(الصفحة 294)
من الأقرب فالأقرب(1). وقد تقدم في كتاب القصاص إن مثل هاتين الروايتين على خلاف القاعدة ويقتصر على مورده فراجع هذا كله في الدية في العمد وأما شبه العمد فالدية من ماله عندنا نعم عن الحلبي هنا وعن العامة قول بأنها على العاقلة ولكن النص والفتوى على خلافه كما في الجواهر فمورد الرجوع إلى العاقلة ينحصر في الخطاء المحض.
وأمّا المحلّ ففي الدرجة الاُولى العصبة فقد دل على ذلك روايات:
منها صحيحة محمد بن قيس عن جعفر (عليه السلام) إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في امرأة اعتقت رجلا واشترطت ولائه ولها ابن فالحق ولائه بعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها(2).
ومنها صحيحة اُخرى لمحمد بن قيس عن جعفر (عليه السلام) أيضاً إنه (عليه السلام) قضى في رجل حرّر رجلا فاشترط ولائه، فتوفي الذي اعتق وليس له ولد إلاّ النساء، ثم توفي المولى وترك مالا وله عصبته، فاحتق فى ميراثه بنات مولاء والعصبة، فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا أحدث حدثاً يكون فيه عقل(3). والظاهر إتحاد الروايتين وعدم تعددهما وإن جعلهما في الوسائل كذلك وأوردهما في بابين مختلفين.
ومنها المرسلة إن امرأة رمت اُخرى حاملا فاسقطت ثم ماتت الرامية قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)عليها بالغرّة وقضى بان ميراثها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها(4).
- (1) الوسائل: أبواب العاقلة، الباب الرابع، ح3.
- (2) الوسائل: كتاب العتق، الباب التاسع والثلاثون، ح1.
- (3) الوسائل: كتاب العتق، الباب الأربعون، ح1.
- (4) كشف اللثام ح2 ص346.
(الصفحة 295)
في ضابط العصبة
فقد ذكر المحقق في الشرائع إن ضابط العصبة من يتقرب بالأب كالاُخوة وأولادهم والعمومة وأولادهم ولا يشترط كونه من أهل الارث في الحال، والظاهر إن المراد من التقرب بالأب ليس هو إخراج التقرب بالاُم بل المراد إخراج المتقرب بالاُم فقط في مقابل الأبوين والأب فينطبق المذكور في المتن عليه وعن مختصر النهاية الاثيرية: العصبة الأقارب من جهة الأب وعن الصحاح عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه وإنما سمّوا عصبته لأنهم عصبوا به أي أحاطوا فالأب طرف والابن طرف والعم جانب والأخ جانب. وعن مجمع البحرين إن عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه.
وقيل كما عن جماعة هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل وأورد عليه المحقق في الشرائع بقوله وفي هذا الاطلاق وهم، فإن الدية يرثها الذكور والاناث والزوج والزوجة ومن يتقرب بالاُم على أحد القولين ويختص بها الأقرب فالأقرب كما تورث الأموال وليس كذلك العقل فإنه يختص به الذكور من العصبة دون من يتقرب بالاُم ودون الزوج والزوجة ومن الأصحاب من خصّ به الأقرب ممن يرث بالتسمية ومع عدمه يشترك في العقل بين من يتقرب بالاُم مع من يتقرب بالأب أثلاثاً. وإستدل لهذا القول الأخير مضافاً إلى خبري أبي بصير والبزنطي السابقين مع كونهما في الهرب بعد القتل العمدي بمرسلة يونس عن أحدهما (عليهما السلام) إنه قال في الرجل إذا قتل رجلا خطأً فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية إن الدية
(الصفحة 296)
على ورثته فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال(1). وأورد عليه صاحب الجواهر (قدس سره) بأن مقتضى الاطلاق المزبور الشركة أثلاثاً وإن كان المتقرب بالاُم واحداً كالأخ الذي له السدس إلى أن قال ولا نعرف هذا القول لأحد وإن نسب إلى أبي علي لكن عبارته المحكية عنه لا توافق القول المزبور بل هو قول مستقل برأسه وإستدل له في متن الشرائع برواية سلمة بن كهيل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: وفي سلمة ضعف.
