(الصفحة 193)
طيّ مرحلتين فالاستدلال بها على عدم اعتبار الامتزاج غير تام أيضاً.
ثالثها: اعتبار الامتزاج وهذا هو الأقوى تبعاً للماتن ـ دام ظلّه ـ لدلالة صحيحة ابن بزيع على اعتباره وعدم وجود ما يدلّ على عدمه ولكن لا يخفى انّ الامتزاج أيضاً أمر عرفي يتحقّق عرفاً باختلاط المائين واتصال أجزائهما بنظره فإذا كان عمق الحوض قليلاً يكفي مجرّد نزول المطر الكثير عليه لأنّه بذلك يتحقّق الامتزاج وإذا كان عمقه أزيد من ذلك يحتاج إلى تغيير مكان الاجزاء ولو بإعانة شيء آخر كالخشب ونحوه.
الثاني: في أنّه هل يعتبر في الاتصال كيفية خاصّة أم لا؟ والظاهر انّ الورود في هذا البحث إنّما هو على تقدير عدم اعتبار الامتزاج والقول بكفاية مجرّد الاتصال لأنّ القائل باعتباره لا يرى التطهير ما دام لم يتحقّق الامتزاج ولا نظر له إلى كيفية الاتصال بوجه، وامّا القائل بكفاية مجرّد الاتصال فله أن يبحث في أنّه هل يعتبر في الاتصال الكافي كيفية خاصّة أم لا؟
والظاهر انّه بناء عليه لا يعتبر فيه كيفية أصلا0 لا من جهة الواسطة في تحقّقه ولا من جهة اختلاف السطح.
امّا من الجهة الاُولى فيكفي كلّ ما هو واسطة في تحقّق الاتصال فضلاً عمّا إذا لم تكن واسطة أصلاً فإذا كان هناك ساقية أو ثقب أو مزملة أو شبهها يكفي في تحقّقه لعدم دلالة الدليل على اعتبار أزيد من صدقه والمفروض ثبوته.
وامّا من الجهة الثانية فإذا كان السطحان متساويين أو كان سطح الماء المطهر عالياً فلا إشكال في الاكتفاء به، وامّا إذا كان السطحان مختلفين وكان سطح الماء المتنجّس عالياً فإن لم يكن هناك جريان من الفوق على المعتصم فالظاهر أيضاً كفايته وإن اختلف السطحان لصدق الاتصال، وامّا إذا كان هناك جريان من الماء
(الصفحة 194)
المتنجّس على الماء المعتصم فالظاهر عدم كفاية هذا الاتصال في طهارة الفوقاني في حال جريانه عليه لأنّ جريانه يمنع عن تأثير الماء المعتصم فيه وغلبته عليه ويعتبر في المطهر على ما هو المرتكز عند العقلاء الغالبية على الشيء المتنجّس والتأثير فيه فتدبّر، هذا تمام الكلام في ماء المطر.
(الصفحة 195)
مسألة 23 ـ الماء المستعمل في الوضوء لا إشكال في كونه طاهراً ومطهِّراً للحدث والخبث، كما لا إشكال في كون المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهراً ومطهِّراً للخبث، بل الأقوى كونه مطهِّراً للحدث أيضاً1.
1 ـ الماء المستعمل على أقسام ستّة:
الأوّل: ما استعمل في تنظيف مثل الثوب والبدن وتطهيره من القذارات العرفية غير النجسة شرعاً، ولا خلاف في حكمه من حيث كونه طاهراً بذاته ومطهِّراً للمتنجّسات والاحداث.
الثاني: ما استعمل في إزالة الخبث والنجاسة الشرعية وهذا ماء الغسالة التي سيجيء عنها مفصّلاً ـ إن شاء الله تعالى ـ .
الثالث: ما استعمل في رفع الحدث الأصغر، ولا ينبغي الإشكال في أنّه أيضاً طاهر ومطهِّر للأصل وعمومات مطهّرية الماء وإطلاقاتها فيجوز استعماله في رفع الحدث الأكبر ورفع الحدث الأصغر ثانياً ويدلّ على خصوص الأخير أيضاً ما ورد في بعض الأخبار من أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان إذا توضّأ أخذ الأصحاب ما سقط من وضوئه من القطرا فيتوضّأون به.
وكيف كان فطهارته من الواضحات وضروريات الفقه بل قيل إنّها من ضروريات المذهب وقد خالف فيه أبو حنيفة فحكم بنجاسته، نجاسة مغلظة ـ تارة ـ ومخففة اُخرى ـ بل صرّح بأنّه لو كان في الثوب منه أكثر من قدر الدرهم لا تجوز الصلاة فيه ولكنّه ممّا لا يقول به عاقل ولا متفقّه فضلاً عن الفاضل والفقيه ولا غرو فيه لأنّه ليس مثل ذلك بعيد عمّن كان متعمّداً بالمخالفة لأبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق ـ عليهما وعلى آبائهما وأبنائهما الطاهرين الصلاة والسلام ـ ولم يكن له بدّ منها لأنّه كان مصنوعاً لذلك ومخلوقاً لإمحاء الحقيقة وإطفاء نور الولاية
(الصفحة 196)
نعوذ بالله من حبّ الجاه والرئاسة.
