(الصفحة 217)
ولكنّه لا يخفى انّ العنوان المنهي عنه وإن كان لا يصدق على المجموع المختلط من المائين اللذين كان أحدهما مستعملاً في رفع الحدث الأكبر، إلاّ أنّه لا إشكال في صدقه على الماء الذي يكون كذلك لأنّ المفروض وجوده بين المجموع وعدم كونه مستهلكاً لامتناع استهلاك الشيء فيما هو من جنسه وحقيقته ـ كما قرّر في محلّه ـ والاستهلاك العرفي الذي مرجعه إلى كونه مفروض العدم لقلّته ـ مثلاً ـ منتف في المقام على ما هو المفروض فلا محالة يصدق عليه ذلك العنوان فلا يجوز الاغتسال والتوضّي به فتدبّر.
ثمّ إنّ الظاهر عدم جواز التوضّي وأمثاله بالماء المستعمل في غسل بعض الأعضاء وإن لم يكن سبباً لرفع الجنابة بأن كان مستعملاً في غسل العضو الأخير الذي به يتمّ الغسل وترتفع الجنابة لأنّ الظاهر من موضوع النصّ ـ الذي هو عبارة عن الماء الذي يغتسل به الرجل ـ هو الماء المستعان به في رفع الجنابة بأن كان جزءً لسبب الرفع وإن لم يكن جزءً أخيراً له.
كما أنّ الظاهر أن يكون المراد بالاغتسال المأخوذ في موضوع النص هو الغسل الصحيح فالاستعمال في الغسل الفاسد الذي لا يوجب رفع الحدث لا يمنع عن استعماله في رفع الحدث كما هو غير خفي.
ثمّ إنّه لو استعمل الماء الذي يغتسل به الرجل قبل انفصاله عن بدنه كما إذا وضع يده على بدن المغتسل حتى يجري منه الماء عليها فيحصل غسل اليد فالظاهر عدم الجواز لأنّه يصدق عليه استعمال الماء الذي اغتسل به الرجل.
كما أنّ الظاهر عدم جواز استعمال المغتسل نفسه الماء المنفصل عن بعض الأعضاء في غسل البعض الآخر وإن لم يصل إلى الأرض كما إذا أخذ يده تحت حنكه حتى يجتمع فيها الماء المستعمل في غسل الرأس والوجه فيستعين به في غسل
(الصفحة 218)
غيرهما والملاك في جميع ما ذكرنا هو صدق موضوع النص وعدمه سواء المغتسل وغيره، كما أنّه لا فرق في الأوّل بين استعمال المستعمل في ذلك الغسل أو في غيره من الوضوء أو الغسل الآخر.
السادس: الماء المستعمل في الاستنجاء وسيأتي البحث فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ عند تعرّض الماتن ـ دام ظلّه ـ له فارتقب.
(الصفحة 219)
مسألة 24 ـ الماء المستعمل في رفع الخبث المسمّى بالغسالة نجس مطلقاً1.
1 ـ هذه المسألة من المسائل الخلافية التي فيها من الأقوال الكثيرة ما لا مجال لاستقصائها، وما يعتنى به من بينها أربعة:
الأوّل: النجاسة مطلقاً وهو المشهور وقد اختاره الماتن ـ دام ظلّه ـ وهو الأقوى.
الثاني: الطهارة مطلقاً واختاره جماعة منهم صاحب الجواهر(قدس سره) وقد أصرّ على الطهارة بل جعلها من الواضحات.
الثالث: ما اختاره صاحب العروة(قدس سره) من التفصيل بين ماء الغسالة في الغسلة المزيلة للعين فهي نجسة وبين غسالة الغسلة غير المزيلة ـ امّا لإزالة العين قبلها بشيء أو لأجل عدم العين للنجاسة ـ فاحتاط فيها بالاجتناب.
الرابع: التفصيل بين غسالة الغسلة التي تتعقّبها طهارة المحلّ فهي طاهرة سواء كانت مزيلة للعين أم لم يكن وبين غيرها ممّا لا تتعقّبها طهارة المحلّ فهي نجسة كما اختاره بعض الأعلام في الشرح أو انّ الأحوط فيه الاجتناب كما اختاره في الوسيلة.
امّا القول الأوّل ـ وهو النجاسة مطلقاً ـ فيدلّ عليه اُمور:
منها: عموم ما دلّ على انفعال الماء القليل بتقريب انّ المتبادر من هذه الأدلّة عند العرف هو انّ الانفعال إنّما يكون مسبّباً عن نفس الملاقاة من دون فرق بين الكيفيات وأنواع الملاقاة من ورود النجاسة على الماء أو وروده عليها وتجاوزه عنها أو استقراره معها أصلاً، ألا ترى انّه لو قيل ـ مثلاً ـ انّ وقوع الفأرة الميتة في السمن الذائب يوجب نجاسته وحرمة أكله ـ كما ورد في رواية زرارة المتقدّمة الواردة في السمن والزيت ـ هل يتوهّم أحد انّ هذا الحكم منحصر بما إذا وقعت
(الصفحة 220)
الفأرة في السمن بحيث لو وقع السمن الذائب عليها لا يجري فيه هذا الحكم؟!
