(الصفحة 235)
هو كون الماء المتنجّس قبل التطهير موجباً لطهارة المحلّ، وامّا الماء الطاهر المستعمل في التطهير فلا مانع من اكتسابه النجاسة من المحلّ، كما أنّ المحلّ يكتسب الطهارة منه ففي الحقيقة يكون التطهير بمثل هذا الماء موجباً لأن يكتسب كلّ واحد من الماء والمحلّ وصف الآخر فيصير الماء نجساً والمحلّ طاهراً وإن كان قبل التطهير عكس ذلك، والمقدار المتخلّف منه في الثوب بعد العصر وانفصال الغسالة لا يعدّ ماء عرفاً لأنّ المفروض تحقّق العصر بالنحو المتعارف فليس هو ماء قليل حتّى يحكم عليه بالنجاسة بمقتضى أدلّة الانفعال بل قد عرفت انّه قبل العصر أيضاً لا يكون هناك ماء، وانّما يتحقّق بعد اجتماع الأجزاء والذرّات بالعصر فيصدق انّه ماء قليل لاقى نجساً.
وامّا الدليل الخاص فهو مثل موثقة عمّار المتقدّمة الواردة في كيفية تطهير الإناء والكوز الدالّة على أنّ الطهارة تتوقّف على إفراغ الماء الثالث أيضاً مع أنّه لو كانت الغسالة طاهرة لما كان هناك حاجة إلى هذا الإفراغ وقد عرفت انّ دعوى كون ذلك لأجل توقّف عنوان الغسل على الافراغ مدفوعة فمثل هذه الموثّقة دليل على نجاسة الغسالة في الغسلة المتعقّبة أيضاً.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّ الأقوى من هذه الأقوال الأربعة هو القول بالنجاسة الذي هو مختار المشهور والماتن ـ دام ظلّه ـ .
(الصفحة 236)
(تنبيهان)
الأوّل: انّه بناء على القول بنجاسة الغسالة ـ كما عرفت انّه الأقوى ـ وعلى القول بنجاسة ما يلاقي ملاقى النجس ـ كما سيأتي تحقيقه في باب النجاسات ـ فهل يعتبر في غسل ملاقى الغسالة ما يعتبر في غسل المحلّ المنفصل عنه هذه الغسالة من الوحدة أو الاثنتين أو الأزيد مثلاً لو كانت الغسالة غسالة للبول وقلنا باعتبار التعدّد في غسله فيعتبر في غسل ملاقي الغسالة التعدّد من دون فرق بين الغسلة الاُولى والثانية، أم لا يعتبر فيه ذلك، أو يقال بالتفصيل بين ما لو كانت الغسالة للغسلة الاُولى فيعتبر فيه التعدّد وبين ما لو كانت للثانية فلا يعتبر فيه؟ وجوه.
والتحقيق انّه ليس في الأدلّة ما يمكن أن يستفاد منه حكم ملاقي الغسالة من حيث اعتبار التعدّد في غسله وعدمه، والاعتبار وإن كان ربما يساعد التفصيل لعدم مزيد حكم الفرع على الأصل فالغسالة للغسلة الاُولى لا يزيد حكمها على النجاسة الموجودة في المحلّ قبل الغسلتين، وللغسلة الثانية لا يزيد حكمها على المحلّ الذي لا يحتاج إلاّ إلى غسلة واحدة في تلك الحال، إلاّ أنّه لا يمكن إثبات الحكم الشرعي من طريق العقل والاعتبار لأنّ هذا هو القياس الذي يوجب محق الدين وبطلان الشريعة على معتقد الإمامية ورأى العترة الطاهرة النبوية(صلى الله عليه وآله) فالواجب الغسل بمقدار قام الإجماع على عدم اعتبار أزيد منه.
نعم يمكن أن يستفاد من رواية العيص بن القاسم ـ المتقدّمة ـ الدالّة على وجوب غسل الثوب إذا أصابته قطرة من طشت كان من بول أو قذر، عدم اعتبار التعدّد والاكتفاء بالغسل الواحد بتقريب أن يقال: إنّ الظاهر من الجواب المشتمل على وجوب الغسل ـ من دون التعرّض لكيفيته ـ اعتبار ما يصدق عليه الغسل بنظر العرف، ولو كان لغسله كيفية مخصوصة كالبول وولوغ الكلب ونظائرهما لكان
(الصفحة 237)
اللاّزم البيان كما في تلك الموارد .
ودعوى: عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة بل من جهة أصل النجاسة والطهارة.
مدفوعة بكونها عارية عن الشاهد فإنّه لا فرق بين السؤال في هذه الرواية وبين السؤال في روايات البول ونظائره حيث أجاب فيها الإمام(عليه السلام) بنحو يزيل الشكّ عن كيفية التطهير ولم يجب في المقام كذلك وليس إلاّ لاعتبار كيفية مخصوصة وطريق خاص في تطهير البول ونظائره دون الغسالة، وهذا يجري في جميع الموارد التي اكتفى فيها في مقام الجواب على الأمر بالغسل فقط من دون أن يتعرّض لكيفيته فتدبّر.
ولكنّه لا يخفى انّ هذا الظهور لا يبلغ حدّاً موجباً للمنع عن جريان استصحاب النجاسة إلى أن يعلم المزيل خصوصاً بعدما عرفت من الطعن في سند الرواية وإن استظهرنا فيما تقدّم انّ نسبة الرواية إلى العيص تدلّ على وجدانها في كتابه وانّ طريق الشيخ(قدس سره) إليه صحيح كما يظهر من «الفهرست» إلاّ انّه مع ذلك لا يبقى وثوق فالظاهر وجوب الغسل إلى أن يعلم المزيل.
الثاني: انّه لو قلنا بطهارة الغسالة ـ على خلاف ما يقتضيه التحقيق كما مرّ ـ فهل يجوز استعمالها في رفع الحدث والخبث، أو في رفع الثاني فقط، أو لا يجوز استعمالها في رفع شيء منهما؟ وجوه.
مقتضى القاعدة جواز استعمالها في رفع كلّ منهما بعد أنّه لا يعتبر في رفع الحدث إلاّ كون الرافع ماءً طاهراً وفي رفع الخبث إلاّ الغسل بالماء الطاهر ومن المعلوم عدم خروجها عن عنوان المائية ودعوى الانصراف ممنوعة والمفروض طهارتها فلا مانع من استعمالها في رفع الحدث والخبث.
(الصفحة 238)
إلاّ أنّ المستفاد من رواية عبدالله بن سنان ـ المتقدّمة في بحث الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ـ عدم جواز استعمالها في رفع الحدث لأنّ فيها قوله(عليه السلام): «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه» وقد مر أنّ المراد بالثوب هو الثوب المتنجّس الذي يحتاج إلى التطهير بالغسل، وعليه فتدلّ الرواية على أنّ الماء المستعمل في غسله لا يجوز التوضّي منه وأشباهه، ولكن ليس في الرواية دلالة على طهارته ومن المحتمل أن يكون عدم الجواز مسبّباً عن نجاسته ولذا أيّدنا القول بالنجاسة بهذه الرواية، فالاستدلال بها للمقام يبتني على إثبات الطهارة قبلاً وانّ الرواية تدلّ على عدم الجواز في فرض الطهارة وأين الطريق إلى إثبات ذلك كما أنّك عرفت ضعف سند الرواية بأحمد بن هلال الذي هو مرمي بالغلوّ ـ تارة ـ وبالنصب ـ اُخرى ـ وقد عرفت أيضاً عدم تمامية شيء من القرائن التي ذكرها الشيخ(قدس سره) في كتاب الطهارة لإلحاق الرواية بالصحاح فراجع، فالرواية غير صالحة لإثات حكم على خلاف القاعدة.
نعم ربما يستند في عدم جواز استعمال الغسالة في رفع شيء من الحدث والخبث إلى انعقاد الإجماع على عدم الجواز ولكن هذا الاستناد غير صحيح أيضاً بعد وضوح انّ أكثر المجمعين غير قائلين بطهارة الغسالة لذهاب المشهور إلى نجاسته، والكلام إنّما هو بعد فرض الطهارة فالقاعدة باقية بحالها.
(الصفحة 239)
مسألة 25 ـ ماء الاستنجاء سواء كان من البول أو الغائط طاهر إذا لم يتغيّر أحد أوصافه الثلاثة، ولم يكن فيه أجزاء متميّزة من الغائط ولم يتعد فاحشاً على وجه لا يصدق معه الاستنجاء ولم تصل إليه نجاسة من خارج، ومنه ما إذا خرج مع البول أو الغائط نجاسة اُخرى مثل الدم حتى ما يعدّ جزء منهما على الأحوط1.
مسألة 26 ـ لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد وإن كان أحوط2.
1 و 2 ـ الكلام في المسألتين إنّما يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في طهارة ماء الاستنجاء أو كونه معفوّاً عنه بمعنى انّه هل يكون ماء الاستنجاء مستثنى من أدلّة انفعال الماء القليل فلا يكون نجساً أصلاً أم يكون معفوّاً عنه وإن كان نجساً، لتوافق النص والفتوى على عدم البأس به فيه وجهان بل قولان والمهمّ في هذا المقام الأخبار الواردة في المسألة فلابدّ من نقلها حتى يظهر مفادها فنقول:
منها: رواية الأحول قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) أخرج من الخلاء فاستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ قال: لا بأس به.
والظاهر من نفي البأس هي الطهارة كما هو المتفاهم عند العرف من هذه الجملة في أمثال المقام خصوصاً بعد ظهور انّ مراد السائل إنّما هو السؤال عن النجاسة والطهارة، كما يشهد بذلك التعبير بمثل ذلك في كثير من الأخبار التي لا إشكال في أنّ المراد بنفي البأس الوارد فيها هي الطهارة، وكذلك عبارات الأصحاب فإنّ من تتبّعها لا يكاد يشكّ في أنّ غرضهم من هذه العبارة هو بيان الطهارة في مقابل النجاسة لا مجرّد المعفوّ فراجع.