الرابع: ما استعمل في الأغسال أو الوضوءات التي لا يرتفع بها الحدث أصلاً كالأغسال المندوبة والوضوء التجديدي، والظاهر انّه لا خلاف أيضاً في كونه طاهراً ومطهِّراً للأصل والعمومات وانّ حاله حال قبل الاستعمال.
وقد نسب إلى المفيد(قدس سره) استحباب التنزّه عن الماء المستعمل في الطهارة المندوبة من الغسل والوضوء بل المستعمل في الغسل المستحبّ كغسل اليد للأكل.
وأورد عليه الأصحاب بأنّه ممّا لا دليل عليه من الأخبار وغيرها وإن كان يتسامح في أدلّة السنن لأنّه لابدّ من وجود دليل حتّى يتسامح فيه.
وأجاب عن ذلك الشيخ البهائي(قدس سره) في «الحبل المتين» بأن مستند المفيد(قدس سره) فيما أفاده هو ما رواه محمد بن علي بن جعفر عن الرضا(عليه السلام) في حديث قال: من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلاّ نفسه... نظراً إلى أنّ إطلاق الغسل في قوله: «قد اغتسل فيه» يشمل الغسل الواجب والمندوب، وتعجب من عدم تنبّه الأصحاب لهذا الحديث حيث أوردوا على المفيد بعدم الدليل.
واعترض عليه صاحب الحدائق(قدس سره) بأنّ صدر الرواية وإن كان مطلقاً إلاّ أنّ ذيلها قرينة على أنّ الرواية قد وردت في ماء الحمّام حيث إنّ الراوي تعجّب من أخبار الإمام (عليه السلام) بإصابة الجذام لمن اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فقال: قلت: إنّ أهل المدينة يقولون انّ فيه شفاء من العين فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرّهما وكلّ من خلق الله ثمّ يكون فيه شفاء من العين؟!
وعليه فالرواية ظاهرة في كراهة الاغتسال من ماء الحمّام الذي يغتسل فيه
(الصفحة 197)
الجنب وغيره ممّن عدّ في الرواية، ولا دلالة لها على مدّعى المفيد وهو كراهة الاغتسال من الماء المستعمل في الغسل مطلقاً، مضافاً إلى أنّ الرواية تدلّ على كراهة الاغتسال من الماء المستعمل في الغسل «بالضم» ومدّعاه الكراهة مطلقاً ولو في غير الاغسال، وكذا من الماء المستعمل ولو في غير الغسل من الوضوء والغسل «بالفتح» فدليله أخصّ من المدّعى.
والحقّ انّه لا ارتباط لذيل الرواية بصدرها فإنّ الإمام(عليه السلام) بيّن في الصدر حكماً مطلقاً غير مختصّ بماء الحمّام ولا إشعار فيه به وسكت بعد تمام الحكم وبيانه بحيث لو لم يسأل السائل لم يكن للرواية ذيل أصلاً لكن سؤاله عمّا يرتبط بماء الحمّام بقرينة الجواب أوجب إفادة جهة مختصّة بماء الحمّام فلا وجه لجعل الذيل قرينة على اختصاص الصدر، مع أنّ ذكر الزاني عقيب الجنب من الحرام يشعر بأنّ الكراهة ثابتة فيما إذا اغتسل فيه الزاني ولو من غير جنابة وهكذا الناصب الذي هو شرّ الجنب من الحرام والزاني.
ويمكن أن يقال: بأنّ المستفاد من هذه الرواية كراهة الاغتسال من الماء المستعمل في الغسل لا استحباب التنزّه عنه كما أفاده المفيد لعدم إفادة دليل الكراهة استحباب التنزّه عن المكروه بوجه، كما أنّ دليل الوجوب لا يفيد حرمة ترك الواجب، ودليل الحرمة لا يقتضي وجوب ترك الحرام والتحقيق في محلّه.
كما أنّه يمكن أن يقال : إنّ هذه الرواية وأشباهها إنّما وردت في مقام إرشاد الناس إلى الأخذ بمصالحهم والاجتناب عن مفاسدهم والحفاظ على صحّة أبدانهم بالاجتناب عن مباشرة ماء اجتمعت فيه الأوساخ التي قد تؤدّي إلى سراية الأمراض كما هو الواضح في طبّ اليوم فلا تصير مستندة لما أفاده المفيد ـ حينئذ ـ .
الخامس: ما استعمل في رفع الحدث الأكبر، والكلام فيه يقع في ثلاثة مقامات: