(الصفحة 76)
إلى منزله ـ والحكم بهذه الصورة موافق للمشهور بل في محكي الغنية ونكت النهاية وغاية المراد الاجماع عليه وقال صاحب الجواهر ولعله كذلك فإني لم أجد فيه مخالفاً إلاّ ابن إدريس ففصّل بين المتهم عليه وغيره فأثبت القسامة في الأول مع دعوى الأولياء القتل عمداً أو خطاءً مقيماً للعداوة والاخراج بالليل فيه مقام اللوث بخلاف الثاني فإنه لا شيء عليه.
ويدل عليه بعض الروايات أيضاً:
منها رواية عبدالله بن ميمون عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال إذا دعا الرجل أخاه بليل فهو له ضامن حتى يرجع إلى بيته(1).
ومنها صحيحة عمرو بن أبي المقدام على طريقي الصدوق والشيخ ومرسلته على طريق الكليني ولكنه جعلها في الجواهر حسناً أو قويّاً قال كنت شاهداً عند البيت الحرام حيث إن رجلا قال لأبي جعفر المنصور وهو يطوف ياأمير المؤمنين إن هذين الرجلين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فلم يرجع إليّ ووالله ما أدري ما صنعا به؟ فقال لهما ما صنعتما به؟ فقالا ياأمير المؤمنين كلمناه ثم رجع إلى منزله إلى أن قال فقال لأبي عبدالله جعفر بن محمد (عليهما السلام)إقض بينهم إلى أن قال فقال ياغلام اُكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل من طرق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو ضامن إلاّ أن يقيم عليه البينة إنه قد ردّه إلى منزله ياغلام نحّ هذا فاضرب عنقه للآخر فقال يابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والله ما أنا قتلته ولكني أمسكته ثم جاء هذا فوجاه
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب السادس والثلاثون، ح1.
(الصفحة 77)
فقتله فقال أنا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ياغلام نحّ هذا فاضرب عنقه للآخر فقال يابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما عذبته ولكني قتلته بضربة واحدة فأمر أخاه فضرب عنقه ثم أمر بالآخر فضرب جنبيه وحبسه في السجن ووقع على رأسه يحبس عمره ويضرب في كل سنة خمسين جلدة(1) فلا ينبغي الاشكال في أصل الحكم وثبوت الضمان في الجملة ولا فرق في الداعي والمدعو بين الرجل والمرأة أصلا ثم إن أمر الامام (عليه السلام) الغلام بضرب عنق أحد الرجلين فهو قضية في واقعة ولا يبعد كون أمره هذا مقدمة لظهور الحال كما لاوجه لتصدّيه للاقتصاص فإنه حق للولي إلاّ أن يقال بمطالبته منه (عليه السلام) ثم إن للمسألة صوراً وفروضاً:
الفرض الأول صورة فقدان المدعو وعدم العلم بحاله من الموت والحياة وهذا الفرض هو المتيقن من أصل المسألة والمقصود منه مع إحتمال إستناد الموت إلى الداعي المخرج وإن كان لأمر غير ظاهر لأنه لو علم إنه مات حتف أنفه أو بسبب آخر لا يرتبط بالمخرج فلا ضمان عليه والرواية منصرفة عنه قطعاً.
الفرض الثاني ما لو وجد مقتولا ودار أمر القتل بين الداعي المخرج وغيره فإن إدعاه على غيره وأقام بينة على ذلك فقد برئ وإن عدم البينة فعليه الدية بمقتضى إطلاق الرواية ولا قود على الداعي لعدم إحراز إستناد القتل إليه بوجه وهكذا الحكم يعني في ثبوت الدية ما لو لم يقر بقتله ولا إدعاه على غيره فإنه حينئذ تكون الدية ثابتة عليه ولا قود للدليل المذكور.
- (1) الوسائل: أبواب قصاص النفس، الباب الثمانية عشر، ح1.
(الصفحة 78)
البحث الثاني في الأسباب
والمراد به هيهنا كل فعل يحصل التلف عنده بعلة غيره بحيث لولاه لما حصل التلف كحفر البئر ونصب السكين وإلقاء الحجر وإيجاد المعاثر ونحوها1 .