أقول أمّا رواية سلمة بن كهيل فهي ما رواه عنه مالك بن عطية (عن أبيه) قال أُتي أمير المؤمنين برجل قد قتل رجلا خطأً فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) من عشيرتك وقرابتك فقال ما لي بهذا البلد عشيرة ولا قرابة قال: فقال فمن أي البلدان أنت؟ قال أنا رجل من أهل الموصل ولدت بها ولي بها قرابة وأهل بيت. قال: فسأل عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يجد له بالكوفة قرابة ولا عشيرة، قال: فكتب إلى عامله على الموصل أمّا بعد فإن فلان بن فلان وحليته كذا وكذا قتل رجلا من المسلمين خطأً فذكر إنه رجل من أهل الموصل وإن له بها قرابة وأهل بيت وقد بعثت به إليك مع رسولي فلان وحليته كذا وكذا فإذا ورد عليك إن شاء الله وقرأت كتابي فافحص عن أمره وسل عن قرابته من المسلمين فإن كان من أهل الموصل ممّن ولد بها وأصبت له قرابة من المسلمين فأجمعهم إليك ثم اُنظر فإن كان رجل منهم يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فالزمه الدية وخذه بها نجوماً في ثلاث سنين فإن لم يكن له من قرابته أحد له سهم في الكتاب وكانوا قرابته سواء في
- (1) الوسائل: أبواب العاقلة، الباب السادس، ح6.
(الصفحة 297)
النسب وكان له قرابة من قبل أبيه واُمه سواء في النسب ففضّ الدية على قرابته من قبل أبيه وعلى قرابته من قبل اُمّه من الرجال المدركين المسلمين ثم خذهم بها وإستأدهم الدية في ثلاث سنين، وإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ولا قرابة من قبل اُمّه ففضّ الدية على أهل الموصل ممن ولد ونشأ بها ولا تدخلن فيهم غيرهم من أهل البلد ثم استأد ذلك منهم في ثلاث سنين في كل سنة نجماً حتى تستو فيه إن شاء الله. فإن لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل ولم يكن من أهلها وكان مبطلا في دعواه فردّه إليّ مع رسولي فلان بن فلان إن شاء الله فأنا وليه والمؤدي عنه ولا ابطل دم امرئ مسلم(1). لكنك عرفت مع إن فض الدية على الجميع والأخذ منه كيف يتحقق مع إن الاُخوة من الأبوين من العاقلة حتماً ولا سهم لهم مسمى في كتاب الله ومن هنا إحتمل بعضهم إرادة كل من سمى في الكتاب وإن لم يفرض له سهم.
وكيف كان فالتحقيق في ضابط العصبة ما أفاده الماتن (قدس سره) تبعاً للمشهور وهل يدخل الآباء والأبناء في العقل نسب إلى المشهور العدم بل عن محكي الخلاف دعوى إجماعنا عليه ونسب إلى المشهور أيضاً الدخول وعن الحلي الاجماع عليه نظراً إلى إنهما أقرب القوم وأدناهم وقد وقع بذلك تفسير العصبة في كلمات أهل اللغة وقد دل على ذلك بعض الروايات أيضاً نعم لا تشتركهم نفس القاتل في الضمان أو الدية للثبوت جميعاً على العاقلة فتدبر وسيأتي في كلام الماتن (قدس سره) ان شاء الله تعالى.
- (1) الوسائل: أبواب العاقلة، الباب الثاني، ح1.
(الصفحة 298)
مسألة 2 ـ لا تعقل المرأة بلا إشكال ولا الصبي ولا المجنون على الظاهر وإن ورثوا من الدية، ولا أهل الديوان إن لم يكونوا عصبة، ولا أهل البلدان لم يكونوا عصبة، ولا يشارك القاتل العصبة في الضمان، وتعقل الشباب والشيوخ والضعفاء والمرضى إذا كانوا عصبة1 .
1 - أمّا إنه لا إشكال في عدم كون المرأة من العاقلة فمضافاً إلى إنه لا يوجد فيه خلاف كما عن المبسوط الاعتراف به ودلالة رواية سلمة المتقدمة على الأخذ من الرجال خروجها عن مفهوم العصبة كما ذكره صاحب الجواهر ودلالة كلمات أهل اللغة الظاهرة في الاختصاص بالأبناء.
وأمّا كون الظاهر خروج الصبي والمجنون من العاقلة مع دخولهما حقيقة فيها ومع إرثهما من الدية بلا إشكال ومع إشتراكهما مع غيرهما في الأحكام الشرعية ما عدى التكليف فاتلافهما ـ مثلا ـ موجب لضمانهما بلا إشكال وقد حقق ذلك في محله فلأن منشاء الدخول هو الاطلاق ولا يبعد القول بالانصراف عنها مضافاً إلى أنه لا يوجد فيه خلاف كما في المرأة.
وأمّا عدم كون أهل الديوان الذين رتبهم الامام (عليه السلام) للجهاد وأورد لهم أرزاقاً ودونت أسمائهم إذا لم يكونوا عصبة ولا أهل البلد كذلك فلاختصاص عنوان العاقلة بالعصبة كما في الروايات المتقدمة الدالة بعضاً على أنه قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن العقل على عصبتها نعم مقتضى رواية سلمة الاشتراك وقد مر إنّ المحقق في الشرائع قال: وفي سلمة ضعف.
نعم من عدا ذلك يكونوا من العاقلة إذا كانوا عصبة من دون فرق بين الشباب والشيوخ والضعفاء وألمرضى وقد حكي عن الشيخ التصريح بأن الشيوخ الذين لا