(الصفحة 230)
يكن موضوع فلا حكم وبه يتّضح الجواب عن الجميع لأنّ العصر على هذا لا يكون منجّساً بل كان موجباً لوجود الموضوع وهو الماء فيحكم عليه بالنجاسة بمقتضى أدلّة الانفعال ولا يكون الماء عين الملاقاة فاقداً للطهارة حتى لا يعقل أن يعطيها وليس لنا ماء أصلاً بعد الملاقاة وقبل العصر كي تسري نجاسته إلى المحل فهذه الوجوه الثلاثة غير تامّة.
ومنها: الأخبار الواردة في طهارة ماء الاستنجاء بتقريب انّه لا خصوصية لها بنظر العرف فلا فرق عندهم بين أن يكون الماء مستعملاً في غسل محلّ النجو، وبين أن يكون مستعملاً في تطهير غيره بل الثاني أولى من ماء الاستنجاء من جهة عدم عروض النجاسة له كما لا يخفى.
وأنت خبير بأنّه لا يجوز إلغاء الخصوصية من تلك الأخبار بعد ملاحظة انّ الشارع قد وسع في الاستنجاء حتى جوّزه بالأحجار وبغيرها فيمكن أن تكون طهارة مائه أيضاً حكماً مختصّاً به فلا يجوز قياس الغير إليه، وأيضاً فلا إشكال في أنّ الثوب إذا تنجّس بالبول يجب صبّ الماء عليه مرّتين ـ كما هو المشهور بل كاد أن يكون إجماعياً ـ مع أنّه أفتى بعض المحقّقين من الفقهاء كالمحقّق(قدس سره) بأنّه يكفي في غسل محلّ البول إذا خرج منه صبّ مثلي ما على الحشفة مرّة واحدة فمن هذا ونظائره يحصل الاطمئنان بأنّ غالب أحكامها إنّما هو للتوسعة ورفع التضييق لكثرة الابتلاء بهما ومعه لا يبقى مجال لإلغاء الخصوصية.
نعم قد يتمسّك بالتعليل الوارد في بعض تلك الأخبار وهو ما رواه الصدوق في العلل عن أبيه عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن يونس بن عبد الرحمن عن رجل عن الغير أو عن الأحول انّه قال لأبي عبدالله(عليه السلام) في حديث: الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به فقال: لا
(الصفحة 231)
بأس، فسكت فقال: أوتدري لِمَ صار لا بأس به؟ قال: قلت: لا والله، فقال: إنّ الماء أكثر من القذر.
وفيه ـ مضافاً إلى جهالة بعض رواته ـ انّ الأخذ بعموم التعليل الظاهر في انّه كلّما كان الماء أكثر من القذر فهو طاهر ممّا لم يقل به أحد حتّى العماني، فإنّ الظاهر انّه يقول بالطهارة في خصوص ما إذا كان الماء الذي هو أكثر من القذر باقياً على حقيقته غير منقلب عنها إلى حقيقة اُخرى، وـ حينئذ ـ يدور الأمر بين رفع اليد عن العموم والأخذ بقول العماني، وبين تخصيصه بمطلق ماء الغسالة، وبين التخصيص بخصوص ماء الاستنجاء والأوّل لا يقول به المستدلّ ولا ترجيح للثاني على الثالث كما هو ظاهر.
ومنها: رواية محمد بن النعمان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: أستنجي ثمّ يقع ثوبي فيه وأنا جنب؟ فقال: لا بأس به. بتقريب انّ المراد بقوله: «وأنا جنب» هو وجود شيء من المني على الفرج المغسول في حال الاستنجاء فيكون الماء الواقع فيه الثوب غسالة للجنابة أيضاً فحكم الإمام(عليه السلام) بنفي البأس الذي مرجعه إلى طهارة الماء يرجع إلى الحكم بطهارة الغسالة.
وفيه ـ مضافاً إلى أنّ ظاهر عبارة السؤال انّ الجنابة إنّما هي في حال وقوع الثوب في الماء وهو متأخّر عن الاستنجاء كما يظهر من التعبير بكلمة «ثم» وـ حينئذ ـ يكون مضمون السؤال مشوشاً ولا يجوز الاستناد إليه ـ انّا ولو سلّمنا انّ المراد هو الاستنجاء في حالة الجنابة لكن لا دليل على كونها كناية عن وجود شيء من المني على الفرج إذ لا ملازمة بينها وبينه لإمكان طهارة بدن الجنب، وـ حينئذ ـ فالتقييد به في السؤال لعلّه لأجل انّه يحتمل السائل أن تكون الجنابة موجبة لرفع ما كان معلوماً عنده من طهارة ماء الاستنجاء لاحتمال أن يكون ذلك
(الصفحة 232)
مختصّاً بما إذا لم يكن المستنجى جنباً فتدبّر.
ومنها: مرسلة الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام) قال: سُئل عن مجتمع الماء في الحمّام من غسالة الناس يصيب الثوب؟ قال: لا بأس. بتقريب انّ غسالة الحمّام لا تنفك غالباً عن الماء المستعمل في إزالة النجاسة.
وفيه ـ مضافاً إلى الإرسال ـ انّ الظاهر انّ المراد بالناس هو العامة وغرض السائل انّ غسالة العامّة ـ من حيث إنّهم كذلك ـ هل تكون نجسة أم لا فالجواب بنفي البأس لا يرتبط بالمقام بوجه.
ومنها: رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله في المركن مرّتين فإنّ غسلته في ماء جار فمرّة واحدة. ومثلها الروايات الواردة في كيفية غسل الفراش ونحوه ممّا فيه الحشو إذا أصابه البول ـ وقد جمعها في الوسائل في الباب الخامس من أبواب النجاسات ـ ولكن لا دلالة بل ولا إشعار في شيء منها على طهارة الغسالة مضافاً إلى ما في بعضها من ضعف السند.
وقد يتمسّك أيضاً على طهارة الغسالة ـ تارة ـ بلزوم الحرج والعسر الشديد على تقدير كونها محكومة بالنجاسة وأدلّة نفي الحرج ترفعها، و ـ اُخرى ـ بعدم تعرّض القدماء من الأصحاب ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ لمسألة الغسالة مع كونها من المسائل التي تعمّ بها البلوى، ومن ذلك يستكشف عدم كونها محكومة بالنجاسة وإلاّ لكان اللاّزم التعرّض لها مع شدّة الابتلاء بها كما لا يخفى.
ويرد على الأوّل ـ مضافاً إلى منع الصغرى فإنّه لا يلزم حرج أصلاً كيف والمشهور بين الفقهاء هو القول بالنجاسة على ما عرفت ـ انّه لو سلّمنا لزوم الحرج والعسر فاللاّزم الاقتصار عل يخصوص مورد لزومه فكلّ من كان الاجتناب عن الغسالة حرجياً بالإضافة إليه لا بأس له بترك الاجتناب كما في سائر النجاسات
(الصفحة 233)
ولا يختص بالغسالة ، والحرج النوعي لا دليل على عدم جعله أصلاً.
وامّا عدم تعرّض الأصحاب فـ ـ مضافاً إلى أنّه لا تصير حجّة على الطهارة لعدم تعرّضهم لكثير من المسائل التي تعمّ بها البلوى ـ انّا نمنع عدم التعرّض لأنّ المقام من فروع مسألة الماء القليل الذي حكموا فيه بالنجاسة فاكتفوا بها عن ذكر خصوصيات المصاديق والموارد.
وقد انقدح ممّا ذكرنا عدم تمامية القول بالطهارة لعدم تمامية شيء من أدلّته.
