(الصفحة 188)
وإن أبيت إلاّ عن ثبوت المعارضة بين الدليلين وعدم وجود مرجّح في البين فمقتضى التساقط في مادّة الاجتماع والرجوع إلى استصحاب النجاسة فهيا عدم تحقّق الطهارة بدون التعفير، ولازم ما أفاده بعض الأعلام من كون دلالة المرسلة بالعموم ودلالة الأدلّة الاُخرى بالإطلاق عدم الاحتياج إلى التعفير في المقام مع فرض التعارض، ولكنّك عرفت بطلان هذا المقال وانّ دلالة المرسلة أيضاً بالإطلاق.
(الصفحة 189)
مسألة 21 ـ إذا كان السطح نجساً فنفذ فيه الماء وتقاطر حال نزول المطر يكون طاهراً وإن كان عين النجس موجوداً على السطح وكان الماء المتقاطر مارّاً عليها; وكذلك المتقاطر بعد انقطاع المطر إذا احتمل كونه من الماء المحتبس في أعماق السقف أو كونه غير مارّ على عين النجس ولا على ما تنجّس بها بعد انقطاع المطر، وامّا لو علم انّه من المارّ على أحدهما بعد انقطاعه يكون نجساً1.
1 ـ قد وقع التعرّض في هذه المسألة لفروع ثلاثة:
أحدها: ما إذا تقاطر السطح النجس حال نزول المطر وقد حكم فيه بالطهارة وإن كان عين النجس موجوداً على السطح وكان الماء المتقاطر قد مرّ عليها يقيناً، والوجه في الحكم بالطهارة ما عرفت من اعتصام ماء المطر وعدم تأثّره بالملاقاة والمفروض عدم انقطاعه فهو ماء مطر لا ينفعل بالملاقاة كما هو ظاهر.
ثانيها: ما إذا كان التقاطر من السطح المذكور بعد انقطاع المطر ولكن احتمل كونه من الماء المحتبس في أعماق السقف أو غير مار على النجس ولا على المتنجّس وقد حكم فيه بالطهارة أيضاً والوجه فيه جريان قاعدة الطهارة لكونه مشكوك الطهارة بعد عدم كونه ماء المطر بالفعل واحتمال عدم ملاقاته مع شيء من النجس والمتنجّس أو كون الملاقاة في حال الاعتصام وعدم الانفعال فهو ماء مشكوك الطهارة لا يجري فيه إلاّ قاعدتها، وقد اعترضنا بذلك على بعض الأعلام فيما تقدّم حيث استدلّ بصحيحة هشام بن سالم المتقدّمة على مطهّرية ماء المطر لغير الماء من الأعيان المتنجّسة وقلنا بعدم دلالة الصحيحة على طهارة السطح بوجه فراجع.
والعجب منه انّه قد صرّح في المقام بذلك وانّه إذا انقطع المطر ولم ينقطع الوكوف فالظاهر انّ القطرات غير محكومة بالنجاسة لأنّها وإن كانت متّصلة بالسقف وهو رطب متّصل بالعذرة مثلاً إلاّ أنّه لا دليل على تنجّس تمام الجسم الرطب بملاقاة
(الصفحة 190)
أحد أطرافه نجساً في غير المائعات لعدم قيام الدليل على ذلك مضافاً إلى أنّ لازمه الحكم بنجاسة جميع شوارع البلد فيما إذا رطبت بنزول المطر وتنجّس بعضها بعذرة مثلاً لاتصال الشوارع وهذا كما ترى لا يلتزم به أحد.
ثالثها: ما إذا كان التقاطر من السطح المذكور بعد انقطاع المطر وعلم مروره على النجس أو المتنجّس وانّ المرور كان بعد انقطاع المطر والحكم فيه النجاسة ووجهه واضح.
(الصفحة 191)
مسألة 22 ـ الماء الراكد النجس يطهر بنزول المطر عليه وامتزاجه به; وبالاتصال بماء معتصم كالكر والجاري والامتزاج به; ولا يعتبر كيفية خاصة في الاتصال، بل المدار على مطلقه ولو بساقية أو ثقب بينهما كما لا يعتبر علو المعتصم أو تساويه مع الماء النجس، نعم لو كان النجس جارياً من الفوق على المعتصم فالظاهر عدم الكفاية في طهارة الفوقاني في حال جريانه1.
1 ـ قد تقدّم الكلام في تطهير الماء الراكد النجس بمثل الكر والجاري وانّ مجرّد الاتصال لا يكفي بل يحتاج إلى الامتزاج أيضاً، والكلام هنا في مقامين:
الأوّل: في التطهير بماء المطر وانّه هل يكفي فيه مجرّد نزوله عليه أو يحتاج إلى الامتزاج أيضاً كسائر المياه المعتصمة بعد الفراغ عن دلالة الدليل على مطهرية ماء المطر للماء المتنجّس أيضاً كسائر المتنجّسات وذلك لدلالة مرسلة الكاهلي المتقدّمة على أنّ كلّ شيء رآه ماء المطر فقد طهر، فالكلام هنا في تعيين المقدار الذي يكفي منه في تطهيره والاحتمالات ثلاثة:
أحدها: كفاية القطرة الواحدة من المطر في تطهير مثل الحياض استناداً إلى إطلاق المرسلة الدالّة على طهارة كلّ شيء رآه المطر لأنّ ماء الحوض بعد فرض اتصال أجزائه شيء واحد متنجّس رآه المطر لصدقه على القطرة الواحدة ولا ينافي ذلك ما تقدّم من عدم صدق المطر على قطرة أو قطرتين لأنّ المقصود هناك ما كان النازل بذلك المقدار فقط والغرض هنا نزول قطرة واحدة من المطر الذي يكون قطرات كثيرة على حوض واحد فماء الحوض شيء واحد يصدق عليه انّه رآه المطر فاللاّزم الحكم بطهارته.
ويدفع هذا الاحتمال انّ ماء الحوض وإن كان شيئاً واحداً لمساوقة الاتصال مع الوحدة كما هو كذلك عرفاً أيضاً إلاّ انّ هذا الشيء الواحد متّصف بأنّه متنجّس
(الصفحة 192)
بجميع أجزائه فكلّ جزء منه معروض لوصف التنجّس وإذا اُريد تطهيره بماء المطر فاللاّزم رؤية ماء المطر إيّاه، وكيف تكون الرؤية لبعض الأجزاء مطهّرة للجزء الذي لم يتّصف بكونه مرئياً لماء المطر وهذا كسائر المتنجّسات فإذا كان الثوب ـ مثلاً ـ متنجّساً بجميع أجزائه فهل تحصل الطهارة لجميع أجزائه بمجرّد رؤية ماء المطر بعضها فالإنصاف انّ هذا الاحتمال غير تامّ.
ثانيها: الاكتفاء بما إذا أصاب المطر السطح الظاهر من الحوض بتمامه أو بمعظمه على وجه يصحّ عرفاً أن يقال ماء المطر موجود على سطح الحوض نظراً إلى أنّ السطح الفوقاني من الماء قد طهر بما فيه من المطر وإذا طهر هو طهرت الطبقات المتأخّرة لأنّ لها مادّة لأنّ المراد بها مطلق الماء العاصم ومنه ماء المطر.
ويرده ما عرفت مراراً من أنّ صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع الواردة في البئر المشتملة على التعليل بأنّ له مادّة مفادها اعتبار الامتزاج وحصول الاختلاط فمجرّد وجود المادّة في السطح الفوقاني لا يكفي في تطهير الطبقات المتأخّرة بعد عدم حصول الامتزاج وعدم صدق رؤية ماء المطر إيّاها كما لا يخفى.
نعم قد يستدلّ في المقام على عدم اعتبار الامتزاج بصحيحة هشام بن الحكم المتقدّمة نظراً إلى أنّ إطلاقها يشمل المطر المختلط بالبول بعد زوال تغيّره سواء امتزج معه أيضاً أم لم يمتزج لعدم تقييدها الطهارة بالامتزاج وقد مرّ من المستدلّ انّ الاستهلاك في مثل ذلك يتحقّق بعد مرحلتين والصحيحة لا تشمل إلاّ بعدهما ولكن بعد الشمول لا يختص بما إذا تحقّق الامتزاج بعد زوال التغيّر لعدم تقييدها الطهارة به.
وقد مرّ منّا بين مفاد الصحيحة وانّ موردها ما إذا كان البول قليلاً في الغاية والمطر كثيراً سائلاً من الميزاب وفي مثله يتحقّق الاستهلاك دفعة ولا يتوقّف على