(الصفحة 155)
عليها، وقد استظهر المجلسي من سند الكافي انّ المراد بـ «ابن سنان» هو محمد بن سنان، وقال صاحب المدارك: الذي يظهر من كتب الرجال وتتبّع الأحاديث انّ ابن سنان الواقع في طريق الرواية واحد وهو محمد وإن ذكر عبدالله وهم...
ومن العجيب بعد ذلك ما أفاده بعض الأعلام بعد نسبة النقل عن عبدالله بن سنان إلى الكافي وعن ابن سنان إلى الوافي وجعل تصريحه في أوّله بأنّ ابن سنان قد يطلق على محمد بن سنان شهادة بأنّه مع الإطلاق يكون المراد به عبدالله بن سنان من أنّ المتعيّن الحمل على عبدالله بن سنان وحمل ما اشتمل على محمد بن سنان على اشتباه الكتاب أو سهو القلم.
فإنّ ما يكون مشتملاً على المطلق هو الكافي دون الوافي وقد صرّح في الثاني بعبدالله وقد عرفت انّ مراجعة الأسانيد تقضي بأنّ الراوي عن إسماعيل هو محمد، كما أنّ من يروي عنه البرقي أيضاً محمد لا عبدالله كما يظهر بالمراجعة إلى كتاب «جامع الرواة» للأردبيلي وقد صرّح فيه بأنّ البرقي يروي كثيراً عن عبدالله ولا رواية له عن محمّد في غير هذا المورد الذي هو محلّ الشكّ، وعليه فكيف يكون المتعيّن هو الحمل على عبدالله.
ومنها: ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الكرمن الماء كم يكون قدره؟ قال: إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء.
ومستند المشهور هي المشهور هي هذه الرواية، وربما يورد على سندها بأنّ أحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن يحيى وهو ضعيف أو مجهول، ولكن الظاهر انّ أحمد بن محمد ـ عند الإطلاق ـ هو ابن عيسى وهو ثقة مع أنّ ابن يحيى أيضاً ثقة،
(الصفحة 156)
كما أنّ المراد بـ «أبي بصير» هو ليث المرادي بقرينة رواية ابن مسكان عنه، مع أنّ هذه الكنية إنّما هي لثلاثة كلّهم ثقة ـ على ما هو الحقّ ـ هذا ما يتعلّق بسند الرواية.
وامّا ما يتعلّق بدلالتها فنقول: امّا أن يكون قوله: «ثلاثة أشبار ونصف» بعد قوله: «في مثله» منصوباً فيكون خبراً بعد الخبر لقوله: «إذا كان الماء» وـ حينئذ ـ فالرواية متعرّضة لمقدار كلّ واحد من الأبعاد الثلاثة: الطول والعرض والعمق، امّا الأوّل فواضح، وامّا الثاني فلدلالة قوله: «في مثله» عليه، وامّا الثالث فلدلالة ما بعد هذا القول عليه. وامّا أن يكون مجروراً ـ بناءً على أن يكون بياناً لقوله: «في مثله» فتكون الرواية متضمّنة ـ حينئذ ـ لحكم العمق والطول فقط، وعليه وإن كان يستفاد منها مقدار العرض أيضاً إلاّ أنّه لا دليل على اختصاص الرواية بما إذا لم يكن الماء ـ باعتبار ظرفه ـ على نحو الدائرة، غاية الأمر انّه لا دليل على إخراج مثل هذه الصورة مع وضوح التفاوت بينهما جدّاً.
وقد ادّعى بعض الأعلام قصور دلالة الرواية على مسلك المشهور لعدم اشتمالها على ذكر الأبعاد الثلاثة وظاهرها هو الدائرة كما في صحيحتي إسماعيل بن جابر ومدلولها ـ حينئذ ـ انّ الكرّ ما يقرب من ثلاثة وثلاثين شبراً وهو ممّا لا قائل به فلابدّ من حملها على اختلاف سطح الماء الراكد لعدم تمركز الماء في الصحاري في الموارد المسطحة فينطبق ـ حينئذ ـ على مفاد صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة، وأورد على الشيخ البهائي(قدس سره) في الحبل المتين باعتبار دعواه صراحة دلالة الرواية على مسلك المشهور ورجوع الضمير في «مثله» إلى ثلاثة أشبار ونصف بأنّه تكلّف محض لاستلزامه التقدير في الرواية في موضعين:
أحدهما: في مرجع الضمير بتقدير المقدار، وثانيهما: بعد كلمة «مثله» بتقدير لفظة في لعدم استقامة المعنى بدونهما وانّ الصحيح إرجاع الضمير إلى الماء وعدم
(الصفحة 157)
اشتمال الموثقة على الأبعاد الثلاثة.
وأنت خبير بأنّه على فرض دلالة الرواية على التعرّض للبُعدين لا وجه لدعوى ظهورها في الدائرة وأيّ فرق بينها وبين الرواية الثانية لإسماعيل بن جابر حيث حملها على الأبعاد الثلاثة مع اشتمالها على ذكر بعدين فقط وأعجب من ذلك تصريحه في المقام بأنّ ظهور الرواية في الدائرة كظهور صحيحتي إسماعيل بن جابر فيها مع تصريحه كما عرفت بعدم كون الثانية منهما ناظرة إلى الدائرة بوجه ولذا اعترضنا عليه آنفاً بأنّه لا وجه للفرق بين الصحيحتين كما لا يخفى.
والتحقيق أن يقال: إنّه لا مجال لحمل قوله: «ثلاثة أشبار ونصف» بعد قوله: «في مثله» على الخبر بعد الخبر وذلك لأنّه بناءً عليه يلزم أن يكون النصف منصوباً مكتوباً مع الألف ودعوى كون الكتابة في الخبر الأوّل أيضاً كذلك مدفوعة مضافاً إلى أنّه قد رواها في الوافي بصورة النصب ان حمله على الغلط لا يوجب حمل الثاني عليه أيضاً، وعليه فلابدّ من أن يكون بياناً لقوله: «في مثله» وـ حينئذ ـ يستفاد من الرواية انّ قوله: «في مثله» شروع في بيان البُعد الآخر بعد تمامية بيان البُعد الأوّل لأنّه بناء على ما ذكر لا يمكن أن يكون هذا القول متعلّقاً بالبُعد الأوّل كما هو واضح، وعليه فهل لا يكون هذا موجباً لظهور قوله: «في عمقه» في بيان البُعد الثالث أم يكون موجباً له، غاية الأمر انّ مقدار العمق لا يكون مذكوراً والظاهر انّ الوجه في عدم التعرّض ظهور المراد وانّ مقداره هو مقدارهما فالإنصاف تمامية دلالة الرواية على مذهب المشهور.
ومنها: رواية حسن بن صالح الثوري عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إذا كان الماء في الركي كرّاً لم ينجسه شيء، قلت: وكم الكر؟ قال: ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها. والركي: جمع الركية وهي البئر، وهذه الرواية باعتبار
(الصفحة 158)
انّ موردها هي الركية ومن المعلوم انّها على نحو الدائرة تخالف ما عليه المشهور سيما بعد ذكر العرض فقط في مقابل العمق، ولو سلّم التعميم باعتبار انّ السؤال إنّما وقع عن مقدار الكر مطلقاً ـ من دون تقييد بالماء الموجود في الركي ـ فلا محالة لا يكون المورد خارجاً عن ذلك الحكم العام إلاّ أنّ سند الرواية ضعيف باعتبار الحسن بن صالح. مع أنّ الرواية نقلت عن الاستبصار مع زيادة: «ثلاثة أشبار ونصف طولها» في أوّل الرواية وإن كان الكافي والتهذيب خاليين عن الزيادة وعلى ذلك فيحتمل كون الصادر من الإمام(عليه السلام) مشتملاً على بيان الأبعاد الثلاثة وإن كان يبعده ـ أوّلاً ـ عدم كون المورد وهو الركي ذات الأبعاد الثلاثة و ـ ثانياً ـ خلوّ الكافي الذي هو أضبط الكتب الأربعة والتهذيب الذي مؤلِّفه نفس الشيخ(قدس سره) عن الزيادة ـ وثالثاً ـ ذكر العمق في وسط الطول والعرض مع أنّ التداول إنّما يقتضي ذكر الطول والعرض ثمّ بيان العمق كما لا يخفى، ولكن مع ذلك كلّه لقائل أن يقول: إنّ احتمال النقيصة أقوى من احتمال الزيادة عند دوران الأمر بين الاحتمالين.
هذه هي عمدة الروايات الواردة في المقام وأصحّها ـ على ما قيل ـ صحيحة إسماعيل بن جابر المتضمّنة للذراع والشبر التي عرفت انّ مفادها ستّة وثلاثين شبراً لكنّها معرض عنها لدى الأصحاب، قال في محكي المنتهى ـ بعد ذكر الصحيحة ـ : «وتأوّلها الشيخ على احتمال بلوغ الأرطال وهو حسن لأنّه لم يعتبر أحد من أصحابنا هذا المقدار» مضافاً إلى ما عرفت منّا من عدم كونها رواية اُخرى في مقابل صحيحته الاُخرى بل الظاهر كونهما رواية واحدة والجواب الصادر منه(عليه السلام) غير معلوم، وبهذا ظهر عدم إمكان الاعتماد على روايته الاُخرى أيضاً التي هي عمدة مستند القمّيين أو خصوص ابن بابويه منهم فلا يبقى من الروايات المعتبرة من حيث السند التامّة من حيث الدلالة إلاّ رواية أبي بصير التي هي مستند
(الصفحة 159)
المشهور وعلى تقدير التعارض بين دليلهم ودليل القمّيين بدعوى كونه رواية مستقلّة معتبرة لأنّ ابن سنان فيها هو عبدالله لا محمّد أو انّ محمّداً أيضاً ثقة كما اختاره بعض المتأخّرين من الرجاليين ودلالتها أيضاً على الأبعاد الثلاثة ظاهرة لكان الترجيح أيضاً مع دليل المشهور لموافقته للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات ـ على ما هو التحقيق ـ فالأحوط بل الأقوى ما عليه المشهور.
بقي الكلام فيما هو المهمّ في المقام من رفع التنافي بين الروايات الدالّة على تقدير الكر بالأشبار وبين ما يدلّ على تقديره بالوزن، حيث إنّ تقديره بالوزن يكون ـ دائماً أو غالباً ـ أقلّ من ثلاث وأربعين شبراً كما حكي عن الأمين الاسترابادي انّه قدر ماء المدينة بالوزن المعيّن في الكر فلم يبلغ إلاّ ستّة وثلاثين شبراً، وعن ظاهر «مرآة العقول» للمجلسي(قدس سره) انّ وزنه يساوي ثلاثة وثلاثين شبراً تقريباً، وعن بعض أفاضل المتأخّرين أقلّ من ذلك.
وتحقيق المقام أن يقال: إنّه لا إشكال في أنّ أضبط التقديرات هو التقدير بالوزن، إذ ليس الوزن قابلاً لطرو الزيادة والنقصان عليه أصلاً، وهذا بخلاف غيره، وـ حينئذ ـ فنقول: ظاهر الروايات الواردة في تقدير الكر بالوزن انّ حدّ الكر بحسب الواقع هو هذا المقدار الذي لا يقبل الزيادة النقيصة، والروايات الدالّة على التقدير بالأشبار وإن كان ظاهرها أيضاً انّ حدّ الكرّ هو هذا المقدار الذي يكون مدلولاً لها إلاّ انّه من الواجب صرفها عن هذا الظهور باعتبار تفاوت الأشبار جدّاً، ولا ينحصر التفاوت بالأشخاص غير المتعارفة من حيث الشبر بل الأفراد المتعارفة المتوسطة تكون أشبارهم متفاوتة، وهذا التفاوت وإن كان قليلاً في شبر واحد إلاّ أنّه بالإضافة إلى ثلاث وأربعين شبراً ربّما يبلغ أشباراً متعدّدة وـ حينئذ ـ يعلم انّ بناء هذا التقدير كان على المسامحة والتسهيل بالإضافة إلى المكلّفين من حيث تعذّر