وامّا القول الثالث الذي اختاره صاحب العروة وهو التفصيل بين الغسلة المزيلة والغسلة غير المزيلة فيمكن الاستدلال له بانصراف أدلّة انفعال الماء القليل إلى النجاسات العينية والنصوص الدالّة على تنجّسه بالمتنجّس إنّما تكون في موارد خاصة والمقام ليس منها فأدلّة الانفعال قاصرة عن الشمول للغسلة غير المزيلة بل ربّما يزاد ويحكم فيها بالطهارة من دون احتياط نظراً إلى أنّ البناء على النجاسة يستلزم تخصيص ما دلّ على عدم مطهّرية النجس وليس هو أولى من تخصيص ما دلّ على انفعال القليل وحيث لا مرجح يسقطان معاً ويرجع إلى استصحاب الطهارة.
ولكن قد عرفت سابقاً في البحث عن تنجيس المتنجّس انّ دعوى الانصراف في أدلّة الانفعال ممنوعة ولا فرق بين النجاسات العينية وغيرها، كما أنّه قد مرّ انّ المراد من قاعدة عدم مطهّرية النجس عدم مطهّرية ما كان نجساً قبل الاستعمال لا ما صار نجساً به فلا وجه للتخصيص في أدلّة الانفعال أصلاً.
وامّا القول الرابع الذي اختاره بعض الأعلام وهو التفصيل بين الغسلة غير المتعقبة وبين الغسلة التي تتعقّبها الطهارة فاستدلّ له ـ مضافاً إلى عدم جريان شيء من أدلّة نجاسة الغسالة في الغسلة المتعقّبة فاللاّزم فيها الرجوع إلى الأصل والعموم
(الصفحة 234)
الدالّ على الطهارة ـ بأنّ الالتزام بنجاسة الغسالة ـ حينئذ ـ يستلزم الالتزام بأحد محذورين فامّا أن نلتزم بطهارة الماء القليل حين ملاقاته للمتنجّس وما دام في المحل ويحكم بنجاسته عند انفصاله عنه بالعصر أو بغيره، وامّا أن نقول بانفعاله من حين وصوله للمتنجّس ونجاسته مطلقاً قبل انفصاله عنه وبعده إلاّ انّ خروجه من المتنجّس يوجب الحكم بطهارة المتنجّس كما هو صريح بعضهم ولا يمكن الالتزام بشيء منهما.
امّا الأوّل فلأنّ القليل لو كان محكوماً بالطهارة حال اتّصاله بالمتنجّس لم يكن وجه لنجاسته بعد الانفصال فلنا أن نسأل عن انّه لماذا تنجّس بعد خروجه عن المحلّ مع فرض طهارته قبل الانفصال، ودعوى انّ السبب إنّما هي الملاقاة وأدلّة الانفعال، مدفوعة بأنّ مفهوم أخبار الكر إنّما يدلّ على النجاسة من حين الملاقاة ولا دلالة لها على الانفعال بعد الملاقاة بزمان من دون أن يتنجّس به حينها.
وامّا الثاني فلأنّ طهارة المحلّ مع فرض نجاسة الماء المستعمل في تطهيره أمر بعيد وكيف يطهر بغسله بالماء النجس وذلك لأنّا إذا بنينا على نجاسة الماء حال اتصاله بالمتنجّس لزم الحكم بنجاسة المقدار المتخلّف منه في الثوب بعد عصره وانفصال غسالته فإنّ الماء لا ينفصل عن الثوب بتمامه ومع نجاسته كيف يحكم بطهارة المحلّ فلا مناص من الحكم بنجاسته فهذا الوجه كالوجه السابق بعيد عن الأنظار العرفية وإن كانا غير مستحيلين عقلاً بحيث لو قام دليل على طهارة الثوب بذلك لم يكن مانع من الالتزام بطهارة المحلّ ونجاسة الغسالة.
والجواب عن هذا القول انّه لا مناص من الالتزام بنجاسة الغسالة في المتعقبة أيضاً لقيام الدليل العام والخاص عليه: امّا الدليل العام فهو أدلّة انفعال الماء القليل وشمولها للغسلة المتعقبة أيضاً، ودعوى البُعد عن الأنظار العرفية يدفعها انّ البعيد