(الصفحة 130)
وثانياً: انّه قال المحقّق الهمداني(قدس سره) إنّ الرواية إذا عرضناها على العرف يستفيدون منها انّ الخبث لا يتجدّد في الكر لا أنّه يرفع الخبث السابق على كريته وعليه فالرواية غير تامّة من حيث الدلالة أيضاً.
وأورد عليه بعض الأعلام في الشرح ـ على ما في تقريراته ـ بأنّ هذه المناقشة ممّا لا يمكن المساعدة عليه; لأنّ معنى «لم يحمل» لا يتصف وهو أعمّ من السابق واللاّحق كما عرفت في تقريب الاستدلال.
لكن لا يخفى انّ «الخبث» اسم للذات بمعنى النجس لا بمعنى الخباثة المصدرية والنجاسة، وعليه فلا يصحّ أن يحمل «لم يحمل» على معنى لا يتّصف فالصحيح أن يقال: إنّ معناها انّ الماء إذا بلغ قدر كر لم يحمل نجساً أي لا يركب عليه النجس كناية عن عدم تأثيره فيه وعدم صيرورته مغلوباً له، وعليه فلا يبقى فرق بين هذه العبارة وبين الرواية المعروفة: «الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء» في ورود كلتيهما في مقام بيان الرفع وعدم الشمول لصورة الدفع كما هو ظاهر.
ثمّ لو لم نقل بشمول أدلّة الانفعال لمثل المقام ـ على خلاف ما بنينا عليه ـ ووصلت النوبة إلى الاُصول العملية لكان مقتضى الاستصحاب فيما إذا كان التتميم بالماء المتنجّس بقاء نجاسة كلا المائين من دون أن تكون هناك معارضة في البين لعدم مخالفتهما للإجماع على اتحاد الماء الواحد في الحكم كما هو ظاهر فلا مجال في هذه الصورة للرجوع إلى قاعدة الطهارة.
ثمّ إنّ صاحب السرائر وإن قال بكفاية التتميم ولو بالماء المتنجّس إلاّ أنّ دليله ـ على فرض تماميته ـ يقتضي كفاية التتميم ولو بغير الماء من سائر المائعات بل ولو بالعين النجسة فيها إذا استهلكا في المتمّم ـ بالفتح ـ لكثرته وقلّة المتمم ـ بالكسر ـ فإنّه لو كان هناك ماء متنجّس أقلّ من الكر بمنّ ـ مثلاً ـ فصبّ فيه منّ مِن الجلاب
(الصفحة 131)
أو البول فصار المجموع كرّاً لكان اللاّزم ـ بناء على دليله ـ الحكم بطهارته لأنّ الماء إذا بلغ كراً لم يحمل خبثاً، وهل يمكن الالتزام بمثل ذلك والقول بأنّ التتميم بالبول يوجب ارتفاع النجاسة والاتصاف بالطهارة فتدبّر جيّداً.
وقد انقدح من جميع ذلك انّ المتعيّن من الأقوال الثلاثة المتقدّمة هو القول المشهور سيّما بين المتأخّرين من عدم كون التتميم مؤثِّراً في زوال النجاسة مطلقاً ولو كان بالماء الطاهر فضلاً عن غيره.
(الصفحة 132)
مسألة 12 ـ إذا كان الماء قليلاً وشكّ في أنّ له مادّة أم لا، فإن كان في السابق ذا مادّة وشكّ في انقطاعها يبني على الحالة الاُولى وإلاّ فلا، لكن مع ملاقاته للنجاسة يحكم بطهارته على الأقوى1.
1 ـ امّا البناء على الحالة الاُولى فيما إذا كان في السابق ذا مادّة فلجريان استصحابها وعدم انقطاعها، ولا مجال للمناقشة في هذا الاستصحاب بدعوى انّه من الاُصول المثبتة التي يكون جريانها على خلاف التحقيق وذلك لأنّه لا يثبت كون الماء جارياً أو ذات مادّة حتى يترتّب عليه أحكامهما التي عمدتها هي الاعتصام وعدم التأثّر بمجرّد الملاقاة مع النجاسة.
والوجه في بطلان هذه الدعوى وعدم كون الأصل في المقام مثبتاً امّا كون الموضوع مركّباً من شيئين أحدهما محرز بالوجدان والآخر بالاستصحاب، وامّا أن الاستصحاب يجري في نفس الماء بتقريب انّ هذا الماء كان في السابق ماءً جارياً ـ مثلاً ـ والآن نشكّ في بقائه على ما كان فيجري الاستصحاب كاستصحاب بقاء الكرية في الماء المشكوك الذي كان في السابق كراً، وقد حقّق في محلّه عدم اختصاص الحجّية في باب الاستصحاب بخصوص الاُمور القارة بل يجري في الاُمور التدريجية أيضاً فلا يقال إنّ هذا الماء لم يعلم ثبوته في السابق فضلاً عن اتصافه بكونه جارياً فتدبّر.
وامّا الحكم بالطهارة فيما إذا لم يكن في السابق ذا مادّة ففيما إذا لم تعلم حالته السابقة من ثبوت المادّة وعدمها مستنده هي قاعدة الطهارة أو استصحابها لأنّ الشكّ في ثبوت الطهارة وعدمها الناشئ من الشكّ في ثبوت المادّة وعدمها مجرى قاعدة الطهارة أو استصحابها، نعم لا يثبت بها أزيد من الطهارة وعدم الانفعال بملاقاة النجاسة، وامّا ترتّب سائر أحكام الجاري أو الماء الذي له مادّة فلا وجه له
(الصفحة 133)
بعد عدم إحراز الموضوع وعدم كون القاعدة محرزة له بوجه.
وامّا إذا علمت حالته السابقة وانّه لم يكن له مادّة فمقتضى إطلاق المتن طهارته أيضاً مع أنّ استصحاب عدم المادّة وبعبارة اُخرى استصحاب القلّة مع وصف الركود يقتضي كونه ماءً قليلاً راكداً ينفعل بمجرّد الملاقاة، ولم يعلم وجه للحكم بالطهارة في هذه الصورة.
نعم في الصورة الاُولى أيضاً ربّما يقال بالنجاسة كما اختاره السيّدان في «العروة والوسيلة» وما يمكن أن يكون مستنداً للقول بالنجاسة في هذه الصورة اُمور:
أحدها: التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية له كما جوّزه صاحب العروة في بعض الفروع نظراً إلى أنّ أدلّة انفعال الماء القليل بمجرّد الملاقاة عامّة تشمل كلّ قليل لم يكن له مادّة واقعاً والمورد شبهة مصداقية يحتمل أن يكون قليلاً موصوفاً بعدم ثبوت المادّة له فمقتضى العموم الشمول والحكم بالانفعال.
وفيه ـ مضافاً إلى أنّه قد قرّر في محلّه عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهات المصداقية له ـ انّه على فرض الجواز لِمَ لم يجز التمسّك بعمومات أدلّة الماء الذي له مادّة من الجاري والبئر وغيرهما فإنّ المقام كما أنّه شبهة مصداقية لعمومات أدلّة الانفعال كذلك شبهة مصداقية لهذه الأدلّة فنتمسّك بها ونحكم بالاعتصام وعدم الانفعال، وعلى فرض التعارض بين العمومين يكون استصحاب الطهارة أو قاعدتها هو المحكم في البين، فهذا الوجه ساقط من أصله.
ثانيها: قاعدة المقتضى والمانع امّا مطلقاً وامّا في خصوص المقام كما يظهر من الشيخ الأنصاري(قدس سره) في كتاب الطهارة.
ثالثها: استصحاب عدم ثبوت المادّة لهذا الماء كما اختاره المحقّق الخراساني(قدس سره)في نظائره كاستصحاب عدم قرشية المرأة.
(الصفحة 134)
رابعها: القاعدة التي أبدعها المحقّق النائيني(قدس سره) .
وقد تقدّم هذه الوجوه الثلاثة في مسألة الشكّ في الإطلاق والإضافة التي هي المسألة الثالثة من مسائل الماء المطلق فراجع.