الفرض الثالث فمع العلم بعدم دخالة المخرج في قتله بل مات حتف أنفه أو بلدغ الحيّة أو العقرب من دون أن يكون هناك قتل في البين ولا إحتمال القتل فلا تكون الرواية شاملة له بل عرفت إنهما منصرفة عنه قطعاً نعم مع إحتمال القتل وإحتمال كون المخرج هو القاتل الظاهر الضمان نظراً إلى إطلاق الرواية ومع العلم بعدم دخالة المخرج بوجه في القتل لا يكون الضمان عليه فتدبر.
1 - وعليه فالسبب هنا غير السبب الاصطلاحي الذي هو بمعنى العلة المؤثرة ضرورة إن حفر البئر وإيجاد المعثر لا يكون موجباً للهلاك بل لابد من الوقوع والعثار ولذا ذكر المحقق في الشرائع إن ضابطها أي الأسباب ما لولاه لما حصل التلف بسبب العثار ومنه يعلم إن الضمان هنا لا يكون مستنداً إلى الضابطة الكلية التي أشرنا إليها مراراً لعدم تحقق الاستناد عرفاً بل الضمان شرعي يدل عليه الدليل الشرعي فاللازم حينئذ الاقتصار على ما في النصوص وما يلحق به ولو بمعونة الفتاوي وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) إنه قلنا أي في كتاب الغصب إنه ليس في شيء من النصوص جعل لفظ السبب والعلة والشرط عنواناًللحكم فالاختلاف في تعريفها
(الصفحة 79)
مسألة 1 ـ لو وضع حجراً في ملكه أو ملك مباح أو حفر بئراً أو أوتد وتداً أو ألقى معاثر ونحو ذلك لم يضمن دية العاثر، ولو كان في طريق المسلمين أو في ملك غيره بلا إذنه فعليه الضمان في ماله ولو حفر في ملك غيره فرضى به المالك فالظاهر سقوط الضمان من الحافر، ولو فعل ذلك لمصلحة المارة فالظاهر عدم الضمان كمن رش الماء في الطريق لدفع الحر أو لعدم نشر الغبار ونحو ذلك1 .
وتطويل الكلام في ذلك خال عن الفائدة. وكيف كان فالمراد بالسبب ما ذكرنا.
1 - عدم الضمان لدية العاثر فيما لو وضع حجراً في ملكه أو ملك مباح له التصرف فيه بما أراد أو حفر بئراً أو أوتد وتداً أو ألقى معاثر ونحو ذلك فهو الذي صرّح به غير واحد ويدل عليه بعد عدم صدق نسبة الفعل وهو قتل بفتح التاء أو نسبة المصدر وهو القتل بالسكون روايات دالة على ذلك وهي كثيرة:
منها رواية زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له رجل حفر بئراً في غير ملكه فمرّ عليها رجل فوقع فيها. قال: عليه الضمان لأن كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان(1). والتقييد ـ بأنه حفر بئراً في غير ملكه الذي يراد به المكان الذي يجوز له التصرف فيه بما أراد وإن لم يكن ملكاً شرعياً له في السؤال وفي الجواب ـ ظاهر فيما ذكرنا.
ومنها موثقة سماعة قال سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه فقال أما
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الثامن، ح1.
(الصفحة 80)
ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان وأمّا ما حفر في الطريق أو في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه(1). ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن سماعة قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام)وذكر مثله وعليه فلا إشكال في الرواية من جهة الإضمار أصلا.
ومنها رواية اُخرى لزرارة في سندها سهل بن زياد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال لو إن رجلا حفر بئراً في داره ثم دخل رجل (داخل) فوقع فيها لم يكن عليه شيء ولا ضمان ولكن ليغطها(2). وذكر المحشى على الوسائل إنه يحتمل الوجوب ـ أي وجوب التغطية ـ إن ظنّ وقوع أحد فيها وإن لم يوجب الضمان لعدم الملازمة كمن يجب عليه نجاة الغريق ولا يضمن بالمساهلة فيها وإن أثم.
ومنها غير ذلك من الروايات مضافاً إلى أن عدم الضمان لا يحتاج فيه إلى رواية لاقتضاء الأصل له كما لا يخفى وأمّا ثبوت الضمان فيما لو كان شيء من حفر البئر أو غيره في طريق المسلمين أو في ملك غيره بلا إذن منه فيدل عليه أيضاً روايات.
منها صحيحة أبي الصباح الكنانى قال قال أبو عبدالله (عليه السلام) من أضر بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن(3).
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن الشيء يوضع على الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره فقال كل شيء يضرّ بطريق المسلمين
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الثامن، ح3.
- (2) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الثامن، ح4.
- (3) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الثامن، ح2.