا يبقى شكّ ولا ارتياب ; وذلك لما عرفت من الأجوبة المتعدّدة الشافية الكافية عن الشبهات الخمس المتقدّمة ، مضافاً إلى الأدلّة السبعة القاطعة القائمة على عدم التحريف ، وبطلان هذا القول السخيف ، الذي يوجب تزلزل أساس الدين وتضعيف المسلمين من جهة ، وابتلاء الطائفة المحقّة والفرقة الناجية من الفرق المتعدّدة منهم بالافتراء والبهتان من جهة اُخرى .
وبتمام هذا البحث يتمّ البحث في باب ظواهر الكتاب، وبتمام البحث فيها يتمّ البحث في الأمر الأوّل من الاُمور التي يبتني عليها التفسير ، وتعدّ اُصولاً له ، كما سبق البحث في الأمرين الآخرين .
وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق ـ بعد أن كانت النسخة الأصليّة باقية في السواد سنين ـ بيد العبد المفتاق إلى رحمة ربّه الغنيّ محمّد الموحّدي اللنكراني ، الشهير بالفاضل ، ابن العلاّمة الفقيه الفقيد آية الله فاضل الموحّدي اللنكراني قدّس سرّه الشريف ، في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب المرجب من شهور سنة 1394 من الهجرة النبويّة ، المصادف لمبعثه الشريف ، وتناسب المصادفة له لا يكاد يخفى ، فإنّ غرض هذا الكتاب إثبات إعجاز الكتاب العزيز ، وكونه هي المعجزة الوحيدة الباقية المحفوظة على ما كان ، من دون حدوث تغيير فيه وتحريف عليه ، وبقائه على غرضه من إخراج الناس من الظلمات إلى النور إلى يوم القيامة ، وصلاحيّته للاستناد إليه والاستضاءة بنوره والاهتداء بهدايته .
وذلك كلّه هو الغرض من البعثة ، وثبوت النعمة العظيمة التي منَّ الله بها على المؤمنين ، مع أنّ الكريم لا يمنّ بإنعامه والعظيم لا ينظر إلى إعطائه ، ولكنّ الاعتناء
صفحه 342
بشأن هذه النعمة والاهتمام بها أوجب المنّة ، وفي الحقيقة المنّة بيان لعظمة النعمة ومفيدة لأهمّية العطيّة .
ولأجله نرجو من المنعم لها والمُعطي إيّاها أن يوفّقنا للاستفادة منها والشكر في مقابلها ، وأن يهدينا بكتابه العزيز ، الذي هو الطريق لثبوت هذه النعمة والدليل على صدق هذه العطيّة ; وهو الثقل الأكبر الذي اُمرنا بالتمسّك به مع الثقل الأصغر الذي عرفت(1) أ نّه أحد الاُمور الثلاثة التي يبتني عليها التفسير وكشف مراد الله ـ تعالى ـ من الكتاب ، وأن يعجِّل في فرج مولانا وصاحبنا وليّ العصر وصاحب الزمان أرواحنا وأرواح العالمين له الفداء .
وكان ذلك ، أي الفراغ من كتابته في بلدة «يزد» المعروفة بدار العبادة ، وأنا مقيم فيها بالإقامة المؤقّتة الإجباريّة ، ولعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً .
اللّهمّ ، إنّا نشكو إليك فقدَ نبيّنا ، وغيبةَ وليّنا ، وكثرةَ عدوّنا ، وتظاهرَ الزمان علينا .
فإليك ياربّ المشتكى ، وعليك المعوّل في الشدّة والرّخاء .
ويا إلهي فإنّه عظم البلاء وبرح الخفاء وضاقت الأرض ومُنعت السماء .
والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً .
(1) في ص 170 ـ 192.
|