ولذا لم يذهب أحد من الأصحاب إلى الفرق بين الحالتين في السمن وغيره من المائعات مع أنّه لم يرد نصّ على عدم الفرق أصلاً، وليس ذلك إلاّ لأنّ المستفاد من الرواية انّ النجاسة المترتّبة عليها حرمة الأكل إنّما هي مسبّبة عن نفس ملاقاة السمن الذائب مع الميتة بلا فرق بين الحالات أصلاً، ونحن نقول: أي فرق بين هذه الرواية وبين الأدلّة الواردة في انفعال الماء القليل، فكما انّ علّة نجاسة السمن في الاُولى هي نفس الملاقاة من دون فرق بين الحالات، فكذلك منشأ تحقّق النجاسة في الثانية أيضاً هو مجرّد التلاقي بأيّ وجه اتفق، فالإنصاف انّه لو خلى الذهن في مقام فهم الروايات عن بعض الشبهات لا يبقى مجال للارتياب فيما ذكرنا.
هذا مضافاً إلى الإطلاق الاحوالي الثابت في مفهوم المستفيضة المعروفة: «الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شيء» كالإطلاق الاحوالي الثابت في منطوقه.
توضيحه: انّ الموضوع في المنطوق والمفهوم إنّما هي نفس طبيعة الماء من دون مدخلية شيء آخر فيه أصلاً، غاية الأمر انّه لا ينفعل إذا بلغ إلى الحدّ المخصوص ويرتفع ذلك عند ارتفاع ذلك الحدّ، فالموضوع للانفعال هو الماء غير البالغ ذلك الحدّ بلا مدخلية شيء آخر من الظرف أو المكان أو المقدار أو الحالة المخصوصة فيكون ثابتاً عند تحقّق موضوعه.
ومن المعلوم انّ الموضوع متحقّق على جميع التقادير سواء كان الماء وارداً على النجاسة أو العكس، كما أنّه على الأوّل لا فرق بين استقراره معها أو تجاوزه عنها; لأنّ المفروض خروج خصوصية هذه الحالات عمّا جعل موضوعاً للحكم فيترتّب على جميع تلك الحالات، كما أنّ موضوع الحكم بالاعتصام في النطوق هو الماء البالغ ذلك القدر من دون مدخلية خصوصية فيثبت الحكم بالاعتصام في جميع
(الصفحة 221)
الحالات ولا فرق بينها أصلاً; لأنّ معنى الإطلاق كما قرّر في محلّه ـ عدم مدخلية القيود في موضوع الحكم وترتّب الأثر عليه ولا يكون راجعاً إلى العموم ـ كما توهّم ـ حتّى يشكل التمسّك بالإطلاق في جانب المفهوم لأنّه يصير ـ حينئذ ـ نظير العموم الثابت بالإضافة إلى أنواع النجاسات في أن نقيضه هو ارتفاع الحكم في البعض كما هو الشأن في نقيض السالبة الكلّية.
والظاهر انّه لو لم نقل بثبوت المفهوم في القضايا الشرطية ـ كما هو مقتضى التحقيق ـ فالحكم في المقام أيضاً كذلك لأنّ الموضوع للحكم بعدم الانفعال هو الماء البالغ ذلك الحدّ فبارتفاع قيد الموضوع يرتفع الحكم والمفروض عدم ثبوت دليل آخر يدلّ على قيام بعض القيود مقام ذلك القيد فبمجرّد ارتفاعه يرتفع الحكم مطلقاً ويكون الماء منفعلاً بأيّ وجه تحقّق التلاقي وأيّة خصوصية تخصّص. ولا فرق في ذلك بين الغسلة المزيلة لعين النجاسة والغسلة غير المزيلة لأنّ الكلام بعد فرض تنجّس الماء القليل بملاقاة الأعيان النجسة وما يقوم مقامها وهي المتنجّسات فلا فرق بين الغسلتين كما أنّه لا فرق بين الغسلة غير المطهّرة وبين الغسلة المطهِّرة كما لايخفى.
نعم يمكن أن يقال بعدم جواز التمسّك بتلك الأدلّة ولو قلنا بثبوت المفهوم أولاً وعدم كون الإطلاق راجعاً إلى العموم ثانياً لأنّ نقيض قوله: «لم ينجّسه شيء» إنّما هو تأثير بعض الأشياء ولو في بعض الحالات لعدم خروجه عن عنوان الشيئية في ذلك الحال إذ يصدق انّه نجّسه شيء، ألا ترى انّه لو قيل: «لا يقدر أحد على رفع هذه الصخرة ـ مثلاً ـ» فمع قدرة بعض الأشخاص ولو في بعض الأحوال تكون القضية كاذبة كما يظهر بمراجعة العرف فلا يمكن إثبات الإطلاق الاحوالي في ناحية المفهوم بعد صدق النقيض وتحقّقه بتنجيس بعض الأشياء في بعض الحالات، وعليه